الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الذَّاتِ
616 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، نا أَبُو الطَّاهِرِ، أنا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ؛ قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ إِنَّكِ أُخْتِي ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ تَلِيدٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ
617 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرَوَيْهِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نا أَبُو الْيَمَانِ، أنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَةً، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ ابْنَةَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا ـ تَعْنِي لِقَتْلِهِ ـ اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ
⦗ص: 46⦘
قَالَ خُبَيْبٌ:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا
عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعٍ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ وَكَذَلِكَ قَالَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُدْرِجًا فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ
618 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا أَبِي، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَفَكَّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ
619 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: لَا تَفَقَّهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تُمْقِتَ النَّاسَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، ثُمَّ تُقْبِلَ عَلَى نَفْسِكَ فَتَكُونَ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا مِنْكَ لِلنَّاسِ
بَابُ مَا ذُكِرَ فِي النَّفْسِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] وَقَالَ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]، وَقَالَ:{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] وَقَالَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ عِيسَى عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116]
620 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخَوَارِزْمِيُّ بِبَغْدَادَ أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ يَعْنِي ابْنَ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيَّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، نا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهْرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، قَالَ: قُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَرَفَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
⦗ص: 49⦘
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ
621 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نا مَعْمَرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَمَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ» . تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
622 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، نا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أنا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ يَكْتُبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
⦗ص: 50⦘
َ
623 -
حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ رحمه الله، أنا أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، نا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ كَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي»
624 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، أنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى لِآدَمَ: أَنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ: فَقَالَ آدَمُ لِمُوسَى: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ:
⦗ص: 51⦘
نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتَهُ كَتَبَ عَلِيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَهْدِيٍّ
625 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ". أَخْرِجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ الْأَعْمَشِ
626 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ابْنَ آدَمَ، اذْكُرْنِي فِي نَفْسِكَ أَذْكُرْكَ فِي نَفْسِي، فَإِنْ ذَكَرْتَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ـ أَوْ قَالَ مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ ـ» . ثُمَّ ذَكَرَ مَا بَعْدَهُ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ، زَادَ، قَالَ قَتَادَةُ:«وَاللَّهُ أَسْرَعُ بِالْمَغْفِرَةِ»
627 -
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، نا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ، نا أَبُو مُسْهِرٍ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنِ مُسْهِرٍ، نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللَّهِ عز وجل قَالَ:«إِنِّي حَرَّمَتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَمُوا» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّاغَانِيِّ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ
628 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، نا مِسْعَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي رِشْدِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهَا حِينَ صَلَّى الْغَدَاةَ ـ أَوْ بَعْدَ مَا صَلَّى الْغَدَاةَ ـ وَهِيَ تَذْكُرُ اللَّهَ، ثُمَّ مَرَّ بِهَا بَعْدَ مَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ أَوْ بَعْدَ مَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهِيَ كَذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا:«لَقَدْ قُلْتُ مُنْذُ وَقَفْتُ عَلَيْكِ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هِيَ أَكْثَرُ أَوْ أَرْجَحُ أَوْ أَوْزَنُ مِمَّا كُنْتِ فِيهِ مُنْذُ الْغَدَاةِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ
629 -
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ، نا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ الْحَرْبِيُّ، نا الْحَسَنُ يَعْنِي ابْنَ مُوسَى الْأَشْيَبَ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ مَرَّةً عَلَى مِنْبَرِهِ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [الزمر: 67]، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«كَذَا يُمَجِّدُ نَفْسَهُ عز وجل، أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْعَزِيزُ الْمُتَكَبِّرُ» . فَرَجَفَ بِهِ الْمِنْبَرَ حَتَّى قُلْنَا لَيَخِرَّنَّ بِهِ الْأَرْضَ. قَالَ الشَّيْخُ: وَمَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: اللَّهُ سبحانه وتعالى إِنَّهُ نَفْسٌ، إِنَّهُ مَوْجُودٌ ثَابِتٌ غَيْرُ مُنْتَفٍ، وَلَا مَعْدُومٍ، وَكُلُّ مَوْجُودٍ نَفْسٌ، وَكُلُّ مَعْدُومٍ لَيْسَ بِنَفْسٍ. وَالنَّفْسُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وُجُوهٍ؛ فَمِنْهَا: نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ مُجَسَّمَةٌ مُرَوَّحَةٌ، وَمِنْهَا: مُجَسَّمَةٌ غَيْرُ مُرَوَّحَةٍ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ هَذَيْنِ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَمِنْهَا: نَفْسٌ بِمَعْنَى إِثْبَاتِ الذَّاتِ كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ: هَذَا نَفْسُ الْأَمْرِ، تُرِيدُ إِثْبَاتَ الْأَمْرِ لَا أَنَّ لَهُ نَفْسًا مَنْفُوسَةً أَوْ جِسْمًا مُرَوَّحًا، فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يُقَالُ فِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِنَّهُ نَفْسٌ، لَا أَنَّ لَهُ نَفْسًا مَنْفُوسَةً أَوْ جِسْمًا مُرَوَّحًا، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] أَيْ تَعْلَمُ مَا أُكِنُّهُ وَأُسِرُّهُ وَلَا عِلْمَ لِي بِمَا تَسْتُرُهُ عَنِّي وَتُغَيِّبُهُ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ «فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ
⦗ص: 54⦘
فِي نَفْسِي» . أَيْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الِاقْتِرَابُ وَالْإِتْيَانُ الْمَذْكُورَانِ فِي الْخَبَرِ فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِمَا إِخْبَارًا عَنْ سُرْعَةِ الْإِجَابَةِ وَالْمَغْفِرَةِ كَمَا رُوِّينَاهُ عَنْ قَتَادَةَ. وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَا الزَّجْرَ فَقَوْلُهُ:«لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى» . يَعْنِي لَا أَحَدَ أَزْجَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ غَيُورٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ زَجُورٌ يَزْجُرُ عَنِ الْمَعَاصِي، وَلَا يُحِبُّ دَنِيءَ الْأَفْعَالِ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ:«لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «لَا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ» . وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ وَرَّادٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى لَفْظٍ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ
630 -
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، نا أَبُو كَامِلٍ، نا أَبُو عَوَانَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ، كَاتَبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ
⦗ص: 55⦘
مَا ظَهْرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخَصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، وَلَا شَخَصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا شَخَصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي كَامِلٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ
⦗ص: 56⦘
الْقَوَارِيرِيِّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ دُونَ ذِكْرِ الشَّخْصِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ «لَا شَخَصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ» .
631 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ، نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، نا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ:" إِطْلَاقُ الشَّخْصِ فِي صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ إِلَّا جِسْمًا مُؤَلَّفًا، وَإِنَّمَا سُمِيَّ شَخْصًا مَا كَانَ لَهُ شُخُوصٌ وَارْتِفَاعٌ، وَمِثْلُ هَذَا النَّعْتِ مَنْفِيُّ عَنِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وَخَلِيقٌ أَنْ لَا تَكُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَحِيحَةً، وَأَنْ تَكُونَ تَصْحِيفًا مِنَ الرَّاوِي، وَالشَّيْءُ وَالشَّخْصُ فِي الشَّطْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الِاسْمِ سَوَاءٌ، فَمَنْ لَمْ يُنْعِمِ الِاسْتِمَاعَ لَمْ يَأْمَنِ الْوَهْمَ، قَالَ: وَلَيْسَ كُلُّ الرُّوَاةِ يُرَاعُونَ لَفْظَ الْحَدِيثِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّوْهُ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَلَى الْمَعْنَى، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ بِفَقِيهٍ ".
⦗ص: 57⦘
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي كَلَامٍ لَهُ: نِعْمَ الْمَرْءُ رَبُّنَا لَوْ أطَعنْاهُ مَا عَصَانَا. وَلَفْظُ الْمَرْءِ إِنَّمَا يُطْلَقُ فِي الْمَذْكُورِ مِنَ الْآدَمَيِّينَ، يَقُولُ الْقَائِلُ: الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ، وَالْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمِ. وَقَائِلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنَّهُ أَرْسَلَ الْكَلَامَ عَلَى بَدِيهَةِ الطَّبْعِ، مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَلَا تَنْزِيلٍ لَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَخْصِ بِهِ، وَحَرِيُّ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الشَّخْصِ إِنَّمَا جَرَى مِنَ الرَّاوِي عَلَى هَذَا السَّبِيلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غَلَطًا مِنْ قِبَلِ الصَّحِيفِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَلَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شَخْصًا، فَإِنَّمَا قَصَدَ إِثْبَاتَ صِفَةِ الْغَيْرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمُبَالَغَةَ فِيهِ، وَأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَشْخَاصِ لَا يَبْلُغُ تَمَامَهَا، وَإِنْ كَانَ غَيُورًا، فَهِيَ مِنَ الْأَشْخَاصِ جِبِلَّةٌ جَبَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، فَيَكُونُ كُلُّ شَخْصٍ فِيهَا بِمِقْدَارِ مَا جَبَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْهَا، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ عَلَى طَرِيقِ الزَّجْرِ عَمَّا يَغَارُ عَلَيْهِ. وَقَدْ زَجَرَ عَنِ الْفَوَاحِشِ كُلِّهَا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَحَرَّمَهَا، فَهُوَ أَغْيَرُ مِنْ غَيْرِهِ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
632 -
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَدِيبُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، رحمه الله، قَالَ: قَوْلُهُ: «لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ» . لَيْسَ فِيهِ إِيجَابٌ أَنَّ اللَّهَ شَخْصٌ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ:«مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ» . فَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ خَلْقِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنْ لَا خَلْقَ فِي الْعِظَمِ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، لَا أَنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مَخْلُوقَةٌ، وَهَكَذَا يَقُولُ النَّاسُ: مَا فِي النَّاسِ رَجُلٌ يُشْبِهُهَا، وَهُوَ يَذْكُرُ امْرَأَةً فِي خُلُقِهَا أَوْ فَضْلِهَا، لَا أَنَّ الْمَمْدُوحَ بِهِ رَجُلٌ. قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا الْأَثَرُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ
⦗ص: 58⦘
بِهِ إِنَّمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ
633 -
كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نا عَاصِمُ ابْنُ بَهْدَلَةٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: مَا مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا سَهْلٍ وَلَا جَبَلٍ أَعْظَمُ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ قَالَ شُتَيْرٌ: وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ. قَالَ الشَّيْخُ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْضَحُ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ تَكُونَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ دَاخِلَةً فِي جُمْلَةِ مَا ذُكِرَ. وَأَمَّا الْأَثَرُ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ رضي الله عنه فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ قَوْلَ قَائِلِهِ
634 -
وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: بَيْنَمَا
⦗ص: 59⦘
عَبْدُ اللَّهِ يَمْدَحُ رَبَّهُ إِذْ قَالَ مِعْضَدٌ: نِعْمَ الْمَرْءُ هُوَ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنِّي لَأُجِلُّهُ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الصُّورَةِ الصُّورَةُ هِيَ التَّرْكِيبُ، وَالْمُصَوَّرُ الْمُرَكَّبُ، وَالْمُصَوِّرُ هُوَ الْمُرَكِّبُ. قَالَ اللَّهُ عز وجل:{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 7] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي تَعَالَى مُصَوَّرًا وَلَا أَنْ يَكُونَ لَهُ صُورَةٌ، لِأَنَّ الصُّورَةَ مُخْتَلِفَةٌ، وَالْهَيْئَاتُ مُتَضَادَةٌ، وَلَا يَجُوزُ اتِّصَافُهُ بِجَمِيعِهَا لِتَضَادِّهَا، وَلَا يَجُوزُ اخْتِصَاصُهُ بِبَعْضِهَا إِلَّا بِمُخَصِّصٍ، لِجَوَازِ جَمِيعِهَا عَلَى مَنْ جَازَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا، فَإِذَا اخْتَصَّ بِبَعْضِهَا اقْتَضَى مُخَصِّصًا خَصَّصَهُ بِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا وَهُوَ مُحَالٌ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ مُصَوَّرًا، وَهُوَ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ. وَمَعْنَى هَذَا فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ الْأُصُولِيُّ رحمه الله، الَّذِي كَانَ يَحُثُّنِي عَلَى تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْرَجَةِ فِيهِ مِنَ الْعَوْنِ عَلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ نُصْرَةِ السُّنَّةِ وَقَمْعِ الْبِدْعَةِ، وَلَمْ يَقْدِرْ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ لِاشْتِغَالِي بِتَخْرِيجِ الْأَحَادِيثِ فِي الْفِقْهِيَّاتِ، عَلَى مَبْسُوطِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، الَّذِي أَخْرَجْتُهُ عَلَى تَرْتِيبِ مُخْتَصَرِ
أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ رحمه الله، وَلِكُلِّ أَجْلٍ كِتَابٌ
635 -
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نا عَبْدُ الْرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
636 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفْرِ ـ وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ ـ فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. قَالَ: فَذَهَبَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ ". فَهَذَا حَدِيثٌ مَخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله، قَوْلُهُ:«خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» الْهَاءُ وَقَعَتْ كِنَايَةً بَيْنَ اسْمَيْنِ ظَاهِرَيْنِ، فَلَمْ تَصْلُحْ أَنْ تُصْرَفَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ
⦗ص: 62⦘
وَجَلَّ، لَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِذِي صُورَةٍ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَكَانَ مَرْجِعُهَا إِلَى آدَمَ عليه السلام، فَالْمَعْنى أَنَّ ذُرِّيَّةَ آدَمَ إِنَّمَا خُلِقُوا أَطْوَارًا كَانُوا فِي مَبْدَأِ الْخِلْقَةِ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ صَارُوا صُوَرًا أَجَنَّةً إِلَى أَنْ تَتِمَّ مُدَّةُ الْحَمْلِ، فَيُولَدُونَ أَطْفَالًا، وَيَنْشَأُونَ صِغَارًا، إِلَى أَنْ يَكْبَرُوا فَتَطُولَ أَجْسَامُهُمْ، يَقُولُ: إِنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ خَلْقُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، لَكِنَّهُ، أَوْ لَمَّا تَنَاوَلَتْهُ الْخِلْقَةُ وُجِدَ خَلْقًا تَامًّا، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا. قَالَ الشَّيْخُ: فَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ رحمه الله مَعْنَاهُ، وَذَكَرَ مِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّ الْحَيَّةَ لَمَّا أُخْرِجَتْ مِنَ الْجَنَّةِ شُوِّهَتْ خِلْقَتُهَا، وَسُلِبَتْ قَوَائِمُهَا، فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ آدَمَ كَانَ مَخْلُوقًا عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْجَنَّةَ، لَمْ تُشَوَّهْ صُورَتُهُ، وَلَمْ تُغَيَّرْ خِلْقَتُهُ
637 -
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» . فَهَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ
⦗ص: 63⦘
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَرُوِيَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا
638 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، نا الْحُمَيْدِيُّ، نا سُفْيَانُ، نا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَجَنَّبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» . قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ هَذَا الْمَضْرُوبِ
639 -
وَهَكَذَا الْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يَقُلْ: قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ، وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ". قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ إِلَى أَنَّ الصُّوَرَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ وَالْفِعْلِ، ثُمَّ وَرَدَ التَّخْصِيصُ فِي بَعْضِهَا
⦗ص: 64⦘
بِالْإِضَافَةِ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا، كَمَا يُقَالُ: نَاقَةُ اللَّهِ، وَبَيْتُ اللَّهِ، وَمَسْجِدُ اللَّهِ، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ ابْتَدَأَ صُورَةَ آدَمَ لَا عَلَى مِثَالٍ سَبَقَ، ثُمَّ اخْتَرَعَ مَنْ بَعْدَهُ عَلَى مِثَالِهِ، فَخُصَّ بِالْإِضَافَةِ وَاللَّهُ وَأَعْلَمُ
640 -
وَعَلَى هَذَا حَمَّلُوا مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، أنا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقَبِّحُوا الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ» . وَيُحْتَمَلُ أَنْ
⦗ص: 65⦘
يَكُونَ لَفْظُ الْخَبَرِ فِي الْأَصْلِ كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَدَّاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ مِنْ مَعْنَاهُ
641 -
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، نا أَبُو الْيَمَانِ، أنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ:«هَلْ تُمَارُونَ في الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَهَلْ تُمَارُونَ الشَّمْسَ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَتْبَعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ
⦗ص: 67⦘
اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، وَيَدْعُوهُمُ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يُجِيزُ بِأُمَّتِي مِنَ الرُّسُلِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمَ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبٌ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ عز وجل، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوثَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ رَحْمَةً مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرَغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ إِلَى النَّارِ يَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا. فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ
⦗ص: 68⦘
عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى الْجَنَّةِ فَرَأَى بَهْجَتَهَا فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَلَّا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَلَّا تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا انْفَهَقَتْ لَهُ فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ أَوَ لَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَلَّا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَضْحَكُ اللَّهُ تبارك وتعالى مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ لَهُ: تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقُطِعَ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: مِنْ كَذَا وَكَذَا فَسَلْ، يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ، قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ: «لَكَ ذَلِكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَوْلَهُ: «لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ذَلِكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ» . فَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ دُونَ ذِكْرِ الصُّورَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، وَفِيهِ ذِكْرُ الصُّورَةِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ نَحْوَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ وَفِيهِ ذِكْرُ الصُّورَةِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثَهُ:«فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا» . وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَأْوِيلِهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ، فَقَالَ:«قَوْلُهُ» هَلْ تُمَارُونَ «. مِنَ الْمِرْيَةِ وَهِيَ الشَّكُّ فِي الشَّيْءِ وَالِاخْتِلَافُ
⦗ص: 69⦘
فِيهِ، وَأَصْلُهُ تَتَمَارَوْنَ، فَأُسْقِطَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ» . وَأَمَّا قَوْلُهُ:«فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ» إِلَى تَمَامِ الْفَصْلِ فَإِنَّ هَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ الْكَلَامُ فِيهِ إِلَى تَأْوِيلٍ وَتَخْرِيجٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّنَا نُنْكِرُ رُؤْيَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، بَلْ نُثْبِتُهَا، وَلَا مِنْ أَجْلِ أَنَّا نَدْفَعُ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَفِي أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ، غَيْرَ أَنَّا لَا نُكَيِّفُ ذَلِكَ وَلَا نَجْعَلُهُ حَرَكَةً وَانْتِقَالًا كَمَجِيءِ الْأَشْخَاصِ وَإِتْيَانِهَا، فَإِنَّ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ نُعُوتِ الْحَدَثِ، وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَيَجِبُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ الَّتِي هِيَ ثَوَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَكَرَامَةٌ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ غَيْرُ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَقَامِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ صُهَيْبٍ فِي الرُّؤْيَةِ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّمَا تَعرِيضُهُمْ لِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ امْتِحَانٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل لَهُمْ، يَقَعُ بِهَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَبَيْنَ مَنْ عَبْدَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالطَّوَاغِيتَ، فَيَتَّبِعُ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَعْبُودَهُ، وَلَيْسَ نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ الِامْتِحَانُ إِذْ ذَاكَ يُعَدُّ قَائِمًا، وَحُكْمُهُ عَلَى الْخَلْقِ جَارِيًا، حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الْحِسَابِ وَيَقَعَ الْجَزَاءُ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، ثُمَّ يَنْقَطِعَ إِذَا حُقَّتِ الْحَقَائِقُ، وَاسْتَقَرَّتْ أُمُورُ الْعِبَادِ قَرَارَهَا. أَلَا تَرَى قَوْلَهُ:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] فَامْتُحِنُوا هُنَاكَ بِالسُّجُودِ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَسْجُدُونَ وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ طَبَقًا وَاحِدًا. قَالَ: وَتَخْرِيجُ مَعْنَى إِتْيَانِ اللَّهِ فِي هَذَا إِيَّاهُمْ أَنَّهُ يُشْهِدُهُمْ رُؤْيَتَهُ لِيُثْبِتُوهُ فَتَكُونَ مَعْرِفَتُهُمْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ عَيَانًا كَمَا كَانَ اعْتِرَافُهُمْ بِرُؤْيَتِهِ فِي الدُّنْيَا عِلْمًا وَاسْتِدْلَالًا، وَيَكُونَ طُرُوءُ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ إِتْيَانِ الْآتِي مِنْ حَيْثُ لَمْ يَكُونُوا شَاهَدُوهُ فِيهِ. قِيلَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، إِنَّمَا حَجَبَهُمْ عَنْ تَحْقِيقِ الرُّؤْيَةِ فِي الْكَرَّةِ الْأُولَى حَتَّى قَالُوا:«هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا» ، مِنْ أَجْلِ مَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ الرُّؤْيَةَ، وَهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ مَحْجُوبُونَ، فَلَمَّا تَمَيَّزُوا عَنْهُمُ ارْتَفَعَ الْحِجَابُ فَقَالُوا عِنْدَ مَا رَأَوْهُ:«أَنْتَ رَبُّنَا» . وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلَ الْمُنَافِقِينَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: وَأَمَّا ذِكْرُ الصُّورَةِ
⦗ص: 70⦘
فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَإِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَهُ: أَنَّ رَبَّنَا لَيْسَ بِذِي صُورَةٍ وَلَا هَيْئَةٍ، فَإِنَّ الصُّورَةَ تَقْتَضِي الْكَيْفِيَّةَ وَهِيَ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ، وَقَدْ يُتَأَوَّلُ مَعْنَاهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الصُّورَةُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: صُورَةُ هَذَا الْأَمْرِ كَذَا وَكَذَا، يُرِيدُ صِفَتَهُ فَتُوضَعُ الصُّورَةُ مَوْضِعَ الصِّفَةِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنَ الْمَعْبُودَاتِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هِيَ صُوَرٌ وَأَجْسَامٌ كَالشَّمسِ وَالْقَمَرِ وَالطَّوَاغِيتِ وَنَحْوِهِمَا، ثُمَّ لَمَّا عَطَفَ عَلَيْهَا ذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ خَرْجَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْمُطَابَقَةِ فَقِيلَ: يَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَةِ كَذَا إِذْ كَانَتِ الْمَذْكُورَاتُ قَبْلَهُ صُوَرًا وَأَجْسَامًا، وَقَدْ يُحْمَلُ آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى أَوَّلِهِ فِي اللَّفْظِ وَيُعْطَفُ بِأَحَدِ الِاسْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَالْمَعْنَيَانِ مُتَبَايِنَانِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، كَالْعُمَرَيْنِ وَالْأَسْوَدَيْنِ وَالْعَصْرَيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ كَثِيرٌ. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ هُوَ أَنَّ مَعْنَى الصُّورَةِ الصِّفَةُ، قَوْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ:«فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا» . وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَلِمْتُ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الصِّفَةُ الَّتِي عَرَفُوهُ بِهَا، وَقَدْ تَكُونُ الرُّؤْيَةُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، كَقَوْلِهِ {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] أَيْ: عَلِّمْنَا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: «وَمِنَ الْوَاجِبِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَسْتَشْنِعُهَا النُّفُوسُ إِنَّمَا خَرَجَتْ عَلَى سَعَةِ مَجَالِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَصَارِفِ لُغَاتِهَا، وَأَنَّ مَذْهَبَ كَثِيرٍ
⦗ص: 71⦘
مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ الِاجْتِهَادُ فِي أَدَاءِ الْمَعْنَى دُونَ مُرَاعَاةِ أَعْيَانِ الْأَلْفَاظِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَرْوِيهِ عَلَى حَسْبِ مَعْرِفَتِهِ وَمِقْدَارِ فَهْمِهِ وَعَادَةِ الْبَيَانِ مِنْ لُغَتِهِ، وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَلْزَمُوا أَحْسَنَ الظَّنِّ بِهِمْ، وَأَنْ يُحْسِنُوا التَّأَنِّي لِمَعْرِفَةِ مَعَانِي مَا رَوَوْهُ، وَأَنْ يُنْزِلُوا كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ مَنْزِلَةَ مِثْلِهِ، فِيمَا تَقْتَضِيهِ أَحْكَامُ الدِّينِ وَمَعْانِيهَا، عَلَى أَنَّكَ لَا تَجِدُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَمَنِّهِ شَيْئًا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَلَهُ تَأْوِيلٌ يَحْتَمِلُهُ وَجْهُ الْكَلَامِ وَمَعْنًى لَا يَسْتَحِيلُ فِي عَقْلٍ أَوْ مَعْرِفَةٍ»
642 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا أَبُو الْوَلِيدِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه وَكَرَّمَ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا فَظُنُّوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْيَأَهُ وَأَهْدَاهُ
643 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، نا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعَ مِسْعَرَ بْنَ كِدَامٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْيَأُ وَأَهْدَى وَأَتْقَى " قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَّا الضَّحِكُ الْمَذْكُورُ فِي الْخَبَرِ فَقَدْ رَوَى الْفِرَبْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: «مَعْنَى الضَّحِكِ فِيهِ الرَّحْمَةُ» . وَنَحْنُ نَبْسُطَ الْكَلَامَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ ذِكْرِ صِفَاتِ الْفِعْلِ
644 -
وَأَمَّا الصُّورَةُ الْمُذْكُورَةُ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزِيدٍ
⦗ص: 73⦘
الْبَيْرُوتِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، نا ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: ونَا الْأَوْزَاعِيُّ أَيْضًا قَالَا، ثنا خَالِدُ بْنُ اللَّجْلَاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَائِشِ الْحَضْرَمِيَّ، يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا رَأَيْتُكَ أَصْفَرَ وَجْهًا مِنْكَ الْغَدَاةَ. فَقَالَ: " مَا لِي وَقَدْ تَبَدَّى لِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ أَيْ رَبِّ. قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ أَيْ رَبِّ. فَوَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75] . قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ رَبِّ. قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قُلْتُ: الْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ خِلَافَ الصَّلَوَاتِ، وَإِبْلَاغُ الْوَضُوءِ أَمَاكِنَهُ فِي الْمَكَارِهِ. قَالَ: مَنْ يَفْعَلْ يَعِشْ بِخَيْرٍ وَيَمُتْ بِخَيْرٍ، وَيَكُنْ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَمِنَ الدَّرَجَاتِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَبَذْلُ السَّلَامِ وَأَنْ تَقُومَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، سَلْ تُعْطَهْ. قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الطَّيِّبَاتِ، وَتَرْكَ
⦗ص: 74⦘
الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَتُوبَ عَلَيَّ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً بِقَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ. فَتَعْلَمُوهُنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُنَّ لَحَقٌ ". فَهَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إِسْنَادِهِ فَرُوِيَ هَكَذَا، وَرَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ اللَّجْلَاجِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ جَهْضَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ خَلَفٍ الْعَمِّيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ زَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ مَمْطُورٍ، وَهُوَ أَبُو سَلَّامٍ، عَنِ ابْنِ السَّكْسَكِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ وَقِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ فِيهِ: أَحْسَبُهُ يَعْنِي: فِي الْمَنَامِ. وَرَوَاهُ قَتَادَةُ يَعْنِي عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ اللَّجْلَاجِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
⦗ص: 79⦘
645 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، نا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَائِشٍ الْحَضْرَمِيُّ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ إِلَّا أَنَّهُمْ يَضْطَرِبُونَ فِيهِ، وَهُوَ حَدِيثُ الرُّؤْيَةِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَكُلُّهَا ضَعِيفٌ، وَأَحْسَنُ طَرِيقٍ فِيهِ رِوَايَةُ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ خَلَفٍ وَفِيهِمَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي النَّوْمِ. ثُمَّ تَأْوِيلُهُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَأَنَا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، كَأَنَّهُ زَادَهُ كَمَالًا وَحُسْنًا وَجَمَالًا عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وَإِنَّمَا التَّغَيُّرُ وَقَعَ بَعْدَهُ لِشِدَّةِ الْوَحْيِ وَثِقَلِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ تَلَقَّاهُ بِالْإِكْرَامِ وَالْإِجْمَالِ، فَوَصَفَهُ
⦗ص: 80⦘
بِالْجَمَالِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّهٌ جَمِيلٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُجْمِلٌ فِي أَفْعَالِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:«فَوَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ» . فَكَذَا فِي رِوَايَتِنَا، وَفِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ:«يَدَهُ» . وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ إِكْرَامُ اللَّهِ إِيَّاهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ، حَتَّى وَجَدَ بَرَدَ النِّعْمَةِ ـ يَعْنِي رُوحَهَا ـ وَأَثَرَهَا فِي قَلْبِهِ، فَعَلِمَ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْيَدِ الصِّفَةَ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ تَعَلُّقَ تِلْكَ الصِّفَةِ بِمَا وَجَدَ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ كَتَعَلُّقِ الْيَدِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ لِخَلْقِ آدَمَ عليه السلام، تَعَلَّقِ الصِّفَةِ بِمُقْتَضَاهَا لَا عَلَى مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ، فَإِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنَّ فَيَكُونُ، لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى صِفَاتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مُمَاسَّةٌ أَوْ مُبَاشَرَةٌ، تَعَالَى اللَّهُ عَزَّ اسْمُهُ عَنْ شَبِهِ الْمَخْلُوقِينَ عُلُّوًا كَبِيرًا. وَفِي ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِثْبَاتِ الْوَجْهِ صِفَةً لَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ لِوُرُودِ خَبَرِ الصَّادِقِ بِهِ مَا جَاءَ فِي إِثْبَاتِ الْوَجْهِ صِفَةً لَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ لِوُرُودِ خَبَرِ الصَّادِقِ بِهِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، وَقَالَ:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وَقَالَ:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 39]، وَقَالَ:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9]، وَقَالَ:{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} [الرعد: 22]، وَقَالَ:{إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 20]، وَقَالَ:{يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] .
646 -
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، نا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، نا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ
⦗ص: 82⦘
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» . {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] . قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» . {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] . قَالَ «هَاتَانِ أَهْوَنُ وَأَيْسَرُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
647 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيِّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الشَّرْقِيِّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» . {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] . قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» . {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] . قَالَ: «هَذَا أَهْوَنُ - أَوْ هَذَا أَيْسَرُ -» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ وَقُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
648 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، نا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ
⦗ص: 83⦘
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبَ: آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ. قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُهُ: «رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ» . يُرِيدُ بِهِ صِفَةَ الْكِبْرِيَاءِ. فَهُوَ بِكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ لَا يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بَعْدَ رُؤْيَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ بِدُخُولِ جَنَّةِ عَدْنٍ، فَإِذَا دَخَلُوهَا أَرَادَ أَنْ يَرَوْهَ فَيَرَوْهُ وَهُمْ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
649 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّزَازُ بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ، نا الْقَعْنَبِيُّ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ اَبِن شِهَابٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ
650 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رحمه الله، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، نا أَبُو دَاوُدَ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَغَيْرُهُمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا شَدِيدًا أُشْفِيتُ مِنْهُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ دُونَ هِجْرَتِي. قَالَ:«إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ رِفْعَةً وَدَرَجَةً، وَلَعَلَّكَ إِنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ قَوْمٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ كَانَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ
651 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، نا حَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، نا حَمَّادٌ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ نُعَيْمِ
⦗ص: 85⦘
بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَسْنَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِي فَقَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»
652 -
وَقَدْ قِيلَ عَنْ نُعَيْمٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَّاجُ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى، أنا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، نا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، نا
⦗ص: 86⦘
مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«يَا حُذَيْفَةُ، مَنْ خُتِمَ لَهُ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ صَادِقًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، يَا حُذَيْفَةُ مَنْ خُتِمَ لَهُ بِصَوْمٍ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ الْلَّهِ دَخَلَ الْجَّنَةَ، يَا حُذَيْفَةُ مَنْ خُتِمَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ؟» قَالَ: وَالْأَخْبَارُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ. وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
653 -
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، إِمْلَاءً، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ عَنْكَ وَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، وَكُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ـ أَظُنُّهُ قَالَ: وَبِلَالٌ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَرَجُلَانِ قَدْ نَسِيتُ اسْمَهُمَا ـ فَوَقَعَ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللَّهُ وَحَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهِمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] الْآيَةَ {وَكَذَلِكَ
⦗ص: 87⦘
فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: 53] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَرَجُلَانِ نَسِيتُ اسْمَيْهِمَا
654 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بِنِ دَلُّوَيْهِ الدَّقَّاقُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ بْنِ مَنِيعٍ، ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي أَخِي زَيْدُ بْنُ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ أَبَا سَلَّامٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَشْعَرِيُّ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْحَى إِلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عليه السلام، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
⦗ص: 88⦘
أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي اسْتَقْبَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِوَجْهِهِ، فَلَا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْهُ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْهُ ". وَرُوِيَ فِي مِثْلِ هَذَا عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم مِنْ قَوْلِهِمَا
655 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ، أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا فِي بَيْتِ حُذَيْفَةِ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه فَقَامَ شَبَثُ بْنَ رِبْعِيٍّ فَصَلَّى، فَتَفَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: لَا تَتْفُلْ بَيْنَ يَدَيْكَ وَلَا عَنْ يَمِينِكَ؛ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِكَ كَاتَبَ الْحَسَنَاتِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى أَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ بِوَجْهِهِ يُنَاجِيهِ فَلَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ حَدَثَ سُوءٍ
656 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِنَّ اللَّهَ عز وجل مُقْبِلٌ عَلَى عَبْدِهِ بِوَجْهِهِ مَا أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ. قُلْتُ: لَيْسَ فِي صِفَاتِ ذَاتِ اللَّهِ عز وجل إِقْبَالٌ وَلَا إِعْرَاضٌ وَلَا صَرْفٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي صِفَاتِ فِعْلِهِ، وَكَأَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي لِلْوَجْهِ تَعَلَّقُ بِهَا تَعَلُّقَ الصِّفَةِ بِمُقْتَضَاهَا، تَأْتِيهِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِ
⦗ص: 90⦘
الْمُصَلِّي، فَعَبَّرَ عَنْ إِقْبَالِ تِلْكَ الرَّحْمَةِ وَصَرْفِهَا بِإِقْبَالِ الْوَجْهِ وَصَرْفِهِ لِتَعَلُّقِ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
657 -
وَالَّذِي يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ: مَا أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ فَلَا يَمَسَّ الْحَصَا» . قُلْتُ: وَشَائِعٌ فِي كَلَامِ النَّاسِ: الْأَمِيرُ مُقْبِلٌ عَلَى فُلَانٍ، وَهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ إِقْبَالَهُ عَلَيْهِ بِالْإِحْسَانِ، وَمُعْرِضٌ عَنْ فُلَانٍ وَهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ تَرَكَ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَصَرْفَ إِنْعَامِهِ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
658 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ أَبَانَ الْعُقَيْلِيُّ بِحَلَبَ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَنْبَأَنِيهِ عَطَاءُ بْنُ
⦗ص: 92⦘
السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهُ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «وَارْزُقْنِي لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ»
659 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، ثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَهِيكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ح،
⦗ص: 93⦘
660 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، ثنا الْبُرْسَانِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ»
661 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْعُصْفُرِيُّ الْبَصْرِيُّ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ التَّمِيمِيُّ،
⦗ص: 94⦘
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا الْجَنَّةَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْعُصْفُرِيِّ
662 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا الصَّاغَانِيُّ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عَطَاءٌ: بَلَغَنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُسْأَلَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا بِوَجْهِهِ
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ الْإِنْسَانُ بِوَجْهِ اللَّهِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: بَلَغَنَا ذَلِكَ
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرَفَعَ إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ قَالَ: أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: قَدْ سَأَلْتَ بِوَجْهِهِ فَلَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا إلِاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وَيْحَكَ أَلَا سَأَلْتَ بِوَجْهِهِ الْجَنَّةَ
663 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْقَاسِمُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ رَامِكٍ الشَّيْبَانِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ، مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ، ثنا دَاوُدُ بْنُ مِهْرَانَ الدِّبَاغُ، ثنا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا
⦗ص: 96⦘
مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ الْعَبَّاسُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْجِنِّ أَقْبَلَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ فِي يَدِهِ شُعْلَةٌ مِنَ النَّارِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يَزْدَادُ إِلَّا قُرْبًا، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ يُنْكَبُ مِنْهَا لَفِيهِ، وَتُطْفَأُ شُعْلَتُهُ؟ قُلْ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ، وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا. وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ. فَقَالَهَا، فَانْكَبَّ لَفِيهِ وَطُفِئَتْ شُعْلَتُهُ. أَخْرَجَهُ مَالِكٌ بْنُ أَنَسٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَّا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ
664 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ، أنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَلْبِيِّ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَتَبَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه كِتَابًا قَالَ: أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلْ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ، مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ، اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ". وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا فِي بَابِ الْكَلَامِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ
⦗ص: 98⦘
بْنِ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ وَأَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، فَأَبُو مَيْسَرَةَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَمَنْ دُونَهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَكَأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ سَمِعَهُ مِنْهُمَا وَمِنْ أَبِيهِ، إِنْ كَانَ حَمَّادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَفِظَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
665 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، مِنْ أَصْلِهِ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رَجَاءٍ قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ أَبُو عَامِرٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، قَالَ:: «النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّنَا عز وجل»
666 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، ثنا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيُّ بِمَكَّةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي الصِّدِّيقَ رضي الله عنه وَعَنْ مُسْلِمٍ: عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَا: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ ".
⦗ص: 104⦘
قُلْتُ: الْآثَارُ فِي مَعْنَى هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ فِي بَابِ الرُّؤْيَةِ مَذْكُورَةٌ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
667 -
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، ثنا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
⦗ص: 105⦘
عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخَارِقِ، عَنِ الْمُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: إِذَا حَدَّثَنَاكُمْ بِحَدِيثٍ أَتَيْنَاكُمْ بِتَصْدِيقِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل؛ إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَتَبَارَكَ اللَّهُ، أَخَذَهَا مَلَكٌ فَجَعَلَهَا تَحْتَ جَنَاحِهِ ثُمَّ صَعِدَ بِهَا فَلَا يَمُرُّ بِهَا عَلَى جَمْعِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا اسْتَغْفِرُوا لِقَائِلِهِنَّ حَتَّى يَجِيءَ بِهَا وَجْهَ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيْبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]
668 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، أنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ، ثنا ابْنُ كَثِيرٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ، رضي الله عنه قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ
⦗ص: 106⦘
أَجَرُنَا عَلَى اللَّهِ عز وجل، فَمِنَّا مِنْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ رضي الله عنه، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا نَمِرَةٌ كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ» . وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يُهْدِي بِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ
669 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنُ دُرُسْتَوَيْهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمَا وَاللَّهِ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ» . فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَإِنِّي أَعْتَقْتُهُ لِوَجْهِ اللَّهِ. وَفِي رِوَايَةِ وَهْبٍ قَالَ: فَإِنِّي أَعْتِقُهُ لِوَجْهِ اللَّهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ خَالِدٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، وَفِيهِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عز وجل: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ} [البقرة: 115] فَقَدْ حَكَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ
⦗ص: 107⦘
الْآيَةِ: يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ: فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي وَجَّهَكُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ
670 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ عز وجل:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] قَالَ: قِبْلَةُ اللَّهِ فَأَيْنَمَا كُنْتَ فِي شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ فَلَا تَوَجَّهَنَّ إِلَّا إِلَيْهَا
671 -
وَأَمَّا نُورُ الْوَجْهِ فَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدُ، ثنا شُعْبَةُ وَالْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمِلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ، وَعَمِلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ» . زَادَ الْمَسْعُودِيُّ: «وَحِجَابُهُ النَّارُ لَوْ كَشَفَهَا لَأَحْرَقَتْ
⦗ص: 108⦘
سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرهُ» . ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ: {بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 8] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ بِطُولِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ دُونَ قِرَاءَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ.
672 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْسُّلَمِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَازَرُونِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: يُقَالُ: السُّبْحَةُ إِنَّهَا جَلَالُ وَجْهِهِ وَنُورُهُ، وَمِنْهُ قِيلَ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمٌ لَهُ وَتَنْزِيهٌ. قُلْتُ: إِذَا كَانَ قَوْلُهُ: «سُبُحَاتُ» مِنَ التَّسْبِيحِ، وَالتَّسْبِيحُ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ سُوءٍ، فَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ النُّورِ لِلْوَجْهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَشَفَ الْحِجَابَ الَّذِي عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ وَلَمْ يُثَبِّتْهُمْ لِرُؤْيَتِهِ لَاحْتَرَقُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهِ عِبَارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ كَشَفَ عَنْهُمُ الْحِجَابَ لَأَفْنَى جَلَالُهُ وَهَيْبَتُهُ وَقَهْرُهُ مَا أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ ـ يَعْنِي كُلَّ مَا أَوْجَدَهُ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الثَّرَى ـ فَلَا نِهَايَةَ لِبَصَرِهِ
673 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ أنا دَعْلجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلجٍ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ
⦗ص: 109⦘
عَنْهُمَا أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَفَلَّتَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ صَدْرِي، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَذَكَرَ فِيمَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دُعَاءِ حِفْظِ الْقُرْآنِ: «أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنَوِّرِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حَفِظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، أَسْأَلُكَ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَسْتَعْمِلَ بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الْحَقِّ غَيْرُكَ، وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا
⦗ص: 110⦘
بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَإِنْ كَانَ لَفْظُ «النُّورِ» مَحْفُوظًا فِيهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ وَيُرِيدُونَ بِهِ نَفْيَ النَّقْصِ عَنْهُ لَا غَيْرَ.
⦗ص: 111⦘
ثُمَّ قَدْ حَكَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ مِنْ كِتَابِهِ عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ ثَعْلَبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] : " يَعْنِي أَنَّهُ حَقٌّ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ الْعَرَبِ إِذَا سَمِعُوا قَوْلَ الْقَائِلِ: حَقًّا: كَلَامُكَ هَذَا عَلَيْهِ نُورٌ، أَيْ هُوَ حَقٌّ ". فَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ ثَابِتًا: «أَسْأَلُكَ بِجَلَالِكَ وَنَورِ وَجْهِكَ» أَيْ وَحَقِّ وَجْهِكَ، وَالْحَقُّ هُوَ الْمُتَحَقَّقُ كَوْنُهُ وَوُجُودُهُ، وَكَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ فِي مَعْنَى النُّورِ: إِنَّهُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِالدَّلِيلِ، وَيَصِحُّ رُؤْيَتُهُ بِالْأِبْصَارِ، وَيَظْهَرُ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ بِالْعَقْلِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ:«أَسْأَلُكَ بِجَلَالِكَ وَنَورِ وَجْهِكَ» رَاجِعًا فِي النُّورِ إِلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ
674 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا الزُّبَيْرُ أَبُو عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ
⦗ص: 112⦘
عِنْدَهُ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ، نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ هَذَا مَوْقُوفٌ وَرَاوِيهِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ
675 -
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أنا مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ عِنْدَ الْمَسَاءِ. قَالَ: قُلْ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ، وَبِكَلِمَاتِكَ التَّامَّةُ مِنْ شَرِّ السَّامَّةِ وَالْعَامَّةَ، وَمِنْ شَرِّ مَا خَلَقْتَ أَيْ رَبِّ، وَمِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، وَمِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَمِنْ شَرِّ مَا بَعْدَهَا، وَشَرِّ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا
676 -
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ الْعَدْلُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، ثنا ابْنُ بُكَيْرٍ، ثنا مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: إِنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ
⦗ص: 113⦘
قَالَ: لَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ حِمَارًا. فَقِيلَ لَهُ: مَا هِيَ؟ فَقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ "
677 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] فَيَسْأَلُ اللَّهَ تبارك وتعالى بِذَاكَ الْوَجْهِ الْبَاقِي الْجَمِيلِ. قُلْتُ: الْجَمِيلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ ذَكَرْنَا، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ بِمَعْنَى الْمُجَمِّلِ الْمُحَسِّنِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ:" وَقَدْ يَكُونُ الْجَمِيلُ مَعْنَاهُ ذُو النُّورِ. قُلْتُ: ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنَ صِفَاتِ الْفِعْلِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257] ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ النُّورُ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِالدِّلِيلِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْجَمِيلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ "
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِثْبَاتِ الْعَيْنِ صِفَةً لَا مِنْ حَيْثُ الْحَدَقَةِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]، وَقَالَ تَعَالَى:{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]، وَقَالَ:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود: 37]، وَقَالَ تبارك وتعالى:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] .
678 -
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءٍ، ثنا عَمِّي، جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسِيحَ ذُكِرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ وَقَالَ فِي مَتْنِهِ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» . وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ
679 -
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، ثنا أَبُو الْوَلِيدُ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، رضي الله عنه يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" مَا بُعِثَ نَبِيُّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ: أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبُّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: كَافِرٌ "
680 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَّادُ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا بُعِثَ نَبِيُّ إِلَّا قَدْ أُنْذِرَ الدَّجَّالَ؛ أَلَا وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبُّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» .
681 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا
⦗ص: 116⦘
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ:«وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَ فَ رَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عُمَرَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى
682 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود: 37] قَالَ: بِعَيْنِ اللَّهِ تبارك وتعالى. قُلْتُ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَ الْعَيْنَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَقَالَ: قَوْلُهُ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] مَعْنَاهُ: بِمَرْأَى مِنِّي. وَقَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] أَيْ: بِمَرْأَى مِنَّا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَتَكُونُ صِفَةً وَاحِدَةً وَالْجَمْعُ فِيهَا عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ، كَقَوْلِهِ:{مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] وَمِنْهُمْ مِنْ حَمْلَهَا عَلَى الْحِفْظِ وَالْكِلَاءَةِ، وَزَعَمَ أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَالْجَمْعُ فِيهَا سَائِغٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ قَالَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبَرِ نَفْيُ نَقْصِ الْعَوَرِ عَنِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُعَلَى الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الَآفَاتِ وَالنَّقَائِصِ، وَالَّذِي يَدُلُّ
⦗ص: 117⦘
عَلَيْهِ ظَاهَرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ إِثْبَاتِ الْعَيْنِ لَهُ صِفَةً لَا مِنْ حَيْثُ الْحَدَقَةِ أَوْلَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
683 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْبُورٍ الدَّهَّانُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْفَقِيهُ، ثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْبَزَّازُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُوَفَّقِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: مَا وَصَفَ اللَّهُ تبارك وتعالى بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ فَقِرَاءَتُهُ تَفْسِيرُهُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بِالْفَارِسِيَّةِ
بَابُ مَا جَاءَ فِي إِثْبَاتِ الْيَدَيْنِ صِفَتَيْنِ لَا مِنْ حَيْثُ الْجَارِحَةِ لِوُرُودِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ بِهِ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمْا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] .
684 -
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّبَّاحُ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ
685 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، ثنا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بِلَحْمٍ فَدُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمَّ قَالَ:«أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ لِمَ ذَاكْ؟» قَالَ: فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ؛ وَفِيهِ ": " فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ـ أَظُنُّهُ قَالَ: وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ ـ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ
686 -
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْأحَجْمِ، ثنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلِ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ
⦗ص: 120⦘
وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا مِنْهَا؟ فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا وَكَلَّمَكَ تَكْلِيمًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ، فَبِكَمْ تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَيَّ الْعَمَلَ الَّذِي عَمِلْتُهُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ آدَمُ: فَكَيْفَ تَلُومُنِي عَلَى عَمَلٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِيَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هُرْمُزَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ذَكَرَا فِيهِ قَوْلَ مُوسَى لِآدَمَ عليهما السلام: «أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ» وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
687 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ
⦗ص: 121⦘
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عليهما السلام فَقَالَ مُوسَى لِآدَمَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ فِي الْأَلْوَاحِ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَضَاهُ اللَّهُ عَلِيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِيَ بِأَرْبَعِينَ عَامًا ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» . قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ عَنْ سُفْيَانَ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بِالْإِسْنَادِ الثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي:«وَكَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ» . وَلَيْسَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْإِسْنَادَيْنِ وَبَيْنَ مَا مَضَى اخْتِلَافٌ إِلَّا أَنَّ هَذَيْنِ الْإِسْنَادَيْنِ حُفِظَ فِيهِمَا كِتَابَةُ التَّوْرَاةِ بِيَدِهِ، وَلَمْ يُحْفَظْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَحُفِظَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَوْلُ مُوسَى لِآدَمَ:«خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ» . وَلَمْ يُحْفَظْ فِي هَذَيْنِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
688 -
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثنا أَبُو زُرْعَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّازِيُّ، ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ، ثنا عُرْوَةُ بْنُ رُوَيْمٍ،
⦗ص: 122⦘
عَنِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبُّ خَلَقْتُهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَنْكَحُونَ وَيَرْكَبُونْ، فَاجْعَلْ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ، فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: لَا أَجْعَلُ مَنْ خَلَقْتُهُ بِيَدِيَّ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "
689 -
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثنا جُنَيْدُ بْنُ حَكِيمٍ، ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ رُوَيْمٍ
⦗ص: 123⦘
اللَّخْمِيُّ، يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:«وَيَرْكَبُونَ الْخَيْلَ» وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29]
690 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَا: ثنا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، وَابْنُ أَبْجَرَ أَنَّهُمَا سَمِعَا الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةِ بْنَ شُعْبَةَ، يُخْبِرُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ: رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا، أُرَاهُ قَالَ: ابْنُ أَبْجَرَ ـ قَالَ: " سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ عز وجل مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّي، وَكَيْفَ أَدْخَلُ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَقَدْ أَخَذُوا أَخَاذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا كَانَ يَكُونُ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ فَيُقَالُ: لَكَ مِثْلُ هَذَا وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، حَتَّى عَقَدَ خَمْسًا، فَيَقُولُ: رَضِيتُ، فَيَقُولُ: لَكَ هَذَا وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ، فَيَقُولُ: رَبِّ رَضِيتُ،
⦗ص: 124⦘
فَيُقَالُ: لَكَ هَذَا وَمَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، قَالَ: يَا رَبِّ أَخْبِرْنِي بِأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً، قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ وَسَوْفَ أُخْبِرُكَ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبٍ، وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ
691 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى جَنَّةَ عَدْنٍ وَغَرَسَ أَشْجَارَهَا بِيَدِهِ، فَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] "
692 -
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْهَاشِمِيِّ، مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ: خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ الْفِرْدَوْسَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي لَا يَسْكُنُهَا مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَا دَيُّوثٌ ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْنَا مُدْمِنَ الْخَمْرِ، فَمَا الدَّيُّوثُ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«الَّذِي يُيَسِّرُ لِأَهْلِهِ السُّوءَ» . هَذَا مُرْسَلٌ، وَفِيهِ إِنْ ثَبَتَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَتْبَ هَهُنَا بِمَعْنَى الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ: خَلَقَ رُسُومَ التَّوْرَاةِ، وَهِيَ حُرُوفُهَا، وَأَمَّا الْمَكْتُوبُ فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل، صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، غَيْرُ بَائِنٍ مِنْهُ
693 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ رِبْحٍ السَّمَّاكُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما قَالَ:" خَلَقَ اللَّهُ تبارك وتعالى أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ: الْعَرْشَ، وَجنَاتِ عَدْنٍ، وَآدَمَ، وَالْقَلَمَ؛ وَاحْتجَبَ مِنَ الْخَلْقِ بِأَرْبَعَةٍ: بِنَارٍ، وَظُلْمَةٍ، وَنَوِّرٍ، وَظُلْمَةٍ ". هَذَا مَوْقُوفٌ، وَالْحِجَابُ يَرْجِعُ إِلَى الْخَلْقِ لَا إِلَى الْخَالِقِ
694 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْبَزَّازُ، ثنا مُحَمَّدٌ بْنُ يَحْيَى، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَتَبَ رَبُّكُمْ تبارك وتعالى
⦗ص: 127⦘
عَلَى نَفْسِهِ بِيَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي تَسْبِقُ ـ أَوْ قَالَ: سَبَقَتْ ـ غَضَبِي ". قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ فِي مَعْنَى الْيَدِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ: إِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ} أَيْ ذَا الْقُوَّةِ؛ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 73] ؛ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: كَمْ يَدٌ لِي عِنْدَ فُلَانٍ. أَيْ كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ لِي قَدْ أَسْدَيْتُهَا إِلَيْهِ؛ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: 71] أَيْ مِمَّا عَمِلْنَا نَحْنُ، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا:{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] أَيِ: الَّذِي لَهُ عُقْدَةُ النِّكَاحِ؛ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44] . فَأَمَّا قَوْلُهُ عز وجل: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَارِحَةِ، لِأَنَّ الْبَارِي جل جلاله وَاحِدٌ، لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّبْعِيضُ، وَلَا عَلَى الْقُوَّةِ وَالْمُلْكِ وَالنِّعْمَةِ وَالصِّلَةِ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَقَعُ حِينَئِذٍ بَيْنَ وَلِيِّهِ آدَمُ وَعَدُوِّهِ إِبْلِيسُ، فَيَبْطُلُ مَا ذَكَرَ مِنْ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ لِبُطْلَانِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَا عَلَى صِفَتَيْنِ تَعَلَّقَتَا بِخَلْقِ آدَمَ تَشْرِيفًا لَهُ، دُونَ خَلْقِ إِبْلِيسَ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ، لَا مِنْ طَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمُمَاسَّةِ، وَكَذَلِكَ تَعَلَّقَتْ بِمَا رُوِّينَا فِي الْأَخْبَارِ مِنْ خَطِّ التَّوْرَاةِ وَغَرْسِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ تَعَلُّقَ الصِّفَةِ بِمُقْتَضَاهَا، وَقَدْ رُوِّينَا ذِكْرَ الْيَدِ فِي أَخْبَارٍ أُخَرَ إِلَّا أَنَّ سِيَاقَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالنِّعْمَةُ، أَوْ جَرَى ذِكْرُهَا صِلَةً فِي الْكَلَامِ
⦗ص: 128⦘
فَأَمَّا فِيمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ التَّفْضِيلَ، وَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّخْصِيصِ، فَلَمْ يَجُزْ حَمْلُهَا فِيهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَرَى ذَكَرُهَا عَلَى طَرِيقِ التَّخْصِيصِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الصِّفَةِ الَّتِي تُسَمَّى بِالسَّمْعِ يَدًا بِالْكَائِنِ فِيمَا خَصَّ بِذِكْرِهَا فِيهِ تَعَلُّقَ الصَّفْحَةِ بِمُقْتَضَاهَا، ثُمَّ لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ بُطْلَانُ مَوْضِعِ تَفْضِيلِ آدَمَ عليه السلام عَلَى إِبْلِيسَ، لِأَنَّ التَّخْصِيصَ إِذَا وُجِدَ لَهُ فِي مَعْنًى دُونَ إِبْلِيسَ لَمْ يَضُرَّ مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى، بَعْدَ أَنْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ إِبْلِيسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
695 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، ثنا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ يَسَارٍ يَعْنِي عَطَاءً، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ» . قَالَ: فَأَتَى
⦗ص: 129⦘
رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ:«بَلَى» . قَالَ: تَكُونُ الْأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالَامٌ وَنُونٌ. قَالَ: «وَمَا هَذَا؟» قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زِيَادَةِ كَبِدَيْهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ
696 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " قَالَ اللَّهُ عز وجل: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا
⦗ص: 130⦘
الدَّهْرُ، بِيَدِيَ الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ
697 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، ثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثنا يُوسُفُ الْمَاجِشُونُ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ ـ فَذَكَرَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ ـ وَفِيهِ قَالَ:«لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
698 -
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً
⦗ص: 131⦘
فَأَحْمِلُهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتَّبِعُونِي، وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَقْعُدُوا بَعْدِي»
قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَانِي أَنْ يَسْتَعِدُّوا لِي حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحَرِّقَ بُيُوتًا عَلَى مَنْ فِيهَا»
قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَا يَرَانِي، ثُمَّ لِأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مِثْلِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ» . رَوَاهُنَّ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَالْأَحَادِيثُ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ
699 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطَ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَبِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ
700 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْمُزَكِّي، أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، ثنا قَطَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا حَفْصُ بْنُ
⦗ص: 132⦘
عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
⦗ص: 133⦘
" الْأَيْدِي ثَلَاثٌ: يَدُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَاسْتَعْفِفْ عَنِ السُّؤَالِ مَا اسْتَطَعْتَ ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ. وَخَالَفَهُمَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ فَرَوَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ أَبُو الزَّعْرَاءِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ مَرْفُوعًا، فَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ تَعْظِيمَ أَمَرِ الصَّدَقَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] أَرَادَ تَعْظِيمَ أَمَرِ الْبَيْعَةِ
701 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَجْمَعُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى الضَّلَالَةِ أَبَدًا، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي
⦗ص: 134⦘
النَّارِ» . أَبُو سُفْيَانَ الْمَدِينِيُّ يُقَالُ: إِنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ، وَاخْتُلِفَ فِي كُنْيَتِهِ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ
702 -
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ:
⦗ص: 136⦘
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، ثنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَجْمَعُ اللَّهُ أُمَّتِي ـ أَوْ قَالَ هَذِهِ الْأُمَّةَ ـ عَلَى الضَّلَالَةِ أَبَدًا، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ» . تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ الْعَدَنِيُّ
703 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، أنا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّالَحِينِيُّ، أنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاسِمِ حِينَ يَقْسِمُ» . تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ. فَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ أَنَّهُ مَعَهُ بِالتَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ وَكَذَلِكَ هُوَ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِالتَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ
بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْيَمِينِ وَالْكَفِّ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]، وَقَالَ {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لْأَخَذْنَا مِنهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينُ} [الحاقة: 45] .
704 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يَقْبِضُ اللَّهُ تبارك وتعالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، وَرَوَاهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ فِي آخَرِينَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، وَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا
705 -
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَنَّ أَبَا أُسَامَةَ، أَخْبَرَهُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَطْوِي اللَّهُ عز وجل السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ يَأْخُذُهُنَّ ". قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ: " بِيَدِهِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ".
706 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ إِمْلَاءً، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، وَمُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَا: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:«ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ هَكَذَا. وَذِكْرُ الشِّمَالِ فِيهِ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ سَالِمٍ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ نَافِعٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ الشِّمَالَ، وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،
⦗ص: 140⦘
فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمُ الشِّمَالَ، وَرُوِيَ ذِكْرُ الشِّمَالِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِمَرَّةٍ؛ تَفَرَّدَ بِأَحَدِهِمَا جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَبِالْآخَرِ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، وَهُمَا مَتْرُوكَانِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ؟ وَصَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَمَّى كِلْتَيْ يَدَيْهِ يَمِينًا، وَكَأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَرْسَلَهُ مِنْ لَفْظِهِ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ، أَوْ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي ذِكْرِ الشِّمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْيَمِينِ
707 -
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، ثنا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، ثنا سُفْيَانُ، أُرَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَلَى يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ عَنْ سُفْيَانَ
708 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ الْقَاضِي بِمِصْرَ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى الْقَاضِي، ثنا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ
⦗ص: 141⦘
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. فَحَمِدَ اللَّهَ عز وجل بِإِذْنِ اللَّهِ تبارك وتعالى، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ يَا آدَمُ. وَقَالَ لَهُ: يَا آدَمُ اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ ـ إِلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ ـ فَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَذَهَبَ فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ. وَبَنِيهِمْ فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى لَهُ ـ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ ـ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَقَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي، وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ، ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ ".
⦗ص: 142⦘
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ: «رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ» . يَعْنِي: إِلَى مُسَاءَلَةِ رَبِّهِ أَوْ إِلَى مَقَامِ نَفْسِهِ الَّذِي يُسْمِعُهُ خِطَابَهُ، وَآدَمُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ
709 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] قَالَ: وَكِلْتَا يَدَيِ الرَّحْمَنِ يَمِينٌ. قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ
710 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، ثنا حَامِدُ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ
⦗ص: 144⦘
أَنَسٍ، يَذْكُرُ ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى الْقَاضِي، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي
⦗ص: 145⦘
أُنَيْسَةَ، قَالَ: إِنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] الْآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عليه الصلاة والسلام ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا خَلَقَ الرَّجُلَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمِلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ الرَّجُلَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ» . فِي هَذَا إِرْسَالٌ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
711 -
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ
⦗ص: 146⦘
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا الْأَدِيبُ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْقَبَّانِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ النَّصْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: " إِنَّ
⦗ص: 147⦘
رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُبْتَدَأُ الْأَعْمَالُ أُمْ قَدْ قُضِيَ الْقَضَاءُ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ أُشْهِدُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ» ح
712 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ إِمْلَاءً، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، أنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَسَّانَ، ثنا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَتَادَةَ النَّصْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: إِنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُبْتَدَأُ الْأَعْمَالُ أَوْ قَدْ قُضِيَ الْقَضَاءُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَفَاضَ بِهِمْ فِي كَفَّيْهِ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ، وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ، فَأَهَلُ الْجَنَّةِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ "
713 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا الصَّاغَانِيُّ، ثنا أَبُو صَالِحٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِي فِرَاسٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
⦗ص: 149⦘
عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عز وجل آدَمَ نَفَضَهُ نَفْضَ الْمِزْوَدِ فَخَرَّ مِنْهُ مِثْلُ النَّغَفِ، فَقَبَضَ قَبْضَتَيْنِ، فَقَالَ لِمَا فِي الْيَمِينِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ لِمَا فِي الْأُخْرَى فِي النَّارِ» . هَذَا مَوْقُوفٌ
714 -
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، ثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا أَبِي ح. وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُكْرَمٍ بِبَغْدَادَ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" أَخَذَ اللَّهُ تبارك وتعالى الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ عليه السلام بِنَعْمَانَ ـ يَعْنِي بِعَرَفَةَ ـ فَلَمَّا أَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا فَقَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَى قَوْلِهِ بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ "
715 -
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَلَمَةَ الْهَمَذَانِيُّ، بِهَا، أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ الْقَطِيعِيُّ، ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثنا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، ثنا عَوْفٌ، عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ،
⦗ص: 150⦘
قَالَ: سَمِعْتُ الْأَشْعَرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرَضِينَ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، فَمِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزِنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ»
716 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ
⦗ص: 151⦘
مَسْعُودٍ، أَوْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى خَمَّرَ طِينَةَ آدَمَ عليه السلام أَرْبَعِينَ يَوْمًا ـ أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، شَكَّ يَزِيدُ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ فَمَا كَانَ مِنْ طَيِّبٍ خَرَجَ بِيَمِينِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَبِيثٍ خَرَجَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، ثُمَّ خَلَطَهُ، فَمِنْ ثَمَّ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ
717 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَوْ سَلْمَانَ رضي الله عنهما قَالَ أَبِي وَلَا أُرَاهُ إِلَّا سَلْمَانَ ـ قَالَ: خَمَّرَ اللَّهُ تبارك وتعالى طِينَةَ آدَمَ عليه السلام أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ فَخَرَجَ كُلُّ طَيِّبٍ بِيَمِينِهِ، وَكُلُّ خَبِيثٍ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، ثُمَّ خَلَطَ بَيْنَهُمَا، فَمِنْ ثَمَّ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ. هَذَا مَوْقُوفٌ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، فَقَالَ: عَنْ سَلْمَانَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ قَدْ أَخَذَ أَمْثَالَ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى أَسْلَمَ بَعْدُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنِ التَّيْمِيِّ مَرْفُوعًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ تَأْوِيلُهُ مَذْكُورٌ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَسَنَرْوِي فِيمَا بَعْدُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم: أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ مَلَكَ الْمَوْتِ عليه السلام بِذَلِكَ فَأَخَذَ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ وَخَلَطَ
718 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ، ثنا
⦗ص: 152⦘
دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ، ثنا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، ثنا اللَّيْثُ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ، ثنا أَبُو عَمْرٍو الْمُسْتَمْلِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، قَالُوا: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ ـ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ ـ إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْكَفِّ فِي حَدِيثِهِ
719 -
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ
⦗ص: 153⦘
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا فِي يَمِينِهِ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: " يَدُ اللَّهِ مَلْأَى، وَقَالَ: وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ "
720 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَا: ثنا أًبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَسَدٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه يُبَلِّغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى سَحَّاءُ لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ
721 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ،
⦗ص: 154⦘
رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «وَهَكَذَا» وَجَمَعَ يَدَيْهِ. قَالَ: زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«وَهَكَذَا» . فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: حَسْبُكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: دَعْنِي يَا عُمَرُ وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ كُلَّنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إِنْ شَاءَ أَدْخَلَ خَلْقَهُ الْجَنَّةَ بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم «صَدَقَ عُمَرُ» . وَرَوَاهُ خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَوْ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه بِالشَّكِّ.
722 -
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا خَلَفٌ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
⦗ص: 155⦘
قَتَادَةَ مَرَّةً، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ وَمَرَّةً، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ، وَقَالَ: فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إِنْ شَاءَ أَدْخَلَ النَّاسَ الْجَنَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ فِي ابْتِدَائِهِ. فَقَالَ عُمَيْرٌ، بَدَلَ أَبِي بَكْرٍ
723 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ نَظِيفٍ بِمَكَّةَ قَالَ: ثنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودٍ الشَّمْعِيُّ إِمْلَاءً، ثنا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، رضي الله عنه
⦗ص: 157⦘
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعِينَ أَلْفًا وَثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي» . تَابَعَهُ بَقِيَّةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه بِالشَّكِّ، وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمَا عَنْهُ بِلَا شَكٍّ وَفِيهِ ضَعْفٌ قُلْتُ: أَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُفَسِّرُوا مَا كَتَبْنَا مِنَ الْآيَتَيْنِ وَالْأَخْبَارِ
⦗ص: 158⦘
فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّبْعِيضُ
724 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] لَمْ يُفَسِّرْهَا قَتَادَةُ
725 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْشٍ، سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَزْهَرِيَّ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيَّ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: كُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسِيرُهُ تِلَاوَتُهُ وَالسُّكُوتُ عَلَيْهِ
726 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ سَمِعْتُ خَلَفَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيَّ ،
⦗ص: 159⦘
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ هَارُونُ الْكَرَابِيسِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حَفْصٍ قَالَ ـ قَالَ الشَّيْخُ: يَعْنِي أَبَاهُ ـ: قَالَ أَفْلَحُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي أَكْرَهُ الصِّفَةَ ـ عَنَى صِفَةَ الرَّبِّ تبارك وتعالى. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَنَا أَشَدُّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِذَلِكَ، وَلَكِنْ إِذَا نَطَقَ الْكِتَابُ بِشَيْءٍ جَسَرْنَا عَلَيْهِ، وَإِذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَةُ الظَّاهِرَةُ تَكَلَّمْنَا بِهِ. قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْأَوْصَافَ الْخَبَرِيَّةَ، ثُمَّ تَكَلُّمُهُمْ بِهَا عَلَى نَحْوِ مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ لَا يُجَاوِزُونَهُ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ الْيَمِينَ يُرَادُ بِهِ الْيَدُ وَالْكَفُّ عِبَارَةً عَنِ الْيَدِ، وَالْيَدُ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ بِلَا جَارِحَةٍ، فَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَتْ فِيهِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ فَالْمُرَادُ بِذِكْرِهَا تَعَلُّقِهَا بِالْكَائِنِ الْمَذْكُورِ مَعَهَا، مِنَ الطَّيِّ وَالْأَخْذِ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ، وَالْمَسْحِ، وَالْقَبُولِ، وَالْإِنْفَاقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ تَعَلَّقَ الصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ بِمُقْتَضَاهَا مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا مُمَاسَّةٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَشْبِيهٌ بِحَالٍ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْقَبْضَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَدْ يَكُونُ بِالْجَارِحَةِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ يُقَالُ: مَا فُلَانٌ إِلَّا فِي قَبْضَتِي. يَعْنِي: مَا فُلَانٌ إِلَّا فِي قُدْرَتِي. وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: الْأَشْيَاءُ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ. يُرِيدُونَ فِي مُلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى إِفْنَاءِ الشَّيْءِ وَإِذْهَابِهِ، يُقَالُ: فُلَانٌ قَبَضَهُ اللَّهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَفْنَاهُ وَأَذْهَبَهُ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا فَقَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا ذَاهِبَةٌ فَانِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى إِفْنَائِهَا وَقَوْلُهُ {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ، لَيْسَ يُرِيدُ بِهِ طَيًّا بِعِلَاجٍ وَانْتِصَابٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْفِنَاءُ وَالذِّهَابُ.
⦗ص: 160⦘
يُقَالُ: قَدِ انْطَوَى عَنَّا مَا كُنَّا فِيهِ، وَجَاءَنَا غَيْرُهُ، وَانْطَوى عَنَّا دَهْرٌ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ وَالذِّهَابِ، وَقَوْلُهُ:{بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَنِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ، كَقَوْلِهِ:{مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [الروم: 28] يُرِيدُ بِهِ الْمِلْكَ، وَقَدْ قِيلَ: قَوْلُهُ: {مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] يُرِيدُ بِهِ ذَاهِبَاتٍ بِقَسَمِهِ، أَيْ أَقْسَمَ لَيُفْنِيَهَا، وَقَوْلُهُ:{لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] أيْ بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، أَيْ: أَخَذْنَا قُدْرَتَهُ وَقُوَّتَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَيْ لَأَخَذْنَا بِيَمِينِهِ، فَمَعْنَاهُ التَّصَرُّفُ، {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 46] أَيْ عِرْقًا فِي الْقَلْبِ. وَقِيلَ: هُوَ حَبْلُ الْقَلْبِ إِذَا انْقَطَعَ مَاتَ صَاحِبُهُ.
727 -
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ: قَالَ الْفَرَّاءُ: " الْيَمِينُ: الْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ
…
تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] بِالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ:{كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] يَقُولُ: كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا مِنْ قِبَلِ الدِّينِ. أَيْ تَأْتُونَنَا تَخْدَعُونَنَا بِأَقْوَى الْوُجُوهِ. قَالُوا: وَالْيَمِينُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَحْمُولٌ فِي بَعْضِهَا عَلَى الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَهُوَ مَا فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي وَرَدَتْ عَلَى وِفْقِ الْآيَةِ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى حُسْنِ الْقَبُولِ، لِأَنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَنَّ أَيْمَانَهُمْ تَكُونُ مُرْصَدَةً لِمَا عَزَّ مِنَ الْأُمُورِ، وَشَمَائِلُهُمْ لِمَا هَانَ مِنْهَا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلَانٌ عِنْدَنَا بِالْيَمِينِ، أَيْ بِالْمَحِلِّ الْجَلِيلِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
⦗ص: 161⦘
[البحر الوافر]
أَقُولُ لِنَاقَتِي إِذْ بَلَّغَتْنِي
…
لَقَدْ أَصْبَحْتِ عِنْدِي بِالْيَمِينِ
أَيْ بِالْمَحِلِّ الْجَلِيلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» . فَإِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّمَامَ وَالْكَمَالَ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُحِبُّ التَّيَامُنَ وَتَكْرَهُ التَّيَاسُرَ لِمَا فِي التَّيَاسُرِ مِنَ النُّقْصَانِ وَفِي التَّيَامُنِ مِنَ التَّمَامِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله:«لِيسَ فِيمَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ صِفَةِ الْيَدَيْنِ شِمَالٌ لِأَنَّ الشِّمَالَ مَحَلُ النَّقْصِ وَالضَّعْفِ، وَقَدْ رُوِيَ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْيَدِ عِنْدَنَا الْجَارِحَةَ، إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ، فَنَحْنُ نُطْلِقُهَا عَلَى مَا جَاءَتْ وَلَا نُكَيِّفُهَا، وَنَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ انْتَهَى بِنَا الْكِتَابُ وَالْأَخْبَارُ الْمَأْثُورَةُ الصَّحِيحَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ» . قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: «فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ» . فَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ: فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ
728 -
وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، إِنْ صَحَّ، فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الضَّبُعِيُّ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُتْبَةَ الْخَزَّازُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو الْأَسَدِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ ثَلْجٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَثِيرًا مَا يَخْطُبُ كَانَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ:
⦗ص: 162⦘
[البحر المتقارب]
خَفِّضْ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْأُمُورَ
بِكَفِّ الْإِلَهِ مَقَادِيرُهَا
فَلَيْسَ بِآتِيكَ مَنْهِيُّهَا
وَلَا قَاصِرٌ عَنْكَ مَأْمُورُهَا
قَالَ أَهْلُ النَّظَرِ: قَوْلُهُ: «بِكَفِّ الْإِلَهِ» . أَيْ فِي مُلْكِ الْإِلَهِ وَقُدْرَتِهِ، وَقَدْ تَكُونُ الْكَفُّ فِي مِثْلِ مَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ:«يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى» . يُرِيدُ كَثْرَةَ نَعْمَائِهِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ رحمه الله: " وَقَوْلُهُ: «لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ» . يُرِيدُ: لَا يُنْقِصُهَا، وَأَصْلُهُ مِنْ غَاضَ الْمَاءُ إِذَا ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هَذَا غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ، أَيْ: قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ". وَقَوْلُهُ: «سَحَّاءُ» ، السَّحُ السَّيَلَانُ: يُرِيدُ كَأَنَّهَا لِامْتِلَائِهَا تَسِيلُ بِالْعَطَاءِ أَبَدًا. وَالسَّحُ وَالصَّبُّ مَثَلٌ فِي هَذَا. وَقَوْلُهُ: «بِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ» ، فَالْمِيزَانُ هَهُنَا أَيْضًا مَثَلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قِسْمَتُهُ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْخَلْقِ، يَخْفِضُ مِنْ يَشَاءُ أَنْ يَضَعَهُ، وَيَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَهُ، وَيُوَسِّعُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَيَقْتُرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، كَمَا يَصْنَعُهُ الْوَزَّانُ عِنْدَ الْوَزْنِ، يَرْفَعُ مَرَّةً وَيَخْفِضُ أُخْرَى
729 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، ح. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ بِبُخَارَى، أنا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ الْحَافِظُ، قَالَا: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، سَمِعْتُ عَطَاءً، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَأْتِي الرُّكْنُ يَوْمَ
⦗ص: 163⦘
الْقِيَامَةِ، أَعْظَمُ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ، لَهُ لِسَانٌ وَشَفَتَانِ، يَتَكَلَّمُ عَمَّنِ اسْتَلَمَهُ بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ يَمِينُ اللَّهِ الَّتِي يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ» . قَالَ أَهْلُ النَّظَرِ: الْيَمِينُ هَهُنَا عِبَارَةٌ عَنِ النِّعْمَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ تَمْثِيلٌ، فَإِنَّ الْمَلِكَ إِذَا صَافِحَ رَجُلًا قَبَّلَ الرَّجُلُ يَدَهُ، وَفِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ ضَعْفٌ