الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي صِيغَةِ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ وَغَيْرِهَا بَعْدَ الْجَوَابِ بِلَا النَّافِيَةِ]
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَقَالَ: «قُلْ عَافَاكَ اللَّهُ رَحِمَكَ اللَّهُ لَا تُزِدْ» ، لَا تَقُلْ قَبْلَ الدُّعَاءِ: لَا. فَتَصِيرُ صُورَتُهُ نَفْيًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قُلْ لَا، وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ.
[فَصْلٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ]
فَصْلٌ (فِي الْتِزَامِ الْمَشُورَةِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَدَعُ الْمَشُورَةَ إذَا كَانَ فِي أَمْرٍ حَتَّى إنْ كَانَ لَيُشَاوِرُ مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَكَانَ إذَا أَشَارَ عَلَيْهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَتَّهِمُهُ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَاوِرَهُ قَبِلَ مَشُورَتَهُ وَكَانَ إذَا شَاوَرَهُ الرَّجُلُ اجْتَهَدَ لَهُ رَأْيَهُ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمَا يَرَى مِنْ صَلَاحٍ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُشَاوِرُ فِي كُلِّ مَا يَهُمُّ بِهِ، وَيَأْتِي بِالْقُرْبِ مِنْ نِصْفِ الْكِتَابِ بَعْدَ ذِكْرِ حُسْنِ الْخُلُقِ وَالْحَيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَبْلَ ذِكْرِ الزُّهْدِ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ رضي الله عنه: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ يُبَادَرُ بِهِ، وَقَوْلُ الْخَلَّالِ فِي الْأَدَبِ كَرَاهَةُ الْعَجَلَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَسَبَقَ مِنْ نَحْوِ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ الْكَلَامُ فِي النُّصْحِ. قَالَ: قَالَ: ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] .
مَعْنَاهُ: اسْتَخْرِجْ آرَاءَهُمْ وَاعْلَمْ مَا عِنْدَهُمْ، وَيُقَالُ إنَّهُ مِنْ شَارَ الْعَسَلَ وَأَنْشَدُوا:
وَقَاسَمَهَا بِاَللَّهِ حَقًّا لَأَنْتُمْ
…
أَلَذُّ مِنْ السَّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا
قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ شَاوَرْتُ الرَّجُلَ مُشَاوَرَةً وَشِوَارًا وَمَا يَكُونُ عَنْ ذَلِكَ اسْمُ الْمَشُورَةِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْمَشُورَةُ وَيُقَالُ فُلَانٌ حَسَنُ الصُّورَةِ وَالْمَشُورَةِ، أَيْ: حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَاللِّبَاسِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: شَاوَرْتُ فُلَانًا أَظْهَرْتُ مَا عِنْدِي وَمَا عِنْدَهُ، وَشُرْتُ الدَّابَّةَ، إذَا امْتَحَنْتَهَا فَعَرَفْتُ هَيْئَتَهَا فِي سَيْرِهَا، وَشُرْتُ الْعَسَلَ إذَا أَخَذْتُهُ مِنْ مَوَاضِعِ النَّحْلِ، وَعَسَلٌ مَشَارٌ.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
كَأَنَّ الْقُرُنْفُلَ وَالزَّنْجَبِيلَ
…
بَاتَا بِفِيهَا وَأَرْيًا مَشَارَا
وَالْأَرْيُ الْعَسَلُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: أَشَارَ إلَيْهِ بِالْيَدِ أَوْمَأَ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالرَّأْيِ، وَشُرْتُ الْعَسَلَ وَاشْتَرْتُهَا اجْتَنَيْتُهَا وَأَشَرْتُ لُغَةٌ، وَأَنْكَرَهَا الْأَصْمَعِيُّ وَشُرْتُ الدَّابَّةَ شَوْرًا عَرَضْتُهَا عَلَى الْبَيْعِ أَقْبَلْتُ بِهَا وَأَدْبَرْتُ، وَالْمَكَانُ الَّذِي يُعْرَضُ فِيهِ الدَّوَابُّ مِشْوَارٌ، يُقَالُ إيَّاكَ وَالْخُطَبَ فَإِنَّهَا مِشْوَارٌ كَثِيرُ الْعِثَارِ، وَأَشَارَتْ الْإِبِلُ إذَا سَمِنَتْ بَعْضَ السِّمَنِ، يُقَالُ جَاءَتْ الْإِبِلُ شِيَارًا، أَيْ: سِمَانًا حِسَانًا، وَقَدْ أَشَارَ الْفَرَسُ أَيْ: سَمِنَ، وَحَسُنَ وَالْمَشُورَةُ الشُّورَى وَكَذَلِكَ الْمَشُورَةُ بِضَمِّ الشِّينِ تَقُولُ مِنْهُ شَاوَرْتُهُ فِي الْأَمْرِ وَاسْتَشَرْتُهُ بِمَعْنًى، وَالْمُسْتَشِيرُ السَّمِينُ وَقَدْ اسْتَشَارَ الْبَعِيرُ مِثْلَ اسْتَشَارَ أَيْ: سَمِنَ، وَالشَّوَارُ: فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، وَمِنْهُ قِيلَ شَوَّرَ بِهِ أَيْ: كَأَنَّهُ أَبْدَى عَوْرَتَهُ وَيُقَالُ أَبْدَى اللَّهُ شَوَارَهُ أَيْ عَوْرَتُهُ، وَالشُّوَارُ، وَالشَّارَةُ اللِّبَاسُ وَالْهَيْئَةُ، وَشَوَّرْتُ الرَّجُلَ فَتَشَوَّرَ أَيْ: خَجَّلْتُهُ فَخَجِلَ، وَشَوَّرَ إلَيْهِ بِيَدِهِ أَيْ: أَشَارَ. عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ وَهُوَ رَجُلٌ حَسَنُ الصُّورَةِ وَالشُّورَةِ، وَإِنَّهُ لَصَيِّرٌ شَيِّرٌ، أَيْ: حَسَنُ الصُّورَةِ وَالشَّارَةِ
وَهِيَ الْهَيْئَةُ عَنْ الْفَرَّاءِ وَفُلَانٌ خَيِّرٌ شَيِّرٌ أَيْ: يَصْلُحُ لِلْمُشَاوَرَةِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْأَرْيُ هُوَ الْعَسَلُ وَعَمَلُ النَّحْلِ أَرْيٌ أَيْضًا، وَقَدْ أَرَتْ النَّحْلُ تَأْرِي أَرْيًا عَمِلَتْ الْعَسَلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم لِأَيِّ مَعْنًى أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم: بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم مَعَ كَمَالِ رَأْيِهِ وَتَدْبِيرِهِ فَقِيلَ لِيَسْتَنَّ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَقِيلَ لِتَطِيبَ قُلُوبُهُمْ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَمُقَاتِلٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَنْهُ: نَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا» إنَّمَا أَرَادَ اسْتِطَابَةُ نَفْسِهَا فَإِنَّهَا لَوْ كَرِهَتْ كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَكَذَلِكَ مُشَاوَرَةُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام لِابْنِهِ حِينَ أُمِرَ بِذَبْحِهِ وَقِيلَ لِلْإِعْلَامِ بِتَرْكِهِ الْمُشَاوَرَةَ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمِنْ فَوَائِدِ الْمُشَاوَرَةِ أَنَّ الْمُشَاوِرَ إذَا لَمْ يَنْجَحْ أَمْرُهُ عَلِمَ أَنَّ امْتِنَاعَ النَّجَاحِ مَحْضُ قَدَرٍ فَلَمْ يَلُمْ نَفْسَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَعْزِمُ عَلَى أَمْرٍ يَتَبَيَّنُ لَهُ الصَّوَابُ فِي قَوْلِ غَيْرِهِ فَيَعْلَمُ عَجْزَ نَفْسِهِ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِفُنُونِ الْمَصَالِحِ، قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه الِاسْتِشَارَةُ عَيْنُ الْهِدَايَةِ وَقَدْ خَاطَرَ مَنْ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ، وَالتَّدْبِيرُ قَبْلَ الْعَمَلِ يُؤَمِّنُكَ مِنْ النَّدَمِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَا اُسْتُنْبِطَ الصَّوَابُ بِمِثْلِ الْمُشَاوَرَةِ، وَلَا حُصِّنَتْ النِّعَمُ بِمِثْلِ الْمُوَاسَاةِ، وَلَا اُكْتُسِبَتْ الْبَغْضَاءُ بِمِثْلِ الْكِبْرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ فِيمَا لَمْ يَأْتِهِ بِهِ وَحْيٌ وَعَمَّهُمْ
بِالذِّكْرِ وَالْمَقْصُودُ: أَرْبَابُ الْفَضْلِ وَالتَّجَارِبِ مِنْهُمْ وَفِي الَّذِي أُمِرَ بِمُشَاوَرَتِهِمْ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى أَحَدُهُمَا أَمْرُ الدُّنْيَا خَاصَّةً (وَالثَّانِي) أَمْرُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ وَهُوَ أَصَحُّ.
وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (وَشَاوِرْهُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159] . أَيْ: لَا عَلَى الْمُشَاوَرَةِ، وَالْعَزْمُ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ (فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) وَأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا جِنْسٌ وَهُوَ عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ وَقَرَأَ جَمَاعَةٌ (عَزَمْتُ) بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ: إذَا أَمَرْتُكَ بِفِعْلِ شَيْءٍ فَتَوَكَّلْ، فَوَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ إلَّا هَدَاهُمْ اللَّهُ عز وجل لِأَرْشَدِ أُمُورِهِمْ» وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ أَيْضًا «لَنْ يَهْلَكَ امْرُؤٌ عَنْ مَشُورَةٍ» وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَفِي إسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التِّيهَانِ فِي الضِّيَافَةِ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْهُ، شَرِيكٌ حَدِيثُهُ حَسَنٌ.
قَالَ الْحَسَنُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ حَاجَةً مِنْهُ.
إلَى رَأْيِهِمْ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا فِي الْمَشُورَةِ مِنْ الْبَرَكَةِ وَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ فَشَاوَرَ فِيهِ مَنْ هُوَ دُونَهُ تَوَاضُعًا عَزَمَ لَهُ عَلَى الرُّشْدِ» .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: شَاوِرْ فِي أَمْرِكَ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ عز وجل. وَقِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَبْسٍ مَا أَكْثَرَ صَوَابَكُمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أَلْفٌ وَفِينَا وَاحِدٌ حَازِمٌ وَنَحْنُ نُشَاوِرُهُ وَنُطِيعُهُ فَصِرْنَا أَلْفَ حَازِمٍ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ: رَأْيُ الشَّيْخِ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِ الْغُلَامِ وَقَالَ: بَزَرْجَمْهَرْ حَسْبُ ذِي الرَّأْيِ وَمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ أَنْ يَسْتَشِيرَ عَالِمًا وَيُطِيعَهُ. مَرَّ حَارِثَةُ بْنُ زَيْدٍ بِالْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّك عَجْلَانُ لَشَاوَرْتُكَ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ قَالَ: يَا حَارِثَةُ أَجَلْ كَانُوا لَا يُشَاوِرُونَ الْجَائِعَ حَتَّى يَشْبَعَ، وَالْعَطْشَانَ حَتَّى يُنْقَعَ، وَالْأَسِيرَ حَتَّى يُطْلَقَ، وَالْمُضِلَّ حَتَّى يَجِدَ، وَالرَّاغِبَ حَتَّى يُمْنَحَ وَكَانَ يُقَالُ اسْتَشِرْ عَدُوَّكَ الْعَاقِلَ، وَلَا تَسْتَشِرْ صَدِيقَكَ الْأَحْمَقَ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّقِي عَلَى رَأْيِهِ الزَّلَلَ كَمَا يَتَّقِي الْوَرِعُ عَلَى دِينِهِ الْحَرَجَ، وَكَانَ يُقَالُ لَا تُدْخِلْ فِي رَأْيِكَ بَخِيلًا فَيُقَصِّرَ فِعْلَكَ، وَلَا جَبَانًا فَيُخَوِّفَكَ مَا لَا يُخَافُ، وَلَا حَرِيصًا فَيُبْعِدَكَ عَمَّا لَا يُرْجَى.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عليهما السلام لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، لَا تَقْطَعْ أَمْرًا حَتَّى تُشَاوِرَ مُرْشِدًا، فَإِنَّك إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ تَنْدَمْ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: مَا نَزَلَتْ بِي قَطُّ عَظِيمَةٌ فَأَبْرَمْتُهَا حَتَّى أُشَاوِرَ عَشَرَةً مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنْ أَصَبْتُ كَانَ الْحَظُّ لِي دُونَهُمْ، وَإِنْ أَخْطَأْتُ لَمْ أَرْجِعْ عَلَى نَفْسِي بِلَائِمَةٍ.
وَقَالَ بَزَرْجَمْهَرْ: أَفْرَهُ الدَّوَابِّ لَا غِنَى بِهِ
عَنْ السَّوْطِ، وَأَعْقَلُ الرِّجَالِ لَا غِنَى بِهِ عَنْ الْمَشُورَةِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: لَأَنْ أُخْطِئَ وَقَدْ اسْتَشَرْتُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصِيبَ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ: الْخَطَأُ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّوَابِ مَعَ الْفُرْقَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ لَا تُخْطِئُ وَالْفُرْقَةُ لَا تُصِيبُ. كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَسْتَشِيرُ فِي الْأَمْرِ حَتَّى إنْ كَانَ رُبَّمَا اسْتَشَارَ الْمَرْأَةَ فَأَبْصَرَ فِي رَأْيِهَا فَضْلًا، وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ طَلَبَ الرُّخْصَةَ مِنْ الْإِخْوَانِ عِنْدَ الْمَشُورَةِ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ، وَمِنْ الْأَطِبَّاءِ عِنْدَ الْمَرَضِ، أَخْطَأَ الرَّأْيَ، وَحَمَلَ الْوِزْرَ، وَازْدَادَ مَرَضًا. قَالَ الشَّاعِرُ:
إنَّ اللَّبِيبَ إذَا تَفَرَّقَ أَمْرُهُ
…
فَتَقَ الْأُمُورَ مُنَاظِرًا وَمُشَاوِرَا
وَأَخُو الْجَهَالَةِ يَسْتَبِدُّ بِرَأْيِهِ
…
فَتَرَاهُ يَعْتَسِفُ الْأُمُورَ مُخَاطِرَا
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «إذَا اسْتَشَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُشِرْ عَلَيْهِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: هُوَ جَائِزُ الْحَدِيثِ وَمُرَادُ الْخَبَرِ إذَا ظَهَرَ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ، وَيَأْتِي اسْتِشَارَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي فُضُولِ الطَّلَبِ بِالْقُرْبِ مِنْ نِصْفِ الْكِتَابِ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِخَارَةِ بَعْدَ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ قَبْلَ ذِكْرِ الزُّهْدِ.