الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّرَدُّدِ
1029 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي إِمْلَاءً، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، نا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي عَبْدِي أَعْطَيْتَهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصًّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ.
⦗ص: 448⦘
1030 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِيمَا حَكَى عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْحِيرِيِّ رحمه الله أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ فَقَالَ: مَعْنَاهُ: كُنْتُ أَسْرَعَ إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ مِنْ سَمْعِهِ فِي الِاسْتِمَاعِ وَبَصَرِهِ فِي النَّظَرِ وَيَدِهِ فِي اللَّمِسِ وَرِجْلِهِ فِي الْمَشْيِ.
1031 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ الْجُنَيْدُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: «يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» . يُرِيدُ: لِمَا يَلْقَى مِنْ عِيَانِ الْمَوْتِ وَصُعُوبَتِهِ وَكَرْبِهِ، لَيْسَ أَنِّي أَكْرَهُ لَهُ الْمَوْتَ، لِأَنَّ الْمَوْتَ يُورِدُهُ إِلَى رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ ". وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ رحمه الله: قَوْلُهُ: «وَكُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا» وَهَذِهِ أَمْثَالٌ ضَرَبَهَا، وَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ تَوْفِيقُهُ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يُبَاشِرُهَا بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَتَيْسِيرُ الْمَحَبَّةِ لَهُ فِيهَا فَيَحْفَظُ جَوَارِحَهُ عَلَيْهِ، وَيَعْصِمُهُ عَنْ مُوَاقَعَةِ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ مِنْ إِصْغَاءٍ إِلَى اللَّهْوِ بِسَمْعِهِ، وَنَظَرٍ إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ مِنَ اللَّهْوِ بِبَصَرِهِ، وَبَطْشٍ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ بِيَدِهِ، وَسَعْيٍ فِي الْبَاطِلِ بِرِجْلِهِ. وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ سُرْعَةَ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَالْإِنْجَاحَ فِي الطِّلْبَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَسَاعِيَ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا تَكُونُ بِهَذِهِ الْجَوَارِحِ الْأَرْبَعِ، وَقَوْلُهُ: مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا مَثَلٌ، وَالتَّرَدُّدُ فِي صِفَةِ اللَّهِ عز وجل غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْبَدَاءُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ غَيْرُ سَائِغٍ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُشْرِفُ فِي أَيَّامِ عُمُرِهِ عَلَى
⦗ص: 449⦘
الْمَهَالِكِ مَرَّاتٍ ذَاتِ عَدَدٍ مِنْ دَاءٍ يُصِيبُهُ، وَآفَةٍ تَنْزِلُ بِهِ، فَيَدْعُو اللَّهَ عز وجل فَيَشْفِيَهُ مِنْهَا، وَيَدْفَعَ مَكْرُوهَهَا عَنْهُ، فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ كَتَرَدُّدِ مَنْ يُرِيدُ أَمْرًا ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَتْرُكُهُ وَيُعْرِضُ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَائِهِ إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ كَتَبَ الْفَنَاءَ عَلَى خَلْقِهِ، وَاسْتَأْثَرَ الْبَقَاءَ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى مَا رُوِيَ:«إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْبَلَاءَ» وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مَا رَدَدْتُ رُسُلِي فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرْدِيدِي إِيَّاهُمْ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَمَلَكِ الْمَوْتِ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا، وَمَا كَانَ مِنْ لَطْمَةِ عَيْنِهِ، وَتَرَدُّدِهِ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَتَحْقِيقُ الْمَعْنَى فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا: عَطْفُ اللَّهِ عز وجل عَلَى الْعَبْدِ، وَلُطْفُهُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ "
1032 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانِ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليه السلام، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ عز وجل فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ عز وجل عَيْنَهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ مَا غَطَّى يَدَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ: فَالْآنَ. قَالَ: فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ بِجَنْبِ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» .
⦗ص: 450⦘
1033 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، أنا إِسْمَاعِيلُ، نا أَحْمَدُ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، أنا هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ وَيَحْيَى بْنِ مُوسَى، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ دُونَ حَدِيثِ الْحَسَنِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: " هَذَا حَدِيثٌ يَطْعَنُ فِيهِ الْمُلْحِدُونَ وَأَهْلُ الْبِدَعِ، وَيَغْمِزُونَ بِهِ فِي رُوَاتِهِ وَنَقَلَتِهِ، وَيَقُولُونَ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى هَذَا الصَّنِيعَ بِمَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ، جَاءَهُ بِأَمْرٍ مِنْ أَمَرِهِ فَيَسْتَعْصِي عَلَيْهِ وَلَا يَأْتَمِرُ لَهُ؟ وَكَيْفَ تَصِلُ يَدُهُ إِلَى الْمَلَكِ، وَيَخْلُصُ إِلَيْهِ صَكَّهُ وَلَطَمَهُ؟ وَكَيْفَ يُنَهْنِهُ الْمَلَكُ الْمَأْمُورُ بِقَبْضِ رُوحِهِ فَلَا يَمْضِي أَمَرُ اللَّهِ فِيهِ؟ هَذِهِ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمَعْقُولِ، سَالِكَةٌ طَرِيقَ الِاسْتِحَالَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنِ اعْتَبَرَ هَذِهِ الْأُمُورَ بِمَا جَرَى بِهِ عُرْفُ الْبَشَرِ، وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ عَادَاتُ طِبَاعِهِمْ، فَإِنَّهُ يُسْرِعُ إِلَى اسْتِنْكَارِهَا وَالِارْتِيَابِ بِهَا، لِخُرُوجِهَا عَنْ سَوْمِ طِبَاعِ الْبَشَرِ، وَعَنْ سُنَنِ عَادَاتِهِمْ، إِلَّا أَنَّهُ أَمَرٌ مَصْدَرُهُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عز وجل، الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَمْرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَاوَلَةٌ بَيْنَ مَلَكٍ كَرِيمٍ وَبَيْنَ كَلِيمٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَخْصُوصٌ بِصِفَةٍ خَرَجَ بِهَا عَنْ حُكْمِ عَوَامِ الْبَشَرِ، وَمَجَارِي عَادَاتِهِمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خُصَّ بِهِ مَنْ آثَرَهِ اللَّهُ بِاخْتِصَاصِهِ إِيَّاهُ، فَالْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُمْ فِيمَا تَنَازَعَاهُ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى أَحْكَامِ طِبَاعِ الْآدَمَيِّينَ وَقِيَاسِ أَحْوَالِهِمْ
⦗ص: 451⦘
غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي حَقِّ النَّظَرِ، وَلِلَّهِ عز وجل لَطَائِفُ وَخَصَائِصُ يَخُصُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَيُفْرِدُهُمْ بِحُكْمِهَا دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، وَقَدْ أَعْطَى مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ النُّبُوَّةَ، وَاصْطَفَاهُ بِمُنَاجَاتِهِ وَكَلَامِهِ، وَأَمَدَّهُ حِينَ أَرْسَلَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ، كَالْعَصَا وَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ وَسَخَّرَ لَهُ الْبَحْرَ فَصَارَ طَرِيقًا يَبَسًا، جَازَ عَلَيْهِ هُوَ وَقَوْمُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ، وَغَرَقَ فِيهِ خَصْمُهُ وَأَعْدَاؤُهُ، وَهَذِهِ أُمُورٌ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهَا، وَأَفْرَدَهُ بِالِاخْتِصَاصِ فِيهَا، أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَمُدَّةَ بَقَائِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا دَنَا حِينَ وَفَاتُهُ، وَهُوَ بَشَرٌ يَكْرَهُ الْمَوْتَ طَبْعًا، وَيَجِدُ أَلَمَهُ حِسًّا، لَطَفَ لَهُ بِأَنْ لَمْ يُفَاجِئْهُ بِهِ بَغْتَةً، وَلَمْ يَأْمُرِ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ قَهْرًا وَقَسْرًا، لَكِنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ مُنْذِرًا بِالْمَوْتِ، وَأَمَرَهُ بِالتَّعَرُّضِ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ فِي صُورَةِ بَشَرٍ، فَلَمَّا رَآهُ مُوسَى اسْتَنْكَرَ شَأْنَهُ، وَاسْتَوْعَرَ مَكَانَهُ، فَاحْتَجَرَ مِنْهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ بِمَا كَانَ مِنْ صَكِّهِ إِيَّاهُ، فَأَتَى ذَلِكَ عَلَى عَيْنِهِ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي الصُّورَةِ الْبَشَرِّيَّةِ الَّتِي جَاءَهُ فِيهَا دُونَ الصُّورَةِ الْمَلَكِيَّةِ الَّتِي هُوَ مَجْبُولُ الْخِلْقَةِ عَلَيْهَا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ مِمَّا يُعَلِّلُ بِهِ طِبَاعَ الْبَشَرِ، وَتَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُمْ فِي الْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ أَشْفَى لِلنَّفَسِ مِنَ الِانْتِقَامِ مِمَّنْ يَكِيدُهَا وَيُرِيدُهَا بِسُوءٍ، وَقَدْ كَانَ مِنْ طَبْعِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ آيٌ مِنَ الْقُرْآنِ حِمًى وَحِدَّةٌ، وَقَدْ قَصَّ عَلَيْنَا الْكِتَابُ مَا كَانَ مِنْ وَكْزِهِ الْقِبْطِيِّ الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ عِنْدَ غَضَبِهِ مِنْ إِلْقَائِهِ الْأَلْوَاحَ، وَأَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَضِبَ اشْتَعَلَتْ قَلَنْسُوَتُهُ نَارًا، وَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ الدِّينِ بِحِفْظِ النَّفْسِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَالضَّيْمِ عَنْهَا، وَمَنْ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم مَا سَنَّهُ فِيمَنِ اطَّلَعَ عَلَى مَحْرَمِ قَوْمٍ مِنْ عُقُوبَتِهِ فِي عَيْنِهِ، فَقَالَ:«مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَأُوا عَيْنَهُ» . وَلَمَّا نَظَرَ نَبِيُّ اللَّهِ
⦗ص: 452⦘
مُوسَى عليه السلام إِلَى صُورَةٍ بَشَرِيَّةٍ هَجَمَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ تُرِيدُ نَفْسَهُ، وَتَقْصُدُ هَلَاكَهُ، وَهُوَ لَا يُثْبِتُهُ مَعْرِفَةً، وَلَا يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فِيمَا يُرَاوِدُهُ مِنْهُ، عَمَدَ إِلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِيَدِهِ وَبَطْشِهِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ ذَهَابُ عَيْنِهِ. وَقَدِ امْتُحِنَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صُلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِدُخُولِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ، كَدُخُولِ الْمَلَكَيْنِ عَلَى دَاوُدَ عليه السلام فِي صُورَةِ الْخَصْمَيْنِ، لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل مِنْ تَقْرِيعِهِ إِيَّاهُ بِذَنْبِهِ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى مَا لَمْ يَرْضَهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَكُدُخُولِهِمْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام حِينَ أَرَادُوا إِهْلَاكَ قَوْمِ لُوطٍ عليه السلام، فَقَالَ: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، وَقَالَ: فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وَكَانَ نَبِيُّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِالْوَحْيِ يَأْتِيهِ الْمَلَكُ فَيَلْتَبِسُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَلَمَّا جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فِي صُورَةِ رَجُلٍ فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ لَمْ يَتَبَيَّنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ تَبَيَّنَ أَمَرَهُ فَقَالَ:«هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ» . وَكَذَلِكَ كَانَ أَمَرُ مُوسَى عليه السلام فِيمَا جَرَى مِنْ مُنَاوَشَتِهِ مَلَكَ الْمَوْتِ وَهُوَ يَرَاهُ بَشَرًا، فَلَمَّا عَادَ الْمَلَكُ إِلَى رَبِّهِ عز وجل مُسْتَثْبِتًا أَمْرَهُ فِيمَا جَرَى عَلَيْهِ، رَدَّ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَأَعَادَهُ رَسُولًا إِلَيْهِ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ، لِيَعْلَمَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِذَا رَأَى صِحَّةَ عَيْنِهِ الْمَفْقُوءَةِ، وَعَوْدِ بَصَرِهِ الذَّاهِبِ، أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَهُ لَقَبْضِ رُوحِهِ، فَاسْتَسْلَمَ حِينَئِذٍ لَأَمْرِهِ وَطَابَ نَفْسًا بِقَضَائِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ رِفْقٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل بِهِ، وَلُطْفٌ بِهِ فِي تَسْهِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ لِقَائِهِ، وَالِانْقِيَادِ لِمَوْرِدِ قَضَائِهِ. قَالَ: وَمَا أَشْبَهَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ» بِتَرْدِيدِ رَسُولِهِ مَلَكِ الْمَوْتِ إِلَى نَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فِيمَا كَرِهَهُ مِنْ نُزُولِ الْمَوْتِ بِهِ لُطْفًا مِنْهُ بِصَفِيِّهِ، وَعَطْفًا عَلَيْهِ. وَالتَّرَدُّدُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ يُقَرِّبُ بِهِ مَعْنَى مَا أَرَادَهُ إِلَى فَهْمِ السَّامِعِ، وَالْمُرَادُ بِهِ تَرْدِيدُ الْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِطِ مِنْ رَسُولٍ أَوْ شَيْءٍ غَيْرِهِ، كَمَا شَاءَ سُبْحَانَهُ، تَنَزَّهَ عَنْ
⦗ص: 453⦘
صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَعَالَى عَنْ نُعُوتِ الْمَرْبُوبِينَ، الَّذِينَ يَعْتَرِيهِمْ فِي أُمُورِهِمُ النَّدَمُ وَالْبَدَاءُ، وَتَخْتَلِفُ بِهِمُ الْعَزَائِمُ وَالْآرَاءُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105] قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105]، وَقَوْلُهُ:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18]، وَقَوْلُهُ:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58]، وَقَوْلُهُ:{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: 133] .
1034 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، ح. قَالَ: ونا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، نا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا ابْنُ عُلَيَّةَ، نا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، يُحَدِّثُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ أَوِ الصَّلَوَاتِ، يَقُولُ:«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، أَهْلَ النِّعْمَةِ وَالْفَضْلِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ
1035 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَإِنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ» . قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضَلٍ» . وَعَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ
1036 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْشٍ الْوَرَّاقُ، نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ كُلَّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رَحْمَتِهِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنِ النَّارَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ
1037 -
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، إِمْلَاءً، أنا أَبُو سَعِيدٍ
⦗ص: 456⦘
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، نا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل ذِكْرُهُ خَلَقَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، مِنْهَا رَحْمَةٌ يَتَرَاحَمُ بِهَا الْخَلْقُ، وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، وَرَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، وَزَادَ فِيهِ:«فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كَمَّلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ»
1038 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، ثنا أَبُو الرَّبِيعِ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ مِائَةَ رَحْمَةٍ فَوَضَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَاحِدَةً وَخَبَّأَ عِنْدَهُ مِائَةً إِلَّا وَاحِدَةً»
وَبِإِسْنَادِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ فِي جَنَّتِهِ أَبَدًا، وَلَوْ يَعْلَمِ الْكَافِرُ مَا عِنَدَ الْلَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَبَدًا» . أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ. وَأَخْرَجَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ الرَّحْمَةَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْعَمَلِ إِذَا رُدَّتْ إِلَى النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى عِبَادِهِ وَأَعَدَّهَا لَهُمْ، فَأَمَّا إِذَا رُدَّتْ إِلَى إِرَادَةِ الْإِنْعَامِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رحمه الله، قَالَ: إِرَادَةُ الْبَارِي إِذَا تَعَلَّقَتْ بِالْإِنْعَامِ فَهِيَ
⦗ص: 457⦘
رَحْمَةٌ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْحَمُ فِي الشَّاهِدِ مَنْ لَا يُنْعِمُ
1039 -
قَالَ الشَّيْخُ: وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَدُلُّ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا مِنَ السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِوَلَدِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ. فَإِثْبَاتِ الرَّحْمَةِ قَبْلَ وُجُودِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُرِيدٌ لِصَرْفِ النَّارِ عَمَّنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ قَبْلَ الْقِيَامَةِ، وَقَبْلَ تَبْرِيزِ الْجَحِيمِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى تِلْكَ النِّعْمَةُ رَحْمَةً عَلَى أَنَّهَا مُوجَبُ الرَّحْمَةِ وَمُقْتَضَاهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا مَضَى مِنَ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وَقَوْلُهُ:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وَقَوْلُهُ:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4]، وَقَوْلُهُ:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]، وَقَوْلُهُ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18]، وَقَوْلُهُ:{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: 46] .
1040 -
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نا مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا قَالَ لِجِبْرِيلَ عليه السلام: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيَقُولُ جِبْرِيلُ عليه السلام لِأَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ رَبَّكُمْ عز وجل يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ فَمِثْلُ ذَلِكَ ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ عَنْ سُهَيْلٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
⦗ص: 459⦘
َ
1041 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى مَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ: «سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ، فَإِذَا أَحَبَّهُ اللَّهُ حَبَّبَهُ إِلَى عِبَادِهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ أَبْغَضَهُ اللَّهُ، فَإِذَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ بَغَّضَهُ إِلَى عِبَادِهِ»
1042 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ:«لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» . فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. أَخْرِجَاهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1043 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَدِيبُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، أنا أَبُو خَيْثَمَةَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، نا عُمَارَةُ
⦗ص: 460⦘
يَعْنِي ابْنَ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ
1044 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْحِيرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي قَالُوا: نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ، نا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ عَمِيلَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَا مِنَ الْكَلَامِ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، هُنَّ أَرْبَعٌ فَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَا يَضُرُّكُ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ، وَلَا تُسَمِّ عَبْدَكَ رَبَاحًا وَلَا أَفْلَحَ وَلَا نَجِيحًا وَلَا يَسَارًا ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامٍ
1045 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ بِبَغْدَادَ، أنا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، نا أَبُو الْأَشْعَثِ، نا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، نا غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيَ الْوَفْدَ وَذَكَرَ أَبَا نَضْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ عز وجل وَرَسُولُهُ، الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ
1046 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتَبَّانِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ يَوْمًا فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: يُبْكِينِي حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْيَسِيرُ مِنَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ، وَمَنْ عَادَى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ» . هَكَذَا رَوَاهُ اللَّيْثُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَيَّاشٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَخْرَجْنَاهُ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ
1047 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، نا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» . قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ. قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنِ الْمُؤْمِنُ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ يُبَشَّرُ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَاتِهِ، فَإِذَا بُشِّرَ بِذَلِكَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَإِذَا بُشِّرَ بِذَلِكَ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ هُدْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَمْرٌو عَنْ شُعْبَةَ
1048 -
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، نا أَبُو دَاوُدَ، ح. وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نا يُوسُفُ بْنُ
⦗ص: 464⦘
يَعْقُوبَ، نا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَا: نا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» . وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:
1049 -
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، نا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَالْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ» . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:«أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
1050 -
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، نا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، نا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، تَرْوِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ
⦗ص: 465⦘
حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ» . وَقَالَ:«أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ خُلُقٌ حَسَنٌ، وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ»
1051 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، نا حَجَّاجٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
1052 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ بِطُوسَ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ بِوَاسِطَ، نا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي الْأَنْصَارِ:«لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ؛ مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» . أَخْرِجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ
1053 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، نا عَفَّانُ، نا أَبَانُ، نا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ
⦗ص: 468⦘
الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ، وَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ، أَوْ قَالَ اخْتِيَالُهُ عِنْدَ صَدَقَتِهِ، وَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ فِي الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ» .
⦗ص: 469⦘
قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه: الْمَحَبَّةُ وَالْبُغْضُ وَالْكَرَاهِيَةُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، فَالْمَحَبَّةِ عِنْدَهُ بِمَعْنَى الْمَدْحِ لَهُ بِإِكْرَامِ مُكْتَسِبِهِ، وَالْبُغْضُ وَالْكَرَاهِيَةُ بِمَعْنَى الذَّمِّ لَهُ بِإِهَانَةِ مُكْتَسِبِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ بِالْقَوْلِ، فَقَوْلُهُ كَلَامُهُ، وَكَلَامُهُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَهُمَا عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ يَرْجِعَانِ إِلَى الْإِرَادَةِ، فَمَحَبَّةُ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ تَرْجِعُ إِلَى إِرَادَتِهِ
⦗ص: 470⦘
إِكْرَامَهُمْ وَتَوْفِيقَهُمْ، وَبَغْضَهُ غَيْرَهُمْ، أَوْ مِنْ ذَمِّ فِعْلِهِ يَرْجِعُ إِلَى إِرَادَتِهِ إِهَانَتَهُمْ وَخُذْلَانَهُمْ، وَمَحَبَّتِهِ الْخِصَالَ الْمَحْمُودَةَ يَرْجِعُ إِلَى إِرَادَتِهِ إِكْرَامَ مُكْتَسِبِهَا، وَبَغْضِهِ الْخِصَالَ الْمَذْمُومَةَ يَرْجِعُ إِلَى إِرَادَتِهِ إِهَانَةَ مُكْتَسِبَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ: جِمَاعُ أَبْوَابِ إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْفِعْلِ
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا} [المائدة: 119]، وَقَوْلُهُ:{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 80] .
1054 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، أنا أَبُو الْمُوَجِّهِ، أنا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ عز وجل: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبُّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَسَدٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ الْمُبَارَك
⦗ص: 472⦘
ِ
1055 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدُوسٍ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ خَالَهُ، وَكَانَ اسْمُهُ حَرَامًا أَخَا أُمِّ سُلَيْمٍ ـ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا، فَقُتِلُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ إِسْحَاقُ: فَحَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: أُنْزِلَ عَلَيْنَا ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ، إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ
1056 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ أَبِيهِ،
⦗ص: 473⦘
عَنْ شَيْخٍ، يُقَالُ لَهُ طَارِقٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الرُّوَاسِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارْضَ عَنِّي. فَأَعْرَضَ عَنِّي ثَلَاثًا، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الرَّبَّ لَيُتَرَضَّى فَيَرْضَى، فَارْضَ عَنِّي، فَرَضِيَ عَنِّي
1057 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أنا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا، يَرْضَى أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، وَأَنْ تَنَاصِحُوا مِنْ وَلِيِّ أَمْرِكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ
⦗ص: 474⦘
السُّؤَالِ ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:«وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا» .
1058 -
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أنا سُهَيْلٌ، فَذَكَرَهُ
1059 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أنا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ:«مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ النَّاسَ، وَمَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ» . هَذَا مَوْقُوفٌ.
⦗ص: 477⦘
1060 -
وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، نا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، نا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ. قَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ:«فِي كِتَابِي هَذَا فِي مَوْضِعَيْنِ مَوْضِعٍ مَوْقُوفٍ وَمَوْضِعٍ مَرْفُوعٍ، إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ» . قَالَ الشَّيْخُ: الرِّضَا وَالسُّخْطُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَهُمَا
⦗ص: 478⦘
عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ يَرْجِعَانِ إِلَى الْإِرَادَةِ، فَالرِّضَا: إِرَادَتُهُ إِكْرَامَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِثَابَتَهُمْ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالسُّخْطُ إِرَادَتُهُ تَعْذِيبَ الْكُفَّارِ وَعُقُوبَتَهُمْ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِرَادَتُهُ تَعْذِيبَ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا شَاءَ