الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: اتهام القرآن بالتناقض
المطلب الأول: هل في القرآن تناقض حقيقي
؟.
- أسباب وقوع التناقض من الشخص الواحد هي:
إما لقلة العلم، أو بسبب النسيان، أو اختلاف النفسية ،والطباع ،أو اختلاف الاجتهاد، أو الابتعاد عن الحق، أو للمصلحة الشخصية (1) ؛ وكل هذه الأسباب منتفية عنه تعالى فهو سبحانه عالم السر والنجوي، ولا يضل ولا ينسى، ولا يبدو له شيء لم يكن يعرفه حتى يغير اجتهاده، وهو الحق ولا يصدر منه إلا الحق، ولا يبلغ أحد من خلقه ضره فيضره ولا نفعه فينفعه.
(1) انظر: أصول الجدل والمناظرة ، د. حمد العثمان (ص 377) في مبحث (تناقص النظار) مكتبة ابن القيم ، الكويت ، طبعة 2001.
(وسئل الغزالي عن معنى قوله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82] فأجاب بما صورته: الاختلاف لفظ مشترك بين معان، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه ، بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن؛ يقال هذا كلام مختلف.
أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة إذ هو مختلف؛ أي بعضه يدعو إلى الدين وبعضه يدعو إلى الدنيا، أو هو مختلف النظم؛ فبعضه على وزن الشعر وبعضه منزحف ، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة وبعضه على أسلوب يخالفه وكلام الله تعالى منزه عن هذه الاختلافات؛ فإنه على منهاج واحد في النظم، مناسب أوله آخره ،وعلى مرتبة واحدة في غاية الفصاحة ،فليس يشتمل على الغث والسمين، ومسوق لمعنى واحد وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى وصرفهم عن الدنيا إلى الدين، وكلام الآدميين يتطرق إليه هذه الاختلافات؛ إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه وجِد فيه اختلاف في منهاج النظم، ثم اختلاف في درجات الفصاحة، بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغث والسمين، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة؛ لأن الشعراء والفصحاء {في كل واد يهيمون} [سورة الشعراء] فتارة يمدحون الدنيا وتارة يذمونها، وتارة يمدحون الجبن فيسمونه حزما وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صراحة وتارة يذمونها ويسمونها تهورا، ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الاختلافات؛ لأن منشأ هذه الاختلافات اختلاف الأغراض واختلاف الأحوال، والإنسان تختلف أحواله ،فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه ويتعذر عليه عند الإنقباض، ولذلك تختلف أغراضه، فيميل إلى الشيء مرة ويميل عنه أخرى، فيوجب اختلاف الأحوال والأغراض اختلافا في كلامه
(1)
بالضرورة فلا تصادف اللسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة وهي مدة نزول القرآن ،فيتكلم على غرض واحد، وعلى منهج واحد ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرا تختلف أحواله ،فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوُجِدَ فيه اختلاف كثير، فأما اختلاف الناس فهو تباين في آراء الناس لا في نفس القرآن، وكيف يكون هذا المراد وقد قال تعالى:{يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا} [البقرة: 26] فقد ذكر في القرآن أنه في نفسه غير مختلف وهو مع هذا سبب لاختلاف الخلق في الضلال والهدى، فلو لم يختلف فيه لكانت أمثال هذه الآيات خلفا، وهي أشد أنواع الاختلاف، والله أعلم) (1) .
وأما ادعاء معارضة القرآن للحقائق سواء كانت، شرعية، أو طبيعية، أو تاريخية، فإن سبب هذا الزعم، وقوع هؤلاء على بعض الإشارات التي فهموا منها أن هناك تعارضا، فتمسكوا بها وبدأوا يجمعون كلام كل متردية ونطيحة ،للنفخ في هذه الشبهة حتى يتم لديهم هذا الاتهام للقرآن بالتعارض مع الحقائق، وما علم هؤلاء أن الذي خلق الطبيعة وأنزل القرآن واحد وهو الله تعالى، وأن منزل القرآن والشريعة واحد وهو الله تعالى، وأن كل الحقائق التاريخية التي حصلت لنا وعرفناها عن طريق الكتب المتوارثة غابرا عن غابر، قد رآها الله تعالى معاينة وشاهدها حقيقة، ولم تنقل له كما هو الحال فينا عن طريق كتب.
إذن فقضية التعارض سواء كانت في الحقائق الشرعية ،أو الكونية، أو التاريخية أمر لا يمكن تصوره عقلا، وغير واقع أصلا، وكل ما ادعوا أنه متعارض قد تم الإجابة عليه.
(1) البرهان للزركشي (2/54-56) .