المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ العلاقة بين الأديب والمجتمع: - الأدب وفنونه - دراسة ونقد

[عز الدين إسماعيل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثامنة

- ‌افتتاح:

- ‌الباب الأول: نظرية الأدب والنقد الأدبي

- ‌الفصل الأول: نظرية الأدب

- ‌تعريف الأدب

- ‌ مشكلة الأسلوب:

- ‌ العلاقة بين الأديب والمجتمع:

- ‌ مناهج دراسة الأدب:

- ‌الفصل الثاني: نظرية النقد

- ‌معنى النقد:

- ‌أهمية النقد:

- ‌طبيعة النقد:

- ‌قواعد النقد:

- ‌مراحل العملية النقدية:

- ‌الأساس النقدي للأدب القديم والحديث:

- ‌الباب الثاني: الفنون الأدبية

- ‌تمهيد: الأنواع الأدبية

- ‌الفصل الأول: الشعر

- ‌قدم فن الشعر

- ‌محاولة تعريفه:

- ‌طبيعة الشعر:

- ‌الانفعال والفكرة:

- ‌الصورة القديمة وخصائصها:

- ‌الصور في الشعر الحديث، ودورها:

- ‌الشعر الذاتي والشعر الموضوعي وأنواعهما:

- ‌الفصل الثاني: الفن القصصي

- ‌تعريف الفن القصصي:

- ‌مادة العمل القصصي:

- ‌عملية الاختيار:

- ‌عناصر العمل القصصي:

- ‌القصة القصيرة:

- ‌الفصل الثالث: الفن المسرحي

- ‌مدخل

- ‌الحوار والصراع والحركة:

- ‌علاقة المسرحية بالمسرح:

- ‌المسرحية الفلسفية:

- ‌لغة المسرح بين الشعر والنثر:

- ‌الإطار المسرحي:

- ‌الأنواع المسرحية:

- ‌الفصل الرابع: أنواع أدبية أخرى‌‌ ترجمة الحياة. المقال. الخاطرة

- ‌ ترجمة الحياة

- ‌ المقالة:

- ‌ الخاطرة:

- ‌المراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ العلاقة بين الأديب والمجتمع:

3-

‌ العلاقة بين الأديب والمجتمع:

ونحن نبدأ هنا في شرح ذلك من حيث وقفنا في العنصر السابق، أعني: العلاقة الأسلوبية اللغوية بين الأديب والمجتمع. وقد رأينا أن التزاوج واقع بين طريقة الأديب الخاصة في استخدام اللغة، والطريقة التي تستخدم بها هذه اللغة في المجتمع. "إننا نستطيع أن ندرس طرق التعبير عند فرد من الأفراد، أو جماعة من الجماعات، أو عصر من العصور، فنجد أن الفرد -من حيث إنه يختار المادة التي أعدتها اللغة- يتأثر بالحساسية اللغوية لجماعته وعصره، وهو بمقدار ما يعكس من هذه الحساسية يساعد على توطيد الصور الأسلوبية. ولكن حساسيته الشخصية تقوم كذلك بدور فعال، فهو ذاته يستطيع في هذه الحال أن يؤثر في جماعته التي ستؤثر بدورها في مجالات واسعة، فنحن لا نستطيع أن ننكر أنه وجد أسلوب رومانتيكي مثلا، له خصائص أسلوبية فردية، ولكنه كذلك قد خلق حساسية لغوية جديدة وعامة"1.

معنى هذا أن هناك تبادلا في التأثير بين الأدب ومجتمعه في استخدام اللغة، فإذا ما توسعنا قليلا -وهو هنا توسع معقول ومشروع، لما بين اللغة والأدب من علاقة- قلنا: إن هناك تبادلا في التأثير والتأثر بين الأديب ومجتمعه في إنتاجه الأدبي.

فالأديب يتأثر بالحياة الخارجة السائدة في بيئته، القائمة في مجتمعه، وهو يستمد أدبه من حياة هذا المجتمع، وهنا تأتي العبارة المأخوذة عن "دي بونا"2، التي تقول:"إن الأدب تعبير عن المجتمع"3. وعندئذ نتساءل مع "ولك" و"وارن": ما معنى هذه الحقيقة التي يسلم بها الناس دون برهان؟ إذا كانت تعني أن الأدب في أي زمان من الأزمان مرآة تنقل أحوال المجتمع نقلًا "صادقًا" فإنها تكون باطلة. إنها حقيقة عادية وقديمة ومبهمة إذا كانت تعني فقط أن الأدب يصور بعض مظاهر الواقع الاجتماعي، وحتى القول: إن الأدب مرآة تنقل الحياة أو تعبر عنها، قول أكثر غموضًا. إن الكاتب لا يملك إلا أن يعبر عن تجربته وفهمه العام للحياة، وإنها لقاعدة تقديرية خاصة أن تقول: إن المؤلف ينبغي أن يعبر عن الحياة في زمنه تعبيرًا كاملًا، وأن يكون "ممثلًا" لعصره ومجتمعه4.

فالأديب حين يتأثر بالمجتمع إنما يعكس فهمه هو على هذا المجتمع، والأدب تصوير لهذا الفهم ونقل له. أما أن ينقل الأديب حياة المجتمع أو أن يكون المرآة التي تعكس حياة هذا المجتمع ليتلقاها أو يراها المجتمع ذاته فعبث ليس من الأدب في شيء. فالأديب يتخذ لنفسه دائمًا موقفًا "فكريًّا" من مجتمعه، ومن هنا فقط تأتي الفرصة لأن نقول: إن الأديب يؤثر في مجتمعه، إنه يعيش في مجتمعه، ولكنه لا ينتج أدبه إلا في الحالة التي تستقل فيها ذاته عن هذا المجتمع، متخذة موقفا فكريا خاصا به.

1 Marcel Creasot: Le Style et ses Techniques: Press Universitaires de France، 1945، p. 4.

2 Louis de Bonald "1754-1840"، كاتب سياسي فرنسي، دافع عن المبادئ الكاثوليكية والملكية.

3 جي de Bonald السابق ص90.

4 نفسه.

ص: 25

إن هناك عوامل تؤثر تأثيرًا واضحًا في إنتاج الأديب مرجعها إلى المجتمع، ولكن فعل هذه العوامل لا يكون قويا ذا أثر بعيد في العمل الأدبي الأصيل. من ذلك أن الأديب يكتب لجماعة دائمًا، وهو -فضلًا عن أنه يحقق ذاته في الجماعة- يريد أن يؤثر فيهم، وأن يكسب رضاهم، ووسيلته إلى هذا التأثير وهذا الكسب أن يحدثهم فيما يعنيهم. والحد الفاصل هنا بين الأدب العظيم والأدب "التجاري" غاية في الدقة؛ فالأديب العظيم يستطيع أن يؤثر في مجتمعه، وأن يكسب رضاه، دون أن يخضع لإرادة هذا المجتمع، بل ربما استطاع تحقيق ذلك وهو يقف معارضًا للمجتمع، والأديب التجاري وحده هو الذي يتملق الجماهير، ويخضع لها، ويترك إرادته تذوب في إرادتها. الأول هو الذي يؤدي دور الأديب الحق في مجتمعه، حين يتأثر بهذا المجتمع ثم يحاول التأثير فيه، وهو تأثير له خطورته؛ لأن له خطته وهدفه. أما الثاني فلا يمكن أن يكون عامل دفع في مجتمعه؛ لأنه سيترك المجتمع يدور في نطاق ذاته.

والمضمون الاجتماعي للعمل الأدبي -بهذا المعنى- لا يستمد في الحقيقة من واقع الحياة في المجتمع، بل من "موقف" الأديب "الفكري" من الحياة في هذا المجتمع. والمضمون في ذاته قيمة، وهو قيمة تتولد عن مواقف الأديب الفكرية من القيم الأخرى السائدة في المجتمع. فالعمل الأدبي ذو المضمون الاجتماعي هو الذي يضيف إلى مجموعة القيم السائدة قيمة جديدة قد تلغيها أو تعدل منها.

وهنا يأتي الحديث عن أثر الأدب في المجتمع، فهو بما يقدم إليه من قيم جديدة يساعد على تغييره وتشكيله. وأقرب مثال نسوقه هنا دليلًا على ذلك أن أبطال القصص والمسرحيات -وهي أعمال أدبية- ليست سوى قيم مجسمة، إذا أمكن التعبير. وكثير من الناس قد غيروا -أو على الأقل عدلوا- من اتجاههم في الحياة، وفهمهم إياها، وموقفهم منها، متأثرين بشخصية بذاتها في قصة أو مسرحية. والأفضل هنا أن نقول: متأثرين بقيمة جديدة أو بمضمون.

هذا فيما يختص بمشكلات الجانب الأول من العلاقة بين الأدب والمجتمع.

أما الجانب الثاني فيناقش في إطار نظرية العبقرية، "فالعبقرية والإلهام ينظر إليهما بوصفهما قوة خفية تدب في الإنسان مستقلة عن جهوده الخاصة. فمثلًا نجد "موزار"1 يؤلف في سن السادسة، ويصير "كيتس"2 شاعرًا عظيمًا في سن العشرين، ويكتب

1 فولفجانج موتسارت Wolfgang Mozart "1756-1791 م": مؤلف موسيقى نمساوي، يعد من أعظم عباقرة الموسيقى في كل العصور.

2 جون كيتس John Keats "1795-1821 م": شاعر إنجليزي، يعد أحد زعماء المدرسة الرومانتيكية.

ص: 26