الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وافرة، فتصل معجزات القرآن بذلك إلى ستين ألف معجزة أو أكثر) (1) .
ولعل هذا أن يكون وجها جديدا من وجوه الإعجاز، وهو كثرة وجوه إعجازه، فكلام غير الله مهما حصل فيه من البلاغة والحكمة والتوفيق، إلا أنه لا يمكن أن يشمل كل وجوه الإعجاز السابقة، والله أعلم.
المطلب الثاني: التحدي أن يؤتى بمثله:
من علامات صدق القرآن وصحته، هو أنه تحدى الخلق من أنس وجن أن يأتوا بأحسن منه فلم يطيقوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو معارضته، ثم لم يزل يتنزل معهم بالتحدى، فلما عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله، فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بحديث من مثله فعجزوا:
قال سبحانه: {قُل فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [القصص:49] .
(1) الخصائص الكبرى للسيوطي (1/197) .
وقال تعالى: {قُل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] .
ثم قال سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِن دُونِ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13] .
ثم قال جل جلاله: {وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِن دُونِ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] .
وقال تبارك اسمه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:38] .
ثم قال سبحانه: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] .
قال ابن كثير رحمه الله: (ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو، فقال مخاطبا للكافرين:{وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} [البقرة: 23] يعني محمدا (فأتوا بسورة من مثل ما جاء به:، إن زعمتم أنه من عند غير الله فعارضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله، فإنكم لا تستطيعون ذلك، وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن، فقال في سورة القصص:{قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين} [القصص: 49] وقال في سورة سبحان {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88]
وقال في سورة هود: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} [هود: 13] وقال في سورة يونس: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} [يونس: 37، 38] وكل هذه الآيات مكية، ثم تحداهم بذلك أيضا في المدينة فقال في هذه الآية:(وإن كنتم في ريب (أي شك (مما نزلنا على عبدنا (يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (فأتوا بسورة من مثله (يعني من مثل القرآن، فتحداهم كلهم متفرقين ومجتمعين سواء في ذلك أميهم وكتابيهم، وقد تحداهم بهذا في مكة والمدينة مرات عديدة مع شدة عداوتهم له وبغضهم لدينه ومع هذا أعجزوا عن ذلك)(1) .
قال الإمام ابن جرير رحمه الله: (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} : وهذا من الله عز وجل احتجاج لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي قومه من العرب ومنافقيهم وكفار أهل الكتاب وضلالهم الذين افتتح بقصصهم قوله جل ثناؤه: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} وإياهم يخاطب بهذه الآيات، وضرباءهم يعني بها، قال الله جل ثناؤه: وإن كنتم أيها المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابين في شك - وهو الريب - مما نزلنا على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم من النور والبرهان وآيات الفرقان أنه من عندي، وأني الذي أنزلته إليه، فلم تؤمنوا به ولم تصدقوه فيما
(1) تفسير القرآن العظيم (1/59-60) بتصرف.
يقول، فأتوا بحجة تدفع حجته; لأنكم تعلمون أن حجة كل ذي نبوة على صدقه في دعواه النبوة أن يأتي ببرهان يعجز عن أن يأتي بمثله جميع الخلق، ومن حجة محمد صلى الله عليه وسلم على صدقه وبرهانه على نبوته، وأن ما جاء به من عندي، عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله. وإذا عجزتم عن ذلك، وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والدراية، فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز. كما كان برهان من سلف من رسلي وأنبيائي على صدقه وحجته على نبوته من الآيات ما يعجز عن الإتيان بمثله جميع خلقي. فيتقرر حينئذ عندكم أن محمدا لم يتقوله ولم يختلقه، لأن ذلك لو كان منه اختلافا وتقولا لم يعجزوا وجميع خلقه عن الإتيان بمثله، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعد أن يكون بشرا مثلكم، وفي مثل حالكم في الجسم وبسطة الخلق وذرابة اللسان، فيمكن أن يظن به اقتدار على ما عجزتم عنه، أو يتوهم منكم عجز عما اقتدر عليه) (1) .
(1) تفسير الطبري (1/165) .
فلما عجزوا عن معارضته مع توفر الدواعي لذلك، علمنا أنه