الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي سُنَّةِ الِاسْتِئْذَانِ فِي الدُّخُولِ عَلَى النَّاسِ]
يُسَنُّ أَنْ يُسْتَأْذَنَ فِي الدُّخُولِ عَلَى غَيْرِهِ ثَلَاثًا فَقَطْ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَيَجُوزُ ثَلَاثًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَقِيلَ يَجِبُ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ وَابْنُ تَمِيمٍ وَلَا وَجْهَ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فَيَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ ثُمَّ قَالَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى وَالِدَتِهِ فَلْيَسْتَأْذِنْ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا» ، مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ.
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ (آيَةُ الْإِذْنِ) وَإِنِّي لَآمُرُ جَارِيَتِي هَذِهِ تَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا وَقِيلَ كَيْفَ تَرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِمَا أُمِرْنَا وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ؟ : {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58] إلَى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58] . قَالَ إنَّ اللَّهَ حَكِيمٌ رَءُوفٌ بِالْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ التَّسَتُّرَ وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوْ الْوَلَدُ أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ أَوْ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ فَجَاءَهُمْ اللَّهُ بِالسُّتُورِ وَالْخَيْرِ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ.
الْحِجَالِ جَمْعُ حَجَلَةٍ بِالتَّحْرِيكِ بَيْتٌ كَالْقُبَّةِ يَسْتُرُ الثِّيَابَ وَلَهُ أَزْرَارٌ كِبَارٌ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَأَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] .
لِأَنَّ الْبَالِغَ يَسْتَأْذِنُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالطِّفْلَ وَالْمَمْلُوكَ يَسْتَأْذِنُ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا أَنَّ الْبُيُوتَ الْخَالِيَةَ هَلْ دَخَلَتْ فِي آيَةِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِئْذَانِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [النور: 29] .
أَمْ لَمْ تَدْخُلْ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ غَيْرِ آذِنٍ، فَإِذَا بَطَلَ الِاسْتِئْذَانُ لَمْ تَكُنْ الْبُيُوتُ الْخَالِيَةُ دَاخِلَةً فِي الْأُولَى عَلَى قَوْلَيْنِ وَأَنَّ الثَّانِيَ أَصَحُّ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَ غَيْرِك إلَّا بِالِاسْتِئْذَانِ لِهَذِهِ الْآيَةِ يَعْنِي: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] .
(وَمَعْنَى تَسْتَأْنِسُوا) تَسْتَأْذِنُوا وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ.
وَلَا يُوَاجِهُ الْبَابَ فِي اسْتِئْذَانِهِ لِأَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ مُسْتَقْبِلَ الْبَابَ فَقَالَ لَهُ عليه السلام «هَكَذَا عَنْك وَهَكَذَا فَإِنَّمَا الِاسْتِئْذَانُ مِنْ النَّظَرِ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا دَخَلَ الْبَصَرُ فَلَا إذْنَ» حَدِيثَانِ حَسَنَانِ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. فَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتَهُ وَإِلَّا زَادَ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ سَمِعَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَإِلَّا رَجَعَ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ فَلَا يَقِفُ عَلَى الْبَابِ وَيُلَازِمُهُ لِلْآيَةِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» وَقِيلَ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ مُطْلَقًا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ
سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الِاسْتِئْذَانِ فَقَالَ إذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا رَجَعَ وَالِاسْتِئْذَانُ السَّلَامُ، فَظَاهِرُهُ كَهَذَا الْقَوْلِ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ لَمْ يَظُنَّ.
وَحَجَبَ مُعَاوِيَةُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رضي الله عنهما يَوْمًا وَأَجْلَسَهُ عِنْدَ بَابِهِ فَقِيلَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ يُفْعَلُ هَذَا بِك وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ مَنْ يَأْتِي أَبْوَابَ السُّلْطَانِ يَقُمْ وَيَقْعُدْ.
وَاسْتَأْذَنَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنهما فَأَبْطَأَ إذْنَهُ فَقِيلَ: حَجَبَك أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَا عَدِمْت مِنْ قَوْمِي مَنْ إذَا شَاءَ حَجَبَ.
وَقَالَ مَرْوَانُ لِابْنِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ: يَا بُنَيَّ مُرْ حَاجِبَك يُخْبِرْك مَنْ حَضَرَ بَابَك كُلَّ يَوْمٍ فَتَكُونُ أَنْتَ تَأْذَنُ وَتَحْجُبُ، وَآنِسْ مَنْ دَخَلَ إلَيْك بِالْحَدِيثِ فَيَنْبَسِطَ إلَيْك، وَلَا تُعَجِّلْ بِالْعُقُوبَةِ إذَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ فَإِنَّك عَلَى الْعُقُوبَةِ أَقْدَرُ مِنْك عَلَى ارْتِجَاعِهَا.
وَأَقَامَ رَجُلٌ عَلَى بَابِ كِسْرَى فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَقَالَ لَهُ الْحَاجِبُ اُكْتُبْ كِتَابًا وَخَفِّفْهُ أُوصِلْهُ لَك فَقَالَ لَا أَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ فَكَتَبَ فِي السَّطْرِ الْأَوَّلِ الضَّرُورَةُ وَالْأَمَلُ أَقْدَمَانِي عَلَى الْمَلِكِ، وَفِي السَّطْرِ الثَّانِي لَيْسَ لِي صَبْرٌ عَلَى الطَّلَبِ، وَفِي السَّطْرِ الثَّالِثِ الرُّجُوعُ بِلَا إفَادَةٍ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ، وَفِي السَّطْرِ الرَّابِعِ أَمَّا " نَعَمْ " مُثْمِرَةٌ وَأَمَّا " لَا " مُؤَيِّسَةٌ فَوَضَعَ كِسْرَى تَحْتَ كُلِّ سَطْرٍ " ز " فَانْصَرَفَ بِسِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
يَزْدَحِمُ النَّاسُ عَلَى بَابِهِ
…
وَالْمَشْرَبُ الْعَذْبُ كَثِيرُ الزِّحَامِ
وَقَالَ آخَرُ:
وَإِنِّي لَأَرْثِي لِلْكَرِيمِ إذَا غَدَا
…
عَلَى طَمَعٍ عِنْدَ اللَّئِيمِ يُطَالِبُهْ
وَأَرْثِي لَهُ مِنْ وَقْفَةٍ عِنْدَ بَابِهِ
…
كَمَرْثِيَّتِي لِلطِّرْفِ وَالْعِلْجُ رَاكِبُهْ
كَتَبَ رَجُلٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ:
إذَا كَانَ الْجَوَادُ لَهُ حِجَابٌ
…
فَمَا فَضْلُ الْجَوَادِ عَلَى الْبَخِيلِ
فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ:
إذَا كَانَ الْجَوَادُ قَلِيلَ مَالٍ
…
وَلَمْ يُعَلِّلْ تَعَذَّرَ بِالْحِجَابِ
وَقِيلَ لِحَاجِبٍ:
سَأَتْرُكُ بَابًا أَنْتَ تَمْلِكُ إذْنَهُ
…
وَإِنْ كُنْت أَعْمَى مِنْ جَمِيعِ الْمَسَالِكِ
فَلَوْ كُنْت بَوَّابَ الْجِنَانِ تَرَكْتُهَا
…
وَحَوَّلْتُ رِجْلِي مُسْرِعًا نَحْوَ مَالِكِ
وَقَالَ مَحْمُودُ الْوَرَّاقُ:
سَأَتْرُكُ هَذَا الْبَابَ مَا دَامَ إذْنُهُ
…
كَعَهْدِي بِهِ حَتَّى يَلِينَ قَلِيلَا
وَمَا خَابَ مَنْ لَمْ يَأْتِهِ مُتَعَمِّدَا
…
وَلَا فَازَ مَنْ قَدْ نَالَ مِنْهُ وُصُولَا
وَمَا جُعِلَتْ أَرْزَاقُنَا بِيَدِ امْرِئٍ
…
حَمَى بَابَهُ مِنْ أَنْ يُنَالَ دُخُولَا
إذَا لَمْ أَجِدْ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ سُلَّمَا
…
وَجَدْت إلَى تَرْكِ الْمَجِيءِ سَبِيلَا
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ رَفَعَ حَاجَةَ ضَعِيفٍ إلَى ذِي سُلْطَانٍ لَا يَسْتَطِيعُ رَفْعَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا خَلَقَهُمْ لِحَوَائِجِ النَّاسِ هُمْ الْآمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةَ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «اُطْلُبُوا الْخَيْرَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ» كَذَا يَذْكُرُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رحمه الله مِثْلَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ ضَعِيفَةً إنْ لَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَةً لَكِنْ لَوْ اعْتَقَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي التَّرْغِيبِ وَالْفَضَائِلِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] .
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] .
وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128] .
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» .
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنِي قَالَ: لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُك عَلَيْهِ وَلَكِنْ ائْتِ فُلَانًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَحْمِلَك فَأَتَاهُ فَحَمَلَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي حَدِيثِ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَكَانَ يَقُولُ: «أَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إبْلَاغَهَا فَإِنَّهُ مَنْ بَلَّغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إبْلَاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَسَبَقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا، وَيَأْتِي فِي الشَّفَاعَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ نِصْفِ الْكِتَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا. وَالدُّعَاءُ إلَى الْوَلِيمَةِ إذْنٌ فِي الدُّخُولِ وَفِي الْأَكْلِ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ يَسْتَأْذِنُ الدُّخُولَ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا جَازِمًا بِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَذَلِكَ إذْنٌ لَهُ» .
وَرُوِيَ قَبْلَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «رَسُولُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ إذْنُهُ» وَتَرْجَمَ عَلَيْهِمَا فِي الِاسْتِئْذَانِ (بَابٌ فِي الرَّجُلِ يُدْعَى أَيَكُونُ ذَلِكَ إذْنَهُ؟) .
«وَقَدْ دَعَا
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الصُّفَّةِ فَاقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَإِنْ دَخَلَ سَلَّمَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: أَأَلِجُ؟ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ الْمُفَسِّرِينَ لِأَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: أَأَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ " اُخْرُجْ إلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ " فَقَالَ لَهُ: قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَسَمِعَهُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا.
وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا تَقْدِيمُ السَّلَامِ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَادَّعَى فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُرْآنُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَحْمَدَ: الِاسْتِئْذَانُ السَّلَامُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ فِي آخَرَيْنِ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ» بَقِيَّةُ حَدِيثُهُ حَسَنٌ إذَا صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ وَلَمْ يُدَلِّسْ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْيَحْصُبِيُّ، فَذَكَرَهُ وَمُحَمَّدٌ ثِقَةٌ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ صَفْوَانَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ كَلَدَةَ بْنَ الْحَنْبَلِ أَخْبَرَهُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بَعَثَهُ فِي الْفَتْحِ بِلِبَإٍ وَجَدَايَةٍ وَضَغَابِيسَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى الْوَادِي قَالَ: فَدَخَلْت عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ارْجِعْ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟» وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ. حَدِيثٌ جَيِّدٌ وَعَمْرُو بْنُ صَفْوَانَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظِهِ بِلَبَنٍ وَلَمْ يَقُلْ وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ وَلَمْ يَزِدْ " أَدْخُلُ؟ " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
وَالْجَدَايَةُ مِنْ أَوْلَادِ الظِّبَاءِ مَا بَلَغَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةَ بِمَنْزِلَةِ الْجَدْيِ فِي أَوْلَادِ الْمُعِزِّ
وَالضَّغَابِيسُ صِغَارُ الْقِثَّاءِ وَاحِدَتُهَا ضُغْبُوسٌ، وَقِيلَ هُوَ نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي أَصْلِ التَّمَامِ يُسْلَقُ بِالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَيُؤْكَلُ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ مَا يُلْقَى مِنْ النَّاسِ يَدُقُّونَ الْبَابَ فَيَقُولُونَ أَنَا أَنَا، أَلَا نَقُولُ أَنَا فُلَانٌ؟ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَقُولُ لِلْمُسْتَأْذِنِ عَلَيْهِ وَهُوَ جَابِرٌ أَنَا أَنَا» كَأَنَّهُ كَرِهَهَا وَلِيَزُولَ اللَّبْسُ فَذَكَرَ مَا يُمَيِّزُهُ مِنْ كُنْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَقَوْلِ أُمِّ هَانِئٍ وَقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ: أَبُو قَتَادَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ طَرَقَ أَبِي الْبَابَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَسَأَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ شَيْءٍ فَذَكَرَهُ وَقَالَ لَهُ تَقُولُ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يُنْسَبْ الْإِنْسَانُ إلَى مَا لَا يَلِيقُ وَإِلَّا فَلَا يَبْعُدُ مَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَلَا يَتَكَنَّى الرَّجُلُ عَلَى كُنْيَتِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ كُنْيَتُهُ أَشْهَرَ مِنْ اسْمِهِ فَيُكَنَّى عَلَى نَظِيرِهِ وَيَتَسَمَّى لِمَنْ فَوْقَهُ ثُمَّ يُلْحِقُ الْمَعْرُوفَ أَبَا فُلَانٍ أَوْ بِأَبِي فُلَانٍ وَلَا يَدُقُّ الْبَابَ بِعُنْفٍ لِنِسْبَةِ فَاعِلِهِ عُرْفًا إلَى قِلَّةِ الْأَدَب.
وَسَبَقَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ فِي سَعَةِ الْكَلَامِ إذَا دُقَّ الشَّرْطُ. وَفِي مَعْنَاهُ الصِّيَاحُ الْعَالِي وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ لِلْمُسْتَأْذِنِ اُدْخُلْ بِسَلَامٍ فَهَلْ يَدْخُلُ؟ كَانَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ إذَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قِيلَ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ وَعَلَّلَهُ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّهُ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَمْ يَدْرِ يَفِي بِهِ أَمْ لَا وَقَالَ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَرِّكَ نَعْلَهُ فِي اسْتِئْذَانِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ حَتَّى إلَى بَيْتِهِ قَالَ أَحْمَدُ إذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ يَتَنَحْنَحُ وَقَالَ مُهَنَّا سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَدْخُلُ إلَى مَنْزِلِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ قَالَ: يُحَرِّكُ نَعْلَهُ إذَا دَخَلَ وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ إنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلَ عَلَى أَهْلِهِ أَعْنِي زَوْجَتَهُ قَالَ: مَا أَكْرَهُ ذَلِكَ أَنْ أَسْتَأْذِنَ مَا يَضُرُّهُ؟ قُلْت زَوْجَتُهُ وَهُوَ يَرَاهَا فِي جَمِيعِ
حَالَاتِهَا فَسَكَتَ عَنِّي. فَهَذِهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ رضي الله عنه لَمْ يُسْتَحَبَّ فِيهَا الِاسْتِئْذَانُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالسَّلَامِ أَوْ قَوْلِهِ أَأَدْخُلُ؟ لِأَنَّهُ بَيْتُهُ وَمَنْزِلُهُ وَاسْتَحَبَّ إذَا دَخَلَ النَّحْنَحَةَ أَوْ تَحْرِيكَ النَّعْلِ لِئَلَّا يَرَاهَا عَلَى حَالَةٍ لَا يُعْجِبُهَا وَلَا تُعْجِبُهُ، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ فِي دُخُولِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَقُولَ (مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) وَيُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ إذَا دَخَلَ يُكْثِرُ خَيْرَ بَيْتِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «يَا بُنَيَّ إذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلِك فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ تَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِك» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَصَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ:«اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا»
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَاَلَّذِي لَا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» .
وَلِمُسْلِمٍ «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ وَالْبَيْتُ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» .
وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «اُذْكُرْ اللَّهَ حَتَّى يَقُولُوا مَجْنُونٌ» وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بِشْرٍ يَقُولُ «جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ وَقَالَ الْآخَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا فَمُرْنِي بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ فَقَالَ لَا يَزَالُ لِسَانُك رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل» إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَمُعَاوِيَةُ حَدِيثُهُ حَسَنٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا «إذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِاسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِاسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْحِمْصِيِّينَ فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عز وجل رَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدُّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَرَجُلٌ رَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عز وجل، وَرَجُلٌ
دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عز وجل» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: " ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ " مَعْنَاهُ مَضْمُونٌ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يُرِيدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ: وَقَوْلُهُ " دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يُسَلِّمَ إذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] .
(وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ أَرَادَ لُزُومَ الْبَيْتِ فَطَلَبَ السَّلَامَةَ مِنْ الْفِتَنِ، يَرْغَبُ بِذَلِكَ فِي الْعُزْلَةِ، وَيَأْمُرُ بِإِقْلَالٍ مِنْ الْخُلْطَةِ، وَيَجْلِسُ حَيْثُ أَجْلَسَهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ. وَقِيلَ: بَلْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ مِنْهُ كَذَا فِي الرِّعَايَةِ وَدَخَلَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ النَّحْوِيُّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بَيْتَهُ زَائِرًا لَهُ قَالَ: فَوَجَدْته جَالِسًا بِالْأَرْضِ إلَى وِسَادَةٍ فَقُلْت لَهُ إنِّي قَدْ رَضِيت لِنَفْسِي مَا قَدْ رَضِيتَ لِنَفْسِك، فَقَالَ: إنِّي لَا أَرْضَى لَك فِي بَيْتِي بِمَا أَرْضَى بِهِ لِنَفْسِي فَاجْلِسْ حَيْثُ تُؤْمَرُ فَلَعَلَّ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ شَيْءٌ يَكْرَهُ أَنْ تَسْتَقْبِلَهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ: (مَا يُكْرَهُ إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ إلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ أَنْ يَقْعُدَ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يُقْعِدُهُ) قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ: " لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ ". قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى كُلِّهِ، وَأَمَّا التَّكْرِمَةُ فَلَا بَأْسَ إذَا أَذِنَ لَهُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ إنْ أَمَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ بِالْجُلُوسِ فِي مَكَان مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَدَّاهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَسُلْطَانُهُ وَتَكْرِمَتُهُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الدُّخُولِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُقَامُ فِيهِ، وَهَذَا وَاضِحٌ. وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْجُلُوسِ فِي مَكَان مِنْهُ فَهَلْ يَجْلِسُ؟ وَأَيْنَ يَجْلِسُ؟ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى عُرْفِ صَاحِب الْمَنْزِل وَعَادَتِهِ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ لِأَنَّهُ خَاصٌّ فَيَتَقَيَّدُ الْمُطْلَقُ كَالْكَلَامِ فَإِنْ خَالَفَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ عَادَتَهُ مَعَهُ بِأَنْ أَمَرَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ وَافَقَهُ إنْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَكَذَا إنْ شَكَّ حَمْلًا لِحَالِ الْمُكَلَّفِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ.
وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يُجِبْهُ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ مُعْتَبَرَةٌ فَلَمْ
يَأْذَنْ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيمَا يَظُنُّ إذْنَهُ فِيهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَظَوَاهِرِ الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ وَعَادَةٌ فِي ذَلِكَ فَالْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسُ بِلَا إذْنٍ خَاصٍّ فِيهِ لِحُصُولِهِ بِالْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ ثُمَّ إنْ شَاءَ جَلَسَ أَدْنَى الْمَجْلِسِ مِنْ مَحَلِّ الْجُلُوسِ لِتَحَقُّقِ جَوَازِهِ مَعَ سُلُوكِ الْأَدَبِ، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يُعَدَّ جُلُوسُهُ هُنَاكَ مُسْتَهْجَنًا عَادَةً وَعُرْفًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَرْتَبَتِهِ، أَوْ يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ بِذَلِكَ خَجَلٌ وَاسْتِحْيَاءٌ، فَإِنَّهُ يُعْجِبُهُ فِي خِلَافِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا ظَنَّ شَيْئًا لَا يَلِيقُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ عَمِلَ بِالظَّنِّ فِي جُلُوسِهِ فِيمَا يَأْذَنُ فِيهِ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى عَوَائِدِ النَّاسِ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ وَأَقَلُّ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَيَأْتِي مَا يُشْبِهُ هَذَا بَعْدَ آدَابِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالنَّوْمِ فِي فَصْلِ الْمَشْيِ مَعَ غَيْرِهِ.
وَيُعْمَلُ بِعَلَامَةٍ كَرَفْعِ سِتْرٍ أَوْ إرْخَائِهِ فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ لِقَوْلِهِ لِابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «إذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ تَرْفَعَ الْحِجَابَ وَأَنْ تَسْمَعَ سِوَادِي حَتَّى أَنْهَاك» قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ السِّوَادُ بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالدَّالِ أَيْ السِّرَارُ وَهُوَ السِّرُّ وَالْمُسَارَّةُ يُقَالُ سَاوَدْت الرَّجُلَ مُسَاوَدَةً إذَا سَارَرْته وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ سِوَادِهِ عِنْدَ الْمُسَارَّةِ أَيْ شَخْصُك مِنْ شَخْصِهِ وَالسِّوَادُ اسْمٌ لِكُلِّ شَخْصٍ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ قَدْ عَلِمَ بِهِ وَكَذَلِكَ إنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلِمَ بِهِ وَالْأَوْلَى الثَّانِي احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ تَأَكَّدَ التَّثَبُّتُ وَالتَّأَنِّي وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَنْ لَا يَأْذَنَ بِالْعَلَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْمُسْتَأْذِنَ فَقَدْ يَكُونُ الْمُسْتَأْذِنُ غَيْرَ مَنْ ظَنَّهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَا يَلِيقُ وَيَحْصُلُ بِهِ شَرٌّ وَمَحْذُورٌ وَمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُول فَمَنْ شَاءَ دَخَلَ فِي الْحَالِ، وَيَتَثَبَّتُ إنْ اقْتَضَى الْحَالُ تَوَقُّفَهُ.
وَلِهَذَا فِي مُسْلِمٍ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَوْمًا بَعْدَ مَا صَلَّيْنَا الْغَدَاةَ فَسَلَّمْنَا بِالْبَابِ فَأَذِنَ لَنَا فَمَكَثْنَا بِالْبَابِ هُنَيْهَةً قَالَ: فَخَرَجَتْ الْجَارِيَةُ فَقَالَتْ: أَلَا تَدْخُلُونَ؟ فَدَخَلْنَا
فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يُسَبِّحُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا وَقَدْ أُذِنَ لَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا إلَّا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ قَالَ: ظَنَنْتُمْ بَلْ أُمُّ عَبْدٍ غَفَلَةٌ قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ يُسَبِّحُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ قَالَ: يَا جَارِيَةُ اُنْظُرِي هَلْ طَلَعَتْ؟ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هِيَ قَدْ طَلَعَتْ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَقَالَنَا يَوْمَنَا هَذَا قَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ أَحْسَبُهُ قَالَ: وَلَمْ يُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: قَرَأْت الْبَارِحَةَ الْمُفَصَّلَ كُلَّهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَفِيهِ التَّلَبُّثُ عَنْ الدُّخُولِ بَعْدَ الْإِذْنِ لِاحْتِمَالِ عُذْرٍ وَعَرَضَ الدُّخُولَ ثَانِيًا وَالسُّؤَالَ عَنْ سَبَبِ التَّلَبُّثِ عَنْ الدُّخُولِ وَذَكَرَ سَبَبَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَبْدُ اللَّهِ التَّوَقُّفَ لِلْعُذْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا السَّبَبِ لَا يُظَنُّ بِآلِهِ فَفِيهِ الْمُؤَاخَذَةُ بِالسَّبَبِ وَنَفْيُ التُّهَمَةِ وَالنَّقْصِ عَنْ الْإِنْسَانِ وَعَنْ أَهْلِهِ.
وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ مَنْ يُعَاشِرُهُ وَيُلَازِمُهُ وَرُبَّمَا قِيلَ وَعَمَّنْ يَبْعُدُ مِنْهُ وُقُوعُ مِثْلِ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْوَقْتِ لَا يُغْفَلُ عَنْهُ، وَأَنَّ النَّوْمَ إذَنْ يُكْرَهُ، وَأَنَّ مَنْ اُسْتُؤْذِنَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي عَمَلِ طَاعَةٍ يُمْكِنُهُ تَرْكُهَا لَا يَتْرُكُهَا لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ وَسِيلَةً فِي تَرْكِ الطَّاعَاتِ وَيَتَّخِذَهُ الشَّيْطَانُ سَبَبًا يَصُدُّ بِهِ عَنْهَا، وَإِنْ خَافَ رِيَاءً وَإِعْجَابًا تَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَحَاسَبَ نَفْسَهُ، وَإِنْ قَوِيَ الْخَوْفُ مِنْ ذَلِكَ وَرُبَّمَا قَوِيَ الْخَوْفُ جِدًّا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَحِينَئِذٍ يَتْرُكُهُ ظَاهِرًا وَيَأْتِي بِهِ خِفْيَةً إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا قَضَاهُ وَلَا يَفُوتُهُ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ وَتَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ، وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِالطَّاعَةِ لَكِنَّ لِلْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ وَالرَّدُّ عَلَى فَاعِلِهَا بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ.
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ قَوْلِهِمْ فَقَوْلُنَا: لَا مَعْنَاهُ لَا مَانِعَ لَنَا إلَّا أَنَّا تَوَهَّمْنَا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ نَائِمٌ فَنُزْعِجُهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ " ظَنَنَّا " تَوَهَّمْنَا وَجَوَّزْنَا، لَا أَنَّهُمْ أَرَادُوا الظَّنَّ الْمَعْرُوفَ وَهُوَ رُجْحَانُ الِاعْتِقَادِ قَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُرَاعَاةُ الرَّجُلِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ وَرَعِيَّتِهِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي (بَابِ مَا جَاءَ فِي الْمِزَاحِ) ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ
الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَسَلَّمْت فَرَدَّ وَقَالَ: اُدْخُلْ فَقُلْت: أَكُلِّيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كُلُّك فَدَخَلْت» .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ دُحَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْوَلِيدِ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ دُحَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ بِشْرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو دَاوُد ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا الْوَلِيدُ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةَ قَالَ: إنَّمَا قَالَ: " أَدْخُلُ كُلِّي " مِنْ صِغَرِ الْقُبَّةِ وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي آدَابِ السَّفَرِ قُدُومُ الْمُسَافِرِ لَيْلًا.