المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب بدء الخلق قال الله عز وجل: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} [ - الأسماء والصفات - البيهقي - جـ ٢

[أبو بكر البيهقي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الذَّاتِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصَابِعِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي السَّاعِدِ وَالذِّرَاعِ

- ‌بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْقَدَمِ وَالرِّجْلِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الرُّوحِ وَقَوْلِهِ عز وجل: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ، وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَقَوْلِهِ فَنَفَخْنَا فِيهِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الرَّحِمِ أَنَّهَا قَامَتْ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْإِظْلَالِ بِظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ

- ‌بَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّقَرُّبِ وَالْإِتْيَانِ وَالْهَرْوَلَةِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْوَطْأَةِ بِوَجٍّ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّفَسِ وَتَقَذُّرِ النَّفْسِ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى قِبَلَ وَجْهِ الْمُصَلِّي، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الضَّحِكِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَجَبِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفَرَحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغَيْرَةِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَلَالِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاسْتِحْيَاءِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مِثْلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّرَدُّدِ

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ

الفصل: ‌باب بدء الخلق قال الله عز وجل: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} [

‌بَابُ بَدْءِ الْخَلْقِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [

الروم: 27] .

ص: 233

798 -

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، ثنا فَتْحُ بْنُ نُوحٍ أَبُو نَصْرٍ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْفَقِيهُ إِمْلَاءً، ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، ثنا حَيْوَةُ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَا: ثنا أَبُو هَانِئٍ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رضي الله عنهما، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنِ الْمُقْرِئِ عَنْ حَيْوَةَ وَحْدَهُ

ص: 233

799 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخَوَّاصُ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّجِيبِيُّ بِمِصْرَ ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَا: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا اللَّيْثُ، وَنَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَا: ثنا أَبُو هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَرَغَ اللَّهُ عز وجل مِنَ الْمَقَادِيرِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ. وَقَوْلُهُ: «فَرَغَ» : أَيْ يُرِيدُ بِهِ إِتْمَامَ خَلْقِ الْمَقَادِيرِ، لَا أَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِهِ فَفَرَغَ مِنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّمَا أَمَرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي هَانِئٍ، فَقَالَ: كَتَبَ وَزَادَ أَيْضًا مَا زَادَ مِنْ قَوْلِهِ: «وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»

ص: 234

800 -

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، أنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رضي الله عنه قَالَ:

⦗ص: 235⦘

أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ ثُمَّ دَخَلْتُ، فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ:«اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَجَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنٍ فَقَالَ:«اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلُهَا إِخْوَانُكُمْ بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ كَيْفَ كَانَ؟ قَالَ:«كَانَ اللَّهُ عز وجل، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ كَتَبَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» . قَالَ: ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ. فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُهَا يَنْقَطِعُ دُونَهَا السَّرَابُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ. وَقَوْلُهُ:«كَانَ اللَّهُ عز وجل وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ لَا الْمَاءِ وَلَا الْعَرْشِ وَلَا غَيْرِهُمَا، فَجَمِيعُ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ:«كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» . يَعْنِي: ثُمَّ خَلَقَ الْمَاءَ وَخَلَقَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ كَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو رضي الله عنهما، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ

ص: 234

801 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ يَعْنِي الْعُقَيْلِيَّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ أَنْ يُسْأَلَ، فَإِذَا سَأَلَهُ أَبُو رَزِينٍ أَعْجَبَهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ

⦗ص: 236⦘

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ» . هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ عُدُسٍ، وَلَا نَعْلَمُ لِوَكِيعِ بْنُ عُدُسٍ هَذَا رَاوِيًا غَيْرَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، وَوَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي. «فِي عَمَاءٍ» . مُقَيْدًا بِالْمَدِّ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَمْدُودًا فَمَعْنَاهُ سَحَابٌ رَقِيقٌ. وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ «فِي عَمَاءٍ» . أَيْ: فَوْقَ سَحَابٍ مُدْبِرًا لَهُ وَعَالِيًا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] يَعْنِي: مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ. وَقَالَ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] يَعْنِي: عَلَى جُذُوعِهَا. وَقَوْلُهُ: «مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ» أَيْ مَا فَوْقَ السَّحَابِ هَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:«وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ» أَيْ: مَا تَحْتَ السَّحَابِ هَوَاءٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَمَا مَقْصُورًا، وَالْعَمَا إِذَا كَانَ مَقْصُورًا، فَمَعْنَاهُ: لَا شَيْءَ ثَابِتٌ، لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْمَى عَلَى الْخَلْقِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ شَيْءٍ، وَكَأَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِهِ: كَانَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ. كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، ثُمَّ قَالَ «فَمَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ» . أَيْ: لَيْسَ فَوْقَ الْعَمَى الَّذِي لَا شَيْءَ مَوْجُودٌ هَوَاءٌ، وَلَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ غَيْرَ شَيْءٍ فَلَيْسَ يَثْبُتُ لَهُ هَوَاءٌ بِوَجْهٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ صَاحِبُ الْغَرِيبَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَاهُ أَيْنَ كَانَ عَرْشُ رَبِّنَا؟ فَحُذِفَ اخْتِصَارًا كَقَوْلِهِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ:«وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»

ص: 235

802 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ عز وجل:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] عَلَى أَيْ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ؟ قَالَ: عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ

ص: 237

803 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ

⦗ص: 238⦘

حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلْقَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقَلَمَ وَأَمَرَهُ، فَكَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ» . وَيُرْوَى ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه مَرْفُوعًا. وَإِنَّمَا أَرَادَ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلْقَهُ بَعْدَ خَلْقِ الْمَاءِ وَالرِّيحِ وَالْعَرْشِ الْقَلَمُ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رضي الله عنه:«ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» .

⦗ص: 239⦘

وَفِي حَدِيثِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَوْقُوفًا عَلَيْهِ: «ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ فَدَحَا الْأَرْضَ عَلَيْهَا»

ص: 237

804 -

أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُزَكِّي، أنا أَبُو الْفَضْلِ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عز وجل مِنْ شَيْءٍ الْقَلَمُ، فَقَالَ: اكْتُبْ. فَقَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ. فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. قَالَ: ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ فَدَحَا الْأَرْضَ عَلَيْهَا فَارْتَفَعَ بُخَارُ الْمَاءِ فَفَتَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ، وَاضْطَرَبَ النُّونُ فَمَادَتِ الْأَرْضُ فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، وَإِنَّ الْجِبَالَ لَتَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

ص: 239

805 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا الصَّاغَانِيُّ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، أنا أَبُو هِلَالٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ، ثنا حَيَّانُ الْأَعْرَجُ، قَالَ: كَتَبَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ إِلَى جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ يَسْأَلُهُ عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، قَالَ: الْعَرْشُ وَالْمَاءُ وَالْقَلَمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ بَدَأَ قَبْلُ

ص: 242

806 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: بَدْءُ الْخَلْقِ الْعَرْشُ

⦗ص: 243⦘

وَالْمَاءُ وَالْهَوَاءُ، وَخُلِقَتِ الْأَرْضُونَ مِنَ الْمَاءِ. وَقَالَ: بَدَأَ الْخَلْقَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبَعَاءِ وَالْخَمِيسِ، وَجَمَعَ الْخَلْقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَهَوَّدَتِ الْيَهُودُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَيَوْمٌ مِنَ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ

ص: 242

807 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّفَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ، ثنا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ عز وجل:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29]، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا قَبْلَ الْمَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ، فَسَمَا عَلَيْهِ فَسَمَّاهُ سَمَاءً، ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَةً، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِينَ فِي يَوْمَيْنِ: فِي الْأَحَدِ وَالْإِثْنَيْنِ، فَخَلَقَ الْأَرْضَ عَلَى الْحُوتِ وَالْحُوتُ هُوَ النُّونُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ يَقُولُ:{ن وَالْقَلَمِ} [القلم: 1] وَالْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالْمَاءُ عَلَى صَفَاةٍ، وَالصَّفَاةُ عَلَى ظَهْرِ مَلَكٍ، وَالْمَلَكُ عَلَى الصَّخْرَةِ، وَالصَّخْرَةُ فِي الرِّيحِ وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا لُقْمَانُ لَيْسَتْ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، فَتَحَرَّكَ الْحُوتُ فَاضْطَرَبَ فَتَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ فَأَرْسَلَ عَلَيْهَا الْجِبَالَ فَقَرَّتْ،

⦗ص: 244⦘

فَالْجِبَالُ تَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا، وَأَقْوَاتُ أَهْلِهَا وَشَجَرِهَا وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمَيْنِ فِي الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ:{أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} [فصلت: 10] يَقُولُ: أَنْبَتَ شَجَرَهَا {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10] يَقُولُ: أَقْوَاتُهَا لِأَهْلِهَا {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10] يَقُولُ: مَنْ سَأَلَ فَهَكَذَا الْأَمْرُ {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] وَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَانُ مِنْ تَنَفُّسِ الْمَاءِ حِينَ تَنَفَّسَ فَجَعَلَهَا سَمَاءً وَاحِدَةً، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ:{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمَرَهَا} [فصلت: 12]، قَالَ: خَلَقَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ خَلْقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْخَلْقُ الَّذِي فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ وَجِبَالِ الْبَرِّ، وَمَا لَا يُعْلَمُ، ثُمَّ زَيَّنَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِالْكَوَاكِبِ، فَجَعَلَهَا زِينَةً وَحِفْظًا يَحْفَظُ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] يَقُولُ: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30] ". وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فِي بَابِ الرُّوحِ

ص: 243

808 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي؛ فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ

ص: 244

809 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخُوَارِزْمِيُّ بِبَغْدَادَ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشِنْجِيُّ، ثنا أَبُو يَعْقُوبَ

⦗ص: 246⦘

يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالَ سَعِيدٌ: جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلِيَّ، فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي صَدْرِي. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَكْذِيبٌ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ بِتَكَذِيبٍ وَلَكِنِ اخْتِلَافٌ. قَالَ: فَهَلُمَّ مَا وَقَعَ فِي نَفْسِكَ. قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَسْمَعُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:{وَأَقْبَلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:{وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أُمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا، رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا، وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 28] فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلَقِ الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكْ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 9] فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَقَوْلُهُ:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96] ،

⦗ص: 247⦘

{وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158]، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] وَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى، وَفِي رِوَايَةِ الْخُوَارِزْمِيِّ ثُمَّ تقَضَى. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هَاتِ مَا وَقَعَ فِي نَفْسِكَ مِنْ هَذَا. فَقَالَ السَّائِلُ: إِذَا أَنْتَ أَنْبَأْتَنِي بِهَذَا فَحَسْبِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] فَهَذِهِ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى، يُنْفَخُ فِي الصُّوَرِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ إِذَا كَانَ فِي النَّفْخَةِ الْأُخْرَى قَامُوا فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وَقَوْلُهُ: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَغْفِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ وَلَا يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، وَلَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ رَبَّنَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ، فَتَعَالَوْا نَقُولُ: إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ذُنُوبٍ وَلَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ. فَقَالَ الْلَّهُ تَعَالَى: أَمَا إِذْ كَتَمْتُمُ الشِّرْكَ فَاخْتِمُوا عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عَرَفَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] . وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أُمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 27] فَإِنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ فَدَحَاهَا، وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَشَقَّ فِيهَا الْأَنْهَارَ، وَجَعَلَ فِيهَا السُّبُلَ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالرِّمَالَ وَالْآكَامَ وَمَا فِيهَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30]، وَقَوْلُهُ: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ

⦗ص: 248⦘

وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 9] فَجُعِلَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَجُعِلَتِ السَّمَاوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158] ، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] فَإِنَّ اللَّهَ سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الْخُوَارِزْمِيِّ رحمه الله: وَلَمْ يَنْحَلْهُ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَكَانَ اللَّهُ} [النساء: 17] . أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما لِلرَّجُلِ: احْفَظْ عَنِّي مَا حَدَّثْتُكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ أَشْبَاهُ مَا حَدَّثْتُكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنْزِلْ شَيْئًا إِلَّا قَدْ أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، وَلَكِنَّ النَّاسَ لَا يَعْلَمُونَ فَلَا يَخْتَلِفَنَّ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ فَإِنَّ كَلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تبارك وتعالى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةَ، فَقَالَ: وَقَالَ الْمِنْهَالُ: فَذَكَرَهُ: ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: حَدَّثَنِيهِ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ. قُلْتُ: وَبَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] مَعْنَاهُ: وَالْأَرْضَ مَعَ ذَلِكَ دَحَاهَا

ص: 245

810 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْدَهَ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا أَحَدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عز وجل فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» . قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل ابْتَدَأَ الْخَلْقَ فَخَلَقَ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَيَوْمَ الِإثْنَيْنِ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الثَّلَاثِ وَيَوْمَ الْأَرْبَعَاءِ، وَخَلَقَ الْأَقْوَاتَ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ. تَابَعَهُ وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

ص: 249

811 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمَعْرُوفِ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ، أنا أَبُو مُسْلِمٍ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ اسْتَوَى فَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ، خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَيَوْمِ الِإثْنَيْنِ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَآخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ فِي عَجَلٍ، وَهِيَ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا السَّاعَةُ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تَفْزَعُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَالشَّيْطَانَ

ص: 250

812 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ الدُّورِيُّ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي، فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ

⦗ص: 251⦘

فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا مِنَ الدَّوَابِّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ» . هَذَا حَدِيثٌ قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ عَنْ سُرَيْجِ بْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ لِمُخَالَفَتِهِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَأَهْلُ التَّوَارِيخِ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ إِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ.

⦗ص: 255⦘

813 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو يَحْيَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ بِبُخَارَى، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه:«خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ» . فَقَالَ عَلِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مَدَنِيُّ؛ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي. قَالَ عَلِيُّ: وَشَبَّكَ بِيَدِي إِبْرَاهِيمُ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَقَالَ لِي: شَبَّكَ بِيَدِي أَيُّوبُ بْنُ خَالِدٍ وَقَالَ لِي: شَبَّكَ بِيَدِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ، وَقَالَ لِي شَبَّكَ بِيَدِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَقَالَ لِي: شَبَّكَ بِيَدِي أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لِي: «خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ السَّبْتِ» . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ

⦗ص: 256⦘

الْمَدِينِيِّ: وَمَا أَرَى إِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ أَخَذَ هَذَا إِلَّا مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى. قُلْتُ: وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبْذِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، إِلَّا أَنَّ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ ضَعِيفٌ، وَرُوِيَ عَنْ بَكْرِ بْنِ الشَّرُّودِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 250

814 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عِصْمَةَ، قَالَا: ثنا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما:{فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] قَالَ لِلسَّمَاءِ: أَخْرِجِي شَمْسَكِ وَقَمَرَكِ وَنُجُومَكِ، وَقَالَ لِلْأَرْضِ: شَقِّقِي أَنْهَارَكِ وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ.

⦗ص: 257⦘

فَقَالَتَا: أَتَيْنَا طَائِعِينَ

ص: 256

815 -

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، نا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خُلِقَ آدَمُ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ: مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ، وَالْأَسْوَدُ، وَالْأَبْيَضُ، وَالسَّهْلُ، وَالْحَزَنُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالْخَبِيثُ، وَالطِّيبُ ". وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَوْفٍ، فَزَادَ فِيهِ:«الْأَسْمَرُ» . وَقَوْلُهُ: «مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا» . يُرِيدُ بِهِ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِهِ بِأَمْرِهِ. وَقَدْ رَوِّينَا عَنِ السُّدِّيِّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ الَّذِيَ قَبَضَهَا مَلَكُ الْمَوْتِ عليه السلام بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى

ص: 257

816 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ

⦗ص: 258⦘

كُلِّهَا فَسُمِّيَ آدَمَ

ص: 257

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ فَنَسِيَ فَسُمِّيَ الْإِنْسَانَ، فَقَالَ عز وجل:{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]

ص: 258

817 -

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثنا إِسْحَاقُ الْحَرْبِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا فُضَيْلٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ فَسُمِّيَ آدَمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِنَ وَلَدِهِ الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ وَالطِّيبَ وَالْخَبِيثَ، ثُمَّ عَهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ فَسُمِّيَ الْإِنْسَانَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى أُهْبِطَ "

ص: 258

818 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو الْأَزْهَرِ، وَحَمْدَانُ السُّلَمِيُّ، قَالُوا: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

⦗ص: 259⦘

«خُلِقْتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ عليه السلام مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

ص: 258

819 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ فَيَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ أَجْوَفَ لَا يَتَمَالَكُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ

ص: 259

820 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّفَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، ثنا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام، وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ كَمَا مَضَى فِي بَابِ الرُّوحِ. قَالَ: وَأُسْكِنَ آدَمُ الْجَنَّةَ فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحْشِيًّا لَيْسَ لَهُ زَوْجٌ يَسْكُنُ إِلَيْهَا، فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ، وَإِذَا عِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ضِلْعِهِ، فَسَأَلَهَا: مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتِ: امْرَأَةٌ. قَالَ: وَلِمَ خُلِقْتِ؟ قَالَتْ: تَسْكُنُ إِلَيَّ.

⦗ص: 260⦘

قَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ ـ يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ عَلِمُهُ ـ: مَا اسْمُهَا يَا آدَمُ؟ قَالَ: حَوَّاءُ. قَالُوا: لَمَ سُمِّيَتْ حَوَّاءَ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} [البقرة: 35] . وَذَكَرَ الْقِصَّةَ

ص: 259

821 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْمُقْرِئُ بِوَاسِطَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَا: أنا إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ: اكْتُبْ رِزْقَهُ وَعَمَلَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيُّ أُمْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ

⦗ص: 261⦘

حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَهَا ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ

822 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، مِنْ أَصْلِهِ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالُوا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، ثنا قَبِيصَةُ، ثنا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. قَالَ عَمَّارٌ: فَقُلْتُ لِلْأَعْمَشِ: مَا يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي خَيْثَمَةُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: «إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي بَشَرَةِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفُرٍ وَشَعْرَةٍ ثُمَّ يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يُتْرَكُ دَمًا فِي الرَّحِمِ فَذَلِكَ جَمْعُهَا»

ص: 260

823 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا

⦗ص: 262⦘

يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ الْأَسْوَدِ، ثنا أُنَيْسُ بْنُ سَوَّارٍ الْجَرْمِيُّ، ثنا أَبِي، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، صَاحِبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا أَرَادَ خَلْقَ عَبْدٍ فَجَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ طَارَ مَاؤُهُ فِي كُلِّ عِرْقٍ وَعُضْوٍ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ جَمَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَحْضَرَهُ كُلَّ عِرْقٍ لَهُ دُونَ آدَمَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ»

ص: 261

824 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ

⦗ص: 263⦘

تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الْآيَةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ:" لِأَيِّ شَيْءٍ ضُمَّتْ هَذِهِ الْعَشَرَةُ الْأَيَّامُ إِلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ فِي الْعَشَرَةِ "

ص: 262

825 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، ثنا عُثْمَانُ

⦗ص: 264⦘

بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثنا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ»

ص: 263

826 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، أنا أَبُوَ حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] قَالَ: نُطْفَةُ الرَّجُلِ

ص: 264

827 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْجِنُّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفُ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ، وَصِنْفٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ ". قُلْتُ: وَآيَاتُ الْقُرْآنِ وَأَخْبَارُ الرَّسُولِ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَفْعَالِهِ كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا بَيَانُ مَا قَصَدْنَاهُ

ص: 264

828 -

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما

⦗ص: 265⦘

قَالَ: إِنَّ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى دُرَّةٌ بَيْضَاءُ دَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، قَلَمُهُ نُورٌ، وَكِتَابُهُ نُورٌ، يَنْظُرُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثُمَائَةٍ وَسِتِّينَ نَظْرَةً، بِكُلِّ نَظْرَةٍ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُحْيِي وَيُمِيتُ وَيَغُلُّ وَيَفُكُّ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تبارك وتعالى:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]

ص: 264

829 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، ثنا إِسْحَاقُ هُوَ الْحَنْظَلِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ

⦗ص: 266⦘

الْمَكِّيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما فَسَأَلَهُ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ. قَالَ الرَّجُلُ: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. ثُمَّ أَتَى الرَّجُلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما فَسَأَلَهُ، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: فَأَتَى الرَّجُلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ. قَالَ الرَّجُلُ: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ فَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا كَانَ لِيَأْتِيَ بِهَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: أَرَادَ أَنَّ مَصْدَرَ الْجَمِيعِ مِنْهُ أَيْ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِبْدَاعِهِ وَاخْتِرَاعِهِ، خَلَقَ الْمَاءَ أَوَّلًا أَوِ الْمَاءَ وَمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ لَا عَنْ أَصْلٍ وَلَا عَلَى مِثَالٍ سَبَقَ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَصْلًا لِمَا خَلَقَ بَعْدَهُ، فَهُوَ الْمُبْدِعُ وَهُوَ الْبَارِئُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا خَالِقَ سِوَاهُ

ص: 265

830 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينِ، ثنا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا مِنْ وَرَاءِ الْأَنْدُلُسِ كَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْأَنْدَلُسِ مَا يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل عَصَاهُ مَخْلُوقٌ، رَضْرَاضُهُمُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ، وَجِبَالُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، لَا يَحْرُثُونَ وَلَا يَزْرَعُونَ وَلَا يَعْمَلُونَ عَمَلًا، لَهُمْ شَجَرٌ عَلَى أَبْوَابِهِمْ لَهَا ثَمَرٌ هِيَ طَعَامُهُمْ، وَشَجَرٌ لَهَا أَوْرَاقٌ عِرَاضٌ هِيَ لِبَاسُهُمْ

ص: 267

831 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ، ثنا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامٍ النَّخَعِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] قَالَ: سَبْعَ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ نَبِيُّ كَنَبِيِّكُمْ، وَآدَمُ كَآدَمَ، وَنُوحٌ كَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمُ كَإِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى كَعِيسَى "

ص: 267

832 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ عز وجل:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] قَالَ: فِي كُلِّ أَرْضٍ نَحْوَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام. إِسْنَادُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما صَحِيحٌ، وَهُوَ شَاذُّ بِمُرَّةَ، لَا أَعْلَمُ لِأَبِي الضُّحَى عَلَيْهِ مُتَابِعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 268

833 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أنا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَسْأَلُ تَبِيعًا: هَلْ سَمِعْتَ كَعْبًا يَذْكُرُ السَّحَابَ

⦗ص: 269⦘

بِشَيْءٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: إِنَّ السَّحَابَ غِرْبَالٌ لِلْمَطَرِ، وَلَوْلَا السَّحَابُ لَأَفْسَدَ الْمَطَرُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ قَالَ: صَدَقْتَ، وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ. قَالَ: وَسَمِعْتُ كَعْبًا يَذْكُرُ أَنَّ الْأَرْضَ تُنْبِتُ الْعَامَ نَبْتًا وَقَابِلَ غَيْرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَسَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: إِنَّ الْبِذْرَ ـ يَعْنِي بِذْرَ الْحَشِيشِ ـ يَنْزِلُ مَعَ الْمَطَرِ فَيَخْرُجُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: صَدَقْتَ وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ

ص: 268

بَابُ مَا جَاءَ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {أُمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] مَا جَاءَ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {أُمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] .

ص: 270

834 -

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله فِي الْجَامِعِ الصَّحِيحِ: حدثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، حَدَّثُونِي عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ {وَالطُّورِ} [الطور: 1]، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 36] كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: زَادَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ، فَذَكَرَهُ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: " إِنَّمَا كَانَ انْزِعَاجُهُ عِنْدَ سَمَاعِ هَذِهِ الْآيَةِ لِحُسْنِ تَلَقِّيهِ مَعْنَى الْآيَةِ وَمَعرِفَتِهِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ بَلِيغِ الْحُجَّةِ، فَاسْتَدْرَكَهَا بِلَطِيفِ طَبْعِهِ، وَاسْتَشَفَّ مَعْنَاهَا بِذَكِيِّ فَهْمِهِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مُشْكِلَةٌ جِدًّا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: فَهِيَ أَصْعَبُ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: لَيْسَ هُمْ

⦗ص: 271⦘

بِأَشَدَّ خَلْقًا مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لِأَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ خُلِقَتَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَهُمْ خُلِقُوا مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ. قَالَ: وَقِيلَ فِيهَا قَوْلٌ آخَرُ: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ؟ أَمْ خُلِقُوا لِغَيْرِ شَيْءٍ؟ أَيْ خُلِقُوا بَاطِلًا لَا يُحَاسَبُونَ وَلَا يُؤْمَرُونَ وَلَا يُنْهَوْنَ ". قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانُ: وَهَهُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ هُوَ أَجْوَدُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ، وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِنَظْمِ الْكَلَامِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أُمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ خَلَقَهُمْ، فَوُجِدُوا بِلَا خَالِقٍ، وَذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْخَلْقِ بِالْخَالِقِ مِنْ ضَرُورَةِ الْأَمْرِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ، فَإِذْ قَدْ أَنْكَرُوا الْإِلَهَ الْخَالِقَ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوجَدُوا بِلَا خَالِقٍ خَلَقَهُمْ أَفْهُمُ الْخَالِقُونَ لِأَنْفُسِهِمْ؟ وَذَلِكَ فِي الْفَسَادِ أَكْثَرُ، وَفِي الْبَاطِلِ أَشَدُّ، لِأَنَّ مَا لَا وُجُودَ لَهُ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالْقُدْرَةِ، وَكَيْفَ يَخْلُقُ وَكَيْفَ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْفِعْلُ، وَإِذَا بَطَلَ الْوَجْهَانِ مَعًا قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ خَالِقًا فَلْيُؤْمِنُوا بِهِ إِذًا. ثُمَّ قَالَ:{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 36] أَيْ: إِنْ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَلْيَدَّعُوا خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَذَلِكَ شَيْءٌ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَدَّعُوهُ بِوَجْهٍ، فَهُمْ مُنْقَطِعُونَ، وَالْحُجَّةُ لَازِمَةٌ لَهُمْ مِنَ الْوَجْهَيْنِ مَعًا، ثُمَّ قَالَ:{بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 36] فَذَكَرَ الْعِلَّةَ الَّتِي عَاقَتْهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، وَهِيَ عَدَمُ الْيَقِينِ الَّذِي هُوَ مَوْهِبَةٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل فَلَا يُنَالُ إِلَّا بِتَوفِيقِهِ، وَلِهَذَا كَانَ انْزِعَاجُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه حَتَّى قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا بَابٌ لَا يَفْهَمُهُ إِلَّا أَرْبَابُ الْقُلُوبِ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما تَفْسِيرَ هَذِهِ السُّورَةِ وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {أُمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} [الطور: 35] مِنْ غَيْرِ رَبٍّ، {أُمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] . يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ

ص: 270

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا:{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15]، وَقَالَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ:{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75]، وَقَالَ تَعَالَى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: 7] الْآيَةُ. وَقَالَ تبارك وتعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] وَأَقَاوِيلُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ هُوَ السَّرِيرُ، وَأَنَّهُ جِسْمٌ مُجَسَّمٌ، خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ مَلَائِكَتَهُ بِحَمْلِهِ وَتَعَبَّدَهُمْ بِتَعْظِيمِهِ وَالطَّوَافِ بِهِ، كَمَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ بَيْتًا وَأَمَرَ بَنِي آدَمَ بِالطَّوَافِ بِهِ وَاسْتِقْبَالِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْآيَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَفِي الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَاهُ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ. وَقَالَ تبارك وتعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] . وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: عِلْمُهُ. وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكُرْسِيُّ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْعَرْشِ

ص: 272

835 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أنا أَبُو بَكْرٍ

⦗ص: 273⦘

أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ الْفَقِيهُ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، ح. وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، ثنا عَفَّانُ، ثنا أَبَانُ، قَالَا: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامٍ

ص: 272

836 -

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، إِمْلَاءً، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فِرَاسٍ الْمَكِّيُّ، قَالُوا: أنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْجُمَحِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ عِنْدَ رَبِّهَا فَتَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، فَيُوشِكُ أَنْ تَسْتَأْذِنَ فَلَا

⦗ص: 274⦘

يُؤَذَنُ لَهَا، حَتَّى تَسْتَشْفِعَ وَتَطْلُبَ، فَإِذَا طَالَ عَلَيْهَا قِيلَ لَهَا: اطْلُعِي مِنْ مَكَانِكِ ". فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38] ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ

ص: 273

837 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أنا عَيَّاشٌ الرَّقَّامُ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَيَّاشٍ الرَّقَّامِ وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إَسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ عَنْ وَكِيعٍ وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله فِي قَوْلِهِ:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] أَنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ وَأَصْحَابَ الْمَعَانِي قَالُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا، أَيْ: لِأَجَلٍ أُجِّلَ لَهَا، وَقَدَرٍ قُدِّرَ لَهَا، يَعْنِي انْقِطَاعَ مُدَّةِ بَقَاءِ الْعَالَمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُسْتَقَرُّهَا غَايَةٌ مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ فِي صُعُودِهَا وَارْتِفَاعِهَا لِأَطْوَلِ يَوْمٍ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِي النُّزُولِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى أَقْصَى مَشَارِقِ الشِّتَاءِ لِأَقْصَرِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ» فَلَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْتِقْرَارٌ مَا تَحْتَ الْعَرشِ مِنْ حَيْثِ لَا نُدْرِكُهُ وَلَا نُشَاهِدُهُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ فَلَا نُكَذِّبُ بِهِ وَلَا نُكَيِّفُهُ، لِأَنَّ عِلْمَنَا لَا يُحِيطُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّ عَلِمَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فِي كِتَابٍ كُتِبَ فِيهِ مَبَادِئُ أُمُورِ الْعَالَمِ وَنِهَايَاتُهَا، وَالْوَقْتُ الَّذِي

⦗ص: 275⦘

تَنْتَهِي إِلَيْهِ مُدَّتُهَا، فَيَنْقَطِعُ دَوَرَانُ الشَّمْسِ وَتَسْتَقِرُّ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ فِعْلُهَا، وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، الَّذِي بُيِّنَ فِيهِ أَحْوَالُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ وَآجَالُهُمْ وَمَآلُ أُمُورِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَفِي هَذَا ـ يَعْنِي الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ ـ إِخْبَارٌ عَنْ سُجُودِ الشَّمْسِ تَحْتَ الْعَرْشِ فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَاذَاتِهَا الْعَرْشَ فِي مَسِيرِهَا، وَالْخَبَرُ عَنْ سُجُودِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِلَّهِ عز وجل قَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ، وَلَيْسَ فِي سُجُودِهَا لِرَبِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ مَا يَعُوقُهَا عَنِ الدَّأْبِ فِي سَيْرِهَا وَالتَّصَرُّفِ لِمَا سُخِّرَتْ لَهُ. قَالَ: فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لَمَّا جَاءَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ أَنَّ الشَّمْسَ تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ نِهَايَةُ مُدْرِكِ الْبَصَرِ إِيَّاهَا حَالَ الْغُرُوبِ، وَمَصِيرُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ لِلسُّجُودِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ غُرُوبِهَا فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْخَبَرِ، فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ وَلَيْسَ. مَعْنَى قَوْلِهِ {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] أَنَّهَا تَسْقُطُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَتَغْمُرُهَا، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنِ الْغَايَةِ الَّتِي بَلَغَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي مَسِيرِهِ حَتَّى لَمْ يَجِدْ وَرَاءَهَا مَسْلَكًا فَوَجَدَ الشَّمْسَ تَتَدَلَّى عِنْدَ غُرُوبِهَا فَوْقَ هَذِهِ الْعَيْنِ، أَوْ عَلَى سَمْتِ هَذِهِ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ يَتَرَاءَى غُرُوبُ الشَّمْسِ لِمَنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ لَا يَرَى السَّاحِلَ، يَرَى الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغِيبُ فِي الْبَحْرِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ تَغِيبُ وَرَاءَ الْبَحْرِ، وَفِي هَهُنَا بِمَعْنَى فَوْقَ، أَوْ بِمَعْنَى عَلَى، وَحُرُوفُ الصِّفَاتِ تُبَدَّلُ بَعْضُهَا مَكَانَ بَعْضٍ

ص: 274

838 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَبُو الْقَاسِمُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ اللَّخْمِيُّ، ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثنا قَبِيصَةُ، ح. وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَا:

⦗ص: 276⦘

ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِكَ لَطَمَ وَجْهِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«ادْعُوهُ» . فَدَعَوْهُ، فَقَالَ:«لِمَ لَطَمَتْ وَجْهَهُ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مَرَرْتُ بِالسُّوقِ وَهُوَ يَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَقُلْتُ: يَا خَبِيثُ وَعَلَى مُحَمَّدٍ؟ فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مِنْ يُفِيقُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَوْ جُوزِيَ بِصَعْقَتِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْفِرْيَابِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ سُفْيَانَ

ص: 275

839 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، ثنا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، وَحَبَّانُ قَالَا: ثنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً، وَأَوَّلُ مِنْ يُكْسَى مِنَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام، يُكْسَى حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُؤْتَى بِكُرْسِيٍّ فَيُطْرَحُ لَهُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِي فَأُكْسَى حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ لَا يَقُومُ لَهَا البَشْرُ، ثُمَّ أُوتَى بِكُرْسِيٍّ فَيُطْرَحُ لِي عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ»

ص: 276

840 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه قَالَ: أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ قُبْطِيَّتَيْنِ، وَالنَّبِيُّ حُلَّةً حِبَرَةً وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ

ص: 278

841 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرْبِيُّ بِبَغْدَادَ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، ثنا مَالِكٌ، عَنْ

⦗ص: 279⦘

أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ:" إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: الْقَوْلُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِتَابِ أَحَدَ شَيْئَيْنِ إِمَّا: الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَاهُ وَأَوْجَبَهُ كَقَوْلِهِ: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21] أَيْ: قَضَى اللَّهُ وَأَوْجَبَ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ:«فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ» . أَيْ: فَعِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ لَا يَنْسَاهُ وَلَا يَنْسَخُهُ وَلَا يُبَدِّلُهُ، كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا:{قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52] ؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْكِتَابِ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ أَصْنَافِ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، وَبَيَانُ أُمُورِهِمْ وَذِكْرُ آجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، وَالْأَقْضِيَةُ النَّافِذَةُ فِيهِمْ، وَمَآلُ عَوَاقِبِ أُمُورِهِمْ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ:«فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ» . أَيْ: فَذِكْرُهُ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَيُضْمَرُ فِيهِ الذِّكْرُ أَوِ الْعِلْمُ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْكَلَامِ، سَهْلٌ فِي التَّخْرِيجِ، عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ خَلْقُ اللَّهُ عز وجل مَخْلُوقٌ لَا يستحيلُ أَنْ يَمَسَّهُ كِتَابُ مَخْلُوقٌ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ قَدْ رُوِيَ أَنَّ الْعَرْشَ عَلَى كَوَاهِلِهِمْ، وَلِيسَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُمَاسُّوا الْعَرْشَ إِذَا حَمَلُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَامِلُ الْعَرْشِ وَحَامِلُ حَمَلْتِهِ فِي

⦗ص: 280⦘

الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، هُوَ أَنَّهُ مُمَاسٌّ لَهُ، أَوْ مُتَمَكِّنٌ فِيهِ، أَوْ مُتَحَيِّزٌ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهِ، لَكِنَّهُ بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ جَاءَ بِهِ التَّوْقِيفُ فَقُلْنَا بِهِ، وَنَفَيْنَا عَنْهُ التَّكْيِيفَ، إِذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "

ص: 278

842 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابرٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدِ اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه»

ص: 280

843 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُؤَذِّنُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثنا أَبُو مُوسَى، ثنا أَبُو الْمُسَاوِرِ الْفَضْلُ بْنُ الْمُسَاوِرِ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه»

ص: 280

وَعَنِ الْأَعْمَشِ، ثنا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ رضي الله عنه: فَإِنَّ الْبَرَاءَ رضي الله عنه يَقُولُ: اهْتَزَّ السَّرِيرُ. فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ ـ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ـ ضَغَائِنُ، سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

ص: 281

844 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّزِّيُّ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ـ وَجَنَازَةُ سَعْدٍ رضي الله عنه مَوْضُوعَةٌ ـ: «اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ تبارك وتعالى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّزِّيِّ.

⦗ص: 282⦘

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ رحمه الله: الصَّحِيحُ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ: الِاهْتِزَازُ هُوَ الِاسْتِبْشَارُ وَالسُّرُورُ، يُقَالُ: إِنَّ فُلَانًا يَهْتَزُّ لِلْمَعْرُوفِ، أَيْ يَسْتَبْشِرُ وَيُسَرُّ بِهِ، وَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ وَالشَّعَرِ، قَالَ: وَأَمَّا الْعَرْشُ فَعَرْشُ الرَّحْمَنِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَهُ وَيَحِفُّونَ حَوْلَهُ فَرِحُوا بِقُدُومِ رُوحِ سَعْدٍ عَلَيْهِمْ، فَأَقَامَ الْعَرْشَ مَقَامَ مَنْ يَحْمِلُهُ وَيَحِفُّ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:«هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» . يُرِيدُ: أَهْلَهُ. كَمَا قَالَ عز وجل: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29] يُرِيدُ: أَهْلَهَا. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَبْشِرُ بِرُوحِ الْمُؤْمِنِ، وَإِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بَابًا فِي السَّمَاءِ يَصْعَدُ فِيهِ عَمَلُهُ، وَيَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، وَيَعْرُجُ فِيهِ رُوحُهُ إِذَا مَاتَ» . وَكَأَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا بِقُدُومِ رُوحِ سَعْدٍ عَلَيْهِمْ، لِكَرَامَتِهِ وَطِيبِ رَائِحَتِهِ، وَحُسْنِ عَمِلَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ تبارك وتعالى» وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 281

845 -

أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمُّدٍ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ الطُّوسِيُّ، ثنا أَبُو

⦗ص: 283⦘

الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْكَارِزِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي قَدْ وُلِدَ فِيهَا» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُهَاجِرِينَ ـ أَوْ قَالَ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ـ كُلُّ

⦗ص: 284⦘

دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ تَعَالَى فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ لِلْمُجَاهِدِينَ

ص: 282

846 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّصْرَابَاذِيُّ قَالَا: ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، مَا بَيْنَ

⦗ص: 285⦘

شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ»

ص: 284

847 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ:«مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟» قَالُوا: السَّحَابَ، قَالَ:«وَالْمُزْنَ؟» قَالُوا: وَالْمُزْنَ. قَالَ: «وَالْعَنَانَ؟» قَالُوا: وَالْعَنَانَ. قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟» قَالُوا: لَا نَدْرِي. قَالَ: «إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، ثُمَّ مِنْ فَوْقِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ مَا

⦗ص: 286⦘

بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تبارك وتعالى جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَوْقَ ذَلِكَ» . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ سِمَاكٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ

ص: 285

848 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: حَمَلَةُ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ كَعْبِ أَحَدِهِمْ إِلَى أَسْفَلِ قَدَمِهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ. وَذَكَرَ أَنَّ خُطْوَةَ مَلَكِ الْمَوْتِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَمَلَةُ الْعَرْشِ مِنْهُمْ مَنْ صُورَتُهُ صُورَةُ الْإِنْسَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صُورَتُهِ صُورَةُ النَّسْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صُورَتُهُ صُورَةُ الثَّوْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صُورَتُهُ صُورَةُ الْأَسَدِ

ص: 287

849 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ، ثنا شَيْبَانُ، ثنا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذِهِ الَّتِي فَوْقَكُمْ؟» فَقَالُوا: اللَّهُ

⦗ص: 288⦘

وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّهَا الرَّفِيعُ: سَقْفٌ مَحْفُوظٌ، وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ. هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ الْأُخْرَى مِثْلُ ذَلِكَ» . حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، وَغِلَظُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» . ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذِهِ الَّتِي تَحْتَكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهَا الْأَرْضُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ الَّتِي تَحْتَهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» . حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ وَغِلَظُ كُلُّ أَرْضٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ "، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ أَحَدَكُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ تبارك وتعالى» . ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] . قُلْتُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ اشْتَهَرَتْ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قُوَّةِ

⦗ص: 289⦘

السَّيْرِ وَضَعْفِهِ، وَخِفَّتِهِ وَثِقَلِهِ، فَيَكُونُ بِسَيْرِ الْقَوِيِّ أَقَلُّ، وَبِسَيْرِ الضَّعِيفِ أَكْثَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالَّذِي رُوِيَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِ الْمَكَانِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْعَبْدَ أَيْنَمَا كَانَ فَهُوَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ الظَّاهِرُ، فَيَصِحُّ إِدْرَاكُهُ بِالْأَدِلَّةِ؛ الْبَاطِنُ، فَلَا يَصِحُّ إِدْرَاكُهُ بِالْكَوْنِ فِي مَكَانٍ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي نَفْيِ الْمَكَانِ عَنْهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ» . وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ". وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ شَيْءٌ وَلَا دُونَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانٍ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه انْقِطَاعٌ، وَلَا ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آَخَرٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا

ص: 287

850 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَغِلَظُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَمَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَالْأَرَضِينَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى الْعَرْشِ مِثْلُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَوْ حَفَرْتُمْ لِصَاحِبِكُمْ ثُمَّ دَلَّيْتُمُوهُ لَوَجَدْتُمُ اللَّهَ عز وجل ثَمَّ» . تَابَعَهُ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي الْمِقْدَارِ

ص: 289

851 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسِمِائَةُ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالْكُرْسِيُّ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ عز وجل فَوْقَ الْكُرْسِيِّ، وَيَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ـ أَظُنُّهُ أَرَادَ ـ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 290

852 -

وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَغِلَظُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ

⦗ص: 292⦘

عَامٍ، ثُمَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَمَا بَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالْكُرْسِيُّ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْءٌ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَذَكَرَهُ

ص: 291

853 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، أنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا السَّائِبُ بْنُ عُمَرَ الْمَخْزُومِيُّ، أنا مُسْلِمُ بْنُ يَنَّاقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رضي الله عنهما يَقُولُ ـ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ ـ فَقَالَ: تَبَارَكَ اللَّهُ مَا أَشَدَّ بَيَاضَهَا، وَالثَّانِيَةُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَخَلَقَ فَوْقَ السَّابِعَةِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ فَوْقَ الْمَاءِ الْعَرْشَ، وَجَعَلَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالرُّجُومَ

ص: 292

854 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، رضي الله عنه قَالَا: قَالَ

⦗ص: 293⦘

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دُونَ اللَّهِ تَعَالَى سَبْعُونَ أَلْفَ حِجَابٍ مِنْ نُورٍ وَظُلْمَةٍ، مَا تَسْمَعُ نَفْسٌ حِسَّ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْحُجُبِ إِلَّا زَهَقَتْ نَفْسُهَا» . تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ضَعِيفٌ. وَالْحِجَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَخْبَارِ يَرْجِعُ إِلَى الْخَلْقِ لَا إِلَى الْخَالِقِ

ص: 292

855 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا رَوْحٌ، ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: أُرَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] قَالَ: بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ أَلْفَ حِجَابٍ، حِجَابُ نُورٍ، وَحِجَابُ ظُلْمَةٍ، وَحِجَابُ نُورٍ، وَحِجَابُ ظُلْمَةٍ، فَمَا زَالَ يَقْرُبُ مُوسَى حَتَّى كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَاحِدٌ، فَلَمَّا رَأَى مَكَانَهُ وَسَمِعَ صَرِيرَ الْقَلَمِ قَالَ: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ. يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ: يُقَرِّبُهُ مِنَ الْعَرْشِ حَتَّى كَانَ بَيْنَ مُوسَى وَبَيْنَ الْعَرْشِ حِجَابٌ وَاحِدٌ "

ص: 294

856 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ، ثنا مُحَمَّدٌ، أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ حِجَابًا، حِجَابٌ مِنْ نُورٍ، وَحِجَابٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، وَحِجَابٌ مِنْ نُورٍ، وَحِجَابٌ مِنْ ظُلْمَةٍ. قَالَ ابْنُ شَقِيقٍ: بَلَغَنِي فِي حَدِيثٍ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام قَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ حِجَابًا، لَوْ دَنَوْتُ إِلَى أَحَدِهِنَّ لَاحْتَرَقْتُ.

⦗ص: 295⦘

قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ شَقِيقٍ يُرْوَى عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْعَرْشَ، وَفِي هَذَا الْأَثَرِ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْحِجَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَخْبَارِ إِنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْخَلْقِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ وَبَيْنَ الْعَرْشِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 294

857 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا الصَّاغَانِيُّ، أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] قَالَ: إِنَّ الصَّخْرَةَ الَّتِي فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَمُنْتَهَى الْخَلْقِ عَلَى أَرْجَائِهَا، عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ، وَجْهُ إِنْسَانٍ، وَوَجْهُ أَسَدٍ، وَوَجْهُ ثَوْرٍ، وَوَجْهُ نَسْرٍ، فَهُمْ قِيَامٌ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطُوا بِالْأَرْضِينَ

⦗ص: 296⦘

وَالسَّمَاوَاتِ، وَرُؤُوسُهُمْ تَحْتَ الْكُرْسِيِّ، وَالْكُرْسِيُّ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَاللَّهُ تَعَالَى وَاضِعٌ كُرْسِيَّهُ عَلَى الْعَرْشِ. فِي هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى كُرْسِيَّيْنِ، أَحَدُهُمَا: تَحْتَ الْعَرْشِ وَالْآخَرُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْعَرْشِ

ص: 295

وَقَدْ مَضَتْ رِوَايَةُ أَسْبَاطِ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَعَنِ َ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي جَوْفِ الْكُرْسِيِّ وَالْكُرْسِيُّ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ

858 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو أَحْمَدَ الصَّفَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ، ثنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، فَذَكَرَهُ

ص: 296

859 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ جُحَادَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ

⦗ص: 297⦘

عَنْهُ قَالَ: الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَلَهُ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ الرَّحْلِ. قَدْ رُوِّينَا فِي هَذَا أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَذَكَرَنَا أَنَّ مَعْنَاهُ فِيمَا نَرَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مِنَ الْعَرْشِ مَوْضِعَ الْقَدَمَيْنِ مِنَ السَّرِيرِ، وَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ الْمَكَانِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ

ص: 296

860 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ

⦗ص: 298⦘

بْنِ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ رضي الله عنه مِنَ الْحَبَشَةِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا أَعْجَبُ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ ثَمَّ؟» قَالَ: رَأَيْتُ امْرَأَةً عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ مِنْ طَعَامٍ، فَمَرَّ فَارِسٌ فَأَذْرَاهُ فَقَعَدَتْ تَجْمَعُ

⦗ص: 299⦘

طَعَامَهَا، ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ لَهُ: وَيْلٌ لَكَ يَوْمَ يَضَعُ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ فَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَصْدِيقًا لِقَوْلِهَا: «لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ ـ أَوْ كَيْفَ تُقَدَّسُ أُمَّةٌ ـ لَا يَأْخُذُ ضَعِيفُهَا حَقَّهُ مِنْ شَدِيدِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ»

ص: 297

861 -

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ السَّامِرِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ الْعَبْدِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ فِيهِ: قُلْتُ: فَأَيُّ آيَةٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «آيَةُ الْكُرْسِيِّ» ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم؛ «يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا السَّمَاوَاتُ

⦗ص: 300⦘

السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضَلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ» . تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ السَّعْدِيُّ وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ أَصَحَّ

ص: 299

862 -

أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، إِجَازَةً، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَامِرٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ، ثنا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«آيَةُ الْكُرْسِيِّ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا السَّمَاوَاتُ

⦗ص: 301⦘

السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضَلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ»

ص: 300

863 -

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أنا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، ثنا

⦗ص: 302⦘

سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ حَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي الْأَرْضِ الْفَلَاةِ

ص: 301

864 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، بِالرَّمْلَةِ، ثنا ابْنُ أَبِي إِيَاسَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا تبارك وتعالى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيْهِ تبارك وتعالى» . قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ دُونَ الِاسْتِوَاءِ، فَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ

⦗ص: 304⦘

فَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا رضي الله عنهم كَانُوا لَا يُفَسِّرُونَهُ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ كَنَحْوِ مَذْهَبِهِمْ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ

ص: 303

865 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ بِبَغْدَادَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، يَقُولُ: كُنَّا وَالتَّابِعُونَ مُتَوَافِرُونَ نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَنُؤْمِنُ بِمَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ جَلَّ وَعَلَا

ص: 304

866 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، ثنا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ ابْنُ أَخِي رِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ، يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ، {الرَّحْمَنُ عَلَى

⦗ص: 305⦘

الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كَيْفَ اسْتِوَاؤُهُ؟ قَالَ: فَأَطْرَقَ مَالِكٌ وَأَخَذَتْهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ، وَكَيْفٌ عَنْهُ مَرْفُوعٌ، وَأَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ صَاحِبُ بِدْعَةٍ، أَخْرِجُوهُ. قَالَ: فَأُخْرِجَ الرَّجُلُ

ص: 304

867 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ الْأَصْفَهَانِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ زَيْرَكَ الْيَزْدِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ النَّضْرِ النَّيْسَابُورِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى، يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فَكَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: فَأَطْرَقَ مَالِكٌ بِرَأْسِهِ حَتَّى عَلَاهُ

⦗ص: 306⦘

الرُّحَضَاءُ ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَمَا أَرَاكَ إِلَّا مُبْتَدِعًا. فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُخْرَجَ

ص: 305

وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَسْتَاذِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا،

868 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ، أنا أَبُو الشَّيْخِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْدَانَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثنا مُوسَى بْنُ خَاقَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سُئِلَ رَبِيعَةُ الرَّأْيَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: الْكَيْفُ مَجْهُولٌ، وَالِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَيَجِبُ عَلِيَّ وَعَلَيْكُمُ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ كُلِّهُ

ص: 306

869 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى الْبَزَّازُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ حَمْزَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحَوَارِيِّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: كُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسِيرُهُ تِلَاوَتُهُ، وَالسُّكُوتُ عَلَيْهِ.

⦗ص: 308⦘

870 -

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ الْكِتَابِ الَّذِي أَمْلَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِيمَا جَرَى بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَذَكَرَهَا وَذَكَرَ فِيهَا:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] بِلَا كَيْفٍ، وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ" وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ يَدُلُّ مُذْهِبُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَإِلَيْهَا ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ. وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ. وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَعَلَ فِي الْعَرْشِ فِعْلًا سَمَّاهُ اسْتِوَاءً، كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِهِ فِعْلًا سَمَّاهُ رِزْقًا أَوْ نِعْمَةً أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ أَفْعَالِهِ. ثُمَّ لَمْ يُكَيِّفِ الِاسْتِوَاءَ إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لِقَوْلِهِ:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي، وَالتَّرَاخِي إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ، وَأَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى تُوجَدُ بِلَا مُبَاشَرَةٍ مِنْهُ إِيَّاهَا وَلَا حَرَكَةٍ. وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَالٍ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ: الِاعْتِلَاءُ، كَمَا يَقُولُ: اسْتَوَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَاسْتَوَيْتُ عَلَى السَّطْحِ. بِمَعْنَى عَلَوْتُهُ، وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِي، وَاسْتَوَى الطَّيْرُ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِي، بِمَعْنَى عَلَا فِي الْجَوِّ، فَوُجِدَ فَوْقَ رَأَسِي. وَالْقَدِيمُ سُبْحَانَهُ عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ لَا قَاعِدٌ وَلَا قَائِمٌ وَلَا مُمَاسٌّ وَلَا مُبَايَنٌ عَنِ الْعَرْشِ، يُرِيدُ بِهِ: مُبَايَنَةَ الذَّاتِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الِاعْتِزَالِ أَوِ التَّبَاعُدِ، لِأَنَّ الْمُمَاسَّةَ وَالْمُبَايَنَةَ الَّتِي هِيَ ضِدُّهَا، وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ مِنْ أَوْصَافِ الْأَجْسَامِ، وَاللَّهُ عز وجل أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ

⦗ص: 309⦘

يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْأَجْسَامِ تبارك وتعالى. وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ: اسْتَوَى بِمَعْنَى: عَلَا، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ عُلُوًّا بِالْمَسَافَةِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْكَوْنِ فِي مَكَانٍ مُتَمَكِّنًا فِيهِ، وَلَكِنْ يُرِيدُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] أَيْ: مَنْ فَوْقَهَا عَلَى مَعْنَى نَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَحْوِيهِ طَبَقٌ أَوْ يُحِيطُ بِهِ قُطْرٌ، وَوُصِفَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِذَلِكَ بِطَرِيقَةِ الْخَبَرِ، فَلَا نَتَعَدَّى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ. قُلْتُ: وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَكَلِمَةُ ثُمَّ تَعَلَّقَتْ بِالْمُسْتَوى عَلَيْهِ، لَا بِالِاسْتِوَاءِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ:{ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: 46] يَعْنِي: ثُمَّ يَكُونُ عَمَلُهُمْ فَيَشْهَدُهُ، وَقَدْ أَشَارَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ إِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ حِكَايَةً، فَقَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّهُ صِفَةُ ذَاتٍ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يَزَلْ مُسْتَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ قَدْ حَدَثَتْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِأَنْ قَدْ حَدَثَتْ، وَلَمَّا حَدَثَتْ بَعْدُ، قَالَ: وَجَوَابِي هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ وَأَنَّهُ فَوْقَ الْأَشْيَاءَ بَائِنٌ مِنْهَا، بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَحُلُّهُ وَلَا يَحُلُّهَا، وَلَا يَمَسُّهَا وَلَا يُشْبِهُهَا، وَلَيْسَتِ الْبَيْنُونَةُ بِالْعُزْلَةِ تَعَالَى اللَّهُ رَبُّنَا عَنِ الْحُلُولِ وَالْمُمَاسَّةِ عُلُوًّا كَبِيرًا. قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ الِاسْتِوَاءَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى تَنْفِي الِاعْوِجَاجَ عَنْهُ، وَفِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ هُوَ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّحْمَنَ غَلَبَ الْعَرْشَ وَقَهَرَهُ، وَفَائِدَتُهُ الْإِخْبَارُ عَنْ قَهْرِهِ مَمْلُوكَاتِهِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَقْهَرْهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْعَرْشَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَمْلُوكَاتِ، فَنَبَّهَ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، قَالَ: وَالِاسْتِوَاءُ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ، كَمَا يُقَالُ: اسْتَوَى فُلَانٌ عَلَى النَّاحِيَةِ إِذَا غَلَبَ أَهْلَهَا، وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ:

[البحر الرجز]

قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ

مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ

⦗ص: 310⦘

يُرِيدُ: أَنَّهُ غَلَبَ أَهْلَهُ مِنْ غَيْرِ مُحَارَبَةٍ. قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ، لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ غَلَبَةٌ مَعَ تَوَقُّعِ ضَعْفٍ، قَالَ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] وَالِاسْتِوَاءُ إِلَى السَّمَاءِ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إِلَى السَّمَاءِ اسْتِوَاءً جَازَ أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتِوَاءً.

871 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عز وجل:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29] قَالَ: الِاسْتِوَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَسْتَوِيَ الرَّجُلُ وَيَنْتَهِي شَبَابُهُ وَقُوَّتُهُ، أَوْ يَسْتَوِي مِنِ اعْوِجَاجٍ، فَهَذَانِ وَجْهَانِ؛ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنْ تَقُولَ: كَانَ مُقْبِلًا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيَّ يُشَاتِمُنِي وَإِلَيَّ سَوَاءٌ، عَلَى مَعْنَى أَقْبَلَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «ثُمَّ اسْتَوَى صَعَدَ» وَهَذَا كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: كَانَ قَاعِدًا فَاسْتَوَى قَائِمًا، أَوْ كَانَ قَائِمًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا، وَكُلٌّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ. قُلْتُ: قَوْلُهُ: اسْتَوَى بِمَعْنَى أَقْبَلَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْإِقْبَالَ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، وَالْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ وَذَلِكَ هُوَ الْجَائِزُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَفْظُ ثُمَّ تَعَلَّقَ بِالْخَلْقِ لَا بِالْإِرَادَةِ. وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ تَفْسِيرِهِ الْكَلْبِيُّ، وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ عِنْدَنَا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ

ص: 307

872 -

وَفِي مَوْضِعٍ أَخَرَ كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْبُورٍ، أنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29] يَعْنِي: صَعِدَ أَمْرُهُ إِلَى السَّمَاءِ {فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29] يَعْنِي: خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ. قَالَ: أَجْرَى النَّارَ عَلَى الْمَاءِ يَعْنِي فَبَخُرَ الْبَحْرُ فَصَعَدَ فِي الْهَوَاءِ فَجَعَلَ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ: " اسْتَوَى يَعْنِي: ارْتَفَعَ ". وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: ارْتِفَاعُ أَمْرِهِ، وَهُوَ بُخَارُ الْمَاءِ الَّذِي مِنْهُ وَقَعَ خَلْقُ السَّمَاءِ

ص: 311

873 -

فَأَمَّا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْبُورٍ الدَّهَّانُ، أنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ اللَّبَّادُ، ثنا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] يَقُولُ: اسْتَقَرَّ عَلَى الْعَرْشِ، وَيُقَالُ امْتَلَأَ بِهِ، وَيُقَالُ: قَائِمٌ عَلَى الْعَرْشِ، وَهُوَ السَّرِيرُ "

ص: 311

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] يَقُولُ: اسْتَوَى عِنْدَهُ الْخَلَائِقُ، الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَصَارُوا عِنْدَهُ سَوَاءً " وَيُقَالُ: اسْتَوَى اسْتَقَرَّ عَلَى السَّرِيرِ. وَيُقَالُ: امْتَلَأَ بِهِ. فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُنْكَرَةٌ، وَإِنَّمَا أَضَافَ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا رَكَاكَةٌ، وَمِثْلُهُ لَا

⦗ص: 312⦘

يَلِيقُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، إِذَا كَانَ الِاسْتِوَاءُ بِمَعْنَى اسْتِوَاءِ الْخَلَائِقِ عِنْدَهُ، فَإيْشِ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ:{عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] ؟ وَكَأَنَّهُ مَعَ سَائِرِ الْأَقَاوِيلِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ مَنْ دُونَهُ، وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَقُولُ: اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى السَّرِيرِ، وَرَدَّ الِاسْتِقْرَارَ إِلَى الْأَمْرِ، وَأَبُو صَالِحٍ هَذَا وَالْكَلْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ كُلُّهُمْ مَتْرُوكٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، لَا يَحْتَجُّونَ بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ لِكَثْرَةِ الْمَنَاكِيرِ فِيهَا، وَظُهُورِ الْكَذِبِ مِنْهُمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ.

874 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدِ أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَاصِمٍ الْبُخَارِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّيهِ دروغ زن، يَعْنِي أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ.

875 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَفِيدُ، ثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، يُحَدِّثُ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَ لِي أَبُو صَالِحٍ: كُلُّ مَا حَدَّثْتُكَ كَذِبٌ

⦗ص: 313⦘

876 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ، ثَنَا أَبُو حَفْصٍ الْفَلَّاسُ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو صَالِحٍ: «انْظُرْ كُلَّ شَيْءٍ رَوَيْتَ عَنِّي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَلَا تَرَوِهِ» . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ الْحَرِيشِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: قُلْنَا لِلْكَلْبِيِّ: «بَيِّنْ لَنَا مَا سَمِعَتَ مِنَ أَبِي صَالِحٍ وَمَا هُوَ قَوْلُكَ، فَإِذَا الْأَمْرُ عِنْدَهُ قَلِيلٌ» . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ، ثَنَا الْجُنَيْدِيُّ، ثَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ أَبُو النَّضْرِ الْكَلْبِيُّ الْكُوفِيُّ تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ

877 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، يَقُولُ: الْكَلْبِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ

878 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْرَانَ الْمُزَكِّي، ثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ الْعَطَّارُ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّاوَسَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ، يَقُولُ: مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْكُوفِيُّ صَاحِبُ الْكَلْبِيِّ سَكَتُوا عَنْهُ، لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ الْبَتَّةَ قُلْتُ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ صَحِيحَةً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، ثُمَّ لَا يَرْوِيهَا وَلَا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، مَعَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا، وَمَا تَفَرَّدَ بِهِ الْكَلْبِيُّ وَأَمْثَالُهُ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَالْحَدُّ يُوجِبُ الْحَدَثَ لِحَاجَةِ الْحَدِّ إِلَى حَادٍّ خَصَّهُ بِهِ، وَالْبَارِي قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ.

⦗ص: 314⦘

879 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ وَأَبَا صَالِحٍ خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَقُولَانِ: سَمِعْنَا صَالِحَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ الْأَعْرَابِيَّ صَاحِبَ النَّحْوِ يَقُولُ: قَالَ " لِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَصِحُّ هَذَا فِي اللُّغَةِ، وَمَخْرَجُ الْكَلَامِ الرَّحْمَنُ عَلَا مِنَ الْعُلُوِّ، وَالْعَرْشُ اسْتَوَى؟ قَالَ: قُلْتُ: يَجُوزُ عَلَى مَعْنًى، وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَعْنًى، إِذَا قُلْتَ: الرَّحْمَنُ عَلَا مِنَ الْعُلُوِّ، فَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ، ثُمَّ قُلْتَ: الْعَرْشُ اسْتَوَى. يَجُوزُ إِنْ رَفَعْتَ الْعَرْشَ، لِأَنَّهُ فَاعِلٌ، وَلَكِنْ إِذَا قُلْتَ: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، فَهُوَ الْعَرْشُ. وَهَذَا كُفْرٌ " وَفِيمَا رَوَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ نَفْطَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ يَعْنِي دَاوُدَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا مَعْنَى قَوْلِهِ:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فَقَالَ: إِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {اسْتَوَى} [الأعراف: 54] أَيِ: اسْتَوْلَى. فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: مَا يُدْرِيكَ؟ الْعَرَبُ لَا تَقُولُ اسْتَوْلَى عَلَى الْعَرْشِ فُلَانٌ، حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ مُضَادُّ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ قِيلَ: قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا مُضَادَّ لَهُ فَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ

ص: 311

ص: 315

880 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْعَبْدِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو زَيْنَبَ رضي الله عنهما، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ

⦗ص: 316⦘

عَلَيْكَ زَوْجَكَ» . قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: فَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا لِشَيْءٍ لَكَتَمَ هَذِهِ؛ فَلَقَدْ كَانَتْ رضي الله عنها تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ

ص: 315

881 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالُوا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خُلِّيِّ، ثنا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ

ص: 316

882 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ الْبَزَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: مَرَّتْ سَحَابَةٌ عَلَى رَسُولِ

⦗ص: 317⦘

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» فَقُلْنَا: السَّحَابُ. فَقَالَ: «أَوِ الْمُزْنُ؟» قُلْنَا: أَوِ الْمُزْنُ. قَالَ: «أَوِ الْعَنَانُ؟» قُلْنَا: أَوِ الْعَنَانُ. فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟» قُلْنَا: لَا. قَالَ: «إِحْدَى وَسَبْعِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ أَوْ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ» . قَالَ: «وَإِلَى فَوْقِهَا مِثْلُ ذَلِكَ» . حَتَّى عَدَّهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ: «ثُمَّ فَوْقَ السَّابِعَةِ الْبَحْرُ، أَسْفَلُهُ مِنْ أَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَهُ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ مَا بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَرُكَبِهِنَّ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ، ثُمَّ الْعَرْشُ فَوْقَ ذَلِكَ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى فَوْقَ ذَلِكَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ

ص: 316

883 -

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّار، ثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُهِكَتِ الْأَنْفُسُ وَجَاعَ الْعِيَالُ وَهَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، اسْتَسْقِ لَنَا رَبَّكَ، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ وَبِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ

⦗ص: 318⦘

اللَّهِ» . فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجُوهِ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم، فَقَالَ:«وَيْحَكَ، أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إِنَّ شَأْنَهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، إِنَّهُ لَفَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنَّهُ عَلَيْهِ لَهَكَذَا ـ وَأَشَارَ وَهْبٌ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ، وَأَشَارَ أَبُو الْأَزْهَرِ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ ـ وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ.

⦗ص: 319⦘

884 -

كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ، قَالُوا: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ أَحْمَدُ: كَتَبْتُهُ مِنْ نُسْخَتِهِ، وَهَذَا لَفْظُهُ، فَذَكَرَ نَحْوَ إِسْنَادِ أَبِي الْأَزْهَرِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: جَهِدَتِ الْأَنْفُسُ وَضَاعَتِ الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي. وَقَالَ فِي الْجَوَّابِ: " إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ: مِثْلُ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ ". قَالَ: وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل فَوْقَ عَرْشِهِ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى وَابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَالْحَدِيثُ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ: وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَكَانَ سَمَاعُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَابْنِ الْمُثَنَّى وَابْنِ بَشَّارٍ مِنْ نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا بَلَغَنِي. قُلْتُ: إِنْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَجَمَاعَةٌ، فَالتَّشْبِيهُ بِالْقُبَّةِ إِنَّمَا وَقَعَ لِلْعَرْشِ، وَرِوَايَتُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ:«أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ لَهَكَذَا ـ بِأَصَابِعِهِ مِثْلُ الْقُبَّةِ ـ عَلَيْهَا» . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَارِسِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، وَصَاحِبَا الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ، إِنَّمَا اسْتَشْهَدَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بِمُحَمَّدِ بْنِ

⦗ص: 320⦘

إِسْحَاقَ فِي أَحَادِيثَ مَعْدُودَةٍ، أَظُنُّهُنَّ خَمْسَةً قَدْ رَوَاهُنَّ غَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّوَاهِدِ ذِكْرًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرْضَاهُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يَرْوِي عَنْهُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ: يُكْتَبُ عَنْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ـ يَعْنِي الْمَغَازِي وَنَحْوَهَا ـ فَإِذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ أَرَدْنَا قَوْمًا هَكَذَا ـ يُرِيدُ أَقْوَى مِنْهُ ـ فَإِذَا كَانَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِهِ في صِفَاتِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وَإِنَّمَا نَقَمُوا عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ عَنْ ضُعَفَاءِ النَّاسِ وَتَدْلِيسِهِ أَسَامِيَهُمْ، فَإِذَا رَوَى عَنْ ثِقَةٍ وَبَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْهُمْ فَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَرَوْا به بَأْسًا، وَهُوَ إِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَنْهُ وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ سَمَاعَهُ مِنْهُمَا، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ كَمَا تَرَى. وَقَدْ جَعَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ ثَابِتًا، وَاشْتَغَلَ بِتَأْوِيلِهِ، فَقَالَ:" هَذَا الْكَلَامُ إِذَا أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ، وَالْكَيْفِيَّةُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ، فَعُقِلَ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَحْقِيقُ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَا تَحْدِيدُهُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ تَقْرِيبٍ، أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيرُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ جل جلاله سُبْحَانَهُ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ إِفْهَامُ السَّائِلِ مِنْ حَيْثُ يُدْرِكُهُ فَهْمُهُ، إِذَا كَانَ أَعْرَابِيًّا جِلْفًا، لَا عَلِمَ لَهُ لِمَعَانِي مَا دَقَّ مِنَ الْكَلَامِ، وَمَا لَطُفَ مِنْهُ مِنْ دَرَكِ الْأَفْهَامِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذَفٌ وَإِضْمَارٌ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: «أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟» . فَمَعْنَاهُ: أَتَدْرِي مَا عَظَمَتُهُ وَجَلَالُهُ؟ وَقَوْلُهُ: «إِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ» . مَعْنَاهُ: إِنَّهُ لَيَعْجَزُ عَنْ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، حَتَّى يَئِطَّ بِهِ إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ أطيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ إِنَّمَا يَكُونُ لِقُوَّةِ مَا فَوْقَهُ، وَلِعَجْزِهِ عَنِ احْتِمَالِهِ، فَقَرَّرَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّمْثِيلِ عِنْدَهُ مَعْنَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَارْتِفَاعِ عَرْشِهِ، لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِعُلُوِّ الشَّأْنِ وَجَلَالَةِ الْقَدْرِ، وَفَخَامَةِ الذِّكْرِ، لَا يُجْعَلُ شَفِيعًا إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْقَدْرِ، وَأَسْفَلُ مِنْهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَتَعَالَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِشَيْءٍ أَوْ مُكَيَّفًا بِصُورَةِ خَلْقٍ، أَوْ مُدْرَكًا بِحِسٍّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] "

ص: 317

885 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْاَسَدِيُّ الْحَافِظُ بِهَمَذَانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رضي الله عنه حَكَمَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ كُلُّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى، وَأَنْ يُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ وَذَرَارِيهِمْ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَقَدْ حَكَمَ الْيَوْمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ»

ص: 321

886 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَرَّ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَقِيَتْهُ عَجُوزٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهَا، حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا، فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَ رَجُلٌ: حَبَسْتَ رِجَالَاتِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ، قَالَ: وَيْحَكَ تَدْرِي مَنْ هَذِهِ؟ هَذِهِ عَجُوزٌ سَمِعَ اللَّهُ عز وجل شَكْوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَاللَّهِ لَوِ اسْتَوْقَفَتْنِي إِلَى اللَّيْلِ لَوَقَفْتُ عَلَيْهَا إِلَّا آتِي الصَّلَاةَ ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا "

ص: 322

887 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثنا الصَّاغَانِيُّ، أنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبِي، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ عَنْهُمَا، قَالَ: تَفَكَّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ عز وجل، فَإِنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى كُرْسِيِّهِ سَبْعَةُ آلَافِ نُورٍ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ

ص: 323

888 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، ثنا الْفَرَّاءُ، فِي قَوْلِهِ عز وجل {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ قَهَرَ شَيْئًا فَهُوَ مَسْتَعْلٍ عَلَيْهِ

ص: 323

بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الْفَقِيهُ: «قَدْ تَضَعُ الْعَرَبُ» فِي «بِمَوْضِعِ» عَلَى " قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة: 2] وَقَالَ: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] وَمَعْنَاهُ: عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى النَّخْلِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] أَيْ عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ السَّمَاءِ، كَمَا صَحَّتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: يُرِيدُ مَا مَضَى مِنَ الرِّوَايَاتِ "

ص: 324

889 -

وَهَكَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ فِيمَا، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنِي أَبِي وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو الْمُسْتَمْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالُوا: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ

⦗ص: 325⦘

الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، رضي الله عنه يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَمَنِ بِذَهَبِيَّةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا قَالَ: عَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ وَإِمَّا: عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ لِلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي، وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ؟ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ

ص: 324

890 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَطَلَعْتُ غُنَيْمَةً تَرْعَاهَا جَارِيَةٌ لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَوَجَدْتُ الذِّئْبَ قَدْ أَصَابَ مِنْهَا شَاةً، وَأَنَا رَجُلٌ

⦗ص: 326⦘

مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً، ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أَعْتِقُهَا؟ قَالَ:«بَلَى إيْتِنِي بِهَا» . قَالَ: فَجِئْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا:«أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتِ: اللَّهُ فِي السَّمَاءِ. قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» فَقَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: «إِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ فَأَعْتِقْهَا» .

891 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ. وَهَذَا صَحِيحٌ، قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُقَطَّعًا مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ وَحَجَّاجٍّ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى

⦗ص: 327⦘

بْنِ أَبِي كَثِيرٍ دُونَ قِصَّةِ الْجَارِيَةِ، وَأَظُنُّهُ إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنَ الْحَدِيثِ لِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي لَفْظِهِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ مِنَ السُّنَنِ مُخَالَفَةَ مَنْ خَالَفَ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحَكَمِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ

ص: 325

892 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زِيَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: إِنَّ رَجُلَيْنِ أَقْبَلَا يَلْتَمِسَانِ لِأَبِيهِمَا الشِّفَاءَ مِنَ الْبَوْلِ، فَانْطُلِقَ بِهِمَا إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، فَذَكَرُوا وَجَعَ أَبِيهِمَا لَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «رَبَّنَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمَرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ، وَاغْفِرْ لَنَا حَوْبَتَنَا وَخَطَايَانَا إِنَّكَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، فَأَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ. فَيَبْرَأُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ

ص: 327

893 -

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ مِهْرَانَ الْعَبْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي قَابُوسَ، مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»

ص: 328

894 -

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، ثنا سَهْلٌ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي حُصَيْنٍ: «كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ مِنْ إِلَهٍ؟» قَالَ: سَبْعَةً: سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ، وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَهْبَتِكَ وَلِرَغْبَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِيهِمَا. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَعَافِنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي» . تَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.

⦗ص: 330⦘

وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ: «مَنْ فِي السَّمَاءِ» . أَيْ: فَوْقَ السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، ثُمَّ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: مَعْنَاهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ؟ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

ص: 329

بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل لِعِيسَى عليه السلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] قَوْلُ اللَّهِ عز وجل لِعِيسَى عليه السلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]، وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] .

ص: 331

895 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يُونُسَ. وَإِنَّمَا أَرَادَ نُزُولَهُ مِنَ السَّمَاءِ بَعْدَ الرَّفْعِ إِلَيْهِ

ص: 331

896 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلٍ، ثنا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ ـ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ ـ فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ

ص: 332

897 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ـ وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا الطَّيِّبُ ـ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ وَرْقَاءُ فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ:«وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ» . وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ فَذَكَرَهُمَا فَقَالَ: «وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَلَا يَصْعَدُ

⦗ص: 333⦘

السَّمَاءَ إِلَّا الطَّيِّبُ»

ص: 332

898 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، أنا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا بَكْرٌ يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: إِنَّ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ أَبَا الْحُبَابِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَلَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ إِلَّا الطَّيِّبُ إِلَّا وَهُوَ يَضَعُهَا فِي يَدِ الرَّحْمَنِ ـ أَوْ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ ـ فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، وَحَتَّى إِنَّ التَّمْرَةَ لَتَكُونُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ»

ص: 333

899 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] قَالَ: الْكَلَامُ الطَّيِّبُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أَدَاءُ فَرَائِضِهِ، فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ رُدَّ كَلَامُهُ عَلَى عَمَلِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ

ص: 333

900 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ، ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] قَالَ: يَقُولُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ. قُلْتُ: صُعُودُ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالصَّدَقَةِ الطَّيِّبَةِ إِلَى السَّمَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ حُسْنِ الْقَبُولِ لَهُمَا، وَعُرُوجِ الْمَلَائِكَةِ يَكُونُ إِلَى مَقَامِهِمْ فِي السَّمَاءِ. وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْعِبَارَةُ عَنْ ذَلِكَ بِالصُّعُودِ وَالْعُرُوجِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ فَوْقِ السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، كَمَا قَالَ:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة: 2] أَيْ: فَوْقَ الْأَرْضِ، فَقَدْ قَالَ:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] وَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ثُمَّ قَدْ مَضَى قَوْلُ أَهْلِ النَّظَرِ فِي مَعْنَاهُ، وَحَكَيْنَا عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا تَرْكَ الْكَلَامِ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ، هَذَا مَعَ اعْتِقَادِهِمْ نَفْيَ الْحَدِّ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

ص: 334

901 -

أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حِيَّانَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ، ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمِهْرِقَانِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَشَرِيكٌ وَأَبُو

⦗ص: 335⦘

عَوَانَةَ لَا يُحِدُّونَ وَلَا يُشَبِّهُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ، يَرْوُونَ الْحَدِيثَ لَا يَقُولُونَ كَيْفَ، وَإِذَا سُئِلُوا أَجَابُوا بِالْأَثَرِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ قَوْلُنَا. قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا مَضَى أَكَابِرُنَا فَأَمَّا الْحِكَايَةُ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ تَعَالَى جِهَةً:

ص: 334

902 -

فَأَخْبَرَنَا بِهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ بِنَيْسَابُورَ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ نُعَيْمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ، يَقُولُ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ قُلْتُ: كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ. قُلْتُ: فَإِنَّ الْجَهْمِيَّةَ تَقُولُ: هُوَ هَذَا. قَالَ: إِنَّا لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ، نَقُولُ: هُوَ هُوَ. قُلْتُ: بِحَدٍّ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ بِحَدٍّ. لَفْظُ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ.

⦗ص: 336⦘

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ: إِنَّمَا أَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ بِالْحَدِّ حَدَّ السَّمْعِ، وَهُوَ أَنَّ خَبَرَ الصَّادِقِ وَرَدَ بِأَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، فَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ تَكْذِيبَ الْجَهْمِيَّةِ فِيمَا زَعَمُوا أَنَّهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَحِكَايَتُهُ الْأُخْرَى تَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 335

903 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الزَّاهِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّامِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: نَعْرِفُ رَبَّنَا فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ بِأَنَّهُ هَهُنَا. وَأَشَارَ إِلَى الْأَرْضِ. قُلْتُ: قَوْلُهُ: «بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ» . يُرِيدُ بِهِ مَا فَسَّرَهُ بَعْدَهُ مِنْ نَفْيِ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ لَا إِثْبَاتِ جِهَةٍ مِنْ جَانِبٍ آخِرَ، يُرِيدُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 336

904 -

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا قُدَامَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْبَلْخِيَّ بِفَرْغَانَةَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى جَهْمٍ الْقُرْآنَ وَكَانَ عَلَى مَعْبَرِ التِّرْمِذِ وَكَانَ رَجُلًا كُوفِيَّ الْأَصْلِ فَصِيحَ اللِّسَانِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ وَلَا مُجَالَسَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَقَالُوا لَهُ: صِفْ رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ. قَالَ: فَدَخَلَ الْبَيْتَ لَا يَخْرُجُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَيَّامٍ ذَكَرَهَا فَقَالَ: هُوَ هَذَا الْهَوَاءُ مَعَ كُلِّ شَيْءٍ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ، كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ

ص: 337

905 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بْنَ حَمَّادٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ نُوحَ بْنَ

⦗ص: 338⦘

أَبِي مَرْيَمَ أَبَا عِصْمَةَ، يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلَ مَا ظَهْرَ إِذْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ تِرْمِذَ كَانَتْ تُجَالِسُ جَهْمًا، فَدَخَلَتِ الْكُوفَةَ، فَأَظُنُّنِي أَقَلَّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا عَشَرَةَ آلَافٍ مِنَ النَّاسِ تَدْعُو إِلَى رَأْيِهَا، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّ هَهُنَا رَجُلًا قَدْ نَظَرَ فِي الْمَعْقُولِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ. فَأَتَتْهُ، فَقَالَتْ: أَنْتَ الَّذِي تُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَسَائِلَ وَقَدْ تَرَكْتَ دِينَكَ؟ أَيْنَ إِلَهُكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ؟ فَسَكَتَ عَنْهَا، ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يُجِيبُهَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهَا وَقَدْ وَضَعَ كِتَابَيْنِ: اللَّهُ تبارك وتعالى فِي السَّمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4] قَالَ: هُوَ كَمَا تَكْتُبُ إِلَى الرَّجُلِ: إِنِّي مَعَكَ وَأَنْتَ غَائِبٌ عَنْهُ. قُلْتُ: لَقَدْ أَصَابَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِيمَا نَفَى عَنِ اللَّهِ عز وجل مِنَ الْكَوْنِ فِي الْأَرْضِ. وَفِيمَا ذَكَرَ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَتَبِعَ مُطْلَقَ السَّمْعِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ وَمُرَادُهُ مِنْ تِلْكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، إِنْ صَحَّتِ الْحِكَايَةُ عَنْهُ، مَا ذَكَرْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو عِصْمَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَذَكَرَ فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ: وَإِنَّا لَا نَتَكَلَّمُ فِي اللَّهِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِيمَا

ص: 337

906 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، ثنا أَبُو حَاتِمٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: مَا

⦗ص: 339⦘

وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَفْسَهُ فَتَفْسِيرُهُ قِرَاءَتُهُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَّا اللَّهُ تبارك وتعالى، أَوْ رُسُلُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ

ص: 338

بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْآيَاتِ.

ص: 340

907 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَرْبِيُّ بِبَغْدَادَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سلْمَانَ، ثنا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ شَرِيكٍ، ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ عُبَادَةَ

⦗ص: 341⦘

بْنِ الصَّامِتِ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ إِيمَانِ الْمَرْءِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل مَعَهُ حَيْثُ كَانَ»

ص: 340

908 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْمَرْوَزِيُّ الْفَقِيهُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نُوحٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الضَّبِّيُّ، ثنا مَعْدَانُ الْعَابِدُ، قَالَ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4] قَالَ: عِلْمُهُ

ص: 341

909 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ نُوحٍ، حَدَّثَنِي أَبِي نُوحُ بْنُ مَيْمُونٍ، ثنا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٌ إِلَّا هُوَ

⦗ص: 342⦘

رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٌ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7] قَالَ: هُوَ اللَّهُ عز وجل عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ مَعَهُمْ

ص: 341

910 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْكَعْبِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، ثنا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، قَالَ: بَلَغَنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فِي قَوْلِهِ عز وجل:{هُوَ الْأَوَّلُ} [الحديد: 3] قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ {وَالْآخِرُ} [الحديد: 3] بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، {وَالظَّاهِرُ} [الحديد: 3] فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، {وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] أَقْرَبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالَقُرْبِ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، مِقْدَارُ كُلِّ يَوْمٍ أَلْفُ عَامٍ، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} [الحديد: 4] مِنَ الْقَطْرِ {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} [الحديد: 4] مِنَ النَّبَاتِ {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} [سبأ: 2] مِنَ الْقَطْرِ {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد: 4] يَعْنِي مَا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] يَعْنِي: قُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ وَعِلْمُهُ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4] وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: قَوْلُهُ: {إِلَّا هُوَ مَعَكُمْ} يَقُولُ: عِلْمُهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] فَيَعْلَمُ نَجْوَاهُمْ، وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكُلِّ شَيْءٍ، هُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَعِلْمُهُ مَعَهُمْ "

ص: 342

911 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أنا خَارِجَةُ، أنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] قَالَ: هُوَ الَّذِي يُعْبَدُ فِي السَّمَاءِ وَيُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ. قُلْتُ: وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونُ} [الأنعام: 3] عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ يَجْعَلُ الْوَقْفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ {فِي السَّمَاوَاتِ} [الأنعام: 3]، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فَيَقُولُ:{وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} [الأنعام: 3] ، وَكَيْفَ مَا كَانَ، فَلَوْ أَنَّ قَائِلًا قَالَ: فُلَانٌ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقَ يَمْلِكُ، لَدَلَّ قَوْلُهُ يَمْلِكُ عَلَى الْمُلْكِ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ لَا أَنَّهُ بِذَاتِهِ فِيهِمَا

ص: 343

بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] .

ص: 344

912 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّرَائِفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] يَقُولُ: يَسْمَعُ وَيَرَى

ص: 344

913 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنَ زِيَادٍ الْفَرَّاءَ يَقُولُ: قَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] يَقُولُ: إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ". قُلْتُ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، ثُمَّ قَوْلُ الْفَرَّاءِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا تَخْوِيفُ الْعِبَادِ لِيَحْذَرُوا عُقُوبَتَهُ إِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى مَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ، وَأَنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَيْهِ

ص: 344

914 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ قَاسِمُ بْنُ قَاسِمٍ السَّيَّارِيُّ

⦗ص: 345⦘

بِمَرْوَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ:{وَالْفَجْرِ} [الفجر: 1] قَالَ: قَسَمٌ، {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] مِنْ وَرَاءِ الصِّرَاطِ ثَلَاثَةُ جُسُورٍ: جِسْرٌ عَلَيْهِ الْأَمَانَةُ، وَجِسْرٌ عَلَيْهِ الرَّحِمُ، وَجِسْرٌ عَلَيْهِ الرَّبُّ تبارك وتعالى. هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، قِيلَ: هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، وَمُرسَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَرَوَاهُ أَبُو فَزَارَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ وَإِنْ صَحَّ، فَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّبِّ يَسْأَلُونَهُ عَمَّا فَرَّطَ فِيهِ

ص: 344

915 -

أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامُ، أنا عَبْدُ الْخَالْقِ بْنُ الْحَسَنِ السَّقَطِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] يَعْنِي الصِّرَاطَ، وَذَلِكَ أَنَّ جِسْرَ جَهَنَّمَ عَلَيْهَا سَبْعُ قَنَاطِرَ، عَلَى كُلِّ قَنْطَرَةٍ مَلَائِكَةٌ قِيَامٌ، وُجُوهُهُمْ مِثْلُ الْجَمْرِ، وَأَعُيُنُهُمْ مِثْلُ الْبَرْقِ، يَسْأَلُونَ النَّاسَ فِي أَوَّلِ قَنْطَرَةٍ عَنِ الْإِيمَانِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَفِي الثَّالِثَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنِ الزَّكَاةِ، وَفِي الرَّابِعَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنِ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي الْخَامِسَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنِ الْحَجِّ، وَفِي السَّادِسَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنِ الْعُمْرَةِ، وَفِي السَّابِعَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنِ الْمَظَالِمِ، فَمَنْ أَتَى بِمَا سُئِلَ عَنْهُ كَمَا أُمِرَ جَازَ عَلَى الصِّرَاطِ وَإِلَّا حُبِسَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تبارك وتعالى:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] يَعْنِي مَلَائِكَةً يَرْصُدُونَ النَّاسَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ السَّبْعِ فَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ السَّبْعِ

ص: 345

بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 8] .

ص: 346

916 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَيَّارٍ الطَّائِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، ثنا زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ

ص: 346

917 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى، ثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، ثنا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ رضي الله عنه عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] فَقَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ

ص: 347

918 -

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، رضي الله عنه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] قَالَ: رَأَى صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ " وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ فِي قَوْلِهِ تبارك وتعالى:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] . وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] . وَرَوَاهُ زَائِدَةُ وَزُهَيْرُ بْنُ

⦗ص: 348⦘

مُعَاوِيَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَعَلَا: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْبَانِيُّ سَأَلَ زِرًّا رضي الله عنه عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْآيَاتِ، فَأُخْبِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَرْجِعُ بِهِ إِلَى رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

ص: 347

919 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخَوَارِزْمِيُّ بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أنا أَبُو عُمَرَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنه قَالَ:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَةِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عُمَرَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: " رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام فِي حُلَّةِ رَفْرَفٍ أَخْضَرَ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

920 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه فَذَكَرَهُ

ص: 348

921 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا أَبُو أُسَامَةَ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] قَالَتْ رضي الله عنها: كَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَأْتِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، فَأَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ

ص: 349

922 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ الصَّفَّارُ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ عز وجل، وَلَكِنْ رَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام مَرَّتَيْنِ فِي صُورَتِهِ وَخَلْقِهِ سَادًّا مَا بَيْنَ الْأُفُقِ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ عَنِ الْأَنْصَارِيِّ

ص: 349

923 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، ح. وَأَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، وَاللَّفْظُ لَهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّرْوَقِيُّ، ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قُلْتُ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ. قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، وَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي فَلَا تَعْجَلِي عَلَيَّ، أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تبارك وتعالى:{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] ؟ فَقَالَتْ رضي الله عنها: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ هَذَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» . قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعِ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] ؟ ثُمَّ قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعِ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: 51] ؟ حَتَّى قَرَأَتْ إِلَى قَوْلِهِ: {عَلِيُّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] قَالَتْ رضي الله عنها: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ تبارك وتعالى جَلَّ ذِكْرُهُ يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] قَالَتْ رضي الله عنها: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ فَقَدْ

⦗ص: 351⦘

أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:{لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ

ص: 350

924 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]، {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" جِبْرِيلُ رَأَيْتُهُ مَرَّتَيْنِ: رَأَيْتُهُ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَرَأَيْتُهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ". الرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ فِي ذِكْرِ الْآيَتَيْنِ وَالْمَرَّتَيْنِ، وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ الْأُولَى كَانَتْ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأُفُقُ الْمُبِينُ عِبَارَةً عَنْهُ أَيْضًا ثُمَّ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ الْأُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 351

925 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا حَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، فَاتَّفَقَتْ رِوَايَةُ

⦗ص: 352⦘

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ أُنْزِلَتْ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام، وَفِي بَعْضِهَا أُسْنِدَ الْخَبَرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَقْدِيرِ قَوْلِهِ:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهما مِنْ رُؤْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، وَالدُّنُوُّ مِنْهُ عِنْدَ الْمَقَامِ الَّذِي رُفِعَ إِلَيْهِ وَأُقِيمَ فِيهِ قَوْلُهُ:{دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] الْمَعْنِيُّ بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام تَدَلَّى مِنْ مَقَامِهِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ فِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى فَاسْتَوَى، أَيْ وَقَفَ وَقْفَةً {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] أَيْ نَزَلَ حَتَّى كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْعَدِ الَّذِي رُفِعَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فِيمَا يَرَاهُ الرَّائِي وَيُقَدِّرُهُ الْمُقَدِّرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَنَا جِبْرِيلُ فَتَدَلَّى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا لِرَبِّهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «رَأَى رَفْرَفًا» . يُرِيدُ: جِبْرِيلَ عليه السلام فِي صُورَتِهِ عَلَى رَفْرَفٍ، وَالرَّفْرَفُ الْبِسَاطُ، وَيُقَالُ: فِرَاشٌ، وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ ثَوْبٌ كَانَ لِبَاسًا لَهُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ رَآهُ فِي حُلَّةِ رَفْرَفٍ. قُلْتُ: وَفِي حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ فِي قَوْلِهِ: " {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] قَالَ: عَبْدُهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جِبْرِيلَ، وَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحِجَابَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ إِلَى مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى جِبْرِيلَ عليه السلام مَا أَوْحَى، ثُمَّ جِبْرِيلُ عليه السلام أَلْقَاهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَرَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم الْحِجَابَ، يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مِنْ رُؤْيَتِهِ النُّورَ الْأَعْظَمَ وَدُونَهُ الْحِجَابُ رَفْرَفُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ

ص: 351

926 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ زَيْدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ قَالَا: أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] قَالَ: رَآهُ صلى الله عليه وسلم بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ وَكِيعٍ

ص: 353

927 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ، ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ} [النجم: 16] مَا يَغْشَى قَالَ: كَانَ أَغْصَانُ السِّدْرةِ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَرَآهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِقَلْبِهِ، وَرَأَى رَبَّهُ

ص: 353

وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] يَعْنِي: حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ، يَعْنِي رَبَّهُ تبارك وتعالى مِنْ جِبْرِيلَ عليه السلام. قُلْتُ: فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْمُرَادُ بِالْقُرْبِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ قَرْبٌ مِنْ حَيْثُ الْكَرَامَةِ لَا مِنُ حَيْثُ الْمَكَانِ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ:{أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْأَدْنَى مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ فِي الْكَرَامَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ عز وجل:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] يَعْنِي: بِالْإِجَابَةِ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ:{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] وَقَدْ قَالَ: {وَنَحْنُ

⦗ص: 354⦘

أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة: 85]، وَقَالَ:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبَلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لَا قُرْبَ الْبُقْعَةِ، وَنَظِيرُهُ مِنَ الْحَدِيثِ

ص: 353

928 -

مَا أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيُّ، ثنا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرِ بْنَ الزِّبْرِقَانِ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، فَجَعَلْنَا لَا نَصْعَدُ شَرَفًا وَلَا نَهْبِطُ وَادِيًا إِلَّا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ، وَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ضَعُوا مِنْ أَصْوَاتِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ دُونَ رِكَابِكُمْ» . ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ» . قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟» قُلْتُ: بَلَى. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» . وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ. فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَالَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ.

929 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَصَحُّ، وَالْقَائِلُونَ بِهَا أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ. وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا دَلَّ عَلَى صِحَّتِهَا

ص: 354

930 -

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، ثنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، رضي الله عنه يُحَدِّثُ حَدِيثًا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَهُوَ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاءُوهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبَهُ ـ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ، تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ ـ فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ عليه السلام فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ، حَتَّى فَرَّجَ عَنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، وَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ ثُمَّ أَتَى بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوٌّ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا صَدْرَهُ وَجَوْفَهُ وَأَعَادَهُ ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ. قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، يَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ وَأَهْلًا يَا بُنَيَّ، فَنِعْمَ الِابْنُ أَنْتَ. فَإِذَا هُوَ

⦗ص: 356⦘

فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهْرَيْنِ يَطَّرِدَانِ، فَقَالَ:«مَا هَذَانِ النَّهْرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: هَذَانِ: النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا. ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَذَهَبَ يَشُمُّ تُرَابَهُ فَإِذَا هُوَ الْمِسْكُ، فَقَالَ:«يَا جِبْرِيلُ وَمَا هَذَا النَّهَرُ؟» قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ. ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتِ لَهُ الْمَلَائِكَةُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ فِي الْأُولَى: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا. ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءٌ قَدْ سَمَّاهُمْ أَنَسٌ رضي الله عنه، فَوَعَيْتُ مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِي الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمُ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِفَضْلِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ مُوسَى عليه السلام: لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ إِلَيَّ أَحَدٌ، ثُمَّ عَلَا بِهِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، حَتَّى جَاءَ بِهِ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الْجَبَّارُ تبارك وتعالى فَتَدَلَّى، حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا شَاءَ فِيمَا أَوْحَى خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ:«عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» . قَالَ: فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ وَعَنْهُمْ. فَالْتَفَتَ إِلَى جِبْرِيلَ عليه السلام كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ. فَعَلَا بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ تبارك وتعالى وَهُوَ مَكَانُهُ، فَقَالَ:«يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا» . فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى عليه السلام، فَاحْتَبَسَهُ، وَلَمْ يَزَلْ يَرُدُّهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ فَضَيَّعُوهُ وَتَرَكُوهُ، وَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ

⦗ص: 357⦘

أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ. فَالْتَفَتَ إِلَى جِبْرِيلَ عليه السلام لِيُشِيرَ عَلَيْهِ، فَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَقَالَ:«يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِي ضِعَافٌ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ فَخَفَّفْ عَنَّا» . فَقَالَ عز وجل: «إِنِّي لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، هِيَ كَمَا كُتِبَتْ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَلَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَةُ أَمْثَالِهَا، هِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهُنَّ خَمْسٌ عَلَيْكَ» . فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى عليه السلام، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: «خُفِّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» . قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَتَرَكُوهُ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ» ، قَالَ: فَاذْهَبْ بِاسْمِ اللَّهِ. فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَلَمْ يَسُقْ مَتْنَهُ، وَأَحَالَ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه. وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ لَفْظُ الدُّنُوِّ وَالتَّدَلِّي، وَلَا لَفْظُ الْمَكَانِ. وَرَوَى حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَقَتَادَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لَيْسَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ فِي رِوَايَتِهِ هَذِهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظِ الْحَدِيثَ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ مِنْ نِسْيَانِهِ مَا حَفِظَهُ غَيْرُهُ، وَمِنْ مُخَالَفَتِهِ فِي مَقَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ رَآهُمْ فِي السَّمَاءِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ. وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ:«فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ» وَمِعْرَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ رُؤْيَةَ عَيْنٍ، وَإِنَّمَا شَقُّ صَدْرِهِ كَانَ وَهُوَ، صلى الله عليه وسلم، بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا إِنَّمَا هِيَ حِكَايَةٌ حَكَاهَا شَرِيكٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، لَمْ يَعُزْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا رَوَاهَا عَنْهُ، وَلَا أَضَافَهَا إِلَى قَوْلِهِ. وَقَدْ خَالَفَهُ فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ مِنْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، وَهُمْ أَحْفَظُ

⦗ص: 358⦘

وَأَكْبَرُ وَأَكْثَرُ، وَرَوَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] الْمُرَادُ بِهِ جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: " وَالَّذِي قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالٌ؛ أَحَدُهَا: أَنَّهُ دَنَا يَعْنِي جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَتَدَلَّى أَيْ: فَقَرُبَ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ تَدَلَّى وَدَنَا، وَذَلِكَ أَنَّ التَّدَلِّي سَبَبُ الدُّنُوِّ " أَخْبَرَنَا بِهَذَا الْقَوْلِ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: قَالَ الْفَرَّاءُ: " قَوْلُهُ تبارك وتعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] يَعْنِي جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام دَنَا مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى أَيْ قَدْرَ قَوْسَيْنِ عَرَبِيَّتَيْنِ أَوْ أَدْنَى، {فَأَوْحَى} [النجم: 10] يَعْنِي جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام {إِلَى عَبْدِهِ} [النجم: 10] إِلَى عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ {مَا أَوْحَى} [النجم: 10] " قَالَ الْفَرَّاءُ: قَوْلُهُ: " {فَتَدَلَّى} [النجم: 8] كَانَ الْمَعْنَى: ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنَا، وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَوْ كَالْوَاحِدِ، قَدَّمْتَ أَيَّهُمَا شِئْتَ فَقُلْتَ: قَدْ دَنَا فَقَرُبَ، وَقَرُبَ فَدَنَا، وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ وَأَسَاءَ فَشَتَمَنِي. لِأَنَّ الشَّتْمَ وَالْإِسَاءَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ تَدَلَّى يَعْنِي جِبْرِيلَ بَعْدَ الِانْتِصَابِ وَالِارْتِفَاعِ حَتَّى رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَدَلِّيًا كَمَا رَآهُ مُنْتَصِبًا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ قُدْرَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى حِينَ أَقْدَرَهُ عَلَى أَنْ يَتَدَلَّى فِي الْهَوَاءِ مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى شَيْءٍ وَلَا تَمَسُّكٍ

⦗ص: 359⦘

بِشَيْءٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلُهُ: {دَنَا} [النجم: 8] يَعْنِي جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام، فَتَدَلَّى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا لِرَبِّهِ شُكْرًا عَلَى مَا أَرَاهُ مِنْ قُدْرَتِهِ، وَأَنَالَهُ مِنْ كَرَامَتِهِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَلَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِمَّا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّ التَّدَلِّي مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى، جَلَّ رَبُّنَا عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَنُعُوتِ الْمَرْبُوبِينَ الْمَحْدُودِينَ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَفِي الْحَدِيثِ لَفْظَةٌ أُخْرَى تَفَرَّدَ بِهَا شَرِيكٌ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْهَا غَيْرُهُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: فَقَالَ وَهُوَ مَكَانُهُ، وَالْمَكَانُ لَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، إِنَّمَا هُوَ مَكَانُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُقَامُهُ الْأَوَّلُ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ

ص: 355

931 -

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَهَهُنَا لَفْظَةٌ أُخْرَى فِي قِصَّةِ الشَّفَاعَةِ، رَوَاهَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«فَيَأْتُونِي ـ يَعْنِي أَهْلَ الْمَحْشَرِ ـ يَسْأَلُونِي الشَّفَاعَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ» .

932 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أنا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا هَمَّامٌ، ثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى فَذَكَرَهُ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ» . أَيْ: فِي دَارِهِ الَّتِي دَوَّرَهَا لِأَوْلِيَائِهِ وَهِيَ الْجَنَّةُ، كَقَوْلِهِ عز وجل: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ

⦗ص: 360⦘

رَبِّهِمْ} [الأنعام: 127]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25] وَكَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ، وَحَرَمُ اللَّهِ، يُرِيدُونَ الْبَيْتَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَالْحَرَمَ الَّذِي جَعَلَهُ أَمَنًا. وَمِثْلُهُ رَوْحُ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْضِيلِ لَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَرْوَاحِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي تَرْتِيبِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا:{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لِمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] فَأَضَافَ الرَّسُولَ إِلَيْهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ "

ص: 359

933 -

قُلْتُ: وَمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه فَمِثْلُهُ نَقُولُ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14] قَالَ: {ثُمَّ دَنَا} [النجم: 8] فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 360

934 -

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الطِّيبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما بَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَسْأَلُهُ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنْ نَعَمْ. فَرَدَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما رَسُولَهُ أَنْ كَيْفَ رَآهُ؟ فَأَرْسَلَ: إِنَّهُ رَآهُ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، دُونَهُ فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ، يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ

⦗ص: 362⦘

الْمَلَائِكَةِ: مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ ثَوْرٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ نَسْرٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ أَسَدٍ. لَفْظُ حَدِيثِ يَعْلَى. زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ: فِي صُورَةِ رَجُلٍ شَابٍّ. قُلْتُ فَهَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ضَعْفِ مَا يَرْوِيهِ إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ سَمَاعَهُ فِيهِ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَبَيْنَ الرَّاوِي عَنْهُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ

ص: 361

935 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَآهُ كَأَنَّ قَدَمَيْهِ عَلَى خُضْرَةٍ، دُونَهُ سِتْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ. فَقُلْتُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] قَالَ: يَا لَا أُمَّ لَكَ، ذَاكَ نُورُهُ الَّذِي هُوَ نُورُهُ، إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لَا يُدْرِكَهُ شَيْءٌ. إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ ضَعِيفٌ فِي الرِّوَايَةِ، ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ.

936 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، يَقُولُ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ ضَعِيفٌ قُلْتُ:

⦗ص: 363⦘

وَرُوِيَ عَنِ الْقِنْبَارِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْحَكَمُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ فِي الصَّحِيحِ.

937 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: مُوسَى الْقِنْبَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَضَعِيفُهُ. قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ

ص: 362

938 -

كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، أنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي سُوَيْدٍ الذِّرَاعُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظَ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثنا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ رَبِّي جَعْدًا أَمْرَدَ

⦗ص: 364⦘

عَلَيْهِ حُلَّةٌ خَضْرَاءُ» . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ، ثنا ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَوْصِلِيُّ وَابْنُ شَهْرَيَارَ قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رِزْقِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، ثنا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:«فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ جَعْدٍ» . قَالَ: وَزَادَ عَلِيُّ بْنُ شَهْرَيَارَ: «عَلَيْهِ حُلَّةٌ خَضْرَاءُ» . وَرَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ، دُونَهُ سِتْرٌ مِنْ لُؤْلُؤِ قَدَمَيْهِ ـ أَوْ قَالَ: رِجْلَيْهِ ـ فِي خُضْرَةٍ.

⦗ص: 365⦘

939 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعْدٍ، أنا أَبُو أَحْمَدَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ، ثنا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ. وَهَذَا إِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ شَاذَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، وَرُوِّينَاهُ مِنْ، حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ الذِّارِعِ، عَنْ حَمَّادٍ، وَرُوِيَ مِنْ، وَجْهَيْنِ، آخَرَيْنِ عَنْ حَمَّادٍ، فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ ـ وَكَانَ مِنَ الْمُتَعَصِّبِينَ ـ إِلَى مَا:

940 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، نا ابْنُ حَمَّادٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعِ الثَّلْجِيُّ، أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: «كَانَ حَمَّادُ بْنُ

⦗ص: 366⦘

سَلَمَةَ لَا يُعْرَفُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَتَّى خَرَجَ خَرْجَةً إِلَى عَبَادَانَ، فَجَاءَ وَهُوَ يَرْوِيهَا، فَلَا أَحْسِبُ إِلَّا شَيْطَانًا خَرَجَ إِلَيْهِ فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهَا إِلَيْهِ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ: فَسَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ صُهَيْبٍ يَقُولُ: إِنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ كَانَ لَا يَحْفَظُ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهَا دُسَّتْ فِي كُتُبِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ كَانَ رَبِيبُهُ وَكَانَ يَدُسُّ فِي كُتُبِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ كَذَّابٌ وَكَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ وَيَدُّسُّهُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِأَحَادِيثَ كُفْرِيَّاتٍ مِنْ تَدْسِيسِهِ. قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي الرُّؤْيَةِ قَدْ رَوَاهَا غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قُلْتُ: وَقَدْ حَمَلَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَزَعَمَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ تَكَلَّمَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ عَطَاءٌ

⦗ص: 367⦘

وَطَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرْضَاهُ، وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي الصِّحَاحِ.

941 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَكْثَرُ عِلْمِي عَلَيَّ أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لِغُلَامٍ لَهُ اسْمُهُ بُرْدٌ: إِيَّاكَ يَا بُرْدُ أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ كَمَا يَكْذِبُ عِكْرِمَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.

⦗ص: 368⦘

قُلْتُ: وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَنْ عَزَاهَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام فِي حُلَّةِ رَفْرَفٍ أَخْضَرَ. وَثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16] قَالَ: غَشِيَهَا فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام فِي صُورَتِهِ وَهُوَ إِنَّمَا رَأَى جِبْرِيلَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. ثُمَّ قَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ فِي الْمَنَامِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أُمِّ الطُّفَيْلِيِّ رضي الله عنهما، وَذَلِكَ فِيمَا:

ص: 363

942 -

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْمِصْرِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أُمِّ الطُّفَيْلِ، امْرَأَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ عز وجل فِي الْمَنَامِ فِي صُورَةِ شَابٍّ مُوَفَّرٍ فِي خُضْرٍ عَلَى

⦗ص: 369⦘

فِرَاشٍ مِنْ ذَهَبٍ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ ذَهَبٍ. وَقَوْلُهُ «مُوَفَّرٍ» . يَعْنِي: ذَا وَفْرَةٍ؛ أَيْ: شَعْرَةٌ. وَقَوْلُهُ «فِي خُضْرٍ» . أَيْ: فِي ثِيَابٍ خُضْرٍ، وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَهُوَ حِكَايَةٌ عَنْ رُؤْيَا رَآهَا فِي الْمَنَامِ. قَالَ أَهْلُ النَّظَرِ: رُؤْيَا النَّوْمِ قَدْ يَكُونُ وَهُمًا يَجْعَلُهُ اللَّهُ تَعَالَى دَلَالَةً لِلرَّائِي عَلَى أَمَرٍ سَالِفٍ أَوْ آنِفٍ عَلَى طَرِيقِ التَّعْبِيرِ

ص: 368

943 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الصَّائِغُ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210] يَقُولُ: الْمَلَائِكَةُ يَجِيئُونَ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَاللَّهُ عز وجل يَجِيءُ فِيمَا يَشَاءُ، وَهِيَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210] وَهِيَ كَقَوْلِهِ {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] . قُلْتُ: فَصَحَّ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ الْغَمَامَ إِنَّمَا هُوَ مَكَانُ الْمَلَائِكَةِ وَمَرْكَبُهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ

⦗ص: 371⦘

تَعَالَى لَا مَكَانَ لَهُ وَلَا مَرْكَبَ، وَأَمَّا الْإِتْيَانُ وَالْمَجِيءُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه يُحْدِثُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِعْلًا يُسَمِّيهِ إِتْيَانًا وَمَجِيئًا، لَا بِأَنْ يَتَحَرَّكَ أَوْ يَنْتَقِلَ، فَإِنَّ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ وَالِاسْتِقْرَارَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَحَدٌ صَمَدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ عز وجل:{فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [النحل: 26] وَلَمْ يُرِدْ بِهِ إِتْيَانًا مِنْ حَيْثُ النُّقْلَةِ، إِنَّمَا أَرَادَ إِحْدَاثَ الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ خَرِبَ بُنْيَانُهُمْ وَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقَهُمْ، فَسَمَّى ذَلِكَ الْفِعْلَ إِتْيَانًا، وَهَكَذَا قَالَ فِي أَخْبَارِ النُّزُولِ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِعْلٌ يُحْدِثُهُ اللَّهُ عز وجل فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ يُسَمِّيهِ نُزُولًا بِلَا حَرَكَةٍ وَلَا نُقْلَةٍ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ

ص: 370

944 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَادُ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ الْأَشْجَعِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَنْزِلُ اللَّهُ عز وجل كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ "

⦗ص: 372⦘

945 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ فَذَكَرَ بِمَعْنَاهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَرَوَاهُ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 371

946 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَا: ثنا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، ثنا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، أنا سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِشَطْرِ اللَّيْلِ ـ أَوْ لَثُلُثِ اللَّيْلِ ـ الْأَخِيرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ أَوْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلَا ظَلُومٍ؟ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ مُحَاضِرِ بْنِ الْمُوَرِّعِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فِي آخَرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

ص: 372

947 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا شُعْبَةُ، أنا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَغَرَّ، يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عز وجل يُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِيَ ثُلُثَا اللَّيْلِ ثُمَّ يَهْبِطُ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ مِنْ ذَنْبٍ؟ " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» .

⦗ص: 373⦘

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ:«فَيَنْزِلُ» بَدَلَ قَوْلِهِ: «ثُمَّ يَهْبِطُ» . وَبِمَعْنَاهُ قَالَهُ مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ: «يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا»

ص: 372

948 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبَانَةَ الشَّاهِدُ بِهَمَذَانَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ح. وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْوَاسِطِيُّ، ثنا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يَنْزِلُ اللَّهُ عز وجل إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ قَالَ: وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ". لَفْظُ حَدِيثِ الْوَاسِطِيِّ وَهُوَ أَتَمُّ. وَقَدْ رُوِيَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَرِفَاعَةَ بْنِ عَرَابَةَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

ص: 373

949 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، أنا سَلْمُ بْنُ قَادِمٍ، ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: قَالَ لِي عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: قَدِمَ عَلَيْنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُنْذُ نَحْوٍ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدَنَا قَوْمًا مِنَ الْمُعْتَزَلَةِ يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِنَحْوٍ مِنْ عَشْرَةِ أَحَادِيثَ فِي هَذَا، وَقَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَقَدْ أَخَذْنَا دِينَنَا هَذَا عَنِ التَّابِعِينَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهُمْ عَمَّنْ أَخَذُوا؟

ص: 374

950 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرْوِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ قَاضِيَ فَارِسٍ يَقُولُ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا يَعْقُوبَ، تَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: وَيَقْدِرُ. فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا يَعْقُوبَ، تَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إِلَيْنَا نَبِيًّا، نُقِلَ إِلَيْنَا عَنْهُ أَخْبَارٌ بِهَا نُحَلِّلُ الدِّمَاءَ، وَبِهَا نُحَرِّمُ، وَبِهَا نُحَلِّلُ الْفُرُوجَ، وَبِهَا نُحَرِّمُ، وَبِهَا نُبِيحُ الْأَمْوَالَ وَبِهَا نُحَرِّمُ، فَإِنْ صَحَّ ذَا صَحَّ ذَاكَ، وَإِنْ بَطَلَ ذَا بَطَلَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَمْسَكَ عَبْدُ اللَّهِ

ص: 375

951 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ سَلَمَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ، يَقُولُ: جَمَعَنِي وَهَذَا الْمُبْتَدِعُ ـ يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ ـ مَجْلِسُ الْأَمِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ

⦗ص: 376⦘

فَسَأَلَنِي الْأَمِيرُ عَنْ أَخْبَارِ النُّزُولِ فَسَرَدْتُهَا، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَفَرْتُ بِرَبٍّ يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ. فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. قَالَ فَرَضِيَ عَبْدُ اللَّهِ كَلَامِي وَأَنْكَرَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. هَذَا مَعْنَى الْحِكَايَةِ

ص: 375

952 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، وَعِنْدَهُ مَنْصُورُ بْنُ طَلْحَةَ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا يَعْقُوبَ، إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: تُؤْمِنُ بِهِ؟ فَقَالَ طَاهِرٌ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا الشَّيْخِ، مَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ مِثْلِ هَذَا؟ قَالَ إِسْحَاقُ: فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا أَنْتَ لَمْ تُؤْمِنْ أَنَّ لَكَ رَبًّا يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَسْتَ تَحْتَاجُ أَنْ تَسْأَلَنِيَ. قُلْتُ: فَقَدْ بَيَّنَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّ النُّزُولَ عِنْدَهُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ يَجْعَلُهُ نُزُولًا بِلَا كَيْفٍ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ فِيهِ الِانْتِقَالَ وَالزَّوَالَ

ص: 376

953 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: وَفِيمَا أَجَازَنِي جَدِّي يَعْنِي مَحْمُودَ بْنَ الْفَرَحِ قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ

⦗ص: 377⦘

رَاهَوَيْهِ: سَأَلَنِي ابْنُ طَاهِرٍ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي النُّزُولِ ـ فَقُلْتُ لَهُ: النُّزُولُ بِلَا كَيْفٍ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الصِّفَاتِ كَانَ مَذْهَبُ السَّلَفِ فِيهَا الْإِيمَانَ بِهَا، وَإِجْرَاءَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَنَفْيَ الْكَيْفِيَّةِ عَنْهَا. وَذَكَرَ الْحِكَايَةَ الَّتِي

ص: 376

954 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّارْكِيُّ، ثنا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا ابْنُ مُصَفَّى، ثنا بَقِيَّةُ، ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، قَالَا: امْضُوا الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا جَاءَتْ

ص: 377

955 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ فِي التَّشْبِيهِ فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِيَّةٍ

ص: 377

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ، كَيْفَ يَنْزِلُ؟ فَقَالَ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ:(كدخدَائ كارخويش كن) يَنْزِلُ كَمَا يَشَاءُ.

956 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ، ثنا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَدْلُ، ثنا مَحْبُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاضِي، ثنا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَيَوَيْهِ، حدثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَتَكِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ. فَذَكَرَ حِكَايَةً قَالَ فِيهَا: فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ يَنْزِلُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ:«كدخاي كارخويش كن» يَنْزِلُ كَيْفَ يَشَاءُ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ رحمه الله: «وَإِنَّمَا يَنْكِرُ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْحَدِيثِ مَنْ يَقِيسُ الْأُمُورَ فِي ذَلِكَ بِمَا يُشَاهِدُهُ مِنَ النُّزُولِ الَّذِي هُوَ نَزْلَةٌ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ، وَانْتِقَالٌ مِنْ فَوْقٍ إِلَى تَحْتٍ، وَهَذَا صِفَةُ الْأَجْسَامِ وَالْأَشْبَاحِ، فَأَمَّا نُزُولُ مَنْ لَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ صِفَاتُ الْأَجْسَامِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي غَيْرُ مُتَوَهَّمَةٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ قُدْرَتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِعِبَادِهِ، وَعَطْفِهِ عَلَيْهِمْ وَاسْتِجَابَتِهِ دُعَائِهِمْ وَمَغْفِرَتِهِ لَهُمْ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى صِفَاتِهِ كَيْفِيَّةٌ، وَلَا عَلَى أَفْعَالِهِ كِمِّيَّةٌ، سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» . وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ رحمه الله فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ: وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي أُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ

⦗ص: 379⦘

بِظَاهِرِهِ، وَأَنْ لَا نَكْشِفَ عَنْ بَاطِنِهِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] الْآَيَةَ فَالْمُحْكَمُ مِنْهُ يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ وَالْعَمَلُ، وَالْمُتَشَابِهُ يَقَعُ بِهِ الْإِيمَانُ وَالْعِلْمُ الظَّاهِرُ، وَيُوكَلُ بَاطِنُهُ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] وَإِنَّمَا حَظُّ الرَّاسِخِينَ أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا. وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ عز وجل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة: 210] وَقَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وَالْقَوْلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ هُوَ مَا قُلْنَاهُ، وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَقَدْ زَلَّ بَعْضُ شُيُوخِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ يُرْجَعُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَالِ، فَحَادَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ حِينَ رَوَى حَدِيثَ النُّزُولِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ: إِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ؟ قِيلَ لَهُ: يَنْزِلُ كَيْفَ يَشَاءُ. فَإِنْ قَالَ: هَلْ يَتَحَرَّكُ إِذَا نَزَلَ؟ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ يَتَحَرَّكُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَتَحَرَّكْ. وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ عَظِيمٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِالْحَرَكَةِ، لِأَنَّ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ يَتَعَاقَبَانِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالْحَرَكَةِ مَنْ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالسُّكُونِ، وَكِلَاهُمَا مِنْ أَعْرَاضِ الْحَدَثِ، وَأَوْصَافِ الْمَخْلُوقِينَ، وَاللَّهُ تبارك وتعالى مُتَعَالٍ عَنْهُمَا، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. فَلَوْ جَرَى هَذَا الشَّيْخُ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَلَمْ يُدْخِلْ نَفْسَهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ بِهِ الْقَوْلُ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْخَطَأِ الْفَاحِشِ. قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِكَيْ يُتَوَقَّى الْكَلَامُ فِيمَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، فَإِنَّهُ لَا يُثْمِرُ خَيْرًا وَلَا يُفِيدُ رُشْدًا، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ مِنَ

⦗ص: 380⦘

الضَّلَالِ، وَالْقَوْلِ بِمَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْفَاسِدِ وَالْمُحَالِ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: قَدْ يَكُونُ النُّزُولُ بِمَعْنَى إِقْبَالٍ عَلَى الشَّيْءِ بِالْإِرَادَةِ وَالنِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْهُبُوطُ وَالِارْتِفَاعُ وَالْبُلوغُ وَالْمَصِيرُ، وَأَشْبَاهُ هَذَا الْكَلَامِ، وَذَكَرَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَلَا يُرَادُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا انْتِقَالٌ يَعْنِي بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ بِالْإِرَادَةِ وَالْعَزْمِ وَالنِّيَّةِ. قُلْتُ: وَفِيمَا قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ رحمه الله كِفَايَةٌ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى مَعْنَاهُ الْقُتَيْبِيُّ فِي كَلَامِهِ، فَقَالَ: لَا نُحَتِّمُ عَلَى النُّزُولِ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّا نُبَيِّنُ كَيْفَ هُوَ فِي اللُّغَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ. وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْأُسْتَاذِ أَبِي عُثْمَانَ رحمه الله فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ عَقِيبَ حَدِيثِ النُّزُولِ: قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ يَعْنِي الْحَمْشَاذِيَّ عَلَى إِثْرِ الْخَبَرِ: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ: «يَنْزِلُ اللَّهُ» فَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْهُ فَقَالَ: يَنْزِلُ بِلَا كَيْفٍ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: نُزُولُهُ إِقْبَالُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْزِلُ نُزُولًا يَلِيقُ بِالرُّبُوبِيَّةِ بِلَا كَيْفٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهُ مِثْلَ نُزُولِ الْخَلْقِ بِالتَّجَلِّي وَالتَّمَلِّي، لِأَنَّهُ جل جلاله مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ مِثْلَ صِفَاتِ الْخَلْقِ، كَمَا كَانَ مُنَزَّهًا عَنْ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ مِثْلَ ذَاتِ الْغِيَرِ، فَمَجِيئُهُ وَإِتْيَانُهُ وَنُزُولُهُ عَلَى حَسْبِ مَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَكَيْفِيَّةٍ. ثُمَّ رَوَى الْإِمَامُ رحمه الله عُقَيْبَ حِكَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ حِينَ سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ نُزُولِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:«كد خداي كارخويش كن» يَنْزِلُ كَيْفَ يَشَاءُ. وَقَدْ سَبَقَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْحِكَايَةُ بِإِسْنَادِهِ وَكَتَبْتُهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا أَبُو سُلَيْمَانَ رحمه الله.

957 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ

⦗ص: 381⦘

الْمُزَنِيَّ يَقُولُ: «حَدِيثُ النُّزُولِ قَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُجُوهٍ صَحِيحَةٍ» وَوَرَدَ فِي التَّنْزِيلِ مَا يُصَدِّقُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وَالْمَجِيءُ وَالنُّزُولُ صِفَتَانِ مَنْفِيَّتَانِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ طَرِيقِ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، بَلْ هُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا تَشْبِيهٍ، جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الْمُعَطِّلَةُ لِصِفَاتِهِ وَالْمُشَبِّهَةُ بِهَا عُلُوًّا كَبِيرًا

ص: 378

958 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْحَرَشِيُّ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عز وجل فَاحْذَرُوهُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ

ص: 381