الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي زَوَالِ الْهَجْرِ وَمَسَائِلُ فِي الْغِيبَةِ، وَمَتَى تُبَاحُ بِالسَّلَامِ]
وَالْهَجْرُ الْمُحَرَّمُ يَزُولُ بِالسَّلَامِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَزَادَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَالْهِجْرَانُ الْجَائِزُ هَجْرُ ذَوِي الْبِدَعِ أَوْ مُجَاهِرٍ بِالْكَبَائِرِ وَلَا يَصِلُ إلَى عُقُوبَتِهِ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى مَوْعِظَتِهِ، أَوْ لَا يَقْبَلُهَا، وَلَا غِيبَةَ فِي هَذَيْنِ فِي ذِكْرِ حَالِهِمَا قَالَ فِي الْفُصُولِ لِيَحْذَرْ مِنْهُ، أَوْ يَكْسِرْهُ عَنْ الْفِسْقِ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ الْإِزْرَاءَ عَلَى الْمَذْكُورِ، وَالطَّعْنَ فِيهِ وَلَا فِيمَا يُشَاوَرُ فِيهِ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ الْمُخَاطَبَةِ.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَسْأَلُ الرَّجُلَ يَخْطُبُ إلَيْهِ فَيَسْأَلُ عَنْهُ فَيَكُونُ رَجُلَ سَوْءٍ، فَيُخْبِرُهُ «مِثْلَ مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لِفَاطِمَةَ: مُعَاوِيَةُ عَائِلٌ، وَأَبُو جَهْمٍ عَصَاهُ عَلَى عَاتِقِهِ» . يَكُونُ غِيبَةً إنْ أَخْبَرَهُ قَالَ:«الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» يُخْبِرُهُ بِمَا فِيهِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: مَا أَرْضَاهُ لَك وَنَحْوُ هَذَا حَسَنٌ. وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ، أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَعْنَى الْغِيبَةِ يَعْنِي فِي النَّصِيحَةِ قَالَ: إذَا لَمْ تُرِدْ عَيْبَ الرَّجُلِ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنِي حَرْبٌ سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ فَلَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عُتْبَةَ ثَنَا ضَمْرَةُ أَنْبَأَنَا ابْنُ شَوْذَبٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ لِلْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ بِفِسْقِهِ غِيبَةٌ. أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: إنَّمَا الْغِيبَةُ لِمَنْ لَمْ يُعْلِنْ بِالْمَعَاصِي وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ فِي رَجُلٍ صَاحِبِ قَيْنَاتٍ وَمَعَازِفَ يُؤْذِي أَهْلَ الْمَسْجِدِ إذَا ذَكَرَ مَا فِيهِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْلَنَ لَا يَضُرّهُ إذَا حَدَّثَ النَّاسَ عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْغِيبَةُ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّجُلِ مَا فِيهِ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: حَدِيثُ بَهْزٍ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ وَلَفْظُهُ «أَتَرْغَبُونَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاسِقِ كَيْ يَعْرِفَهُ النَّاسُ؟ اُذْكُرُوهُ» ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وَغَيْرُهُ وَخَبَرُ بَهْزٍ هَذَا لَهُ طُرُقٌ عَنْهُ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَمْثَلُهَا الْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةُ الْمَجَالِسِ عَنْ النَّبِيِّ: صلى الله عليه وسلم «ثَلَاثَةٌ لَا غِيبَةَ فِيهِمْ الْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ بِفِسْقِهِ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ، وَالسُّلْطَانُ الْجَائِرُ» قَالَ: وَقَالَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ: مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلَا غِيبَةَ فِيهِ.
وَقَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ فُرَافِصَةَ قُلْت لِمُجَاهِدٍ: الرَّجُلُ يَكُونُ وَقَّاعًا فِي النَّاسِ فَأَقَعُ فِيهِ أَلَهُ غِيبَةٌ قَالَ: لَا قُلْت: مَنْ ذَا الَّذِي تَحْرُمُ غِيبَتُهُ قَالَ: رَجُلٌ خَفِيفُ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، خَفِيفُ الْبَطْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، أَخْرَسُ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ، فَهَذَا حَرَامُ الْغِيبَةِ، وَمَنْ كَانَ سِوَى ذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا غِيبَةَ فِيهِ، فَهَذِهِ فِي غَيْرِ النَّصِيحَةِ.
وَرِوَايَةُ الْكَحَّالِ تَحْرِيمُ الْغِيبَةِ مُطْلَقًا، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْلِنِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ أَنَّ مَنْ جَازَ هَجْرُهُ جَازَتْ غِيبَتُهُ، وَمُرَادُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ لَا فَلَا، وَرِوَايَةُ الْكَحَّالِ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ لَقَبٍ كَالْأَعْمَشِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ الْأَثْرَمِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِهِ.
وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى غِيبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ بِقَوْلِهِ عليه السلام فِي «عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ لَمَّا اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ: بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا خَبَرُ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ الْمَظْنُونِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَخَلَّفَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِتَبُوكَ:«مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْت، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ» ، فَفِيهِ الطَّعْنُ بِالِاجْتِهَادِ وَالظَّنِّ، وَأَنَّ مَنْ ظَنَّ غَلَطَ الطَّاعِنِ رَدَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمِنْ الْغِيبَةِ لِلتَّظَلُّمِ قَوْله تَعَالَى:{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ؛» لِقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ قَالَ: وَعَلَى هَذَا أَرَى قَوْله تَعَالَى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] .
أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْجِنْسِ لَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ كَمَا كَانَ يَقُولُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الزُّبَيْدِيُّ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمَظْلُومَ إذَا شَكَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى اقْتَضَى عَدْلُ اللَّهِ عز وجل الْإِيقَاعَ بِظَالِمِهِ فَيُحِبُّ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَنْ يَجْهَرَ الْمَظْلُومُ بِالشَّكْوَى لِيَكُونَ الْمُقَدَّرُ وَالْإِيقَاعُ بِالظَّالِمِ مَبْسُوطَ الْعُذْرِ عِنْدَ الْخَلْقِ، وَزَاجِرًا لِأَمْثَالِهِ عَنْ أَمْثَالِ فَاعِلِهِ، وَإِنَّمَا يُمْهِلُ الظَّالِمَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْخَلْقَ إذَا مَلَكَ أَحَدُهُمْ مَمْلُوكِينَ فَجَنَى عَلَى أَحَدِهِمْ جِنَايَةً، فَإِنَّ أَرْشَهَا لِسَيِّدِهِ، فَالْخَلْقُ مِلْكٌ لِلَّهِ عز وجل، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، فَلَوْلَا هَذِهِ الْحَالَةُ لَمَا كُنْت أَطْمَعُ لِلظَّالِمِ أَنْ يُؤَخَّرَ الْإِيقَاعُ بِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَالْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ: إلَّا أَنْ يَدْعُوَ الْمَظْلُومُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَرْخَصَ لَهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ إلَّا أَنْ يَنْتَصِرَ الْمَظْلُومُ مِنْ ظَالِمِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنْ يُخْبِرَ الْمَظْلُومُ بِظُلْمِ مَنْ ظَلَمَهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَجْهَرَ الضَّيْفُ بِذَمِّ مَنْ يَضِيفُهُ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ بِفَتْحِ الظَّاءِ قَالَ ثَعْلَبُ: هِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ} [النساء: 147] ؟ {إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] وَقِيلَ: الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَجْهَرَ الظَّالِمُ بِالسُّوءِ ظُلْمًا، وَقِيلَ: إلَّا أَنْ يَجْهَرُوا بِالسُّوءِ لِلظَّالِمِ. فَعَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَمَعْنَاهُ لَكِنْ الْمَظْلُومُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ لِظَالِمِهِ بِالسُّوءِ، وَلَكِنْ يَجْهَرُ بِالسُّوءِ وَاجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ {مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] أَيْ: أَقَامَ عَلَى النِّفَاقِ فَيُجْهَرُ لَهُ بِالسُّوءِ حَتَّى يَنْزِعَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ هِنْدٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ
شَحِيحٌ» ، وَقَوْلُ الْحَضْرَمِيِّ أَوْ الْكِنْدِيِّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَالَ:«لَك يَمِينُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهُ رَجُلٌ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي» قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَفِيهِ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: إنَّهُ ظَالِمٌ، أَوْ فَاجِرٌ أَوْ نَحْوُهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ وَيَتَأَوَّلُ الْخَبَرَ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ الشَّرِيدِ مَرْفُوعًا «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ وَكِيعٌ عِرْضُهُ شِكَايَتُهُ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ، وَلَعَلَّ مِنْ هَذَا مَا جَرَى بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ لَمَّا تَحَاكَمَا فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَأَوِّلًا مَعْذُورًا فِي قَوْلِهِ لِلْآخَرِ، فَإِنَّهُ أُشْكِلَ عَلَى جَمَاعَةٍ حَتَّى أَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَسَعْدٌ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا قِيلَ، لَكِنْ كَانَ الْقَوْلُ فِي الْوَجْهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِالْجِيرَانِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَفِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ «خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو فُلَانٍ» الْحَدِيثُ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِيهِ جَوَازُ تَفْضِيلِ الْقَبَائِلِ وَالْأَشْخَاصِ بِغَيْرِ مُجَازَفَةٍ وَلَا هَوًى وَلَا يَكُونُ هَذَا غِيبَةً. وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ.
وَلَيْسَتْ الْغَيْرَةُ عُذْرًا فِي غِيبَةٍ وَنَحْوِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْأَصْحَابِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَلَّ أَنْ يَصِحَّ رَأْيٌ مَعَ فَوْرَةِ طَبْعٍ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ إلَى حِينِ الِاعْتِدَالِ، وَهُوَ أَيْضًا مَعْنَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَنْ لَا يَقَعَ طَلَاقٌ مِنْ غَضَبٍ حَتَّى تَغَيَّرَ، وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ كَالْمُكْرَهِ، وَذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ لِذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، فَقُلْت: وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءُ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ فَأَبْدَلَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا» ؟ الْغَيْرَةُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَصْدَرُ غَارَ الرَّجُلُ يَغَارُ غَيْرَةً وَغَيْرًا وَغَارًا. وَالْغِيرَةُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمِيرَةُ وَالنَّفْعُ. .
وَقَوْلُهَا: حَمْرَاءُ الشِّدْقَيْنِ أَيْ: لَمْ يَبْقَ بِشِدْقِهَا بَيَاضُ شَيْءٍ مِنْ الْأَسْنَانِ قَدْ سَقَطَتْ مِنْ الْكِبَرِ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ: الْغَيْرَةُ مُسَامَحٌ لِلنِّسَاءِ فِيهَا لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِنَّ فِيهَا لِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يَزْجُرْ عَائِشَةَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَةَ لِصِغَرِ سِنِّهَا، وَأَوَّلِ شُبَيْبِهَا، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ، كَذَا قَالَ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْإِنْكَارَ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي أَعْرِفُ إذَا كُنْت رَاضِيَةً عَنِّي وَإِذَا كُنْت عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ: فَقُلْت: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا إذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّك تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْت غَضْبَى قُلْت: لَا وَرَبِّ إبْرَاهِيمَ قُلْت: أَجَلْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إلَّا اسْمَك» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْغَيْرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِلنِّسَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهِنَّ مِنْهَا حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ: يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إذَا قَذَفَتْ زَوْجَهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ قَالَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَدْرِي الْغَيْرَاءُ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَلِهِ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا فِيهِ، لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَجْرَهُ كَبِيرَةٌ. عَظِيمَةٌ وَلِهَذَا قَالَتْ لَا أَهْجُرُ إلَّا اسْمَك. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا وَحُبَّهَا كَمَا كَانَ، وَإِنَّمَا الْغَيْرَةُ فِي النِّسَاءِ لِفَرْطِ الْمَحَبَّةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ، وَقَالَتْهُ حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَرْطُ الْغَيْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَمْرَ الْغَيْرَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَمَا قَالَهُ لَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ.
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْأَزْرَقَ عَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا: «غَيْرَتَانِ إحْدَاهُمَا يُحِبُّهَا اللَّهُ عز وجل، وَالْأُخْرَى يُبْغِضُهَا اللَّهُ عز وجل: الْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِهَا يُبْغِضُهَا اللَّهُ عز وجل، وَالْمَخِيلَةُ إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ يُحِبُّهَا، وَالْمَخِيلَةُ فِي الْكِبْرِ يُبْغِضُهَا اللَّهُ عز وجل وَقَالَ: ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ» .
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَ الْغَيْرَةَ فَقَطْ. قِيلَ: يَحْيَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ زَيْدٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْغَيْرَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَيُوَافِقهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْصِنِي قَالَ: لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ عَلَيْهِ قَالَ: لَا تَغْضَبْ» وَرَوَى أَحْمَدُ غَيْرَ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَفِي بَعْضِهَا مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: فَفَكَّرْت حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ ثَلَاثًا» .
وَرُوِيَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَاذَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عز وجل؟ قَالَ لَا تَغْضَبْ» . فَنَهْيُهُ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِهِ تَحْتَ الْوُسْعِ وَإِلَّا لَمْ يَنْهَ عَنْ الْمُحَالِ، وَمَا كَانَ سَبَبُهُ مُحَرَّمًا أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ مَعَ وُجُودِ الْعَقْلِ إلَّا الْمُكْرَهَ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا السَّبَب إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فِيهِ، وَزَالَ عَقْلُهُ كَانَ كَزَوَالِهِ بِبَنْجٍ وَنَحْوِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ عِنْدَنَا، وَإِلَّا كَانَ كَسُكْرٍ مَعْذُورٍ فِيهِ، وَنَوْمٍ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ «أَتَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْمِلُهُ فَوَجَدَهُ غَضْبَانَ، وَحَلَفَ لَا يَحْمِلُهُمْ وَكَفَّرَ» . الْحَدِيثَ. «وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ دَعْهَا» الْحَدِيثُ وَهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.
«وَكَانَ عليه السلام عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَهْدَى بَعْضُهُنَّ إلَيْهِ طَعَامًا فَضَرَبَتْ يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ الطَّعَامَ وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ
ثُمَّ أَتَى بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَهَا إلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْهَا.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ، فَصَارَتْ قَضِيَّةً مَنْ كَسَرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ. وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَخَذَتْنِي رِعْدَةٌ مِنْ شِدَّةِ الْغَيْرَةِ، فَكَسَرْتُ الْإِنَاءَ، ثُمَّ نَدِمْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْتُ؟ فَقَالَ: إنَاءٌ مِثْلُ إنَاءٍ، وَطَعَامٌ مِثْلُ طَعَامٍ» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي بَابِ تَرْكِ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ سُمَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ «اعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِزَيْنَبِ: أَعْطِيهَا بَعِيرَكِ فَقَالَتْ: أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَجَرَهَا ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ.» سُمَيَّةُ تَفَرَّدَ عَنْهَا ثَابِتٌ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ الْجَوَابُ عَمَّا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِنْكَارَ اخْتَصَرَهُ الرَّاوِي، وَأَنَّهُ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ النَّبِيِّ فَاكْتَفَى بِهِ.
وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ بِذَلِكَ، وَظَهَرَ أَيْضًا الْجَوَابُ عَمَّا قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ إذَا لَطَمَ الْمُسْلِمُ يَهُودِيًّا عِنْدَ الْغَضَبِ، ثُمَّ رَوَى قِصَّةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمَّا سَمِعَ الْيَهُودِيَّ يَقُولُ: وَاَلَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، فَغَضِبَ فَلَطَمَهُ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ مَعَ وُجُودِ الْعَقْلِ لَا يُسَامَحُ بِسَبَبِهِ فِي الْأَفْعَالِ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ جَزَاءُ هَذَا الْفِعْلِ اخْتَصَرَهُ الرَّاوِي مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَوُضُوحِهِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلِهَذَا فَهِمَ الْبُخَارِيُّ خِلَافَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ «ابْن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وَذَكَرَ الْقِصَّةَ، «وَدُخُولَ عُمَرَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلَهُ: لَوْ رَأَيْتَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، فَغَضِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْمًا، فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي فَقَالَتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ
أُرَاجِعَكَ فَوَاَللَّهِ إنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ أَفَتَأْمَنُ إحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْسَمَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْكِ فَتَبَسَّمَ أُخْرَى فَقُلْتُ: أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: " نَعَمْ " فَجَلَسْتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ فَوَاَللَّهِ مَا رَأَيْت فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إلَّا أُهُبًا ثَلَاثَةً فَقُلْتُ: اُدْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِك، فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ عز وجل، فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ: أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ ، أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَانَ قَدْ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ، حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ عز وجل عَلَى مَوْجِدَتِهِ أَيْ: غَضَبِهِ» .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيُكْرَهُ هَجْرُ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْفُسَّاقِ الْمُدْمِنِينَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَالْأَوْلَى التَّحْرِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ عليه السلام:«لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» وَفِي رِوَايَةٍ " فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ " يَصُدُّ " بِضَمِّ الصَّادِ يُعْرِضُ أَيْ: يُوَلِّيهِ عُرْضَهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ: جَانِبَهُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى إصْرَارِهِمَا، وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا يَكُونُ سَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَةً لَهُ، فَإِنْ سَلَّمَ فَلَمْ يَقْبَلْ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَإِنْ مَاتَا عَلَى إصْرَارِهِمَا لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ جَمِيعًا أَبَدًا» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ، فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عليه السلام فَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُ مِنْ الْهِجْرَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ أَبَا عَامِرٍ أَخْبَرَهُمْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ هِلَالٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ:" إذَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ لِلَّهِ عز وجل فَلَيْسَ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَطَّى وَجْهَهُ عَنْ رَجُلٍ انْتَهَى كَلَامُهُ ". أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو وَهِلَالٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَبَاقِيهِ جَيِّدٌ. وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " فَإِنْ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ وَفِيهِ " فَإِذَا لَقِيَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ بَاءَ بِإِثْمِهِ " حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «السَّلَامُ يَقْطَعُ الْهِجْرَانَ» وَذَكَرَ النَّوَاوِيُّ رحمه الله أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا يَزُولُ الْهَجْرُ الْمُحَرَّمُ بِالسَّلَامِ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ إنْ كَانَ يُؤَدِّيهِ لَمْ يَقْطَعْ السَّلَامُ هِجْرَتَهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ السَّلَامِ يَقْطَعُ الْهِجْرَانَ؟ فَقَالَ: قَدْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَقَدْ صَدَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا» فَإِذَا كَانَ قَدْ عَوَّدَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ، وَأَنْ يُصَافِحَهُ، ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ هِجْرَانٍ فِي شَيْءٍ يُخَالَفُ عَلَيْهِ فِيهِ الْكُفْرُ فَهُوَ
جَائِزٌ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ حِين خَافَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فِيهِمْ: " لَا تُكَلِّمُوهُمْ " قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: عُمَرُ قَالَ فِي صَبِيغٍ: لَا تُجَالِسُوهُ، قَالَ: الْمُجَالَسَةُ الْآنَ غَيْرُ الْكَلَامِ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ لِي جَارٌ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أُسَلِّمُ عَلَيْهِ؟ فَسَكَتَ، وَقَدْ قَالَ لِي فِي بَعْضِ هَذَا الْكَلَامِ: لَا تُسَلِّمْ عَلَيْهِ وَلَا تُجَالِسْهُ. قَالَ الْقَاضِي: فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْهِجْرَةِ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ بَلْ يَعُودُ إلَى حَالِهِ مَعَ الْمَهْجُورِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الْأَثْرَمِ وَقَوْلَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ لَا يُكَلِّمُ الرَّجُلَ أَيُجَرِّبُهُ السَّلَامَ مِنْ الصَّرْم؟ فَقَالَ: أَتَخَوَّفُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَصُدُّ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَقَدْ كَانَا مُتَآنِسَيْنِ يَلْقَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْبِشْرِ إلَّا أَنْ يَتَخَوَّفَ مِنْهُ نِفَاقًا قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ أَحْمَدُ خَارِجًا مِنْ الْهِجْرَةِ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ حَتَّى يَعُودَ إلَى عَادَتِهِ مَعَهُ فِي الِاجْتِمَاعِ وَالْمُؤَانَسَةِ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ لَا تَزُولُ إلَّا بِعَوْدِهِ إلَى عَادَتِهِ مَعَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي وَتَقَدَّمَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي الَّذِي تَشْتُمُهُ ابْنَةُ عَمِّهِ إذَا لَقِيَهَا: سَلِّمْ عَلَيْهَا اقْطَعْ الْمُصَارَمَةَ؟ فَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّلَامَ يَقْطَعُهَا مُطْلَقًا، وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْهَجْرَ مُحَرَّمٌ لَا يَزُولُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيّ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْكِتَابَةَ وَالْمُرَاسَلَةَ كَلَامًا أَنْ يَزُولَ الْهَجْرُ الْمُحَرَّمُ بِهَا. ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ عَقِيلٍ ذَكَرَهُ وَلِلشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَاوِيُّ: وَأَصَحُّهُمَا يَزُولُ لِزَوَالِ الْوَحْشَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
لَا تَلْتَمِسْ مِنْ مَسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا
…
فَيَكْشِفَ اللَّهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاوِيكَا
وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إذَا ذُكِرُوا
…
وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا
وَاسْتَغْنِ بِاَللَّهِ عَنْ كُلٍّ فَإِنَّ بِهِ
…
غِنًى لِكُلٍّ وَثِقْ بِاَللَّهِ يَكْفِيكَا
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: وَلَا غِيبَةَ لِظَالِمٍ وَلَا لِفَاسِقٍ وَلَا إثْمَ فِي السَّعْيِ بِهِ وَلَا غِيبَةَ إلَّا لِمَعْلُومٍ وَلَا غِيبَةَ لِأَهْلِ قَرْيَةٍ، وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ ذَكَرَهُ النَّوَاوِيُّ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ، وَالْأَوَّلُ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَذْكُر أَصْحَابُنَا هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ هَذَا فَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ إنْ عَرَفَ بَعْدَ الْبَحْثِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ فَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْغِيبَةَ حَرَامٌ إلَّا فِي حَالٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا يَضُرُّ النَّاسَ بِاللِّسَانِ، وَالْيَدِ فَلَا غِيبَةَ فِي ذِكْرِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ» وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنَّ الْمُظْهِرَ لِلْمُحَرَّمَاتِ تَجُوزُ غِيبَتُهُ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، قَالَ: وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلَا غِيبَةَ لَهُ» . وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبَانَ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا
وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ غِيبَةِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: إذَا قِيلَ عَنْهُ: إنَّهُ تَارِكٌ الصَّلَاةَ وَكَانَ تَارِكَهَا فَهَذَا جَائِزٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُشَاعَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَيُهْجَرَ حَتَّى يُصَلِّيَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسْتَتِرِ: وَيُذْكَرُ أَمْرُهُ عَلَى وَجْهِ النَّصِيحَةِ، وَقَالَ أَيْضًا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النُّصْحِ، وَابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى مَنْ اغْتَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَابَهُ، فَإِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي ضَمْضَمٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِعِرْضِهِ إذَا أَصْبَحَ لَعَلَّ الْمُرَادُ مِنْ غِيبَتِهِ وَقَعَتْ مَعَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّتَهُ.