المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: في المعنى الثالث للفظ (مثل) - الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله - جـ ١

[عبد الله بن عبد الرحمن الجربوع]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول: مقدمات في الأمثال…وتعريف الإيمان

- ‌الفصل الأول: مقدمات في الأمثال

- ‌المبحث الأول: المعاني الرئيسة للفظ "مثَل

- ‌المطلب الأول: في المعنى الأول للمثل

- ‌المطلب الثاني: في المعنى الثاني للفظ "مثل

- ‌المطلب الثالث: في المعنى الثالث للفظ (مثل)

- ‌المطلب الرابع: في المعنى الرابع للفظ "مثل

- ‌المطلب الخامس: أي أنواع المثل هو المقصود بهذه الدراسة:

- ‌المطلب السادس: المراد بضرب الأمثال:

- ‌المبحث الثاني: مقومات المثل القياسي

- ‌المطلب الأول: اشتمال المثل على القياس

- ‌المطلب الثاني: الحكمة

- ‌المبحث الثالث: أهمية الأمثال القرآنية وأغراضها

- ‌المطلب الأول: في بيان أهمية أمثال القرآن

- ‌المطلب الثاني: أغراض الأمثال القرآنية:

- ‌الفصل الثاني: مقدمات في تعريف الإيمان

- ‌المبحث الأول: تعريف الإِيمان في اللغة

-

- ‌المبحث الثاني: المعاني الشرعية للفظ "الإِيمان

- ‌المطلب الأول: أدلة تنوع المراد بلفظ الإِيمان شرعاً

- ‌المطلب الثاني: بيان أصل الإِيمان

- ‌المطلب الثالث: في تعريف الإِيمان القلبي

- ‌المطلب الرابع: في تعريف الإِيمان الكامل

الفصل: ‌المطلب الثالث: في المعنى الثالث للفظ (مثل)

‌المطلب الثالث: في المعنى الثالث للفظ (مثل)

.

يطلق لفظ (مَثَل) بمعنى (المِثْل) وهو النظير.

ورد في بعض المعاجم وكتب التفسير واللغة: أصل المثل في كلام العرب المِثْل وهو النظير، ويقال: مَثَل، ومِثْل، ومثيل: كَشَبه، وشِبْه، وشبيه.1

وهو مأخوذ من المماثلة، أي: المشابهة.

والأصل في هذا النوع من الأمثال قائم على تشبيه شيء بشيء، لوجود عنصر تشابه أو تماثل بينهما، أو لوجود أكثر من عنصر تشابه، وقد يعبر به عن المماثلة التامة.

قال الراغب: "والمَثَل يقال على وجهين: أحدهما: بمعنى المِثْل، نحو شِبْه وشَبَه

والثاني: عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني"2.

ومن شواهد هذا النوع في لغة العرب:

قول بعضهم:

1 تاج العروس للزبيدي، (8/110) ، دار ليبيا، بنغازي. والمفردات للراغب الأصفهاني، ص (462) وأنوار التنزيل للبيضاوي، (1/27) الناشر البابي الحلبي، الطبعة الثانية، 1388هـ.

2 المفردات للراغب، ص (462) .

ص: 63

أعاقرٌ مِثْلُ ذات رِحْمٍ؟

أو غانمٌ مِثْلُ من يخيب؟ 1

وقول بعضهم:

أبقى لها طول السفار مقرمداً

سنداً ومثلَ دعائم المتخيم2

وقول الآخر:

وثدياً مثل حقِّ العاج رخصاً

حصاناً من أَكف اللامسينا3

وأكثر ما تأتي أمثال هذا النوع عن طريق أسلوب التشبيه، دون أن يرد فيها لفظ (مثل) ، لكن بأدوات التشبيه.

كقول حسان بن ثابت4 رضي الله عنه:

1 من قصيدة لعبيد بن الأبرص الأسدي، انظر ديوانه، ت: د. حسين نصار ص (12) ، مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأولى، 1377هـ. ومعنى قوله:"أعاقر مثل ذات رحم؟ ": استفهام إنكاري، أي: هل المرأة العاقر التي لا تلد تشبه المرأة ذات الرحم أي الولود؟ ومراده أنهما لا تستويان.

2 من معلقة عنترة العبسي، انظر: شرح القصائد العشر، لأبي زكريا يحيى الشيباني المعروف بالتبريزي، ص (343) ، مطبعة السعادة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ.

3 من معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي، انظر: شرح القصائد العشر، ص (387) .

4 الصحابي الجليل حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه، شاعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توفي سنة 54 هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء (2/512) . وتهذيب التهذيب، (2/ 247) .

ص: 64

عرفت ديار زينب بالكثيب

كخط الوحي في الورق القشيب1

وقد يكون التمثيل بدون أداة التشبيه، كما في قول القائل:

هزجاً يحك ذراعه بذراعه

قدح المكب على الزناد الأجذم2

وربما كان التشبيه على سبيل الاستعارة التمثيلية: كما في قولهم:

وما ذرفت عينك إلا لتضربي

بسهميك في أعشار قلب مقتل3

وقول الآخر: [ملفات الجداول]

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع4

وهذا النوع من الأمثال التشبيهية يقوم على القياس، حيث يجرى فيه بيان المشبه بمقايسته بالمشبه به، وسوف يأتي الكلام على التشبيه والقياس في المبحث القادم "مقومات القياس" - إِن شاء اللَّه -.

1 ديوان حسان بن ثابت، ت: د. سيد حنفي، وحسن كامل، ص (134) ، المكتبة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1394هـ.

2 من معلقة عنترة بن شداد، شرح القصائد العشر، ص (334) .

3 من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي، انظر: شرح القصائد العشر ص (79) .

4 من قصيدة لأبي ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، انظر: ديوان الهذليين، ص (3) ، الدار القومية للطباعة، والنشر، القاهرة، 1385هـ.

ص: 65

ورود هذا النوع في القرآن الكريم:

لقد ورد هذا النوع من الأمثال كثيراً في القرآن الكريم، وقد صرفها اللَّه للناس بمختلف تصاريف القول، فمنها ما يكون بلفظ "مثل" وبدون أداة التشبيه كقوله تعالى:{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأعْمَى وَالأصَمّ وَالْبَصِيرِ وَالسّمِيعِ} 1.

وأكثر ما يجيء هذا النوع في القرآن بلفظ "مثل" مقروناً بكاف التشبيه، نحو: قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} 2.

وقوله: {مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُواْ التّوْرَاةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} 3.

وقد ورد التمثيل القياسي التشبيهي بأداة من أدوات التشبيه ودون لفظ "مثل" كقوله تعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنّمَا خَرّ مِنَ السّمَآءِ} 4.

وقوله: {كَأَنّهُمْ حُمُرٌ مّسْتَنفِرَةٌ فَرّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} 5.

1 سورة هود، الآية رقم (24) .

2 سورة البقرة، الآية رقم (17) .

3 سورة الجمعة، الآية رقم (5) .

4 سورة الحج، الآية رقم (31) .

5 سورة المدثر، الآية رقم (50) .

ص: 66

كما ورد بدون لفظ "مثل" وبدون أداة من أدوات التشبيه كقوله تعالى: {أَيَوَدّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مّن نّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلّ الثّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ} 1.

وهذه الآية مثل ضربه اللَّه لعمل عامل، كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما.2

والمراد أن هذه الآية تضمنت مثلاً ضرب بدون لفظ "مثل" أو أداة من أدوات التشبيه.

ونحوه قول اللَّه عز وجل: {أَنَزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السّيْلُ زَبَداً رّابِياً وَمِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقّ وَالْبَاطِلَ فَأَمّا الزّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمّا مَا يَنفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ كَذَلِكَ

1 سورة البقرة، الآية رقم (266) .

2 رواه البخاري، كتاب التفسير، باب:"أيود أحدكم.." الآية. ح (4538) الصحيح مع الفتح، (8/ 202) .

ص: 67

يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ} 1.

وأحياناً تأتي أمثال هذا النوع بأسلوب الاستعارة التمثيلية كما في قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 2 وقوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرّقُواْ} 3.

ورود هذا النوع في السنة المطهرة:

هذا النوع من الأمثال - أعني المثل التشبيهي - له تأثير متميز في إيضاح المراد، فيحتاج إليه كل داعية لبيان ما يدعو إليه، والإقناع به، وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم التشبيه عن طريق ضرب المثل ببراعة فائقة، تدل على عظم ما أعطاه اللَّه من الفصاحة، وهيأه به من البلاغة.

ومن تلك الأمثال التشبيهية النبوية:

قوله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ

1 سورة الرعد، الآية رقم (17) .

2 سورة البقرة، الآية رقم (256) .

3 سورة آل عمران، الآية رقم (103) .

ص: 68

رِيحَهُ. وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً"1.

وقوله عليه الصلاة والسلام:

"مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا. فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا"2.

وقوله صلى الله عليه وسلم:

"مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ"3.

وقوله صلى الله عليه وسلم:

"مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا4 الرِّيحُ مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً.

1 رواه البخاري، كتاب البيوع، باب في العطار وبيع المسك، ح (2101) الصحيح مع الفتح، (4/323) .

2 رواه البخاري، كتاب الشركة، باب هل يقرع في القسمة، ح (2493) الصحيح مع الفتح، (5/132) .

3 رواه البخاري، كتاب الدعوات، فضل ذكر اللَّه عز وجل، ح (6407) الصحيح مع الفتح، (10/103) .

4 تفيِّئُها: فيأ يفيء إفاءة. من معانيها التحول. انظر: ترتيب القاموس المحيط، الطاهر أحمد الزاوي، (3/540) والمعنى: أن الريح تحول الزرع من استقامته فتميله، ثم تعدله والمراد: أن المؤمن يتناوب عليه المرض والصحة مدة حياته.

ص: 69

وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لَا تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا1 مَرَّةً وَاحِدَةً"2.

وهذا النوع من الأمثال كثير في السنة المطهرة3.

وخلاصة هذا المطلب:

أن لفظ "مَثَل" و "مِثْل" بمعنى: شَبَه، وشِبْه أي النظير المشابه يأتي كثيراً في اللغة، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة بكثرة.

كما أن الأمثال التشبيهية قد تأتي بغير لفظ "مثل" فقد تصاغ بأداة من أدوات التشبيه أو بدونها.

1 انجعافها: بمعنى انصراعها. انظر: نفس المصدر، (1/501) . والمعنى: أن الأرزة تبقى على استقامتها لا تطرحها الرياح لغلظ ساقها حتى تحصد مرة واحدة، والمراد: أن المنافق قليل المرض يبدو بصحة جيدة حتى يدهمه الموت.

2 رواه البخاري، كتاب المرض، باب ما جاء في كفارة المرض، ح (5643) الصحيح مع الفتح، (10/ 103) .

3 انظر: كتاب أمثال الحديث للقاضي الرامهرمزي، ت: عبد العلي عبد الحميد، وكتاب الأمثال في الحديث النبوي للحافظ أبي الشيخ الأصفهاني (نفس المحقق) .

ص: 70