الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مقدمات في تعريف الإيمان
المبحث الأول: تعريف الإِيمان في اللغة
.
…
المبحث الأول: تعريف الإِيمان في اللغة.
"الإِيمان مصدر آمن يؤمن إِيماناً، فهو مؤمن"1 وهو مشتق من الأمن.
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله:
"وآمن إِنما يقال على وجهين:
(أحدهما) : متعدياً بنفسه. يقال: آمَنْتُه أي جعلتُ له الأمن، ومنه قيل للَّه مؤمن.
(والثاني) : غير متعدٍ ومعناه صار ذا أمن".2
وقد فسر كثير من العلماء والمفسرين وأهل اللغة الإيمان بالتصديق؛ إلا أن المحققين من العلماء واللغويين بينوا أن التصديق لا يفي في الدلالة على معنى الإِيمان، إذ أن لفظ الإِيمان يشتمل على معنىً زائد عن مجرد التصديق. هذا المعنى الزائد هو الأمن.
قال الراغب:
"قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} 3، قيل معناه:
1 تهذيب اللغة، لمحمد بن أحمد الأزهري، (5/513) ، دار الكتاب العربي.
2 المفردات في غريب القرآن، ص (26) .
3 سورة يوسف الآية رقم (17) .
بمصدِّق لنا، إلا أن الإِيمان هو التصديق الذي معه أمن"1.
وقد استدلوا لذلك بأمرين:
الأول: الاشتقاق، وذلك أن الإِيمان مشتق من الأمن.
الثاني: الاستعمال، حيث استعمل لفظ الإِيمان فيما هو أبعد من التصديق، مما يكون سببه الأمن والائتمان.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فإِن الإِيمان مشتق من الأمن، فإِنما يُسْتَعمل في خبر يؤتمن عليه المخْبِر، كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المُخْبِر
…
فاللفظ متضمن مع التصديق معنى الائتمان أو الأمانة، كما يدل عليه الاشتقاق والاستعمال، ولهذا قالوا:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} ، أي لا تقر بخبرنا، ولا تثق به، ولا تطمئن إليه، ولو كنا صادقين، لأنهم لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يؤمن لهم"2.
ومما ورد من استعمال لفظ "الإِيمان" في لوازم التصديق الذي معه أمن - كالثقة، والطمأنينة والخضوع - ما ذكره بعض أصحاب المعاجم، كصاحب "لسان العرب"، حيث قال:
1 المفردات، ص (26) .
2 مجموع الفتاوى، (7/291، 292) .
"والإِيمان الثقة، وما آمَن أن يجده صاحبه أي ما وثق"1.
وقال صاحب "القاموس المحيط":
"والإِيمان الثقة وإِظهار الخضوع"2.
فالإِيمان إذاً يطلق على فعل المُخبَر الذي يأمن المُخبِر، مما يؤدي إلى تصديق لخبره، يصاحبه ثقة في المُخِبر، واطمئنان له، وخضوع وانقياد لمدلول الخبر إذا كان يستلزم ذلك.
وعلى هذا فإِن تفسير لفظ الإِيمان بالإِقرار أكثر مطابقة لمعناه.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ولفظ إِيمان قيل أصله التصديق، وليس مطابقاً له، بل لا بد أن يكون تصديقاً عن غيب، وإلا فالمخبر عن مشهود ليس تصديقه إِيمانا، لأنه من الأمن الذي هو الطمأنينة
…
وقيل: بل هو الإِقرار، لأن التصديق إِنما يطابق الخبر فقط، أما الإِقرار فيطابق الخبر والأمر
…
"3.
وقال - أيضاً -:
"ومعلوم أن الإِيمان هو الإِقرار، لا مجرد التصديق، والإِقرار ضمن
1 جمال الدين محمد بن منظور المصري، (13/26) ، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، (1956م) .
2 محمد بن يعقوب الفيروزأبادي، كتاب ترتيب القاموس المحيط للطاهر أحمد الزاوي، (1/182) عيسى البابي الحلبي، الطبعة الثانية.
3 مجموع الفتاوى، (7/636) .
قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد"1.
فشيخ الإِسلام رحمه الله يرجح تفسير لفظ الإِيمان، بالإقرار القلبي الذي يتضمن مع التصديق عملاً قلبياً مناسباً. وقد ورد التعبير بلفظ الإِقرار على الإِيمان القلبي.
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله:
"والإِقرار إثبات الشيء
…
وقد يكون ذلك إثباتاً إِما بالقلبِ، وإِما باللسانِ، وإِما بهما. والإِقرار بالتوحيد وما يجري مجراه لا يغني باللسان ما لم يُضامُّه الإِقرار بالقلب، ويضاد الإِقرار الإِنكار"2.
ثم ذكر شواهد ذلك في القرآن الكريم، وهي:
وقوله - سبحانه -:
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَآ آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا
1 مجموع الفتاوى، (2/637) .
2 المفردات في غريب القرآن، (398) .
3 سورة البقرة الآية رقم (84) .
أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ} 1.
وخلاصة هذا المبحث:
أن تفسير لفظ "الإِيمان" في اللغة بالتصديق المجرد لا يفي بمعناه، إذ لا بد أن يشتمل معنى الإِيمان على الأمن الذي اشتق منه.
وتبين أن الأقرب تفسير لفظ الإِيمان في اللغة، بالإقرار الذي يدل مع التصديق على عمل قلبي مناسب لما يؤمن به أوْ لَهُ، كالثقة والاطمئنان للمُخبِر، وقبول خبره، والإِذعان له
…
ونحوها.
1 سورة آل عمران الآية رقم (81) .