الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ وَالْمُكَفِّرَةِ وَمَا اُشْتُرِطَ فِيهَا]
وَمَنْ تَابَ مِنْ بِدْعَةٍ مُفَسِّقَةٍ أَوْ مُكَفِّرَةٍ صَحَّ إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا بِالِاعْتِرَافِ بِهَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا وَاعْتِقَادِ ضِدَّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ مِنْهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ إنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ إنْ كَانَ دَاعِيَةً لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ.
فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ فَلَا تَوْبَةَ لَهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَإِذَا تَابَ الْمُبْتَدِعُ يُؤَجَّلُ سَنَةً حَتَّى تَصِحَّ تَوْبَتُهُ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ الْقَوْمَ نَازَلُوهُ فِي صَبِيغٍ بَعْدَ سَنَةٍ فَقَالَ جَالِسُوهُ وَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَغَيْرَهَا فَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ قَبُولُ تَوْبَتِهِ مِنْهَا بَعْد الِاعْتِرَافِ وَالْمُجَانَبَةِ لِمَنْ كَانَ يُقَارِنُهُ وَمُضِيِّ سَنَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةً ثَانِيَةً أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا وَاحْتَجَّ لِاخْتِيَارِهِ بِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «أَنَّ اللَّهَ عز وجل احْتَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ» .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا الْقَوْلُ الْجَامِعُ لِلْمَغْفِرَةِ لِكُلِّ ذَنْبٍ لِلتَّائِبِ مِنْهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ اسْتَثْنَى بَعْضَ الذُّنُوبِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ تَوْبَةَ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدَعِ لَا تُقْبَلُ بَاطِنًا لِلْحَدِيثِ الْإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي فِيهِ " وَكَيْفَ مَنْ أَضْلَلْتَ؟ "
وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَتُوبُ عَلَى أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ الرَّجُلُ إذَا دَعَا إلَى بِدْعَةٍ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ وَقَدْ ضَلَّ بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَمَاتُوا فَإِنَّ تَوْبَتَهُ صَحِيحَةٌ إذَا وُجِدَتْ الشَّرَائِطُ وَيَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ وَيَقْبَلَ تَوْبَتَهُ وَيُسْقِطَ ذَنْبَ مَنْ ضَلَّ بِهِ بِأَنْ يَرْحَمَهُ وَيَرْحَمَهُمْ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا وَهُوَ مَذْهَبُ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ وَأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ الْإِسْرَائِيلِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ لَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِمَظَالِمِ الْآدَمِيِّينَ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّوْبَةِ، كَالتَّوْبَةِ مِنْ السَّرِقَةِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَغَصْبِ الْأَمْوَالِ صَحِيحَةٌ مَقْبُولَةٌ، وَالْأَمْوَالُ وَالْحُقُوقُ لِلْآدَمِيِّ لَا تَسْقُطُ، وَيَكُونُ هَذَا الْوَعِيدُ رَاجِعًا إلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ نَفْيُ الْقَبُولُ رَاجِعًا إلَى الْقَبُولِ الْكَامِلِ وَقَالَ هُوَ مَأْزُورٌ بِضَلَالِهِمْ وَهُمْ مَأْزُورُونَ بِأَفْعَالِهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ فُصُولِ التَّوْبَةِ.