الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي اسْتِحْبَابِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ فِي الْحَرْبِ]
فَصْلٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي أَحْكَامِهِ الْمُنْتَقَى عَنْ قِيَامِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالسَّيْفِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ فِي الْحَرْبِ. لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي ذَمِّهِ لِمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إقَامَةَ الرَّئِيسِ الرِّجَالَ عَلَى رَأْسِهِ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ وَمَوَاطِنِ الْحُرُوبِ جَائِزٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ صُفُوفًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ قَصَدَ بِهِ الْكِبْرَ وَهُوَ مَذْهَبُ النَّحْوِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَقْصُودٍ شَرْعِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي إكْرَامِ كَرِيمِ الْقَوْمِ كَالشُّرَفَاءِ وَإِنْزَالِ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ]
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا جَاءَكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» قَالَ: نَعَمْ هَكَذَا يُرْوَى قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرَّجُلُ السُّوءُ وَالرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي هَذَا وَاحِدٌ قَالَ: لَا قُلْت: فَإِنْ كَانَ رَجُلَ سُوءٍ يُكْرِمُهُ، قَالَ: لَا، وَرَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ حَضَرَ غُلَامٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَمَعَهُ إبْرَاهِيمُ سِيلَانُ فَرَأَيْته قَدَّمَ الْغُلَامَ، وَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ قَدَّمَهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ حَدِيثَ السِّنِّ فَجَعَلَ الْفَتَى يَمْتَنِعُ، وَجَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَأْتِي حَتَّى قَدَّمَهُ.
وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ سَعْدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَرْجُو أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ، وَسَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْت أَبِي إذَا جَاءَ الشَّيْخُ وَالْحَدَثُ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَشْرَافِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ فَيَكُونُوا هُمْ يَتَقَدَّمُونَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: رَأَيْته جَاءَ إلَيْهِ مَوْلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ فَأَلْقَى لَهُ مِخَدَّةً وَأَكْرَمَهُ وَكَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْ يُكْرَمُ عَلَيْهِ يَأْخُذُ الْمِخَدَّةَ مِنْ تَحْتِهِ فَيُلْقِيهَا لَهُ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ إعْظَامًا لِإِخْوَانِهِ وَمَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ، لَقَدْ جَاءَهُ أَبُو هَمَّامٍ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ فَأَخَذَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِالرِّكَابِ وَرَأَيْته فَعَلَ هَذَا بِمَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْ الشُّيُوخِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد (بَابٌ فِي تَنْزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ) ثَنَا يَحْيَى بْنُ إسْمَاعِيلَ وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَمَانٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ «أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرَّ بِهَا سَائِلٌ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً وَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» قَالَ أَبُو دَاوُد: مَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ يَحْيَى مُخْتَصَرٌ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَيَحْيَى بْنُ يَمَانٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ:«لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا» قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ: «مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» قَالَ: الْمُرَادُ بِهِ لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا كَمَا قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» كَذَا قَالَ، وَسَبَقَ قَوْلُهُ «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي» .
وَكَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ وَسَبَقَ فِي صِحَّةِ تَوْبَةِ غَيْرِ الْعَاصِي كَلَامَ ابْنِ عَقِيلٍ يُوَافِقُ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَفِيهِ اعْتِرَافٌ بِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّحْرِيمُ وَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الصِّيغَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّارِعِ: عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ مِنَّا مَنْ قَالَ أَوْ فَعَلَ كَذَا» مُقْتَضَاهُ التَّحْرِيمُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ كَبِيرَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ دَعْوَى تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَقَوْلُهُ «يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ.