المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما ذكر في الأصابع - الأسماء والصفات - البيهقي - جـ ٢

[أبو بكر البيهقي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الذَّاتِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصَابِعِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي السَّاعِدِ وَالذِّرَاعِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْقَدَمِ وَالرِّجْلِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الرُّوحِ وَقَوْلِهِ عز وجل: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ، وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَقَوْلِهِ فَنَفَخْنَا فِيهِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الرَّحِمِ أَنَّهَا قَامَتْ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْإِظْلَالِ بِظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ

- ‌بَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّقَرُّبِ وَالْإِتْيَانِ وَالْهَرْوَلَةِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْوَطْأَةِ بِوَجٍّ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّفَسِ وَتَقَذُّرِ النَّفْسِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى قِبَلَ وَجْهِ الْمُصَلِّي، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الضَّحِكِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَجَبِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفَرَحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغَيْرَةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَلَالِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاسْتِحْيَاءِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مِثْلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّرَدُّدِ

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ

الفصل: ‌باب ما ذكر في الأصابع

‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصَابِعِ

ص: 164

730 -

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، نا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَبَلَغَكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَحْمِلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ؟ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ، ثَنَاؤُهُ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.

731 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحَ بْنَ هَانِئٍ، وَأَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالُوا: نا

⦗ص: 165⦘

السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، نا أَبِي، نا الْأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ، يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، لَمْ يَقُلْ: أَبَلَغَكَ؟ زَادَ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ: ثُمَّ قَالَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ جَمِيعًا، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ. وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ، وَزَادَ فِيهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ: تَصْدِيقًا لَهُ: تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ.

732 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولَ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَعَلَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَذَكَرَهُ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ: وَالْخَلَائِقُ عَلَى إِصْبَعٍ وَلَكِنْ فِي حَدِيثِهِ: وَالْجِبَالُ عَلَى إِصْبَعٍ، وَزَادَ مَا ذَكَرْنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ

ص: 164

733 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيْدَةَ السَّلْمَانِيَّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ـ أَوْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ـ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَالَ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ آدَمَ عَنْ شَيْبَانَ.

734 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، نا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، نا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا

⦗ص: 167⦘

عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: يَضَعُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَقَالَ تَعَجُّبًا لَهُ: تَصْدِيقًا لَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ وَسُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَقُلْ: تَصْدِيقًا لَهُ

ص: 166

735 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ رحمه الله، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، نا أَبُو الْأَزْهَرِ السَّلِيطِيِّ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْغَنَوِيُّ، نا أَسْبَاطُ بْنُ

⦗ص: 168⦘

نَصْرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«حَدِّثْنَا» . قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَعَلَ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْمَاءَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَجَمِيعَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِمَا قَالَ. ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] إِلَى قَوْلِهِ: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67] قَرَأَهَا كُلَّهَا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْحُنَيْنِ الْكُوفِيِّ عَنِ الْغَنَوِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه: أَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَغِلُوا بِتَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ، وَإِنَّمَا فَهِمُوا مِنْهُ وَمِنْ أَمْثَالِهِ مَا سَيقَ لِأَجْلِهِ مِنْ إِظْهَارِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِظَمِ شَأْنِهِ، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي تَأْوِيلِهِ بِمَا يَحْتَمِلُهُ؛ فَذَهَبَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِكِتَابٍ نَاطِقٍ أَوْ خَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِصَحَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِيمَا يَثْبُتُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْمُسْتَنِدَةِ إِلَى أَصْلٍ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا أَوْ بِمُوَافَقَةِ مَعَانِيهَا، وَمِمَّا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَالتَّوَقُّفُ عَنْ إِطْلَاقِ الِاسْمِ بِهِ هُوَ الْوَاجِبُ، وَيُتَأَوَّلُ حِينَئِذٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِمَعَانِي الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ فِيهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي نَبْنِي عَلَيْهِ الْكَلَامَ

⦗ص: 169⦘

وَنَعْتَمِدُهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَذِكْرُ الْأَصَابِعِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ وَلَا مِنَ السُّنَّةِ الَّتِي شَرْطُهَا فِي الثُّبُوتِ مَا وَصَفْنَاهُ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْيَدِ فِي الصِّفَاتِ، بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ بِثُبُوتِهَا ثُبُوتُ الْأَصَابِعَ، بَلْ هُوَ تَوْقِيفٌ شَرْعِيُّ، أَطْلَقْنَا الِاسْمَ فِيهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهَ الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ فَخَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوْ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهَا، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ، فَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ قَوْلُهُ:«تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ» . قَالَ الشَّيْخُ: قَدْ رُوِّينَا مُتَابَعَةَ عَلْقَمَةَ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَالْيَهُودُ مُشَبِّهَةٌ، وَفِيمَا يَدَّعُونَهُ مَنَزَّلًا فِي التَّوْرَاةِ أَلْفَاظٌ تَدْخُلُ فِي بَابِ التَّشْبِيهِ، لَيْسَ الْقَوْلُ بِهَا مِنْ مَذَاهِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ» . وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى الْخَلْقِ بِأَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ مَعَ هَذَا الْحَبْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ فِيهِ بِحَرْفٍ تَصْدِيقًا لَهُ أَوْ تَكْذِيبًا، إِنَّمَا ظَهْرَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الضَّحِكُ الْمُخَيِّلُ لِلرِّضَا مَرَّةً، وَالتَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ أُخْرَى، ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ، وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ مَعًا؛ وَلَيْسَ فِيهَا لِلْأَصَابِعِ ذِكْرٌ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الرُّوَاةِ:«تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ» . ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ، وَالْأَمْرُ فِيهِ ضَعِيفٌ، إِذْ كَانَ لَا تُمَحَّضُ شَهَادَتُهُ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَرُبَّمَا اسْتَدَلَّ الْمُسْتَدِلُّ بِحُمْرَةِ اللَّوْنِ عَلَى الْخَجَلِ، وَبِصُفْرَتِهِ عَلَى الْوَجَلِ، وَذَلِكَ غَالِبٌ

⦗ص: 170⦘

مَجْرَى الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنِ ارْتِيَابٍ وَشَكٍّ فِي صَدْقِ الشَّهَادَةِ مِنْهُمَا بِذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْحُمْرَةُ لِهَيَاجِ دَمٍ وَزِيَادَةِ مِقْدَارٍ لَهُ فِي الْبَدَنِ، وَأَنْ تَكُونَ الصُّفْرَةُ لِهَيَاجِ مَوَادٍّ وَثَوَرَانِ خَلْطٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَالِاسْتِدْلَالِ بِالتَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْجَسِيمِ قَدْرُهُ، الْجَلِيلِ خَطَرُهُ غَيْرُ سَائِغٍ مَعَ تَكَافُؤِ وَجْهَيِ الدَّلَالَةِ الْمُتَعَارِضَيْنِ فِيهِ، وَلَوْ صَحَّ الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ كَانَ ظَاهَرَ اللَّفْظِ مِنْهُ مُتَأَوَّلًا عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْمَجَازِ أَوْ ضَرْبٍ مِنَ التَّمْثِيلِ، قَدْ جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْكَلَامِ بَيْنَ النَّاسِ فِي عُرْفِ تَخَاطُبِهِمْ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عز وجل:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] أَيْ قَدَّرْتُهُ عَلَى طَيِّهَا، وَسُهُولَةُ الْأَمْرِ فِي جَمْعِهَا، وَقِلَّةُ اعْتِيَاصِهَا عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَمَعَ شَيْئًا فِي كَفِّهِ فَاسْتَخَفَّ حِمْلَهُ فَلَمْ يَشْتَمِلْ بِجَمِيعِ كَفِّهِ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يُقِلُّهُ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، فَقَدْ يَقُولُ الْإِنْسَانُ فِي الْأَمْرِ الشَّاقِ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الرَّجُلِ الْقَوِيِّ الْمُسْتَقِلُّ بِعِبْئِهِ: إِنَّهُ لَيَأْتِي عَلَيْهِ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِخِنْصَرِهِ، أَوْ أَنَّهُ يَكْفِيهِ بِصُغْرَى أَصَابِعِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الِاسْتِظْهَارُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِهَانَةُ بِهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

[البحر السريع]

الرُّمْحُ لَا أَمْلَأُ كَفِّي بِهِ

وَاللِّبْدُ لَا أَتْبَعُ تَزْوَالَهُ

يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ أَنْ يَجْمَعَ كَفَّهُ فَيَشْتَمِلُ بِهَا كُلِّهَا عَلَى الرُّمْحِ لَكِنْ يَطْعُنُ بِهِ خِلْسًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: " وَيُؤَكِّدُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

ص: 167

736 -

يَعْنِي مَا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، نا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، نا ابْنُ عُفَيْرٍ، نا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي

⦗ص: 171⦘

هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ رحمه الله: " فَهَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَفْظُهُ جَاءَ عَلَى وِفَاقِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ عز وجل: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَصَابِعِ، وَتَقْسِيمُ الْخَلِيقَةِ عَلَى أَعْدَادِهَا، فَدُلَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَخْلِيطِ الْيَهُودِ وَتَحْرِيفِهِمْ، وَأَنَّ ضَحِكَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ عَلَى مَعْنَى التَّعَجُّبِ مِنْهُ وَالنَّكِيرُ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ "

ص: 170

737 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَا: نا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، نا الْحَسَنُ يَعْنِي ابْنَ عَطِيَّةَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَصَفُوا الرَّبَّ عز وجل فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] ثُمَّ بَيَّنَ لِلنَّاسِ عَظَمَتَهُ، فَقَالَ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

⦗ص: 172⦘

وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67] فَجَعَلَ وَصْفَهُمْ ذَلِكَ شِرْكًا. هَذَا الْأَثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ صَحَّ يُؤَكِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ رحمه الله. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ رحمه الله: إِنَّا لَا نُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَا نُبْطِلُهُ لِصِحَّةِ سَنَدِهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى إِصْبَعِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيُحْتَمَلَ أَنَّهُ أَرَادَ إِصْبَعًا مِنْ أَصَابِعِ خَلْقِهِ قَالَ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَجْعَلَ لِلَّهِ إِصْبَعًا

ص: 171

738 -

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ، قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَأْخُذُ اللَّهُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَاضِيهِ بِيَدَيْهِ فَيَقُولُ أَنَا اللَّهُ، وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا، أَنَا الْمَلِكُ» . حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ .

⦗ص: 173⦘

739 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدِهِ» قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ. فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا هَكَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا، ثُمَّ تَأْوِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 172

740 -

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، نا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ الْعَدْلُ، نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، نا حَيْوَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ، إِنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ، إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهَا حَيْثُ يَشَاءُ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ اصْرِفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ

ص: 173

741 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، أنا الْعَبَّاسُ بْنُ

⦗ص: 174⦘

الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ، وَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» . فَقَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي حَاتِمٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبِ رحمه الله فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ قِيلَ: مَعْنَاهُ تَحْتَ قَدْرَتِهِ وَمُلْكِهِ، وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْقُلُوبَ مَحِلًّا لِلْخَوَاطِرِ وَالْإِيرَادَاتِ وَالْعُزُومِ وَالنِّيَّاتِ، وَهِيَ مُقَدِّمَاتُ الْأَفْعَالِ، ثُمَّ جَعَلَ سَائِرَ الْجَوَارِحِ تَابَعَةٌ لَهَا فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، وَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالُنُا مَقْدُورَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ دُونَ إِرَادَتِهِ، وَمَثَّلَ لِأَصْحَابِهِ قُدْرَتَهُ الْقَدِيمَةَ بِأَوْضَحِ مَا يَعْقِلُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَكُونُ أَقْدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَيْنَ نِعْمَتَيِ النَّفْعِ وَالدَّفْعِ، أَوْ بَيْنَ أَثَرَيْهِ فِي الْفَضْلِ وَالْعَدْلِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِيَ بَعْضِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ:«إِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ» . وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي» . وَإِنَّمَا ثَنَّى لَفْظَ الْإِصْبَعَيْنِ وَالْقُدْرَةُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ لَفْظِ الْمَثَلِ. وَزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي تَأْكِيدِ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِمْ: مَا فُلَانٌ إِلَّا فِي يَدِي، وَمَا فُلَانٌ إِلَّا فِي كَفِّي، وَمَا فُلَانٌ إِلَّا فِي خِنْصَرِي، يُرِيدُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، لَا أَنَّ خِنْصَرَهُ يَحْوِي فُلَانًا، وَكَيْفَ يَحْوِيهِ وَهِيَ بَعْضٌ مِنْ جَسَدِهِ؟ وَقَدْ يَكُونُ فُلَانٌ أَشَدَّ بَطْشًا وَأَعْظَمَ مِنْهُ جِسْمًا

ص: 173