الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
94 - أحمد بن على بن حجر العسقلانى
.
الفقيه القاضى المحدّث الراوية، حافظ أهل زمانه، وواحد وقته وأوانه، له «فتح البارى، بشرح البخارى» فى ثمانية مجلدات، ومقدمة الكتاب فى مجلد آخر، وتأليف آخر سماه ب «الإصابة، فى معرفة الصحابة» . وله تاريخ حسن. وتآليفه كثيرة (1). أخذ النحو عن ابن هشام، والحديث عن أبى العباس الغمارى وغيرهما، كما هو مذكور فى فهرسته، يطول ذكرهم، ومن نظمه فى وقاد:
أحببت وقّادا كبدر طالع
…
أسكنته برضى الغرام فؤادى
وأنا الشهاب فلا يعنّف عاذلى
…
إن مات نحو الكوكب الوقاد
وله، وقد سقطت صومعة المؤيدية، وبورى بالعينى:
لمسجد مولانا المؤيد رونق
…
وصومعة تزهو من الحسن والزين
تقول وقد مالت عليه تفرّقوا
…
فليس على جسمى أضرّ من العين
فأجابه العينى بقوله:
منارة كعروس الحسن قد جليت
…
وهدّها بقضاء الله والقدر
قالوا: أصيبت بعين قلت: ذا خطأ
…
ما أوجب الهدّ إلا خسة الحجر (2)
(1) ومشهورة منها: تهذيب التهذيب فى رجال الكتب الستة، ورفع الاصر عن قضاة مصر، وتقريب التهذيب، ولسان الميزان، ونكت ابن الصلاح، والتلخيص الحبير، وتعجيل المنفعة برجال الأربعة، وتوالى التأسيس بمعالى ابن ادريس، ونخبة الفكر فى مصطلح أهل الاثر، وشرحها، وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه، وتقريب المنهج بترتيب المدرج. . الخ.
(2)
فى س: «قلت ذا غلط» .
ولابن حجر:
مرضت جوى فواصلنى حبيبى
…
وعاد إلى الجفاء فعاد ما بى
فقلت: أعد وواصل قال: كلاّ
…
فهأنا متّ من ردّ الجواب (1)
وله فى اسم إصماعيل:
لى عام ساء قلبى
…
فيه بعدى عن حبيبى
أضمر الشوق اسمه
…
عن كل لاح ورقيب (2)]
وله [رحمه الله]:
قرب الرحيل إلى ديار الآخرة
…
فاجعل إلهى خير عمرى آخره
[آنس مبيتى فى القبور ووحدتى
…
وارحم عظامى حين تبقى ناخرة
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم
…
فبحار جودك يا إلهى زاخرة (3)]
فأنا المفرّط والذى أيامه
…
ولّت بأوزار غدت متكاثرة (4)]
والطف به فى حاله ومآله
…
يا مالك الدنيا وربّ الآخرة
وله أيضا:
إن كنت تنكر حبا زادنى كلفا
…
حسبى الذى قد جرى من مدمعى وكفى
وإن شككت فسل يا عاذلى شجنى
…
هل بتّ أشكو الأسى والبثّ والأسفا
أحبابنا ويد الأسقام قد عبثت
…
بالجسم هل لىّ منكم بالوصال شفا؟
ذكرت عيشا تقضّى فى وصالكم
…
وراق منى نسيم فبكم وصفا (5)
(1) فى س «فقلت أعد وصالك» .
(2)
ما بين القوسين سقط من المطبوعة.
(3)
ما بين القوسين سقط من المطبوعة.
(4)
فى س: «فأنا المسيكين الذى أيامه» .
(5)
فى س: «تقضى فى بعادكم» . .
سرتم وخلّفتم فى الحىّ ميت هوى
…
لولا رجاء تلاقيكم لقد تلفا
وكنت أكتم حبى فى الهوى زمنا
…
حتى تكلّم دمع العين فانكشفا
سألت قلبى عن صبرى فأخبرنى
…
بأنه حين صرتم عنّى انصرفا
وقلت للطرف أين النوم بعدهم؟
…
فقال: نوم وبحر الدم قد نزقا؟ !
وقلت للجسم: أين القلب؟ قال: لقد
…
عليّ الحوادث عنه وابتغى السلفا
سرى هواهم فصار القلب يتبعه
…
حتى تعرّف آثارا له وقفا (1)
فيا خليلىّ هذا الربع لاح لنا
…
يدعو الوقوف عليه والبكاء قفا
ربع كربع اصطبارى بعد أن رحلوا
…
تجاوز الله عنهم قد خلا وعفا
ومنها:
وفتية لحمى المحبوب قد رحلوا
…
وخلّفتنى ذنوبى بعدهم خلفا
يطوون شقّه بيد كلما نشرت
…
غدوا وكلّ امرئ بالصبر ملتحفا
حتى رأوا حضرة الهادى الذى شرفت
…
قصاده وعلت فى قصده شرفا
محمد صفوة الهادى الذى انكسفت
…
إذ جاء بالحق شمس الكفر وانكشفا
الليث والغيث فى يومى نذى وردى
…
والصادق القول فى يومى وغىّ ووفا
الواهب الصارم الآلاف من كرم
…
وسطوة للعدا والصحب قد عرفا (2)
فالغيث من جوده فى البحر مغترف
…
كالليث من بأسه فى الحرب معترفا (3)
من قام فى كفّ كفّت الكفر حين سقطت
…
حقا وفى صرف صرف الدهر حين عفا (4)
(1) فى س: «سرى هواكم. . .» وفى المطبوعة: حتى تعرف أثرا. .»
(2)
فى س: «الواهب الهازم. . من سطوة» .
(3)
فى المطبوعة: «. . من جوده فى الجذب معترف»
(4)
حرص الشاعر على الصنعة البديعية جعل البيت مستغلق المعنى.
كان الأنام جميعا قبل مبعثه
…
على شفا جرف هار فعاد شفا (1)
كم بين إيوان كسرى من مناسبة
…
وبين بدر السما والكفر قد خسفا
هما انشقاقان: هذا يوم مولده
…
وذا بمبعثه الزاكى هدى سلفا
له اللواءان: ذا فى الحرب منتشر
…
وظلّ ذلك فى يوم النشور ضفا
كماله فى الندى الحوضان: كوثره
…
وكفه فاز صبّ منهما اغترفا
ومنها:
المؤثرون وإن لاحت خصاصتهم
…
على نفوسهم العافين والضّعفا
لا يستوى منفق من قبل فتحهم
…
لمنفق بعد بالإنفاق قد خلفا
والكلّ قد وعد الله المهيمن بال
…
حسنى وأولاهم من بره تحفا
من كلّ أروع حامى الدين ناصره
…
وكلّ أورع يدعى سيد الطرفا
لا تسألنّ القوافى عن مديحهم
…
إن شئت فاستنطق القرآن والصّحفا
يا سيدى يا رسول الله قد شرفت
…
قصائدى بمديح فيك قد رصفا
مدحتك اليوم أرجو الفضل منك غدا
…
من الشفاعة فالحظنى بها طرفا
أجزت كعبا فحاز الرفع من قدم
…
على الرءوس ونال البشر والتّحفا
بباب جودك عبد مدنف كلف
…
يا أحسن الناس وجها مشرقا وقفا (2)
فكم توسّل يرجو العفو عن زلل
…
من خوفه جفنه الهامى له ذرفا
والمدح فيكم قصور عنكم وعسى
…
فى الخلد يبدل فى أياته غرفا
وإن يكن نسبى يعزى إلى حجر
…
فطالما فاض عذبا طيبا وصفا
(1) فى س: «كل الأنام» وفى المطبوعة: «. . جميعها» .
(2)
المدنف فى الأصل: من أثقله المرض.
وقد ألفت قيامى فى مديحك حتى قال من لام: قد أبصرته ألفا
لا زال فيك مديحى ما حييت له
…
فما أرى بمديحى عنك منصرفا
وله، يمدح المستعين بالله: العباس بن محمد العباسى، لما ولى الخلافة سنة 815 بعد فرج بن برقوق:
الملك أصبح ثابت الأساس
…
بالمستعين العادل العبّاس
رجعت مكانة آل (1)
…
عمّ المصطفى
لمحلّها من بعد طول تناس
ثانى ربيع الآخر الميمون فى
…
يوم الثلاثاء حفّ بالأعراس
بقدوم مهدىّ الأنام أمينهم
…
مأمون غيب طاهر الأنفاس
ذو البيت طاف به الرجاء فهل ترى
…
من قاصد متردّد فى الياس
فرع نما (2)
…
من هاشم فى روضة
زاكى المنابت طيّب الأغراس
بالمرتضى والمجتبى والمشترى
…
للحمد والحالى به والكاسى
من أسرة أسروا الخطوب وطهّروا
…
مما بغيرهم من الأدناس (3)
أسد إذا حضروا الوغى وإذا خلوا
…
كانوا لمجلسهم ظباء كناس (4)
مثل الكواكب نوره ما بينهم
…
كالبدر أشرق فى دجى الإغلاس (5)
وبكفّه عند العلامة آية
…
قلم يضئ إضاءة المقباس
(1) فى المطبوعة: «خال» .
(2)
فى المطبوعة: «قضى» .
(3)
فى س: «يغيرهم» .
(4)
كنس الظبى، يكنس: دخل فى كناسه، وهو مستتره فى الشجر، لأنه يكنس الرمل حتى يصل. والظباء: نوع من بقر الوحش. راجع القاموس: مادة كنس.
(5)
الغلس: ظلمة آخر الليل، وأغلسوا: دخلوا فيها.
فلبشره للوافدين بباسم
…
يدعى وللإجلال بالعباس
فالحمد لله المعزّ لدينه
…
من بعد ما قد كان فى إفلاس
بالسادة الأمراء: أركان العلا
…
من بعد مدرك تاره ومواس
نهضوا بأعباء المناقب وارتقوا
…
فى المنصب العليا الأتمّ الراسى
تركوا العدا صرعى تقاسمها الرّدى
…
فالله يحرسهم من الوسواس (1)
وإمامهم بجلالة متقدّم
…
تقديم باسم الله فى القرطاس
لولا نظام الملك فى تدبيره
…
لم يستقم فى الملك حال الناس
حتى إذا جاء المعالى كفوها
…
خضعت له من بعد فرط شماس
طاعت له أيدى الملوك وأذعنت
…
من نيل مصر أصابع المقياس
وازداد ظلما عمّ كل معمّم
…
من سائر الأنواع والأجناس
فهو الذى قد ردّعنا البؤس فى
…
دهر به-لولاك-كلّ الباس (2)
كم نعمة الله كانت عنده
…
وكأنها فى غربة وتناص (3)
ما زال سرّ الشرّ بين ضلوعه
…
كالنار حتى صار للإرماس
كم سنّ سنّته عليه أثامها
…
حتى القيامة ماله من آس
[مكر بنى (4)
…
أركانه لكنها
للغدر قد بنيت بغير أساس (5)]
كل امرئ ينسى ويذكر تارة
…
لكنه للشرّ ليس بناس
(1) فى س: «. . لمترك الردى» .
(2)
هذا البيت والذى بعده سقط من المطبوعة.
(3)
فى س: «بين طلوعهم» . والرمس: كتمان الخبر، والدفن، والقبر. وأرمسه: دفنه وقبره.
(4)
فى س: «مكر ابن» .
(5)
سقط هذا البيت من المطبوعة.
أملى له ربّ الورى حتى إذا
…
أخذوه لم يفلته من أنكاس
وأدالنا منه المليك بمالك
…
أيامه صدرت بغير قياس (1)
فاستبشرت أم القرى والأرض من
…
شرق وغرب والمقيم بفاس (2)
آيات مجد لا يحاول جحدها
…
فى الناس غير الجاهل الخنّاس
ومناقب العباس لم تجمع سوى
…
لحفيده ملك الورى العباس
لا تنكروا للمستعين رياسة
…
فى الملك من بعد الجحود القاسى
فبنو أميّة قد أتى من بعدهم
…
فى سالف الدنيا بنو العباس
وأتى أشجّ بنى أميّة ناشرا
…
للعدل من بعد المبير الخاسى (3)
مولاى عبدك قد أتى لك راجيا
…
منك القبول فلا يرى من باس
لولا المهابة طوّلت أمداحه
…
لكنّها جاءته بالقسطاس
(1) فى س: «وأدالنا. . لمالك» .
(2)
فى س: «شرق وغرب والقريب وفاس» .
(3)
يعنى بالمبير: الحجاج بن يوسف الثقفى، ولاه عبد الملك بن مروان الحجاز فقتل ابن الزبير، ثم عزله عنها وولاه العراق. قال ابن كثير: كان فيه شهامة وفى سيفه رهق، وكان كثير قتل النفوس التى حرمها الله بأدنى شبهة، وكان يغضب غضب الملوك، وكان فيما يزعم يتشبه بزياد ابن أبيه. وقد ولد سنة تسع وثلاثين-على خلاف-ونشأ شابا لبيبا، فصيحا بليغا، حافظا للقرآن، قيل: كان يقرأ القرآن كله ليلة. ولما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير سنة ثلاث وسبعين، بعث الحجاج الى أخيه عبد الله بمكة فحاصره بها، وأقام للناس الحج عامئذ ولم يتمكن هو ومن معه من الطواف بالبيت ولا تمكن ابن الزبير من الوقوف بعرفة ولم يزل محاصره حتى ظفر به، ثم استنابه عبد الملك على مكة والمدينة والطائف واليمن ثم نقله الى العراق بعد موت أخيه بشر، فدخل الكوفة، وقال لهم، وفعل بهم من الأفاعيل ما هو مشهور فى التاريخ وقد دخل على أسماء بنت-
ما دام رب الناس عزّك دائما
…
بالحقّ محروسا بربّ الناس
وبقيت تستمع المديح لخادم
…
لولاك كان من الهموم يقاسى
عبد صفا ودّا وزمزم حاديا
…
وسعى على العينين قبل الراس
-أبى بكر بعد أن قتل ابنها عبد الله فقال: ان ابنك ألحد فى هذا البيت وان الله أذاقه من عذاب أليم؟ فقالت: كذبت؟ كان برا بوالديه، صواما قواما، والله لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من ثقيف رجلان: مبير وكذاب: فأما الكذاب فابن أبى عبيد: تعنى المختار، وأما المبير فأنت». وكانت وفاة الحجاج سنة 95. راجع البداية والنهاية 9/ 117 وما بعدها وقد ذكر رواية أحمد وأبى يعلى ومسلم للحديث المذكور. وأما الأشج فهو الخليفة العادل: عمر بن عبد العزيز وسبب وصفه بهذا: أنه دخل الى اصطبل أبيه مرة فضربه فرس فشجه فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول: ان كنت أشج بنى أمية انك اذا لسعيد. وكان يقال: الناقص والأشج أعدلا بنى مروان. وكان الثورى يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبد العزيز، وهكذا روى عن أبى بكر ابن عياش والشافعى وغير واحد. قالت زوجته فاطمة: دخلت يوما عليه وهو جالس فى مصلاه واضعا خده على يده، ودموعه تسيل على خديه، فقلت: مالك؟ فقال: ويحك يا فاطمة! قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت فتفكرت فى الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعارى المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور، والغريب والأسير، والشيخ الكبير، وذى العيال الكثير، والمال القليل، وأشباههم هى أقطار الأرض، وأطراف البلاد فعلمت أن ربى سيسألنى عنهم يوم القيامة، وأن خصمى دونهم محمد صلى الله عليه وسلم فخشيت أن لا يثبت لى حجة عند خصومته، فرحمت نفسى فبكيت. وقد قال جماعة من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل فى قوله صلى الله عليه وسلم:«ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها» : ان عمر بن عبد العزيز كان على رأس المائة الأولى. توفى رحمه الله سنة احدى أو اثنتين ومائة، وعمره زهاء الأربعين. راجع ترجمته فى البداية والنهاية 9/ 192 وما بعدها.