المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما روي في التقرب والإتيان والهرولة - الأسماء والصفات - البيهقي - جـ ٢

[أبو بكر البيهقي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الذَّاتِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصَابِعِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي السَّاعِدِ وَالذِّرَاعِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْقَدَمِ وَالرِّجْلِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الرُّوحِ وَقَوْلِهِ عز وجل: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ، وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَقَوْلِهِ فَنَفَخْنَا فِيهِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الرَّحِمِ أَنَّهَا قَامَتْ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْإِظْلَالِ بِظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ

- ‌بَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّقَرُّبِ وَالْإِتْيَانِ وَالْهَرْوَلَةِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْوَطْأَةِ بِوَجٍّ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّفَسِ وَتَقَذُّرِ النَّفْسِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى قِبَلَ وَجْهِ الْمُصَلِّي، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الضَّحِكِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَجَبِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفَرَحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغَيْرَةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَلَالِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاسْتِحْيَاءِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مِثْلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّرَدُّدِ

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ

الفصل: ‌باب ما روي في التقرب والإتيان والهرولة

‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّقَرُّبِ وَالْإِتْيَانِ وَالْهَرْوَلَةِ

ص: 382

959 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَجَزَاؤُهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَجَزَاؤُهُ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقِرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا جَعَلْتُ لَهُ مِثْلَهَا مَغْفِرَةً» فَقَالُوا: هَذَا الْحَدِيثُ يَسْتَبْشِعُهُ النَّاسُ. فَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا عِنْدَنَا عَلَى الْإِجَابَةِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِهِ:«يَقُولُ اللَّهُ عز وجل» . وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ رِوَايَتِنَا، وَالَّذِي فِي آخِرِ رِوَايَتِنَا أَظُنُّهُ مِنْ قَوْلِ الْأَعْمَشِ

ص: 382

960 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: إِنْ تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ".

⦗ص: 383⦘

961 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَا: أنا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ، ثنا شُعْبَةُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، زَادَ:«وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ الْهَرَوِيِّ. نَازِلًا عَنْ شُعْبَةَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِيَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ

ص: 382

962 -

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، ثنا الْإِمَامُ أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِمْلَاءً، أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَبُو بَكْرٍ الْإِمَامُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ عز وجل أَنَّهُ قَالَ:«إِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي عَبْدِي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بُوعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي بُوعًا أَتَيْتُهُ أُهَرْوِلُ» أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سَهْلٍ: " وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِصَارٌ، وَلَفْظُةٌ تَفَرَّدَ بِهَا هَذَا الرَّاوِي، إِذْ سَائِرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ:«إِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا» وَيَقُولُونَ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ: «وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ أُهَرْوِلُ» . وَالْبَاعُ وَالْبُوعُ مُسْتَقِيمَانِ فِي اللُّغَةِ، جَارِيَتَانِ عَلَى سَبِيلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي الْحَرْفِ الْوَاوُ فَقَلَّبْتُ الْوَاوُ أَلْفًا لِلْفَتْحَةِ. ثُمَّ الْجَهْمِيَّةُ وَأَصْنَافُ الْقَدَرِيَّةِ وَأَخْيَافُ الْمُعْتَزَلَيَّةِ الْمُجْتَرِئَةِ عَلَى رَدِّ أَخْبَارِ الرَّسُولِ بِالْمُزَيَّفِ مِنَ الْمَعْقُولِ، لَمَّا رُدُّوا إِلَى حَوْلِهِمْ وَأَحَاطَ بِهِمُ الْخِذْلَانُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمُ

⦗ص: 384⦘

بِخَدَائِعِهِ الشَّيْطَانُ، وَلَمْ يَعْصِمْهُمُ التَّوْفِيقُ وَلَا اسْتَنْقَذَهُمُ التَّحْقِيقُ، قَالُوا: الْهَرْوَلَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ الْجِسْمِ الْمُنْتَقِلِ، وَالْحَيَوَانُ الْمُهَرْوِلُ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ حَرَكَاتِ الْإِنْسَانِ كَالْهَرْوَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْحَجِّ، وَهَكَذَا قَالُوا، فِي قَوْلِهِ:«تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا» ، تَشْبِيهٌ إِذْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْأَشْخَاصِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَالْأَجْسَامِ الْمُتَدَانِيَةِ الْحَامِلَةِ لِلْأَعْرَاضِ، ذَوَاتِ الِانْبِسَاطِ وَالِانْقِبَاضِ، فَأَمَّا الْقَدِيمُ الْمُتَعَالِي عَنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ، وَعَنْ نُعُوتِ الْمُخْتَرِعِينَ، فَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ مَا يَنْثَلِمُ بِهِ التَّوْحِيدُ وَلَا يَسْلَمُ عَلَيْهِ التَّمْجِيدُ. فَأَقُولُ: إِنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِقٌ لِقَضَايَا الْعُقُولِ إِذْ هُوَ سَيِّدُ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَلَكِنْ مَنْ نَبَذَ الدِّينَ وَرَاءَهُ وَحَكَّمَ هَوَاهُ وَآرَاءَهُ، ضَلَّ عَنْ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَاءَ بِسَخَطِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنْ مَوْلَاهُ بِطَاعَاتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ سِرًّا وَعَلَنًا، كَالَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي بِمِثْلِ مَا تَقَرَّبَ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أَكُونَ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا» . وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْ لَطِيفِ التَّمْثِيلِ عِنْدَ ذَوِي التَّحْصِيلِ، الْبَعِيدُ مِنَ التَّشْبِيهِ، الْمَكِينُ مِنَ التَّوْحِيدُ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَوْلِيَ الْحَقُّ عَلَى الْمتَقَرِّبِ إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى لَا يَسْمَعُ شَيْئًا إِلَّا بِهِ، وَلَا يَنْطِقُ إِلَّا عَنْهُ، نَشْرًا لِآلَائِهِ، وَذِكْرًا لِنَعْمَائِهِ، وَإِخْبَارًا عَنْ مِنَنِهِ الْمُسْتَغْرِقَةِ لِلْخَلْقِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: يَسْمَعُ بِهِ وَيَنْطِقُ وَلَا يَقَعُ نَظَرُهُ عَلَى مَنْظُورٍ إِلَيْهِ إِلَّا رَآهُ بِقَلْبِهِ مُوَحِّدًا، وَبِلَطَائِفِ آثَارِ حِكْمَتِهِ، وَمَوَاقِعِ قُدْرَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَئِيِّ الْمُشَاهِدِ، يَشْهَدُهُ بِعَيْنِ التَّدْبِيرِ وَتَحقِيقِ التَّقْدِيرِ، وَتَصْدِيقِ التَّصْوِيرِ.

[البحر المتقارب]

وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ شَاهِدٌ

يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ

فَتَقَرُّبُ الْعَبْدِ بِالْإِحْسَانِ، وَتَقَرُّبُ الْحَقِّ بِالِامْتِنَانِ، يُرِيدُ أَنَّهُ الَّذِي أَدْنَاهُ، وَتَقَرُّبُ الْعَبْدِ إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَتَقَرُّبُ الْبَارِي إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَتَقَرُّبُ الْعَبْدِ إِلَيْهِ بِالسُّؤَالِ، وَتَقَرُّبُهُ إِلَيْهِ بِالنَّوَالِ، وَتَقَرُّبُ الْعَبْدِ إِلَيْهِ بِالسِّرِّ وَتَقَرُّبُهُ إِلَيْهِ بِالْبِشْرِ، لَا مِنْ حَيْثُ تَوَهَّمَتْهُ الْفِرْقَةُ الْمُضِلَّةِ لِلْأَغْمَارِ وَالْمُتَغَابِيَةُ بِالْإِعْثَارِ.

⦗ص: 385⦘

وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ: إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ بِمَا بِهِ تَعَبَدْتُهُ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ وَعَدْتُهُ. وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ: إِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى طَرِيقِ الْقُرْبِ مِنَ الْقُلُوبِ دُونَ الْحَوَاسِّ، مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ الْعُيُوبِ عَلَى حَسْبِ مَا يَعْرِفُهُ الْمُشَاهِدُونَ، وَيَجِدُهُ الْعَابِدُونَ مِنْ أَخْبَارِ دُنُوِّ مَنْ يَدْنُو مِنْهُ، وَقَرْبِ مَنْ يَقْرُبُ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ وَعَلَى مَذْهَبِ التَّمْثِيلِ وَلِسَانِ التَّعْلِيمِ بِمَا يَقْرُبُ مِنَ التَّفْهِيمِ، إِنَّ قُرْبَ الْبَارِي مِنْ خَلْقِهِ بِقُرْبِهِمْ إِلَيْهِ بِالْخُرُوجِ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْهَرْوَلَةِ، إِنَّمَا يُخْبِرُ عَنْ سُرْعَةِ الْقَبُولِ وَحَقِيقَةِ الْإِقْبَالِ وَدَرَجَةِ الْوُصُولِ، وَالْوَصْفُ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى الْمَخْلُوقِ مَصْرُوفٌ عَلَى مَا هُوَ بِهِ لَائِقٌ، وَبِكَوْنِهِ مُتَحَقَّقٌ، وَالْوَصْفُ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى يَصْرِفُهُ لِسَانُ التَّوْحِيدِ، وَبَيَانُ التَّجْرِيدِ، إِلَى نُعُوتِهِ الْمُتَعَالِيَةِ، وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى. وَلَوْلَا الْإِمْلَالُ أَحْذَرُهُ وَأَخْشَاهُ، لَقُلْتُ فِي هَذَا مَا يَطُولُ دَرْكُهُ، وَيَصْعُبُ مِلْكُهُ، وَالَّذِي أَقُولُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَأَشْبَاهِهِ مِنْ أَخْبَارِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم الْمَنْقُولَةِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ بِالرُّوَاةِ الْأَثْبَاتِ الْعُدُولِ، وُجُوبَ التَّسْلِيمِ، وَلَفْظَ التَّحْكِيمِ، وَالِانْقِيَادَ بِتَحْقِيقِ الطَّاعَةِ، وَقَطْعِ الرَّيْبِ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَعَنِ الصَّحَابَةِ النُّجَبَاءِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وُزَرَاءَ وَأَصْفِيَاءَ، وَخُلَفَاءَ، وَجَعَلَهُمُ السُّفَرَاءَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ صلى الله عليه وسلم، عَنْ حَقِّ عِدَاهُ أَوْ عَدُوِّهِ، وَصِدْقٍ تَجَاوَزُوهُ، وَالنَّاسُ ضَرْبَانِ: مُقَلِّدُونَ وَعُلَمَاءٌ، فَالَّذِينَ يُقَلِّدُونَ أَئِمَّةَ الدِّينِ سَبِيلُهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ عِنْدَ هَذِهِ الْمَوَارِدِ، وَالَّذِينَ مُنِحُوا الْعِلْمَ وَرُزِقُوا الْفَهْمَ هُمُ الْأَنْوَارُ الْمُسْتَضَاءُ بِهِمْ، وَالْأَئِمَّةُ الْمُقْتَدَى بِهِمْ، وَلَا أَعْلَمُهُمْ إِلَّا الطَّائِفَةَ السُّنِّيَّةَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

ص: 383

963 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ

⦗ص: 386⦘

أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ بِالْبَصْرَةِ، ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَاضِي حِمْصَ، ثنا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ، ثنا سَيْفُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَكَانَ ثِقَةً، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْعَيَّارِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ تَرَوْنَ الشَّمْسَ فِي يَوْمٍ لَا غَيْمَ فِيهِ، وَتَرَوْنَ الْقَمَرَ فِي لَيْلَةٍ لَا غَيْمَ فِيهَا؟» قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: " فَإِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُخَاصِرُ رَبَّهُ مُخَاصَرَةً فَيَقُولُ لَهُ: عَبْدِي هَلْ تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّ أَلَمْ تَغْفِرْ لِي، فَيَقُولُ: بِمَغْفِرَتِي صِرْتَ إِلَى هَذَا ". قُلْتُ: حَدِيثُ الرُّؤْيَةِ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ الْمُخَاصَرَةِ. وَسَلَمَةُ بْنُ الْعَيَّارِ وَسَيْفُ

⦗ص: 387⦘

بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمْ يَكُونَا يُذْكَرَا فِي الصِّحَاحِ، وَبِمِثْلِ هَذَا لَا يَثْبُتُ بِرِوَايَةِ أَمْثَالِهِمَا. ثُمَّ إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مُخَاصَرَتِهِ مَلَائِكَةِ رَبِّهِ، أَوْ نِعْمَةِ رَبِّهِ، وَالْمُخَاصَرَةُ الْمُصَافَحَةُ، وَقَدْ مَضَى فِي الرُّكْنِ أَنَّهُ يَمِينُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ، فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْآخِرَةِ لِلْعَرْشِ أَوْ غَيْرِهِ رُكْنٌ، أَوْ شَيْءٌ يُصَافِحُهُ عِبَادُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُصَافِحُونَ الرُّكْنَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْتَلِمُونَهُ، تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى

ص: 385