المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علاقة المسرحية بالمسرح: - الأدب وفنونه - دراسة ونقد

[عز الدين إسماعيل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثامنة

- ‌افتتاح:

- ‌الباب الأول: نظرية الأدب والنقد الأدبي

- ‌الفصل الأول: نظرية الأدب

- ‌تعريف الأدب

- ‌ مشكلة الأسلوب:

- ‌ العلاقة بين الأديب والمجتمع:

- ‌ مناهج دراسة الأدب:

- ‌الفصل الثاني: نظرية النقد

- ‌معنى النقد:

- ‌أهمية النقد:

- ‌طبيعة النقد:

- ‌قواعد النقد:

- ‌مراحل العملية النقدية:

- ‌الأساس النقدي للأدب القديم والحديث:

- ‌الباب الثاني: الفنون الأدبية

- ‌تمهيد: الأنواع الأدبية

- ‌الفصل الأول: الشعر

- ‌قدم فن الشعر

- ‌محاولة تعريفه:

- ‌طبيعة الشعر:

- ‌الانفعال والفكرة:

- ‌الصورة القديمة وخصائصها:

- ‌الصور في الشعر الحديث، ودورها:

- ‌الشعر الذاتي والشعر الموضوعي وأنواعهما:

- ‌الفصل الثاني: الفن القصصي

- ‌تعريف الفن القصصي:

- ‌مادة العمل القصصي:

- ‌عملية الاختيار:

- ‌عناصر العمل القصصي:

- ‌القصة القصيرة:

- ‌الفصل الثالث: الفن المسرحي

- ‌مدخل

- ‌الحوار والصراع والحركة:

- ‌علاقة المسرحية بالمسرح:

- ‌المسرحية الفلسفية:

- ‌لغة المسرح بين الشعر والنثر:

- ‌الإطار المسرحي:

- ‌الأنواع المسرحية:

- ‌الفصل الرابع: أنواع أدبية أخرى‌‌ ترجمة الحياة. المقال. الخاطرة

- ‌ ترجمة الحياة

- ‌ المقالة:

- ‌ الخاطرة:

- ‌المراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌علاقة المسرحية بالمسرح:

"إن فنون الرقص "الباليه Ballet" والمسرحيات الصامتة Pantomime غالبًا ما قامت دون أي مساعدة من الشاعر المسرحي؛ لأنها لا تعتمد على الكلمة المنطوقة، وكذلك لا تعتمد -إلى حد كبير- على القصة، بل تعتمد على الميل الحسي إلى اللون والموسيقى وحركات الرجال والنساء الرشيقة في أزيائهم الجميلة المثيرة، هذا فضلا عن المنظر المسرحي؛ ففن المسرح يمكن أن يكون -حتى حين يخلو من المسرحية drama- غاية في ذاته تمامًا، كما يمكن أن تقوم المسرحية دون مساعدة المسرح"1.

ونحن لا يعنينا هنا من مسألة العلاقة بين المسرحية والمسرح والممثلين والمتفرجين إلا ما يمكن أن يكون من أثر لهذه الثلاثة الأخيرة على المؤلف حين يختار مادته، وحين يعمل في هذه المادة، أو حين يحاول إخراجها فنيا في إطار مسرحي.

1 نفسه ص213.

ص: 134

‌علاقة المسرحية بالمسرح:

وقبل أن نمضي في بحث ذلك ينبغي الالتفات إلى بدهية تؤكد لنا ما بين المسرحية والمسرح من علاقة. فحين نسأل المؤلف -كما يريد أشبنجارن- ماذا صنع؟ ويقول: إنني صنعت مسرحية، فإنه يعني في هذه الحالة أنه لم يكتب قصة أو قصيدة أو ملحمة. بعبارة أخرى فإنه لم يعتبر فيما صنع الأصول الفنية العامة للقصة أو القصيدة أو الملحمة، بل قيد نفسه بأصول أخرى، أو لنقل: بإطار فني آخر هو الإطار المسرحي. وإذا نحن نظرنا إلى الإطار وجدنا اعتبارات خاصة بالمسرح ذاته لها أثرها في توجيه الكاتب، من ذلك الزمان وإمكانيات المكان، فالكاتب -في العصور الحديثة على الأقل- أصبح مقيدًا بسويعات محددة في المسرح لعرض مسرحيته لا يستطيع أن يتجاوزها. وهذا الزمن المحدد كان له أثره في بناء المسرحية ولا شك؛ لأنه يريد في خلال هذه المدة المحدودة أن يعرض أشياء كثيرة، وهذا الحد الزمني له أثره في أنه سيستبعد بعض الأشياء اعتمادًا على أن بنية المسرحية تستطيع أن تستغني عنها، وهذا معناه أن البنية لا بد أن تكون مركبة تركيبًا خاصًّا. ومن هنا وصلنا إلى وضع حد لفصول المسرحية، في الوقت الذي تركنا فيه فصول القصة مثلا دون تحديد. هناك المسرحية ذات الفصل الواحد، ولكن هذا النوع ليس ما نتحدث عنه هنا، كما أننا لا نعني القصة القصيرة، ولكن المسرحية التي نعنيها هي المسرحية ذات الفصول، وقد أصبح من المتواضع عليه ألا يقل عدد هذه الفصول عن ثلاثة1 وألا يزيد على خمسة، وفي حدود هذا العدد من الفصول ينسق المؤلف بناء مسرحيته، فإذا كانت ذات فصول ثلاثة فإنه يجعل الأول منها لعرض الشخصيات

1 ضمن موجات التجديد المعاصرة ظهرت مسرحيات كثيرة من فصلين.

ص: 134

والمشكلة، والثاني للأزمة، والثالث للحل والنهاية، وإذا كانت من فصول أربعة فإنه يعرض الشخصيات وبداية خيوط المشكلة في الأول، ثم يمضي بأطراف تلك الخيوط ينسج منها المشكلة كاملة في الثاني، ثم الثالث، فالرابع. وعلى كل حال، فإن هذا التقسيم الشكلي الواضح في الإطار المسرحي لم يفرضه -فيما يبدو لي- سوى تقيد المؤلف بزمن محدد. إن "شاعر الربابة" عندنا لم يحتج إلى أن يقص قصة أبي زيد الهلالي في فصول محددة العدد كهذه؛ لأن المتفرجين والمستمعين في المكان الذي يجتمعون فيه لا تحدهم حدود، وهم يستطيعون أن يسهروا معه حتى مطلع الفجر.

فالارتباط إذن بزمن معين لعرض المسرحية على الجمهور في المسرح كان له أثره في توجيه البناء الفني للمسرحية ذاتها. وإذا لم ترتبط المسرحية بهذا الزمن المحدد لما كان هناك ما يدعو إلى تحديد هذه الفصول -كما ينتهي إلى ذلك كلارك- فما الذي ما يزال يقيد المؤلف المسرحي بهذه الحدود البنائية في مسرحية تقرأ، أو يستمتع بقراءتها؟

وكما كان لحدود المسرح الزمنية أثرها فكذلك كان لإمكاناته المكانية -من ناحية أخرى- أثرها في اختيار المواقف والأحداث. فخشبة المسرح لا تتسع مثلا لجيشين متحاربين، وعندئذ يضطر المؤلف المسرحي إلى إدارة المعركة خلف الأستار، ولا يظهر أمام الناس إلا ما يدل على النتيجة، وكذلك هناك أحداث ليس من السهل على الممثل أداؤها أمام المتفرجين، فأوديب مثلا لا يفقأ عينيه أمام المتفرجين، ولكنه يدخل إلى المسرح متخبطًا في مشيته، والدم يسيل من عينيه.

فارتباط المسرحية بإطار فني خاص أثر من آثار ارتباط المؤلف المسرحي ذاته، هذه هي البدهية. وقد يضاف إلى ذلك أن تصور المؤلف للمسرح الذي ستمثل فيه المسرحية، وخصائص هذا المسرح بالذات، البنائية وغير البنائية، له أثر في دقائق التأليف ذاته. ولا شك أن المسرحية الإغريقية كانت أنسب مسرحية لشكل المسرح القديم الذي كان معدا في الهواء الطلق، والذي كان يتسع لعدد يتراوح بين ثلاثين وأربعين ألفًا. أما في العصور الحديثة فقد تغير شكل المسرحية تغيرًا جوهريًّا، وأصبح العرض المسرحي لا يشهده سوى ألف أو أقل قليلا. وهذه التغييرات المكانية لها اعتبارها عند المؤلف ذاته، فتصوره للمكان له اعتباره عندما يمضي في عملية بناء المسرحية. وهذا يؤكد مرة أخرى تلك البدهية السابقة. وقد كفانا عرض هذه البدهية مئونة بحث العلاقة بين المسرحية والمسرح ذاته.

ص: 135