الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي ذكر وَفَاته صلى الله عليه وسلم
وَتوفى صلى الله عليه وسلم وَقد بلغ من السن ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وَقيل خمْسا وَسِتِّينَ وَقيل سِتِّينَ وَالْأول أصح فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حِين اشْتَدَّ الضُّحَى لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول وَقيل لليلتين خلتا مِنْهُ
قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما ولد نَبِيكُم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَخرج من مَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَدخل الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَتوفى يَوْم الِاثْنَيْنِ وَدفن صلى الله عليه وسلم لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وَقيل لَيْلَة الثُّلَاثَاء
وَكَانَت مُدَّة مَرضه اثنى عشر يَوْمًا وَقيل أَرْبَعَة عشر وَكَانَ مَرضه بالصداع
وَقيل إِن مَرضه بعد نزُول (إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح لِأَنَّهَا كَانَت
كالنعي لَهُ صلى الله عليه وسلم فَخرج صلى الله عليه وسلم يَوْم الْخَمِيس وَقد شدّ رَأسه بعصابة دسماء
وَكَانَ قد لبس عِمَامَة فرقى الْمِنْبَر فَجَلَسَ عَلَيْهِ مصفر الْوَجْه ثمَّ دَعَا بِلَال فَأمره أَن يُنَادي فِي النَّاس أَن اجْتَمعُوا لوَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا آخر وَصِيَّة لكم فَنَادَى بِلَال فَاجْتمعُوا صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ وَتركُوا أَبْوَاب بُيُوتهم مفتحة وأسواقهم على حَالهَا حَتَّى خرج العذارى من الْبيُوت ليسمعوا وَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى غص الْمَسْجِد بأَهْله وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول أوسعوا لمن وراءكم ثمَّ قَامَ فخطبهم خطْبَة بليغة طَوِيلَة ثمَّ دخل منزله فَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وَلم يخرج بعْدهَا
وَلما حَضَره الْمَوْت كَانَ عِنْده قدح فِيهِ مَاء يدْخل يَده فِيهِ وَيمْسَح وَجهه وَيَقُول (اللَّهُمَّ أَعنِي على سَكَرَات الْمَوْت)
وَلما مَاتَ اقتحموا النَّاس حِين سمعُوا الرنة وسجى صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ حبره وَقيل إِن الْمَلَائِكَة سجته فكذب بعض أَصْحَابه بِمَوْتِهِ دهشة مِنْهُم عمر وأخرس بَعضهم فَمَا تكلم إِلَّا بعد الْغَد مِنْهُم عُثْمَان وأقعد آخَرُونَ مِنْهُم عَليّ وَلم يكن فِيهِنَّ أثبت من الْعَبَّاس وَأبي بكر رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ
ثمَّ إِن النَّاس سمعُوا من بَاب الْحُجْرَة حِين ذكرُوا غسله لَا تغسلوه فَإِنَّهُ طَاهِر مطهر ثمَّ سمعُوا صَوتا بعده أغسله فَإِن ذَلِك إِبْلِيس وَأَنا الْخضر وعزاهم فَقَالَ
إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة وخلفا من كل هَالك ودركا من كل فَائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب
وَاخْتلفُوا فِي غسله فَقَالُوا لَا نَدْرِي أنجرده عَن ثِيَابه كَمَا نغسل مَوتَانا أم نغسله فِي ثِيَابه فَأرْسل الله عَلَيْهِم النّوم حَتَّى مَا بَقِي مِنْهُم رجل إِلَّا وَاضع لحيته على صَدره ثمَّ قَالَ قَائِل لَا يدْرِي من هُوَ اغسله فِي ثِيَابه فانتبهوا وغسلوه فِي قَمِيصه
وَكَانُوا لَا يُرِيدُونَ أَن يتقلب لَهُ عُضْو إِلَّا انْقَلب بِنَفسِهِ وَإِن مَعَهم لحفيفا كَالرِّيحِ يصوت بهم (ارفقوا برَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّكُم ستكفون)
وَكَانَ الَّذِي تولى غسله عَليّ بن أبي طَالب وَالْعَبَّاس عَمه وَالْفضل وَقثم بن الْعَبَّاس وَأُسَامَة بن زيد وشقران موليَاهُ وحضرهم أَوْس بن خولي الْأنْصَارِيّ ونغضه عَليّ فَلم يخرج مِنْهُ شئ فَقَالَ صلى الله عَلَيْك لقد طبت حَيا وَمَيتًا
وكفن صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة من ثِيَاب سحول بَلَده بِالْيمن لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة بل لفائف من غير خياطَة وَكَانَ فِي حنوطه الْمسك أبقى مِنْهُ عَليّ شَيْئا لحنوطه إِذا مَاتَ وَصلى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ أفرادا لم يؤمهم أحد فَقيل فعل ذَلِك ليَكُون كل مِنْهُم فِي الصَّلَاة أصلا لَا تَابعا لأحد وَقيل ليطول وَقت الصَّلَاة فَيلْحق من يَأْتِي من حول الْمَدِينَة وفرش تَحْتَهُ فِي قَبره قطيفة حَمْرَاء كَانَ يتغطى بهَا نزل بهَا شقران وَدخل قَبره الْعَبَّاس وَعلي وَالْفضل وقتم وشقران وَقيل أدخلُوا مَعَهم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف
وَقيل إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي مَكَان الدّفن فَقَالَ بَعضهم ندفنه فِي مُصَلَّاهُ وَقَالَ بَعضهم بِالبَقِيعِ فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا دفن نَبِي قطّ إِلَّا فِي الْمَكَان الَّذِي توفى فِيهِ فَدفن فِي الْموضع الَّذِي توفى فِيهِ حول فرَاشه وحفر لَهُ ولحد وأطبق عَلَيْهِ تسع لبنات
وَقيل إِنَّهُم اخْتلفُوا أيلحد لَهُ أم لَا وَكَانَ فِي الْمَدِينَة حفاران أَحدهمَا يلْحد وَهُوَ أَبُو طَلْحَة وَالْآخر يحْفر وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَة فاتفقوا على أَن من جَاءَ مِنْهُم أَولا عمل عمله فجَاء الَّذِي يلْحد فلحد لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ ذَلِك
فِي بَيت عَائِشَة رضي الله عنها ثمَّ دفن مَعَه أَبُو بكر وَعمر رضي الله عنهما
وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَسلم وَشرف وكرم ومجد وَعظم وَبَارك أنعم وَتعطف وتحنن وترحم وَأعَاد من بركاته وَجَعَلنَا من أمته وأنالنا من شَفَاعَته وحشرنا فِي زمرته إِنَّك أرْحم الرَّاحِمِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَن أَصْحَابه أَجْمَعِينَ وَعَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَنْصَار والمهاجرين وَالتَّابِعِينَ آمين