المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: في المعنى الأول للمثل - الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله - جـ ١

[عبد الله بن عبد الرحمن الجربوع]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول: مقدمات في الأمثال…وتعريف الإيمان

- ‌الفصل الأول: مقدمات في الأمثال

- ‌المبحث الأول: المعاني الرئيسة للفظ "مثَل

- ‌المطلب الأول: في المعنى الأول للمثل

- ‌المطلب الثاني: في المعنى الثاني للفظ "مثل

- ‌المطلب الثالث: في المعنى الثالث للفظ (مثل)

- ‌المطلب الرابع: في المعنى الرابع للفظ "مثل

- ‌المطلب الخامس: أي أنواع المثل هو المقصود بهذه الدراسة:

- ‌المطلب السادس: المراد بضرب الأمثال:

- ‌المبحث الثاني: مقومات المثل القياسي

- ‌المطلب الأول: اشتمال المثل على القياس

- ‌المطلب الثاني: الحكمة

- ‌المبحث الثالث: أهمية الأمثال القرآنية وأغراضها

- ‌المطلب الأول: في بيان أهمية أمثال القرآن

- ‌المطلب الثاني: أغراض الأمثال القرآنية:

- ‌الفصل الثاني: مقدمات في تعريف الإيمان

- ‌المبحث الأول: تعريف الإِيمان في اللغة

-

- ‌المبحث الثاني: المعاني الشرعية للفظ "الإِيمان

- ‌المطلب الأول: أدلة تنوع المراد بلفظ الإِيمان شرعاً

- ‌المطلب الثاني: بيان أصل الإِيمان

- ‌المطلب الثالث: في تعريف الإِيمان القلبي

- ‌المطلب الرابع: في تعريف الإِيمان الكامل

الفصل: ‌المطلب الأول: في المعنى الأول للمثل

‌الباب الأول: مقدمات في الأمثال

وتعريف الإيمان

‌الفصل الأول: مقدمات في الأمثال

‌المبحث الأول: المعاني الرئيسة للفظ "مثَل

"

‌المطلب الأول: في المعنى الأول للمثل

المبحث الأول: المعاني الرئيسة للفظ "مثَل".

يخصص أهل المعاجم اللغوية والمفردات مساحة كبيرة نسبياً لدراسة معنى "المثَل" وذلك لكثرة معانيه، والأصول التي أخذت منها تلك المعاني، وما تصرف من مادة "مثَل" من المصادر، وذكر الشواهد اللغوية وغير ذلك من المباحث.

إلا أن العادة المتبعة في تعريف مادة "مثَل" في أغلب ما اطلعت عليه من الكتب - التي تكلمت عن هذه المادة - كانت بإيراد معنى مختار لتعريف "المثَل" ثم ذكر المعاني الأخرى، وأحياناً تجعل المعاني الأَخرى أَنواعاً مع أنها تغاير في الحقيقة المعنى المختار الذي صدر بذكره، وهذا المنهج يسبب صعوبة في الفهم وتداخلاً في المعاني.

ولذلك سأذكر المعانيَ الرئيسة التي تدور عليها معاني "المثل"، وحدَّها اللغوي، واشتقاقها، وبعض شواهدها، وما تدعو إليه الحاجة مما يتصل بها من المباحث، ثم أتبع ذلك بذكر ورود كل نوع في الكتاب والسنة، ذاكراً بعض الشواهد منهما. وسوف أفرد لكل معنى منها مطلباً مستقلاً.

ثم أفرد مطلباً خامساً لبيان أيِّ معاني الأمثال هي المقصود بهذه الدراسة، ثم مطلباً سادساً لبيان المراد بضرب الأمثال -واللَّه المستعان-.

ص: 41

المطلب الأول: في المعنى الأول للمثل، وهو: القول السائر:

يطلق لفظ "مثل" علماً على كل قول اشتهر، وتناقلته الألسن وكثر تمثل الناس به.

والقول السائر هو الذي يشبَّه مضربه1 بمورده2.

وهو مأخوذ من التمثل أي: الإنشاد.

قال جرير3 الشاعر: [ملف الجداول]

والتغلبيّ إذا تنحنح للقرى

حكَّ أسته وتمثل الأمثالا4

وحدّه كما قال الراغب5 الأصفهاني:

1 يراد بمضرب المثل: الحالات والمواقف المتجددة التي يمكن أن يستعمل فيها المثل، لما بينها وبين مورد المثل من التشابه. انظر: الأمثال العربية، دراسة تحليلية تاريخية، د. عبد المجيد قطامش، ص (14) ، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1408هـ.

2 مورد المثل، يراد به: الحالة التي قيل فيها ابتداءً. انظر: نفس المرجع.

3 هو جرير بن عطية الخطفي بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب من يربوع التميمي أبو حزرة، الشاعر، ولد باليمامة، وتوفي بها سنة 110هـ. انظر: وفيات الأعيان، لابن خلكان، (1/127) ، وطبقات الشعراء لابن سلام، ص (86) .

4 لسان العرب لابن منظور، دار صيدا، (47/611) .

5 الحسين بن محمد بن المفضل، المعروف بالراغب الأصفهاني، من أهل أصفهان، سكن بغداد، ومن مؤلفاته: محاضرات الأدباء، والذريعة إلى مكارم الشريعة، والمفردات في غريب القرآن.. وغيرها، توفي سنة 502هـ. انظر سير أعلام النبلاء، (18/120) ، والأعلام، لخير الدين الزركلي، (2/255) .

ص: 42

"والمثل عبارة عن قول في شيء يشبه قولاً في شيء آخر، بينهما مشابهة، ليبين أحدهما الآخر ويصوره، نحو قولهم "الصيف ضَيَّعتِ اللبن"1"2.

الأقوال السارية والتشبيه:

تنقسم الأمثال السارية باعتبار اشتمالها على التشبيه إلى أقسام:

1 -

ما شبه مضربه بمورده، وكان أسلوبه تشبيهاً.

مثل قولهم: "كمجير أم عامر"3.

فإِن الأسلوب تشبيه، ويضرب لتشابه مضربه - أي: الحال التي تمثل به لها - مع الحال التي أطلق فيها أولاً.

(ضيعتِ) بكسر التاء وإِن خاطبت به مذكراً، لأن الأمثال تحكى، فلا تغير عن صيغتها التي تمثل بها أول مرة. ويضرب هذا المثل لمن يضيع الأمر ثم يريد استدراكه، انظر: جمهرة الأمثال، لأبي هلال العسكري، (1/575) المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1384هـ.

2 المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، ص (462)، ت: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، تاريخ: بدون.

3 يضرب لمن يضع المعروف في غيره أهله، ولمن يُكافَأُ بالسوء على إحسانه. انظر: مجمع الأمثال للميداني، (2/144)، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الثانية، 1379هـ.

ص: 43

2-

ما شبه مضربه بمورده، لكن الأسلوب ليس تشبيهاً، كقولهم:

"الصيف ضيعتِ اللبن".

وتشبيه المضرب بالمورد إنما هو من باب الاستعارة التمثيلية1، حيث تستعار حال من ضُرب له أولاً، لحال من ضُرب له آخراً لوجود التشابه بينهما.2

3 -

الحِكَم وجوامع الكلم والأقوال التي ليس لها مورد، وليست أُسلوباً تشبيهياً.

كقولهم: "إن القليل بالقليل يكثر"3 وتمثلهم بقول الشاعر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم4

1 الاستعارة التمثيلية:"تركيب استعمل في غير ما وضع له، لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي".

انظر: علم البيان، د. عبد العزيز عتيق، ص (192) ، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ.

2 انظر: زهر الأكم في الأمثال والحكم، للحسن اليوسي، تحقيق: محمد حجي ود. محمد الأخضر، (1/22) ، الدار البيضاء، دار الثقافة، الطبعة الأولى، 1401هـ.

3 انظر: ديوان أبي العتاهية، الأرجوزة ذات الأمثال، ص (493) دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1384هـ.

4 انظر: ديوان المتنبي، أحمد بن الحسين الجعفي، ص (385) دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، التاريخ: بدون.

ص: 44

فالأسلوب ليس تشبيهاً، وليس هناك مورد للمثل تشبه به حال مَن ضُرب له.

4 -

ما كان أسلوبه تشبيهاً ولكن ليس له مورد يشبه به مضربه، كتمثلهم بقول: الخنساء1 - رحمها اللَّه -:

"كأنه علم في رأسه نار"2.

فهذا ليس فيه واقعة أو حال سابقة ضرب لها، وإنما تشبيه بصورة محسوسة يتخيلها السامع.

تدوين أمثال العرب السارية:

لقد اعتنى الأدباء والعلماء قديماً وحديثاً بتدوين الأمثال السارية ودراستها، واستخلاص الفوائد والعبر منها، وامتد ذلك إلى دراسة الأمثال المعربة، والأمثال العامية. والمؤلفات في هذا الباب تقارب المائة كتاب أو تزيد.3

1 هي تماضر بنت عمرو بن الحارث، والخنساء لقب غلب عليها، من الشاعرات المخضرمات، أسلمت مع قومها بني سليم، وهي من الشاعرات المجيدات توفيت سنة 24هـ.

انْظر: أسد الغابة (7/88) ، والأعلام للزركلي (2/86) .

2 يضرب للشيء الظاهر المشتهر، انظر: مجمع الأمثال، (1/155) وديوان الخنساء، دار صادر، ص (49) .

3 انظر لمعرفتها كتاب: الأمثال العربية ومصادرها في التراث، لمحمد أبو صوفة من ص (29-37) ، مكتبة الأقصى، الطبعة الأولى، (1302هـ) . وكتاب: الأمثال العربية، دراسة تاريخية تحليلية، د. عبد المجيد قطامش من ص (39 - 122) .

ص: 45

ورود هذا النوع في القرآن الكريم:

إِن القول الموجز الحكيم إذا سار بين الناس، وكثر تمثلهم به يصبح مثلاً. ومن ذلك بعض الآيات الكريمة أو أجزاؤها التي تداولها الناس، ولم تُعدّ من الأمثال عند أول نزولها، ولكنها اعتبرت أمثالاً، بعد أن سارت على الألسن وتمثل بها.

وأمثلة ذلك كثيرة منها:

تمثلهم بقوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} 1.

وقوله: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَاّ الإِحْسَانُ} 2.

وقوله: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} 3.

وقوله: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً} 4.

1 سورة التوبة، الآية رقم (91) .

2 سورة الرحمن، الآية رقم (60) .

3 سورة يوسف، الآية رقم (51) .

4 سورة يونس، الآية رقم (36) .

ص: 46

وقوله: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَاّ بِأَهْلِهِ} 1. وقوله: {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} 2 ونحوها كثير.

"وقد استطاع بعض الدارسين المعاصرين أن يجمع منها نحو سبعمائة مثل3، وإن كان من الممكن أن يحصيَ الإِنسان أَكثر من هذا العدد"4.

ورود هذا النوع في السنة المطهرة:

لقد خص اللَّه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم وبدائع الحِكم.

قال صلى الله عليه وسلم "بُعثت بجوامع الكلم"5.

قال ابن حجر رحمه الله في بيان المراد بجوامع الكلم:

"أنه صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بالقول الموجز، القليل اللفظ، الكثير المعاني"6.

1 سورة فاطر، الآية رقم (43) .

2 سورة الأنفال، الآية رقم (19) .

3 أمثال القرآن وأثرها في الأدب العربي إلى القرن الثالث الهجري، لنور الحق تنوير. (رسالة ماجستير، محفوظة بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة) ص (112-115) نقلاً عن كتاب: الأمثال العربية، د. عبد المجيد قطامش.

4 الأمثال العربية، دراسة تاريخية تحليلية، د. عبد المجيد قطامش، ص (130) .

5 متفق عليه، البخاري: في كتاب الجهاد باب "نصرت بالرعب"، ح (2977) ، الصحيح مع الفتح (6/128)، ومسلم: في كتاب المساجد ح (523)، صحيح مسلم ت: محمد عبد الباقي (1/ 371) .

6 فتح الباري (13/247) .

ص: 47

وقد أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم أقوال موجزة، وكلمات جامعة حكيمة سارت وفشت بين المسلمين فأصبحت أمثالاً - فمن ذلك:

قوله صلى الله عليه وسلم:

"لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"1.

وقوله:

"ليس الخبر كالمعاينة"2.

وقوله: "الحرب خُدْعَة"3.

وقوله: "هذا حين حمي الوطيس"4 وفي رواية: "الآن حمي الوطيس"5.

1 متفق عليه، البخاري: كتاب الأدب، باب لا يلدغ المؤمن..، ح (6133) الصحيح مع الفتح (10/529) . ومسلم: كتاب الزهد، باب لا يلدغ المؤمن.. ح (2998) صحيح مسلم (4/ 2295) .

2 رواه الإمام أحمد، المسند، (1/271) ، والحاكم في المستدرك (2/321)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

3 متفق عليه. البخاري: كتاب الجهاد، باب الحرب خدعة، ح (3030) الصحيح مع الفتح (6/158)، مسلم: كتاب الجهاد، باب جواز الخداع في الحرب، ح (1739) الصحيح تحقيق عبد الباقي (3/ 1361) .

4 رواه مسلم: كتاب الجهاد، باب: غزوة حنين، ح (1775) صحيح مسلم (3/ 1399) .

5 رواه الإمام أحمد وغيره، المسند (1/207) .

ص: 48

وقوله: "رُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع"1.

ونحوها كثير.2

1 رواه البخاري، كتاب الحج باب الخطبة أيام منى، ح (1741) الصحيح مع الفتح (3/574) .

2 انظر: أمثال الحديث للقاضي أبي محمد الرامهرمزي تحقيق: عبد العلي عبد الحميد، الدار السلفية، بومباي، وكتاب الأمثال في الحديث النبوي للحافظ أبي الشيخ الأصفهاني، تحقيق: د. عبد العلي عبد الحميد، الدار السلفية بومباي، وهما كتابان محققان، بيّن فيهما المحقق الصحيح والضعيف مما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الأمثال.

ص: 49