المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في الضحك - الأسماء والصفات - البيهقي - جـ ٢

[أبو بكر البيهقي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الذَّاتِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصَابِعِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي السَّاعِدِ وَالذِّرَاعِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْقَدَمِ وَالرِّجْلِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الرُّوحِ وَقَوْلِهِ عز وجل: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ، وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَقَوْلِهِ فَنَفَخْنَا فِيهِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الرَّحِمِ أَنَّهَا قَامَتْ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْإِظْلَالِ بِظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ

- ‌بَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّقَرُّبِ وَالْإِتْيَانِ وَالْهَرْوَلَةِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْوَطْأَةِ بِوَجٍّ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّفَسِ وَتَقَذُّرِ النَّفْسِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى قِبَلَ وَجْهِ الْمُصَلِّي، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الضَّحِكِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَجَبِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفَرَحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغَيْرَةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَلَالِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاسْتِحْيَاءِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مِثْلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّرَدُّدِ

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ

الفصل: ‌باب ما جاء في الضحك

‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الضَّحِكِ

ص: 401

977 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ؛ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ

ص: 401

978 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، نا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَضْحَكُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ؛ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» . قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يُقْتَلُ هَذَا فَيَلِجُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْآخَرِ فَيَهْدِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: قَوْلُهُ: «يَضْحَكُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ» . الضَّحِكُ الَّذِي يَعْتَرِي الْبَشَرَ عِنْدَمَا يَسْتَخِفَّهُمُ الْفَرَحُ، أَوْ يَسْتَنْفِزُهُمُ الطَّرَبُ، غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ

⦗ص: 402⦘

عز وجل، وَهُوَ مَنْفِيٌ عَنْ صِفَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ لِهَذَا الصَّنِيعِ الَّذِي يَحِلُّ مَحِلَّ الْعَجَبِ عِنْدَ الْبَشَرِ، فَإِذَا رَأَوْهُ أَضْحَكَهُمْ، وَمَعْنَاهُ فِي صِفَةِ اللَّهِ عز وجل الْإِخْبَارُ عَنِ الرِّضَى بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا، وَالْقَبُولُ لِلْآخَرِ وَمُجَازَاتُهُمَا عَلَى صَنِيعِهِمَا الْجَنَّةَ، مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمَا وَتَبَايُنِ مَقَاصِدِهِمَا. قَالَ: وَنَظِيرُ هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ

ص: 401

979 -

يَعْنِي مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، نا مُسَدَّدٌ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا الْمَاءُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَانِ. فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْلِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا الْعَشَاءَ. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْلَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تَصْلُحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، وَجَعَلَا يُرِيَانِهِ كَأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَقَدْ ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ ـ أَوْ عَجِبَ ـ مِنْ فَعَالِكُمَا» . وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] . روَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ فُضَيْلٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنْ فُضَيْلٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ «عَجِبَ» ، وَلَمْ

⦗ص: 403⦘

يَذْكُرِ الضَّحِكَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: «مَعْنَى الضَّحِكِ الرَّحْمَةُ» . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: «قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَرِيبٌ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنَى الرِّضَى لِفِعْلِهَمَا أَقْرَبُ وَأَشْبَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الضَّحِكَ مِنْ ذَوِي التَّمْيِيزِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى وَالْبِشْرِ، وَالِاسْتِهْلَالُ مِنْهُمْ دَلِيلُ قَبُولِ الْوَسِيلَةِ، وَمُقَدِّمَةُ إِنْجَاحِ الطَّلَبَةِ، وَالْكِرَامُ يُوصَفُونَ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ بِالْبِشْرِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ» يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ"؛ أَيْ: يُجْزِلُ الْعَطَاءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُوجَبُ الضَّحِكِ وَمُقْتَضَاهُ قَالَ زُهَيْرٌ:

[البحر الطويل]

تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا

كَأَنَّكَ تُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ سَائِلُهْ

وَإِذَا ضَحِكُوا وَهَبُوا وَأَجْزَلُوا، قَالَ كُثَيِّرٌ:

[البحر الكامل]

غَمْرُ الرِّدَاءِ إِذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا

غَلِقَتْ لِضَحْكَتِهِ رِقَابُ الْمَالِ

وَقَالَ الْكُمَيْتُ أَوْ غَيْرُهُ:

[البحر الوافر]

فَأَعْطَى ثُمَّ أَعْطَى ثُمَّ عُدْنَا

فَأَعْطَى ثُمَّ عُدْتُ لَهُ فَعَادَا

مِرَارًا مَا أَعُودُ إِلَيْهِ إِلَّا

تَبَسَّمَ ضَاحِكًا وَثَنَى الْوِسَادَا"

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: «قَوْلُهُ» عَجِبَ اللَّهُ «. إِطْلَاقُ الْعَجَبِ لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الرِّضَى، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الصَّنِيعَ مِنْهُمَا حَلَّ مِنَ الرِّضَا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْقَبُولِ لَهُ، وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ، مَحِلَّ الْعَجَبِ عِنْدَكُمْ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ إِذَا رُفِعَ فَوْقَ قَدْرِهِ، وَأُعْطِيَ بِهِ الْأَضْعَافُ مِنْ قِيمَتِهِ» . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: «وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَعْجَبَ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ وَيُضْحِكَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيثَارَ عَلَى النَّفْسِ أَمَرٌ

⦗ص: 404⦘

نَادِرٌ فِي الْعَادَاتِ، مُسْتَغْرَبٌ فِي الطِّبَاعِ، وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى سَعَةٍ الْمَجَازِ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى مَذْهَبِ الِاسْتِعَارَةِ فِي الْكَلَامِ، وَنَظَائِرُهُ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرَةٌ»

ص: 402

980 -

قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه: وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، نا أَبُو نُعَيْمٍ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ، بِهَا، نا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، نا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الصَّفِيرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: جَعَلَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه خَلْفَهُ ثُمَّ صَارَ بِي فِي جَبَّانَةِ الْكُوفَةِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي ـ وَفِي رِوَايَةِ الصَّاغَانِيِّ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي ـ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ

⦗ص: 405⦘

الذُّنُوبَ أَحَدٌ غَيْرُكَ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَضَحِكَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتِغْفَارُكَ رَبَّكَ وَالْتِفَاتُكَ إِلَيَّ تَضْحَكُ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: حَمَلَنِي خَلْفَهُ ثُمَّ سَارَ بِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ أَحَدٌ غَيْرُكَ» . ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتِغْفَارُكَ رَبَّكَ وَالْتِفَاتُكَ إِلَيَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: «ضَحِكْتُ لِضَحِكِ رَبِّي، تَعَجُّبُهُ لِعَبْدِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ أَحَدٌ غَيْرُهُ»

ص: 404

981 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ، نا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، نا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَأُتِيَ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ. فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبَّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ:

⦗ص: 406⦘

سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ ثُمَّ ضَحِكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: " رَبُّكَ يَضْحَكُ إِلَى عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. قَالَ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي "

ص: 405

982 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، نا أَبُو دَاوُدَ، نا سَلَّامٌ يَعْنِي أَبَا الْأَحْوَصِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، وَقَالَ:" إِنَّ رَبَّكَ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي ". وَرَوَاهُ إِسْرَائِيلُ وَالْأَجْلَحُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَقَالَا: «يَعْجَبُ» بَدَلَ «يَضْحَكُ»

ص: 407

983 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، نا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا

⦗ص: 408⦘

مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عز وجل، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ، الَّذِي إِذَا انْكَشَفَتْ فِئَةٌ قَاتَلَ وَرَاءَهَا بِنَفْسِهِ لِلَّهِ عز وجل، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ، وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عز وجل وَيَكْفِيهِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ، وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ، وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْضَرَّاءٍ "

ص: 407

984 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنَ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ،

⦗ص: 409⦘

رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي؛ وَرَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَانْهَزَمَ، فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الِانْهِزَامِ وَمَالَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي، حَتَّى أُهَرِيقَ دَمُهُ ". رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ:«رَجُلَانِ يَضْحَكُ اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِمَا» فَذَكَرَهُمَا

ص: 408

985 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا هُشَيْمٌ، أنا مُجَالِدٌ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ،

⦗ص: 410⦘

رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ثَلَاثَةٌ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِمِ: الْقَوْمُ إِذَا اصْطَفُّوا لِلصَّلَاةِ، وَالْقَوْمُ إِذَا اصْطَفُّوا لِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَرَجُلٌ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ "

ص: 409

986 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ أَبُو مُسْهِرٍ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، نا بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ،

⦗ص: 411⦘

عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الَّذِينَ يُلْقَوْنَ فِي الصَّفِّ فَلَا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى قُتِلُوا، أُولَئِكَ يَتَلَبَّطُونَ فِي الْغُرَفِ يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ، وَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ إِلَى قَوْمٍ فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ»

ص: 410

987 -

أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، رحمه الله، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، نا أَبُو دَاوُدَ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ» . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَيَضْحَكُ الرَّبُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ» . قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا.

⦗ص: 412⦘

وَرُوِي عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا فِي مَعْنَى هَذَا. وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ رحمه الله فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ مِنْ كِتَابِهِ: " أَنَّ الضَّحِكَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ بِمَعْنَى الْبَيَانِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَحِكَتِ الْأَرْضُ إِذَا أَنْبَتَتْ، لِأَنَّهَا تُبْدِي عَنْ حَسَنِ النَّبَاتِ وَتَنْفَتِقُ عَنِ الزَّهْرِ، كَمَا يَنْفَتِقُ الضَّاحِكُ عَنِ الثَّغْرِ، وَيُقَالُ: ضَحِكْتِ الطَّلْعَةُ إِذَا بَدَا مَا كَانَ فِيهَا مُسْتَخْبِيًا. قَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الرجز]

وَضَحِكَ الْمُزْنُ بِهَا ثُمَّ بَكَى

يُرِيدُ بِالضَّحِكِ إِظْهَارَ الْبَرْقِ، وَبِبُكَائِهِ الْمَطَرَ"

988 -

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا.

ص: 411

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الشَّعْرَانِيُّ، نا جَدِّي، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ جَلِيلٌ، فِي بَصَرِهِ

⦗ص: 413⦘

بَعْضُ الضَّعْفِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ حُمَيْدٌ يَدْعُوهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَوْسِعْ لَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَإِنَّ هَذَا رَجُلٌ قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. قَالَ: فَأَوْسَعْتُ لَهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ: الْحَدِيثُ الَّذِي سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ أَنَّكَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«إِنَّ اللَّهَ عز وجل يُنْشِئُ السَّحَابَ فَيَنْطِقُ أَحْسَنَ الْمِنْطَقِ، وَيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ» . وَفِي هَذَا تَأْكِيدُ مَا ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «يَضْحَكُ اللَّهُ» . أَيْ: «يُبَيِّنْ وَيُبْدِي مِنْ فَضْلِهِ وَنِعَمِهِ مَا يَكُونُ جَزَاءً لِعَبْدِهِ الَّذِي رَضِيَ عَمَلَهُ»

ص: 412

989 -

قَالَ الشَّيْخُ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، نا أَبُو الْيَمَانِ، أنا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ نَرَى رَبَّنَا؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ:" أَوَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَضْحَكُ اللَّهُ تبارك وتعالى مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ ". أَخْرِجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنِ حَدِيثِ أَبِي الْيَمَانِ كَمَا مَضَى

ص: 413

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: " فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَتَرْضَى أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ فَيَقُولُ: إِي رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ بِي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ " وَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ ضَحِكْتُ؟ فَقَالُوا: مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ ".

⦗ص: 414⦘

990 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ، نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى، نا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، نا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ» . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَذَكَرَ فِي آخِرِهِ مَا كَتَبْنَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. قَالَ: وَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبْدِي وَيُبَيِّنُ مَا أَعَدَّ لِهَذَا الْعَبْدِ فَيَسْتَكْثِرُهُ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ فَيَقُولُ: مَا فِي الْخَبَرِ؟ فَيَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: لَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ فَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا وَقَعَ التَّرْغِيبُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، وَمَا وَقَعَ الْخَبَرُ عَنْهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِتَفْسِيرِ الضَّحِكِ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِذِي جَوَارِحٍ وَمَخَارِجٍ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصَفُهُ بِكِشْرِ الْأَسْنَانِ وَفَغْرِ الْفَمِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ عُلُوًّا كَبِيرًا

ص: 413