المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عبد الله فكري باشا: - الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة - جـ ٢

[محمد كامل الفقي]

الفصل: ‌عبد الله فكري باشا:

‌عبد الله فكري باشا:

المتوفة سنة 1307هـ، 1889م.

نشأته وحياته:

ولد في شهر ربيع الأول من عام 1250هـ -ووالده "محمد أفندي بليغ" بن "الشيخ عبد الله" بن "الشيخ محمد"، وكان جده من كبار العلماء المدرسين بالأزهر، ولما قدم الفرنسيون مصر رحل جده إلى "منية بن خصيب"، فلبث فيها حينا ثم عاد إلى "القاهرة"، واشتغل بتدريس العلم ما بقي من حياته، وقد نشأ على غراره في العلم، وتلقى الدروس في الأزهر والجد في التحصيل، ولده "محمد بليغ"، وكانت مصر قد ازدهرت فيها الحضارة بإنشاء مدارس العلوم الرياضية، والمدارس الحربية، فكان "بليغ" بين المبرزين فيها والذين انتظموا في سلك الجيش، وقد حضر مواقع حربية عدة أهمها حرب "المورة"، وتزوج من أهلها وعاد بزوجه إلى الحجاز، وأنجب بمكة "عبد الله"، "ومن غريب الاتفاق أن سنة ولادته وافقت مجموع جمل الآية {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} ، وقد أعجب هو أيضا بهذا الاتفاق، فلما شب وتعلم نقش هذه الآية على خاتم له كان يختم به كتبه"1، وقد كان اتخاذ أمثال هذه الخواتم من شارات الكتاب وذوي المناصب الوزارية في أيام العباسيين، ومن حذا حذوهم من الفاطميين والأيوبيين2، ثم عاد والده به إلى القاهرة، وتوفي ولما يبلغ "عبد الله" الحلم، فتولى رعايته بعض من أقارب أبيه، فأتم قراءة القرآن وحفظه وجوده، ثم التحق بالجامع الأزهر، وتلقى به علوم العربية والفقه والحديث والتفسير، والعقائد والمنطق، وكان مع تلقيه علوم الأزهر وإجادته فيها يجد في تعلم اللغة التركية حتى أتقنها، وعين في القلم التركي في الديوان

1 تراجم مشاهير الشرق ج2 ص216 لجورجي زيدان.

2 شعراء مصر وبيئتهم ص79 للعقاد.

ص: 116

الكتخداني سنة 1267هـ على حين أنه يتردد لطلب العلم في الأزهر مغتنما ساعات فراغه قبل ذهابه إلى الديوان وبعد عودته منه، ثم انتقل من هذا الديوان إلى "المحافظة"، فالداخلية بوظيفة مترجم، ثم التحق بالمعيو الخديوية في حكومة "سعيد باشا"، وظل يعمل بالقلم التركي تارة، ويشتغل بالعلم تارة أخرى إلى أن توفي سعيد باشا سنة 1279هـ، ولما خلفه إسماعيل باشا رحل معه إلى "الآستانة"، وعاد معه واستمر في معيته، وسافر إلى إسلامبول مرارًا للاضطلاع بالكتابة مع "الحرم الخديو""والجناب الخديو"، وبعض شئون أخرى1، ونال الرتبة الثانية بلقب "بك" سنة 1282هـ، وفي سنة 1284 قلده الخديو ملاحظة الدروس الشرقية، وهي العربية والفارسية والتركية بمعية أنجاله "محمود توفيق باشا"، "والبرنس حسين باشا"، فأشرف على تربيتهما، وكان أحيانا يباشر التعليم بنفسه، وأحيانا يقوم بمراقبة غيره من المعلمين، ومراقبة إلقاء الدروس، وتقويم طريقة التعليم، ولم يزل كذلك إلى أن رقى "توفيق باشا" إلى رتبة "الوزراء والعشيرية"، وتوجه إلى دار الخلافة العلية لإسداء الشكر فصحبه في رحلته، ولما عاد مصر نقل إلى ديوان المالية سنة 1286هـ، فأقام أياما بغير عمل، ثم عهد إليه النظر في أمر الكتب التي كانت للحكومة في ديوان المحافظة وإبداء رأيه فيها، فلبث زمنا يتردد على الديوان وينظر فيها، ثم قدم تقريرًا مفصلا أبان فيه رأيه في هذه الكتب، وذكر أن بقاءها على حالتها لا يفي بالغرض من حفظها، ولا يمكن من الانتفاع بها، وأشار بأن تجعل في وضع يمكن معه انتفاع الناس بها، واقترح إحالتها على ديوان المدارس لتودع في المكتبة التي كان يقوم بإنشائها، "سعادة علي باشا مبارك" ناظر المعارف إذ ذاك على سعة لا تضيف بهذه الكتب وأمثالها، وقد نفذ ما قرره، وبذلك استنفدت تلك الكتب النفيسة من التلف، والإهمال، وكشفت عنها حجب الخفاء، والإغفال ورفعت إلى منصات الظهور، وحسن النظام ورتبت ترتيبا حسنا في المكتبة المذكورة

1 جزء 2 خطط ص47.

ص: 117

وهي الكتبخانة الخديوية المعروفة الشهيرة في قصر "درب الجمامير"1.

ولما أتم هذا العمل كان المجلس الخصوصي الذي خلفه مجلس النظار فيما بعد مشتغلا بجميع القوانين، واللوائح التركية، فظل يقوم بعمله حتى فصل من الخدمة في أوائل سنة 1287هـ.

وفي سنة 1288هـ عين وكيلا لديوان المكاتب الأهلية، ثم رقي إلى رتبة "المتمايز"، وفي رجب سنة 1296 أصبح وكيلا لنظارة المعارف العمومية، ورقي إلى رتبة "ميرميران"، وفي سنة 1295 ضمت إليه وظيفة الكاتب الأول بمجلس النواب مع عمله هذا حتى صار ناظرًا للمعارف العمومية سنة 1299هـ، ثم استقال مع زملائه النظار في هذا العام لفتنة سياسية، وفي أواخر هذا العام اتهم بالاشتراك مع الثورة العرابية، فسجن مع المتهمين، وقد ثبتت براءته فأفرج عنه وبقي موقوف "المعاش"، حتى التمس مقابلة الخديو، فلم يسمح له فنظم قصيدته المشهورة التي يقول في مطلعها:

كتابي توجه وجهة الساحة الكبرى

وكبر إذا وافيت واجتنب الكبرا

مستعطفًا الخديو متنصلا مما نسب إليه، ولما عرضت على الخديو أجلها، وأحلها محلها وسمح له بالمثول بين يديه، وأقبل عليه وأعيد معاشه إليه2، ثم نظم قصيدة أخرى زادت عن سابقتها تسعين بيتا، وأشار عليه بعض أصدقائه من كبار الأمراء بالاختصار، فحذف جملة من أبياتها ثم أشار آخر بعدم مجاوزة العشرة ففعل، واقتصر على عشرة أبيات في وزنها ورويها.

وفي سنة 1303هـ سافر إلى البلاد الحجازية لأداء فريضة الحج، فقوبل من علماء "مكة والمدينة" بحفاوة بالغة، وتكريم رائع وكتب في ذلك كتابا سماه "الرحلة المكية"، وشخص في السنة التالية لزيارة "بيت المقدس"، و"الخليل" بصحبة نجله المرحوم "أمين فكري باشا"، ثم اتجها إلى "بيروت"

1 ص6 الآثار الفكرية.

2 ج2 خطط ص48.

ص: 118

فأما فيها شهرًا كانا فيه متجه الأنظار، وقبله الأباء والعلماء والمفكرين، ثم ارتحل إلى "دمشق"، "فبعلبك" وبعد أن زار آثارها عاد إلى "لبنان"، فقضى في ربوعه شهرين غادره بعدهما إلى مصر.

وفي سنة 1306هـ، أوفدته الحكومة المصرية رئيسا للوفد العلمي المصري في المؤتمر العلمي الذي انعقد في "استوكهلم"، وصحبه نجله في هذه الرحلة أيضًا، وقبل مغادرته مصر إلى هذه الرحلة أنعم عليه الخديو "بالنيشان المجيدي" من الدرجة الثانية، وقد مر في طريقه إلى استوكهلم، وبتريستا البندقية، وميلانو، ولوسون، وباريس التي لبث بها عشرين يومًا اجتلى فيها مناظرها الحسان، ورأى من مفاتنها، وعجائب حضارتها طرائف، وغرائب ثم برحها إلى لندن، فنوتردام، ولاهاي، وليدن وزار مكتبتها، وشاهد مطبعتها المعروفة بالمطبعة الشرقية، ثم اتجه إلى كوبنهاجن عاصمة الدانيمارك، وقد أتيحت له من مشاهدة النمسا وإيطاليا، وسويسره، وفرنسا، وهولاندة والدانيمارك، والسويد، والنورويج، مشاهد نشطت خياله وغذت فكره، وزادت في حضارته وثقافته، وقد كان في هذا المؤتمر مرموق النبوغ موفور التكريم يشار إليه بالتقدير والإعجاب، وقد أهداه الملك "أسكار الثاني" نيشان "وازه" من الدرجة الأولى اعترافا بفضله.

ولما حط رحاله "بمصر" عزم على تدوين ما اجتلاه في هذه الرحلة من ظواهر، ومشاهد وصور وحيوات، ولكن المرض عاقه عن اتمام هذا العمل الجليل، فأجله إلى شفاء يرتجيه، ولكن العلة ألحت عليه حتى أسلمته إلى المنية في 7 من ذي الحجة سنة 1307هـ، فعني نجله "أمين" بنشر هذه الرحلة في كتاب سماه "إرشاد الألبا إلى محاسن أوربا"، وهو مجلد ضخم طبع في مصر سنة 1892م، وفيه تصوير لهذه المسالك، وعاداتها وأخلاقها، وشيء غير قليل من نظم المؤلف، ونثره اللذين لم ينشروا في غير هذا الكتاب عدا بحوث لغوية، وأدبية قيمة، فقد حقق الولد ما فات والده، وكان الابن قد وافق أباه في رحلته.

ص: 119

كتابته:

كانت الكتابة الديوانية في أوائل هذا العصر ضعيفة ركيكة يستعمل فيها الدخيل، والعامي متخلفة عن النهضة، وعبد الله فكري هو الذي شق لها طريق الحياة، ووهب لها شيئا من القوة والسلامة، وأصلح من فسادها، وبدل عيها نطقا وإفصاحا، وقد كانت من قبله تحرر بالتركية الخالصة، وإذا حررت بالعربية، فإنما هي عربية عامية نازلة إلى أحط الدرجات ركة، وتحاذلا "فلما اتصل بمعية الأمير جعل يصدر عنها الرسائل بلغة فصيحة قوية رصينة اتخذت بعد نموذجا للمكاتبات الديوانية، وتأثرها الكتاب من عمال الحكومة بقدر ما واتاهم الجهد، وانفسح لهم في صدر البيان"1.

وقد ذهب في إنشائه مذهب البلغاء، وهو مبكر الشباب في عصر كانت أقلامه مسفة وأدبه غثا، وظل يسمو بأسلوبه، ويعلو في إنشائه حتى شهد بفضله في البيان أعلام لهم مكانتهم في الأدب من أمثال "أحمد أفندي فارس"، الذي يقول عنه في كتابه "سر الليالي"، "ومن برع في هذا العصر، وحق له به الفخر في الإنشاءات الديوانية، وهي عندي أوعر مسلكا من المقامات الحريرية الأديب الأريب العبقري الفاضل "عبد الله بك فكري المصري"، فلو أدركه صاحب المثل السائر لقال: كم ترك الأول للآخر"، ويقول "الشيخ حسين المرصفي في كتاب "الوسيلة الأدبية":"وأنفع ما أراه ينبغي لك أن تتخذه دليلًا يرشدك إلى كل وجه جميل من وجوه الفنون التي تحاول فيها أن تكتب الكتابة الصناعية المناسبة لوقتك، الذي تأمل أن تعيش في رضا أهله عنك، واعترافهم بظهور ما يعود منك عليهم نفعه منشآت الأمير الجليل صاحب الوقت الذي لو تقدم به الزمان لكان له بديعان، ولم ينفرد بهذا اللقب علامة همذان2 "عبد الله فكري بك".

1 ج2 المفصل في تاريخ الأدب العرب ص384.

2 ج2 ص672.

ص: 120

ولم يكن "عبد الله فكري" يجري على أسلوب واحد في إنشائه، فهو إذ كتب في شأن من شئنون العملية، أو تقرير من التقريرات العملية، اتجه إلى المعنى دون اللفظ، ونحا منحى السهولة والوضوح، وغلب عليه الترسل، وهجر السجع والفواصل إلا قليلا، ومن ذلك ما كتبه "جوتمبرج" إلى الوزير "رياض باشا"، يذكره ما شهده في مؤتمر المستشرقين، إذ يقول:"ثم أشير إلي فقعدت وأنشدت قصيدة كنت أعددتها لذلك بعد ارتحالنا من باريس، فأتممتها في الطريق، وبيضتها في "استوكهلم"، فابتدأت أقول:

اليوم أسفر للعلوم نهار

وبدت لشمس نهارها أنوار

ومضيت فيها إلى آخرها، وصفق الناس لكل من خطب وبالجملة لي لما أتممت الإنشاد، وخاطبني أناس منهم باستحسانها، وحضر كانت المؤتمر على أثر الفراغ منها، وسارني يطلب نسختها فأخذها في الحفلة، وخطب بعد ذلك أناس منهم المسيو "شفر" وافد فرنسا، وكانت هذه الحفلة خاصة بذلك ليس فيها تقديم موضوعات علمية، ثم قام الملك وودع الحاضرين، وصافح البعض وصافحنا، وقال: حسنا وانصرف وانصرفنا، وانقضت الحفلة، وارفضت الجمعية.

ولكنه يحتفل بالأسلوب، فيتأنق في عبارته ويزوق في صياغته، ويأتي بالسجع والمحسن، ولكن على غير استكراه ولا تعنت، ويترسم طريقة القاضي الفاضل، ومن نهج نهجه إذ يكتب في الأوصاف والمقامات، والرسائل والألغاز، وغير ذلك من الأغراض التي يتكلف لها "الديوانيون" جهدا واحتفالا، ومن ذلك ما كتبه إلى صديق له يهنئه بشهر رمضان -"أيها الخل الصديق، بل الشقيق الشفيق متعك الله تعالى وتبارك بهذا الشهر الشريف المبارك، وتقبل صيامك، وأسعد لياليك، وأيامك وبعد -فإني لو أجريت القلم في ميدانه، وأرخيت فضل عنانه على أن يبلغ وصف ما في الفؤاد، من الشوق وقديم الوداد، لقصر عن هذه البغية جهده، وقصر عن هذه

ص: 121

الغاية أمده، فكيف لو كلفته بشرك أفضالك، وذكر محامد شمائلك، ومدائح خلالك".

فالله يبقيك كما تشتهي

ترقى إلى أوج العلا والكمال"

"وكتب إلي صديق له فقال": "سلام يمازج صفو الوداد آخره وأوله، وأثنية سنية لا تصدر إلا عن لسان أووله، مع أداء الدعاء الواجب، وشكوى شوق الفؤاد الواجب، قد بلغ الداعي توعك المزاج الكريم عافاه الله وشفا، وسر ببرئه نفوسا صارت من تلهفها على شفا، فقد أورث هذا الأمر قلب المحب أسى أساء، وثوى به، وتمنى العبد أن يتحمل عن مولاه ذلك الألم، ويكون لحضرة السيد خالص أجره وثوابه، فالله تعالى يعجل مسرة قلوبنا العافية، ويقرب ورود أخبار السلامة والعافية، والسلام".

وأيا ما كان، فإن "عبد الله فكري" قد بلغ مبلغا رفيعا في إنشائه، وكان عظيم الشأن في أدبه يتوسم الكتاب أثره، ويجرون مجراه "وإن قليلا من الدوانيين من ضارع عبد الله فكري باشا في صحة اللغة، وبراعة التركيب وسلامة الفهم والتفكير1، وأن قدرته البيانية، وتمكنه من الأدب واقتداره عليه ألان القلم له فمرة يتوسل، ويأتي بلين القول وسهله، ومرة يتأنق فيجاري الأساليب الضخمة التي يحتفل بها الأدباء والمنشئون.

شعره:

يبدو شعره أقرب إلى السهولة وينزع في جملته إلى الوضوح، ويتناول أغراضا شتى بين وصف وعتاب، وغزل ورثاء وشكر وتهنئه واعتذار، وتنصل ووصايا وحكم، ولكنه مطبوع بالطابع الشعري لعصره على تخفف وتحلل منه في بعض الأحيان، وكان يضع في مطالع قصائده، وخواتيمها تواريخ

1 شعراء مصر وبيئاتهم العقاد ص86.

ص: 122

بحروف الجمل، ومن ذلك ما قاله في فتح "إسباستبول"، وكل مصرع من مطلع القصيدة تاريخ للسنة.

قد جاء نصر الله وانشرح القلب

لأن يفتح القوم هان لنا الصعب

134 3404 66 568 163

سنة 1275هـ

وقال يؤرخ زواج "الأمير حسين".

بشرى بأحسن فأل

يقول والقول يصفو

أرخ لنحو حسين

عين الحياة تزف

94 128

130 450 487 سنة 1289هـ

وهو مولع الجناس فيشيع في شعره، ومن ذلك قوله في مليح رآه أول الشهر:

وبدر تبدي شاهرًا سيف جفنه

فروع أهل الحب من ذلك الشهر

وليلة أبصرنا هلال جبينه

علمنا يقينا أنها غرة الشهر

ويقول في مدح "أسكار" ملك "السويد" حين أوفدته مصر لحضور مؤتمر المستشرقين بها.

وغدت لأرباب المعارف دولة

غراء صاحب ملكها أسكار

أسكار الثاني الذي اعترفت له

الأقطار وارتفعت به الأقدار

وقال في قصيدة أرسل بها إلى "الشدياق".

تفديك نفس شيج عليل آس

عز الدواء له وحار الآسي

أضناه طول أسه حتى إنه

يحكي لفرط ضناه داوي آس

وتطالعك التورية كثيرًا في شعره كقوله:

جاءت تطارحني الهوى فأجابها

شوق يصابحني هوى ويماسي

وغدت تذكر العهود ولم يكن

فكري بناس عهد أوفى الناس

ص: 123

"فقد ورى بلفظ "فكري" عن معنييه -فكر- المضاف إلى ياء المتكلم، واسمه" كما يقول موريا أيضا:

ويح شيخ زوجوه

منهم ظلما صبيه

فارق الدنيا سليما

من أذاها وهي حيه

"فقد ورى بلفظ "سليم" عن معنيه من سلم من الأذى واللدمع الذي سمته العرب بذلك تفاؤلًا، كما ورى بلفظ حية عن معنييها الوصف بالحياة والهامة المعروفة".

وتظهر في شعره المصطلحات العلمية كقوله:-

يا من دعائي له ومدحي

فتفلي مدى مدتي وفرضي

ويقول:

أدت به واجبات للعلا ووفى

معروفها بفروض البر والسنن

"فتملي" و"فرضي" و"فروض" و"السنن" من ألفاظ الفقهاء ومصطلحاتهم.

أما قصائده في الحكمة، فهي ألصق بوصايا المتآخرين ونصائحهم منها بالحكم المطبوعة، وهي بكلام المعلمين أشبه منها بكلام الشعراء، وبوصايا الآباء المحنكين أشبه منها بالخبرة المطبوعة التي تعتبر عنها قرائح أهل الفتوة1، ومن حكمه قصيدته الرائية التي يقول فيها:

إذا نام غرفي دجى الليل فاسهر

وقم للمعالي والعوالي وشمر

وخل أحاديث الأماني، فإنها

علالة نفس العاجز المتحير

وسارع إلى ما رمت ما دمت قادرا

عليه وإن لم تبصر النجح فاصبر

ولا تأت أمرًا لا ترجى تمامه

ولا موردا ما لم تجد حسن مصدر

1 شعراء مصر وبيئاتهم للعقاد ص82.

ص: 124

وقد يسترسل في شعره، فيأتي بالقصائد الطوال لا يعيبه طولها ولا يجهده رويها، حتى ليبلغ بالقصيدة تسعين بيتا، وهو في آخرها كأولها قوة نفس، ومتانة نسج واتزان روي.

آثاره الأدبية:

ومن آثاره الأدبية: المقالة الفكرية في المملكة الباطنية، وترجمها عن التركية وطبعت سنة 1289هـ، ومنها: الفوائد الفكرية، وجزء من شرح ديوان "حسان بن ثابت" رضي الله عنه، وتعليقات عن منظومة للمرحوم أحمد خيري باشا، وهي منظومة تضم مواعظ وحكمًا، وكتاب نظم اللال في الحكم والأمثال طبع سنة 1308هـ، ومنها: رسالة في الدينار ورسالة فيما اتفق لفظه، واختلف معناه من بلاد مصر، ومنها: كتاب آثار الأفكار، ومنثور الأزهار نشر جزء منه بمجلة روضة المدارس، واتحاف المشتاق بأخبار العشاق، لم يتم، والفصول الفكرية للمكاتب المصرية، وموارد القرآن وهي رسالة طبع بعضها متفرقا في روضة المدارس، ورسالة كتبها في المقارنة بين الوارد في منصوص الرع والمقرر في الهيئة الفليكية، كما نظم سلسلة رجال الطرق الصوفية في منظومة طبعت، وكانت من أول نظمه كما أن له رسالة مطولة إلى المرحوم سلطان باشا بحثه فيها على نشر العلوم في أرجاء الصعيد، ونبذه في محاسن آثار محمد علي باشا، وله في رواية الأحاديث، وأسانيدها طرق عديدة، وهذا عدا مراسلاته ومقالاته وشعره.

الآثار الفكرية:

وقد جمع نجله أمين فكري في كتابه: الآثار الفكرية ما أثر عنه من نظم ونثر، وشرحه للقصيدة الأولى من ديوان حسان كما ضم "تحصيل الحاصل" لأبيه، وترجمة أخرى كتبها له المرحوم الشيخ محمد عبده، والمرائي التي قيلت فيه.

ص: 125