المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: شبهة أنه ليس هو القرآن الذي أنزل: - دعاوى الطاعنين في القرآن الكريم = الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين

[عبد المحسن المطيري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الطعن في القرآن

- ‌المبحث الثاني: مصطلحات ترادف الطعن في القرآن

- ‌المبحث الثالث: التعريف بالطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري

- ‌الباب الأول (النظري) الطعن في القرآن: نشأته، أسبابه، مواجهته

- ‌الفصل الأول: تاريخ الطعن في القرآن والكتب المؤلفة فيه

- ‌المبحث الأول: أول من تكلم فيه

- ‌المبحث الثاني: أول من ألف فيه

- ‌المبحث الثالث: اتجاهات العلماء في التأليف في هذا المجال

- ‌المبحث الرابع: الكتب المؤلفة فيه

- ‌الفصل الثاني: أسباب الطعن في القرآن

- ‌المبحث الأول: لماذا هذه الحرب على القرآن

- ‌المبحث الثاني: ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن

- ‌المبحث الثالث: أنواع المطاعن

- ‌المبحث الرابع: أسباب الاختلاف في القرآن

- ‌الفصل الثالث: مواجهة دعاوى الطعن في القرآن

- ‌المبحث الأول: تنزيه كلام الله عن المطاعن

- ‌المبحث الثاني: موقف سلف الأمة ممن يثيرون الشبه والمطاعن حول القرآن

- ‌المبحث الثالث: قواعد التعامل مع المطاعن

- ‌الباب الثاني (تطبيقي) : موقف الطاعنين من آيات القرآن والرد عليهم

- ‌الفصل الأول: الردود الإجمالية على من طعن في القرآن

- ‌المبحث الأول: الأدلة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: بشارة الكتب السابقة به:

- ‌المطلب الثاني: شهادة المنصفين:

- ‌المطلب الثالث: الآيات التي يجريها الله على يديه يخرق فيها العادة:

- ‌المطلب الرابع: إقرار الله تعالى له ولدعوته واستجابة دعائه

- ‌المطلب الخامس: من الأدلة على صدقه صلى الله عليه وسلم كمال أخلاقه:

- ‌المطلب السادس: جوابه الحاضر على أسئلة المشككين:

- ‌المطلب السابع: عدم استغلاله فرص التعالي:

- ‌المطلب الثامن: استعداده للملاعنة والمباهلة على من خالفه، غير وجل ولا خائف أن يحيق به شيء

- ‌المطلب التاسع: حمايته من كل ما يكاد به، ونجاته من كل محاولات الاغتيال:

- ‌المطلب العاشر: انتفاء الغرض الشخصي:

- ‌المطلب الحادي عشر: إخباره بالنهايات في البدايات:

- ‌المطلب الثاني عشر: إخباره بالغيب:

- ‌المطلب الثالث عشر: إحكام التشريع

- ‌المطلب الرابع عشر: الإعجاز العلمي:

- ‌المطلب الخامس عشر: الوصف الدقيق للغيب:

- ‌المطلب السادس عشر: تأليف قلوب العرب:

- ‌المطلب السابع عشر: الإلزام:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على صدق القرآن وما فيه

- ‌المطلب الأول: إعجاز القرآن:

- ‌المطلب الثاني: التحدي أن يؤتى بمثله:

- ‌المطلب الثالث: شهادة المنصفين من أهل الكتاب والكفار وأعدائه له بالصحة والصدق:

- ‌المطلب الرابع: الوحدة الموضوعية لكل سورة:

- ‌المطلب الخامس: عدم التناقض:

- ‌المبحث الثالث: ردود القرآن على الطاعنين

- ‌المبحث الرابع: ردود إجمالية أخرى

- ‌المطلب الأول: عدم معارضة كفار مكة له، مع أنهم أكثر الناس عداوة وفصاحة:

- ‌المطلب الثاني: إثبات الدليل (من أين لك هذا

- ‌المطلب الثالث: مخالفة الواقع:

- ‌المطلب الرابع: إجماع الأمة على ذلك (من سبقك إلى هذا) :

- ‌الفصل الثاني: الردود التفصيلية على من طعن في القرآن

- ‌المبحث الأول: التشكيك في نسبة القرآن إلى الله تعالى (مصدر القرآن)

- ‌المطلب الأول: دعواهم أن القرآن من عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم :

- ‌المطلب الثاني: نقله من غيره ، والرد عليهم:

- ‌المطلب الثالث: جواز نقده ومخالفته، والرد عليهم

- ‌المبحث الثاني: زعم عدم حفظه (النص القرآني)

- ‌المطلب الأول: شبهة أنه ليس هو القرآن الذي أنزل:

- ‌المطلب الثالث: النسخ في القرآن:

- ‌المبحث الثالث: اتهام القرآن بالتناقض

- ‌المطلب الأول: هل في القرآن تناقض حقيقي

- ‌المطلب الثاني: زعم تناقض بعض الآيات مع بعض

- ‌المبحث الرابع: اتهام القرآن بمعارضة الحقائق

- ‌المطلب الأول: دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الشرعية:

- ‌المطلب الثاني: دعوى تعارض القرآن مع الوقائع التاريخية:

- ‌المطلب الثالث: دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية أو حقائق العلم التجريبي:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المطلب الأول: شبهة أنه ليس هو القرآن الذي أنزل:

‌المبحث الثاني: زعم عدم حفظه (النص القرآني)

‌المطلب الأول: شبهة أنه ليس هو القرآن الذي أنزل:

جاء في دائرة المعارف الإسلامية (1) : (الوحي الذي

(1) أصدر المستشرقون هذا الكتاب منذ بضع عشرات من الأعوام بعدة لغات -الإنجليزية والفرنسية والألمانية- كموسوعة كاملة عن الإسلام دينا وتاريخا وحضارة وآدابا وعلوما واقتصادا وسياسة وأعلاما، وهي تقع في أربعة مجلدات ضخام، وبعد صدورها بفترة بدا لهم أن ينتزعوا من بين موادها المواد الخاصة بالدين وعلومه وأعلامه، ثم أصدروا ذلك في مجلد واحد بعنوان (مختصر دائرة المعارف الإسلامية)، وفي هذا المجلد يجد القارئ خلاصة الفكر الاستشراقي فيما يخص ديننا ورجاله. انظر: دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية، أضاليل وأباطيل للدكتور إبراهيم عوض، (ص:5) مكتبة البلد الأمين، القاهرة، الطبعة الأولى 1998، ومن منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بحث بعنوان (دراسة لتصحيح الأخطاء الواردة في الموسوعة الإسلامية) ، وللدكتور فضل حسن عباس رسالة بعنوان (قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية؛ نقد مطاعن ورد شبهات) ، دار البشير، الأردن، الطبعة الثانية1989.

ص: 257

كان الرسول (يتلقاه ليس هو القرآن الذي نقرؤه الآن، ذلك أن هذا الوحي قد أعيدت صياغته بحيث أخذ الشكل الحالي)(1) ، ثم ذكر الدليل على ذلك وهو أنه (لا يمكن التوفيق بين فكرة وجود أصل للقرآن محفوظ في السماء وما وقع في القرآن من نسخ)(2) .

ويقول صاحب كتاب الوحي الجديد: (إنه من المستحيل أن يكون القرآن الحالي حاويا لجميع ما أنزل ، بل إنه من المؤكد تاريخيا أنه قد ذهب جانب ليس بالقليل، ومن المستحيل إقامة البرهان على أنه طِبْقَ ما نطقت به شفتا محمد تماما ، بل إنه في آيات عديدة منه اختلافات مدهشة، ولا يعرف إلا الله ما هو النص الصحيح)(3) .

ويقول: (إننا نعلم تماما بشهادة زيد بن ثابت، التي لا ريب فيها

(1) دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية، لإبراهيم عوض (ص:7) .

(2)

المرجع السابق (ص:9) .

(3)

الوحي الجديد (ص:44) ، نقلا عن كتاب مناقشات وردود، لمحمد فريد وجدي (ص:370) . وواضح من اسم الكتاب (الوحي الجديد) أنه ينكر وجود الوحي القديم.

ص: 258

أنه لم تدون جميع السور والآيات التي سمعت من فم محمد، بل إن كثيرا منها حفظ في صدور الناس، ومرت سنون عديدة قبل أن يؤمر زيد بتدوينها، نقلا عن ذاكرة أولئك القراء ، فكيف تأمن على الحقيقة من ذاكرتهم؟) (1) .

المطلب الثاني: شبهة أنه زِيدَ (2) فيه ونُقِصَ ، والرد عليها:

أولاً: في هذا المطلب نعرض للقول بأن أصل القرآن موجود، ولكنه زيد فيه أو نقص، وقد فتح هذا الباب على مصراعيه الرافضة الاثنا عشرية ، حيث نقلوا عن أئمتهم أن القرآن محرف وناقص ومبدل، وإنما فعلوا هذا حتى يثبتوا خلافة علي رضي الله عنه وآل بيته؛ فإذا اعترض عليهم معترض بأن هذه الولاية لم تذكر في القرآن ، لا تصريحا ولا تلميحا ولا إشارة، كان الجواب: إن القرآن محرف ناقص (3) .

وتقول في دائرة المعارف الإسلامية: (القرآن لم يسجل كله عند نزوله، بل كثير من الوحي المتقدم النزول لم يسجل؛ لأن المسلمين لم يكونوا منتبهين لأهمية ما يتلوه الرسول (، فضاع كثير من القرآن)(4) .

وتشير دائرة المعارف أيضا إلى سقوط سورتين كاملتين من القرآن ، وهما (سورة النورين) و (سورة الولاية)(5) . آخذين هذا الرأي من مذهب الشيعة الغلاة.

وفيها أيضا: (البعض ينكر الآيات التي يلعن فيها خصوم محمد)(6) .

وقال رحمانيوف: (إن الخوارج قد ألفت سورة يوسف، بينما زادت الشيعة سورة أخرى)(7) .

ويقول جولدتسهير (8) : (لا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافا عقديا على أنه نص منزل أو موحى به ، يقدم نصه في أقدم

(1) المرجع السابق ص:371.

(2)

وقد ألف الدكتور فضل حسن عباس- الأستاذ المشارك في الجامعة الأردنية، كلية الشريعة- كتابا بعنوان لطائف المنان ورائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن، تكلم فيه كلاما جيد عن قضية أن القرآن قد زيد فيه، ولكنه لم يتكلم عن موضوع النقص، والكتاب طبعته دار النور للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأول،1989.

(3)

انظر كتاب الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن، لمحمد عبد الرحمن السيف، الطبعة الأولة 1998، لم يذكر عليه اسم الدار التي طبعته ولا مكان الطبع، وكتاب الشيعة والقرآن، لإحسان إلهي ظهير، مكتبة إدارة ترجمات السنة، لاهور باكستان، وكتاب (أيلتقي النقيضان) لمحمد مال الله، دار النفير، الكويت، الطبعة الأولى1421.

وأصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، د. ناصر بن عبد الله القفاري، الفصل الأول من الباب الأول بعنوان (اعتقادهم في القرآن)(1/123) .

وانظر من كتب الشيعة كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للنوري الطبرسي، وقد طبع عدة طبعات، وكتاب لله ثم للتاريخ، لحسين الموسوي، وقد طبع عدة طبعات من غير ذكر للدار التي طبعته.

(4)

دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (ص:14) .

(5)

دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (ص:18) .

(6)

المرجع السابق.

(7)

انظر كتاب: الرد القرآني على كتيب"هل يمكن الاعتقاد بالقرآن" للسفير الروسي م. رحمانوف، لعبد الله كنون. (ص:22) دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى1982.

(8)

تقدمت ترجمته ص 232

ص: 259

عصور تداوله ، مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات، كما نجد في النص القرآني) (1) .

ونفى نولدكه الألماني (2) في كتابه (تاريخ القرآن) أن تكون فواتح السور من القرآن ، مدعيا أنها رموز لمجموعات الصحف التي كانت عند المسلمين الأولين قبل أن يوجد المصحف العثماني، فمثلا حرف الميم كان رمزا لصحف المغيرة ، والهاء لصحف أبي هريرة ، والصاد لصحف سعد بن أبي وقاص ، والنون عثمان؛ فهي-كما يزعم- إشارات لملكية الصحف ، وقد تركت في مواضعها سهواً، ثم ألحقها طول الزمن بالقرآن فصارت قرآنا (3) .

وقال طه حسين -مقلدا المستشرقين-: (هناك موضوع آخر يجب أن أنبهكم إليه ، وهو مسألة هذه الحروف العربية غير المفهومة التي تبتدئ بها بعض السور ، مثل ألم، ألر، طس، كهيعص، حم، عسق

إلخ، فهذه كلمات ربما قصد منها التعمية أو التهويل ، أو إظهار القرآن في مظهر عميق مخيف ، أو هي رموز وضعت للتمييز بين المصاحف المختلفة التي كانت موضوعة عند العرب، فمثلا (كهيعص) رمزاً لمصحف ابن مسعود، (حم عسق) رمزاً لمصحف ابن عباس (طس) رمزاً لمصحف ابن عمر، وهلم جرا، ثم ألحقها مرور الزمن بالقرآن فصارت قرآنا) (4) .

(1) انظر كتاب: القرآن والمستشرقون ، لنقرة ص:40، عن كتاب القرآن والكتاب.

(2)

تقدمت ترجمته ص (202)

(3)

انظر بحث القرآن والمستشرقون ، للدكتور التهامي نقرة (1/23) ،ضمن كتاب مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، طبعة مكتب التربية العربي لدول الخليج.

(4)

نقض مطاعن في القرآن الكريم، لمحمد أحمد عرفة، ص:7-8.

ص: 260

ويقول نصر أبو زيد: (لم ينج القرآن من عمليات المحو والإثبات)(1) .

ثانيا: الرد على هذه الشبهة:

1-

دعوى أن القرآن تبدل كله لها اتصال وثيق بالشبهة التي تليها ، ولكنها زادت في المبالغة والسذاجة حتى ادعت بأن القرآن كله قد تغير، مخالفين بذلك الإجماع التاريخي على حفظ القرآن منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا (2) ، وإليك بعض النصوص من منصفيهم -لا من كتبنا- على أن

(1) قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة، لعبد الصبور شاهين (ص:202) .

(2)

من أساليب الغزو الفكري، لغنايم (ص:567) .

ص: 261

القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولم يتغير منه حرف لا زيادة ولا نقصا.

يقول لوبلوا (1) : (إن القرآن هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد الذي ليس فيه أي تغيير يذكر)(2) .

ويقول موير (3) : (إن المصحف الذي جمعه عثمان قد تواتر انتقاله من يد ليد حتى وصل إلينا بدون أي تحريف، ولقد حُفِظَ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر ، بل نستطيع

أن نقول: إنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها ، والمتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة؛ فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة، وهذا الاستعمال الإجماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم ، يعد أكبر حجة ودليل على صحة النص المنزل

(1) لوبلوا: لم أجد له ترجمة، وإن كان واضحا من اسمه أنه فرنسي، وقد يكون هناك خطأ مطبعي في كتابة اسمه، فقد وجدت رجلا فرنسيا اسمه (ماري لوبان) وهو زعيم حزب الجبهة الوطنية، كان ضابطا في الجيش الفرنسي بالجزائر، وله عضوية بالبرلمان الأوروبي بمدينة سترازبورغ، حزبه ينمو لمطالبته بإخراج العرب من فرنسا، يتراوح عدد المصوتين له بين 8و11%، فلعله يكون هو مقصود الدكتور دراز لاسيما أن دراز أقام في فرنسا طويلا. (انظر: مجلة الهدى التونسة، العدد13) .

(2)

انظر: كتاب مدخل إلى القرآن الكريم، للدكتور محمد عبد الله دراز، (ص:40) ، دار القلم، الكويت،1993.

(3)

ليوأري موير (1895 - 1959) : ولد في بولندا ، علام بولندا ، عالم بالآثار الإسلامية ، يهودي ، هاجر إلي فلسطين عام (1921) ومات فيها ، وتقلب في الجامعة العبرية بين مناصب كثيرة من مدرس في معهد الدراسات الشرقية ثم عميد المعهد ثم مدير للجامعة ، وله مؤلفات كثيرة، انظر:"موسوعة المستشرقين ": ص 539.

ص: 262

الموجود معنا ، والذي يرجع إلى الخليفة المكروب عثمان) (1) .

ويقول بلاشير (2) : (إن الفضل بعد الله يعود إلى الخليفة عثمان بن عفان؛ لإسهامه قبل سنة 655م في إبعاد المخاطر الناشئة عن وجود نسخ عديدة من القرآن، وإليه وحده يدين المسلمون بفضل تثبيت نص كتابهم المنزل، على مدى الأجيال القادمة)(3) .

2-

هذه الشبهة الرد عليها متفرع من الرد على الشبه السابقة، فإن كان المخالف قد أقر بأن هذا القرآن ليس من النبي صلى الله عليه وسلم ولا نقله من غيره، بل هو من الله تعالى؛ فإن الله قال في هذا الكتاب:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9] ، فبما أن الله تكفل بحفظه، إذن لا يوجد مجال للطعن في بقائه؛ لأن هذا تكذيب لله تعالى.

3-

يكفي في الرد على هذه الدعوى العارية عن مستند أن نطالبهم بالدليل، {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة::111] .

فالدعاوى إن لم تقم عليها بينات أصحابها أدعياء

4-

نرد عليهم بالواقع؛ فإن الواقع يُثْبِتُ إن القرآن لم يتغير منه شيء، فالتفاسير القديمة والكتب المؤلفة في الصدر الأول، والآثار المنقولة عن التابعين والصحابة ،والأحاديث المرفوعة للنبي (لم نجد فيها حرفا يغاير ما هو بين أيدينا الآن، بل يذكر فيها القرآن بنصه وحروفه وترتيبه، وكل من قام بمحاولة لتحريفه أو تغييره فُضِحَ وكُشِفَ وباءت حيلُه بالفشل.

(1) مدخل إلى القرآن الكريم، للدكتور محمد عبد الله دراز، (ص:40) ، دار القلم، الكويت،1993.

(2)

تقدمت ترجمته ص (9) .

(3)

تاريخ الأدب العربي لبلاشير (2/22) عن كتاب قالوا عن الإسلام (ص:52) .

ص: 263

5-

أجمع العلماء على أن ما بين دفتي المصحف هو كتاب الله الذي أنزل، وليس فيه نقص ولا زيادة (1) ، ولم تعتن أمة من الأمم بكتاب كاعتناء أمة الإسلام بكتاب الله (القرآن) ، فقد ألفت حوله من الكتب ما لا يحصى كثرة؛ في تفسيره وضبط حروفه وعلومه، وتفنيد الشبهات حوله، وقراءاته، وتجويده، وإعجازه، وبلاغته، وإعرابه ،ورسمه ،وأعداد كلماته، وحروفه، وغير ذلك (2) .

6-

من الأدلة على سلامة نقله وحفظه من النقص، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتم أي شيء حتى ما كان فيها معاتبة شديدة له؛ مثل قوله سبحانه: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ

} [الأحزاب:37] .

عَنْ مَسْرُوقٍ رحمه الله قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فسَأَلْتُ عَائِشَةَ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ (رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ قُفَّ شَعَرِي لِمَا قُلْتَ؛ يَا أَبَا عَائِشَةَ ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا (رَأَى رَبَّه، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي، أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عز وجل: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ،فَقَالَ:

(1) انظر: شبهات حول القرآن (ص:49)

(2)

انظر: مدخل إلى علم التفسير، أ. د. محمد بلتاجي (ص:7) .

ص: 264

«إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (.

قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ ، وَاللَّهُ يَقُولُ:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ (كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ (قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ، الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ((1) .

وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو، فَجَعَلَ النَّبِيُّ (يَقُولُ:«اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» . قَالَ أَنَسٌ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ، قَالَ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ)(2) .

(1) متفق عليه (البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب: تفسير سورة النجم، رقم:4574، ومسلم: كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: ولقد رآه نزلة أخرى، رقم:177) واللفظ لمسلم.

(2)

أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم، رقم: 6984) .

ص: 265

7-

أما كلام جولد تسيهر؛ فإننا نتساءل هل رأى جولد تسيهر كتب الشرائع السابقة في نصوصها الأصلية حتى تصح المقارنة والحكم؟.

وقد قال هو حين عرض للكلام عن حديث نزول القرآن على سبعة أحرف: (إن التلمود يقول بنزول التوراة بلغات كثيرة في وقت واحد)(1) .

هذا وقال آرثر جفري (2) في تقديمه لكتاب المصاحف لأبي داود: (إن تاريخ التوراة والإنجيل ، وصحة نسبتهما وحرفيتهما ، أبعد ما يكون عن الصحة والوثوق)(3) .

8-

وأما كلام طه حسين (فهي دعوى قد كفانا هو إبطالها لأنه يشك فيها ويردد وبين أمرين متناقضين، ثبوت أحدهما ينفي الآخر؛ فكونها قصد بها التهويل وإظهار القرآن في مظهر عميق مخيف يقتضي أنه نطق بها الرسول وأنها كانت في عهده، وكونها رموزا وضعت لتميز بين المصاحف المختلفة ثم ألحقها مرور الزمن بالقرآن يقتضي أنه لم ينطق بها الرسول ولا كانت في زمنه، ونقض القرآن لا يكون بهذا الشك والاضطراب والترديد بين أمور متناقضة، ولو علم الناقد أن الصحابة والتابعين كانوا يتشددون في تجريد المصحف من كل ما ليس قرآنا حتى أنهم امتنعوا من العجم والشكل وكتابة أسماء السور لاستحيا من أن يقول مثل هذا القول، ولعمري -إذا

(1) القرآن والمستشرقون ، لنقرة ص:40.

(2)

آثر جفري: مستشرق استرالي عُين أستاذاً في الجامعة الأمريكية في بيروت ، ثم أستاذاً في جامعة كولومبيا ، ثم أستاذاً للغات السامية في مدرسة اللغات الشرقية في القاهرة ، له عدة مؤلفات منها تحقيق كتاب المصاحف لأبي داود ، المفردات الأجنبية في القرآن ، وغيرها (آراء المستشرق حول القرآن ، د. نمر رضوان (1/143) .

(3)

المرجع السابق.

ص: 266