الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فُرُوعٌ فِي السَّلَامِ وَرَدِّهِ بِاللَّفْظِ وَبِالْإِشَارَةِ]
إذَا الْتَقَيَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَأَ صَاحِبَهُ بِالسَّلَامِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِجَابَةُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الشَّاشِيُّ مِنْهُمْ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ كَانَ جَوَابًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَصَاحِبِ النَّظْمِ قَالَ وَجِيهُ الدِّينِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ ابْتِدَاءً لَا جَوَابًا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجَوَابَ لِأَنَّ هَذِهِ صِيغَةُ جَوَابٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا.
وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى أَصَمَّ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ لَمْ يَجِبْ الْجَوَابُ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَصَمُّ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ فِي الرَّدِّ وَالْجَوَابِ، فَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَسَلَامُهُ بِالْإِشَارَةِ وَكَذَلِكَ جَوَابُ الْأَخْرَسِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى أَخْرَسَ أَوْ رَدَّ سَلَامَهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ وَالْوَاجِبُ مِنْهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ قَدْرَ الْإِبْلَاغِ وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا.
قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنهما: «زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْزِلِنَا فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَرَدَّ سَعْدُ خَفِيًّا، فَقُلْتُ أَلَا تَأْذَنُ لِرَسُولِ اللَّهِ قَالَ ذَرْهُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا يُكْثِرُ عَلَيْنَا مِنْ السَّلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَرَدَّ سَعْدُ رَدًّا خَفِيًّا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ تَسْلِيمَكَ وَأَرُدُّ عَلَيْكَ رَدًّا خَفِيًّا لِتُكْثِرَ عَلَيْنَا مِنْ السَّلَامِ» ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، فَوُجِّهَ مِنْهُ أَنَّهُ اكْتَفَى صلى الله عليه وسلم بِرَدِّ سَعْدٍ هَذَا حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِرَدٍّ يَسْمَعُهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ هَذَا الرَّدَّ.
وَيَنْبَغِي فِي هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْحَالِ فَإِنْ
أَفْضَى الرَّدُّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَى مَفْسَدَةٍ تَعَيَّنَ مَا قَالَ الْأَصْحَابُ.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: «مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ جِبْرِيلُ جَالِسٌ فِي الْمَقَاعِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَجَزْتُ فَلَمَّا رَجَعْتُ وَأَبْصَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي قُلْتُ نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ» .
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالسَّلَامِ بِلَا فَائِدَةٍ وَرُبَّمَا آذَى. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجِيءُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ» .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ كَانَ رُبَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِيَدِهِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّلَامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَسَيَأْتِي، فَقَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيْ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكَ، وَمَعْنَاهُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَيْ أَنْتَ فِي حِفْظِهِ كَمَا يُقَالُ اللَّهُ يَصْحَبُكَ وَاَللَّهُ مَعَكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ أَيْ السَّلَامَةُ مُلَازِمَةٌ لَكَ.