الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي هَجْرِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالدَّاعِي إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ]
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْهَجْرِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي مَكَان آخَرَ: وَيَجِبُ هَجْرُ مَنْ كَفَرَ، أَوْ فَسَقَ بِبِدْعَةٍ، أَوْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ، أَوْ مُفَسِّقَةٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ، أَوْ خَافَ الِاغْتِرَارَ بِهِ، وَالتَّأَذِّي دُونَ غَيْرِهِ وَقِيلَ: يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ السَّابِقِ، وَقَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ بِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ قَالَ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَسْرًا لَهُ وَاسْتِصْلَاحًا وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ مَحَلَّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ فَلَا تَنْظُرْ إلَى زِحَامِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجَوَامِعِ، وَلَا ضَجِيجِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ بِلَبَّيْكَ، وَإِنَّمَا اُنْظُرْ إلَى مُوَاطَأَتِهِمْ أَعْدَاءَ الشَّرِيعَةِ، عَاشَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ وَالْمَعَرِّيُّ عَلَيْهِمَا لَعَائِنُ اللَّهِ يَنْظِمُونَ وَيَنْثِرُونَ، هَذَا يَقُولُ: حَدِيثُ خُرَافَةَ وَالْمَعَرِّيُّ يَقُولُ:
تَلَوْا بَاطِلًا وَجَلَوْا صَارِمًا
…
وَقَالُوا صَدَقْنَا فَقُلْنَا نَعَمْ
يَعْنِي بِالْبَاطِلِ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل. وَعَاشُوا سِنِينَ وَعُظِّمَتْ قُبُورُهُمْ وَاشْتُرِيَتْ تَصَانِيفُهُمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُرُودَةِ الدِّينِ فِي الْقَلْبِ. وَهَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ الْخَلَّالُ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ رَافِضِيُّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ.
قَالَ: لَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ عَلَى الْخَامِلِ، وَمَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى خُلْطَتِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى خُلْطَتِهِمْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَافِرِهِمْ وَفَاسِقِهِمْ الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْمَعَاصِي، وَتَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَكْرُوهٌ لِسَائِرِ النَّاسِ، وَقِيلَ: لَا يُسَلِّمُ أَحَدٌ عَلَى فَاسِقٍ مُعْلِنٍ وَلَا مُبْتَدِعٍ مُعْلِنٍ دَاعِيَةٍ، وَلَا يَهْجُرُ مُسْلِمًا مَسْتُورًا غَيْرَهُمَا مِنْ السَّلَامِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي التَّمَامِ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ وَفِي وُجُوبِ هَجْرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَفُسَّاقِ الْمِلَّةِ أَطْلَقَ كَمَا تَرَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجَاهِرِ، وَغَيْرِهِ فِي الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ، وَالْأَجْنَبِيِّ إذَا كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ كَالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَالْغِيبَةِ وَأَخْذِ مَالِهِ غَصْبًا وَنَحْوِ ذَلِكَ نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ الْمُهَاجِرُ وَالْفَاعِلُ لِذَلِكَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَرْحَامِهِ لَمْ تَجُزْ هِجْرَتُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، فَهَلْ تَجُوزُ هِجْرَتُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهَذَا لَفْظُ وَالِدِهِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ غَيْرَهُ، فَهَلْ تَجُوزُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَقَالَ: قَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ابْنَةِ عَمٍّ لَهُ تَنَالُ مِنْهُ وَتَظْلِمُهُ وَتَشْتُمُهُ وَتَقْذِفُهُ فَقَالَ: سَلِّمْ عَلَيْهَا إذَا لَقِيتهَا اقْطَعْ الْمُصَارَمَةَ، الْمُصَارَمَةُ شَدِيدَةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْهَجْرِ لِأَقَارِبِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ قَدْ تَرَكْت كَلَامَهُ لِأَنَّهُ قَذَفَ مَسْتُورًا بِمَا لَيْسَ مِنْهُ وَلِي قَرَابَةٌ يَسْكَرُونَ، فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ حَتَّى تُكَلِّمَهُ وَدَعْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْكَرُونَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِكَلَامِ الْقَاذِفِ، وَمَنَعَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِبِ مَعَ كَوْنِهِ قَرَابَةً لَهُ.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ ذُكِرَ الطُّوسِيُّ، فَقَالَ: صَاحِبُ صَلَاةٍ وَخَيْرٍ، فَقِيلَ: لَهُ تُكَلِّمُهُ؟ فَنَفَضَ يَدَهُ.
وَقَالَ: إنَّمَا أَنْكَرْت عَلَيْهِ كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ يَعْنِي بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَقَالَ: إنَّهُ قِيلَ: مِنْ أُمِّ جَعْفَرٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ؛ لِأَنَّهُ هَجَرَ الطُّوسِيَّ مَعَ صَلَاحِهِ لِكَلَامِهِ فِي بِشْرٍ وَذَلِكَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ.
قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ هِجْرَةَ الْأَقَارِبِ لِحَقِّ نَفْسِهِ لِلْأَخْبَارِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّمَا أَجَازَهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنَعَهَا فِي حَقِّ الْغَيْرِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ عز وجل أَضْيَقُ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْعَفْوُ
وَحَقُّ الْآدَمِيِّ أَخَفُّ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْعَفْوُ، وَيُبَيِّنُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ: صلى الله عليه وسلم «فَدَيْنُ اللَّهِ عز وجل أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» .
وَكَلَامُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ، وَهُوَ الْأَوْلَى وَالْأَخْبَارُ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ تُخَصُّ بِأَدِلَّةِ الْهَجْرِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ.