المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌370 - باب الوضوء مما مسته النار - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ١٨

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌370 - بَابُ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ

- ‌371 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الوُضُوءِ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ خَاصَّةً

- ‌372 - بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ

- ‌373 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي كَيْفِيَّةِ الوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ

- ‌374 - بَابُ تَرْكِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ

- ‌375 - بَابٌ: آخِرُ الأَمْرَيْنِ تَرْكُ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ

- ‌376 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الوُضُوءَ مِمَّا خَرَجَ، لَا مِمَّا دَخَلَ

- ‌377 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الوُضُوءِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الحَلْوَاءَ

- ‌378 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّهُ لَا وُضُوءَ مِنْ طَعَامٍ حَلَّ أَكْلُهُ

- ‌379 - بَابُ الوُضُوءِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ

- ‌380 - بَابٌ: فِي تَرْكِ الوُضُوءِ مِنَ المُلَامَسَةِ

- ‌381 - بَابٌ: فِي تَرْكِ الوُضُوءِ مِنَ القُبْلَةِ

- ‌382 - بَابُ مَا وَرَدَ فِي الوُضُوءِ منَ المُلَامَسَةِ وَالقُبْلَةِ

- ‌383 - بَابُ الوُضُوءِ لِمَسِّ المُصْحَفِ

- ‌384 - بَابُ تَرْكِ الوُضُوءِ مِنْ وَطْءِ الأَذَى

الفصل: ‌370 - باب الوضوء مما مسته النار

‌370 - بَابُ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ

2198 -

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ (أَنْضَجَتِ) 1 (غَيَّرَتِ) 2 النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيح (م) دون الروايتين، وهما صحيحتان.

[التخريج]:

[م 352 (واللفظ له) / ن 176 - 178، 180/ كن 224 - 227، 231 (والرواية الثانية له ولغيره) / حم 7605، 7675، 9519، 9907 (والرواية الأولى له ولغيره)، 10071، 10204، 16349/ حب 1142 - 1144/ عه 818/ بز 8275، 9246/ عل 6161، 6605/ طس 166، 722، 2209، 2226، 7217/ عب 675، 676/ ش 553/ مسن 783/ معز 24 - 28، 86/ طح، 348، 349 - 352/ جعد 1614/ سرج 1775 - 1756/ علقط (4/ 196، 242 - 245) / عد (7/ 106) / منذ 111/ مسد (خيرة 615/ 1) / كر (8/ 384) / عتب (صـ 46 - 47) / معر 446/ هق 733/ ك (معرفة- صـ 217) / حل (5/ 362) / عق (4/ 229) / محد (3/ 203/ رقم 313) / خط (15/ 120) / غر 181/ ني 975/ ميمي 255/ ناسخ 60/ هريرة 34/ مديني (لطائف 331) / ضياء (بلغة ق (8/ ب)) / جوزي (ناسخ 43) / تخ (5/ 142) / ذهبي (2/ 12)].

ص: 5

[السند]:

أخرجه مسلم قال: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي، عن جدي، حدثني عُقَيْل بن خالد قال: قال ابنُ شهابٍ: أخبرني عمر بن عبد العزيز أن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أخبره أنه وَجَدَ أبا هريرةَ يَتَوَضَّأُ على المسجدِ، فقال: إِنَّمَا أَتَوَضَّأُ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا؛ لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول

فذكره.

ورواه الباغنديُّ في (مسند عمر بن عبد العزيز 86) من طريق بكر بن سَوَادة، عن ابنِ شِهابٍ، به، بلفظ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)). وسندُهُ صحيحٌ.

وجاء بهذا اللفظِ من طرقٍ أخرى كثيرة، بعضها أُجْمِل في التخريج، وبعضها سيأتي قريبًا.

ورواه أحمدُ (9907) قال: حدثنا محمدُ بنُ جعفرٍ قال: حدثنا شعبةُ، عن أبي بكرِ بنِ حفصٍ قال: سمعتُ الأَغَرَّ قال: سمعتُ أبا هريرةَ يُحَدِّثُ عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا أَنْضَجَتِ النَّارُ)).

ورواه أبو يعلى (6161)، وغيره من طريق معاذ العنبري عن شعبة، به.

ورواه أبو داود (193) من طريق يحيى القطان عن شعبة بلفظ: ((الوُضُوءُ مِمَّا أَنْضَجَتِ النَّارُ)). وسيأتي تحقيقها في تخريجٍ مستقلٍ.

ورواه السراجُ في (حديثه 1756)

(1)

من طريق أبي زيد سعيد بن الربيع، ثنا شعبة، به.

(1)

سقط من المطبوع تبعًا للأصل (ظاهرية مجموع 84 - ق 136/أ): ((الأغر)) وهو خطأ، فالصواب إثباته كما في بقية المصادر.

ص: 6

ورواه الضياءُ المقدسيُّ في (بلغة الطالب الحثيث ق 2/أ) من طريق وهب بن جرير، ثنا شعبة، به.

وإسنادُهُ صحيحٌ، رجاله ثقات رجال الشيخين.

قال الضياءُ المقدسيُّ: ((صحيح)).

فإن قيل: قد رواه أحمدُ في (مسنده 16349) عن عبد الصمد قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو بكر بن حفص، عن الأغر، عن رجل آخر، عن أبي هريرة، به بلفظ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)). فأدخل بين سلمان الأغر وأبي هريرة رجلًا آخر.

قلنا: هذا خطأ؛ فقد رواه السراجُ في (حديثه 1755) عن هارون بن عبد الله وأبي قلابة الرَّقَاشي. ورواه ابنُ أخي ميمي في (الفوائد 255) من طريق عبدة الصفار.

ثلاثتهم عن عبد الصمد عن (شعبة)

(1)

، عن أبي بكر بن حفص، ثنا الأغر ورجلٌ آخرُ، عن أبي هريرة، به مثله، ولفظ عبدة:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)). فبَيَّنوا أن الرجلَ إنما هو مقرون بالأغر! ولعلَّ أداةَ العطفِ (الواو) سقطتْ قبل: ((عن رجل))، والله أعلم.

وكذا رواه النسائيُّ في (الإغراب 181): عن إسماعيلَ بنِ مسعودٍ، حدثنا خالدٌ، حدثنا شعبةُ، حدثنا أبو بكرِ بنُ حفصٍ قال: سمعتُ الأَغَرَّ وَرُجَلًا آخَرَ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا أَنْضَجَتِ النَّارُ)).

(1)

تصحف في المطبوع من حديث السراج تبعًا للأصل (ظاهرية مجموع 84 - ق 136/أ) إلى (سعيد).

ص: 7

قلنا: وقد رواه غُندرٌ (محمد بن جعفر) ومعاذٌ العنبريُّ، ويحيى القطانُ، ووهبُ بنُ جريرٍ، وسعيدُ بنُ الربيعِ، كما سبقَ.

خمستُهم رووه عن شعبةَ، عن أبي بكر بنِ حفص، عن الأَغَرِّ، عن أبي هريرةَ، به. كما سبقَ.

وفي روايةِ غُندرٍ تصريحُ الأَغَرِّ بالسماعِ من أبي هريرةَ. وغُندرٌ من أثبتِ الناسِ في شعبةَ، وأحفظهم لحديثه.

ولكن خولف شعبة في وصله، قال الدارقطني في (العلل 1599):((وخالفه خالدٌ الحذَّاءُ وأشعثُ بنُ سَوَّار، فروياه عن أبي بكر بن حفص عن أبي هريرة مرسلًا، ولم يذكرا الأَغَرَّ)).

وعلى كُلٍّ، فالحديثُ صحيحٌ كما عند مسلمٍ، وأقرَّه جماعةٌ.

وقد قال الإمامُ أحمدُ: ((روى الزهريُّ خمسةَ أحاديث صحاحًا برجالٍ ثقات، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) (مسائل أحمد، رواية ابن هانئ 44).

وقال الدارقطنيُّ: ((وعند الزهريِّ في هذا الحديثِ أسانيد: عنده ما ذكرناه عن عمر بن عبد العزيز

وكل ما ذكرناه محفوظ عن الزهري، صحيح عنه)) (العلل 4/ 239).

وقال ابنُ حَزمٍ: "وأما الوضوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فإنه قد صحَّتْ في إيجاب الوضوء منه أحاديث ثابتة من طريقِ عائشةَ، وأمِّ حبيبةَ أم المؤمنين، وأبي أيوبَ، وأبي طلحةَ وأبي هريرةَ، وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم"(المحلى 1/ 243).

ص: 8

وقال أبو المطرف القنازعي: ((قال أبو محمد

(1)

: أجمعَ أهلُ المدينةِ على أن لا وضوءَ على من أَكَلَ طعامًا قد مسَّته النَّارُ. فسألته عن حديث الأغر عن أبي هريرة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتْهُ النَّارُ)) فقال لي: هو حديثٌ صحيحٌ من جهةِ النقلِ)) (تفسير الموطأ، للقنازعي 1/ 131).

وقال النوويُّ: ((واحتجَّ مَن أوجبه -مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ- بأحاديث صحيحة، منها حديث زيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة)) (المجموع 2/ 57).

وقال ابنُ حَجَرٍ: ((هذا حديثٌ صحيحٌ، أخرجه مسلمٌ)) (موافقة الخُبْر الخَبَر 2/ 271).

(1)

هو الأصيلي.

ص: 9

رِوَايَةُ: الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ (مِمَّا أَنْضَجَتِ النَّارُ) 1 (مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ) 2)).

[الحكم]:

صحيحٌ بغيرِ هذا اللفظِ.

[التخريج]:

[طي 2498 (واللفظ له) / د 193 (والروايه الأولى له) / معقر 360 (والرواية الثانية له) / علقط (4/ 245)].

[التحقيق]:

جاء بهذه السياقةِ من ثلاثةِ طرقٍ:

الطريق الأول:

أخرجه الطيالسيُّ قال: حدثنا ابنُ أبي ذئبٍ، عن الزهريِّ، عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، عن إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ قارظ، قال: رأيتُ أبا هريرةَ

فذكره بلفظ: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

وهذا إسنادٌ رجاله ثقات رجال مسلم، إلا أن أبا داود الطيالسيَّ -وإن كان ثقةً حافظًا- فهو مع ذلك كثير الخطأ، كما قال أبو حاتم في (الجرح والتعديل 4/ 113)، وقال الحافظُ إبراهيمُ بن سعيدٍ الجوهريُّ:((أخطأ في ألف حديث))! (تهذيب التهذيب 4/ 184)، واعتمدَ كلامَه الذهبيُّ في (الكاشف 2082). وقال في (الميزان 2/ 203):((ثقةٌ، أخطأَ في أحاديثَ))، وقال ابنُ حَجَرٍ:((ثقةٌ حافظٌ، غَلِطَ في أحاديثَ)) (التقريب 2550).

وقد أخطأَ في قوله: (إبراهيم بن عبد الله بن قارظ)، وإنما الصحيح:

ص: 10

(عبد الله بن إبراهيم بن قارظ) كما عند مسلم.

قلنا: وقد توبع أبو داود على هذا الخطأ.

فروى الدارقطني في (العلل 4/ 245) قال: حدثنا الحسينُ بنُ إسماعيلَ المحَامِلِيُّ، قال: حدثنا أبو هشامٍ الرفاعِيُّ، قال: حدثنا وكيعٌ، قال: حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ أبي سلمةَ، عنِ الزهريِّ، عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، عنِ ابنِ قَارِظٍ، قال: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَوْقَ ظَهْرِ المَسْجِدِ، فَقُلْتُ: مِمَّ تَوَضَّأْتَ؟ ! قَالَ: أَكَلْتُ أَثْوَارَ أَقِطٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((الوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

وقد قال الدارقطنيُّ -قبله-: ((وقال عبد العزيز الماجشون عن الزهري، عن عمر-يعني ابنَ عبد العزيز-، عن إبراهيم بن قارظ. نسبه إلى جَده)).

وكلاهما أخطأَ في إسنادِهِ ومتنِهِ:

أما السندُ، فقال الدارقطنيُّ: ((فرواه عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وعمرو بن الحارث، وشعيب بن أبي حمزة، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والوليد المُوقَري، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وبكر بن سَوَادة، وعبيد الله بن أبي زياد الرُّصَافي، وهَبَّار بن عُقَيْل، عن الزهريِّ، عن عمر بن عبد العزيز، وقالوا: عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، عن أبي هريرة

إلى أن قال: ورواه أبو أمامة بن سَهْل بن حُنَيْف، عن عبد الله بن قارظ، عن أبي هريرة. قاله عثمان بن حكيم، عنه، حديثًا آخر. وهذا القول يقوي قول من قال فيه: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ)) (العلل 4/ 238 - 239).

وأما المتنُ: فالمحفوظُ عمن تقدَّمَ ذكرهم الحديث بلفظ الأمر: ((تَوَضَّئُوا

ص: 11

مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ))، وليس بلفظ الخبر.

الطريق الثاني:

أخرجه أبو داود قال: حدثنا مُسدَّد، حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثني أبو بكر بن حفص، عن الأغر، عن أبي هريرة به بلفظ:((الوُضُوءُ مِمَّا أَنْضَجَتِ النَّارُ)).

وإسنادُهُ صحيحٌ؛ ولذا قال الألبانيُّ: "إسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ"(صحيح أبي داود 1/ 352).

قلنا: ولكن خالف القطانَ جماعةٌ فرووه عن شعبةَ بلفظِ الأمرِ، وهم:

1 -

محمد بن جعفر، كما عند أحمد في (المسند 9907)، وغيره.

2 -

عبد الصمد بن عبد الوارث، كما عند أحمد في (المسند 16349)، وغيره.

3 -

معاذ بن معاذ العنبري، كما عند أبي يعلى في (مسنده 6161)، وغيره.

4 -

وهب بن جرير، كما عند ابن قدامة المقدسي في (بلغة الطالب الحثيث ق 8/أ).

قلنا: وقد خولف شعبة في وصله أيضًا.

قال الدارقطنيُّ في (العلل 1599): ((وخالفه خالدٌ الحذاءُ وأشعثُ بنُ سَوَّار، فروياه عن أبي بكر بن حفص، عن أبي هريرة مرسلًا، ولم يذكرا الأَغرَّ)).

الطريق الثالث:

أخرجه ابنُ المقرئ في (معجمه) قال: حدثنا محمد بن سهل بن المرزبان

ص: 12

الأسواري، ثنا أحمد بن يونس الضبي، ثنا يعلى بن عُبيد، ثنا أبو عمرو البصري، ثنا الحسن، عن أبي هريرة، به، بلفظ:((الوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

ورواه الذهبيُّ في (معجم شيوخه 2/ 12) من طريق محمد بن عبد الملك الدقيقي، نا يعلى بن عبيد، بسنده، ولكن بلفظ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

وكذا رواه الدارقطنيُّ في (الأفراد) كما في (أطراف الغرائب 5053) وقال: "تَفَرَّدَ به يعلى بن عبيد، عن أبي عمرو بن العلاء عنه -أي: الحسن-. ولفظه: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) ".

قلنا: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ الحسنُ لم يسمعْ أبا هريرة، وعليه جمهور أهل العلم. انظر (جامع التحصيل، صـ 162 - 165)، ولكن ذَكَر الدارقطنيُّ له متابعًا، فقال: ((رواه عبد الأعلى، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وخالفه يزيد بن هارون ومَخْلَد بن حسين، فروياه، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، ورفعاه. ولعلَّ هشامًا حفظه عن الحسنِ وابنِ سيرينَ جميعًا)) (العلل 1553).

قلنا: ورواية هشام بن حسان عن ابنِ سيرينَ هذه رواها الخطيبُ في (تاريخه 15/ 102) من طريق مخلد بن الحسين، عن هشام عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)). وهذا هو المشهورُ عن أبي هريرةَ.

ص: 13

رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مِمَّا تَوَضَّأْتُ؟ تَوَضَّأْتُ مِنْ أَثوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ وَرَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مِمَّا أَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ أَثوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: ((مَا أُبَالِي مِمَّا تَوَضَّأْتَ! أَشْهَدُ لَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ لَحْمٍ (خُبزًا وَلَحْمًا)، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَمَا تَوَضَّأَ)).

قَالَ: وسُلَيْمَانُ حَاضِرٌ ذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا.

[الحكم]:

صحيحٌ مفرقًا، وهذا إسنادٌ معلٌّ، وأشارَ النسائيُّ والبزارُ لإعلاله.

[التخريج]:

تخريج السياق الأول: [بز 5294].

تخريج السياق الثاني: [ن 189 (مختصرًا، والرواية له) /كن 237 (مختصرًا) / حم 3464 (واللفظ له) / عل 2733/ عب 648/ طب 10757/ هق 747].

[السند]:

أخرجه البزارُ قال: حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني محمد بن يوسف، عن سليمان بن يسار، عن

ص: 14

ابن عباس، به.

ورواه النسائيُّ في (السنن) قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا ابن جريج، قال: حدثني محمد بن يوسف، عن ابن يسار، به مختصرًا.

ومداره عند الجميع على ابن جريج، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله ثقات معروفون، عدا محمد بن يوسف؛ فاثنان في هذه الطبقة:

أحدهما: محمد بن يوسف القرشي، مولى عمرو بن عثمان بن عفان. وهذا هو الذي اعتمده مغلطاي هنا (شرح ابن ماجه 2/ 59).

وجاء مصرحًا باسمه هكذا عند البيهقي في (السنن الكبير 747)، بإسنادٍ فيه ضَعْفٌ كما سيأتي.

والقرشيُّ هذا وَثَّقَهُ ابنُ معينٍ، وأبو حاتم، وأبو زرعةَ، والدارقطنيُّ،

وغيرُهُم. وانظر (تاريخ ابن أبي خيثمة - السِّفر الثالث 2/ 281)، و (الجرح والتعديل 8/ 118)، و (تهذيب الكمال 27/ 61).

ومع ذلك قال الحافظُ في (التقريب 6416): ((مقبول))، وهذا منه غير مقبول.

والثاني: محمد بن يوسف الكِنْدي الأعرج، وهذا هو الذي اعتمدَهُ بدرُ الدينِ العينيُّ في (نخب الأفكار شرح معاني الآثار 2/ 22).

والكنديُّ هذا ثقة من رجال الشيخين، كما في (التقريب 6414).

قلنا: كلا الرجلين يَروي عنه ابنُ جُريجٍ، وكلاهما ثقة كما تقدَّمَ، ولكن

ص: 15

اختُلف على محمد بن يوسف في إسنادِهِ، فرواه عنه ابنُ جريجٍ وابنُ عَونٍ:

أما ابنُ جُريجٍ، فاختُلفَ عليه على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول عن ابن جريج: عن محمد بن يوسف، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، بلفظ روايتنا هذه، وفيه قوله أبي هريرة مرفوعًا:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

هكذا رواه البزار قال: حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج، به.

بينما رواه عن ابن جريج جماعة، فلم يذكروا المرفوع عن أبي هريرة، وهم:

1 -

عبد الرزاق، كما في (المصنف 648) -وعنه أحمدُ في (المسند 3464)، وغيره-

2 -

محمد بن بكر البُرْساني، كما عند أحمدَ في (المسند 3464).

3 -

خالد بن الحارث، كما عند النسائيِّ في (السنن 189)، و (الكبرى 237)، واختصر متنه بلفظ:((أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا))، ولم يَذكر قصةَ ابنِ عباسٍ مع أبي هريرة.

4 -

مَخْلَد بن يزيد، كما عند أبي يعلى في (مسنده 2733)، ولفظه بنحو لفظ النسائي مطولًا.

5 -

عبد الوهاب بن عطاء، كما عند البيهقيِّ في (السنن الكبير 747)، وقال في إسناده:((عن محمد بن يوسف مولى عثمان))، ولكن عبد الوهاب فيه ضَعْفٌ، وقال ابنُ حَجَرٍ:((صدوقٌ ربما أخطأَ)) (التقريب 4262).

فرواه خمستهم عن ابنِ جُريجٍ بسنده، لم يقولوا:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ))

ص: 16

فنراها شاذة من هذا الوجه. والله أعلم.

الوجه الثاني عن ابن جريج:

عن محمد بن يوسف، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة -بدل عبد الله بن عباس- بلفظ:((أَنَّهَا قَرَّبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَنْبًا مَشْوِيًّا، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).

رواه النسائيُّ في (السنن 188)، و (الكبرى 236، 4881) من طريق خالد بن الحارث، قال: حدثنا ابن جريج، قال: حدَّثني محمد بن يوسف، به.

ورواه أبو يعلى في (المسند 6985)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 65) من طريق عثمان بن عمر.

ورواه الطبرانيُّ في (الكبير 23/ رقم 386)، وابنُ عساكر في (تاريخه 4/ 237) من طريقين عن أبي عاصم.

كلاهما عن ابن جريج، به.

الوجه الثالث عن ابن جريج:

عن محمدِ بنِ يوسفَ، أن عطاءَ بنَ يسارٍ أخبرهُ أن أُمَّ سلَمةَ -زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ ((أَنَّهَا قَرَّبَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَنْبًا مَشْوِيًّا، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). فأبدل (عطاء بن يسار) بـ (سليمان بن يسار).

رواه أحمدُ في (المسند 26622) حدثنا عبد الرزاق وابن بكر، قالا: أخبرنا ابنُ جريج.

وروحٌ، حدثنا ابنُ جريجٍ، قال: أخبرني محمد بن يوسف، به.

ص: 17

ورواه الترمذيُّ في (جامعه 1936، والشمائل 164)، وغيره من طريق حَجاج بن محمد، عن ابن جريج، به.

قلنا: مدارُ الأوجهِ الثلاثةِ كما سبقَ عن ابنِ جُريجٍ، وقد اختُلفَ عليه في إسنادِهِ ومتنِهِ، فمرة يَجعل الحديث عن ابن عباس، ومرة عن أم سلمة. ومرة يجعله عن عطاء بن يسار، ومرة عن سليمان بن يسار.

وقد أشارَ البزارُ لهذا الاختلاف فقال: ((وهذا الحديثُ إنما ذكرناه لاختلافهم في إسناده، فقال بعضُ مَن رواه: عن سليمان بن يسار عن بعضِ أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم)(المسند 11/ 435).

وكذا أشارَ النسائيُّ لهذه المخالفة، فقال -عقب رواية خالد بن الحارث، عن ابن جريج، عن محمد بن يوسف، عن سليمان بن يسار عن أم سلمة-:((خالفه الحَجاج بن محمد الأعور))، ثم أسند طريقَ حَجاجٍ، قال: قال ابنُ جُريجٍ: أخبرني محمد بن يوسف أن عطاء بن يسار أخبره أن أم سلمة، به.

قلنا: قد يكون هذا الاختلاف من محمد بن يوسف نفسه؛ وذلك أنه قد رُوي عنه على وجه آخر، وهي روايةُ ابنِ عون التي أشرنا إليها آنفًا.

فقد رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 25/ 127/ 308): حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا الصلت بن مسعود الجَحْدري، ثنا سليم بن أخضر، عن ابن عون -وهو عبد الله- عن محمد بن يوسف، عن أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ:((قَرَّبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا مَشْوِيَّةً، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).

وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، ولكنه منقطعٌ بين محمد بن يوسف وأمِّ سُليم؛ فإنها تُوفيت في خلافة عثمان رضي الله عنه، كما في (التقريب 8737)، ومحمد بن

ص: 18

يوسف الكِنْدي تُوفي سنة أربعين ومائة. فبين وفاتيهما أكثر من مائة عام، وهو من الطبقة الخامسة طبقة صغار التابعين، فبذلك لم يدركها. ومحمد بن يوسف القرشي من الطبقة السادسة الذين عاصروا صغار التابعين؛ فهو أبعد من إدراكها.

قلنا: ومع هذا الاختلاف على محمد بن يوسف في إسنادِهِ فقد خُولِفَ، كما ذكر النسائيُّ في (السنن الكبرى/ عقب حديث 4882) فقال:((خالفه زيد بن أسلم)).

ثم أسندَ عن قتيبةَ بنِ سعيدٍ قال: عن مالكٍ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عنِ ابنِ عباسٍ، ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).

قلنا: وهذا أرجحُ من طريقِ ابنِ يوسفَ؛ لعدم الاختلاف على زيدٍ في إسنادِهِ، بينما اختُلفَ على محمد بن يوسف، كما تقدَّمَ.

ولذا اعتمدَ البخاريُّ ومسلمٌ في (صحيحيهما) روايةَ زيدِ بنِ أسلمَ؛ فأخرجه البخاريُّ في (صحيحه 207)، ومسلم (354) من طريق مالك عن زيد بن أسلم، به. كما أورده النسائيُّ.

قلنا: وحديثُ أبي هريرةَ قد صَحَّ من غيرِ هذا الوجهِ كما تقدَّم.

وأما حديثُ ابنِ عباسٍ، فقد رواه الشيخان: البخاري (307)، ومسلم (354/ 91) كما سيأتي قريبًا تحت ((باب ترك الوضوء مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

ص: 19

رِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ (أَنْضَجَتِ) 1 (مَسَّتِ) 2 النَّارُ)). فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: [يَا أَبَا هُرَيْرَةَ] 1 أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الحَمِيمِ [وَقَدْ أُغْلِيَ عَلَى النَّارِ، وَإِنَّا نَدَّهِنُ بِالدُّهْنِ وَقَدْ أُغْلِيَ (طُبِخَ) 3 عَلَى النَّارِ] 2؟! [فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِالمَاءِ الحَارِّ؟] 3 فَقَالَ لَهُ: يَا بنَ أَخِي، إذَا سَمِعْتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا، فَلَا تَضْرِبْ لَهُ الأَمْثَالَ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ بِلَفْظِ الخَبَرِ: ((قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَلَوْ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ))، قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابنُ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الدُّهْنِ؟ أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الحَمِيمِ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا ابنَ أَخِي، إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا)).

• وفي روايةٍ ثالثة مختصرة على المرفوعِ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَلَوْ مِنْ تَوْرِ أَقِطٍ)).

[الحكم]:

صحيح المتن دون ذكر مناظرة ابن عباس لأبي هريرة. وهذا إسنادٌ معلٌّ، أعلَّه: أبو زرعةَ الدمشقيُّ.

[التخريج]:

تخريج السياقة الأولى: [جه 22، 488 (واللفظ له) / بز 7969 (والزيادة الأولى) / طح (1/ 63) / حل (7/ 160) / معر 1726 (والرواية الأولى له، والزيادة الثالثة له) / جع 178 (والرواية الثانية له، والزيادة الثانية له) / طوسي 66 (والرواية الثالثة له) / فق 394/ عدن (مغلطاي 2/ 29) / خبر (1/ 459)].

ص: 20

تخريج السياقة الثانية: [ت 80 (واللفظ له)].

تخريج السياقة الثالثة: [حم 10542 (واللفظ له) / فز 222/ هريرة 11، 45/ طح (1/ 63) / تد (3/ 372)].

[السند]:

أخرجه الترمذي قال: حدثنا ابنُ أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.

ورواه ابنُ ماجهْ (488) قال: حدثنا محمد بن الصَّبَّاح، حدثنا سفيان بن عيينة، به.

ورواه أحمدُ عن يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو، به، مختصرًا دون القصة.

ورواه البزارُ والخطيبُ في (الفقيه والمتفقه) من طريق يزيد بن هارون، عن محمد، به، مطولًا بذكر القصة.

ورواه إسماعيل بن جعفر -ومن طريقه القزوينيُّ في (التدوين) - عن محمد بن عمرو، به.

[التحقيق]:

وهذا إسنادٌ حسنٌ، رجاله ثقات رجال الصحيح، إلا محمد بن عمرو، وهو ابنُ علقمة بن وقاص الليثي. روى له البخاري مقرونًا بغيره، ومسلمٌ في المتابعات، وقال فيه الحافظ:"صدوقٌ له أوهامٌ"(التقريب 6188).

قلنا: وقد وَهِم محمد بن عمرو في إسنادِ هذا الحديثِ ومتنه:

فخالفه الزهريُّ ويحيى بن أبي كثير؛ فروياه عن أبي سلمةَ، أن أبا سفيانَ

ص: 21

ابنَ سعيدِ بنِ المغيرةِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، فَسَقَتْهُ قَدَحًا مِنْ سَوِيقٍ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، فَقَالَتْ: يَا بْنَ أُخْتِي، أَلَا تَوَضَّأُ؟ ! إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) أَوْ قَالَ: ((مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

قال أبو زرعةَ الدمشقيُّ -مُعِلًّا روايةَ محمدِ بنِ عمرٍو-: ((محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي- من أروى أهل المدينة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وله عن أبي سلمة أحاديث يخالف فيها.

وذَكَر له هذا الحديثَ مختصرًا، ثم أتبعه بروايةِ الزهريِّ له عن أبي سلمةَ:"أخبرني أبو سفيان بن سعيد بن الأخنس عن أم حبيبة"، به.

ثم أتبعه برواية أبان العطار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سفيان، عن أم حبيبة، به (الفوائد المعللة/ رقم 222: 225).

قلنا: أما روايةُ الزهريِّ: فرواها النسائيُّ في (السنن 185)، و (الكبرى 233)، وغيره، من طريق الزبيدي.

وأبو زرعة الدمشقي في (الفوائد المعللة 224)، من طريق يونس بن يزيد.

وأحمد في (المسند 26784)، وغيره، من طريق شعيب بن أبي حمزة.

وعبد الرزاق في (المصنَّف 671) -وعنه أحمد (26783)، وغيره- عن معمر.

والطبراني في (المعجم الكبير 23/ رقم 466) من طريق صالح بن كَيْسَان.

وأحمد (26399، 26779)، وغيره، من طريق ابن أبي ذئب.

ص: 22

وعبد الرزاق (673)، وغيره، من طريق ابن جريج.

والنسائي في (السنن 186)، و (الكبرى 234)، وغيره، من طريق بكر بنِ سَوَادة.

فرواه ثمانيتهم وغيرهم عن الزهري، عن أبي سلمة، به.

قلنا: وقد جاءتْ روايةٌ عن الزهريِّ مُوافِقةٌ رواية محمد بن عمرو، ولكنها شاذة لا تَثبتُ:

رواها الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 63/ 360) قال: حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا المُقَدَّمي قال: ثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجال الصحيح عدا ابن أبي داود شيخ الطحاوي، وهو إبراهيم بن أبي داود البُرلُّسي، "كان ثقةً متقنًا حافظًا للحديثِ"(تكملة الإكمال 878).

والمُقَدَّمي هو محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مُقَدَّم المُقَدَّمي، ثقة من رجال الشيخين.

وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي، ثقة من رجال الشيخين أيضًا.

ولذا صَحَّحَ سندَهُ: بدرُ الدينِ العينيُّ في (نخب الأفكار 2/ 11)، والألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 353).

ولكن لهذا السند علتان تمنعان من الاعتداد به كمُتابِع:

العلة الأولى: أن مَعْمَرًا حَدَّثَ بالبصرةِ من حفظه بأحاديثَ وَهِم في بعضها، كما ذكر ذلك الدارقطنيُّ في (التتبع، صـ 121)، وعبد الأعلى بن

ص: 23

عبد الأعلى بصري، وحَمَل عن معمرٍ بالبصرة.

قال علي بن المديني: ((سمعتُ عبدَ الأعلى عن معمرٍ بالبصرةِ، وكان معمرٌ يحدثهم بالبصرةِ من حفظه، فوهمَ في أسانيدَ. وسماعُ عبدِ الرزاقِ عن معمرٍ أصحُّ لأنه كان يُحَدِّثُ أهل اليمن ومعه كتبه)) (التمهيد لابن عبد البر 10/ 169).

وقال أبو بكر الأثرم، عن أحمد بن حنبل:((حديثُ عبدِ الرزاقِ عن معمرٍ أَحَبُّ إليَّ من حديثِ هؤلاء البصريين، كان يتعاهد كتبه وينظر -يعني باليمن- وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة)) (تهذيب الكمال 18/ 57)، و (شرح علل الترمذي 2/ 766).

وقال يعقوب بن شيبة: ((سماعُ أهلِ البصرةِ من معمرٍ حيثُ قَدِم عليهم فيه اضطرابٌ؛ لأن كتبه لم تكن معه)) (شرح علل الترمذي 2/ 766).

وقال أبو حاتم: ((معمرٌ ما حَدَّثَ بالبصرةِ فيه أغاليط)) (الجرح والتعديل 8/ 257)، و (تاريخ دمشق 59/ 416)، وغيرهما.

وقال ابنُ حَجَرٍ -في ترجمة معمر-: "ثقةٌ ثبتٌ فاضلٌ، إلَّا أنَّ في روايتِهِ عن ثابتٍ، والأعمشِ، وعاصمِ بنِ أبي النَّجودِ، وهشامِ بنِ عروةَ شيئًا. وكذا فيما حَدَّثَ به بالبصرةِ"(التقريب 6809).

العلة الثانية: أن عبد الأعلى خُولفَ في سندِهِ ومتنِهِ:

خالفه عبد الرزاق الصنعاني، كما تقدَّمَ، فرواه عن معمرٍ، عن الزهريِّ، عن أبي سلمةَ، أن أبا سفيانَ بنَ سعيدِ بنِ المغيرةِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، فَسَقَتْهُ قَدَحًا مِنْ سَوِيقٍ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، فَقَالَتْ: يَا بنَ أُخْتِي، أَلَا تَوَضَّأُ؟ ! إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) أَوْ قَالَ: ((مِمَّا

ص: 24

مَسَّتِ النَّارُ)).

وعبدُ الرزاقِ أثبتُ من عبدِ الأعلى في معمرٍ، كما قال ابنُ حَجَرٍ في (فتح الباري 2/ 368).

بل إن عبدَ الرزاقِ أثبتُ أصحابِ معمرٍ.

قال أحمد: ((إذا اختَلفَ أصحابُ معمرٍ، فالحديثُ لعبدِ الرزاقِ)) (تاريخ دمشق 36/ 169).

قال أحمد بن صالح المصري: ((قلتُ لأحمدَ بنِ حنبلٍ: رأيتَ أحدًا أحسن حديثًا من عبد الرزاق؟ قال: لا)) (الفوائد المعللة، صـ 255)، و (تهذيب الكمال 18/ 56 - 57).

وقال يحيى بن معين: ((ما كان أَعْلَمَ عبدَ الرزاق بمعمرٍ وأَحْفَظَه عنه! ! )) (تاريخ دمشق 36/ 170).

وقال يعقوب بن شيبة: ((عبدُ الرزاقِ متثبتٌ في معمرٍ، جيدُ الإتقانِ)) (شرح علل الترمذي 2/ 151).

قلنا: وقد جاءت روايةٌ ضعيفةٌ أيضًا عن الزبيديِّ مُتابِعة لرواية معمر.

رواها العقيليُّ في (الضعفاء 4/ 229) من طريق يزيد بن يوسف، عن الزبيدي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)). وليس في هذه الروايةِ ذِكرُ مناظرةِ أبي هريرة لابن عباس.

وعلى كُلٍّ إسنادها ضعيف؛ يَزيدُ هذا قال عنه ابن معين: ((ليس بشيء)) (الضعفاء للعقيلي 4/ 228).

ص: 25

قال العقيليُّ -عقبه-: ((وقال معمرٌ، وعقيلٌ، وصالحُ بنُ كَيْسانَ، وشعيبٌ: عن الزهريِّ، عن أبي سلمة، عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس، عن أم حبيبة. وهذه الرواية أَوْلى)) (الضعفاء 4/ 229).

قلنا: أما رواية يحيى بن أبي كثير فرواها:

أحمدُ (26782)، وإسحاق بن راهويه (2058) من طريق علي بن المبارك.

وأحمد (26773)، وأبو داود (194)، وغيرهما من طريق أبان بن يزيد.

وأحمد (27406)، وغيره من طريق حرب بن شداد.

ثلاثتهم (علي، وأبان، وحرب) عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سفيان بن المغيرة عن أم حبيبة به كما رواه الزهري.

قلنا: ورواية الزهري، ويحيى بلا شك أَوْلى من رواية محمد بن عمرو بن علقمة.

قال يحيى بن معين: ((ومَن رَوى مثل الزهري ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة

إذا رووا هؤلاء هذه الأحاديث، وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة فخالفهم؛ كان القول قول الزهري ويحيى بن أبي كثير! إنهم أثبت منه)) (تاريخ ابن معين، رواية الدوري 1059).

والذي يرجحُ روياتهما مع علوِ قدرهما وجلالتهما أن محمدَ بنَ عمرٍو لم يتفقْ عنه الرواةُ على ذكرِ ابنِ عباسٍ، فمنهم من ذكرَ القصةَ، ومنهم من لم يذكرها، بل من الرواةِ الثقاتِ مَن رواه عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة به. وجعل المناظرة بين أبي سلمة وأبي هريرة كما سيأتي في الرواية الآتية. وكل هذا يدلُّ على عدمِ ضبطِ ابنِ علقمةَ له. والله أعلم.

ص: 26

قلنا: ومع هذا حَسَّنَ إسنادَ محمدِ بنِ عمرٍو جماعةٌ:

فحَسَّنَهُ: ابنُ حَجَرٍ كما في (موافقة الخبر الخبر 1/ 459).

وبدرُ الدينِ العينيُّ في (نخب الأفكار 2/ 10).

والألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 353).

قلنا: ولعلَّ تحسينهم للقدر المرفوع؛ حيثُ وَرَدَ من طرقٍ كثيرةٍ عن أبي هريرةَ غير طريق أبي سلمة. أما القصة فلم تَرِد إلا من طريقٍ شاذٍّ أو مُنقطعٍ كما سيأتي.

رِوَايَةُ مُنَاظَرَةِ أَبِي سَلَمَةَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ

• وَفِي رِوَايَةٍ جَعَلَ مُنَاظَرَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَبِي سَلَمَةَ: ((قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، وَلَوْ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ)). فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: أَلَيْسَ يَدَّهِنُ أَحَدُنَا بِالبَانِ؟! قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِذَا جَاءَ الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَلَا تَضْرِبْ لَهُ الأَمْثَالَ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون ذكر مناظرة ابنِ عباسٍ لأبي هريرةَ.

[التخريج]:

[بز 8026 (واللفظ له)].

[السند]:

قال البزارُ: حدثنا سهل بن بحر، قال: حدثنا سليمان بن داود، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن

ص: 27

أبي هريرة، به.

قال -عقبه-: ((ولا نعلمُ أسندَ حماد بن زيد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، إلا هذا الحديث)).

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير محمد بن عمرو بن علقمة، فصدوقٌ له أوهامٌ، كما تقدَّم في الروايةِ السابقةِ.

وقد وَهِمَ في إسنادِ هذا الحديثِ ومتنِهِ، حيثُ خالفه الزهريُّ، ويحيى بنُ أبي كثير، فروياه عن أبي سلمةَ، أن أبا سفيانَ بنَ سعيدِ بنِ المغيرةِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، فَسَقَتْهُ قَدَحًا مِنْ سَوِيقٍ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، فَقَالَتْ: يَا بنَ أُخْتِي، أَلَا تَوَضَّأُ؟ ! إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) أَوْ قَالَ: ((مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

وهذا أرجحُ كما ذهبَ أبو زرعةَ الدمشقيُّ، وقد بَيَّنَّا هذا بتوسعٍ فيما سبقَ.

ص: 28

رِوَايَةُ ((عَدَدَ هَذِهِ الحَصْبَاءِ))

• وَفِي رِوَايَةٍ: عن أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ قال: اجتمعَ أبو هريرةَ وابنُ عباسٍ، فقال ابنُ عباسٍ:((لَيْسَ فِي طَعَامٍ وُضُوءٌ)). وَقَالَ

(1)

: ((أَكَلَ ابنُ عَبَّاسٍ طَعَامًا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). قَالَ: فَتَنَاوَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَفًّا مِنْ (حَصْبَاءَ)

(2)

فَقَالَ: [سَمِعْتُ] رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَدَدَ هَذِهِ (الحَصْبَاءِ)

(3)

يَقُولُ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون ذكر مناظرة ابن عباس لأبي هريرة. وهذا إسنادٌ معلٌّ، أعلَّه الدارقطنيُّ.

[التخريج]:

[بز 8613 (مختصرًا)، 8614 (مختصرًا) / طس 722، 2209/ سرج 1753 (واللفظ له)، 1754 (مقتصرًا على المرفوع) / ناسخ 59 (والزيادة له ولغيره) / فقط (أطراف 5676)].

(1)

في المطبوع من (حديث السراج، ط/ الفاروق): (قال) والتصويب من (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 29).

وفي هذا الموضع من كتاب السراج تحريف كثير، يظهر ذلك لمن تتبع الأسانيد والمتون بتأمل.

(2)

في المطبوع: "حصاة"، والمثبت من كتاب مغلطاي. وعند البزار:"حصى" والمعنى واحد.

(3)

في المطبوع: "الحصا"، والمثبت من كتاب مغلطاي، وعند البزار:"عدد هذا الحصى".

ص: 29

[التحقيق]:

مداره على يحيى بن أبي كثير، واختُلف عليه في إسنادِهِ ومتنِهِ:

فرواه السراج في (حديثه 1753) قال: حدثنا عبيد الله بن جرير، ثنا أبو عمر حفص بن عمر الضرير، ثنا أبو عَوَانة، عن عبيد الله بن الأخنس، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، به.

هذا إسنادٌ رجاله ثقات، غير عبيد الله بن الأخنس، فاحتجَّ به البخاريُّ ومسلمٌ ووَثَّقَهُ جماعةٌ. ولكن ذكره ابنُ حبان في (الثقات 7/ 147)، وقال:((يُخطئُ كثيرًا)).

قلنا: وقد أخطأَ في سندِهِ ومتنِهِ كما سيأتي.

وقال الدارقطنيُّ: ((تَفَرَّدَ به أبو عَوانة عن عبيد الله بن الأخنس عن يحيى. وتَفَرَّدَ به أبو عمر الضرير عنه)) (أطراف الغرائب والأفراد لابن القيسراني 5589).

قلنا: وقد جاءتْ متابعاتٌ لعبيد الله بن الأخنس، ولكن بدون ذكر مناظرة ابن عباس لأبي هريرة:

منها: ما رواه السراج في (حديثه 1754)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث 599) من طريقين عن أبي خلف موسى بن خلف العَمِّي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنه جمعَ بيدِهِ حصى، فقال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

ورجاله ثقات غير أبي خلف العمي.

قال ابنُ مَعينٍ -في رواية إسحاق بن منصور-: ((ليس به بأس)) (الجرح والتعديل 8/ 140).

ص: 30

وفي رواية ابن الجُنَيْد وابن أبي خيثمة: ((ضعيفُ الحديثِ)) (سؤالات ابن الجنيد 549، 854)، وانظر:(المجروحين 2/ 248)، و (الكامل 9/ 541).

وقال عفان: ((حدثنا أبو خلف موسى بن خلف! ! وأثنى عليه ثناء حسنًا، وقال: ما رأيتُ مثله قط)) (الجرح والتعديل 8/ 140).

وقال أحمد بن حنبل: ((كان يُعَدُّ من البدلاء)) (العلل، رواية ابنه عبد الله 5883).

وقال أبو حاتم: ((صالح الحديث)) (الجرح والتعديل 8/ 140).

وقال يعقوب بنُ شيبة، والعجليُّ:((ثقة)) (تهذيب الكمال 29/ 56)، و (معرفة الثقات وغيرهم للعجلي 1815).

وقال أبو داود: ((ليس به بأس، ليس بذاك القوي)) (سؤالات الآجري 267).

وقال ابنُ حِبَّانَ: ((كان رديءَ الحفظِ، يَروي عن قتادةَ أشياء مناكير، وعن يحيى بن أبي كثير ما لا يشبه حديثه، فلما كَثُرَ ضرب هذا في روايته استحق ترك الاحتجاج به فيما خالف الأثبات وانفرد جميعًا)) (المجروحين 2/ 247).

وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((لا أرى بروايته بأسًا)) (الكامل 9/ 542).

وقال الدارقطنيُّ: ((ليس بالقويِّ، يُعتبرُ به)) (سؤالات البرقاني 501).

ولَخَّص حاله ابنُ حَجَرٍ، فقال:((صدوقٌ عابدٌ له أوهامٌ)) (التقريب 6958).

قلنا: الراجحُ في حاله رَدُّ ما ينفردُ به، أو يخالف فيه، وخاصة عن قتادةَ

ص: 31

ويحيى بنِ أبي كثير، كما بَيَّن ابنُ حِبَّانَ آنفًا.

ومنها: ما رواه البزار (8613) قال: حدثنا المنذرُ بنُ الوليدِ الجارُودِيُّ قال: حدثنا أبي، عنِ الحسنِ بنِ أبي جعفرٍ، عن أيوبَ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَدَدَ هَذَا الحَصَى -لحَصًى فِي يَدِهِ- يَقُولُ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

قال البزارُ: "وهذا الحديثُ لا نعلمُ رواه عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة إلا الحسن بن أبي جعفر، ولم نسمعه إلا من الجارودي عن أبيه".

قلنا: والحسنُ بنُ أبي جعفرٍ هو الجفريُّ، "ضعيفٌ"(التقريب 1222)، وقد توبع:

فأخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط 722) عن أحمد بن علي الأبار قال: حدثنا علي بن حُجْر المروزي قال: حدثنا عبد العزيز بن الحُصَيْن، عن أيوبَ السَّختياني، عن يحيى، به، مختصرًا.

وقال: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن أيوبَ إلا عبد العزيز بن الحصين والحسن بن أبي جعفر".

قلنا: وعبد العزيز هذا واهٍ، ضَعَّفه الأئمة، وتَرَكه بعضُهم. انظر (اللسان 5/ 202، 4/ 28).

ومن هذه الطرق عن يحيى:

ما رواه البزارُ في (مسنده 8614) عن الجَرَّاح بن مَخْلَد، حدثنا أبو قتيبة، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.

ص: 32

وهذا إسنادٌ رجاله ثقات إلا أنه منقطعٌ؛ أبو قتيبة -سَلْم بن قتيبة- لم يسمعْ من يحيى، بل لا يكادُ يدركه، وليس بمدلسٍ. فالظاهرُ أنه سقطَتْ من السندِ الواسطةُ بينهما.

وقد رواه الطبرانيُّ في (الأوسط 2209) عن أحمد بن عبد الكريم الزعفراني العسكري قال: نا الجراح بن مخلد قال: نا أبو قتيبة قال: نا هارون بن موسى النَّحْوي، عن يحيى بن أبي كثير، به، مختصرًا.

ورجالُ إسنادِهِ ثقات عدا شيخ الطبراني، فلم أجدْ له ترجمةً إلا أنه توبع:

تابعه مسكين بن بُكَيْر عن هارونَ به. ذكره الدارقطنيُّ في (العلل 1393).

ومسكين بن بكير ((صدوقٌ يُخطئُ)) (التقريب 6615).

فتبين من هذا أن الواسطة بينهما هارون بن موسى.

ولكنْ ذَكَر الدارقطنيُّ في (العلل 1393) أن أبا قتيبة رواه عن هارون، عن معمر، عن يحيى. ولم نجدْه من هذا الوجهِ.

قلنا: وقد خالف الجميعَ:

علي بن المبارك، كما عند أحمد (26782)، وغيره.

وأبان بن يزيد العطار، كما عند أبي داود (194)، وأحمد (26773)، وغيرهما.

وحرب بن شداد، كما عند أحمد (27406)، وغيره.

فرواه ثلاثتهم (علي، وأبان، وحرب) عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، عن أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، أن أبا سفيانَ بنَ سعيدِ بنِ المغيرةِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، فَسَقَتْهُ قَدَحًا مِنْ سَوِيقٍ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، فَقَالَتْ:

ص: 33

يَا بنَ أُخْتِي، أَلَا تَوَضَّأُ؟ ! إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) أَوْ قَالَ: ((مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

قلنا: وهذا أرجحُ من رواية عبيد الله بن الأخنس ومَن تابعه؛ لكثرة الأوهام في روايتهم، بخلاف رواية هؤلاء، فإنهم من أصحابِ يحيى المُقدَّمين فيه بعد هشام الدَّسْتُوائي.

قال إسحاقُ بنُ هانئ: ((قلتُ لأبي عبدِ اللهِ -يعني أحمد-: أيما أَحَبُّ إليك في حديث يحيى بن أبي كثير؟ قال: هشام أَحَبُّ إليَّ ممن روى عن يحيى بن أبي كثير. قلت: فحسين المعلم، وحرب بن شداد، وشيبان؟ قال: هؤلاء ثقات. قلت له: فهمام؟ قال: ليس منهم أصح حديثًا ولا أَحَبُّ إليَّ من هشام. قلتُ: فأبان العطار؟ قال: هو مثل همام وشيبان)).

ونَقَل الأثرمُ عن أحمدَ، قال:((هشامٌ الدستوائيُّ أثبتُ في حديثِ يحيى من معمرٍ)).

وقال أبو زرعةَ الدمشقيُّ: ((سألتُ أحمدَ عن أصحابِ يحيى بنِ أبي كثير، فقال: هشامٌ. قلتُ: ثم مَن؟ قال: أبان. قلت: ثم مَن؟ فذَكَر آخر. قلت: فالأوزاعيُّ؟ قال: الأوزاعيُّ إمامٌ)) (شرح علل الترمذي 2/ 677).

قلنا: وقد ذهبَ الدارقطنيُّ إلى إعلالِ روايةِ ابنِ الأخنسِ ومَن تابعه بوجهٍ آخرَ، فقال -بعد ذِكر روايته ومَن تابعه-:((وخالفه حسين المعلم وأبان بن يزيد العطار، فروياه عن يحيى بن أبي كثير، عن الأوزاعي، عن المُطلِب بن عبد الله بن حَنْطَب، عن أبي هريرة. وهو أشبه بالصواب)) (العلل 1393).

ورواية يحيى عن الأوزاعي، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أبي هريرة، به. انظرها في الرواية الآتية.

ص: 34

رِوَايَةُ المُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ قَالَ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أَتَوَضَّأُ مِنْ طَعَامٍ أَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ حَلَالًا؛ لأَنَّ النَّارَ مَسَّتْهُ (مَحَشَتْهُ النَّارُ)

(1)

؟! فَجَمَعَ أَبُو هُرَيرَةَ حَصًى [بَيْنَ يَدَيْهِ] فَقَالَ: أَشْهَدُ عَدَدَ هَذَا الحَصَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون ذكر مناظرة ابن عباس لأبي هريرة. وهذا إسنادٌ منقطعٌ.

[اللغة]:

المَحْشُ: "احتراق الجلد وظهور العظم"(النهاية في غريب الحديث 4/ 302).

[التخريج]:

[ن 179 (واللفظ له) / كن 226/ حم 10848 (والزيادة له والرواية له) / طح 351، 352 (ولم يَسُقْ متنه)].

[السند]:

أخرجه النسائيُّ قال: أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا أبي، عن حسين المعلم قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، أنه سمع المطلب بن عبد الله بن حنطب يقول

فذكره.

ورواه أحمد (10848) قال: ثنا عبد الصمد، به.

(1)

(مَحَشَتْهُ النَّارُ) أَي أحرقته، قاله القاضي عياض في (مشارق الأنوار 1/ 374).

ص: 35

ورواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 352) من طريق أبي مَعْمَر، عن عبد الوارث، به.

ورواه (الطحاوي أيضًا 351) من طريق أبان بن يزيد، عن يحيى

به

(1)

.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات رجال الصحيح عدا المطلب بن عبد الله، فمن رجال السنن، وهو ثقة؛ وَثَّقَهُ أبو زرعة وغيره. وقال فيه الحافظ:"صدوق كثير التدليس والإرسال"(التقريب 6710).

ولم يسمع المطلب من ابن عباس ولا من أبي هريرة. انظر (المراسيل 780)، و (تهذيب التهذيب 10/ 179).

وعليه، فالسندُ منقطعٌ. والمرفوعُ منه صحيحٌ بما سبقَ؛ ولذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح سنن النسائي 174).

(1)

وقال فيه: (عن المطلب بن حنطب، عن أبي هريرة)، ولم يَسُقْ متنه، وإنما أحال على ما قبله، وليس فيه قصة الخلاف بين ابن عباس وأبي هريرة!

ص: 36

رِوَايَةُ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ بُرْقَانَ قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ ابنَ عَبَّاسٍ، فَأَرسَلَ إلَيه قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَخَذْتُ دُهْنَةً طَيِّبَةً فَدَهَنْتُ بِهَا لِحْيَتِي، أَكُنْتُ مُتَوَضِّئًا؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا بنَ أَخِي، إِذَا حُدِّثْتَ بِالحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَلَا تَضْرِبْ لَهُ الأَمْثَالَ جَدَلًا.

[الحكم]:

إسنادُهُ منقطعٌ.

[التخريج]:

[عب 680/ حزم (3/ 44)، (7/ 152)].

[السند]:

رواه عبد الرزاق -ومن طريقه ابنُ حَزمٍ-: عن مَعْمَرٍ، عن جعفر بن بُرْقان، به.

[التحقيق]:

إسناده ضعيف؛ فيه علتان:

الأولى: جعفر بن برقان لم يدرك أبا هريرة ولا ابن عباس.

الثانية: أن مَعْمَرًا خولف، خالفه كثير بن هشام فقال: نَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، يَعْنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: دَخَلَ أَبُو سُفْيَانَ الثَّقَفِيُّ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها -وَهِيَ خَالَتُهُ- فَدَعَتْ لَهُ بِسَوِيقٍ، فَأَكَلَ ثُمَّ قَامَ لِيُصَلِّي، فَقَالَتْ لَهُ: لَا تُصَلِّ حَتَّى تَتَوَضَّأَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

قلنا: وهذا أصح؛ فإن (كثيرًا) قال فيه العِجْلي في (معرفة الثقات وغيرهم

ص: 37

1546): ((ثقة صدوق، يتوكل للتجار، يحترف، مِن أروى الناس لجعفر بن برقان ألفا ومئة حديث، ويَروي أيضًا عن شعبة)).

وقال الآجري: ((سألته -أي: أبا داود- عن كثير بن هشام، فقال: ثقة. لما مات كثير بن هشام، قيل: اليوم مات جعفر بن برقان)) (سؤالات الآجري لأبي داود 1950).

ومما يرجح رواية كثير مُتابَعة ما يقارب الثلاثة عشر راويًا لجعفر على إسناده، كما سيأتي عند تخريج حديث أم حبيبة قريبًا.

ص: 38

2199 -

حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ

◼ عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيح (م).

[التخريج]:

[م 351 (واللفظ له) / حم 21647/ مي 744/ حمد 922/ مسن 783/ هق 732/ علحم 2072، 5282].

[السند]:

أخرجه مسلم قال: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي، عن جَدي، حدثني عُقَيْل بنُ خالد قال: قال ابنُ شِهابٍ: أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن خارجةَ بنَ زيدٍ الأنصاريَّ أخبره أن أباه زيد بن ثابت قال

فذكره.

ورواه أحمدُ في (العلل 2072، 5282) قال: حدثنا عبد الرزاق قال: قرأتُ في كتاب معمر: عن الزهري، عن عبد الملك بن أبي بكر، عن خارجة، عن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ.

وهو في (المسند 21647) بلفظ: "مَسَّتْ"، وانظر الرواية التالية.

ص: 39

رِوَايَةُ ((تَوَضَّئُوا)) بِلَفْظِ الأَمْرِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ (غَيَّرَتِ) النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيح. وصَحَّحَهُ: أحمدُ، والدارقطنيُّ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[ن 184 (واللفظ له) / كن 232/ حم 21598، 21642، 21655، 21660، 21669/ طب (5/ رقم 4833 - والرواية له ولغيره)، 4840/ طس 1146/ طش 3208/ طح (1/ 62) / كما (10/ 409) / خط (7/ 402) / علحم 2071، 5281/ فق (1/ 343)].

[التحقيق]:

رواه النسائي قال: أخبرنا هشام بن عبد الملك قال: حدثنا محمد قال: حدثنا الزبيدي قال: أخبرني الزهري، أن عبد الملك بن أبي بكر أخبره، أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره، أن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

فذكره.

وإسنادُهُ صحيحٌ. هشام هو اليَزَني. ومحمد هو ابن حرب. والزبيدي هو محمد بن الوليد، وقد توبع:

فرواه أحمدُ (21642) عن حَجاج، ثنا ليثٌ، حدثني عُقيل، عن ابن شهاب، به.

وإسنادُهُ صحيحٌ، رجاله ثقات رجال الشيخين، حَجاج هو ابنُ محمد المِصيصي. وليثٌ هو ابنُ سعدٍ. وعُقيل هو ابنُ خالد، وقد مرَّ عند مسلمٍ من طريقه. والحديثُ مشهورٌ عن الزهريِّ من طرقٍ كثيرةٍ كما في مراجع

ص: 40

التخريج.

وقد رواه الطبرانيُّ في (الكبير 4833)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 62) من طريق ابنِ أبي ذئبٍ، عن الزهريِّ، به، بلفظ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

وكذا رواه أحمدُ في (العلل 2071، 5281) قال: حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت، به، مثله.

فأسقط منه عبد الملك، وهو ثابتٌ في كتابِ معمرٍ كما تقدَّم آنفًا.

وحديثُ معمرٍ وابن أبي ذئب في (المسند 21598، 21655، 21660) بلفظ: "مسَّت"، بدل:"غيَّرت"، والمعنى قريب.

وعلى كُلٍّ فالحديثُ صحيحٌ.

وقد قال الإمام أحمدُ: ((روى الزهريُّ خمسة أحاديث صحاحًا برجال ثقات، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)))) (مسائل أحمد، رواية ابن هانئ 44).

وقال الدارقطنيُّ: ((وعند الزهريِّ في هذا الحديث أسانيد

وعنده عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن خارجة بن زيد، عن أبيه،

وكلُّ ما ذكرناه محفوظٌ عن الزهريِّ، صحيحٌ عنه)) (العلل 4/ 239).

وقال ابنُ حَزمٍ: ((وأما الوضوء مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ فإنه قد صحَّت في إيجاب الوضوء منه أحاديث ثابتة، من طريق عائشة، وأم حبيبة أم المؤمنين، وأبي أيوب، وأبي طلحة، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم)(المحلى 1/ 243).

ص: 41

وقال النوويُّ: ((واحتجَّ مَن أوجبه مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ بأحاديث صحيحة، منها حديث زيد بن ثابت، وأبي هريرة، وعائشة)) (المجموع 2/ 57).

وقال ابنُ حَجَرٍ: ((هذا حديثٌ صحيحٌ)) (موافقة الخبر الخبر 2/ 270).

وصَحَّحَ إسنادَهُ بدرُ الدينِ العينيُّ (نخب الأفكار 2/ 6 - 7).

ص: 42

2200 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ

◼ عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيح (م).

[التخريج]:

[م 353 (اللفظ له) / جه 489/ حم 24580/ طس 1047/ طش 366/ مسن 783/ طح (1/ 62) / هق 734/ كر (21/ 53، 54) / تخ (6/ 408)

(1)

/ كما (10/ 409) / سرج 1752].

[السند]:

أخرجه مسلم: عن عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي، عن جَدي، حدثني عقيل بن خالد قال: قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، وأنا أحدثه هذا الحديث، أنه سأل عروة بن الزبير عن الوضوء مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فقال عروة: سمعتُ عائشةَ تقول

فذكره.

ورواه أحمدُ (24580) قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، به.

ورواه ابنُ عساكر في (تاريخه) من طريق الزبيدي وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي، كلاهما عن الزهري، به.

(1)

في (التاريخ الكبير 6/ 108): قال الليثُ عن الزهريِّ .... هكذا معلقًا، بينما ذكره الذهبي في (الميزان) قال: قال البخاري: قال لنا عبد الله بن صالح: حدثني الليث ..... فذكره موصولًا. (ميزان الاعتدال 3/ 253)، و (لسان الميزان 6/ 168).

ص: 43

[تنبيه]:

اختُلف في هذا الحديثِ على الزهريِّ:

فرواه جماعةٌ عنه -كما سبق- مرفوعًا.

بينما رواه رواه السراج في (حديثه 1751) من طريق إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، بسنده موقوفًا.

ورواه ابنُ ماجهْ (489) من طريق يونس بن يزيد، والطبرانيُّ في (الأوسط 1047) من طريق مَعْقِل بنِ عبيد الله، والطبرانيُّ في (مسند الشاميين 366)، والدارقطنيُّ في (العلل 4/ 239 - 240) من طريق بُرْد بنِ سِنان. ثلاثتهم عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، به مرفوعًا. وأسقطوا من إسنادِهِ: سعيدَ بنَ خالدٍ.

ورواه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 557)، وابن المنذر في (الأوسط 108)، من طريق ابنِ عُليَّة، عن مَعْمَر، عن الزهري، عن عروة، به. إلا أنه أوقفه على عائشة رضي الله عنها.

ورواه عبد الرزاق في (المصنف 682) عن معمرٍ به، فوقفه أيضًا.

وخالفَ الجميعَ ابنُ عيينةَ، فرواه عن الزهريِّ، أن عائشةَ وأبا سلمة وعمر بن عبد العزيز كانوا يتوضَّئونَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ. رواه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 565)، فوقفه وأسقطَ منه رجلين.

قلنا: وذَكَر الدارقطنيُّ الخلاف في إسناده، ثم قال: "ورواه يونس، والزبيدي، وشعيب بن أبي حمزة، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عن الزهريِّ، عن سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، عن عروة، عن عائشة

وقول يونس بن يزيد ومَن تابعه أشبه" (العلل 8/ 104).

ص: 44

ورواية يونس التي ذكرها الدارقطنيُّ رواها البخاريُّ كما في (ميزان الاعتدال 3/ 235) قال: قال لنا عبد الله بن صالح: حدثني الليث، حدثني عقيل ويونس، عن ابن شهاب، أخبرني سعيد بن خالد، سمع عروة، سمع عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)). والحديثُ في (التاريخ الكبير 6/ 409) معلقًا على الليثِ.

وفاتَ الدارقطنيُّ متابعةَ عُقيل بن خالد للجماعة كما عند مسلم وغيره.

قال مغلطاي: "هذا حديثٌ لم يسمعْه ابنُ شهابٍ من عروةَ، بيان ذلك في كتاب مسلم وغيره"(شرح ابن ماجه 2/ 30).

وعلى كُلٍّ فالحديثُ صحيحٌ من الطريقِ الذي أخرجه مسلم.

وقد قال الإمام أحمد: ((روى الزهري خمسة أحاديث صحاحًا برجال ثقات، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) (مسائل أحمد، رواية ابن هانئ 44).

وقال الدارقطنيُّ: ((وعند الزهري في هذا الحديث أسانيد

وعنده عن سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها

وكل ما ذكرناه محفوظٌ عن الزهريِّ، صحيحٌ عنه)) (العلل 4/ 239).

وقال ابنُ حَزمٍ: ((وأما الوضوء مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ فإنه قد صحتْ في إيجاب الوضوء منه أحاديث ثابتة، من طريق عائشة، وأم حبيبة أم المؤمنين، وأبي أيوب، وأبي طلحة، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم)(المحلى 1/ 243).

وقال النوويُّ: ((واحتجَّ مَن أوجبه مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ بأحاديث صحيحة، منها حديث زيد بن ثابت، وأبي هريرة، وعائشة)) (المجموع 2/ 57).

ص: 45

وقال ابنُ حَجَرٍ: ((هذا حديثٌ صحيحٌ، أخرجه مسلم)) (موافقة الخبر الخبر 2/ 271).

وقال بدرُ الدينِ العينيُّ -عن طريق مسلم-: ((إسنادُهُ صحيحٌ)) (نخب الأفكار 2/ 8).

رِوَايَةُ تَوَضَّئِي

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:((تَوَضَّئِي مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

شاذٌّ بهذا اللفظِ، والمحفوظُ أن الحديثَ عامٌّ، لها ولغيرها، كما سبق.

[التخريج]:

[عد (10/ 84) / سمك (رواية ابن مهدي/ الثاني ق 113/ب)].

[التحقيق]:

رواه ابنُ عَدِيٍّ قال: ثنا أحمد، ثنا النُّفيلي، قرأت على مَعْقِل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به.

وأحمدُ شيخُ ابنِ عَدِيٍّ هو ابنُ عبد الرحمن بن عقال الحَرَّاني أبو الفوارس، متكلَّمٌ فيه كما في (الكامل 1/ 465)، و (المغني في الضعفاء 346)، و (اللسان 1/ 213).

وقد رواه الطبرانيُّ في (الأوسط 1047) عن ابنِ عقال باللفظ المحفوظ: ((تَوَضَّئُوا)).

ص: 46

ولكن رواه ابنُ السَّمَّاكِ عن أبي الإصبغ

(1)

القرقساني

(2)

عن النُّفيلي، به، مثل لفظ ابنِ عَدِيٍّ.

وهذا سندٌ رجاله ثقات، إلا أن معقلًا -وهو ابن عبيد الله الجزري- مختلفٌ فيه، وقال فيه الحافظ:"صدوقٌ يُخطئُ"(التقريب 6797).

وقد أخطأَ فيه في موضعين:

الأول: في سنده، فرواه عن الزهري عن عروة عن عائشة، به. فأسقط سعيدَ بنَ خالدِ بنِ عمرٍو. والزهريُّ لم يسمعْه من عروة، بل سمعه من سعيد بن خالد بن عمرو، كما رواه الجماعةُ عن الزهريِّ. وقد سبقَ بيانُ ذلك عقب الرواية السابقة.

الثاني: في متنه، حيث جعل الأمر لعائشة خاصة. والمحفوظُ ما رواه الأثباتُ من أصحابِ ابن شهاب -كعُقيل وشُعيب- بلفظ العموم:((تَوَضَّئُوا)).

(1)

بالغين المعجمة، كذا في المخطوط. وفي ترجمته من (الجرح والتعديل 7/ 319)، وفي (تاريخ بغداد 1067) و (تاريخ الإسلام 6/ 810)، وغيرهما:"الإصبع" بالعين المهملة.

(2)

وقع في المخطوط -كما في النسخة الإلكترونية-: "عبد الرحمن بن كامل القَرْقَسَاني"، وهذا خطأ، وإنما هو "محمد بن عبد الرحمن بن كامل"، انظر ترجمته في (تاريخ بغداد 1067)، و (تاريخ الإسلام 6/ 810).

ص: 47

2201 -

حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ

◼ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ (أَنْضَجَتِ) النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحٌ. وصَحَّحَهُ أحمدُ، وابنُ حَزمٍ، ومغلطاي، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[ن 182 (واللفظ له)، 183 (والرواية له) / كن 228/ حم 16349، 16362/ عل 1429/ طب (5/ رقم 4728، 4730) / طش 1809/ جعد 1613/ قا (1/ 232) / ني 993، 974/ غر 180/ شا 1075، 1078/ تمهيد (3/ 339) / كما (34/ 455) / لا 968/ مغلطاي (2/ 32)].

[التحقيق]:

وَرَدَ هذا الحديثُ من عدة طرق، منها:

الطريق الأول: أخرجه النسائيُّ في (الصغرى 183) قال: أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا حَرمي بن عُمارة قال: حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن ابن شهاب، عن ابن أبي طلحة، عن أبي طلحة، به.

وأخرجه أحمدُ (16349) عن عبد الصمد، عن شعبة، به.

وأخرجه أحمدُ (16362) قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، به.

وهذا إسنادٌ رجاله ثقات رجال الصحيح. وابنُ أبي طلحةَ هو عبد الله بن أبي طلحة، روى له مسلم، وقال ابنُ حَجَرٍ: "وُلد على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم،

ص: 48

ووَثَّقَهُ ابنُ سعدٍ" (التقريب 3399).

ولذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح سنن النسائي 177).

وقد سُئِلَ الدارقطنيُّ عن هذا الحديثِ فقال: "تَفَرَّدَ به أبو بكر بن حفص، عن الزهري، عن ابن أبي طلحة، عن أبيه. وعند الزهري فيه أسانيد محفوظات عنه"(العلل 947).

قلنا: وأبو بكر بن حفص ثقة من رجال الشيخين، والزهري واسع الرواية، فيحتمل أنه عنده من هذا الوجه أيضًا، وعلى كل فللحديثِ طرقٌ أُخرَى.

قال الإمامُ أحمدُ: ((روى الزهريُّ خمسةَ أحاديث صحاحًا برجال ثقات، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) (مسائل أحمد، رواية ابن هانئ 44).

وقال ابنُ حَزمٍ: "وأما الوضوء مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فإنه قد صحَّتْ في إيجاب الوضوء منه أحاديث ثابتة، من طريق عائشة، وأم حبيبة أم المؤمنين، وأبي أيوب، وأبي طلحة، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم"(المحلى 1/ 243).

الطريق الثاني: أخرجه النسائيُّ في (الصغرى 182) قال: أخبرنا عبيد الله بن سعيد وهارون بن عبد الله قالا: حدثنا حرمي -وهو ابنُ عمارة بن أبي حفصة- قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار قال: سمعتُ يحيى بنَ جعدة يُحَدِّثُ عن عبد الله بن عمرو القاري، عن أبي طلحة، به.

ورواه أبو يعلى في (مسنده)، والطبرانيُّ في (الكبير) من طريقِ مُعاذٍ العنبريِّ، عن شعبةَ، به.

ص: 49

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه علتان:

العلةُ الأُولى: عبد الله بن عمرو بن عبد القاري، ذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 49). وقال الحافظُ:"مقبول"(التقريب 3500). فهو مجهول الحال.

العلة الثانية: اختُلف على شعبةَ في سندِ هذا الحديثِ:

فرواه ابنُ أبي عدي عن شعبةَ، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جَعْدَة، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي هريرة (النسائي في الصغرى 180)، وعن أبي أيوب، (النسائي في الصغرى 181).

ورجحَّ الدارقطنيُّ روايةَ ابنِ أبي عَديٍّ على رواية حرمي بن عمارة، فقال:"وقول ابن أبي عدي عن شعبة أصح"(العلل 1019).

قلنا: ولكن حرمي بن عمارة قد تابعه معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقةٌ متقنٌ من رجال الشيخين، ولم يذكر الدارقطنيُّ متابعته هذه في (العلل)، فلعلَّه لم يستحضرها، أو لم يقفْ عليها. والله أعلم.

ولعلَّ شعبةَ لم يضبطْ هذا الحديث جيدًا، فقد خُولفَ فيه:

فرواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 4/ 140/ رقم 3930) من طريق علي بن المديني، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أخبرني مَن سمع عبد الله بن عمرو بن عبد القاري يقول: أخبرني أبو أيوبَ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

ورواه أبو يعلى الموصليُّ كما في (إتحاف الخيرة المهرة 620): ثنا إسحاق، ثنا سفيان، عن عمرو، أخبرني مَن سمع ابن عباس، وعبد الله بن عمرو القاري يماريه، يقول: أخبرني أبو أيوب أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)). قال ابنُ عباسٍ: أَتَوَضَّأُ من الدهن؟ ! أَتَوَضَّأُ من

ص: 50

الحَميمِ؟ ! واللهِ ما حلتِ النَّارُ شيئًا ولا حرَّمته! !

وهذا أصحُّ وأرجحُّ من حديثِ شعبةَ؛ فلم يُختلَفْ على سفيانَ فيه، بخلافِ رواية شعبة.

كما أن سفيانَ بنَ عيينةَ أثبتُ الناسِ في عمرِو بنِ دينارٍ.

قال عثمان الدارمي: ((سألتُ يحيى بن معين عن أصحاب عمرو بن دينار، قلتُ له: ابنُ عيينةَ أحبُّ إليك في عمرو أو الثوري؟ فقال: ابنُ عيينة أعلم به. قلتُ: فابنُ عيينةَ أو حماد بن زيد؟ فقال: ابنُ عيينة أعلم به. قلت: فشعبة؟ فقال: وأي شيء روى عنه شعبة؟ ! إنما روى عنه نحو مائة حديث. أو كما قال)) (سؤالات الدارمي لابن معين 67 - 69).

وقال الأثرمُ: ((قال أبو عبد الله: سبحان الله، ما أَعْلَمَ ابنَ عيينة بعمرو بن دينار! أعلم الناس به ابن عيينة. وذَكَر علم شعبة، وأيوب، وابن جريج. قلت له: فأيُّ الناسِ أعلم به؟ فقال: ما أعلم أحدًا به من ابن عيينة. قيل له: كان ابن عيينة صغيرًا. قال: وإن كان صغيرًا، فقد يكون صغير كَيّس)) (سؤالات الأثرم 37).

قلنا: وفي روايةِ سفيانَ قصة تدلُّ على ضبطه لها، بخلاف رواية شعبة المتقدمة. ولا يقالُ: إن الرجل أبهمه سفيان وحفظه شعبة؛ لخلو رواية شعبة عن ذكر القصة.

الطريق الثالث: أخرجه الروياني (993) قال: نا عمرو بن علي، نا بِشْر بن عمر بن الحكم الزهراني، نا همام، عن ثابت، عن الحسن، عن أنس، عن أبي طلحة، به.

ص: 51

وهذا إسنادٌ ظاهره الصحة؛ رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، إلا أن ذِكر ثابت فيه وهم؛ وإنما رواه همام عن مطر الوراق:

فقد رواه الشاشي (1064) من طريق نصر بن علي الجهضمي.

ومغلطاي في (شرح سنن ابن ماجه 2/ 32) من طريق محمد بن المؤمل.

وابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 3/ 339) من طريق حاتم بن بكر بن بلال.

(ثلاثتهم) عن بِشْر بن عمر بن الحَكَم، عن همام، عن مطر، عن الحسن، به.

وكذلك علَّقه الدارقطنيُّ في (العلل 947) عن بشر.

وهو مشهورٌ عن همامٍ من حديثِهِ عن مطرٍ؛ أخرجه أحمدُ (16348) قال: حدثنا عفان قال: حدثنا همام قال: قيل لمطر الوراق وأنا عنده: عمن كان يأخذ الحسن أنه يتَوَضَّأُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ؟ قال: أخذه عن أنسٍ، وأخذه أنسٌ عن أبي طلحةَ، وأخذه أبو طلحة عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وهذا إسنادٌ رجاله ثقات إلا مطرًا الوراقَ ففيه كلام، لخصه ابنُ حَجَرٍ بقوله:"صدوقٌ، كثير الخطأ"(التقريب 6699).

وقد أخطأ مطرٌ في رفعه؛ قال الدارقطنيُّ: ((ورواه يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أبي موسى وأنس بن مالك، فِعْلهما. لم يرفعه. والصحيح الموقوف)) (العلل 6/ 64).

وسيأتي تخريج رواية مطر قريبًا.

ومع ذلك قال مغلطاي: "إسنادُهُ صحيحٌ"(شرح سنن ابن ماجه 2/ 32).

وعلى كُلٍّ فالحديثُ صحيحٌ بطرقه وشواهده.

ص: 52

رِوَايَةُ: أَكَلَ أَثْوَارِ أَقِطٍ فَتَوَضَّأَ

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ أَثوَارَ أَقِطٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ لينٌ.

[التخريج]:

[طب 4734 (واللفظ له) / شا 1070/ طح (1/ 62)].

[السند]:

أخرجه الطبرانيُّ (في الكبير) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا سعيد بن منصور، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أبي طلحة

فذكره

ورواه الشاشيُّ (في مسنده): حدثنا العباس الدُّوري، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن أبي طلحة، به.

ورواه الطحاويُّ في (المعاني) من طريق عمرو بن خالد الحراني، قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، حدثني أبي، عن أبيه- وهو محمد بن عبد الله بن عبد القاري

(1)

-، عن أبي طلحة، به.

لم يذكر فيه جَد عبد الرحمن: (عبد الله بن عبد)، والصحيحُ إثباته كما رواه سعيد بن منصور.

(1)

هذا هو الصواب كما في (إتحاف المهرة 5/ 36). وفي المطبوع: "وهو محمد بن عبد الله، وهو ابن عبد الله القاري".

ص: 53

[التحقيق]:

هذا سندٌ فيه لِين، محمد بن عبد الله بن عبد القاري لم نجدْ مَن وَثَّقَهُ سوى ابنِ حِبَّانَ، ذكره في (الثقات 7/ 374). فأما أبوه فله رؤية (معجم الصحابة للبغوي 835)، و (التقريب 3450). ويعقوب ثقة من رجال الشيخين. وأبوه عبد الرحمن وَثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ (الجرح والتعديل 5/ 281).

قلنا: ومع هذا قال بدرُ الدينِ العينيُّ: ((إسنادُهُ صحيحٌ)) (نخب الأفكار 2/ 6).

رِوَايَةُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: قِيلَ لِمَطَرٍ الوَرَّاقِ وَأَنَا عِنْدَهُ: عَمَّنْ كَانَ يَأْخُذُ الحَسَنُ، أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ؟ قَالَ: أَخَذَهُ عَنْ أَنَسٍ، وَأَخَذَهُ أَنَسٌ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، وَأَخَذَهُ أَبُو طَلْحَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((قُلْتُ: عَمَّنْ أَخَذَ الحَسَنُ: ((الوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)

)).

[الحكم]:

صحيح المتن كما سبق. وهذا إسناد معل بالوقف من هذا الوجه، أعله الدارقطنيُّ. واستغربه أبو نعيم. وضَعَّفه ابن عبد البر.

[التخريج]:

[حم 16348 (واللفظ له) / ش 556/ عف (ضياء 296، 332) / ني 990/ شا 1062، 1063/ طح (1/ 62/ 349) (والرواية له ولغيره) / طب (5/ 98/ 4711) / حل (3/ 77)].

ص: 54

[السند]:

قال أحمدُ: حدثنا عفان قال: حدثنا همام قال: قيل لمطر الوراق وأنا عنده: عمن كان يأخذ الحسن أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ؟ قال: أخذه عن أنس، وأخذه أنس عن أبي طلحة، وأخذه أبو طلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 62) من طريقِ أبي عمر الحَوْضي، عن همام، به.

ومداره عند الجميع على همام به.

قال أبو نعيمٍ الأصبهانيُّ: ((هذا حديثٌ غريبٌ مشهورٌ ثابتٌ من حديثِ الحسنِ عن أنسٍ، غريبٌ من حديثِ مَطرٍ، لم يروه عنه إلا همام، حَدَّثَ به الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ، عن عفانَ نحوه)) (الحلية 3/ 77).

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

العلةُ الأُولى: مطر بن طهمان الورَّاق؛ قال ابنُ عبدِ البرِّ: ((مطرُ الورَّاقُ ليسَ ممن يُحتجُّ به)) (التمهيد 3/ 340)، ولخص حاله الحافظ فقال:((صدوقٌ كثيرُ الخطأِ)) (التقريب 6699).

العلةُ الثانيةُ: أن المحفوظَ عن أنسٍ فعله لم يرفعْه إلى أبي طلحةَ؛ قال الدارقطنيُّ -في (العلل 2421) -: ((ورواه مطرٌ الورَّاقُ، عن الحسنِ، عن أنسٍ، عن أبي طلحةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قاله همام، عن مطر. ورواه يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أبي موسى وأنس بن مالك، فِعْلهما. لم يرفعه. والصحيحُ الموقوفُ)).

ص: 55

قلنا: ورواه قتادةُ فقال: ((إن أنسَ بنَ مالكٍ كان يَتَوَضَّأُ مما غيَّرتِ النَّارُ، ويُحَدِّثُ أن أبا طلحةَ تَوَضَّأَ مما غيَّرتِ النَّارُ)). هكذا موقوفًا لم يرفعْه؛ رواه مسددٌ في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة المهرة 616) -ومن طريقه ابنُ المنذرِ في (الأوسط 106)، وغيره. ورواه أحمدُ كما في (مسائل صالح 1273) عن يحيى بن سعيد، به.

رِوَايَةُ تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ لَوْنَهُ

• رِوَايَةٌ وَفِيهَا زِيَادَةٌ، قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ لَوْنَهُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون قوله: ((لَوْنَهُ)) فشاذٌّ، وهذا إسنادٌ معلٌّ بالوقفِ، وأعلَّه: الدارقطنيُّ.

[التخريج]:

[شا 1064/ مغلطاي (2/ 32 - 33)].

[السند]:

قال الهيثمُ بنُ كُلَيْبٍ الشاشيُّ: حدثنا شعيب بن الليث، نا نصر بن علي، أنا بِشْر بن عمر، عن همام، عن مطر، عن الحسن، عن أنس، عن أبي طلحة، به.

ورواه مغلطاي في (شرح سنن ابن ماجه) من طريق محمد بن المؤمل، عن بِشْر، به.

ص: 56

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

العلةُ الأُولى: مطر الوراق، صدوق كثير الخطأ، كما سبق.

العلةُ الثانيةُ: أن المحفوظَ عن الحسن عن أنس موقوف، كما سبق وبَيَّنَّا في الروايةِ السابقةِ.

قلنا: وقوله: ((غَيَّرَتِ النَّارُ لَوْنَهُ)) شَاذٌّ، انفردَ بها بِشْرُ بنُ عمرَ بنِ الحَكَم الزهرانيُّ، وكان ثقة.

ولكن خالفه عفان بن مسلم، كما عند أحمدَ في (المسند 16348)، وغيره.

وأبو عمر الحوضيُّ كما عند الطحاويِّ في (شرح معاني الآثار 1/ 62)، والشاشيُّ في (مسنده 1062)، وغيرهما.

فرواه كلاهما عن همام، فلم يذكرا فيه هذه اللفظة.

قلنا: ومع هذا قال مغلطاي: ((إسنادُهُ صحيحٌ)) (شرح سنن ابن ماجه 2/ 33).

ص: 57

2202 -

حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ

◼ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سُفيَانَ بنَ سَعِيدِ بنِ المُغِيرَةِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبيبَةَ [زَوِجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ خَالَتُهُ]، فَسَقَتْهُ قَدَحًا مِنْ سَوِيقٍ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، فَقَالَتْ: يَا ابنَ أُخْتِي، أَلَا تَوَضَّأُ؟ ! [فَقُلْتُ: إِنِّي لَمْ أُحْدِثْ! قَالَتْ: ] إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ))، أَوْ قَالَ:((مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحٌ بشواهدِهِ، وصَحَّحَهُ: أحمدُ، وابنُ حَزمٍ، ومغلطاي، وبدرُ الدينِ العينيُّ. وحَسَّنه: ابنُ حَجَرٍ. وصَحَّحَهُ الألباني بشواهده.

[التخريج]:

[د 194 (واللفظ له) / ن 185 (والزيادة الأولى له)، 186/ كن 233، 234/ حم 26773، 26778، 26779، 26782 (والزيادة الثانية له) - 26783، 26784، 27399، 27406/ عل 7145/ طب (23/ 237 - 239/ 462 - 464، 467، 469، 470)، (23/ 244/ 488، 489) / عب 671، 673/ ش 554، 555/ حمد 898/ حق 2051، 2057، 2058/ طح (1/ 62) / فز 223 - 225/ مبهم (2/ 123) / أبين 41/ حلب (4/ 1574) / خبر (2/ 272)].

[السند]:

أخرجه عبدُ الرزاقِ (671) -وعنه أحمدُ (26783)، وابنُ راهويه (2057) - عن معمرٍ، عن الزهريِّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سفيان بن المغيرة بن الأخنس، أنه دَخَلَ على أُمِّ حبيبةَ

فذكره.

وأخرجه أحمدُ (26784)، من طريق شعيب عن الزهري، به.

ص: 58

وأخرجه النسائيُّ في (الصغرى 185)، و (الكبرى 233) من طريق الزبيدي عن الزهري، به.

وأخرجه النسائيُّ (في الصغرى 186) من طريق بكر بن سوادة عن الزهري، به.

وأخرجه عبدُ الرزاقِ (673) عن ابنِ جُريجٍ عن ابنِ شهابٍ الزهريِّ، به.

ورواه غيرُ واحدٍ من أصحابِ الزهريِّ عنه، وقد توبع:

فأخرجه أحمدُ (26773)، وأبو داود (195) من طريق أبان بن يزيد العطار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، به.

وأخرجه أحمدُ (26782)، وإسحاقُ (20589) من طريق علي بن المبارك، عن يحيى، به.

ومداره عند الجميع -عدا الحميدي، وأحمد (26778) - على أبي سلمة بن عبد الرحمن، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات رجال الصحيح، غير أبي سفيان بن سعيد بن المغيرة بن الأخنس، ابن أخت أم المؤمنين حبيبة رضي الله عنها. روى له أبو داود والنسائيُّ، ولم يَرْوِ عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن. وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 587)؛ ولذا قال الذهبيُّ:"وُثِّق"(الكاشف 6656)، وقال ابنُ حَجَرٍ:"مقبول"(التقريب 8135)، يعني إذا توبع، وإلا فلين.

قلنا: ولم يتابعْ على روايته هذه، بل قال الذهبيُّ:((ما روى عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن)) (الميزان 4/ 531).

ص: 59

ولكن حديثه هذا قد يصحُّ لأمور:

أولها: أنه معروفُ النسبِ، وروى عنه ثقةٌ إمامٌ، ورواية الثقات تشفع لمن لم يُذكر فيه جرح ولا تعديل.

ثانيها: أنه لم يَرْوِ شيئًا منكرًا؛ فالأمر بالوضوء مما مسَّته النَّارُ ثابتٌ عن أبي هريرة وغيره.

ثالثها: أنه يَروي قصة حَدَثَتْ بينه وبين خالته أم حبيبة رضي الله عنها.

وقد قال الإمام أحمد: ((روى الزهريُّ خمسةَ أحاديث صحاحًا برجال ثقات، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) (مسائل أحمد، رواية ابن هانئ 44).

وهذا الحديثُ من الأحاديثِ التي رواها الزهريُّ.

قال الدارقطنيُّ: ((وعند الزهريِّ فيه أسانيد محفوظات عنه، منها: عن أبي سلمة، عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس، عن أم حبيبة)) (العلل 947).

وقال: ((وعند الزهري في هذا الحديث أسانيد

وعنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس، عن أم حبيبة، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالوضوء مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ. وكلُّ ما ذكرناه محفوظٌ عن الزهريِّ، صحيحٌ عنه)) (العلل 4/ 239).

وقال ابنُ حَزمٍ: "وأما الوضوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فإنه قد صَحَّتْ في إيجاب الوضوء منه أحاديث ثابتة، من طريق عائشة وأم حبيبة أم المؤمنين

" (المحلى 1/ 243).

ص: 60

وقال مغلطاي: ((وإسنادُهُ صحيحٌ)) (شرح ابن ماجه 2/ 33).

وقال ابنُ حَجَرٍ: ((حديثٌ حسنٌ)) (موافقة الخبر الخبر 2/ 272).

وقال بدرُ الدينِ العينيُّ: ((رواه الطحاويُّ بإسنادٍ صحيحٍ)) (عمدة القاري 3/ 105)، وانظر (نخب الأفكار 2/ 8 - 9)، وقال:((إسنادُهُ حسنٌ جيدٌ)) (النخب 2/ 10).

وعلى كُلٍّ، فالحديثُ صحيحٌ بشواهدِهِ؛ ولذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 190).

[تنبيهات]:

(1)

لابن شهابٍ الزهريِّ في هذا الحديثِ أسانيد أخرى، وقد سبقَ بعضها، ولما ذكرها الدارقطنيُّ في (العلل) قال:"وكلُّ ما ذكرناه محفوظٌ عن الزهريِّ، صحيحٌ عنه"(العلل 4/ 239).

(2)

روى عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون هذا الحديث عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي سفيان بن الأخنس، عن أمِّ حبيبة، به.

أخرجه أحمدُ (26778) عن وكيعٍ، به.

فجعل عبد العزيز شيخ الزهري فيه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، بدلًا من أبي سلمة، ووَهِم فيه كما نصَّ عليه أبو حاتم والدارقطنيُّ والحربيُّ. انظر (علل ابن أبي حاتم 1/ 73)، و (علل الدارقطنيُّ 15/ 286)، و (شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي 2/ 33).

(3)

قال ابن حِبَّانَ في ترجمة أبي سفيان بن الأخنس: "روى عنه الزهري"

ص: 61

(الثقات 5/ 587). وهذا وهم؛ إنما روى الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه.

(4)

قول أم حبيبة لأبي سفيان: (يا بن أختي)، وقع في بعض الطرق:(يا بن أخي)، والأول هو الصواب؛ لأنها خالته. وانظر (صحيح أبي داود 1/ 354).

رِوَايَةُ: أَمَرَنَا بِالوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بنِ سَعِيدِ بنِ الأَخْنَسِ بنِ شَرِيقٍ قَالَ: ((دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ -وَكَانَتْ خَالَتَهُ- فَسَقَتْنِي شَرْبَةً مِنْ سَوِيقٍ، فَلَمَّا قُمْتُ، قَالَتْ لِي: أَيْ بُنَيَّ، لَا تُصَلِّيَنَّ حَتَّى تَوَضَّأَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَنَا بِالوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ مِنَ الطَّعَامِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ حسنٌ.

[التخريج]:

[حم 26785/ تخث (الثاني- 3332) / طس 167/ طب (23/ 239/ 268)].

[السند]:

قال أحمد: حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي قال: وحدثنا ابنُ إسحاقَ، قال: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس بن شريق، قال: دخلتُ على

ص: 62

أمِّ حبيبةَ -وكانت خالته-

الحديث.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير ابن الأخنس وابن سحاق فصدوقان، وقد صرَّحَ ابنُ إسحاقَ بالتحديثِ فانتفتْ علة تدليسه.

وقد توبع ابن إسحاق، كما عند الطبرانيِّ في (الأوسط) قال: حدثنا أحمد بن حماد بن زُغْبَة قال: حدثنا يحيى بن بُكير قال: حدثنا بكر بن مُضَر، عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس، به. وإسنادُهُ حسنٌ.

رِوَايَةُ: الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

محفوظ بغير هذا اللفظ.

[التخريج]:

[طب (23/ 238/ 465، 466)].

[السند]:

قال الطبرانيُّ: حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة، ثنا يحيى بن بُكير، ثنا بكر بن مُضَر، عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس، عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

ص: 63

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسنٌ، كما سبقَ في الروايةِ السابقةِ، حيثُ رواه الطبرانيُّ بنفس السند في (الأوسط 167)، عن شيخه أحمد بن حماد، ولكن بلفظ:((سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

وهذا اللفظُ هو الموافقُ لروايةِ الجماعةِ عن الزهريِّ، كما في أولِ رواية.

قلنا: وقد رواه الطبرانيُّ أيضًا في (المعجم الكبير 466) من طريق يحيى الحِمَّاني، ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كَيْسان، عن ابن شهاب، بلفظ الخبر المتقدم.

ولكن يحيى هو ابن عبد الحميد الحماني، ضَعَّفه الجمهور. انظر (لسان الميزان 9/ 449).

والمحفوظُ عن الزهريِّ بلفظِ الأمر: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

ص: 64

2203 -

حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ

◼ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ كما سبقَ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[ن 181 (واللفظ له) / كن 230/ طب 3930/ عتب (صـ 47) / كم (1/ 85)].

[التحقيق]:

مدار الحديث على عمرو بن دينار، وقد اختُلف عليه على وجهين:

الوجه الأول:

أخرجه النسائي في (الصغرى) -ومن طريقه الحازميُّ في (الاعتبار) - قال: أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار -ولم يذكر الحازمي "ابن بشار"- قالا: أنبأنا ابن أبي عَدي، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو -قال محمد: القاري- عن أبي أيوب، به.

وأخرجه النسائيُّ في (الكبرى) عن ابن بشار -وحده- به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

العلةُ الأُولى: عبد الله بن عمرو بن عبد القاري، فيه جهالة كما بينا قريبًا، فلم يوَثَّقَهُ غير ابن حِبَّانَ، على قاعدتِهِ المشهورة.

العلة الثانية: الاختلاف في إسنادِهِ على شعبةَ، حيثُ اختُلف عنه على ثلاثةِ أوجه:

الوجه الأول: رواه ابنُ أبي عَدي عنه، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله

ص: 65

ابن عمرو القاري، عن أبي أيوب. كما في روايتنا هذه.

الثاني: رواه ابنُ أبي عدي أيضًا عن شعبةَ به، ولكن قال:(عن أبي هريرة) بدل (أبي أيوب).

أخرجه النسائيُّ في (السنن 180)، و (الكبرى 231) عن محمد بن بشار، عن ابن أبي عدي، به.

وتابع ابنَ بشار: محمد بن عمرو الباهلي، كما عند البغوي في (الجعديات 1614).

وكذا تابعهما: محمد بن المثنى كما عند البخاريِّ في (التاريخ الكبير 5/ 141) ولكن قال: (عبد الرحمن بن عمرو بن عبد) بدل (عبد الله بن عمرو بن عبد).

الثالث: رواه حرمي بن عمارة، عن شعبة، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عبد، عن أبي طلحة، به.

وتابع حرمي: معاذ بن معاذ العنبري، كما عند البخاري في (التاريخ الكبير 5/ 141).

وسُئِلَ الدارقطنيُّ عن هذا الخلافِ، فقال:((وقول ابن أبي عدي، عن شعبة أصح)) (العلل 1019). ولكن فاتَ الدارقطنيُّ متابعة معاذ لحرمي.

قلنا: ونرى أن هذا الاختلاف من شعبةَ نفسِه؛ لتكافؤ الطرق إليه، فكيف وقد خُولف كما في

الوجه الثاني: عن عمرو بن دينار: فرواه سفيانُ بنُ عيينةَ، عن عمرٍو، أخبرني مَن سَمِعَ ابنَ عباسٍ، وعبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو القَارِي يُمَارِيهِ، يَقُولُ:

ص: 66

أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)). قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أَتَوَضَّأُ مِنَ الدُّهْنِ؟ ! أَتَوَضَّأُ مِنَ الحَمِيمِ؟ ! وَاللهِ مَا حَلَّتِ النَّارُ شَيْئًا وَلَا حَرَّمَتْهُ! ! رواه أبو يعلى كما في (إتحاف الخيرة المهرة 620) عن إسحاقَ عن سفيانَ به.

ورواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 4/ 140/ 3930)، والبيهقيُّ في (معرفة السنن والآثار 1/ 450) من طريقين عن علي بن المديني عن سفيان، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لجهالةِ حالِ عبد الله بن عبد، وجهالة مَن حَدَّث عَمْرًا به، ولا يقالُ: إنه يحيى بن جعدة كما أظهره شعبة؛ فإن روايةَ سفيان فيها قصة خلتْ عنها رواية شعبة. كما أن سفيان أثبت وأعلم بعمرو من شعبة كما سبقَ وبينا؛ ولذا فروايةُ سفيانَ هي الأرجحُ. والله أعلم.

فإن قيل: قد روى أبو القاسم البغويُّ في (الجعديات 1612) قال: حدثنيه ابنُ زنجويه، نا الحُميدي قال: حدثنا سفيان. وحدثنا محمد بن عمرو الباهلي قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي أيوب، به. فجمع بين رواية سفيان وشعبة عن يحيى بن جعدة، وعليه تُحمل رواية سفيان المتقدمة.

قلنا: لا تصحُّ هذه الرواية من وجهين:

الأول: أن ابنَ زنجويه هو محمد بن عبد الملك، وَثَّقَهُ النسائيُّ. وقال أبو حاتم "صدوق". ولكن قال مسلمة بن قاسم:((ثقة كثير الخطأ)).

الثاني: أنه جَمَع بين رواية سفيان ورواية شعبة، وقد فَصَّل غيره، فجعل رواية سفيان عن عمرو عمن سمع عبد الله بن عمرو، به. بخلاف رواية

ص: 67

شعبة. ولعلَّه من أخطاء ابن زنجويه. والله أعلم.

قلنا: ومع هذا قال الحازميُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ"(الاعتبار 1/ 237)، وكذا برهانُ الدينِ الجعبريُّ في (رسوخ الأحبار في منسوخ الأخبار، صـ 199)، وابنُ حَجَرٍ في (موافقة الخبر الخبر 2/ 272).

وقال مغلطاي: "إسنادُهُ جيدٌ"(شرح ابن ماجه 2/ 34).

وسبقَ قول ابن حَزمٍ: "وأما الوضوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فإنه قد صحَّتْ في إيجاب الوضوء منه أحاديث ثابتة، من طريق عائشة، وأم حبيبة أم المؤمنين، وأبي أيوب

" (المحلى 1/ 243).

وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح سنن النسائي 176).

رِوَايَةُ: كَانَ إِذَا أَكَلَ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، تَوَضَّأَ

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَكَلَ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، تَوَضَّأَ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ.

[التخريج]:

[طب (4/ 140/ 3929) (واللفظ له) / جعد 1612/ لي (ابن البيع 446)].

[السند]:

رواه الطبرانيُّ في (الكبير) قال: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النَّرْسِي والحسين بن إسحاق التُّسْتَري، قالا: ثنا محمد بن المثنى، ثنا ابن أبي عدي،

ص: 68

عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عبد القاري يقول: أخبرني أبو أيوب، به.

ورواه أبو القاسم البغويُّ في (الجعديات) عن ابن زنجويه، نا الحُميدي قال: حدثنا سفيان (ح) وحدثنا محمد بن عمرو الباهلي قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، به.

ورواه المحامليُّ في (الأمالي) من طريق محمد بن عمرو الباهلي، ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، كما في الروايةِ السابقةِ.

ومع هذا قال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير)، ورجاله رجال الصحيح"(المجمع 1302).

كذا قال، وهو وهم؛ لأن يحيى بن جعدة ليس من رواة الصحيح.

ص: 69

رِوَايَةٌ أُخرَى

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَمَّنْ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو القَارِي يُمَارِيهِ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)). [فـ]ـقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أَتَوَضَّأُ مِنَ الدُّهْنِ؟! أَتَوَضَّأُ مِنَ الحَمِيمِ؟! وَاللهِ مَا حَلَّتِ النَّارُ شَيْئًا وَلَا حَرَّمَتْهُ!!

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ. وضَعَّفَهُ البوصيريُّ.

[التخريج]:

[عل (خيرة 620) (واللفظ له) / هقع 1326 (والزيادة له)].

[السند]:

قال أبو يعلى الموصليُّ: حدثنا إسحاق، حدثنا سفيان، عن عمرو، أخبرني مَن سمع ابن عباس، وعبدُ الله بن عمرو القاري يماريه، يقول: أخبرني أبو أيوب، به.

ورواه البيهقيُّ في (معرفة السنن والآثار) من طريق ابن المديني، عن سفيان بن عيينة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه راوٍ لم يُسَمَّ، وهو شيخ عمرو بن دينار.

وبهذا أعلَّه البوصيريُّ، فقال:"هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالةِ التابعيِّ".

ص: 70

2204 -

حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ:

◼ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ طَحْلَاءَ، قَالَ:((قُلْتُ لِأَبِي سَلَمَةَ: إِنَّ ظِئْرَكَ سُلَيْمًا لَا يَتَوَضَّأُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ! ! قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَ سُلَيْمٍ، وَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْهَا كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ كما سبقَ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[حم 26724 (واللفظ له) / طب (23/ 387/ 924) (مختصرًا) / نفح (2/ 236)].

[السند]:

أخرجه أحمدُ قال: ثنا أحمد بن الحَجاج قال: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن طحلاء، به.

ورواه الطبرانيُّ في (الكبير) من طريق يعقوب بن حميد، ثنا عبد العزيز بن محمد، به مقتصرًا على المتن المرفوع.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات عدا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، مختلفٌ فيه، ويمكنُ تقسيم حديثه إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: إذا حَدَّثَ من كتبه ولم يتبينْ وهمه فيه، قُبِل. وعليه يُحمل قول مَن وَثَّقَهُ مطلقًا.

قال الحُميديُّ: ((قَدِمْتُ المدينةَ، فبدأتُ بعبد العزيز بن محمد الدراوردي،

ص: 71

فجاء في جماعة من أهل المدينة يلومونني، يقولون: تركتَ شيخنا أن تبدأ به وتأتيه؟ ! قال: تلومونني فيما فعلتُ؟ ! إنما أتيت الدراوردي لأُسَلِّم عليه وأكتب عنه شيئًا، ويكون اعتمادي على ابن أبي حازم إن شاء الله.

وبلغ الدراورديَّ اجتماع من اجتمع إليَّ، فلما رجعتُ إليه قال: يا قرشي، قد بلغني الذي كان، وقد عزمتُ أن أُخْرِج إليك كتبي وأُصولي لتكتبها وأقرأها عليك.

قال: فأَخْرَجَ إليَّ أصوله، وإذا هو كتب صحاح وأحاديث مستقيمة)) (المعرفة والتاريخ للفسوي 1/ 428).

وقال مصعب بن عبد الله الزبيريُّ: ((كان مالكُ بنُ أنسٍ يوثِّقُ الدراورديَّ، وكان صاحب حديث، وليس صاحب فتوى)) (تاريخ ابن أبي خيثمة - السِّفر الثالث 2/ 356).

وقال ابنُ معينٍ: (([صالح]

(1)

ليس به بأس)) (تاريخ ابن أبي خيثمة - السِّفر الثاني 2/ 356). وفي رواية الدارمي: ((ثقة)) وفي موضع آخر: ((لا بأس به)) (تاريخ ابن معين - رواية الدارمي 389، 629). وفي رواية ابن أبي مريم: "ثقة حجة"(تهذيب الكمال 18/ 194).

وقال أيضًا: ((ما رَوَى من كتابه، فهو أثبت من حفظه)) (من كلام يحيى بن معين في الرجال، رواية ابن طهمان 289).

وقال في موضع آخر: ((حِفظه ليس بشيء، كتابه أصح)) (من كلام يحيى بن معين في الرجال، رواية ابن طهمان 362).

(1)

ما بين المعقوفين سقط من مطبوع (تاريخ ابن أبي خيثمة)، واستدركناه من (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم (5/ 396).

ص: 72

وقال أحمد بن حنبل: ((معروف بالحديث والطلب، وإذا حَدَّثَ من كتابه فهو صحيح)) (المعرفة والتاريخ للفسوي 1/ 429)، و (الجرح والتعديل 5/ 395 - 396).

وقال أيضًا: ((كتابهُ أصحُّ من حفظه، وكان معروفًا بطلب العلم والحديث)) (المعرفة والتاريخ للفسوي 1/ 428)، و (سؤالات أبي داود 198).

وقال ابنُ المدينيِّ: ((هو عندنا ثقة ثَبْت)) (سؤالات ابن أبي شيبة 160).

وقال العِجْليُّ: ((مدني ثقة)) (الثقات 1114).

القسم الثاني: إذا حَدَّثَ من حفظه، فهذا يقعُ له فيه الخطأ. وعليه يُحمل كلام مَن تَكلم فيه.

قال ابنُ سعدٍ: (([كان ثقة]

(1)

كثير الحديث، يغلط)) (الطبقات 7/ 602).

وقال المروذيُّ: سألته (يعني أبا عبد الله) عن الدراوردي، فقال:((ما أدري ما أقول لك فيه، أحاديثُه كأنه يُنكرُ بعضها)) (سؤالات المروذي لأحمد بن حنبل 210).

وقال الأثرمُ: قال أبو عبد الله: ((الدراورديُّ إذا حَدَّثَ من حفظه فليس بشيء. أو نحو هذا. فقيل له: ((في تصنيفه؟ فقال: ليس الشأن في تصنيفه إن كان في أصل كتابه، وإلا فلا شيء، كان يحدثُ بأحاديثَ ليس لها أصل في كتابه)) (شرح علل الترمذي 2/ 758).

(1)

قول ابن سعد (كان ثقة) ليس في المطبوع من كتاب (الطبقات) وإنما نقله عنه غير واحد، منهم القاضي عياض في (ترتيب المدارك 3/ 14)، والمزي في (تهذيب الكمال 18/ 194)، وغيرهما.

ص: 73

وقال أحمد أيضًا: ((روى الدراورديُّ منكرات)) (مسائل حرب- كتاب النكاح وغيره 3/ 1249).

ونقل الذهبيُ عن أحمدَ أنه قال: ((إذا حَدَّثَ من حفظه يهم، ليس هو بشيء، وإذا حَدَّثَ من كتابه فنعم)).

وقال أحمدُ أيضًا: ((إذا حَدَّثَ من حفظه جاء ببواطيل)) (الميزان 2/ 634)، و (سير أعلام النبلاء 8/ 367).

وقال أبو حاتم: ((محدثٌ)) (الجرح والتعديل 5/ 396)، ونقل الذهبيُّ عنه أنه قال:((لا يُحتجُّ به)) (ميزان الاعتدال 2/ 634)، و (تاريخ الإسلام 4/ 915)، و (المغني 2/ 399).

وقال أبو زرعة: ((سيئ الحفظ، فربما حَدَّثَ من حفظه الشيء فيخطئ)) (الجرح والتعديل 5/ 396).

وقال النسائيُّ: ((ليس بالقويِّ)) (تهذيب الكمال 18/ 194).

وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 116)، وقال:((وكان يُخطئُ)).

وقال الساجيُّ: ((كان من أهل الصدق والأمانة، إلا أنه كثير الوهم)) (تهذيب التهذيب 6/ 355).

وقال ابنُ بشكوال: "شيخٌ لا بأسَ به، كان مالك غمزه بشيء"(شيوخ ابن وهب 151).

القسم الثالث: إذا حَدَّثَ من كُتُبِ الناسِ، أو عن أقوامٍ ضُعِّف فيهم كعبيد الله بن عمر؛ فالراجحُ رد حديثه مطلقًا.

قال أحمد بن حنبل: ((إذا حَدَّثَ من كُتُبِ الناسِ أوهم، وكان يقرأُ على

ص: 74

الناسِ مِن كتبهم، فكان يخطئُ، وربما قَلَبَ حديثَ عبد الله العمري يرويها عن عبيد الله بن عمر. قيل له: لعلَّ قد رواها عبيد الله؟ قال: عبيد الله كان أثبت من ذلك. وإذا قرأَ في كتابه كان صحيحًا)) (المعرفة والتاريخ للفسوي 1/ 429)، و (الجرح والتعديل 5/ 395 - 396).

وقال أبو داود: ((سمعتُ أحمدَ -غير مرة- يقول: ((عامة أحاديث الدراوردي عن عبيد الله. أحاديث عبد الله العمري مقلوبة. وربما لم يذكر مقلوبة ولا عامة)).

وقال: ((سمعتُه أيضًا يقول: عبد العزيز الدراوردي عنده عن عبيد الله مناكير)) (سؤالات أبي داود 198).

وقال النسائيُّ -في رواية أخرى عنه-: ((ليس به بأس، وحديثُه عن عبيد الله بن عمر منكرٌ)) (تهذيب الكمال 18/ 194)

(1)

.

وقال أبو العرب: ((هو ثقةٌ، ويغلطُ عن عبيد الله بن عمر وغيره كما يغلطُ الناس)) (تمييز ثقات المحدثين، صـ 54).

قلنا: وقد لَخَّص حاله كلٌّ من:

الذهبيِّ؛ فقال: ((حديثُه في دواوين الإسلام الستة، لكن البخاري روى له مقرونًا بشيخ آخر. وبكلِّ حالٍ فحديثُه وحديثُ ابنِ أبي حازمٍ لا ينحط عن

(1)

هذا النصُّ بتمامه ذكره أبو العرب الإفريقي، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ابن البرقي، شيخ النسائي، في كتاب (تمييز ثقات المحدثين وضعفائهم، لابن البرقي 108). وكثيرًا ما يعزو المزي مثل هذه الأقوال للنسائي. وهي بلفظها في كتاب ابن البرقي المذكور. ولعلَّ هذا يَرُد بعض ما وُجد من تعارضات في الأقوال عند النسائي رحمه الله.

ص: 75

مرتبةِ الحَسَنِ)) (سير أعلام النبلاء 8/ 368).

وابنِ حَجَرٍ بقوله: ((صدوقٌ، كان يُحَدِّثُ من كتبِ غيرِهِ فيُخطئُ)) (التقريب 4119).

فالراجحُ: قَبول حديثه ما لم يتبين خطؤه فيه أو يخالف، كما في حديثنا هذا، حيث انفردَ به عن ابن طحلاء، وخُولف في متنه، كما سنذكر قريبًا.

ومحمد بن طحلاء: قال أبو حاتم: ((مديني، ليس به بأس)(الجرح والتعديل 7/ 293)، وذَكَره ابنُ حِبَّانَ فى كتاب (الثقات 7/ 371)، وقال فيه الحافظ:((صدوقٌ)) (التقريب 5976).

قلنا: ما ذُكِر في ترجمته غير كافٍ في قَبول حديث ينفردُ به كهذا، ولم يَرْوِ عنه راوٍ يُقوي أمره. لاسيما، وقد خُولف في سندِهِ، ومتنِهِ:

أما السندُ: فقد خالف الزهريُّ ويحيى بنُ أبي كثير- ابنَ طحلاء، فروياه عن أبي سلمةَ، أن أبا سفيانَ بنَ سعيدِ بنِ المغيرةِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، فَسَقَتْهُ قَدَحًا مِنْ سَوِيقٍ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، فَقَالَتْ: يَابنَ أُخْتِي، أَلَا تَوَضَّأُ؟ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) أَوْ قَالَ: ((مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

وقد سبقَ تخريجُ حديث أم حبيبة وتحقيقه.

ولعلَّ هذه المخالفة من أوهامِ الدراورديِّ حيثُ تُكلِّمَ في حفظه كما تقدَّمَ.

أما المخالفةُ في المتنِ: فالمحفوظُ عن أُمِّ سَلَمَةَ، وَقَدْ سُئِلَتْ عَنِ ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)) فَقَالَتْ:((أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ تَوَضَّأَ، فَنَاوَلْتُهُ عَرَقًا -أَوْ: كَتِفًا- فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).

ص: 76

رواه عبدُ الرزاقِ (650)، وغيره، عن الثوري، عن أبي عون الثقفي، قال: حدثنا عبد الله بن شداد بن الهاد قال: قال أبو هريرة: ((الوضوء مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ. فقال مَرْوان: وكيف يُسْأَلُ أحدٌ وفينا أزواجُ نبينا صلى الله عليه وسلم وأمهاتنا؟ ! قال: فأرسلني إلى أمِّ سلمةَ فسألتها

فذكرته)).

ورواه أحمدُ (26612، 26710)، عن وكيعٍ وابنِ مهديٍّ، عن سفيانَ بنحوه. ورجاله ثقات.

وله طرقٌ عن أُمِّ سلمةَ به. وسيأتي تخريجُه تحت (باب ترك الوضوء مما مسته النار).

قلنا: ومع هذا قال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ والطبرانيُّ في (الكبير)، ورجالُ الطبرانيِّ مُوثَّقُون؛ لأنه من رواية محمد بن طحلاء عن أبي سلمة. وأبو سليمان الذي في إسنادِ أحمدَ لا أعرفه ولم أَرَ مَن ترجمه"(مجمع الزوائد 1295).

كذا قال: "وأبو سليمان

لا أعرفه

"، وليس عند أحمدَ من يكنى بأبي سليمان، بل إسناده هو والطبراني واحد. ويبدو أن "أبا سلمة" تحرَّف على الهيثميِّ إلى "أبي سليمان" والله أعلم.

وتبع المُنَاويُّ الهيثميَّ في هذا الوهم، فقال:"رَمَز المصنف - (يعني السيوطي) - لصحته. ومستنده قول الهيثمي: "رجاله مُوثَّقُون"، وعَدَلَ عن عزوه لأحمدَ مع كونه خرَّجه باللفظِ المذكورِ؛ لأن في سندِهِ مَن لا يُعرفُ"! ! (فيض القدير 5/ 203).

وقال في موضعٍ آخرَ: "إسنادُهُ صحيحٌ"(التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 271).

ص: 77

وقد رمزَ السيوطيُّ لصحته في جامعه (الجامع الصغير 6980).

وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح الجامع 4908).

وقال في موضعٍ آخرَ: ((هذا إسنادٌ جيدٌ، رجاله ثقات رجال مسلم، غير ابن طحلاء، وهو صدوق)) (الصحيحة 2121).

رِوَايَةُ: تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ.

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ كما سبقَ. وهذا إسنادٌ ضعيفٌ. وضَعَّفَهُ: البخاريُّ والذهبيُّ.

[التخريج]:

[طب (23/ 301/ 675) (واللفظ له) / تخ (5/ 129) / كجي (مغلطاي 2/ 37) / نفح (2/ 236)].

[السند]:

أخرجه أبو مسلم الكَجِّيُّ في (سننه) كما في (شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي) قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن عبد الله بن عبد الله، عن أم سلمة، به.

ورواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير) من طريقين عن عبد الله بن السمح، عن ابن أبي ذئب، به.

ص: 78

ومداره عندهم على ابن أبي ذئب، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية، فمختلفٌ في صحبته:

فأثبتَ له الصحبةَ ابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل)، وذَكَره في الصحابةِ غيرُ واحدٍ. انظر (الإصابة 6/ 252 - 253).

وخالف في ذلك جماعة، منهم البخاري، فذكره في التابعين، وقال:((عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية، المخزومي، القرشي. عن أم سلمة، رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

قاله محمد بن عبيد الله، عن عبد العزيز بن محمد، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن ثوبان. في إسناده نظر)) (التاريخ الكبير 5/ 128).

هكذا جاءت العبارة من التاريخ، وكذا في (الكامل لابنِ عَدِيٍّ 7/ 29) من رواية الدولابي عن البخاري.

بينما روى هذا الكلامَ العقيليُّ -في (الضعفاء 2/ 359) -، فقال:((حدثني آدم بن موسى، قال: سمعتُ البخاريَّ قال: عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية، عن أبيه، عن أم سلمة، في إسناده نظر)).

وكذا نقله عن البخاريِّ الذهبيُّ في (الميزان 2/ 450)، وزاد:((لم يصحَّ حديثُه)).

ولكن عَقَّبَ ابنُ حَجَرٍ على زيادة: ((أبيه)) قائلًا: ((لم يذكره في (الضعفاء)، وإنما ذكره في (التاريخ) فقال ما نصُّه: ((عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية

ص: 79

القرشي المخزومي، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ))، قاله محمد بن عبيد الله، عن عبد العزيز بن محمد، يعني: الدراوردي، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن ثوبان، يعني: عنه، في إسناده نظر، ثم ساق من طريق سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية، عن عمر في العدة)).

هذا جميع ما وجدتُه، لم أَرَ فيه:((عن أبيه))، وليس عندي تردد أنها زيادةٌ باطلةٌ هنا. ولم أرَ فيه:((لم يصح حديثه))، وهي محتملةٌ لأن تكون سقطتْ من النسخةِ)) (اللسان).

وممن ذكره في التابعين أيضًا: ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 35)، والعِجْليُّ في (معرفة الثقات وغيرهم 920)، وقال:((مدني، تابعي، ثقة)).

قلنا: فالراجحُ فيه أنه تابعيٌّ، والله أعلم، وليس له من الروايات الكثير، يكادُ لا يوجدُ له إلا هذا الحديث وآخر موقوف على عمر. وهذا الحديثُ قد خُولفَ في متنه عن أمِّ سلمةَ؛ وذلك أن المحفوظَ عن أمِّ سلمةَ، وقد سُئِلتْ عن ((الوُضُوء مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)) قالتُ:((أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ تَوَضَّأَ، فَنَاوَلْتُهُ عَرَقًا -أَوْ: كَتِفًا- فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). وسيأتي تخريجُ الحديثِ بتوسعٍ قريبًا.

قلنا: وفي الطريقِ إليه الحارثُ، وهو ابنُ عبد الرحمن القرشي العامري، خال ابن أبي ذئب، انفردَ عنه ابنُ أُخته محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب.

قال ابنُ سعدٍ: ((لا نعلمُ أحدًا رَوَى عنه غير ابن أخته محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وكان قليلَ الحديثِ)) (الطبقات 7/ 483).

وبنحوه قال أبو أحمد الحاكم (تهذيب الأسماء واللغات 1/ 151)،

ص: 80

والدارقطنيُّ (الإكمال لابن ماكولا 3/ 394)، وغيرهما.

وذَكَره مسلمٌ فيمن تَفَرَّد عنه ابنُ أبي ذئبٍ (المنفردات والوحدان 1162).

وسُئِلَ عنه ابنُ معينٍ، فقال:((يُروى عنه، وهو مشهورٌ)) (رواية الدارمي 224).

وقال أيضًا: ((ليسَ أحدٌ يُحَدِّثُ عنه إلا ابن أبي ذئب)) (رواية ابن الجنيد 582).

ونَقَل مغلطاي من كتاب الساجي عن أحمد بن حُمَيْد

(1)

قال: ((قلتُ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: فالحارث بن عبد الرحمن الذي يَروي عنه ابنُ أبي ذئبٍ؟ قال: ((لا أَرَى به بأسًا)) (إكمال تهذيب الكمال 3/ 303)، وقال النسائيُّ:((ليس به بأس)) (تهذيب الكمال 5/ 156)، ووَثَّقَهُ محمدُ بنُ مسعود المِصيصيُّ (إكمال تهذيب الكمال 3/ 303)، وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 4/ 134 و 6/ 172).

بينما قال الشافعيُّ: ((وقد بلغني عن الحارث بن عبد الرحمن وعبدة- أحاديث حسان، ولم أحفظْ عن أحدٍ من أهلِ الروايةِ عنه إلا ابن أبي ذئب،

(1)

هو أبو طالب المُشْكَاني، ترجم له ابن أبي حاتم، فقال:((صاحب أحمد بن حنبل، روى عن أحمد بن حنبل مسائل كثيرة)) (الجرح والتعديل 2/ 48). وترجم له ابن أبي يعلى في (طبقات الحنابلة 1/ 39) فقال: ((المتخصص بصحبة إمامنا أحمد، روى عن أحمد مسائل كثيرة، وكان أحمد يكرمه ويُعَظِّمه

وذَكَره أبو بكر الخلال فقال: صَحِب أحمد قديمًا إلى أن مات، وكان أحمد يكرمه ويقدمه، وكان رجلًا صالحًا فقيرًا صبورًا عَلَى الفقر، فعَلَّمه أبو عبد الله مذهب القنوع والاحتراف. ومات قديمًا بالقرب من موت أبي عبد الله. ولم تقع مسائله إلى الأحداث)).

ص: 81

ولا أدري هل كان ممن يحفظ الحديث أو لا)) (معرفة السنن والآثار للبيهقي 13/ 37).

ونَقَل ابنُ حَجَرٍ عن علي بن المديني قال: ((الحارثُ بنُ عبدِ الرحمنِ المدنيُّ، الذي روى عنه ابن أبي ذئب- مجهولٌ، لم يَرْوِ عنه غير ابن أبي ذئب)) (تهذيب التهذيب 2/ 149).

وقال ابنُ حَزمٍ: ((ليس بالقويِّ)) (المحلى 9/ 157).

قلنا: ولَخَّص حاله كل من:

الذهبي، فقال:((صدوق صالح)) (الكاشف 861).

وابن حَجَرٍ، فقال:((صدوق)) (التقريب 1031).

ص: 82

2205 -

حَدِيثُ أَنَسٍ

◼ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ، وَيَقُولُ: صُمَّتَا إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ (غَيَّرَتِ) النَّارُ)).

[الحكم]:

الأمرُ بالوضوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ صحيحٌ ثابتٌ عن أبي هريرةَ وغيره. والإسنادُ عن أنسٍ ضعيف. والصواب وقفه على أنسٍ. كذا قال الدارقطنيُّ.

[التخريج]:

[جه 490 (واللفظ له) / بز 6687 (والرواية له) / طس 6720/ طش 1614/ عد (4/ 253) / محد (3/ 203)].

[التحقيق]:

رُوي عن أنسٍ من ثلاثة طرق:

الطريق الأول: أخرجه ابن ماجه قال: حدثنا هشام بن خالد الأزرق، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن أنس بن مالك، به.

ورواه الطبرانيُّ في (الأوسط)، وفي (مسند الشاميين)، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) من طريق هشام، به.

وهذا إسنادٌ واهٍ؛ فيه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك.

قال ابنُ حَجَرٍ: "ضعيفٌ، مع كونه كان فقيهًا، وقد اتَّهمه ابنُ مَعينٍ"(التقريب 1688).

وقال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الأوسط) وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك، وهو كذَّابٌ"(المجمع 1297).

ص: 83

وقال البوصيريُّ: "هذا إسنادٌ مختلفٌ فيه من أجل خالد بن يزيد، ولم ينفرد به؛ فقد رواه البزار في (مسنده) عن عبد الله بن الصَّبَّاح، عن حَجاج بنِ نُصَيْر، عن المبارك بن فَضَالة، عن الحسن، عن أنس

فذكره بإسناده ومتنه وقال: "غَيَّرَتْ" بدل "مَسَّتْ"

وله شاهد في (صحيح مسلم) من حديث زيد بن ثابت، وأبي هريرة، وعائشة،

ورواه مسدد في (مسنده) من طريق قتادة عن أنسٍ مرفوعًا، فذكره بزيادة في آخره كما أوردته في زوائد المسانيد العشرة" (الزوائد 1/ 70).

قلنا: ما ذكره عن مسددٍ إنما هو موقوفٌ على أنسٍ، وليس بمرفوع. انظر (إتحاف الخيرة المهرة 616).

وأما طريق البزار فها هو:

الطريق الثاني: أخرجه البزار في (مسنده) قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ الصَّبَّاحِ العَطَّارُ، حدثنا حجاجُ بنُ نُصَيْرٍ، حدثنا مباركُ بنُ فَضَالَةَ، عن الحسنِ، عن أنسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ أيضًا؛ فيه:

حجاج بن نصير؛ قال فيه الحافظ: "ضعيف، كان يقبل التلقين"(التقريب 1139).

ومع ضَعَّفَهُ فقد خُولفَ، خالفه أبو النضر هاشم بن القاسم، وحسين بن محمد، وعلي بن الجعد

وغيرهم، فرووه عن مبارك بن فَضَالة، عن الحسن، عن أبي موسى، به. انظر حديث أبي موسى المخرج في الباب.

ومبارك بن فضالة؛ كان "يدلسُ ويُسوي"(التقريب 6464)، وقد عنعن.

ص: 84

وقد اختُلف فيه على الحسن:

قال البزارُ: "هكذا قال مبارك: عن الحسن عن أنس. وقال مطر: عن الحسن عن أنس عن أبي طلحة. وقال أشعث: عن الحسن عن أبي هريرة".

قال الدارقطنيُّ: "

، ورواه يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أبي موسى، وأنس بن مالك، فعلهما، لم يرفعْه. والصحيح الموقوف" (العلل 6/ 64).

واقتصرَ الهيثميُّ على قوله: "رواه البزارُ، وفيه حجاج بن نصير، ضَعَّفَهُ أبو حاتم وغيره. ووَثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ، وابنُ حِبَّانَ"(مجمع الزوائد 1296).

كذا قال، وفي عبارته نظر؛ فابن معين قال مرة:"ضعيف"، وفي رواية أخرى قال:" كان شيخًا صدوقًا، ولكنهم أخذوا عليه أشياء في حديث شعبة، كان لا بأس به"(تهذيب التهذيب 2/ 209).

وأما ابنُ حِبَّانَ فذكره في (الثقات) وقال: "يُخطئُ، ويَهِمُ"(الثقات 12984).

الطريق الثالث: أخرجه أبو الشيخ في (طبقات المحدثين) قال: حدثنا أبو بكرٍ الجارُودِيُّ قال: ثنا الحسنُ بنُ محمدِ بنِ مَزْيَدٍ قَالَ: ثنا عامرُ بنُ سَيَّارٍ قال: ثنا سليمانُ بنُ أرقمَ، عنِ الحسنِ، عن أبي هريرَةَ، وأبي موسى، وأنسِ بنِ مالكٍ قالوا:((أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

وهذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه: سليمانُ بنُ أرقم، متروكٌ كما قال غيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ، ويكفيه قول البخاري:"تركوه"، انظر (تهذيب التهذيب 4/ 169)، وقال الذهبيُّ:"متروك "(الكاشف 2068)، وقَصَّرَ الحافظُ فقال:"ضعيفٌ"(التقريب 2532).

وفيه أيضًا: عامر بن سيار، وهو الدارمي الحلبي الرَّقِّي؛ قال أبو حاتم:

ص: 85

"رجلٌ مجهولٌ"(جرح 1799)، وكذا قال الذهبيُّ (الميزان 4082).

قلنا: وقد تقدم أن يونس رواه عن الحسن عن أنس وأبي موسى موقوفًا. وهو الصواب كما ذهب إليه الدارقطنيُّ.

وروى مسددٌ في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة المهرة 616) قال: ثنا يحيى، عن ابنِ أبي عَروبةَ، عن قتادةَ، ((أن أنسَ بنَ مالكٍ كانَ يَتَوَضَّأُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ تَوَضَّأَ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

قال البوصيريُّ: ((هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ)).

قلنا: وتابع قتادةَ أبو قلابة.

قال أحمدُ بنُ منيعٍ كما في (إتحاف الخيرة المهرة 619/ 1): ثنا إسماعيلُ، ثنا أيوبُ، عن أبي قِلابةَ قال:((أَتَيْتُ أَنَسًا فَلَمْ أَجِدْهُ، فَقَعَدْتُ حَتَّى جَاءَ، فَجَاءَ وَهُوَ مُغْضَبٌ، فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ هَذَا -يَعْنِي: الحَجَّاجَ- فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَأَكَلُوا، ثُمَّ قَامُوا فَصَلَّوْا وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا. فَقُلْتُ: أَوَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ هَذَا؟ ! فَقَالَ: لَا، مَا كُنَّا نَفْعَلُهُ)).

وقال -أيضًا- أحمدُ بنُ مَنيعٍ كما في (إتحاف الخيرة المهرة 619/ 1): ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، أبنا سليمانُ التيميُّ، عن أبي قِلَابَةَ، عن أنسٍ، بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ((رَأَيْتُ أَنَسًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ خَبِيثٌ؟ ! فَقَالَ: وَمَا لِيَ لَا أَكُونُ خَبِيثَ النَّفْسِ وَقَدْ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ هَؤُلَاءِ آنِفًا، وَقَدْ أَكَلُوا خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ صَلَّوْا وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا

"، فذكره بنحوه.

قال البوصيريُّ: ((هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ)).

وسيأتي ذِكرُ هذا الموقوف بتوسع قريبًا إن شاء الله.

ص: 86

2206 -

حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ

◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ. وحديثُ ابنِ عمر معلولٌ بالوقفِ، وأعلَّه: ابنُ أبي حاتم، والدارقطنيُّ.

[التخريج]:

تخريج السياقة الأولى: [طب 13117/ طس 1914].

تخريج السياقة الثانية: [طب 13378/ بز (كشف 290) / عد (8/ 176) / رقة 138].

[التحقيق]:

رُوِي من طريقين:

الطريق الأول: أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 13378) قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عجلان وعلي بن سعيد الرازي، ثنا محمد بن عبد الله بن بَزيع، ثنا عبد الأعلى، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به، بلفظ السياقة الثانية.

وهذا إسنادٌ ظاهره الصحة، رجاله ثقات رجال الصحيح عدا شيخي الطبراني، وأولهما وَثَّقَهُ الخطيبُ في (تاريخ بغداد 676)، والثاني كان من الحفاظ، وقد تُكلِّم فيه. انظر (تذكرة الحفاظ 751)، و (اللسان 4/ 231).

ص: 87

ولكن ذكر الدارقطنيُّ هذا الطريق في (العلل 2715) وأعلَّه بالوقفِ، فقال:"والصواب: عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا".

قلنا: وهو ما رواه ابن أبي شيبة في (المصنف 561) عن ابنِ عليةَ، عن أيوبَ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ؛ أنه شَرِبَ سَويقًا فَتَوَضَّأ.

الطريق الثاني: أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط 1914) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال: حدثنا أبو الطاهر بن السَّرْح قال: وجدت في كتاب خالي: حدثني عُقَيْل بن خالد، عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد الله أخبره عن عبد الله بن عمر، به، بلفظ السياقة الأولى.

وخال أبي الطاهر بن السرح هو عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المَهْري، أبو رجاء المصري المكفوف، وهو ثقة كما في (التقريب 3931)، وكذا بقية رجاله ثقات عدا شيخ الطبراني، قال عنه الهيثمي:"لم أعرفه"(مجمع الزوائد 7/ 351).

قلنا: هو أحمد بن محمد بن نافع، أبو بكر المصري الطحاوي الأصم، ترجم له الذهبيُّ برواية جماعة عنه، ولم يَذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا (تاريخ الإسلام 22/ 72)، وقال ابنُ يونس:"ثقة كتبتُ عنه"(الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة 2/ 79).

وقال ابنُ أبي حاتم: "سألتُ أبي عن حديثٍ رواه عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المَهْري

" فذكره ثم قال: قال أبي: "هو خطأ"، ولم يبين الصواب ما هو، وما علة ذلك.

والذي عندي أن الصحيحَ ما رواه معمرٌ، عن الزهريِّ، عن سالمٍ، عن أبيه، موقوفًا" (العلل لابن أبي حاتم 191).

ص: 88

وحديثُ معمرِ بنِ راشدٍ أخرجه عبدُ الرزاقِ في (مصنفه 679، 681).

وتابع معمرًا: يونس بن يزيد كما عند ابنِ عبدِ البرِّ في (التمهيد 3/ 336).

وتعقب مغلطاي على كلام ابن أبي حاتم بأن عبد الرحمن بن عبد الحميد قد تابعه العلاء بن سليمان عن الزهري، وعزاه للقشيري في تاريخه (شرح مغلطاي 2/ 34).

قلنا: أخرجه البزارُ، والطبراني في (الكبير)، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل)، وأبو علي القشيريُّ في (تاريخ الرقة) من طريق العلاء بن سليمان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، به، بلفظ السياقة الثانية سوى الطبراني فبلفظ السياقة الأولى.

والعلاء بن سليمان هذا منكر الحديث.

قال ابنُ عَدِيٍّ: "العلاء بن سليمان هذا منكرُ الحديثِ ويأتي بمتون وأسانيد لا يتابعه عليها أحد"(الكامل 8/ 219).

وقال العقيليُّ: "العلاء بن سليمان الرقي عن الزهري. ولا يتابع على حديثه"(الضعفاء 3/ 227)، وانظر (لسان الميزان 4/ 184).

فلا يُعتد بروايته ولا متابعته؛ ولذا قال الدارقطنيُّ: ((والصحيح موقوفًا)) (العلل 2715).

ص: 89

2207 -

حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ

◼ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ (مَسَّتِ) النَّارُ)).

[الحكم]:

رَفْعُه منكرٌ من هذا الوجهِ، والصوابُ وقفه، كما رجحَّ الدارقطنيُّ.

[التخريج]:

[ني 535 (واللفظ له) / محد (3/ 198 - والرواية له) / أصبهان (1/ 400)].

[السند]:

أخرجه الروياني في (مسنده) قال: نا محمد بن بشار، نا معاذ بن هشام، نا أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي موسى، به.

ورواه أبو الشيخ في (الطبقات) -وعنه أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) - من طريق أبي عبيدة حاتم بن عبيد الله قال: ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، به.

[التحقيق]:

إسناده ضعيف؛ فيه ثلاث علل:

العلة الأولى: الانقطاع؛ فالحسنُ البصريُّ لم يسمعْ من أبي موسى الأشعري كما قال ابنُ المدينيِّ وغيره، بل قال أبو حاتم وأبو زرعة:"لم يره". انظر (تهذيب التهذيب 2/ 266).

العلة الثانية: مبارك بن فَضَالة وقتادة، كلاهما مدلس، وقد عنعنا.

العلة الثالثة: أن المحفوظ عن الحسن عن أبي موسى الوقف.

ص: 90

قال الدارقطنيُّ -وذكر رواية مبارك عن الحسن عن أنس مرفوعًا-: ((ورواه يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أبي موسى وأنس بن مالك، فعلهما. لم يرفعه. والصحيح الموقوف)) (العلل 6/ 64).

قلنا: ورواية يونس أخرجها ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 559): عنِ ابنِ عُلَيَّةَ، عن يونسَ، عنِ الحسنِ، أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَتَوَضَّأُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ.

رِوَايَةُ: غَيَّرَتِ النَّارُ لَوْنَهُ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ لَوْنَهُ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ بهذا اللفظِ. والصوابُ وقفُه كما تقدَّم.

[التخريج]:

[حم 19552، 19704/ طس 2740].

[السند]:

أخرجه أحمد (19552) قال: ثنا هاشم بن القاسم، ثنا المبارك، عن الحسن، عن أبي موسى، به.

ثم أخرجه أيضًا (19704) قال: ثنا أبو أحمد حسين بن محمد وأبو النضر قالا: ثنا المبارك، عن الحسن، به.

وأخرجه الطبراني في (الأوسط) من طريق ابن الجعد، عن المبارك بن

ص: 91

فضالة، عن الحسن، به.

ثم قال الطبراني: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن الحسن عن أبي موسى إلا مبارك".

كذا قال، ولعلَّه أرادَ هذا اللفظَ بعينه، وإلا فقد سبقَ من روايةِ قتادةَ عن الحسنِ، غير أنه لم يذكر كلمة ((لونه)).

والحديثُ بهذه الزيادةِ مداره على مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أبي موسى، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

العلة الأولى: المبارك بن فضالة يدلس ويسوي كما سبق آنفًا، وقد عنعن، ثم إنه اختُلف عليه في متنه، فرواه أبو عبيدة حاتم بن عبيد الله عنه باللفظ السابق دون تقييده باللون كما هنا.

العلة الثانية: الانقطاع؛ فإن الحسن البصري لم يسمع من أبي موسى الأشعري كما سبق.

ومع ذلك اقتصر الهيثمي على قوله: "رواه أحمدُ والطبرانيُّ في (الأوسط) ورجاله مُوَثَّقُونَ"(مجمع الزوائد 1293).

قلنا: والصوابُ وقفُ الحديثِ عن الحسنِ عن أبي موسى، كما قدَّمنا في الرواية السابقة.

ص: 92

2208 -

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى وَأَنَسٍ:

◼ عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَأَبِي مُوسَى، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالُوا:((أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[محد (3/ 204)].

[السند]:

قال أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا أبو بكر الجارودي، قال: ثنا الحسن بن محمد بن مزيد، قال: ثنا عامر بن سَيَّار، قال: ثنا سليمان بن أرقم، عن الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأبي موسى، وأنس بن مالك، (جميعهم) به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:

العلة الأولى: سليمان بن أرقم؛ قال فيه البخاري: ((تركوه)) (التاريخ الكبير 4/ 2)، وقال الذهبي:((متروك)) (الكاشف 2068).

والراوي عنه عامر بن سيار، قال أبو حاتم:((مجهول)) (الجرح والتعديل 6/ 322).

العلة الثانية: الانقطاع؛ فالحسنُ لم يسمعْ أبا موسى ولا أبا هريرة. انظر (جامع التحصيل، صـ 163).

ص: 93

زِيَادَةُ ((لَوْنَهُ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ، وَفِيهَا زِيَادَةُ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ لَوْنَهُ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ بهذا اللفظِ.

[التخريج]:

[جرجاني (ق 156/ب)].

[السند]:

قال محمد بن إبراهيم بن جعفر اليَزْدِي الجرجاني: حدثنا محمد بن يعقوب بن يوسف، ثنا أبو الحسن حُميد بن عياش الرملي، بالسافلية، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا مبارك، عن الحسن، عن أبي موسى وأبي هريرة وأنس بن مالك، رضي الله عنهم، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه أربع علل:

العلة الأولى: مؤمل بن إسماعيل، قال ابنُ حَجَرٍ:((صدوقٌ سيئُ الحفظِ)) (التقريب 7029).

العلة الثانية: مبارك بن فضالة، قال ابنُ حَجَرٍ:((صدوق يدلس ويسوي)) (التقريب 6464)، وقد عنعن.

العلة الثالثة: أن المحفوظ عن الحسن عن الثلاثة الكرام- الوقف، كما رجحَّ الدارقطنيُّ في (العلل 1553، 2421).

وثَم علة رابعة، وهي الانقطاع بين الحسن البصري وأبي موسى وأبي هريرة، كما قررنا من قبل.

ص: 94

قلنا: والثابت عن أبي هريرة، مرفوعًا بلفظ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)) ليس فيه: ((لَوْنَهُ)) كما سبق.

ص: 95

2209 -

حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ

◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيح المتن، وإسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[طس 362].

[السند]:

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن رِشْدِينَ قال: حدثنا يوسف بن عَدي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن عَبَّاد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد، به.

قال الطبراني: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزهري إلا محمد بن أبي حفصة، تَفَرَّد به ابنُ المباركِ".

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: أحمد بن رشدين، وهو أحمد بن محمد بن الحَجاج بن رشدين، وهو ضعيف، تَكلَّم فيه جماعةٌ ورَمَوْه بالكذبِ، وقد سبقَ مرارًا. انظر (اللسان 1/ 257).

ومحمد بن أبي حفصة مختلفٌ فيه: فوَثَّقَهُ ابنُ معينٍ، وأبو داود

وغيرهما. وضَعَّفه النسائيُّ، وابنُ عَدِيٍّ

وغيرهما (تهذيب التهذيب 9/ 123)، ولخَّصَ الحافظُ حاله فقال:"صدوقٌ يُخطئُ"(التقريب 5826).

فلا يُلتفت إلى قول الهيثميِّ في (المجمع 1300): "رواه الطبرانيُّ في

ص: 96

الأوسط، ورجاله رجال الصحيح"!

وقد أخطأَ ابنُ أبي حفصةَ في متنِ هذا الحديثِ كما ستراه في الروايةِ الآتيةِ.

وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح. ويشهدُ لهذا المتنِ حديثُ أبي هريرةَ وغيره مما سبقَ ذكره أول الباب.

رِوَايَةُ: أَوْ حَدَثٍ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا وُضُوءَ إِلَّا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ أَوْ حَدَثٍ أَوْ رِيحٍ)).

[الحكم]:

منكرٌ، وسندُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[ناسخ 61/ جوزي (ناسخ 45)].

[السند]:

أخرجه ابنُ شاهينَ في (ناسخ الحديث ومنسوخه) -ومن طريقه ابنُ الجوزي في (ناسخ الحديث ومنسوخه) - قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن صدقة قال حدثنا أحمد بن سعيد قال: حدثنا يوسف بن عدي قال: حدثنا ابن المبارك، عن محمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن عباد بن تميم، عن عمه، به.

ص: 97

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه: أحمد بن سعيد، لم نعرفْه، والظاهرُ أنه قد حُرِّف "رشدين" إلى "سعيد"، وأنه هو نفسه ابن رشدين المذكور آنفًا عند الطبراني، وهو ضعيف.

محمد بن أبي حفصة؛ مختلفٌ فيه كما سبقَ، وقد أخطأَ في متنِ هذا الحديثِ على الزهريِّ.

فأخرجه الشيخان

(1)

من طريق ابن عيينة عن الزهري بإسناده إلى عبد الله بن زيد، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ الذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ:((لَا يَنْفَتِلْ -أَوْ: لَا يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا)).

هذا هو المحفوظُ في متنِ هذا الحديثِ، فأخطأ فيه محمد بن أبي حفصة. وقد رواه مرة أخرى عن الزهري بلفظ:((لَا وُضُوءَ إِلَّا فِيمَا وَجَدْتَ الرِّيحَ أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ)).

أخرجه أحمد (16442) وغيره. ونَصَّ الحافظُ على أن ابنَ أبي حفصةَ قد اختصرَ متنَه اختصارًا مخلًّا، وقد سبقَ ذلك مفصلًا تحت (باب: لا وضوء من الشك حتى يستيقن).

(1)

البخاري (137)، ومسلم (361).

ص: 98

2210 -

حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ مُرْسَلًا

◼ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ -مُرْسَلًا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، ضعيفُ السندِ لإرسالِهِ.

[التخريج]:

[طش 775].

[السند]:

أخرجه الطبراني في (مسند الشاميين) قال: حدثنا عُبَيْدٌ العِجل، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا شَبَابة بن سَوَّار، ثنا أبو زَبْر عبد الله بن العلاء، ثنا الزهري، عن أبي سلمة، به، مرسلًا.

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح، عدا عبيد العجل، وهو الحسين بن محمد بن حاتم، "ثقة حافظ متقن"(تاريخ بغداد 8/ 93).

وأبو سلمة -وهو ابن عبد الرحمن- لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من الطبقة الوسطى من التابعين.

فالحديثُ مرسلٌ، وهذه هي علة إسناده.

وقد وصله أصحابُ الزهريِّ عنه، عن أبي سلمة، عن أبي سفيان بن الأخنس، عن أم حبيبة، به. وقد سبق.

ص: 99

رِوَايَةٌ أُخْرَى فِيهَا قِصَّةٌ

• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَتْ لَهُ بِسَوِيقٍ -أَوْ: بِطَعَامٍ- ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: يَا بنَ أَخِي، تَوَضَّأْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((الوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) أَوْ قَالَ: ((مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

مرسلٌ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[طي 1697/ مبهم (2/ 123)].

[السند]:

قال أبو داود الطيالسيُّ: حدثنا زَمْعة، عن الزهري، عن أبي سلمة، أن رجلًا دَخَلَ على أُمِّ حبيبةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعتْ له بسَويقٍ

الحديث.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

العلة الأولى: أبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أم حبيبة. قاله أبو حاتم (المراسيل 950).

العلة الثانية: زمعة بن صالح، ((ضعيف)) (التقريب 2036).

ص: 100

2211 -

حَدِيثُ أَبِي سَعْدِ الخَيْرِ

◼ عَنْ أَبِي سَعْدِ الخَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَغَلَتْ بِهِ المَرَاجِلُ [وَالقُدُورُ])).

[الحكم]:

ضعيفٌ بهذا التمامِ.

[التخريج]:

[طب (22/ 306/ 776) واللفظ له) / طش 1239/ مث 2210/ صحا 6818 (مختصرًا) / لا 210/ مقط (4/ 1831) (والزيادة له) / صمند (صـ 880) / كر (48/ 248 - 250) / أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم في تاريخه (مغلطاي 2/ 36)].

[السند]:

أخرجه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) قال: حدثنا دُحَيْم، ثنا الوليد بن مسلم، نا الوليد بن سليمان بن أبي السائب، عن فِرَاس الشعباني، عن أبي سعد الخير، به.

وأخرجه الطبراني في (الكبير)، و (الشاميين) عن إبراهيم بن دحيم، عن أبيه، به.

وأخرجه الدارقطنيُّ في (المؤتلف والمختلف) من طريق عمرو بن بشر بن سرح، حدثنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب، به.

ومدار الإسناد عند الجميع على الوليد بن سليمان بن أبي السائب، عن فِرَاس الشعباني، به.

ص: 101

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالةِ فِرَاسٍ الشعباني؛ قال الذهبيُّ: "فراسٌ الشعبانيُّ عداده في التابعين، ما حَدَّثَ عنه سوى الوليد بن أبي السائب"(ميزان الاعتدال 3/ 343).

ولذا قال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير) وفيه فراسٌ الشعبانيُّ، وهو مجهولٌ"(مجمع الزوائد 1301).

والشطرُ الأولُ من الحديثِ دون قوله: ((وغلت

)) إلى آخره- صحيحٌ بشواهدِهِ كما سبقَ.

ص: 102

2212 -

حَدِيثُ إِيَاسِ بنِ ثَعْلَبَةَ

◼ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَلَوِيِّ؛ إِيَاسِ بنِ ثَعْلَبَةَ، ((أَنَّهُ [رُئِيَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ مِنْ غَمَرٍ بِطِينٍ، فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ، فَـ]ـقَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَوَضَّأَ مِنَ الغَمَرِ، وَلَا يُؤْذِي بَعْضُنَا بَعْضًا)).

[الحكم]:

ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفه الهيثميُّ.

[اللغة]:

الغَمَرُ -بالتحريك-: "الدسَم والزهومة من اللحم"(النهاية 3/ 383).

والأمر بالوضوء منه يراد به غسل اليد كما هو ظاهر من السياق -على فرض صحته-.

وأما الغُمَر: فهو القَدَح الصغير. انظر (النهاية 3/ 383)، و (لسان العرب 1/ 683، 5/ 29)، و (تاج العروس 3311).

[التخريج]:

[طب 793 (واللفظ له) / سعد (5/ 272) (والزيادة له) / قا (1/ 26)].

[السند]:

أخرجه ابنُ سعدٍ في (الطبقات) قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن منيب بن عبد الله بن أبي أمامة، عن أبيه، عن جَده، أن أبا أمامة بن ثعلبة، به.

كذا قال، وقد رواه الطبرانيُّ في (الكبير)، وابنُ قانعٍ في (معجمه) من طريق محمد بن عمر، عن عبد الله بن المنيب، عن جَده عبد الله بن

ص: 103

أبي أمامة، عن أبيه، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ مداره عند الجميع على محمد بن عمر، وهو الواقديُّ الأسلميُّ.

قال فيه ابنُ حَجَرٍ: "متروكٌ"(التقريب 6175).

وقال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير)، وفيه الواقديُّ وهو ضعيف"(مجمع الزوائد 1305).

ص: 104

2213 -

حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ

◼ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((كُنَّا نَتَوَضَّأُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، وَنُمَضْمِضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَلَا نُمَضْمِضُ مِنَ التَّمْرِ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ.

[التخريج]:

[طح (1/ 64)].

[السند]:

قال الطحاويُّ: حدثنا ابنُ خزيمةَ قال: ثنا حَجاج قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قِلَابة، عن رجلٍ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجاله ثقات، ولكن أبا قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ثقة كثير الإرسال، وقد عنعن، فلا ندري أسمع من صحابي الحديث أم لا؟

ص: 105

2214 -

حَدِيثُ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ

◼ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَنِسَاءٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[علقط (4/ 245)].

[السند]:

قال الدارقطنيُّ: حدثنا أحمد بن نصر بن طالب أبو طالب، قال: حدثنا أبو النضر عمرو بن عبد الله بن هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة، قال: حدثني أبي عبد الله بن هانئ، قال: حدثنا أبي، عن عمه إبراهيم بن أبي عبلة، عن الزهري، قال: حدثني غير واحد من أهل العلم، عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء من أزواجه، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ آفته عبد الله بن هانئ بن عبد الرحمن ابن أخي إبراهيم بن أبي عبلة.

قال ابنُ أبي حاتمٍ: ((روى عنه محمد بن عبد الله بن محمد بن مخلد الهروي، عن أبيه، عن إبراهيم بن أبي عبلة- أحاديث بواطيل.

سمعت أبي يقول: قَدِمْتُ الرملةَ، فذُكِر لي أن في بعضِ القُرى هذا الشيخ، وسألتُ عنه فقيل:(هو شيخٌ يكذبُ) فلم أخرجْ إليه ولم أسمعْ منه))

ص: 106

(الجرح والتعديل 5/ 194).

قلنا: وأبوه هانئ ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 584)، وزاد:((روى عنه ابنُه عبد الله بن هانئ، ربما أغرب)).

ص: 107

2215 -

حَدِيثُ بُسْرَةَ

◼ عَنْ بُسْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((تَوَضَّئُوا مِمَّا أَنْضَجَتِ النَّارُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، أنكره ابنُ عَدِيٍّ.

[التخريج]:

[عد (1/ 404)].

[السند]:

قال ابنُ عَدِيٍّ: حدثنا محمد بن خالد بن يزيد، حدثنا أبو ميسرة أحمد بن عبد الله، حدثنا سليمان بن داود الرَّقِّي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن بُسْرة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه سليمانُ بنُ داودَ الرقيُّ، ((لا يُعْرَفُ)) قاله ابنُ عَدِيٍّ (الكامل 1/ 404). وقال ابنُ حَجَرٍ:((أظنُّ الرقي هذا هو الجزري الذي قال أبو زرعة: إنه متروك)) (لسان الميزان 4/ 148).

وفيه أيضًا: أحمد بن عبد الله بن ميسرة، قال ابنُ عَدِيٍّ:((حَدَّثَ عن الثقاتِ بالمناكيرِ، ويُحَدِّثُ عمَّن لا يُعْرَفُ، ويسرقُ حديثَ الناسِ)) (الكامل 1/ 403).

قال ابنُ عَدِيٍّ: ((والحديثُ إسنادُهُ غيرُ محفوظٍ، ومتنُه بهذا الإسنادِ منكرٌ، ولا يُعْرَفُ عن الزهريِّ إلا من هذا الطريقِ)) (الكامل 1/ 404).

ص: 108

2216 -

حَدِيثُ أَنَسٍ مَوْقُوفًا

◼ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: أَتَيْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، فَلَمْ أَجِدْهُ، فَقَعَدْتُ أَنْتَظِرُهُ، فَجَاءَ وَهُوَ مُغْضَبٌ (يُحَدِّثُ نَفْسَهُ) [قُلْتُ: مَا شَأْنُكَ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ ] فَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ هَذَا [الرَّجُلِ] يَعْنِي الحَجَّاجَ [فَدَعَا بِطَعَامٍ لِلنَّاسِ] فَـ[أَكَلَ، وَ] أَكَلُوا ثُمَّ قَامُوا فَصَلَّوْا، وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا [أَوْ قَالَ: فَمَا مَسُّوا مَاءً]، فَقُلْتُ: أَوَ مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ هَذَا يَا أَبَا حَمزَةَ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَفْعَلُهُ.

[الحكم]:

موقوفٌ صحيحٌ.

[التخريج]:

[عب 678 (والزيادات والرواية له) / ش 560 (واللفظ له) / منيع (مط 2/ 371/ 125)، (خيرة 619) / منذ 110].

[السند]:

أخرجه عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، به.

وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن منيع عن ابنِ عُلَيَّة، عن أيوبَ، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ موقوفٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخين. وأيوبُ هو السَّختيانيُّ.

ص: 109

رِوَايَةُ: أَكَلُوا خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ صَلَّوْا وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا!!

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((رَأَيْتُ أَنَسًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ خَبِيثٌ؟! قَالَ: وَمَا لِيَ لَا أَكُونُ خَبِيثَ النَّفْسُ وَقَدْ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ هَؤُلَاءِ آنِفًا، وَقَدْ أَكَلُوا خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ صَلَّوْا وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا

)) فذكره بنحوه.

[الحكم]:

موقوفٌ صحيحٌ.

[التخريج]:

[منيع (خيرة 619/ 2)، (مط 2/ 371/ 125)].

[السند]:

قال أحمد بن منيع: ثنا يزيد بن هارون، أبنا سليمان التيمي، عن أبي قلابة، عن أنس، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ موقوفٌ صحيحٌ، سليمان هو ابن طرخان التيمي من رجال الشيخين.

قال البوصيريُّ: ((هذا إسنادٌ رجاله ثقات)) (إتحاف الخيرة المهرة 1/ 357).

ص: 110