المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: نقله من غيره ، والرد عليهم: - دعاوى الطاعنين في القرآن الكريم = الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين

[عبد المحسن المطيري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الطعن في القرآن

- ‌المبحث الثاني: مصطلحات ترادف الطعن في القرآن

- ‌المبحث الثالث: التعريف بالطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري

- ‌الباب الأول (النظري) الطعن في القرآن: نشأته، أسبابه، مواجهته

- ‌الفصل الأول: تاريخ الطعن في القرآن والكتب المؤلفة فيه

- ‌المبحث الأول: أول من تكلم فيه

- ‌المبحث الثاني: أول من ألف فيه

- ‌المبحث الثالث: اتجاهات العلماء في التأليف في هذا المجال

- ‌المبحث الرابع: الكتب المؤلفة فيه

- ‌الفصل الثاني: أسباب الطعن في القرآن

- ‌المبحث الأول: لماذا هذه الحرب على القرآن

- ‌المبحث الثاني: ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن

- ‌المبحث الثالث: أنواع المطاعن

- ‌المبحث الرابع: أسباب الاختلاف في القرآن

- ‌الفصل الثالث: مواجهة دعاوى الطعن في القرآن

- ‌المبحث الأول: تنزيه كلام الله عن المطاعن

- ‌المبحث الثاني: موقف سلف الأمة ممن يثيرون الشبه والمطاعن حول القرآن

- ‌المبحث الثالث: قواعد التعامل مع المطاعن

- ‌الباب الثاني (تطبيقي) : موقف الطاعنين من آيات القرآن والرد عليهم

- ‌الفصل الأول: الردود الإجمالية على من طعن في القرآن

- ‌المبحث الأول: الأدلة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: بشارة الكتب السابقة به:

- ‌المطلب الثاني: شهادة المنصفين:

- ‌المطلب الثالث: الآيات التي يجريها الله على يديه يخرق فيها العادة:

- ‌المطلب الرابع: إقرار الله تعالى له ولدعوته واستجابة دعائه

- ‌المطلب الخامس: من الأدلة على صدقه صلى الله عليه وسلم كمال أخلاقه:

- ‌المطلب السادس: جوابه الحاضر على أسئلة المشككين:

- ‌المطلب السابع: عدم استغلاله فرص التعالي:

- ‌المطلب الثامن: استعداده للملاعنة والمباهلة على من خالفه، غير وجل ولا خائف أن يحيق به شيء

- ‌المطلب التاسع: حمايته من كل ما يكاد به، ونجاته من كل محاولات الاغتيال:

- ‌المطلب العاشر: انتفاء الغرض الشخصي:

- ‌المطلب الحادي عشر: إخباره بالنهايات في البدايات:

- ‌المطلب الثاني عشر: إخباره بالغيب:

- ‌المطلب الثالث عشر: إحكام التشريع

- ‌المطلب الرابع عشر: الإعجاز العلمي:

- ‌المطلب الخامس عشر: الوصف الدقيق للغيب:

- ‌المطلب السادس عشر: تأليف قلوب العرب:

- ‌المطلب السابع عشر: الإلزام:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على صدق القرآن وما فيه

- ‌المطلب الأول: إعجاز القرآن:

- ‌المطلب الثاني: التحدي أن يؤتى بمثله:

- ‌المطلب الثالث: شهادة المنصفين من أهل الكتاب والكفار وأعدائه له بالصحة والصدق:

- ‌المطلب الرابع: الوحدة الموضوعية لكل سورة:

- ‌المطلب الخامس: عدم التناقض:

- ‌المبحث الثالث: ردود القرآن على الطاعنين

- ‌المبحث الرابع: ردود إجمالية أخرى

- ‌المطلب الأول: عدم معارضة كفار مكة له، مع أنهم أكثر الناس عداوة وفصاحة:

- ‌المطلب الثاني: إثبات الدليل (من أين لك هذا

- ‌المطلب الثالث: مخالفة الواقع:

- ‌المطلب الرابع: إجماع الأمة على ذلك (من سبقك إلى هذا) :

- ‌الفصل الثاني: الردود التفصيلية على من طعن في القرآن

- ‌المبحث الأول: التشكيك في نسبة القرآن إلى الله تعالى (مصدر القرآن)

- ‌المطلب الأول: دعواهم أن القرآن من عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم :

- ‌المطلب الثاني: نقله من غيره ، والرد عليهم:

- ‌المطلب الثالث: جواز نقده ومخالفته، والرد عليهم

- ‌المبحث الثاني: زعم عدم حفظه (النص القرآني)

- ‌المطلب الأول: شبهة أنه ليس هو القرآن الذي أنزل:

- ‌المطلب الثالث: النسخ في القرآن:

- ‌المبحث الثالث: اتهام القرآن بالتناقض

- ‌المطلب الأول: هل في القرآن تناقض حقيقي

- ‌المطلب الثاني: زعم تناقض بعض الآيات مع بعض

- ‌المبحث الرابع: اتهام القرآن بمعارضة الحقائق

- ‌المطلب الأول: دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الشرعية:

- ‌المطلب الثاني: دعوى تعارض القرآن مع الوقائع التاريخية:

- ‌المطلب الثالث: دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية أو حقائق العلم التجريبي:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المطلب الثاني: نقله من غيره ، والرد عليهم:

أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا ( [الْآيَةَ] (1) .

وعن جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ: أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فاشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (. (2)

فهذه أربعة عشر دليلاً على أن القرآن ليس من النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعضها كافٍ في ذلك ، وكني جمعتها كلها حتى لا يكون للمعترض حجة.

‌المطلب الثاني: نقله من غيره ، والرد عليهم:

أولاً: يقرر بعض المشككين أو الطاعنين أن القرآن ليس من عند النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس من عند الله أيضا ، بل هو مما نقله من غيره، كما قال ذلك مشركو مكة: إنه تعلمه من غلام نصراني. فقال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103] {

وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} [الفرقان:4] ؛

(1) البخاري: كتاب بدأ الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم:3218.

(2)

متفق عليه (البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب (ما ودعك ربك وماقلى، رقم:4950، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم، رقم:1797)، وأحمد (رقم:18329) واللفظ لأحمد.

ص: 214

وهذا الغير قد يكون أهل الكتاب ، وقد يكون غيرهم.

وقد أُلَّفَتْ في هذا الطعن مؤلفاتْ استشراقية كثيرة منها (1) :

1-

عناصر يهودية في مصطلحات القرآن الدينية، للمستشرق المجري بيرنات هيللر (1857-1943) ، نشر عام 1928.

2-

كتاب (الكلمات الأجنبية في القرآن) رسالة دكتوراة للمستشرق الألماني فرانكيل (1855-1909) ، ليدن، 1878.

3-

مراجع القرآن وعلومه، للمستشرق الألماني بريتزل [1893 - 1941] .

4-

المصادر الأصلية للقرآن، لتاسدول، طبع في لندن 1905.

5-

مصادر القصص الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء، سايدر سكاي، طبع في باريس 1932.

6-

مصادر القصص الكتابي في القرآن، بقلم سباير، 1939.

فهذه الكتب ألفت في هذا الطعن فقط، وهناك كتب أخرى ذكر هذا الطعن في أثنائها منها:

دائرة المعارف الإسلامية ، حيث يقولون:(إنه ليس في سورة الفاتحة أي شئ إسلامي خاص بل على العكس فيها ألفاظ يهودية ونصرانية)(2) ،

وفيها أيضا: (القرآن عبارة عما كان عند الكهان ، بدليل وجود

(1) انظر المستشرقون والدراسات القرآنية، للدكتور محمد حسين الصغير، (ص:118-120) ، المؤسسة الجامعة للدراسات والنشر، ط2،1986.

(2)

دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (ص:16) .

ص: 215

السجع والقسم بالطبيعة) (1) .

ويقول جولدتسيهر (2) : (إن القرآن ليس إلا مزيجا منتخبا من معارف وآراء دينية عرفها، واستقاها محمد بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها ، التي تأثر بها تأثرا عميقا والتي رآها جديرة بأن توقظ عاطفة دينية حقيقة عند بني وطنه، لقد تأثر بهذه الأفكار تأثرا وصل إلى أعماق نفسه ، وأدركها بايحاء قوة التأثيرات الخارجية ،فصارت عقيدة انطوى عليها قلبه ، كما صار يعتبر هذه التعاليم وحيا إلهيا)(3) .

(ويزعم المبشر نلسن وغيره: أن الإسلام مقلَّد ، وأن أحسن ما فيه مأخوذ من النصرانية ، وسائر ما فيه مأخوذ من الوثنية.

وحكى الكونت هنري دي كاستري في كتابه "الإسلام سوانح وخواطر" عن أحد المبشرين قوله: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب،

(1) دائرة المعارف الإسلامية الإستشراقية ص: 27.

(2)

مستشرق مجري يهودي مشهور (1850-1921) اعتنى بالعلوم الدينية الإسلامية عناية خاصة وألف في هذا المجال عدة كتب منها: الظاهرية مذهبهم وتاريخهم، دراسات إسلامية، محاضرات في الإسلام، اتجاهات تفسير القرآن عن المسلمين، أقام في القاهرة فترة، وفي أثناء هذه الفترة استطاع أن يختلف إلى بعض الدروس في الأزهر، وكان ذلك بالنسبة إلى أمثاله امتيازا كبيرا ورعاية عظيمة، اغتر به الكثير لسعة اطلاعه وإنصافه في بعض الأحيان، ولكنه كان يدس السم في العسل، فلا تجد طعنا من الطعون إلا وله فيه نصيب. انظر:(موسوعة المستشرقين للدكتور عبد الرحمن بدوي، ص: 197-203) بتصرف وزيادة.

(3)

العقيدة والشريعة في الإسلام لجولدتسيهر ص:12، عن كتاب القرآن الكريم في مواجهة الماديين الملحدين، للدكتور أحمد الشاعر (ص:93) دار القلم، الكويت، ط2،1982، وانظر القرآن والمستشرقون، لنقرة (ص:31) .

ص: 216

فقرأ التوراة وقرأ الإنجيل، وأخذ تعاليمه منهما) (1) .

وفي كتاب "المنجد"(2) الذي ألفه النصارى -كمرجع في اللغة العربية والأعلام- قد رسمت صورة للنبي (، وفيها أن الإنجيل أمامه وهو معه الريشة ينقل منه.

ويقول بلاشير (3) : (كان أسلوب النبي في القرآن أول عهده بالدعوة مفعما بالعواطف، قصير العبارات، فخم الصورة، يقدم أوصاف العقاب والثواب في ألوان صارخة، وكثيراً ما يكرر الآيات تَكراراً مملاً، حتى تنقلب معانيها إلى الضد، فلما تقدم الزمن بالنبي فقد الأسلوب منهجه الأول، وأخذ يَقُصُّ في نغمات هادئة بديعة قصص الأنبياء، مثلما تراه في قصة حب يوسف وزوجته بوتيفار، وكانت هذه الصورة مثيرة لخيال كثير من شعراء الفرس والترك، وفي آخر عهد النبي فقد الأسلوب كل حرارة وكل فن، وأغرم بالجدل الديني مع اليهود والنصارى)(4) .

ويقول طه حسين (5) : (يلاحظ أن في القرآن أسلوبين متعارضين ، لا تربط الأول بالثاني صلة ولا علاقة، مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذا الكتاب قد خضع لظروف مختلفة ، أو تأثيرات ببيئات متباينة، فمثلا نرى القسم المكي يمتاز بكل مميزات الأوساط المنحطة، كما نشاهد أن القسم المدني أو اليثربي تلوح عليه أمارة الثقافة

(1) رد افتراءات المبشرين على آيات القرآن الكريم، للدكتور محمد جمعة عبد الله (ص:263) ، جامعة أم القرى، ط1،1985.

(2)

في حرف الميم عند ذكر اسم (محمد) وقد حذفت هذه الصورة من الطبعات الجديدة للكتاب.

(3)

ريجي بلاشير (1900-1973) ولد في باريس، وسافر مع أبويه إلى المغرب، وقضى دراسته الثانوية في مدرسة فرنسية في الدار البيضاء، وتولى عدة مناصب كان آخرها تعينه أستاذا للغة العربية الفصحى في المدرسة الوطنية للغات الشرقية في باريس من 1950إلى1970، ومن كتبه: تاريخ الأدب العربي منذ البداية حتى نهاية القرن الخامس عشر، وتوفي دون أن يتمه، وترجمة القرآن إلى اللغة الفرنسية. (انظر: موسوعة المستشرقين، لعبد الرحمن بدوي؛ ص: 127 بتصرف) .

(4)

القرآن والمستشرقون (ص:32) .

(5)

طه بن حسين بن علي بن سلامة، ولد 1889، وتوفي 1973، دكتور في الأدب، من كبار المحاضرين، ولد في قرية الكيلو بمغاغة من محافظة المنيا، وأصيب بالجدري في الثالثة من عمره فكف بصره، وبدأ حياته في الأزهر ثم بالجامعة المصرية القديمة، وهو أول من نال شهادة الدكتوراة منها عام 1914، بكتاب (ذكرى أبي العلاء) وسافر في بعثة إلى باريس فتخرج بالسوربون (1918) وعاد إلى مصر فعين محاضرا في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم كان عميدا لتلك الكلية، كوزيرا للمعارف، وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي المراسلين بدمشق، ثم رئيسا لمجمع اللغة العربية بمصر، ثارت حوله ضجة كبيرة بسبب جرأته الكبيرة في نقد القرآن لاسيما في كتابه (في الشعر الجاهلي)، وله مؤلفات كثيرة. انظر: الأعلام للزركلي (3/231) بتصرف.

ص: 217

والاستنارة، فأنتم إذا دققتم النظر وجدتم القسم المكي يتفرد بالعنف والشدة، والقسوة والحدة والغضب والسباب ، والوعيد والتهديد، مثل (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ( [المسد:1-4] (وَالْعَصْرِ () إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ( [العصر:1-2] {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إن ربك لبالمرصاد} [الفجر:13] (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ( [التكاثر:5-6] ، ويمتاز هذا القسم أيضا بالهروب من المناقشة، وبالخلو من المنطق فيقول: (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ( [الكافرون:1-6] .

ويمتاز كذلك بتقطع الفكرة واقتضاب المعاني وقصر الآيات، والخلو التام من التشريع والقوانين، كما يكثر فيه القسَمُ بالشمس والقمر والنجوم والضحى والفجر والعصر والليل والنهار والتين والزيتون

إلى آخر ما هو جدير بالبيئات الجاهلية الساذجة ،التي تشبه بيئة مكة تأخرا وانحطاطا.

وأما القسم المدني فهو هاديء لين ، وديع مسالم، يقابل السوء بالحسن ، ويناقش الخصوم بالحجة الهادئة والبرهان الساكن الرزين، فيقول {َوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء:22] .

ويهجر مع أعدائه الترهيب والقسوة، ويسلك سبيل الترغيب والتطميع في المكافأة ، فيقول {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] ،

ص: 218

{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق2-3] .

كما أن هذا القسم ينفرد بالتشريعات الإسلامية ،كالمواريث والوصايا والزواج والطلاق والبيوع وسائر المعاملات، ولا شك أن هذا أثر واضح من آثار التوراة والبيئة اليهودية ، التي ثقفت المهاجرين إلى يثرب ثقافة واضحة، يشهد بها هذا التغيير الفجائي الذي ظهر على أسلوب القرآن.

أما طول آياته في هذا القسم ، فهذا أمر جلي ظاهر؛ لأن إحدى آياته قد تزيد على عدة سور بتمامها من القسم المكي، أما أفكاره فهي منسجمة متسلسلة ، ترمي أحيانا إلى غايات اجتماعية وأخلاقية.

وعلى الجملة فإن ما في هذا القسم المدني من هدوء ومنطق وتشريع وقصص وتاريخ ، يدل دلالة صريحة على أن الظروف التي أحاطت بهذا الكتاب ، أبان نشأته قد تطورت تطورا قويا) (1) .

وقال الخوري الحداد (2) : (إن الدعوة المحمدية كانت في العهد

(1) من مذكرة أملاها طه حسين على طلابه في كلية الآداب بالجامعة المصرية، ثم أخذها النائب عبد الحميد سعيد وألقى بيانا في مجلس النواب في دورة سنة 1932عن موقف طه حسين من القرآن، ونقل هذه المادة بنصها، ثم نقلها ورد عليها محمد أحمد عرفة -وكيل كلية الشريعة الإسلامية- في كتاب اسماه نقض مطاعن في القرآن الكريم، وطبع في مطبعة المنار بمصر، ووقف على تصحيحه وعلق على بعض حواشيه السيد محمد رشيد رضا، ط1، 1351هـ، (ص:4-7) .

(2)

يوسف إلياس الحداد، مبشر لبناني وكان يلبس بزة الخوارنة المسيحيين، كرس جهوده في الهجوم على القرآن والإسلام، وألف في ذلك كتبا منها: الإنجيل والقرآن، والقرآن والكتاب، ونظم القرآن والكتاب، وغير ذلك من الكتب، وقد تصدى له وكشف عواره ورد عليه ردا مفحما الأستاذ محمد دروزة في كتابه (القرآن والمبشرون) ،طبعه المكتب الإسلامي في بيروت، ط2،1972، وانظر ترجمة الحداد في مقدمة الكتاب.

ص: 219

المكي كتابية إنجيلية ، توراتية مسيحية يهودية، والقرآن نسخة عربية من الكتب السماوية السابقة ، المنزلة على الأنبياء السابقين ومقتبس منها، والقرآن كتاب توراتي إنجيلي في موضوعه ومصادره وقصصه وجدله، وكان محمد متأثرا إلى أبعد الحدود باليهود والنصارى، واليهودية والنصرانية والتوراة والإنجيل ، حتى كأنه واحد منهم مع غلبة المسحة المسيحية) (1) .

وقال: (والسر الكبير في ثقافة محمد الكتابية والإنجيلية ، وجود العالم المسيحي ورقة بن نوفل من بني أسد ابن عم السيدة خديجة في جوار النبي، وهو الذي زوجة ابنة عمه، فقد أجمعت الآثار على أن ورقة تنصر ، وكان يترجم التوراة والإنجيل إلى العربية، فهو إذن عالم مسيحي كبير، وقد عاش محمد في جواره خمسة عشر عاما قبل مبعثه، ألا تكفي هذه المدة لنابغة العرب محمد بن عبد الله ، لكي يأخذ عنه شيئا من علوم التوراة والإنجيل، وينص صحيح البخاري على أن ورقة هو الذي ثبَّّتَ محمدا في دعوته وبعثته لما عاد خائفا من غار حراء، وعلى أن الوحي فتر لما توفي ورقة، وحاول محمد الانتحار مرارا لفقده وفتوره، ونجد في المدينة في معية النبي حاشية مسيحية ويهودية قد أسلمت أو سايرت الإسلام، نجد بلالا الحبشي مؤذن النبي. وصهيبا الرومي المسيحي الثري، وسلمان الفارسي المسيحي الأصل، وعبد الله بن سلام اليهودي الوحيد الذي أسلم في المدينة مع كعب الأحبار، وهل كان

(1) انظر القرآن والمبشرون (ص:94-95) .

ص: 220

حديث هذه الحاشية الكريمة سوى التوراة والإنجيل؟ إن ذلك حجة قاطعة على أن بيئة النبي والقرآن كانت كتابية من كل نواحيها، وأن ثقافة محمد والقرآن كتابية في كل مظاهرها ،وذلك بمعزل عن الوحي والتنزيل) (1) .

وقد ذهب إلى أبعد من ذلك المستشرق كليمان هواز (2) ،حيث كتب فصلا زعم فيه أنه اكتشف مصدرا جديدا للقرآن، وهو شعر أمية بن أبي الصلت، ومن ذلك قوله:

وَيَوْمَ مَوْعِدِهِمْ أنْ يُحْشَرُوا زُمَراً يَوْمَ الَتَّغَابُنِ إذُ لا يَنفَعُ الحَذَرُ

مُسْتَوسِقِيَنَ مَعَ الدَّاعِي كَأَنَّهُمُ رِجْلُ الجَرادِ زَفَتْهُ الرَّيحُ مُنْتشرُ

بَرَزُوا بصعيد مستوٍ جَزِرٍ وأُنْزِلَ العَرْشُ والميزانُ والزُبُرُ

تَقُولُ خُزَّانُها مَا كَانَ عِنْدُكُمُ أًلُمْ يَكُنْ جَاءَكُمْ مِنْ رَبَّكُمْ نُذُرُ

قالوا بَلَى فتبَِعْنا فَتْيةً بَطَرُوا وَغَرَّنَا طُولُ هذا العَيْشِ والعُمُرِ (3)

وأورد توسدال (4) شبهته السابقة وقال: إن من مصادره- القرآن- شعر امرئ القيس حيث قال: دَنَتِ السَّاعَةُ وانشَقَّ القَمَرْ عَنْ غَزَالٍ صَادَ قَلْبِي ونَفَرْ

أَحْوَرُ قَدْ حِرْتُ في أَوْصَافِِِهِ نَاعِسُ الطَّرُفِ بعَيْنَيهِ حَوَرْ

بِسهَامٍ مِنْ لحاظٍ فَاتِكٍ تَرَكَتْنِي كَهَشِيِمِ المُحْتِظِر (5)

(1) القرآن والمستشرقون لنقرة، ص:37-38.

(2)

كليرنسدال: لم أجد له ترجمة ، والظاهر أنه على قيد الحياة ، له كتاب بعنوان مصادر الإسلام في 216 صفحة وستة فصول ، وطبع في الهند. (انظر:"آراء المستشرقين حول القرآن " عمر إبراهيم (1/125)

(3)

القرآن والمستشرقون لنقرة ص:34.

(4)

لم أجد له ترجمة

(5)

المرجع السابق ص:34.

ص: 221

ولو أردنا أن نجمع أقول كل من تكلم لطال بنا المقام (1) .

ثانياً الرد على من زعم أنه نقل من غيره:

1-

لقد تكفل الله تعالى بالرد على هذه الشبهة:

وبالسبر والتقسيم القول: إن القرآن يمكن أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع طرق: من عند نفسه، من عند شخص، من كتاب، من الله تعالى ،أما من عند نفسه فقد تقدم معنا الرد على هذه الشبهة بأكثر من عشرة أوجه، (2)

-أما من عند شخص؛ فمن هو هذا الشخص؟ أكثر الطاعنين على أنهم نصارى أو يهود، فرد الله تعالى عليهم أن لسان أولئك القوم ولغتهم أعجمية، ولكن لغة هذا القرآن عربي مبين، فكيف للأعجمي أن يأتي بأعلى الفصاحة وذروة البلاغة في اللغة العربية:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103] .

-أما من كتاب، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] ،

(1) وقد ألف د. إبراهيم عوض كتابا بعنوان (مصدر القرآن: دراسة لشبهات المستشرقين المبشرين حول الوحي المحمدي) ،طبعته مكتبة زهراء الشرق في القاهرة، 1997، وهو جيد في بابه، وانظر: من أساليب الغزو الفكري الطعن في القرآن الكريم، للدكتور نبيل غنايم، (ص:529-531) ، وهو بحث نشر في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (العدد السابع، الجزء الرابع) سنة 1992.

(2)

راجع ص السابقة.

ص: 222

- فلم يبق إلا أنه من الله تعالى.

2-

العهد القديم لم يكن مترجما إلى اللغة العربية قبل الإسلام، وقد نص على ذلك المستشرقون أنفسهم، فهذا (جوتين) يقول عن صحائف اليهود:(إن تلك الصحائف مكتوبة بلغة أجنبية)(1) ، وقد أشارت الموسوعة البريطانية إلى عدم وجود ترجمة عربية لأسفار اليهود قبل الإسلام وأن أول ترجمة كانت في أوائل العصر العباسي ، وكانت بأحرف عبرية (2) .

كيف إذن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم منها، لابد على المستشرقين أن يفتروا كذبة جديدة ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم درس لغة التوراة فكان يترجمها للقرآن؟!!.

3-

ومن لطائف الاستدلال على أنه لم ينقل من غيره ما يذكره العلماء في فوائد أسباب النزول؛ إذ يذكرون أن من فوائد أسباب النزول أن دلالته على إعجاز القرآن ، وأنه من الله تعالى من ناحية الارتجال، فنزوله بعد الحادثة مباشرة يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين، أو من كتب السابقين (3) ، فلو كان ينقل كتابه من كتب غيره ، لكان إذا سأله سائل يتريث حتى يراجع الكتب التي عنده ، وينظر ماذا تقول في هذه المسألة ثم يجيب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ، بل يسأله الرجل فيعطيه الجواب الموافق للصواب، الذي لم يكن قرأه ولا عرفه إلا في هذه اللحظة التي نزل عليه فيها ، وقد ذكرت في مبحث أدلة صدق النبي وقائع كثيرة تدل على هذا المعنى.

(1) دراسات في تاريخ الإسلام ونظمه، س. د. جوتين، نقلا عن كتاب الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده، لمحمود ماضي، (ص:147) .

(2)

المرجع السابق (ص:148) .

(3)

ذكر هذه الفائدة الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير (1/50) .

ص: 223

4-

من أوضح الأدلة على رد دعوى النقل من ، غيره التحدي أن يأتي بمثله، كما تقدم تفصيل هذا في الردود العامة.

5-

لو كان القرآن مأخوذا من التوراة والإنجيل والكتب السابقة ، لما استطاع محمد صلى الله عليه وسلم أن يتحدى الناس ويقدم على هذا الخطأ الفادح؛ لأن هذه الأصول المنقول عنها موجودة في متناول أيدي الجميع، فلماذا يتحدى الناس بشيء موجود، ألا يخشى أن يقوم بعض الناس بالرجوع إلى مراجعه والعمل مثل عمله، فينكشف؟

6-

ثم هذه الأساطير والمراجع ليست خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، بل هي كتب متداولة بيد الجميع، فلماذا لا تحضرون لنا هذه الكتب التي نقل منها؟.

7-

(افتراض تعلم النبي صلى الله عليه وسلم من نصارى الشام ويهود المدينة وغيرهم، لا يتفق مع الحقيقة التاريخية التي تحدثنا عن الحيرة والتردد في موقف المشركين من رسول الله في محاولتهم لتفسير ظاهرة الرسالة؛ لأن مثل هذه العلاقة مع النصارى أو اليهود لا يمكن التستر عليها أمام أعداء الدعوة من المشركين وغيرهم، الذين عاصروه وعرفوا أخباره وخبروا حياته العامة بما فيها من سفرات ورحلات)(1) .

8-

وجود بعض الشرائع في القرآن ، التي تتفق مع ما في التوراة والإنجيل ، أو حتى ما عند العرب ليس في هذا دليل على أنه مأخوذ منها، فالقرآن لم يأت لهدم كل شيء ، بل لتصحيح الخطأ وإقرار الحق، فالصدق والشجاعة والكرم والحلم والرحمة والعزة كل هذه المعاني موجودة عند كفار مكة ومع هذا جاء الإسلام ولم يغير منها شيئا بل

(1) المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، لمحمد باقر الحكيم (ص:43) .

ص: 224

باركها وحث عليها، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :«إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» (1) . ولم يقل: لأنشئها.

إذن ليس من الضروري لكتاب هداية من هذا القبيل، أن يشجب كل الوضع الذي كانت الإنسانية عليه قبله حتى يثبت صحة نفسه، فمن الطبيعي أن يقر القرآن بعض الشرائع، سواء في الكتب السابقة السماوية ، أو في عادات الناس وأعرافهم، وأما الخطأ فإنه لا يقره (2)، وقد نص القرآن على هذا المعنى في مثل قوله تعالى:{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:37] .

9-

كيف يمكن اعتبار التوراة والإنجيل من أهم مصادر القرآن مع أن القرآن، خالفها في كثير من الأشياء؛ ففي بعض الأحداث التاريخية نجد القرآن يذكرها بدقة متناهية ،ويتمسك بها بإصرار، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يتجاهل بعضها، على الأقل تفاديا للاصطدام بالتوراة والإنجيل) (3) .

(ففي قصة موسى يشير القرآن إلى أن التي كفلت موسى هي امرأة فرعون، مع أن سفر الخروج يؤكد أنها كانت ابنته، كما أن القرآن يذكر غرق فرعون بشكل دقيق ، لا يتجاهل حتى مسألة نجاة بدن فرعون من الغرق مع موته وهلاكه، في الوقت الذي نجد التوراة تشير إلى غرق

(1) أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة (8729) ، رواه الإمام مالك في الموطأ بلاغا من غير إسناد (كتاب الجامع، باب ما جاء في حسن الخلق) بلفظ (بعثت لأتمم حسن الخلق) ، وأخرجه البزار بلفظ (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(انظر فتح الباري (6/665) .

(2)

المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، للحكيم (ص:61) .

(3)

المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن (ص:46) .

ص: 225

فرعون بشكل مبهم، ويتكرر نفس الموقف في قضية العجل؛ حيث تذكر التوراة أن الذي صنعه هو هارون، وفي قصة ولادة مريم للمسيح- عليهما السلام وغيرها من القضايا) (1) .

10-

من المعلوم أن في القرآن ما لا وجود له في كتب اليهود والنصارى، مثل: قصة هود وصالح وشعيب، فكيف أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ (2) .

(1) المرجع السابق (ص:47) .

(2)

الوحي القرآني من المنظور الاستشراقي ونقده، لماضى (ص:148) ، الجواب الصحيح لابن تيمية (3/25) ، (4/57) .

ص: 226

11-

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النصارى الذين خالطهم؛ من أمثال سلمان ، وصهيب وورقة، فلِمَ لم يفضحوه عندما سب النصارى وكفرهم في كتابه في عدة آيات، حتى إن سورة المائدة، وهي من آخر السور نزولا ، كانت من أكثر السور تكفيرا للنصارى (1) ؟ ذكر الآيات التي تكفر النصارى من سورة المائدة.

12-

من تناقضهم زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ القرآن من سلمان وصهيب النصرانيين وابن سلام اليهودي وغيرهم ممن أسلم من أهل

(1) الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده، لماضي (ص:148) .

ص: 227

الكتاب (1) ، وحقيقة الأمر أن إسلام هؤلاء حجة عليهم، إذ لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ القرآن والشريعة من أهل الكتاب، فلماذا يتركون الأصل ويذهبون إلى الفرع؟

13-

إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ دينه من اليهود والنصارى (والقرآن نسخة عربية من الكتب السماوية السابقة المنزلة على الأنبياء السابقين ومقتبس منها، والقرآن كتاب توراتي إنجيلي في موضوعه ومصادره وقصصه وجدله) ، كما يقول الخورى الحداد ، فلماذا إذن هذه الحرب الشعواء عليه؟ ولماذا هذا الطعن في كتاب مأخوذ من الإنجيل والتوراة؟ أليس حقيقة هذا الأمر أنه طعن في الأصل المأخوذ منه؟،

أم أن هؤلاء الطاعنين علموا في قرارة أنفسهم أنه كتاب عظيم منزل من الله تعالى ، وأنه ناسخ للشرائع السابقة؛ فهالهم هذا الأمر وحاولوا تنفير الناس منه بأي طريق ،فأخذوا يتكلمون بأي كلام ،لا لشيء إلا بغضا لهذا الكتاب ، فجرفهم الحماس حتى قالوا كلاما طعنوا به في التوراة والإنجيل -التي يدينون بها-وهم لا يشعرون.

14-

لقد شهد المنصفون من المستشرقين بضد ذلك:

يقول المستشرق الإنجليزي لايتنر (2) : (بقدر ما أعرف من دِينَيِ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد ليس اقتباساً ، بل قد أوحى إليه ربه، ولا ريب بذلك)(3) .

ويقول هنري دي كاستري: (ثبت إذن أن محمدا لم يقرأ كتابا

(1) انظر القرآن والمستشرقون، لنقرة، ص:35.

(2)

تقدمت ترجمته ص:211.

(3)

الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده، لماضي (ص:149) .

ص: 228

مقدسا ، ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه) (1) .

15-

وأما قول طه حسين: (وأما القسم المدني فهو هاديء لين وديع مسالم، يقابل السوء بالحسن ، ويناقش الخصوم بالحجة الهادئة والبرهان الساكن الرزين: فيقول {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء:22] ، ويهجر مع أعدائه الترهيب ، والقسوة ويسلك سبيل الترغيب والتطميع في المكافأة) .

فنقول: إن من غيرك ممن يوافقك أو توافقهم النصارى المبشرين والمستشرقين يخالفونك هنا فهذا الخوري الحداد يقول: (حين استقر محمد في المدينة انقلب انقلابا شاملا كاملا، انقلابا في الدعوة، فقد دخلت السياسة الدين، وانقلابا في الداعية الذي أصبح رجل دولة وحرب، وانقلابا في طريق الدعوة لقتال المشركين إلى أن يؤمنوا ، والكتابيين حتى يخضعوا للجزية، انقلابا في الأسلوب حيث كان بالحكمة والموعظة الحسنة ،فصار بالقتال والجهاد)(2) ، فمن نصدق؟، والحق أن أسلوب القرآن واحد، ولكنه يشتد مع الكافرين ، ويتلطف مع المؤمنين (3) .

16-

وأما الحداد فقد حشى كتبه بالتناقض المضحك، ونقول له:

(1) المرجع السابق.

(2)

انظر القرآن والمبشرون، لدروزة (ص:95) بتصرف يسير.

(3)

وانظر كتاب: نقض مطاعن في القرآن الكريم، لمحمد عرفة، فقد رد على هذه الفقرة ردا مطولا مفصلا، مبينا فيها أن القرآن يتميز بوحدة الأسلوب في المكي والمدني، (من ص:15إلى56) ، والمستشرقون وشبهاتهم حول القرآن، لمحمد باقر الحكيم (من:64-70) .

ص: 229

(وكفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (. فإليك هذه الطامة؛ إنه يقرر بكل وضوح وقوة أن القرآن (نسخة عربية من الكتب السماوية السابقة المنزلة على الأنبياء السابقين ومقتبس منها، والقرآن كتاب توراتي إنجيلي في موضوعه ومصادره وقصصه وجدله) ، ويدلل على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذه من ورقة وغير ذلك من الأدلة الكثيرة التي ساقها.

ويقول: إن ذلك حجة قاطعة على بيئة النبي ، والقرآن كانت كتابية من كل نواحيها، وأن ثقافة محمد والقرآن كتابية في كل مظاهرها، وذلك بمعزل عن الوحي والتنزيل) .

ثم يعقد فصلا بعنوان (هل للقرآن من مصدر) فيجيب: (المصدر الأول للقرآن هو الله؛ وهذه قضية إيمانية لا تُمس)(1) ، وإن تعجب فعجب تناقضه واضطرابه وحيرته، وهذه كافية في نسف كل ما قال، ولكن مع هذا سنكمل قراءة نص كلامه، ومع قلته إلا أنه حوى من المغالطات الشيء الكثير، فهو تارة يكذب كذبا صريحا ، مثل قوله: وهو-يعني ورقة- الذي زوجه ابنة عمه) ، مع أن كتب السيرة تذكر أن خديجة هي التي كانت راغبة في النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرسلت له تعرض في زواجها، وأن الذي خطبها له هو عمه أبو طالب من عمها عمرو بن أسد (2) ، وكيف لورقة أن يزوجها-وهو ابن عمها- مع وجود أعمامها الذين هم أقرب منه وأحق في الولاية؟!

(1) انظر القرآن والمستشرقون، لنقرة (ص:39) نقلا عن كتاب الحداد (القرآن والكتاب) ص:298.

(2)

انظر فصل: من الذي زوج خديجة، من كتاب الروض الأنف شرح السيرة النبوية لابن هشام، للإمام السهيلي (2/238) ، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، الناشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1993.

ص: 230

- (وقد عاش محمد في جواره خمسة عشر عاما قبل مبعثه) . لم تذكر كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم التقى بورقة إلا تلك المرة، فكيف يزعم أنه لازمه خمس عشرة سنة؟ ثم لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرفه هذه المعرفة لما احتاج إلى خديجة لتوصله إليه، ويكفى في الرد على هذا الكلام أنها دعوى لا دليل عليها.

- (وينص صحيح البخاري على أن ورقة هو الذي ثَََبَّتَ محمدا في دعوته وبعثته ،لما عاد خائفا من غار حراء) . وانظر إلى هذه المكابرة، فقد نص الحديث أن التي ثبتته هي خديجة رضي الله عنها وأما ورقة فقد خوفه فقال:(ليتني فيها، جَذِعاً يا ليتني أكونُ فيها حياً حين يخرج قومك، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ» ؟ قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا أُوذِيَ. في رواية: عُودِيَ) . وإليك نص الحديث كما في الصحيحين؛

عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ (قَالَتْ: كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -قَالَ: وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ ، فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» . قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي» ، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» . «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي» ، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» . «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى

ص: 231

بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي» ، فَقَالَ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (. فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ:«زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» .

فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، قَالَ لِخَدِيجَةَ: أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ،فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ،وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ،وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ،وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ،وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ، قَالَ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ (خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حين يخرجك قومك، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟» قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا أُوذِيَ-وفي رواية: عودي- وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ حَيًّا أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)(1) .

(1) متفق عليه (البخاري: كتاب بدء الوحي ، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم: 3 ومسلم: كتاب الإيمان ، باب ب بدء الوحي إلى رسول الله رقم: 160) .

ص: 232

وإذا كان ورقة يعرف حال النبي صلى الله عليه وسلم ،وأنه لازمه خمس عشرة سنة ، وأخذ منه القرآن، فلماذا يقول:(هذا الناموس -يعني الوحي-الذي أنزل على موسى) ويقول: (وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا) أليس في هذا تصديق له وإثبات صحة نبوته، أم أن الحدادي يأخذ من الحديث ما يوافق هواه ويعرض عن غيره.

-وقوله: (ونجد في المدينة في معية النبي حاشية مسيحية ويهودية قد أسلمت أو سايرت الإسلام، نجد بلالا الحبشي مؤذن النبي وصهيبا الرومي المسيحي الثري، وسلمان الفارسي المسيحي الأصل، وعبد الله بن سلام اليهودي الوحيد الذي أسلم في المدينة مع كعب الأحبار) : فانظر كم حوى هذا النص من المغالطات، فصهيب لم يكن من الأثرياء، بل كان فقيرا معدما مستضعفا (1) ، وسلمان لم يكن مسيحي، الأصل بل كان مجوسيا ثم تنصر ثم أسلم بعد وصية الراهب النصراني له بذلك (2) ، وعبد الله بن سلام لم يكن الوحيد الذي أسلم من اليهود، فهناك الغلام اليهودي جار النبي صلى الله عليه وسلم الذي عاده من مرضه فأسلم،

(1) انظر ترجمته في الإصابة في ترجمة الصحابة لابن حجر (3/449) ، تحقيق علي البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1،1992، نعم ذكروا أنه ترك ماله ليهاجر، وأن أهل مكة لم يسمحوا له حتى ترك كل ماله، ولكن لم يذكروا أن هذا المال كان كثيرا بحيث كان من الأثرياء، وحتى لو كان فلماذا ترك هذا الثراء وتبع النبي صلى الله عليه وسلم ، ألا يدل هذا أن صهيبا عرف صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟.

(2)

انظر حديثه الطويل في قصة إسلامه في مسند الإمام أحمد (رقم:23225) وإسناده صحيح.

ص: 233

بن وصفية بنت حيي بن أخطب وغيرهم (1) ، وكعب الأحبار لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هو من التابعين. (2)

فيا الله؛ كيف يلقى الهوى صاحبه في مهاوًى ومزالق.

17-

وأما زعمهم أن من مصادر القرآن شعر أمية بن أبي الصلت؛ (فإن الغريب في الأمر أن المستشرقين يشكون في صحة السيرة النبوية نفسها، ويتجاوز بعضهم الشك إلى الجحود، فلا يرونها مصدرا تاريخيا صحيحا، فهم يقفون هذا الموقف العلمي من السيرة ويغلون في هذا الموقف، ولكنهم يقفون من أمية وشعره موقف المتيقن المطمئن، مع أن أخبار أمية ليست أدنى إلى الصدق ولا أبلغ في الصحة من السيرة، فما سر هذا الاطمئنان الغريب إلى نحو هذه الأخبار دون الأخرى)(3) .

الأمر الآخر كذبهم في هذه الدعوى؛ فشعر أمية بن أبي الصلت، وشعر امرؤ القيس محفوظ معروف فلا يحتاج الأمر إلى كثير عناء لإثبات بطلان دعواهم؛ يقول العقاد: (وأيسر ما يبدو من جهل هؤلاء المخاطبين في أمر اللغة العربية قبل الإسلام، وعلاقتها بلغة القرآن الكريم، أنهم يحسبون أن العلماء المسلمين يجدون في بحث تلك الأبيات وصبا واصبا لينكروا

(1) انظر فتح الباري لابن حجر (7/322) في شرح الحديث المتفق عليه (لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي يهود) حيث قال: (الْمُرَاد عَشَرَة مُخْتَصَّة وَإِلَّا فَقَدْ آمَنَ بِهِ أَكْثَر مِنْ عَشَرَة وَوَقَعَ عِنْد اِبْن حِبَّان قِصَّة إِسْلَام جَمَاعَة مِنْ الْأَحْبَار كَزَيْدِ بْن سَعَفَة مُطَوَّلًا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ يَهُودِيًّا سَمِعَ النَّبِيّ (يَقْرَأ سُورَة يُوسُف فَجَاءَ وَمَعَهُ نَفَر مِنْ الْيَهُود فَأَسْلَمُوا كُلّهمْ) انتهي بتصرف واختصار.

(2)

انظر كتاب الأعلام للزركلي (5/288)

(3)

القرآن والمستشرقون، لنقرة (ص:33) .

ص: 234

نسبتها إلى الجاهلية، ولا يلهمهم الذوق الأدبي أن نظرة واحدة كافية لليقين بإدحاض نسبتها إلى امرئ القيس أو غيره من شعراء الجاهلية) (1) .

ولقد بحثت في ديوان امرئ القيس فلم أجد هذه الأبيات.

وأما أمية بن أبي الصلت، فإن بعض العلماء نسبوا هذه الأبيات له، ولكن أمية أدرك الإسلام ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسمع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وانصرف عنه فتبعته قريش تسأله عن رأيه فيه، فقال: أشهد أنه حق، قالوا: هل تتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره. وخرج إلى الشام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وحدثت وقعة بدر وعاد أمية من الشام يريد الإسلام، فعلم بمقتل أهل بدر وفيهم ابنا خال له، فامتنع وأقام في الطائف حتى مات (2) ، فهو الذي تأثر بالقرآن ولم يتأثر القرآن به، وشهد على صحة القرآن، هذا وقد ذكر في ترجمته أنه كان مطلعا على الكتب القديمة، ويلبس المسوح تعبدا، وهو ممن حرموا على أنفسهم الخمر، ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية (3) ؛ فهو إنما أخذ معنى هذا الشعر من الكتب السماوية السابقة التي كان يطلع عليها.

ولو سلمنا جدلا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ هذا الموضع من أمية، فما هو المانع أن يجري الله الحق على ألسنة بعض الناس، وينزل القرآن موافقا لما قالوا، كما حصل هذا مع عمر كثيرا.

(1) إسلاميات، لعباس محمود العقاد ص:51-53، مصر، دار الشعب، وانظر كتاب قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية (نقد مطاعن، ورد شبهات) ، د. فضل حسن عباس، (ص:46) ، دار البشير، الأردن، ط2،1989.

(2)

الأعلام للزركلي (2/23) .

(3)

المرجع السابق.

ص: 235