الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ]
ومما لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، وَيَغْفِرَ زَلَّتَهُ، وَيَرْحَمَ عَبْرَتَهُ، وَيُقِيلَ عَثْرَتَهُ، وَيَقْبَلَ مَعْذِرَتَهُ، وَيَرُدَّ غِيبَتَهُ، وَيُدِيمَ نَصِيحَتَهُ، وَيَحْفَظَ خِلَّتَهُ، وَيَرْعَى ذِمَّتَهُ، وَيُجِيبَ دَعْوَتَهُ، وَيَقْبَلَ هَدِيَّتَهُ، وَيُكَافِئَ صِلَتَهُ، وَيَشْكُرَ نِعْمَتَهُ، وَيُحْسِنَ نُصْرَتَهُ، وَيَقْضِيَ حَاجَتَهُ، وَيَشْفَعَ مَسْأَلَتَهُ، وَيُشَمِّتَ عَطْسَتَهُ، وَيَرُدَّ ضَالَّتَهُ، وَيُوَالِيَهُ، وَلَا يُعَادِيَهُ، وَيَنْصُرَهُ عَلَى ظَالِمِهِ، وَيَكُفَّهُ عَنْ ظُلْمِهِ غَيْرِهِ، وَلَا يُسْلِمَهُ، وَلَا يَخْذُلَهُ، وَيُحِبَّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهَ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ.
قَالَ حَنْبَلٌ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ نُصْحُ الذِّمِّيِّ، وَعَلَيْهِ نُصْحُ الْمُسْلِمِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَالنُّصْحُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ لِمِسْعَرٍ: تُحِبُّ أَنْ تُنْصَحَ؟ قَالَ: أَمَّا مِنْ نَاصِحٍ فَنَعَمْ، وَأَمَّا مِنْ شَامِتٍ فَلَا. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ عَنْ مِسْعَرٍ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَهْدَى إلَيَّ عُيُوبِي فِي سِرٍّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَإِنَّ النَّصِيحَةَ فِي الْمَلَأِ تَقْرِيعٌ.
وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مَرْفُوعًا: «إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» وَلَيْسَ فِي مُسْلِمٍ فِي أَوَّلِهِ " إنَّ " وَلِأَبِي دَاوُد «إنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ» وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَذَكَرَهُ.
وَلِلنَّسَائِيِّ «وَإِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ» وَذَكَرَهُ. فَظَاهِرُهُ أَنَّ مَدَارَ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ.
وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَجْمَعُ أَمْرَ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ:
مَعْنَى الْحَدِيثِ قِوَامُ الدِّينِ وَعِمَادُهُ النَّصِيحَةُ كَقَوْلِهِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ»
وَلِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ اللَّهُ عز وجل: «أَحَبُّ مَا تَعَبَّدَ لِي بِهِ عَبْدِي النُّصْحُ لِي» وَقَالَ جَرِيرٌ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالطَّاعَةِ فَلَقَّنَنِي " فِيمَا اسْتَطَعْت " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ كَأَحْمَدَ وَزَادَ وَعَلَى فِرَاقِ الشِّرْكِ.
قِيلَ: النَّصِيحَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَصَحَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ إذَا خَاطَهُ فَشَبَّهُوا فِعْلَ النَّاصِحِ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ مِنْ صَلَاحِ الْمَنْسُوجِ لَهُ بِمَا يَسُدُّهُ مِنْ خَلَلِ الثَّوْبِ، وَقِيلَ: مِنْ نَصَحْت الْعَسَلَ إذَا صَفَّيْته مِنْ الشَّمْع، شَبَّهُوا تَخْلِيصَ الْقَوْلِ مِنْ الْغِشِّ بِتَخْلِيصِ الْعَسَلِ مِنْ الْخَلْطِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ وُجُوبُ النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِخْبَارِ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْتَهِدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إلَّا لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ مَعَهُمْ» فَقَدْ يُقَالُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ وُجُوبَ النُّصْحِ يَتَوَقَّفُ عَلَى السُّؤَالِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا بَلْ خَصَّ الْأَمِيرَ هَذَا لِأَنَّهُ أَخَصُّ. لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ وَفِيهِ فَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ» وَهَذَا أَوْلَى وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ عَلَى مُحَرَّمٍ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: التَّاجِرُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مُفْلِسٌ وَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَسْكُتُ أَمْ أُخْبِرُهُ، قَالَ لَوْ أَنَّ خَنَّاقًا صَحِبَك، وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُ وَأَنَا أَعْرِفُهُ أَأَسْكُتُ حَتَّى يَقْتُلَك؟ وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ ظَنَّ أَنْ لَا يَقْبَلَ نُصْحَهُ أَوْ خَافَ أَذًى مِنْهُ فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي بَابِ النَّصِيحَةِ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ» كَثِيرٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» .
وَلِمُسْلِمٍ «الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إذَا اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِذَا اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ» وَفِي لَفْظٍ «كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» .
وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ابْنُ مَاجَهْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «وَإِذَا اسْتَشَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُشِرْ عَلَيْهِ» .
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ لِوَلَدَيْهِ: اُكْتُبَا مَنْ سَلَّمَ عَلَيْنَا مِمَّنْ حَجَّ فَإِذَا قَدِمَ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مَحْمُولٌ مِنْهُ عَلَى صِيَانَةِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْكِبْرِ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي النَّوَادِرِ نَقَلَ عَنْهُ وَلَدُهُ صَالِحُ أَنَّهُ قَالَ: اُنْظُرُوا إلَى الَّذِينَ جَاءُوا مُسَلِّمِينَ عَلَيْنَا فَنَمْضِي بَعْدُ نُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ مُضِيَّهُ إلَيْهِمْ فِي مُقَابَلَةِ مُضِيِّهِمْ إلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَبْدَأَهُمْ بِالْمُضِيِّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ الْحِمَّانِيُّ الرَّجُلُ يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ لَا يَجِيءُ يُسَلِّمُ عَلَيَّ أَمْضِي أُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا عِلْمٍ أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ إنْسَانًا يُخَافُ شَرُّهُ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: قُلْ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رِقَّ عَلَى هَذَا الْخَلْقِ وَاجْعَلْهُمْ فِي حِلٍّ فَقَدْ وَجَبَتْ نُصْرَتُك فَقُلْتُ: لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَجَعَلَ يَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ، مَعْنَى كَلَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَسْتَحِلَّنِي أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ غَيْرُهُ.
وَفِي مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ أَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي (بَابِ مَنْ رَدَّ عَنْ مُسْلِمٍ غِيبَةً) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُشَمِيِّ حَدَّثَنَا جُنْدُبٌ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَثَارَ رَاحِلَتَهُ، فَأَطْلَقَهَا، ثُمَّ رَكِبَ، ثُمَّ نَادَى اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تُشْرِكْ فِي رَحْمَتِنَا أَحَدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم أَتَقُولُونَ هُوَ أَضَلُّ أَمْ بَعِيرُهُ؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا إلَى مَا قَالَ؟ الْجُشَمِيُّ» تَفَرَّدَ عَنْهُ الْجَرِيرِيُّ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ نَصْرَ الْمَظْلُومِ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فِي شَيْءٍ آخَرَ وَإِنَّ ظُلْمَهُ فِي شَيْءٍ لَا يَمْنَعُ نَصْرَهُ عَلَى ظَالِمِهِ فِي شَيْءٍ آخَرَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ: بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ مُعَاوَنَةِ الظَّالِمِ قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ جَحَدَ آخَرَ مِيرَاثًا لَهُ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ عَدَا عَلَيْهِ رَجُلٌ آخِر وَظَلَمَهُ فِي شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ هَذَا الْمِيرَاثِ وَلَهُ قَرَابَةٌ فَاسْتَغَاثَهُمْ عَلَى ظَالِمِهِ فَقَالُوا: إنَّا نَخَافُ أَنْ نُعِينَك عَلَى ظُلَامَتِك هَذِهِ فَلَسْنَا بِفَاعِلِينَ حَتَّى تَرُدَّ إلَى أُخْتِكَ مِيرَاثَهَا، فَإِنْ فَعَلْتَ أَعَنَّاك عَلَى هَذَا الَّذِي ظَلَمَك قَالَ: مَا أَعْرِفُ مَا تَقُولُونَ وَمَا لِهَذِهِ عِنْدِي مِيرَاثٌ. فَقَالَ: لَا. مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِينُوهُ، أَخْشَى أَنْ يَجْتَرِئَ، لَا، وَلَكِنْ يَدَعُوهُ حَتَّى يَنْكَسِرَ فَيَرُدَّ عَلَى هَذِهِ قِيلَ لَهُ وَهُمْ قَرَابَتُهُ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ هَذَا قَدْ ظَلَمَهُ قَالَ: لَا يُعِينُوهُ حَتَّى يُؤَدِّي إلَى تِلْكَ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْتَهِي بِهَذَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ ظَالِمٍ ظَلَمَهُ رَجُلٌ أُعِينُهُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ ظُلْمِهِ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ الْمُنْقِرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْخَطَّابُ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ يَا أَبَا ثَابِتٍ؟ قُلْتُ: أَشْتَرِي دَقِيقًا لِأَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ، فَقَالَ: تَشْتَرِي لِأَبِي سُلَيْمَانَ دَقِيقًا؟ فَقُلْتُ: وَمَا بَأْسٌ؟ فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لَك قَالَ: فَقُلْتُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ يَا أَبَا عَبْد اللَّه؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ، تَشْتَرِي دَقِيقًا لِرَجُلٍ يَرُدُّ
أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: وَيُكْرَهُ لِأَهْلِ الْمُرُوآتِ وَالْفَضَائِلِ التَّسَرُّعُ إلَى إجَابَةِ الطَّعَامِ وَالتَّسَامُحُ بِحُضُورِ الْوَلَائِمِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهُ يُورِثُ دَنَاءَةً وَإِسْقَاطَ الْهَيْبَةِ مِنْ نُفُوسِ النَّاسِ، وَسَلَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمَشْهُورُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اُسْتُنْبِطَ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ تَغَافُلِ أَهْلِ الْفَضْلِ عَنْ سَفَهِ الْمُبْطِلِينَ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ، هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
وَإِنِّي لَأَعْفُو عَنْ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ
…
وَفِي دُونِهَا قَطْعُ الْحَبِيبِ الْمُوَاصِلِ
وَأُعْرِضُ عَنْ ذِي الذَّنْبِ حَتَّى كَأَنَّنِي
…
جَهِلْتُ الَّذِي يَأْتِي وَلَسْتُ بِجَاهِلِ
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ قَالَ:
صَدِيقُكَ حِينَ تَسْتَغْنِي كَثِيرٌ
…
وَمَا لَكَ عِنْدَ فَقْرِك مِنْ صَدِيقِ
وَكُنْتُ إذَا الصَّدِيقُ أَرَادَ غَيْظِي
…
عَلَى حَنَقٍ وَأَشْرَقَنِي بِرِيقِي
غَفَرْتُ ذُنُوبَهُ وَصَفَحْتُ عَنْهُ
…
مَخَافَةَ أَنْ أَكُونَ بِلَا صَدِيقِ
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَأَنْشَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى:
وَمَنْ لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ
…
وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وَمَنْ يَتَتَبَّعْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ
…
يَجِدْهَا وَلَا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ
وَقَالَ أَبُو فِرَاسٍ:
لَمْ أُؤَاخِذْكَ بِالْجَفَاءِ لِأَنِّي
…
وَاثِقٌ مِنْك بِالْإِخَاءِ الصَّحِيحِ
وَجَمِيلُ الْعَدُوِّ غَيْرُ جَمِيلٍ
…
وَقَبِيحُ الصَّدِيقِ غَيْرُ قَبِيحِ
وَقَدْ قِيلَ:
لَا تَرْجُ شَيْئًا خَالِصًا نَفْعُهُ
…
فَالْغَيْثُ لَا يَخْلُو مِنْ الْغُثَاءِ
وَقَالَ أَبُو شُعَيْبٍ صَالِحُ بْنُ عِمْرَانَ دَعَا رَجُلٌ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَقَالَ:
تَرَى أَنْ تَعْصِيَنِي بَعْدَ الْإِجَابَةِ قَالَ: لَا. فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَأَقْعَدَ مَعَ أَحْمَدَ مَنْ لَمْ يَشْتَهِ أَحْمَدُ أَنْ يَقْعُدَ، فَقَالَ أَحْمَدُ عِنْدَ ذَلِكَ رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ سِيرِينَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تُكْرِمْ أَخَاكَ بِمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ هَذَا أَخِي أَكْرَمَنِي بِمَا يَشُقُّ عَلَيَّ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا نَدْعُو مَنْ تَشُقُّ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ وَإِذَا حَضَرَ تَأَذَّى الْحَاضِرُونَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَقَالَ: إنْ كَانَ الطَّعَامُ حَرَامًا فَلِيَمْتَنِعْ مِنْ الْإِجَابَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُنْكَرٌ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الدَّاعِي ظَالِمًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ مُبْتَدِعًا أَوْ مُفَاخِرًا بِدَعْوَتِهِ وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الضِّيَافَةِ مُبْتَدِعٌ يَتَكَلَّمُ بِبِدْعَتِهِ لَمْ يَجُزْ الْحُضُورُ مَعَهُ إلَّا لِمَنْ يُقْدِمُ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُبْتَدِعُ جَازَ الْحُضُورُ مَعَهُ مَعَ إظْهَارِ الْكَرَاهَةِ لَهُ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُضْحِكٌ بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ لَمْ يَجُزْ الْحُضُورُ، وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ مَزْحٌ لَا كَذِبَ فِيهِ، وَلَا فُحْشَ أُبِيحَ مَا يَقِلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا اتِّخَاذُهُ صِنَاعَةً وَعَادَةً فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد بَابٌ فِي طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ أَنْبَأْنَا أَبِي حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ أَبِي الْحَارِثِ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ» . إسْنَادٌ جَيِّدٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد أَكْثَرُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ جَرِيرٍ لَا يَذْكُرُ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَهَارُونُ النَّحْوِيُّ ذَكَرَ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ لَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ الْمُتَبَارِيَيْنِ هُمَا الْمُتَعَارِضَانِ، فَفِعْلُهُمَا لِيُعْجِزَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِصَنِيعِهِ. وَإِنَّهُ إنَّمَا كَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَاهَاةِ وَالرِّيَاءِ. فَهَذَا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي الْمُفَاخِرِ بِدَعْوَتِهِ، وَذِكْرُ
أَبُو دَاوُد لِذَلِكَ يُوَافِقُهُ، ثُمَّ هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ هَذَا الطَّعَامِ أَوْ يُكْرَهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ نَظَرًا إلَى ظَاهِر النَّهْيِ وَالْمَعْنَى.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَا يُصَلِّي وَلَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَقَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ يَجُوزُ هَجْرُهُ.
وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ، وَحَكَاهُ فِي الْمُغْنِي عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَأْمَنُ اخْتِلَاطَ طَعَامِهِمْ بِالْحَرَامِ وَالنَّجَاسَةِ فَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا تَجِبُ إجَابَةُ مُسْلِمٍ فِي مَا لَهُ شُبْهَةٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَثُرَتْ، وَلَا مَنْ لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيُلَابِسُهَا كَثِيرًا، وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُدْعَى إلَى الْخِتَانِ أَوْ الْعُرْسِ وَعِنْدَهُ الْمُخَنَّثُونَ، فَيَدْعُوهُ بَعْد ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أُولَئِكَ؟ فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَأْثَمَ إنْ لَمْ يُجِبْ، وَإِنْ أَجَابَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ آثِمًا.
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا النَّصِّ: فَأُسْقِطَ الْوُجُوبُ لِإِسْقَاطِ الدَّاعِي حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِاِتِّخَاذِ الْمُنْكَرِ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْإِجَابَةِ لِكَوْنِ الْمُجِيبِ لَا يَرَى مُنْكَرًا وَلَا يَسْمَعُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: إنَّمَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إذَا كَانَ الْمُكْتَسِبُ طَيِّبًا وَلَمْ يَرَ مُنْكَرًا، وَهَذَا يُؤَيِّد مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ فِي الْمُغْنِي بَعْد ذِكْرِهِ لِهَذَا النَّصِّ: فَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ طَعَامُهُ مِنْ مُكْتَسَبٍ خَبِيثٍ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَهُ مُنْكَرٌ وَالْأَكْلُ مِنْهُ مُنْكَرٌ، فَهُوَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ، وَإِنْ حَضَرَ لَمْ يَأْكُلْ.
وَقَالَ صَالِحُ لِأَبِيهِ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ يَدْعُونِي إلَى غِذَائِهِ وَعَشَائِهِ أُجِيبُهُ، وَأُجَالِسُهُ قَالَ: تَأْمُرُهُ وَتَنْهَاهُ فَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ كَسْبًا طَيِّبًا وَعَصَى اللَّه فِي بَعْضِ أَمْرِهِ يَدْعُو لَا يُجَابُ.
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَا شَاهِدٌ: الرَّجُلُ يَكُونُ فِي الْقَرْيَةِ أَوْ الرُّسْتَاقِ وَسُئِلَ عَنْ الشَّيْءِ مِنْ الْعِلْمِ
فَأُهْدِيَ لَهُ الثِّمَارُ وَرُبَّمَا اسْتَعَانَ بِقَوْمٍ يَعْمَلُونَ فِي أَرْضِهِ فَقَالَ: إنْ كَانَ يُكَافِئُ وَإِلَّا فَلَا يَقْبَلُ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّه عَنْ الرَّجُلِ يُهْدَى إلَيْهِ الشَّيْءُ أَفَتَرَى أَنْ يَقْبَلَ؟ فَقَالَ: قَدْ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ» ، أَرَى لَهُ إنْ هُوَ قَبِلَ أَنْ يُثِيبَ.
وَذَكَرَ إِسْحَاقُ فِي الْأَدَب مِنْ مَسَائِلِهِ أَنَّ إنْسَانًا أَهْدَى لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَرَّةً شَيْئًا مَا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قَالَ: فَأَعْطَانِي دِينَارًا. فَقَالَ: اذْهَبْ فَاشْتَرِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ سُكَّرًا وَبِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ تَمْرًا بَرْنِيًّا وَاذْهَبْ بِهِ إلَيْهِ، فَفَعَلْتُ، فَقَالَ اذْهَبْ بِهِ إلَيْهِ بِاللَّيْلِ. وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ وَبَعْضَ الْأَخْبَارِ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: نِعْمَ الشَّيْءُ الْهَدِيَّةُ أَمَامَ الْحَاجَةِ.
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نِعْمَ الْعَوْنُ الْهَدِيَّةُ عَلَى طَلَبِ الْحَاجَةِ وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَّابًا مَتْرُوكًا فَإِنَّهُ إخْبَارِيٌّ عَلَّامَةٌ فَقَالَ: يُقَالُ: مَا اُرْتُضِيَ الْغَضْبَانُ، وَلَا اُسْتُعْطِفَ السُّلْطَانُ، وَلَا سُلَّتْ السَّخَائِمُ، وَلَا دُفِعَتْ الْمَغَارِمُ، وَلَا تُوُقِّيَ الْمَحْذُورُ، وَلَا اُسْتُمِيلَ الْمَهْجُورُ، بِمِثْلِ الْهَدِيَّةِ وَالْبِرِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْد الْبَرِّ: وَقَدْ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «تَجَاوَزُوا وَتَزَاوَرُوا وَتَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُثْبِتُ الْمَوَدَّةَ وَتَسُلُّ السَّخِيمَةَ» قَالَ الشَّاعِرُ:
هَدَايَا النَّاسِ بَعْضَهُمْ لِبَعْضِ
…
تُوَلِّدُ فِي قُلُوبِهِمْ الْوِصَالَا
وَتَزْرَعُ فِي الضَّمِيرِ هَوًى وَوُدَّا
…
وَتُلْبِسُهُمْ إذَا حَضَرُوا جَمَالَا.