الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
374 - بَابُ تَرْكِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ
2223 -
حَدِيثُ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ:
◼ عَنْ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ رضي الله عنه: ((أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ [فَأَكَلَ مِنْهَا]، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ التِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
متفق عليه (خ، م).
[التخريج]:
[خ 208، 675، 2923، 5408 (واللفظ له)، 5422 (والزيادة له ولغيره)، 5462/ م 355 (وعنده الزيادة) / ت 1943/ كن 6937/ حم 17250، 17248، 17249، 17614، 17618، (مختصرًا)، 22479، 22484، 22485/ مي 745/ حب 1136، 1146/ عه 823، 825/ عب 640/ ش 534/ مش 904/ مسن 786، 787/ شف 96/ طي 1351/ حمد 922/ جا 22/ هق 722 - 723، 742، 5108، 14743/ هقد 509/ طح (1/ 66) / مث 969/ عل 6878/ كر (45/ 419) / عتب (صـ 50) / صحا 5008/ أسد (4/ 181) / بغ 2852/ فة (1/ 396) / أم 56/ أكابر 6/ فشن 134/ رفا 213/ مديني (لطائف 759)].
[السند]:
أخرجه البخاري (5408) قال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية، أن أباه عمرو بن أمية أخبره، به.
ورواه مسلم قال: حدثنا محمد بن الصَّبَّاح، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا الزهري، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، به.
رِوَايَةُ: أَكَلَ لَحْمًا
• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: ((رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لَحْمًا -أَوْ: عَرَقًا- فَلَمْ يُمَضْمِضْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً، فَصَلَّى)).
[الحكم]:
صحيح، وأصله في الصحيحين دون ذكر المضمضة.
[التخريج]:
[حم 17613 (واللفظ له) / قا (2/ 210)].
[السند]:
أخرجه أحمد في (المسند) قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة قال: حدثنى الزهري، عن فلان بن عمرو بن أمية، عن أبيه، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله ثقات، وفلان بن عمرو بن أمية هو جعفر بن عمرو بن أمية. وقد صَرَّح باسمه أصحابُ الزهريِّ كما سبق في الصحيحين وغيرهما.
رِوَايَةُ: أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ((حَضَرْتُ عَشَاءَ الوَلِيدِ -أَوْ: عَبْدِ المَلِكِ- فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ قُمْتُ لِأَتَوَضَّأَ، فَقَالَ جَعْفَرُ بنُ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
قَالَ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بِمِثْلِ ذَلِكَ.
[الحكم]:
صحيحٌ. وصَحَّحَهُ الألبانيُّ.
[التخريج]:
[جه 493].
[السند]:
رواه ابن ماجه قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثنا الزهري قال: حضرتُ عَشاء الوليد -أو: عبد الملك-، فلمَّا حضرتِ الصلاةُ قُمْتُ لأَتَوَضَّأَ، فقال جعفر بن عمرو بن أمية
…
فذكره.
قال الزهريُّ: وقال علي بن عبد الله بن عباس
…
فذكره.
[التحقيق]:
أما حديثُ عمرو بن أمية فإسنادُهُ صحيحٌ، ورجال إسناده ثقات من رجال الشيخين، عدا عبد الرحمن الدمشقي -وهو دُحَيْم- فمن رجال البخاري فقط، وهو ثقة حافظ متقن.
ومن البَدَهي أن قولنا: ((رجال إسناده ثقات من رجال الشيخين)) لا يشملُ
عبدَ الملكِ بنَ مروانَ ولا ابنه الوليد؛ فإنهما ليسا من رجال الإسناد كما هو ظاهر.
وأما حديثُ ابنِ عباسٍ فسندُهُ صحيحٌ أيضًا، وعلي بن عبد الله من رجال مسلم، وهو ثقة. وسيأتي حديث ابن عباس برواياته قريبًا.
وصَحَّحَهُ الألبانيُّ (الارواء 1962).
[تنبيه]:
قال مغلطاي: "هذا حديثٌ خرَّجه مسلمٌ في (صحيحه)، وخرَّج البخاريُّ حديثَ عمرٍو فقط"(شرح ابن ماجه 2/ 46).
قلنا: لم يُخرجِ البخاريُّ هذا الحديثَ عن عمرٍو بهذا اللفظِ، وإنما خرَّجه بلفظ:((أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَلْقَى السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وقد سبقَ أن مسلمًا أخرجه كذلك بلفظِ البخاريِّ.
وكذلك حديث ابن عباس لم يخرجه مسلم بهذا اللفظ، وإنما أخرجه بلفظ:((أَكَلَ عَرَقًا -أَوْ: لَحمًا-، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
ورواه كذلك البخاريُّ في (صحيحه) دون قوله: ((وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً))، وسيأتي.
2224 -
حَدِيثُ مَيْمُونَةَ:
◼ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
متفق عليه (خ، م).
[التخريج]:
[خ 210 (واللفظ له) / م 356/ حم 26813/ طب (23/ 441/ 1068)، (24/ 27، 28/ 70، 74) / مسن 788/ هق 725/ أثرم 165/ صمند (2/ 971)].
[السند]:
قال البخاري: حدثنا أصبغ قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو، عن بُكير، عن كُريب، عن ميمونة، به.
وقال مسلم: حدثني أحمد بن عيسى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، قال: وحدثني بُكير بن الأشج، عن كُريب مولى ابن عباس، عن ميمونة، به.
قال عمرو: وحدثني جعفر بن ربيعة، عن يعقوب بن الأشج، عن كريب،
به.
2225 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: ((تَعَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: ((انْتَشَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرَقًا (عَظْمًا) مِنْ قِدْرٍ، فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عَرَقًا [مِنْ شَاةٍ] 1، أَوْ [خُبْزًا وَ] 2 لَحْمًا، [ثُمَّ أَتَاهُ المُؤَذِّنُ، فَوَضَعَهُ، ] 3 ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأُتِيَ بِهَدِيَّةٍ -خُبْزٍ وَلَحْمٍ-، فَأَكَلَ ثَلَاثَ لُقَمٍ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ، وَمَا مَسَّ مَاءً)).
[الحكم]:
متفق عليه (خ، م)، إلا أن السياقة الثانية والثالثة للبخاري دون مسلم، والسياقة الرابعة والخامسة لمسلم دون البخاري.
[اللغة]:
العَرَقُ: العَظم أُخذ عنه معظم اللحم، وبقي عليه لحوم رقيقة طيبة. (المعجم الوسيط 2/ 596).
انْتَشَلَ: من "النشيل" وهو: "ما أَخَذْتَ بيدك لا بمغرفة، فانتشلتَه فأكَلتَه".
وقيل: النشيل: "لحم يُنشَل من الطبيخ بلا توابل".
وقيل: النشيل: "ما أُخِذ من اللحم قبل النضج".
انظر (غريب الحديث للحربي 2/ 886)، و (غريب الحديث للخطابي 1/ 76).
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [خ 207 (واللفظ له) / م (354/ 91) / د 186/ كن 4883/ طا 54/ حم 1988/ خز 44/ حب 1128، 1135، 1139، 1140/ طب (10/ رقم 10662، 10724، 10762، 10790، 10793) / طس 6645/ بز 5284/ عه 819/ مسن 784/ مطغ 344/ منذ 126/ غحر (1/ 219) / شيو 67/ بيب 66/ غطر 62/ معقر 1322/ هق 719/ هقغ 37/ هقع 1287/ عتب (صـ 48) / حل (6/ 341) / عد (9/ 683) / طح (1/ 64) / فق 340/ خط (3/ 242) / أثرم 159/ بغ 169/ كر (40/ 439)، (43/ 38) / غبز 33/ فصيب 186/ ضياء (رواة ق 4 ب) / فرج 53/ سبكي (صـ 254) / جوزي (ناسخ 48) / نبغ 943].
تخريج السياقة الثانية: [خ 5404 (واللفظ له) / حم 2188، 3312/ عه 830/ طب (12/ رقم 12865، 12867) / عد (2/ 194) / معر 271، 2084/ تمهيد (3/ 343) / سفر 1277/ معيل (فتح الباري 9/ 546)].
تخريج السياقة الثالثة: [خ 5405 (واللفظ له) / حم 2289 (والرواية له ولغيره)، 2153/ حب 1124/ طب (10/ رقم 10741)، (11/ رقم 11913) / غحر (2/ 728، 886) / علحم 2149/ ناسخ 67/ قند 407/ فقط (أطراف 2528) / حقف 76].
تخريج السياقة الرابعة: [م 354 (واللفظ له) / حم 2002، 3352 (مختصرًا)، 3463 (وعنده الزيادة الثانية) / خز 41، 42 (والزيادة الثانية له ولغيره)، 43 (مختصرًا) / عه 829 (والزيادة الأولى له ولغيره) / عل 2734 (والزيادة الثالثة له ولغيره) / عب 643/ حمد 922/ طب (10/ رقم 10660 - مختصرًا)، (11/ رقم 11217، 11267) / طش 145 (مختصرًا) / جعد 3409 (مختصرًا) / مث 396 (مختصرًا) / علحا (1/ 432) / فة (2/ 733) / طح (1/ 64) / عد (4/ 433) (مختصرًا)، (7/ 470) / مسن 785/ حل (3/ 208) / تخث (السِّفر الثاني 4072) / كر (17/ 163)، (54/ 224، 363)].
تخريج السياقة الخامسة: [م (359/ 96) (واللفظ له) / عه 820/ مسن 792/ جع 469].
[السند]:
أخرجه البخاري (207) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك.
وأخرجه مسلم (354/ 91)، وأبو داود (186) قالا: حدثنا عبد الله بن مسلمة [بن قَعْنَب]، حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس، به بلفظ السياقة الأولى، وهو في موطأ مالك، ومن طريقه أخرجه جماعة.
وأخرجه البخاري (5404) قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد، حدثنا أيوب، عن محمد، عن ابن عباس، به، بلفظ السياقة الثانية.
ثم قال (5405): وعن أيوب وعاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس، به،
بلفظ السياقة الثالثة.
وحماد هو ابن زيد. وأيوب هو السَّختياني. وعاصم هو الأحول. ومحمد هو ابن سيرين.
وقوله: "وعن أيوب" هو معطوف على السند الذي قبله.
وأخطأ مَن زعم أنه معلق، وقد أورده أبو نعيم في (المستخرج) من طريق الفضل بن الحُبَاب، عن الحَجَبي، وهو عبد الله بن عبد الوهاب، شيخ البخاري فيه- بالسند المذكور، حاصله أن الحديث عند حماد بن زيد عن أيوب بسندين على لفظين، أحدهما عن ابن سيرين باللفظ الأول، والثاني عنه عن عكرمة وعاصم الأحول باللفظ الثاني، ومفاد الحديثين واحد"، انظر (فتح الباري 9/ 546).
والأول منقطع، فابن سيرين لم يسمع ابن عباس. وقال شعبة وخالد الحذاء:"أحاديثُه عن ابن عباس إنما سمعها من عكرمة".
وقد أخرجه الإسماعيليُّ من طريق محمد بن عيسى بن الطَّبَّاع، عن حماد بن زيد، فأدخلَ بين محمد بن سيرين وابن عباس عكرمةَ. وإنما صَحَّ عند البخاري لمجيئه بالطريق الأخرى، فأورده على الوجه الذي سمعه، واعتماده إنما هو على السند الثاني. انظر (فتح الباري 9/ 546).
وقد رواه أحمدُ (2289) عن عفان.
والحربيُّ في (الغريب 2/ 728، 886) عن مسدد.
والطبرانيُّ في (الكبير 11913) من طريق عارم.
ثلاثتهم عن حماد، عن أيوب -قرَنه مسدد وعارم بعاصم-، عن عكرمة،
عن ابن عباس: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم انتَشَلَ مِنْ قِدْرٍ عَظْمًا، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). ولفظ الحربي والطبراني: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقِدْرٍ، فَانْتَشَلَ مِنْهَا عَظْمًا، فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وإسنادُهُ على شرطِ البخاريِّ، وقد رواه ابنُ حِبَّانَ (1124) من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة بنحوه.
وأخرجه مسلم (354) قال: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة، أخبرني وهب بن كَيْسان، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس (ح) وحدثني الزهري، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس (ح) وحدثني محمد بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس، به، بلفظ السياقة الرابعة.
ورواه أبو عوانة (829) عن عبد الرحمن بن بِشْر، أنا يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة، حدثني الزهري، عن علي، به، بلفظ:((أَكَلَ عَرَقًا مِنْ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). وإسناده على شرط مسلم.
ورواه ابنُ خُزيمةَ (42) قال: ثنا محمد بن بشار بندار، ثنا يحيى، ثنا هشام، بأسانيده الثلاثة، وزاد فيه الخبز، ولم يذكر قوله:((وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)). وإسناده على شرط مسلم.
وبنحوه رواه الطحاوي من طريق حماد، عن هشام بن عروة، عن وهب، به.
وكذا رواه الفسوي عن الحميدي، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن علي، عن أبيه، به.
وهو في (مسند الحميدي) مختصرًا دون ذكر الخبز.
وكذا رواه ابنُ أبي عاصم (396) من طريق يحيى القطان، عن هشام به، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وبنحوه رواه ابنُ الجعد -ومن طريقه الطبراني في (الكبير 10660) - عن ابن ثوبان، عن داود بن علي، أن أباه أخبره عن جده ابن عباس، به.
وأخرجه مسلم (359) قال: وحدثني علي بن حُجْر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا محمد بن عمرو بن حَلْحَلَة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس، به، بلفظ السياقة الخامسة.
ثم قال مسلم: وحدثناه أبو كريب، حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، قال: كُنْتُ مَعَ ابنِ عَبَّاسٍ
…
وساقَ الحديثَ بمعنى حديث ابن حلحلة، وفيه أن ابن عباس شهد ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وقال:(صَلَّى) ولم يقل: (بِالنَّاسِ).
قلنا: سيأتي بيان لفظ الوليد تامًّا.
وأخرجه عبد الرزاق (643) -وعنه أحمدُ (3463) وقرنه بابنِ بكرٍ البرْساني- عن ابنِ جُريجٍ قال: أخبرني عمرُ بنُ عطاءِ بنِ أبي الخُوَارِ أنهُ سَمِعَ ابنَ عباسٍ يقولُ: ((بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ عَرَقًا، أَتَاهُ المُؤَذِّنُ، فَوَضَعَهُ، وَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
وأخرجه أبو يعلى (2734) من طريق مَخْلَد بن يزيد، حدثنا ابن جريج، به، بلفظ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ عَرَقًا، ثُمَّ أَتَاهُ المُؤَذِّنُ، فَوَضَعَهُ ثُمَّ قَامَ
…
)) إلخ.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمرو بن عطاء، فمن رجال مسلم، وهو ثقة.
وقد رواه الطبراني (11217) من طريق حَجاج بن محمد، عن ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، به. كذا تحرف فيه "عطاء" إلى "دينار"، ولعله خطأ ممن دون حَجاج.
رِوَايَةُ: احْتَزَّ مِنْ كَتِفٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ احْتَزَّ مِنْ كَتِفٍ فَأَكَلَ، ثُمَّ مَضَى إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ. وصَحَّحَهُ الشيخُ أحمد شاكر.
[التخريج]:
[حم 3453 (واللفظ له) / عب 641/ معر 1453].
[السند]:
رواه عبد الرزاق -وعنه أحمد، وابن الأعرابي من طريقه- قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أنه سمع ابن عباس يقول
…
فذكره.
[التحقيق]:
إسنادُهُ صحيحٌ كما قال الشيخ أحمد شاكر، وهو على شرط مسلم، ورجاله ثقات رجال الشيخين، وقد خرَّجاه بسياقةٍ أُخرى كما تقدَّم.
رِوَايَاتُ مَنْ زَادَ فِيهِ: وَلَمْ يُمَضْمِضْ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأكُلُ عَرَقًا (كَتِفًا) مِنْ شَاةٍ [أَوْ لَحْمًا]، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يُمَضْمِضْ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ (عَظْمًا، أَوْ لَحْمًا)، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأُتِيَ بِكَتِفٍ مِنْ لَحْمٍ فَانتَهَسَهَا، ثُمَّ مَضَى إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يُمَضْمِضْ، وَلَمْ يَطَّهَّرْ (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ. وصَحَّحَهُ أبو عَوانة، وابنُ حِبَّانَ، وأحمد شاكر. وأصله في الصحيح.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حم 2545 (واللفظ له) / حب 1149/ عه 831/ بز 5246 (والرواية والزيادة له ولغيره) / طب (10/ رقم 10657) / هق 720، 760].
تخريج السياقة الثانية: [حب 1138 (واللفظ له) / طي 2784 (والرواية له) / شعب 5438/ عروس 4/ سراج (مغلطاي 2/ 38)].
تخريج السياقة الثالثة: [طب (10/ رقم 10758)].
[التحقيق]:
جاء التصريحُ بترك المضمضة في هذا الحديث من أربعة طرق:
الطريق الأول: رواه أحمد (2545) قال: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن محمد بن عمرو بن عطاء،
عن عبد الله بن عباس، بلفظ السياقة الأولى.
ورواه ابنُ حِبَّانَ (1149) من طريق شعيب بن إسحاق.
ورواه أبو عوانةَ (831)، والبيهقيُّ (760) من طريق أنس بن عياض.
ورواه البيهقيُّ (720) من طريق يحيى بن سعيد القطان.
كلهم عن هشام بن عروة، به.
وهذا سندٌ صحيحٌ على شرط مسلم، ورجاله ثقات رجال الشيخين.
وقد صرَّحَ أبو عوانة بصحة الحديث عقب تخريجه.
وكذا صَحَّحَهُ أحمد شاكر في (تحقيقه للمسند).
ولهشام فيه وجهان آخران كما في
الطريق الثاني والثالث: رواه البزار (5246) قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة، عن الزهري، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه.
وعن هشام بن عروة، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفًا أَوْ لَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يُمَضْمِضْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
وهذان سندان صحيحان على شرط مسلم.
وقد خرَّجه الطبرانيُّ في (الكبير 10657)، والبيهقيُّ (720) من طريق مسدد، ثنا يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة، به مثله، وعندهما:((وَلَم يَتَمَضْمَضْ)).
وقال البيهقيُّ: "رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب، عن يحيى بن
سعيد القطان".
وكذا قال عقب طريق وهب: " مخرجٌ في كتاب مسلم من حديث هشام بن عروة".
قلنا: نعم، فقد أخرجه مسلم (354) عن زهير عن يحيى عن هشام بهذه الأسانيد الثلاثة، إلا أنه لم يذكر فيه ترك المضمضة كما تقدَّم، وقد ذكرها جماعةٌ من أصحابِ هشامٍ، كما ذكرها الفلَّاسُ ومسددٌ عن يحيى، فهي زيادةٌ محفوظةٌ رواها الثقاتُ الحفاظُ.
هذا وقد قال البزارُ -عقبه-: "ولا نعلمُ أسندَ هشام عن محمد بن علي غير هذا الحديث، على أن لفظَ هذا الحديث مخالفٌ لسائر الألفاظ التي تُروى عن ابن عباس في ذلك"!
كذا قال، وسائر الروايات الصحيحة لهذا الحديث موافقة لهذه الرواية، فالله أعلم بما أراد.
الطريق الرابع: رواه الطيالسيُّ (2784) عن خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عَظْمًا -أَوْ: لَحْمًا-، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَمَا تَوَضَّأَ وَلَا تَمَضْمَضَ)).
وخارجة متروك، ولكنه متابع:
فرواه ابنُ حِبَّانَ (1138)، والسراج -كما في (الإعلام) - من طريق عبد العزيز الدراوردي.
ورواه البيهقيُّ في (الشعب 5438) من طريق محمد بن جعفر الزرقي.
كلاهما عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، به، بلفظ
السياقة الثانية.
ورواه الطبرانيُّ (10758) من طريق معمر، ومالك، والزرقي، وعبد العزيز الماجشون، ورَوْح بن القاسم -واللفظ له-، عن زيد بن أسلم، به بلفظ السياقة الثالثة.
فمداره عندهم على زيد، وهذا المدارُ صحيحٌ على شرط الشيخين، وقد خرَّجاه كما سبق من طريق مالك -وهو في موطئه- عن زيد به، ليس فيه ترك المضمضة، وكذا مضى من حديث معمر.
فعُلِم من هذا أن الطبرانيَّ حَمَل لفظ مالك ومعمر على لفظ روح كما صرَّح هو به.
وعلى كلٍّ، فرَوْحُ بنُ القاسمِ ثقةٌ حافظٌ، وقد حفظ فيه ترك المضمضة. وتابعه على ذلك الزرقي وهو ثقة، والدراوردي وهو صدوق، والسند إليهم ثابت، ويشهد لهم طريق هشام.
فإن قيل: قد رواه أبو نعيم في (أخبار أصبهان 1/ 157) من طريق رَوْح، به، دون ذكر المضمضة.
فالجواب: أنه عنده من طريق خالد بن الهَيَّاج بن بِسْطام، عن أبيه، عن رَوْح. والهَيَّاج متكلَّمٌ فيه. وكذلك ابنه خالد، فقد روى عن أبيه منكرات كثيرة.
رِوَايَةٌ أُخْرَى:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ وَرَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مِمَّ أَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ أَثوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مَا أُبَالِي مِمَّا تَوَضَّأْتَ! ((أَشْهَدُ لَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ لَحْمٍ (خُبْزًا وَلَحْمًا)، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَمَا تَوَضَّأَ)).
قَالَ: وَسُلَيْمَانُ حَاضِرٌ ذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
[الحكم]:
صحيح مفرقًا. وهذا إسنادٌ معلٌّ. وأشارَ النسائيُّ والبزارُ لإعلاله.
[التخريج]:
[ن 189 (مختصرًا، والرواية له) /كن 237 (مختصرًا) / حم 3464 (واللفظ له) /
…
].
سبق تخريجُه وتحقيقُه تحت ((باب الوضوء مما مسته النار)).
رِوَايَةُ: انْتَهَسَ مِنْ كَتِفٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم [أَكَلَ كَتِفًا، أَوِ] انْتَهَسَ
(1)
مِنْ كَتِفٍ (عَرَقًا) ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ. وصَحَّحَهُ أحمد شاكر، والألبانيُّ.
[اللغة]:
(النَّهْسُ) بالمهملة: القبضُ على اللحم ونَتْره.
ونَهَسَ الطعامَ: تناولَ منه. ونَهَسَ اللحمَ يَنهَسُه نَهْسًا ونَهَسًا: انتزعه بالثنايا للأَكل. ونَهَسْتُ العَرَقَ وانتَهَسْتُه: إذا تَعَرَّقْتَه بمُقَدَّم أسنانك. ونَهَستُه وانتَهَستُه بمعنى.
وورد في بعض الروايات: "انتهش" بالمعجمة، وهو لغة في النهس.
وقيل: النهس: أَخْذ اللحم بأطراف الأسنان. والنهش: الأخذ بجميعها.
انظر (النهاية 5/ 285)، و (لسان العرب 6/ 244، 360).
[التخريج]:
[د 189 (واللفظ له) / حم 2467 (والرواية له)، 2524، 3403/ بز
(1)
كذا أُثبت في (سنن أبي داود) طبعة التأصيل وغيرها. ووقع في بعض النسخ و (التحفة 6551)، و (المعجم الكبير) للطبراني:"انتهش" بالشين المعجمة، وذكره الحافظ في (النكت الظراف مع التحفة 5/ 269) بلفظ:"نهش"، ثم خرجه من (مسند السراج) كأنه عند السراج هكذا، والله أعلم.
وفي بقية المصادر بالسين المهملة. وهما بمعنىً واحد عند قوم. وفَرَّق بينهما آخرون. انظر (اللغة).
5231 (والزيادة له) / طب (12/ رقم 12785) / طس 1175/ سراج (ظراف 5/ 269) / أصبهان (1/ 157) / لي (رواية البيع 273) / دبيثي (1/ 348)].
[التحقيق]:
جاء بهذه السياقة من ستة طرق:
الطريق الأول: أخرجه أبو داود -ومن طريقه ابنُ الدبيثي- قال: حدثنا حفص بن عمر النَّمَري، ثنا همام، عن قتادة، عن يحيى بن يَعْمَر، عن ابن عباس، به.
وأخرجه أحمد (2524) عن عفان. وأيضًا (3403) عن بهز. كلاهما عن همام بن يحيى، به.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير) من طريق حفص، وعمرو بن مرزوق. كلاهما عن همام، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، ورجاله ثقات رجال الصحيح؛ ولذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 346)، وأحمد شاكر في (تحقيقه للمسند 2524، 3403).
وذكر ابنُ حَجرٍ في (النكت الظراف 5/ 296) أن السراجَ رواه من طريق همام عن قتادة، وقرَن بين ابن يعمر وعكرمة، وهو محفوظ عن عكرمة من وجه آخر كما يلي.
الطريق الثاني: أخرجه أحمد (2467) عن حسين، ثنا جرير، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.
وإسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ، وصَحَّحَهُ أحمد شاكر أيضًا.
الطريق الثالث: أخرجه البزارُ (5231) عن أحمد بن عبدة قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، به.
وإسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ.
الطريق الرابع: أخرجه المحامليُّ (273) عن أبي هشام الرفاعي، عن أبي خالد الأحمر، عن أشعث بن سَوَّار، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، بنحوه.
وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ لضَعْفِ أشعث، ولِين أبي هشام.
الطريق الخامس: رواه أبو نُعَيمٍ في (أخبار أصبهان 1/ 157) من طريق خالد بن الهياج بن بسطام، عن أبيه عن رَوْح، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، به.
وإسنادُهُ ضعيفٌ كما تقدم قريبًا.
الطريق السادس: رواه الطبرانيُّ في (الأوسط 1175) من طريق إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس، به، وقال:"لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزهري إلا إسحاق بن راشد".
قلنا: وإسحاقُ يهمُ في الزهريِّ، ولا يُحتمل تفرده عنه.
رِوَايَةُ: أَكَلَ رَسُولُ اللهِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، ثُم صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ، وصَحَّحَهُ أحمد شاكر والألبانيُّ.
[التخريج]:
[جه 493/ حم 1994 (واللفظ له)].
[السند]:
رواه أحمدُ قال: حدثنا يحيى، عن ابن جريج قال: أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخُوَار قال: سمعتُ ابنَ عباسٍ يقولُ
…
فذكره.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله ثقات رجال الصحيح، ورواه ابنُ جُرَيجٍ بسياقٍ آخرَ كما سبقَ.
وبهذا السياقِ أخرجه ابنُ ماجه بإحالته على حديث عمرو بن أمية الضمري.
فرواه من طريق الزهري عن علي بن عبد الله بن عباس قال: وأنا أشهدُ على أبي بمثل ذلك.
يعني بمثل حديث عمرو بن أمية، ((أنَّه شَهِدَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه أَكَلَ طعامًا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، ثُم صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وإسنادُهُ صحيحٌ كما سبقَ ذكره عقب حديث عمرو بن أمية عند الشيخين.
رِوَايَةُ: يَأْكُلُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءِ بنِ عَلْقَمَةَ القُرَشِيِّ قَالَ: دَخَلْنَا بَيْتَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْنَا فِيهِ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ، فَذَكَرْنَا الوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ:((قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، ثُمَّ يُصَلِّي، وَلَا يَتَوَضَّأُ)). فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا: أَنْتَ رَأَيْتَهُ يَابنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنَيَهِ فَقَالَ: بَصُرَ عَيْنِي.
[الحكم]:
صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ فيه ضَعْفٌ.
[التخريج]:
[حم 2461 (واللفظ له) / طب (10/ رقم 10792)].
[السند]:
رواه أحمدُ قال: ثنا حسين، ثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة، به.
وأخرجه الطبرانيُّ من طريق سعيد بن أبي مريم، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ فيه ضَعْفٌ؛ عبد الرحمن بن أبي الزناد مختلفٌ فيه، والجمهورُ على تضعيفه، وهو الأظهر. انظر (تهذيب التهذيب 6/ 171 - 172).
قلنا: ولكنه قد توبع كما سبق عند مسلم وغيره.
وقال الألبانيُّ: "وهذا إسنادٌ حسنٌ"(السلسلة الصحيحة 2116).
بينما قال أحمد شاكر: "إسنادُهُ صحيحٌ"(تحقيقه المسند).
رِوَايَةُ: أَكَلَ مِنْ كَتِفٍ أَوْ ذِرَاعٍ
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْ كَتِفٍ أَوْ ذِرَاعٍ [مَشْوِيَّةٍ] (إِمَّا ذِرَاعًا مَشْوِيًّا، وَإِمَّا كَتِفًا) ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ [وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً])).
[الحكم]:
صحيحٌ، وصَحَّحَهُ أحمد شاكر.
[التخريج]:
[حم 2286 (والرواية والزيادة الثانية له)، 2341 (واللفظ له) / غحر (2/ 616) (والزيادة الأولى له)].
[السند]:
رواه أحمدُ (2286) قال: ثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا موسى بن عقبة، ثنا محمد بن عمرو بن عطاء، أنه سمع ابن عباس، به.
رواه أحمدُ (2341) من طريق عبد الله بن المبارك قال: أنا موسى بن عقبة، به.
ورواه الحربيُّ في (غريب الحديث) من طريق حاتم بن إسماعيل، عن موسى، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ صحيحٌ، رجاله ثقات رجال الصحيح، وصَحَّحَهُ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند.
رِوَايَةُ: أَكَلَ عُضْوًا:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عُضْوًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ حسنٌ، وصَحَّحَهُ أحمد شاكر.
[التخريج]:
[حم 3108 (واللفظ له) / طب (10/ رقم 10658) / غحر (3/ 915) / هقع 1322/ تمهيد (3/ 334)].
[السند]:
رواه أحمدُ قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا فُلَيْح، حدثني الزهري، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، به.
وأخرجه الحربيُّ والبيهقيُّ عن سُرَيْج
(1)
بن النعمان. والطبرانيُّ (10658) من طريق سعيد بن منصور. وابنُ عبدِ البَرِّ من طريق سعدويه. كلهم عن فُلَيْح
(2)
بن سليمان، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ حسنٌ؛ لأجل فُلَيْح بن سليمان، فهو مختلفٌ فيه، فضَعَّفه جماعةٌ، ولَيَّنه بعضُهم، ومشَّاه غيرُهم. وقال ابنُ حَجَرٍ:((صدوقٌ كثيرُ الخطأ)).
ورغم ذلك صَحَّحَ سندَهُ الشيخُ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند.
(1)
تحرف في المطبوع منهما إلى: "شريح"! وهذا رجل آخر من تابعي أهل الكوفة، يحدث عن علي، وهو أكبر من صاحبنا.
ولأجل تشابههما في الرسم ذكرهما الخطيب في (التلخيص 497، 498).
(2)
تحرَّفَ في المطبوع من المعرفة إلى: "فليج"!
قلنا: وعلى كلٍّ، فقد توبع، فرواه هشام بن عروة، عن الزهري عن عليٍّ بمعناه، وقد تقدم.
رِوَايَةُ: أَكَلَ مِنْ عَظْمٍ، أَوْ تَعَرَّقَ مِنْ ضِلَعٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْ عَظْمِ (كَتِفٍ)، أَوْ تَعَرَّقَ مِنْ ضِلَعٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[حب 1126 (والرواية له) / ش 527 (واللفظ له) / معر 513].
[السند]:
قال ابنُ أبي شيبةَ: حدثنا ابنُ عُلَيَّة، عن أيوبَ، عن وهب بن كَيْسان، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس، به.
ورواه ابنُ حِبَّانَ، وابنُ الأعرابيِّ من طريقِ ابنِ عُلَيَّةَ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله ثقات رجال الصحيحين، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ باعتمادِهِ في (صحيحه)، والألبانيُّ في (التعليقات الحسان 1128).
رِوَايَةُ: مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ كَانَ تَحْتَهُ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ: اجْلِسْ فَإِنَّ القِدْرَ قَدْ نَضَجَتْ. فَنَاوَلَتْهُ كَتِفًا [مَهْرِيَّةً
(1)
يَعْنِي: نَضِجَةً] 1 فَأَكَلَ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ [بِمِسْحٍ] 2 فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: ((أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ كَانَ تَحْتَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى)).
• وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَأْتِيهِ الجَارِيَةُ بِالكَتِفِ مِنَ القِدْرِ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فَيُصَلِّي، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
• وَفِي رِوَايَةٍ رَابِعَةٍ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يُعِدِ الوُضُوءَ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون ذِكر المسح، فشاذٌّ أو منكرٌ، وأشارَ البوصيريُّ لإعلالها.
[اللغة]:
قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: ((هكذا جاء في هذا الحديث تفسير (مَهْرِيَّةً)، وهو أَوْلى ما قيل في ذلك إن شاء الله. وذَكر أبو عبيد:(مُؤَرَّبَة) بالهمز، وفسَّرها أنها مُوفَّرة، ثم قال: هو مأخوذٌ من الإرْب، يعني العضو)) (التمهيد 3/ 346)، وانظر (الغريب لأبي عبيد 1/ 147).
قوله: (ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ): بكسر الميم، أي: كِساء (مرقاة المفاتيح
(1)
وقع في معجم الطبراني (11738): "مهرتة".
شرح مشكاة المصابيح، للقاري 1/ 368).
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حم 3012 (واللفظ له) / طب (11/ رقم 11738 - والزيادتان له ولغيره)].
تخريج السياقة الثانية: [د 188/ جه 491/ حب 1158/ عل 2352/ طب (11/ رقم 11739) / ش 526/ تمهيد (3/ 346 - والزيادة الأُولى له ولغيره) / شعب 5439].
تخريج السياقة الثالثة: [حم 2939].
تخريج السياقة الرابعة: [حم 2406].
[السند]:
أخرجه أحمدُ (3012) قال: حدثنا عبد الله بن الوليد، حدثنا سفيان، عن سِمَاك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، به، بلفظ السياقة الأولى.
وأخرجه أبو داود قال: حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص، عن سِمَاك، بلفظ السياقة الثانية.
ورواه أحمدُ (2939): عن حسين بن علي، عن زائدة، عن سِمَاك. بلفظ السياقة الثالثة.
ورواه أحمدُ (2406) حدثنا حسن بن موسى، حدثنا زهير، حدثنا سماك. بلفظ السياقة الرابعة.
ومدارُ الإسنادِ عند الجميع على سِمَاك بن حرب، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله ثقات، ولكن سماك بن حرب -وإن كان من رجال مسلم-
قد تُكلِّم في روايته عن عكرمة، فقال ابنُ حَجَرٍ:((صدوقٌ، وروايتُه عن عكرمةَ خاصة مضطربة)) (التقريب 2624).
قلنا: ولكن رواية الثوري، وشعبة، وأبي الأحوص، عن سِمَاكٍ مستقيمة كما سبقَ ذِكره في غيرِ هذا الموضع.
قال يعقوب بن شيبة: ((مَن سمع من سِمَاكٍ قديمًا مثل شعبة وسفيان، فحديثُهم عنه صحيحٌ مستقيمٌ)) (التهذيب 4/ 234).
وقال الدارقطنيُّ: ((سماكُ بنُ حربٍ إذا حَدَّثَ عنه شعبةُ، والثوريُّ، وأبو الأحوصِ، فأحاديثُهم عنه سليمة)) (سؤالات السلمي 179).
ولذا خرَّجه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه)، وصَحَّحَهُ أحمد شاكر في (تحقيقه للمسند 3014).
وقال الألبانيُّ: ((رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، إلا أنَّهم تكلَّموا في رواية سِماكٍ عن عكرمةَ؛ فذكروا أنها مضطربة، لكنهم استثنَوا من ذلك رواية سفيان وشعبة عن سِماكٍ عن عكرمةَ، فصَححوها، كما سبقَ بيانُه
…
فهذا الحديثُ من صحيحِ حديثِهِ؛ لأنه قد رواه سفيانُ أيضًا عنه" (صحيح أبي داود 1/ 345).
قلنا: ومما يدلُّ على ذلك أنهم إنما تكلَّموا في روايته عن عكرمةَ لأجل اضطرابه فيها، واختلاف أصحابه عليه في وصلها وإرسالها، وهذا لم يُختلف عليه فيه، بل اتَّفقوا عليه في وصله ورفعه، اللهم إلا ما علَّقه أبو عبيد في (الغريب 1/ 147) فقال:((يُروى عن حاتم بن أبي صغيرة عن سماك عن عكرمة يرفعه، أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِكَتِفٍ مُؤَرَّبَةٍ فَأَكَلَهَا وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). وحاتم ثقة، ولكن لم نجدْ مَن وصله عنه، ولا مَن أرسله غيره، فلا تُعَلُّ رواية الثوري
ومَن تابعه بمثلِ هذا التعليق.
ولكن حديث ابن عباس هذا قد جاء من طرقٍ عديدة في الصحيحين وغيرهما، وليس فيه هذه العبارة:((ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ كَانَ تَحْتَهُ))، وممن رواه عنه دونها: عطاء بن يسار، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وعلي بن عبد الله بن عباس، ويحيى بن يعمر، وعمر بن عطاء بن أبي الخُوَار، وسليمان بن يسار
…
وغيرهم.
وأشار لذلك البوصيريُّ فقال: ((رواه مسلمٌ في (صحيحه)، وأبو داود والنسائي، من حديثِ ابنِ عباسٍ، من غيرِ ذِكر مسح اليد)) (مصباح الزجاجة 1/ 70).
بل قد رواه جماعةٌ عن عكرمةَ -شيخ سماك في هذه الرواية- دون هذه الزيادة، وفيهم من هو مُقَدَّم على سِماك بمفرده:
فقد رواه أيوبُ السَّختياني وعاصم الأحول، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ، بلفظ:((انْتَشَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرَقًا مِنْ قِدْرٍ، فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)) أخرجه البخاريُّ، وقد سبقَ.
وأخرجه أحمدُ (2467) من طريق أيوب عن عكرمة بلفظ: ((انْتَهَسَ عَرَقًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ))، وسبقَ أيضًا.
وتابعهما داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابنِ عباسٍ:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى قِدْرٍ، فَانْتَشَلَ مِنْهَا عَظْمًا فَأَكَلَهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وكذا رواه غيرهم عن عكرمةَ به دون مسح اليد، ويمكن أن يُعَدَّ فيهم الإمام ابن سيرين، على ما حررناه بشأن روايته عن ابن عباس.
فتَفَرُّد سماك بهذا اللفظ -في حديث ابن عباس عامة، وعن عكرمة
خاصة- لا يُوَثَقُ به، بل هو دائرٌ بين الشذوذِ والنكارةِ.
وليس معنى سلامة حديثه عن عكرمة إذا رواه عنه الثوريُّ ومَن معه- أن يكون في درجة حديث أيوب أو عاصم، وهذا واضح.
فأما ما رواه صُغْدِيُّ بنُ سِنان، عن يونسَ، عن عطاء، عن ابن عباس، بلفظ:((وَمَسَحَ يَدَهُ بِالحَائِطِ))، فصغدي واهٍ، وروايته هذه منكرةٌ، فلا يُعتدُّ بها.
ووردَ المسحُ أيضًا من حديث عبد الله بن الحارث بن جَزْء، وفي سندِهِ ابنُ لهيعةَ. وغيره لم يذكره فيه كما سيأتي.
وورد من حديث جابر في (فوائد تمام)، وسندُهُ منكرٌ كما سيأتي.
رِوَايَةُ: تَعَرَّقَ عَظْمًا، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ((تَعَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَظْمًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَم يَمَسَّ مَاءً)).
[الحكم]:
صحيحٌ بما سبقَ، وصَحَّحَهُ أحمد شاكر.
[التخريج]:
[حم 3433 (واللفظ له) / طب (12/ رقم 12866)].
[السند]:
قال أحمدُ: حدثنا محمد بن سلمة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، به.
ورواه الطبرانيُّ من طرقٍ عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله ثقات رجال الصحيح؛ ولذا صَحَّحَهُ أحمد شاكر في (تعليقه على المسند). ولكن ابن سيرين لم يسمع ابن عباس، وقيل: إن الواسطةَ بينهما هو عكرمةُ. قاله شعبةُ وخالدٌ الحذَّاءُ. وعلى هذا فهو صحيحٌ أيضًا؛ للعلم بالواسطة، وأنه ثقةٌ، وقد سبقَ بنحوه عند البخاريٍّ من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن عباس، وذَكَر الحافظُ أن الإسماعيليَّ رواه من طريق ابن الطَّبَّاع عن حماد بن زيد، فأدخلَ بينهما عكرمةَ. وقد رواه أيوبُ وعاصمٌ عن عكرمةَ عنه بنحوه. وانظر (فتح الباري 9/ 546).
رِوَايَاتٌ تَدَلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ:
أولًا- رِوَايَةُ: لَقِيَتْهُ هَدِيَّةٌ، عُضْوٌ مِنْ شَاةٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ [زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]، فَجَعَلَ يَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ الوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، [وَيُضْرَبُ فِيهِ الأَمْثَالُ، وَيَقُولُ: إِنَّا نَسْتَحِمُّ بِالمَاءِ المُسَخَّنِ وَنَتَوَضَّأُ بِهِ وَنَدَّهِنُ بِالدُّهْنِ المَطْبُوخِ. وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِمَّا يُصِيبُ النَّاسَ مِمَّا قَدْ مَسَّتِ النَّارُ]، ثُمَّ قَالَ: ((لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي هَذَا البَيْتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ، فَجَاءَهُ المُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الحُجْرَةِ خَارِجًا مِنَ البَيْتِ لَقِيَتْهُ
(1)
هَدِيَّةٌ، عُضْوٌ مِنْ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (وَمَا مَسَّ مَاءً))).
[الحكم]:
صحيحٌ، وأصله عند مسلمٍ، فقد أخرجَ سندَهُ، ولم يَسُقْ متنه.
[التخريج]:
[عه 821 (مختصرًا) / طب (10/ رقم 10796 - مختصرًا) / مسن 793 (واللفظ له) / هق 721 (والزيادتان والرواية له)].
[التحقيق]:
رواه الطبرانيُّ (10796) قال: حدثنا جعفر بن أحمد السامي الكوفي، ثنا أبو كُرَيْب، ثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كَثير قال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء قال: كُنْتُ مَعَ ابنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: ((إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ،
(1)
في المطبوع من مستخرج أبي نعيم: "لَقِيَهُ"، والمثبت من معجم الطبراني وسنن البيهقي، وهو أليق بالسياق.
فَلَقِيَتْهُ هَدِيَّةٌ، عُضْوٌ مِنْ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). هكذا مختصرًا.
و(جعفر بن أحمد السامي) كذا هنا، ولعلَّ صوابه:(الشامي) بالمعجمة، وكذا جاء في مواضع أخرى عند الطبراني. وهو ثقة. وبقية الإسناد على شرط مسلم.
وقد توبع عليه جعفر:
فرواه أبو نُعَيمٍ في (المستخرج 793) عن أبي الشيخ الحافظ، عن محمد بن يحيى بن منده الحافظ، عن أبي كُريب، به، تامًّا دون الزيادات، ثم قال: "رواه مسلم عن أبي
(1)
كُريب".
قلنا: قد ساقَ مسلمٌ سندَهُ، وأحالَ بمتنه على معنى رواية ابنِ حَلحَلَةَ المخرجة آنفًا، فقال (359): وحدَّثناه أبو كُريب، حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كَثير، حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، قال: كُنْتُ مَعَ ابنِ عَبَّاسٍ
…
وساقَ الحديثَ بمعنى حديث ابنِ حلحلة، وفيه أنَّ ابنَ عباسٍ شَهِدَ ذلك منَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقال:(صَلَّى) ولم يقل: (بالنَّاسِ).
قلنا: وهكذا فَعَل أبو عَوانة، إلا أنه ساقَ بعضَ متنه، فرواه (821) عن أحمد بن عبد الحميد الحارثي قال: ثنا أبو أسامة، به بلفظ: ((كُنْتُ مَعَ ابنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي هَذَا الْبَيْتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ لَبِسَ ثِيَابَهُ.
وذكرَ بمعنى حديث ابنِ حَلْحَلَة، وفيه: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ شَهِدَ ذَلِكَ مِنَ
(1)
في المطبوع من المستخرج: "أبو"! ! والمثبت هو الصواب.
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقال: (صَلَّى) ولم يقلْ: (بالنَّاسِ).
وقد رواه البيهقيُّ من طريقِ الأصمِّ عن أحمد بن عبد الحميد الحارثي، عن أبي أسامة، به، تامًّا مع الزيادات، وعزاه لمسلم فقال:"رواه مسلم في الصحيح عن أبي كريب، عن أبي أسامة. وفيه دلالة على أن ابنَ عباسٍ شَهِدَ ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعُلِم بهذا أن سندَهُ صحيحٌ على شرطِ مسلم، بل قد ساقه بالفعل، غير أنه لم يَسُقْ متنه.
[تنبيه]:
الحديثُ رواه الطبرانيُّ عقب رواية جعفر عن أبي كُريب من طريقٍ آخرَ، فقال (10797): حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حَجاج بن المنهال، ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.
وطريق ابن إسحاق له سياقة أخرى مطولة، ستأتي عقب الرواية التالية.
ثَانِيًا- رِوَايَةُ: أَكَلَ كَتِفًا فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:((أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ حسنٌ.
[التخريج]:
[طب (11/ رقم 11508 - واللفظ له) / معل 80/ أصم 327].
[السند]:
أخرجه الطبراني في (الكبير) قال: حدثنا مُطَّلِب بن شعيب الأزدي، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث (ح) وحدثنا أبو الزنباع رَوْح بن الفرج، ثنا يحيى بن بُكير، حدثني الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.
ورواه أبو يعلى والأصم من طريق الليث، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ حسنٌ، رواه جماعةٌ منَ الثقاتِ عن الليثِ، فهو صحيحٌ عنه، ورجاله من الليث فصاعدًا رجال الصحيح، وكلهم ثقات، غير أن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة متكلَّمٌ في حفظه؛ ولذا قال ابنُ حَجَرٍ:"صدوقٌ ربما وهم"(تقريب 5247).
وله شاهدٌ في الصحيح من حديث ميمونةَ، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). وقد سبقَ في البابِ.
ثَالِثًا- رِوَايَةُ: لَقِيَتْهُ هَدِيَّةٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ (صَحْفَةٌ فِيهَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابنِ عَبَّاسٍ بَيْتَ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِغَدِ يَوْمِ الجُمُعَةِ.
قَالَ: وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ قَدْ أَوْصَتْ لَهُ بِهِ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى الجُمُعَةَ بُسِطَ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِ، فَجَلَسَ فِيهِ لِلنَّاسِ.
قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ -وَأَنَا أَسْمَعُ- عَنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ مِنَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: ((فَرَفَعَ ابنُ عَبَّاسٍ يَدَهُ إِلَى عَيْنَيْهِ -وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ- فَقَالَ: بَصُرَ عَيْنَايَ هَاتَانِ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ فِي بَعْضِ حُجَرِهِ (فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ) ثُمَّ دَعَا بِلَالٌ إِلَى الصَّلَاةِ، فَنَهَضَ خَارِجًا، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى بَابِ الحُجْرَةِ لَقِيَتْهُ هَدِيَّةٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ.
قَالَ: فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ، وَوَضَعْتُ لَهُمْ فِي الحُجْرَةِ.
قَالَ: فَأَكَلَ وَأَكَلُوا مَعَهُ. ثُمَّ قَالَ: ثُم نَهَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَمَا مَسَّ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مَاءً. قَالَ: ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ)).
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا عَقَلَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم آخِرَهُ.
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ قَالَ: ((كَانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ الجُمُعَةِ يُبْسَطُ لَهُ فِي بَيْتِ [خَالَتِهِ] مَيْمُونَةَ فَيَتَحَدَّثُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَخْبِرْنِي عَمَّا مَسَّتِ النَّارُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُخْبِرُكُ إِلَّا مَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي بَيْتِهِ، فَجَاءَ المُؤَذِّنُ فَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالبَابِ أُتِيَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، فَرَجَعَ بِأَصْحَابِهِ، فَأَكَلَ وَأَكَلُوا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ حسنٌ، وصَحَّحَهُ الشيخُ أحمد شاكر.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حم 2377 (واللفظ له) / طب (10/ رقم 10797 - ولم يَسُقْ متنَه) / تمهيد (3/ 343 - مختصرًا، والرواية له)].
تخريج السياقة الثانية: [عب 652 (والزيادة له) / طب (10/ رقم 10756 - واللفظ له)].
[التحقيق]:
رواه أحمدُ (2377) قال: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن عمرو بن عطاء بن عياش بن علقمة -أخو بني عامر بن لُؤَي- قال: دَخَلْتُ عَلَى ابنِ عَبَّاسٍ
…
فذكره مطولًا.
ووالد يعقوب هو إبراهيم بن سعد، ثقة حجة، وقد توبع:
فرواه الطبرانيُّ في (الكبير 10797)، وابنُ عَبْدِ البَرِّ في (التمهيد 3/ 343) من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، به، بلفظ:((كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَجَاءَ بِلَالٌ، فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَتْنَا هَدِيَّةٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا مَعَهُ، وَأَكَلَ وَأَكَلْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَلَاةِ وَلَمَّ يَمَسَّ مَاءً)).
وهذا لفظه في (التمهيد)، فأما الطبراني فلم يَسُقْ متنه، وأحال على رواية الوليد بن كثير المخرجة آنفًا.
وهذا إسنادٌ حسنٌ، رجاله ثقات رجال الصحيح عدا محمد بن إسحاق بن يسار؛ استشهدَ به الشيخان، وهو صدوقٌ مدلسٌ، وقد صرَّحَ بالتحديثِ عند
أحمدَ، وصَحَّحَهُ أحمد شاكر.
ونخشى أن يكون تصريحُه بالسماع وهمًا؛ فقد رواه عبد الرزاق -ومن طريقه الطبراني في (الكبير 10756) -، عن ابنِ جُرَيجٍ قال: سمعتُ محمد بنَ إسحاق يُحَدَّثُ عن خاله قال
…
فذكره بلفظ السياقة الثانية.
قال الطبراني: "وخال ابن إسحاق موسى بن يسار".
كذا قال، وهو وهمٌ عجيبٌ؛ فإن موسى بن يسار هو عمُّ ابن إسحاق، وليس بخاله، فجَلَّ مَن لا يسهو.
وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: "يقولون: (إن خال محمد بن إسحاق محمد بن عمرو بن حلحلة الدِّيلي) فإن كان كذلك فبين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء العامري في هذا الحديث- محمد بن عمرو بن حلحلة. ولمحمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أحاديث"(التمهيد 3/ 344، 345).
وعلى كُلٍّ فالحديثُ صحيحٌ بما سبقَ.
رِوَايَةُ: فَأُتِيَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا لَحْمٌ وَخُبْزٌ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (([عَجِبْتُ مِنْ نَاسٍ يَتَوَضَّئُونَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ،] 1 [وَاللهِ مَا أَحَلَّتِ النَّارُ
(1)
شَيْئًا قَطُّ وَلَا حَرَّمَتْ! وَاللهِ، لَـ] 2 ـرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأُتِيَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا لَحْمٌ وَخُبْزٌ، فَأَكَلَ مِنْهَا [وَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ] 3 وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ بما سبقَ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[طب (10/ رقم 10791) / طح (1/ 64) (والزيادة الأولى له) / تد (3/ 33) (والزيادة الثانية والثالثة له)].
[التحقيق]:
رواه الطبرانيُّ في (الكبير 10791) قال: حدثنا مُطَّلِب بن شُعيب الأزدي، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس، به.
ومطلب صدوقٌ، وفيه كلام لا يضر هنا. انظر (اللسان 7785).
وعبد الله بن صالح فيه لِين وضعف، وقد توبع:
فرواه الطحاويُّ من طريق أبي الأسود، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، به نحوه، غير أن فيه: ((وَاللهِ لَقَدْ جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ يَوْمًا ثِيَابَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِثَرِيدٍ فَأَكَلَ
…
)) إلخ.
(1)
) في المطبوع من التدوين: "النَّاسُ"، والمثبت هو الصواب، فالطبعة مليئة بالتحريف.
وابنُ لهيعةَ سيئُ الحفظِ، وكان يتلقنُ بأَخَرَةٍ.
وقد رواه القزوينيُّ في (التدوين) من طريق ابن أبي حبيب به. وفي السندِ قبله سقطٌ، فلم يظهر لنا مَن راويه عنه، هل هو أحد السابقين؟ أم غيرهما؟
ويشهدُ لهذه الرواية الروايات السابقة.
رِوَايَةُ: أُتِيَ بِكَتِفٍ مَشْوِيَّةٍ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:((أُتِيَ بِكَتِفٍ مَشْوِيَّةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا نُتَفًا (فَتَمَلَّى) ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ ذَلِكَ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بما سبقَ دونَ قولِهِ: ((فَتَمَلَّى))، وهذه الروايةُ سندُها ضعيفٌ، وضَعَّفَها أحمد شاكر.
[اللغة]:
قوله: ((نُتَفًا)): من قولك: أعطاهُ نُتفة من الطعام وغيره -بالضم-: شيئًا منه. وأفاد نُتَفًا من العلم. والنَّتفة -بالفتح-: النزعة الخفيفة (تاج العروس 6129).
[التخريج]:
[حم 2339 (واللفظ له)، 3295 (والرواية له) / طب (10/ رقم 10663) / طح 357 (ولم يَسُقْ متنه)].
[السند]:
رواه أحمدُ (2339) قال: ثنا عبد الوهاب الخَفَّاف قال: أنا محمد بن
الزبير، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس، به.
ورواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار) من طريق عبد الوهاب بسنده، ولم يَسُقْ متنه، محيلًا على ما قبله.
ورواه أحمدُ (3295)، والطبرانيُّ في (الكبير) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن محمد بن الزبير، به.
فمدار هذه الرواية على محمد بن الزبير.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ محمد بن الزبير هو التميمي الحنظلي، قال فيه الحافظ:"متروك"(التقريب 5885).
وقد اضطرب في متنه:
فمرة قال: ((فَأَكَلَ مِنْهَا نُتَفًا))، أي: شيئًا قليلًا.
ومرة قال: ((فَأَكَلَ مِنْهَا فَتَمَلَّى))، من الامتلاء.
والأول هو الموافقُ لمعظمِ الرواياتِ السابقة؛ ولذا قال أحمد شاكر في تعليقه على الموضع الأول: ((إسنادُهُ ضعيفٌ
…
ومعنى الحديث صحيح"، لكنه في الموضع الثاني أوهم ذلك أيضًا، حيث قال -بعد أن ضَعَّفَ سندَهُ-: "ومضى من طرق أخرى صحاح".
قلنا: نعم، ولكن دون قوله:((فَتَمَلَّى)).
رِوَايَةُ: دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَأَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا مِنْ لَحْمٍ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُحْدِثْ وُضُوءًا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون قوله: ((دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ
…
)) والمحفوظُ ما في الصحيحين أنه أكل في بيت ميمونة. وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ ضُبَاعَةَ [بِنْتِ الحَارِثِ] كَتِفًا [عَرَقًا]، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً))).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دونَ قوله: ((بيت ضُبَاعَةَ
…
)) والمحفوظُ ما في الصحيحين: ((أنَّهُ أَكَلَ في بيتِ ميمونةَ)). وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.
[الفوائد]:
قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ -عند شرح حديث عبدِ اللَّهِ بنِ عباسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ-:
((أَفَادَ القاضِي إسماعيلُ أن ذلك كان في بيتِ ضُبَاعَةَ بنتِ الزُّبَيْرِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ، وهي بنتُ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ويُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، كما سيأْتِي من حدِيثها، وهي خالةُ ابنِ عباسٍ، كما أَنَّ ضُبَاعَةَ بنتُ عَمِّهِ)) (فتح الباري 1/ 311).
قلنا: هذا إذا ثبتَ الحديثُ، أما وقد تبيَّن ضعفُ الحديثِ، فيبقى الصحيح من ذلك ما رواه الشيخان من أن ذلك كان في بيت ميمونة. والله أعلم.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حم 3287 (واللفظ له) / ناسخ 69].
تخريج السياقة الثانية: [طب (10/ رقم 10659 - والزيادتان والرواية
له)، 10661 (مختصرًا، وعنده الزيادة الأولى) / ناسخ 68 (واللفظ له) / مسند ابن عباس للقاضي إسماعيل بن إسحاق (مغلطاي 2/ 40)(مختصرًا، وعنده الزيادة الأولى)].
[التحقيق]:
مداره على علي بن عبد الله بن عباس، ورُوي عنه من طريقين:
الطريق الأول: رواه الحَجاج بن أرطأة، واختُلف عنه على وجهين:
الوجه الأول: أخرجه أحمدُ قال: ثنا يزيد -يعني ابنَ هارون- أنا الحَجاج، عن الحسن بن سعد، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، بلفظ السياقة الأولى.
وأخرجه ابنُ شاهين في (ناسخ الحديث ومنسوخه 69) من طريق يزيد بن هارون، به.
وهذا إسناد ضعيف؛ فيه حجاج بن أرطاة؛ روى له مسلم مقرونًا بغيره. وقال عنه الحافظ: "صدوق كثير الخطأ والتدليس"(التقريب 1119).
قلنا: وقد عنعن.
الوجه الثاني: رواه الطبرانيُّ في (الكبير 10661) من طريق مسدد.
وابن شاهين في (ناسخ الحديث ومنسوخه 68) من طريق علي بن حرب.
كلاهما عن أبي معاوية، عن الحَجاج بن أرطأة، عن سعد بن إبراهيم، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس، به، بلفظ السياقة الثانية.
وكذا رواه القاضي إسماعيل بن اسحاق من طريق أبي معاوية، كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي).
فجعل أبو معاوية شيخ الحجاج هو سعد بن إبراهيم، وليس الحسن بن سعد كما رواه يزيد.
وهذا أيضًا إسناد ضعيف؛ لضَعْف الحَجاج وعنعنته.
الطريق الثاني: رواه الطبرانيُّ في (الكبير 10659) قال: حدثنا عبد الرحمن بن سَلْم الرازي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جَده، به، بلفظ السياقة الثانية، وفيها ضُبَاعة بنت الحارث! !
وهذا إسناد رجاله رجال ثقات عدا سهل بن عثمان، وإن كان أحد الحفاظ إلا أن له غرائب كما قال ابنُ حَجَرٍ (التقريب 2664)، وهذا منها.
فالصحيح ما رواه مسدد وعلي بن حرب، عن أبي معاوية، عن حَجاج، كما تقدم.
قلنا: كلا الوجهين مع ضعفهما غير محفوظين؛ لأن المحفوظ عن علي بن عبد الله بن عباس ما رواه الزهري ومحمد بن علي بن عبد الله، عنه عن ابن عباس، قال:((إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عَرَقًا -أَوْ: لَحْمًا- ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)) رواه مسلم (354).
وجاء في الصحيحين (البخاري 210)، و (مسلم 356)، من حديث ميمونة أن ذلك حَدَثَ في بيتها. وهو الصواب.
رِوَايَةُ: وَمَسَحَ يَدَهُ بِالحَائِطِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِجَفْنَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ وَهُوَ يُرِيدُ صَلَاةَ المَغْرِبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((هَذَا رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إلَيْكُمْ قَبْلَ صَلَاتِكُمْ))، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يُمَضْمِضْ، وَلَمْ يَغْسِلْ يَدَهُ، وَمَسَحَ يَدَهُ بِالحَائِطِ.
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[عد (6/ 283) / محد (1/ 407) / أصبهان (2/ 323)].
[السند]:
رواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن ياسين، وأبو عروبة، قالا: حدثنا الوليد بن عمرو بن سُكَيْن، حدثنا صُغْدِيّ بن سِنان، حدثنا يونس بن عُبيد، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
ورواه أبو الشيخِ -وعنه أبو نُعَيمٍ- قال: حدثنا محمد بن جعفر الشعيري، قال: ثنا الوليد بن عمرو بن سكين
(1)
، قال: ثنا صغدي بن سنان، قال: ثنا يونس، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ صغدي كما في (اللسان 3928)، ولجهالة حال يونس وهو الأصبهاني، ترجم له أبو الشيخ وأبو نُعَيمٍ، وقال: "قيل: يونس
(1)
تحرَّف في (طبقات المحدثين) إلى: "سُفْيَانَ"، وجاء على الصواب في (أخبار أصبهان)، وهو المذكور في تلاميذ صغدي، وذكر في تلاميذه الشعيري.
ابن أبي عمر الأصبهاني"، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
رِوَايَةُ: ثُمَّ مَضْمَضَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَهُوَ يُريدُ الصَّلَاةَ، فَمَرَّ بِقِدْرٍ تَفُورُ، فَأَخَذَ مِنْهَا عَرَقًا -أَوْ: كَتِفًا- فَأَكَلَهُ، ثُمَّ مَضْمَضَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ، وإسنادُهُ ساقطٌ. والمحفوظُ عن ابن عباس في هذا الحديثِ أنه صلى الله عليه وسلم خرجَ إلى الصلاةِ دونَ أن يمسَّ ماء، لا توضَّأ ولا تمضمض.
[التخريج]:
[ش 528 (واللفظ له) / سراج (مغلطاي 2/ 39)].
[السند]:
قال ابنُ أبي شيبةَ: حدثنا هُشيم قال: أخبرنا جابر الجُعْفي، عن أبي جعفر، عن ابن عباس، به.
ورواه السَّرَّاجُ من طريقِ هُشيمٍ به. وأبو جعفر هو محمد الباقر.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ساقطٌ؛ جابر الجعفي متروكٌ متهمٌ، كما تقدَّم مرارًا.
وروايته هذه منكرةٌ، فقد سبقَ في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أَكَلَ ذلك، ثم خَرَجَ إلى الصلاة ولم يمسَّ ماءً. وصَرَّحَ في رواياتٍ أُخَر بأنه لم يمضمضْ. وقد سبقَ تحقيقها.
بل رواه أحمدُ (2153)، والطبرانيُّ في (الكبير 10741)، وابنُ شاهين
في (ناسخه 67) من طريق هُشيم به، دون ذكر المضمضة؛ ولذا ذكرنا هذه المواضع تحت رواية البخاري.
وقد رواه الجعفيُّ من وجه آخر بلفظ آخر كما في الرواية الآتية.
رِوَايَةُ: فِي المَسْجِدِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: ((أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَتِفِ شَاةٍ فِي المَسْجِدِ فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دونَ ذِكر المسجدِ. وإسنادُهُ واهٍ.
[التخريج]:
[طب (12/ رقم 12572 - واللفظ له) / حل (4/ 331)].
[السند]:
قال الطبرانيُّ: حدثنا محمد بن جابان الجُنْدَيْسابوري، ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي، حدثني أبي، ثنا أبو حمزة، عن جابر، عن الشعبي، عن ابن عباس، به.
ورواه أبو نُعَيمٍ من طريق ابن راهويه، قال: ثنا أحمد بن أيوب، عن أبي حمزة السُّكَّري، عن جابر، عن عامر، عن ابن عباس، به.
ثم قال: "رواه (علي بن الحسن)
(1)
بن شقيق، عن أبي حمزة نحوه".
(1)
وقع في المطبوع: " الحسن بن علي"! فإن لم يكن الخطأ من الناسخ، فقد انقلب اسمه على المصنف.
[التحقيق]:
إسنادُهُ واهٍ؛ لأجل جابر الجعفي كما تقدَّمَ، وقدِ انفردَ هنا بأمرين:
الأمر الأول: روايته له عن الشعبي؛ ولذا قال أبو نُعَيمٍ -عقبه-: "هذا حديثٌ غريبٌ من حديثِ الشعبيِّ، تَفَرَّدَ به أبو حمزةَ السكريُّ عن جابرٍ"ـ.
الأمر الثاني: ذِكره أن ذلك كان في المسجد. وقد سبقَ من طرقٍ صحيحةٍ وحسنةٍ أن ذلك كان في بيت ميمونة، وكذلك رواه الشيخان من حديث ميمونة كما تقدم.
رِوَايَةُ: فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ أُتِيَ بِعَرَقٍ
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ أُتِيَ بِعَرَقٍ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ [أَوْ] يَوْمَ النَّحْرِ، فَانْتَهَسَ
(1)
مِنْهُ [فَضْلًا] ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ، وإسنادُهُ ضعيفٌ. والمحفوظُ عن ابنِ عباسٍ في هذا الحديثِ أن ذلك كان في بيتِ ميمونةَ رضي الله عنها.
[التخريج]:
[طب (10/ رقم 10795 - واللفظ له) / طس 5320 (والزيادتان له)].
(1)
في المطبوع من الأوسط (فانتهش)، وقيل هما بمعنى. وانظر ما سطرناه تحت رواية أبي داود في الانتهاس من الكتف.
[السند]:
رواه الطبرانيُّ في (الكبير) قال: حدثنا محمد بن السَّرِي بن مِهْران الناقد البغدادي ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، قالا: ثنا عبد الله بن عمر بن أبان، ثنا عنبسة بن عبد الواحد، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن محمد بن عمرو، عن ابن عباس، به.
ورواه الطبرانيُّ في (الأوسط) عن محمد بن السري، عن عبد الله بن عمر بن أبان، به.
قال الطبرانيُّ: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلا أيوب بن عتبة، تَفَرَّد به عنبسة بن عبد الواحد".
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه أيوب بن عتبة اليمامي، وهو ضعيفٌ كما في (التقريب 619).
وقد جَعَل أيوب هذه الحادثة بمكة في حجة الوداع! ! والمحفوظُ من رواية الثقات أن ذلك كان في بيت ميمونة.
رِوَايَةُ: يَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ أَمْشَاجٌ مِنْ دَمٍ وَمَاءٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ ذِرَاعًا -أَوْ: كَتِفًا- مَشْوِيَّةً يَسْيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ أَمْشَاجٌ مِنْ دَمٍ وَمَاءٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ معلولٌ.
[التخريج]:
[عد (4/ 433) / سنن ابن أبي داود
(1)
(مغلطاي 2/ 39)].
[السند]:
قال ابنُ عَدِيٍّ: ثنا ابن حماد وعبد الله بن سليمان بن الأشعث قالا: ثنا موسى بن عامر، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي، حدثني داود بن علي، عن أبيه، عن جَده ابن عباس، به. وهو في سنن ابن أبي داود، وهو عبد الله بن سليمان بن الأشعث.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ داود بن علي بن عبد الله بن عباس قال فيه ابن معين: "أرجو أنه ليس يكذب"(الجرح 3/ 419)، وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 6/ 281) وقال:"يُخطئُ"، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"لا بأس برواياته عن أبيه عن جَده"(الكامل 4/ 438 - 439) وقال البزارُ: "لم يكن بالقويِّ في الحديثِ، على أنه لا يُتوهم عليه إلا الصدق"(المسند 11/ 395)، وقال الحافظُ:"مقبولٌ"
(1)
وقع في مطبوع شرح ابن ماجه: "وفي سنن أبي داود"!! سقط منه لفظة "ابن"، وقد رواه ابن عدي عن ابن أبي داود كما ذُكر أعلاه.
(التقريب 1802).
وموسى بن عامر: "صدوق له أوهام"(التقريب 6979)، وقد خُولف فيه؛ فرواه الحسين بن إدريس الهرويُّ الحافظُ، في (جزء من حديثه 16) عن عثمان بن إسماعيل الدمشقي، نا الوليد، نا الأوزاعي، عن داود بن علي، عن جَده، به. فأسقط منه عليًّا والد داود، فصارَ منقطعًا.
وعثمان هذا روى عنه جماعة، منهم ابن ماجه، ولا يُعْرَفُ فيه جرحٌ ولا توثيقٌ، وقال ابنُ حَجَرٍ:"مقبولٌ"(التقريب 4450). فليس هو بأحسن حالًا من ابن عامر.
وقد خالفهما جميعًا في سنده ومتنه دحيم الحافظ.
فقد رواه ابنُ ماجه (493) عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، ثنا الزهري، عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه، وعن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، كلاهما شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أَنَّهُ أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). وقد سبقَ تخريجُه والكلامُ على إسنادِهِ.
قال الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف رحمه الله: "وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي هو دُحيم الثقة الحافظ المتقن، ومن أئمة الجرح والتعديل، خالف موسى بن عامر، راويه عن الوليد عند ابنِ عَدِيٍّ، فجعله عنِ الأوزاعيِّ عنِ الزهريِّ عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه، وعن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه، وليس عنِ الأوزاعيِّ عن داود بن علي عن أبيه عن جده. ثم لم يأتِ بهذه اللفظةِ المنكرةِ جدًّا:((يَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ أَمْشَاجٌ مِنْ دَمٍ وَمَاءٍ))، ولم يتفرد بالحديث الأوزاعي عنِ الزهريِّ، فروى أصلَه عنه عن
جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه: عقيلُ، وصالح بن كيسان، وإبراهيم بن سعد، وشعيب بن أبي حمزة، ومعمر، ويونس، وعمرو بن الحارث، كما في (تحفة الأشراف 10700) " (أحاديث ومرويات في الميزان 3/ 170).
قلنا: وكذلك حديث ابن عباس.
فقد رواه ابنُ الجعد (3409) -ومن طريقه الطبرانيُّ في (الكبير 10660) - عن ابنِ ثوبانَ، عن داود بن علي، أن أباه أخبره عن جَده ابن عباس قال:((أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). ليس فيه تلك اللفظة المنكرة جدًّا.
وكذلك رواه الزهريُّ ومحمد -أخو داود- عن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس، به، دون ذكر إسالة الأمشاج على لحيته صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه غيرُ واحدٍ عن ابنِ عباسٍ بدونها كما تقدَّم ذكره.
فهذه الزيادةُ منكرةٌ جدًّا كما نصَّ عليه الشيخُ رحمه الله وطَيَّبَ ثَراه.
2226 -
حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ:
◼ عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه، قَالَ:((أَشْهَدُ لَكُنْتُ أَشْوِي لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَطْنَ الشَّاةِ [وَقَدْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ]، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيح (م).
[التخريج]:
[م 357 (واللفظ له) / كن 6835 (والزيادة له ولغيره) / ك 7297، 7298/ عه 822/ بز 3875 (والرواية له ولغيره) / طب (1/ 324، 328، 329/ 966، 979، 981، 984) / هق 727/ مسن 789/ تخ (3/ 106 - 107) / كما (15/ 250) / ني 713/ قا (1/ 44)].
[السند]:
قال مسلم: حدثني أحمد بن عيسى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، قال: وحدثني سعيد بن أبي هلال، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي غطفان، عن أبي رافع
…
به.
[التحقيق]:
تحقيق الزيادة:
أخرجها النسائيُّ في (الكبرى 6835) قال: أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب، قال: حدثنا الليث، عن خالد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ابن أبي رافع، عن أبي غطفان، حدثه عن أبي رافع، به.
وابنُ أبي رافع هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، كما جاء به مصرحًا في رواية مسلم.
وكذا رواه الحاكمُ في (المستدرك 7298) عن أبي العباس، أنبأ محمد بن
عبد الله بن الحكم، أخبرني أبي، وشعيب بن الليث، حدثنا الليث بن سعد، به
(1)
.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، كسابقه.
وقال الحاكم -عقبه-: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسنادِ على شرطِ الشيخين، ولم يخرجاه".
قلنا: وفيه نظر؛ فإن أبا غطفان المريَّ ليس من رجال البخاري، وإنما هو من رجال مسلم وحده، وقد أخرجه مسلم فلا وجه لاستدراكه.
وللحديث بنحو هذه السياقة طرق أخرى:
منها: ما رواه الطبرانيُّ في (الكبير 979) من طريق عبادل بن علي، عن عمر بن أبان، عن أبي غطفان، بنحوه.
ورواه الطبرانيُّ (984) من طريق حفص بن سليمان، عن سماك بن حرب، عن شُرَحْبيل بن سعد، عن أبي رافع، به.
وسندُهُما ضعيفٌ، وقد جاء من هذين الطريقين وغيرهما بألفاظٍ أُخَر، انظر الروايات التالية.
(1)
إلا أنه سقط من نسخ الحاكم: (عبد الله بن) فجاء كأنه من رواية والده (عبيد الله بن أبي رافع)، وقد صوبه محققو طبعة التأصيل من (الإتحاف).
وكذا وقع هذا الخطأ في (مسند الروياني 713)، وقد رواه من طريق عبد الله بن صالح عن الليث به. فإن لم يكن هذا من أخطاء النساخ، فهو من أوهام عبد الله بن صالح، فهو سيئ الحفظ.
رِوَايَةُ: ذَبَحْنَا لِرَسُولِ اللهِ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((ذَبَحْنَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةً، فَأَمَرَنَا فَعَالَجْنَا (فَقَلَيْتُ) لَهُ شَيْئًا مِنْ بَطْنِهَا، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ حسنٌ، وهو صحيحٌ بما قبله.
[التخريج]:
[حم 23855، 23868/ ني 712/ طب (1/ رقم 980) / كما (15/ 251)].
[السند]:
أخرجه أحمدُ (23855) قال: حدثنا أحمد بن الحَجاج، أخبرنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن عجلان، عن عَبَّاد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي غطفان، عن أبي رافع، به.
وفي (23868) قال: حدثنا علي بن بحر، حدثنا حاتم بن إسماعيل، به.
ورواه الرويانيُّ من طريق حاتم، به.
ورواه الطبرانيُّ والمزيُّ من طريق يحيى بن أيوب الغافقي، عن ابن عجلان، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ حسنٌ من أجل محمد بن عجلان، قال ابنُ حَجَرٍ فيه:((صدوقٌ، إلا أنه اختلطتْ عليه أحاديثُ أبي هريرة)) (التقريب 6136).
والراوي عنه حاتم بن إسماعيل: ((صحيحُ الكتابِ، صدوقٌ يهمُ)) (التقريب 994).
وقد تابعه يحيى بن أيوب الغافقي المصري.
[تنبيه]:
عَبَّاد هذا لقب عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، كان محمد بن عجلان يسميه عبادًا.
وسمَّاهُ في رواية الطبرانيِّ عبادل. وهو وهم من أحدِ الرواةِ؛ لأن عبادل هذا لقب عبيد الله بن علي بن أبى رافع المدني (لين الحديث).
والصحيحُ ما جاءَ عند أحمدَ أنه عباد؛ ولذلك أوردَ المزيُّ هذا الحديثَ من طريق يحيى بن أيوب، عن محمد بن عجلان، عن عباد من ولد أبي رافع
…
الحديث، وذلك في ترجمة عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع.
رِوَايَةُ: أَكَلَ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ كما سبقَ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[طب (1/ رقم 982 - واللفظ له)، 983/ طس 729].
[التحقيق]:
لهذه الرواية طريقان:
الطريق الأول:
رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 982)، و (الأوسط 729)، من طريقِ رَوْحِ بنِ القاسمِ، عن محمد بن المنكدر
(1)
، عن أبي رافع بلفظ:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وهذا إسنادٌ منقطعٌ؛ محمد بن المنكدر عن أبي رافع مرسل (تهذيب الكمال 26/ 505).
قلنا: وقد اختُلِفَ على ابنِ المنكدرِ اختلافًا كبيرًا. وسيأتي عند ذكر روايات جابر الاختلافات على محمد بن المنكدر فيه.
(1)
سقط (محمد بن المنكدر) من (المعجم الأوسط) المطبوع، قال محققه: كذا الإسناد بالأصل.
قلنا: وهو في الكبير بنفس سند الأوسط مع ذكر ابن المنكدر، فالظاهر أنه سقط من النساخ.
الطريق الثاني:
رواه الطبرانيُّ في (الكبير 983) قال: حدثنا الحسن بن العباس الرازي، ثنا عبد المؤمن بن علي، ثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، عن شرحبيل بن سعد، عن أبي رافع ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فشرحبيل بن سعد وَهَّاه مالكٌ، واتَّهمه بعضُهم، وضَعَّفه ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ، وقال ابنُ عَدِيٍّ وغيرُهُ:"هو إلى الضعف أقرب"(الكامل 6/ 181)، و (تهذيب التهذيب 4/ 321).
والراوي عنه أبو خالد الدالاني مختلفٌ فيه، ولخَّصَ حالَهُ الحافظُ بقوله:((صدوقٌ يُخطئُ كثيرًا، وكان يدلسُ)) (التقريب 8072).
رِوَايَةُ: ((وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((ذَبَحْنَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنَاقًا، فَأَكَلَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً، وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((ذَبَحْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةً بِشِظَاظٍ، وَشَوَيْتُهُ، فَأَكَلَ وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دونَ ذِكر المضمضة والشِّظَاظ. وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[طب (1/ رقم 944 - بلفظ السياقة الأولى، 945 - بلفظ السياقة الثانية)].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) من طريقين، عن مندل بن علي، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جَده، به.
الأول: رواه عن الحسين بن إسحاق التُّسْتَري، ثنا يحيى الحِماني عنه
…
به.
الثاني: رواه عن إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، ثنا إسماعيل بن عمرو البَجَلي عنه
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه علتان:
الأُولى: مندل بن علي؛ قال فيه ابنُ حَجَرٍ: "ضعيفٌ"(التقريب 6883).
الثانيةُ: محمد بن عبيد الله بن أبي رافع؛ قال فيه الذهبيُّ: "ضَعَّفُوهُ"(الكاشف 5022) وقال ابنُ حَجَرٍ: "ضعيفٌ"(التقريب 6106).
كما أن الإسنادَ إلى المدارِ لا يصحُّ:
أما الحِمَّاني فمتهمٌ بسرقةِ الحديثِ (التقريب 7591).
وأما البجليُّ، فصاحبُ غرائب ومناكير، وقد ضَعَّفه أبو حاتم والعُقيلي والدارقطني
…
وغيرهم. انظر (لسان الميزان 1/ 425).
رِوَايَةُ: وَأُتِيَ بِكَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَهَا
…
وَلَمْ يَمَسَّ قَطْرَةَ مَاءٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ: ((أنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأُتِيَ بِكَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَمَسَّ قَطْرَةَ مَاءٍ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بلفظِ ((الكتفِ))، والمحفوظُ ((بطن شاة)).
[التخريج]:
[حم 23867/ ش 533/ مش (خيرة 626/ 1) / تخ (3/ 106) / أثرم 163/ بز 3865/ طح (1/ 66/ 387) / طس 9141، 960/ طب (1/ رقم 959) / كر (21/ 300، 23/ 343)].
[التحقيق]:
لهذه الرواية أربعة طرق عن أبي رافع:
الطريق الأول: رواه أحمدُ، والبزارُ، والطبرانيُّ في (الكبير 960)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار) من طريق عبد العزيز الدراورديِّ.
ورواه البخاريُّ في (التاريخ الكبير)، والطبرانيُّ في (الكبير 959)، من طريقِ محمد بن جعفر الزرقي.
كلاهما عن عمرو بن أبي عمرو، عن المغيرة بن أبي رافع، عن أبي رافع، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلة الأولى: المغيرة بن أبي رافع، ذَكَره البخاريُّ في (التاريخ الكبير 7/ 317)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 8/ 218)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. بينما ذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 407)، وقال ابنُ حَجَرٍ في (التعجيل 2/ 278):"ذكره ابنُ حِبَّانَ في ثقات التابعين".
العلة الثانية: الاختلاف على عمرو بن أبي عمرو:
فرواه الدراوردي ومحمد بن جعفر عنه كما سبقَ، فسمَّى شيخه:(المغيرة بن أبي رافع).
وخالفهما سليمان بن بلال فقال: حدثني عمرو بن أبي عمرو، عن حُنَيْن بن أبي المغيرة، عن أبي رافع قال:((رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفًا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
وهذا إسنادٌ رجاله رجال الصحيح سوى حُنَين بن أبي المغيرة، ذكره البخاريُّ في (التاريخ الكبير 3/ 106)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3/ 286) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. بينما ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 4/ 187).
ولا نَرى هذا الاختلاف إلا مِن قِبل عمرو أبي عثمان.
فهو وإن كان من رجال الصحيح، ووَثَّقَهُ أبو زرعةَ والعجليُّ، وقال أحمدُ، وأبو حاتم، وابنُ عَدِيٍّ:((ليس به بأس، ولا بأس به)).
فقد قال يحيى بن معين: ((في حديثه ضَعْفٌ، ليس بالقويِّ، وليس بحجة، وعلقمة بن أبى علقمة أوثقُ منه)). وفي موضع: ((ليس بذاك القوي))، وفي موضع ثالث:((ضعيف)).
وقال أبو داود: ((ليس هو بذاك)).
وقال النسائيُّ: ((ليس بالقويِّ)).
وقال عثمانُ الدارميُّ -في حديث رواه في الأطعمة-: ((هذا الحديثُ فيه ضَعْفٌ من أجلِ عمرو بنِ أبي عمرو)).
وقال الساجيُّ: ((صدوقٌ إلا أنه يهمُ)). وكذا قال الأزديُّ.
وقال الطحاويُّ: ((تُكلِّمَ في روايته بغيرِ إسقاطٍ)). انظر (تهذيب الكمال 22/ 168 - 171)، و (تهذيب التهذيب 8/ 83).
وقال الجوزجانيُّ: ((مضطربُ الحديثِ)) (أحوال الرجال 206).
وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 185): وقال: ((ربما أخطأ، يُعتبر حديثه من رواية الثقات عنه)).
ولَخَّص حالَه ابنُ حَجَرٍ، فقال:((ثقةٌ ربما وهمَ)) (التقريب 5083).
قلنا: ومع اضطرابه، فقد وهم في متنه، حيث قال:((كتف شاة))، والمحفوظ:((بطن شاة)) كما سبقَ.
وأورد الدارقطنيُّ الخلاف -في (المؤتلف والمختلف 1/ 370)، فقال في ترجمة حنين-: فقال: ((حُنَين بن أبي المغيرة، عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم،
روى حديثه سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، عنه. واختُلف على عمرو بن أبي عمرو فيه، فقال الدراوردي ومحمد بن جعفر، عن عمرو، عن المغيرة بن أبي رافع)).
الطريق الثاني: رواه ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق 21/ 300) من طريق أبي بكر ابن المقرئ، أنا أبو يعلى، نا محمد بن إسماعيل بن أبي سَمِينة، نا محمد بن خالد الحنفي، نا سعيد بن مسلم بن بَانَك، عن عبادل عن عمر (! ) بن أبان عن أبي غطفان، عن أبي رافع قال:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْتَشَلَ كَتِفًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وسندُهُ ضعيفٌ، عبادل لقب عبيد الله بن علي بن أبي رافع، وهو لينُ الحديثِ (التقريب 4322).
وعمر بن أبان كذا وقع هنا، وكذا رواه الطبرانيُّ في (الكبير 979)، والبخاريُّ في (التاريخ الكبير 3/ 107) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، ثنا سعيد بن مسلم بن بانك، عن عبادل
(1)
بن علي بن أبي رافع، عن عمر بن أبان، عن أبي غطفان بن طَريف المُري، عن أبي رافع به.
ولفظُ الطبرانيِّ: ((أَنَّهُ شَوَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَحْمًا، وَأَكَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وابنُ أبي أويس فيه لين، وقد خالفه عبد العزيز بن عبد الله الأويسي أحد شيوخ البخاري الثقات، فسمَّاه (عمرو بن أبان بن عثمان)، رواه عنه البخاريُّ
(1)
وقع في مطبوع (التاريخ الكبير 3/ 107): "عباد"، والصواب المثبت كما في ترجمة عبيد الله بن علي، وقد جاء قبله بسطرين من رواية الأويسي على الصواب (التاريخ 3/ 106).
في (التاريخ الكبير 3/ 106)، وعمرو بن أبان هذا قال فيه ابنُ حَجَرٍ:"مقبولٌ"(التقريب 4985).
الطريق الثالث: رواه ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق) من طريق رَوْح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، عن أبي رافع بنحوه.
وهذا إسنادٌ منقطعٌ؛ محمد بن المنكدر عن أبي رافع مرسل. انظر (تهذيب الكمال 26/ 505).
الطريق الرابع: رواه الطبرانيُّ في (الأوسط) قال: حدثنا مسعدة بن سعد، ثنا إبراهيم بن المنذر، نا معن بن عيسى، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، ((أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَهَا، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وقال: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا هشام بن سعد، تَفَرَّدَ به معن بن عيسى)).
وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، سوى هشام بن سعد، متكلَّمٌ فيه مِن قِبل حفظه؛ ولذا قال الحافظُ:((صدوقٌ له أوهامٌ)) (التقريب 7294).
قلنا: ولكن هذا لا يضرُّهُ هنا؛ لأنه من روايته عن زيد بن أسلم، وقد قال أبو داود:((هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم)) (تهذيب الكمال 30/ 208).
وصَحَّحَ روايتَه هذه أبو حاتم؛ فقال ابنُه: ((وسألتُ أبي عن حديثٍ رواه الليثُ بنُ سعدٍ، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: ((أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لحمَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى ولم يَتَوَضَّأْ)). ورواه معن، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي رافع، عن
النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال أبي: جميعًا صحيحين
(1)
؛ حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن معن بن عيسى، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي رافع وابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ جَمَعَهُما)) (العلل لابن أبي حاتم 25).
رِوَايَةُ: فَمَرَّ بِقِدْرٍ لِبَعْضِ أَهْلِهِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّ بِقِدْرٍ لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِيهَا لَحْمٌ يُطْبَخُ، فَنَاوَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْهَا كَتِفًا، فَأَكَلَهَا وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ، وأنكره الألبانيُّ.
[التخريج]:
[حب 5277/ طب (1/ رقم 985) / عد (6/ 542)].
[السند]:
أخرجه ابنُ حِبَّانَ قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي مَعْشَر، قال: حدثتا محمد بن وهب بن أبي كريمة، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن شُرَحْبيل بن سعد الأنصاري، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، به.
(1)
قال محققو ((علل ابن أبي حاتم)): "كذا في جميع النسخ: ((صحيحين)) بياء قبل النون، والجادَّة أن يكون ((صحيحان))؛ لأنَّه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هما جميعًا صحيحان، وهو مثنًى؛ فكان حقُّه أن يرفعَ بالألفِ، لكنَّ ما في النسخِ صحيحٌ عربيةً، وله وجهان:
…
". ثم ذكروهما.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير)، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) من طريق محمد بن أبي بكر المُقدَّمي، ثنا عبد الله بن عَرَادة، ثنا سليمان بن أبي داود، عن شرحبيل بن سعد، به.
فمداره على شرحبيل بن سعد، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لأجل شرحبيل، وقد سبقَ بيانُ ما فيه، وقد شَذَّ بهذا السياقِ؛ إذ قوله:((فَنَاوَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْهَا كَتِفًا))، وكذا:((فَأَكَلَهَا وَهُوَ قَائِمٌ))، كلاهما منكر، ولا يُحفظان إلا من طريق هذا الضعيف.
قال الشيخُ الألبانيُّ: ((هذا إسنادٌ ضعيفٌ بمتنٍ منكرٍ، وله آفتان:
الأُولى: ضَعْفُ شرحبيل بن سعد الأنصاري، ضَعَّفَهُ الجمهورُ، وقال الذهبيُّ في (المغني):"اتَّهمه ابنُ أبي ذِئبٍ، وضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ وغيرُهُ".
والأُخرى: مخالفته للثقات الذين رووه عن أبي رافع مختصرًا -يَزيدُ بعضُهم على بعضٍ الشيء بعد الشيء-، ولم يذكر أحدٌ منهم قوله:((فَأَكَلَهَا وَهُوَ قَائِمٌ)).
إلى أن قال رحمه الله: ((وإذا علمتَ أن الحديثَ منكرٌ لا يصحُّ، فإنه يتبينُ لك بوضوحٍ سقوط ترجمة ابنِ حِبَّانَ له بقوله: (ذِكرُ الإباحةِ للمرءِ أن يأكلَ الطعامَ وهو قائمٌ).
واعلم أنه لا يوجد حديث في الأكلِ قائمًا غير هذا المنكر.
بل صَحَّ عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال: هو أشر وأخبث من الشرب قائمًا.
وقد نَهَى عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، كما في (صحيح مسلم) وغيره، وقد سبقَ تخريجُه
في المجلدِ الأولِ من (الأحاديث الصحيحة - رقم 177)، وقبله حديثان آخران يدلان على التحريم، فراجع إن شئتَ)) (السلسلة الضعيفة 6514).
رِوَايَةُ: أُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ، فَشُوِيَ لَهُ بَطْنُهَا:
• وَفِي رِوِايَةٍ: عن أبي رافعٍ قال: ((أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ، فَشُوِيَ لَهُ بَطْنُهَا، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً))).
[الحكم]:
صحيحٌ بما سبقَ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[حب 1145 (واللفظ له) / طب (1/ رقم 986 - والرواية له)].
[السند]:
قال ابنُ حِبَّانَ: أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي معشر، قال: حدثنا محمد بن وهب بن أبي كريمة، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن شرحبيل بن سعد الأنصاري، عن أبي رافع، به.
ورواه الطبرانيُّ عن الحسين بن إسحاق التستري، ثنا أبو المعافى الحراني، ثنا محمد بن سلمة، عن [أبي]
(1)
عبد الرحيم، به. وفيه:((فَشَوَيْتُ مِنْهَا، فَأَكَلَ مِنْهُ)).
وأبو عبد الرحيم هو خالد بن أبي يزيد الحراني.
(1)
سقط من مطبوع الطبراني، والصواب إثباته كما عند ابن حبان.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لأجل شرحبيل، وقد سبقَ بيانُ حاله.
رِوَايَةُ: طَبَخْتُ لَهُ بَطْنَ شَاةٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: ((طَبَخْتُ (أَصْلَحْتُ) لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَطْنَ شَاةٍ، فَأَكَلَ [مِنْهَا] ثُمَّ صَلَّى [الِعشَاءَ] وَلَم يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ بما سبقَ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[بز 3875 (واللفظ له) / طح (1/ 65/ 386 - والزيادتان له) / أثرم 167/ طب (1/ 324/ 966) / قا (1/ 44) (والرواية له)].
[السند]:
قال البزارُ: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: نا حماد بن خالد، قال: نا فائد، مولى عبيد الله بن أبي رافع، عن عبيد الله بن علي، عن جَدِّه رضي الله عنه، به.
ورواه الطحاويُّ والطبرانيُّ وابنُ قَانِعٍ من طريقِ القَعْنَبي، نا فائد، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لأجل عبيد الله بن علي بن أبي رافع، فهو لينُ الحديثِ كما تقدَّمَ آنفًا.
رِوَايَةُ: فَمَضْمَضَ فَاهُ، وَغَسَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ: ((أُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ، فَجَعَلَهَا فِي القِدْرِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا أَبَا رَافِعٍ؟»، فَقَالَ: شَاةٌ أُهْدِيَتْ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَطَبَخْتُهَا فِي القِدْرِ. فَقَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ يَا أَبَا رَافِعٍ»، فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الآخَرَ»، فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ الآخَرَ، ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الآخَرَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي ذِرَاعًا فَذِرَاعًا مَا سَكَتَّ»، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ فَاهُ وَغَسَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ، فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ لَحْمًا بَارِدًا فَأَكَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[حم 27195 (واللفظ له) / سنن ابن أبي داود (مغلطاي 2/ 50) ولم يَسُقْ متنه].
[التحقيق]:
قال أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، قال: حدثنا أبو جعفر -يعني الرازي-، عن شُرَحْبيل، عن أبي رافع، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: شرحبيل بن سعد، وتقدَّمَ بيانُ حاله فيما سبقَ.
الثانية: أبو جعفر الرازي، عيسى بن ماهان، متكلَّمٌ فيه لسوءِ حفظه.
وقد اختُلف عليه فيه:
فرواه ابنُ أبي داود من طريق سلمة بن الفضل، عن أبي جعفر، عن داود بن أبي هند، عن شرحبيل، عن أبي رافع به مطولًا، وقال:"هذا حديثٌ غريبٌ"(شرح ابن ماجه 2/ 50).
وسلمة هذا صدوق لكنه كثير الخطأ؛ ولذا قال الدارقطنيُّ في (العلل 1180): ((يرويه أبو جعفر الرازي، واختُلف عنه: فرواه سلمة بن الفضل، عن أبي جعفر الرازي، عن داود بن أبي هند، عن شرحبيل، عن أبي رافع. ورواه خلف بن الوليد وغيره، عن أبي جعفر، عن شرحبيل. لم يذكر بينهما أحدًا. وهو أشبه بالصواب)).
قلنا: والمحفوظُ في هذا الحديثِ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ من بطنِ الشاةِ وليس ذراعها. كما أن في هذه الروايات زيادات ليست فيما سبق من الصحيح، كقوله:((فَمَضْمَضَ فَاهُ، وَغَسَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ)).
2227 -
حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ وَابنِ عَبَّاسٍ
◼ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَابنِ عَبَّاسٍ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لَحْمَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيح، وصَحَّحَهُ أبو حاتم الرازي.
[التخريج]:
[علحا (1/ 432)].
[السند]:
قال أبو حاتم: حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن مَعْن بن عيسى، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي رافع وابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله ثقات، غير هشام بن سعد فمتكلَّمٌ فيه مِن قِبل حفظه، ولكن قال أبو داود:((هشام بن سعد أثبتُ الناسِ في زيد بن أسلم)) (تهذيب التهذيب 11/ 37).
ولذا صَحَّحَ روايتَه هذه أبو حاتم كما في (العلل لابنه 1/ 432).
2228 -
حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ
◼ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ (تَعَرَّقَ) كَتِفًا (كَتِفَ شَاةٍ)[عِنْدِي] فَجَاءَهُ بِلَالٌ، فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
[الحكم]:
صحيحٌ، وصَحَّحَهُ ابن خزيمة والألبانيُّ.
[التخريج]:
[ن 187 (واللفظ له) / كن 235/ جه 494/ حم 26502/ خز 47/ حق 1862، 1931 (والروايتان والزيادة له ولغيره) / ش 530/ طب (23/ 351/ 823، 824، 411/ 988) / عد (6/ 72) / تجر (1/ 367) / تمهيد (3/ 344) / مخلصيات 1212].
[السند]:
أخرجه النسائيُّ في (الصغرى)، و (الكبرى) قال: أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، به.
وأخرجه أحمد في (المسند) عن يحيى بن سعيد، عن جعفر، به.
وأخرجه إسحاق بن راهويه (1931) من طريق حفص بن غِيَاث، عن جعفر، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة -ومن طريقه الطبرانيُّ في الكبير (824) -، وابن راهويه، وابن ماجه من طريق حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ صحيحٌ، رجاله ثقات رجال الشيخين عدا جعفر بن محمد أبا عبد الله
الصادق، فمن رجال مسلم.
وصَحَّحَهُ ابنُ خزيمةَ، حيثُ أخرجه في (صحيحه) من طريق يحيى بن سعيد، به.
وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح سنن النسائي 1/ 65).
[تنبيه]:
1 -
وقع الإسناد في (المصنَّف) لابن أبي شيبة بالشكِّ هكذا: "عن علي بن حسين، أو حسين بن علي".
وقوله: "أو حسين بن علي" لم يَرِد عندَ الطبرانيِّ الذي خرَّجه من طريقِ ابنِ أبي شيبةَ! وروايته هي الصواب؛ لموافقتها رواية ابن راهويه وابن ماجه، وكذلك رواية يحيى بن سعيد القطان عند أحمد والنسائي، وحفص بن غياث عند ابن راهويه بدون ذكر الحسين بن علي في سندِهِ، وإنما من رواية علي بن الحسين عن زينب، به.
وهو ما صَحَّحَهُ الدارقطني في (العلل 3989) فقال: ((يرويه جعفر بن محمد، واختُلف عنه:
فرواه حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن زينب، عن أم سلمة. ووَهِم في قوله:"عن الحسين"، وإنما رواه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن حسين، عن زينب، عن أم سلمة. كذلك رواه سليمان بن بلال، ويحيى القطان، وحفص بن غياث، والسَّري بن عبد الله، وعلي بن غراب.
ورواه أبو جعفر الرازي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن حسين، عن أم سلمة. ولم يذكر فيه زينب. والصحيح قول من قال: عن
علي بن حسين، عن زينب)).
وكذا رجَّحَهُ ابنُ صاعد، ففي المخلصيات: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بزة، حدثنا علي بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين، أخبرنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن حسين بن علي رضي الله عنهما -قال ابن صاعد: كذا قال: وأراد علي بن حسين-، عن زينب، عن أم سلمة.
2 -
سقط من سند ابن أبي شيبة قوله: ((عن أم سلمة))، فصار الحديث عن زينب مرسلًا.
وقد رواه الطبرانيُّ من طريقِ ابنِ أبي شيبةَ موصولًا، وكذا جاءَ في بقية المصادر. فلعلَّ ما في (المُصنَّف) سَقْط قديم منَ النساخِ.
ولكن رواه ابنُ عَبْدِ البَرِّ في (التمهيد 3/ 344) من طريق مسدد، عن جعفر بن محمد، عن علي بن حسين، عن زينب بنت أم سلمة، مرسلًا.
فسقط منه راويان: صحابية الحديث، ومحمد بن علي والد جعفر. ولا أدري أهذا اختلاف على جعفر بن محمد، أم هو سقط من النسخة. ولم يذكر الدارقطني هذا الوجه المرسل ضمن الاختلاف الذي ذكره في سنده.
وعلى كُلٍّ فالمحفوظُ فيه هو ما أسندَهُ يحيى القطان ومَن تابعه. والله أعلم.
3 -
رواه حمزةُ السهميُّ في (تاريخ جرجان) من طريق حاتم بن إسماعيل ومحمد بن جعفر بن محمد وعبد الله بن ميمون، ثلاثتهم عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال محمد بن جعفر وعبد الله بن ميمون: عن علي بن الحسين. قالوا جميعًا: عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، به. وقال ابن ميمون ومحمد بن جعفر:((صلاة العصر))، قال السهميُّ: قال لنا
ابنُ عَدِيٍّ: ((إنما يُستغرب من رواية محمد بن جعفر عن أبيه. وحاتم بن إسماعيل ثقة. وعبد الله بن ميمون مولى جعفر بن محمد ضعيف)) (تاريخ جرجان 1/ 367).
رِوَايَةُ أَنَّهَا قَرَّبَتْ جَنْبًا مَشْوِيًّا
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّهَا قَرَّبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَمَا تَوَضَّأَ)).
[الحكم]:
معلٌّ من هذا الوجهِ، أشارَ لإعلاله النسائيُّ والبزارُ.
[التخريج]:
[ت 1936 (واللفظ له) / ن 188/ كن 236، 4881، 4882/ حم 26622/ عل 6985/ عب 644/ طح 364/ هق 729، 730/ طش 339/ طب (23/ 285/ 386، 626/ 922) / بغ 2846/ نبغ 941/ شما 165/ منذ 127/ كر (4/ 237)].
[السند]:
أخرجه عبدُ الرزاقِ -وعنه أحمدُ، قَرَنه بابنِ بكرٍ البُرْسَاني ورَوْح بن عُبَادة- عن ابنِ جُرَيجٍ قال: أخبرني محمد بن يوسف، أن عطاء بن يسار أخبره، أن أمَّ سلمةَ زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أخبرته، به.
وأخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 626) والبيهقيُّ في (الكبرى) من طريق عبد الرزاق، به.
وأخرجه الترمذيُّ في (جامعه)، والنسائيُّ في (الكبرى 4882)، وابنُ المنذرِ في (الأوسط) من طريق حَجاج بن محمد المِصيصي، عن ابنِ جُرَيجٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات معروفين، عدا محمد بن يوسف؛ فاثنان في هذه الطبقة، كما سبقَ وبينا تحت ((باب الوضوء مما مسته النار)).
وكلا الرجلين يَروي عنه ابنُ جُرَيجٍ، وكلاهما ثقة كما تقدَّم، ولكن اختُلف على محمد بن يوسف في إسنادِهِ، فرواه عنه ابنُ جُرَيجٍ وابنُ عونٍ:
أما ابنُ جُرَيجٍ: فاختُلفَ عليه على ثلاثةِ أوجهٍ:
الوجه الأول: عن ابنِ جُرَيجٍ، عن محمدِ بنِ يوسفَ، عن سليمانَ بنِ يسارٍ، عن أُمِّ سلمةَ، بِلَفْظِ:((أَنَّهَا قَرَّبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَنْبًا مَشْوِيًّاـ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
رواه النسائيُّ في (السنن 188)، و (الكبرى 236، 4881) من طريق خالد بن الحارث، قال: حدثنا ابنُ جُرَيجٍ، قال: حدثني محمد بنُ يوسفَ، به.
ورواه أبو يعلى (6985)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 65) من طريق عثمان بن عمر.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير 23/ رقم 386)، وابنُ عساكر في (تاريخه 4/ 237) من طريقين عن أبي عاصم.
كلاهما عن ابنِ جُرَيجٍ، به.
الوجه الثاني: عن ابنِ جُرَيجٍ، عن محمدِ بنِ يوسفَ، أن عطاءَ بنَ يسارٍ،
أخبرَهُ أن أُمَّ سلمةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا ((قَرَّبَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَنْبًا مَشْوِيًّا، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)) فأبدلَ عطاء بن يسار بسليمان بن يسار.
رواه أحمدُ (26622) حدثنا عبد الرزاق وابن بكر، قالا: أخبرنا ابنُ جُرَيجٍ وروحٌ، حدثنا ابنُ جُرَيجٍ، قال: أخبرني محمد بن يوسف، به.
ورواه الترمذيُّ في (جامعه 1936)، و (الشمائل 164)، وغيره، من طريق حجاج بن محمد، عن ابنِ جُرَيجٍ، به.
الوجه الثالث: عن ابنِ جُرَيجٍ، عَنْ محمدِ بنِ يوسفَ، عن سليمانَ بنِ يسارٍ، عنِ ابنِ عباسٍ، ((أَنَّهُ مَرَّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مِمَّ تَوَضَّأْتُ؟ تَوَضَّأْتُ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ». فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
هكذا رواه البزارُ قال: حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابنُ جُرَيجٍ، به.
بينما رواه عن ابنِ جُرَيجٍ جماعة، فلم يذكروا المرفوع عن أبي هريرة، وهم:
1 -
عبد الرزاق (648) -وعنه أحمدُ (3464)، وغيره-.
2 -
محمد بن بكر البرساني، كما عند أحمدَ (3464).
3 -
خالد بن الحارث، كما عند النسائيِّ في (السنن 189)، و (الكبرى 237)، واختصرَ متنه بلفظ:((أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا))، ولم يذكرْ قصةَ ابنِ عباسٍ مع أبي هريرةَ.
4 -
مَخْلَد بن يَزيد، كما عند أبي يعلى في (مسنده 2733)، ولفظه بنحو لفظ النسائيِّ مطولًا.
5 -
عبد الوهاب بن عطاء، كما عند البيهقيِّ في (السنن الكبير 747)، وقال في إسناده: عن محمد بن يوسف مولى عثمان، ولكن عبد الوهاب فيه ضَعْفٌ، وقال ابنُ حَجَرٍ:((صدوقٌ ربما أخطأَ)) (التقريب 4262).
فرواه خمستُهم عن ابنِ جُرَيجٍ بسندِهِ، لم يقولوا:«تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» ، فنراها شاذَّةً من هذا الوجه. والله أعلم.
قلنا: مدار الأوجه الثلاثة كما سبقَ عن ابنِ جُرَيجٍ، وقد اختُلِفَ عليه في إسنادِهِ ومتنِهِ: فمرة يجعل الحديث عن ابن عباس. ومرة عن أم سلمة. ومرة يجعله عن عطاء بن يسار. ومرة عن سليمان بن يسار.
وقد أشارَ البزارُ لهذا الاختلافِ فقال: ((وهذا الحديثُ إنما ذكرناه لاختلافهم في إسنادِهِ، فقال بعضُ مَن رواه: عن سليمان بن يسار عن بعضِ أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم)(المسند 11/ 435).
وكذا أشارَ النسائيُّ لهذه المخالفة، فقال -عقب رواية خالد بن الحارث عن ابنِ جُرَيجٍ، عن محمد بن يوسف، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة-:((خالفه الحجاج بن محمد الأعور))، ثم أسندَ طريقَ حجاجٍ، قال: قال ابنُ جُرَيجٍ: أخبرني محمد بن يوسف، أن عطاء بن يسار أخبره أن أم سلمة، به.
قلنا: قد يكون هذا الاختلاف من محمد بن يوسف نفسه؛ لأنه قد رُوي عنه على وجهٍ آخر، وهي رواية ابن عون التي أشرنا إليها آنفًا.
فقد رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 25/ 127/ 308): حدثنا عبد الله
ابن أحمد بن حنبل، ثنا الصلت بن مسعود الجَحْدري، سليم بن أخضر، عن ابن عون -وهو عبد الله- عن محمد بن يوسف، عن أم سليم قالت:((قَرَّبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا مَشْوِيَّةً، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وهذا إسنادٌ رجاله ثقاتٌ، ولكنه منقطعٌ بين محمد بن يوسف وأم سليم؛ فإنها تُوفيتْ في خلافةِ عثمانَ رضي الله عنه كما في (التقريب 8737). ومحمد بن يوسف الكِنْدي تُوفي سنة أربعين ومائة. فبين وفاتيهما أكثر من مائة عام. وهو من الطبقة الخامسة طبقة صغار التابعين، فبذلك لم يدركها. ومحمد بن يوسف القرشي من الطبقة السادسة الذين عاصروا صغار التابعين؛ فهو أبعد من إدراكها.
قلنا: ومع هذا الاختلاف على محمد بن يوسف في إسنادِهِ فقد خولف، كما ذكرَ النسائيُّ في (السنن الكبرى 7/ 69) فقال:((خالفه زيد بن أسلم))، ثم أسندَ عن قتيبةَ بنِ سعيدٍ قال: عن مالكٍ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عنِ ابنِ عباسٍ، ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
قلنا: وهذا أرجحُ من طريق ابن يوسف؛ لعدم الاختلاف على زيدٍ في إسنادِهِ. بينما اختُلف على محمد بن يوسف، كما تقدَّم؛ ولذا اعتمدَ البخاريُّ، ومسلمٌ في (صحيحيهما) روايةَ زيدِ بنِ أسلمَ؛ فأخرجه البخاريُّ في (صحيحه 207)، ومسلمٌ (354) من طريقِ مالكٍ عن زيدِ بنِ أسلمَ، به. كما أورده النسائيُّ.
قلنا: ونَظَر بعض العلماء لظاهر إسناد أم سلمة فصححوه:
فقال الترمذيُّ: ((هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجهِ)).
وقال ابنُ حَجَرٍ: ((سندُهُ حسنٌ)) (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/ 41).
وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح الترمذي 2/ 310).
رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عن عبدِ اللهِ بنِ شَدَّادِ بنِ الهادِ قال: قال أبو هريرَةَ: ((الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)). [فَذَكَرْتُ ذَلِكَ -أَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ- لمِرْوَانَ] 1 فَقَالَ مَرْوَانُ: وَكَيْفَ يُسْأَلُ أَحَدٌ وَفِينَا أَزْوَاجُ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَأُمَّهَاتُنَا؟!
قَالَ: فَأَرْسَلَنِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ:((أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَوَضَّأَ [فَنَشَلْتُ لَهُ] 2 فَنَاوَلْتُهُ عَرَقًا -أَوْ: كَتِفًا-، [فَانْتَهَسَ عَظْمًا] 3 فَأَكَلَ [مِنْهَا] 4، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً))).
[الحكم]:
صحيحٌ، وصَحَّحَهُ مغلطاي.
[التخريج]:
[كن 6656 (والزيادة الثانية والرابعة له ولغيره) / حم 26612 (والرواية له ولغيره)، 26710 (والزيادة الأولى والثالثة له ولغيره)، 26696، 26741/ عل 7005/ عب 650 (واللفظ له) / ش 529/ طب (23/ 286/ 628 - 630) / حق 1900، 1901، 1902/ جعد 613/ طح 362، 363/ تمهيد (3/ 344) / كم (1/ 29 - 30) / حل (7/ 102) / منيع (خيرة 630/ 1) / أثرم 160/ تخ (5/ 115) / استذ (1/ 178) / مغلطاي (2/ 48)].
[السند]:
أخرجه عبدُ الرزاقِ عن الثوريِّ، عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي قال: حدثنا عبد الله بن شداد، به.
وأخرجه أحمدُ وغيرُهُ من طرقٍ عن الثوريِّ، به.
وأخرجه أحمدُ والنسائيُّ في (الكبرى) وغيرهما، من طرقٍ عن شعبةَ، عن
أبي عون، به.
وقال أحمد: "لم يسمعْ سفيانُ من أبي عون إلا هذا الحديث"(المسند 26612).
[التحقيق]:
إسنادُهُ صحيحٌ، ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.
وقال أبو نُعَيمٍ في (الحلية): ((مشهورٌ من حديثِ الثوريِّ)).
وقال مغلطاي: ((وهو سندٌ صحيحٌ)) (شرحه على سنن ابن ماجه 2/ 48).
2229 -
حَدِيثُ جَابِرٍ
◼ عَنْ سَعِيدِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما:((أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: لَا، قَدْ كُنَّا زَمَانَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الطَّعَامِ إِلَّا قَلِيلًا، فَإِذَا نَحْنُ وَجَدْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنَادِيلُ إِلَّا أَكُفَّنَا وَسَوَاعِدَنَا وأَقْدَامَنَا، ثُمَّ نُصَلِّي وَلَا نتَوَضَّأُ)).
[الحكم]:
صحيح (خ).
[التخريج]:
[خ 5457 (واللفظ له) / جه 3304 (مختصرًا) / كما (12/ 139) 2589/ ضح (2/ 417، 420) / معيل (الفتح 9/ 579) / حداد 301].
[السند]:
أخرجه البخاري قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثني محمد بن فُلَيْح قال: حدثني أبي، عن سعيد بن الحارث، عن جابر بن عبد الله، به.
[تنبيه]:
قال ابنُ حَجَرٍ: ((أخرجه ابن ماجه من رواية ابن وهب، عن محمد بن أبي يحيى، عن أبيه، عن سعيد. فجزم أبو نُعَيمٍ في (المستخرج) بأن محمد بن أبي يحيى هو ابن فليح؛ لأن فليحًا يكنى أبا يحيى، وهو معروف بالرواية عن سعيد بن الحارث. وقال غيره: هو محمد بن أبي يحيى الأسلمي، والد إبراهيم، شيخ الشافعي، واسم أبي يحيى سمعان. وكأن الحامل على ذلك كون ابن وهب يَروي عن فليح نفسه، فاستبعد قائل ذلك أن يَروي عن ابنه محمد بن فليح عنه، ولا عجب في ذلك. والذي ترجح
عندي الأول؛ فإن لفظهما واحد)) (فتح الباري 9/ 579).
قلنا: وجزم بأنه ابن فليح أيضًا الخطيب البغدادي في (الموضح).
وأما المزيُّ فذكرَ الحديثَ في ترجمة سمعان أبي يحيى الأسلمي. والظاهرُ أنه هو الذي عَنَاه الحافظُ بقوله: "وقال غيره
…
".
والحديثُ رواه الإسماعيليُّ في (مستخرجه) من طريق أبي عامر، عن فُلَيْح، عن سعيدٍ، قلتُ لجابرٍ: هل عليَّ فيما مَسَّتِ النَّارُ وضوء؟ (فتح الباري 9/ 579).
وأبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العَقَدي: ثقة، وقد رواه عن فليح؛ مما يدل على أن أصل الحديث عند فليح. والله أعلم.
والحديث استغربه ابن ماجه في سننه.
وضَعَّفه الألبانيُّ؛ لضَعْف فُلَيْح عنده، وخاصة فيما ينفرد به، وهذا منه.
وقال رحمه الله: بل قد جاء الحديثُ من طرقٍ أُخْرَى عن جابرٍ في ترك الوضوء مما مسَّته النارُ، وليس فيها هذا الذي فى حديث فليح من المناديل! (السلسلة الضعيفة 5675).
2230 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ:
◼ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ يَقُولُ: ((كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ الخُبْزَ وَاللَّحْمَ، ثُم نُصَلِّي وَلَا نَتَوَضَّأُ)).
[الحكم]:
صحيحٌ، وصَحَّحَهُ الضياءُ المقدسيُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[حب 1653 (واللفظ له) / بشن 112/ ضيا 190، 191/ كما (11/ 430) / صبغ 1673].
[السند]:
أخرجه ابنُ حِبَّانَ قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث قال: حدثنا سليمان بن زياد الحضرمي، أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جَزْء، به.
وأخرجه البغويُّ في (معجم الصحابة) قال: حدثني أحمد بن عيسى بن حسان التستري المصري، نا عبد الله بن وهب، به.
وأخرجه ابنُ بشران في (أماليه) من طريق أحمد بن عيسى.
وأخرجه الضياءُ في (المختارة 191)، والمزيُّ في (التهذيب) من طريقِ الطبرانيِّ، ثنا مسعدة بن سعد العطار، ثنا إبراهيم بن المنذر، كلاهما عن ابن وهب، به.
فمداره عندهم على ابن وهب، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ صحيحٌ، رجاله كلهم ثقات من ابن وهب إلى منتهاه. وقد رواه عن ابنِ وهبٍ جماعةٌ، فيهم الثقة والصدوق.
وصَحَّحَ إسنادَهُ الألبانيُّ في (الصحيحة 5/ 152)، و (التعليقات الحسان 1655).
وشطره الأول بدون ذكر الوضوء والصلاة أخرجه ابنُ ماجه (3322)، وغيرُهُ بسندٍ صحيحٍ، جوَّدَهُ ابنُ رجبٍ وابنُ مُفْلحٍ، وحَسَّنه البوصيريُّ. وسيأتي تخريجُه بتوسعٍ في (باب الأكل في المسجد).
قلنا: ولابنِ وهبٍ فيه إسنادٌ آخرُ، انظر الرواية الآتية.
رِوَايَةُ زَادَ: ((فِي الصُّفَّةِ))
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصُّفَّةِ (فِي المَسْجِدِ) فَوُضِعَ لَنَا طَعَامٌ فَأَكَلْنَا، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّيْنَا وَلَمْ نَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحٌ، وصَحَّحَهُ الضياءُ المقدسيُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[حم 17705 (واللفظ له) / طب (مغلطاي 2/ 49) / طس 6320 (والرواية له) / ضيا (9/ 207/ 192، 193) / حل (2/ 6) / أسد (3/ 199)].
[السند]:
أخرجه أحمدُ -ومن طريقه الضياءُ في (المختارة) -قال: ثنا هارون- قال أبو عبد الرحمن: وسمعتُ أنا من هارون - قال: ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني حَيْوة بن شُرَيْح قال: أخبرني عقبة بن مسلم، عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء، به.
وأخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) -ومن طريقه الضياء في (المختارة) - قال: ثنا عبد العزيز بن مِقلاص. ورواه أبو نُعَيمٍ في (الحلية) من طريق حرملة، كلاهما عن ابن وهب، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ صحيحٌ، هارون هو ابنُ معروفٍ، ثقة من رجال البخاري، وتابعه ابن مقلاص، وهو من كبار أصحاب ابن وهب، وَثَّقَهُ ابنُ يونسَ، وصَدَّقه أبو حاتم (طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة 12)، و (تاريخ الإسلام، للذهبي 17/ 254)، وتابعهما حرملة بن يحيى وهو ثقة. وبقية رجاله
ثقات.
ولذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (الثمر المستطاب 2/ 834)، و (صحيح أبي داود 1/ 350).
وتوبع عليه ابن وهب:
فرواه الطبرانيُّ في (الأوسط) من طريق محمد بن بِشر التِّنيسي، عن حَيْوة، به.
ومحمد بن بِشْر هذا قال عنه الحاكم: "ليس بالقوي عندهم"(سؤالات السجزي 248).
[تنبيه]:
ذَكَر مغلطاي هذا الحديث في شرحه على سنن ابن ماجه، وقال:"وهو حديثٌ ألزمَ الدارقطنيّ الشيخين إخراجه"(2/ 49).
كذا قال، وهو وهم؛ وإنما ذَكَر الدارقطني في (الإلزامات، صـ 103) حديثًا واحدًا لعبد الله بن الحارث بن جزء، من رواية يزيد بن أبي حبيب عنه، وهو حديث: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ
…
»، وهو ما ذكره الشيخُ مقبل في حاشيته على (الإلزامات، صـ 103/ حاشية 2).
وأما حديثنا هذا فلم يروه يزيد بن أبي حبيب أصلًا.
رِوَايَةُ: فَمَسَحْنَا أَيْدِيَنَا بِالحَصْبَاءِ
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((أَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فِي المَسْجِدِ، لَحْمًا قَدْ شُوِيَ، فَمَسَحْنَا أَيْدِيَنَا بِالحَصْبَاءِ (أَدْخَلْنَا أَيْدِيَنَا فِي الحَصَى) ثُمَّ قُمْنَا فَصَلَّى وَلَمْ يتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون قوله: ((فَمَسَحْنَا أَيْدِيَنَا بِالحَصْبَاءِ))، فهو ضعيفٌ بهذه الزيادةِ، وضَعَّفه البوصيريُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[جه 3333 (واللفظ له) / حم 17702 (والرواية له)، 17709/ عل 1541/ طح 374/ مفا 53/ بغ 2850/ مصر (صـ 328) / كما (11/ 429) / أسماء من دخل مصر من الصحابة لأبي عبد الله محمد بن الربيع بن سليمان الجيزي (تخريج أحاديث إحياء علوم الدين/ ط. دار العاصمة (1/ 282)].
[السند]:
أخرجه ابنُ ماجه قال: حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا يحيى بن بُكَيْر، حدثنا ابن لَهيعة، أخبرني سليمان بن زياد الحضرمي، عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي، به.
وأخرجه أحمد (17702) عن الحسن بن موسى، و (17709) عن موسى بن داود.
ورواه أبو يعلى في (المسند)، و (المفاريد) من طريق المُفضَّل بن فَضَالة.
ورواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار) من طريق نصر بن عبد الجبار.
ورواه البغويُّ في (شرح السنة) من طريق ابن أبي مريم.
كلهم عن ابن لهيعة، عن سليمان بن زياد - وقرنه موسى بن داود بخالد بن أبي عمران، كلاهما عن عبد الله، به.
ومدار الإسناد عند الجميع على عبد الله بن لهيعة به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلة الأولى: عبد الله بن لهيعة، فقد سبقَ مرارًا أنه سيئ الحفظ. والاختلاف في قَبول حديثه إذا كان من رواية أحد العبادلة اختلاف مشهور. وهذا الحديث ليس مما رواه عنه أحد العبادلة.
وقال البوصيريُّ: "هذا إسنادٌ ضعيفٌ لضعفِ ابنِ لهيعةَ"(مصباح الزجاجة 4/ 19).
العلة الثانية: تَفَرُّد ابن لهيعة في متنه بزيادة مسح الأيدي بالحصى. وقد رواه عمرو بن الحارث عن سليمان بن زياد، ولم يذكر فيه هذه الزيادة كما سبقَ.
ولذا قال الألبانيُّ: "صحيحٌ دونَ مسحِ الأيدي"(صحيح ابن ماجه 3311).
وقال في (صحيح أبي داود 1/ 351): ((وهذا إسنادٌ صحيحٌ في المتابعاتِ)).
[تنبيه]:
وقع عند الطبرانيِّ في (المعجم الكبير 14/ 255/ 14889) هذا الحديث، ولكن جَعَله من مسند سليمان بن زياد عن ابنِ الزبير، فرواه هكذا:
ثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن بكر السراج العسكري، قال: دثنا عبد الأعلى بن حماد النَّرْسي، قال: دثنا المفضل بن فضالة، عن ابن لهيعة،
عن سليمان بن زياد، عن عبد الله بن الزبير، قال:((أَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا شِوَاءً وَنَحْنُ فِي المَسْجِدِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمْ نَزِدْ أَنْ مَسَحْنَا بِالحَصَى)).
قال محققه: ((نَقَله ابنُ كَثير في (جامع المسانيد - 5442/ قلعجي)، و (4/ 26/ ابن دهيش) عن المصنف، به. وذَكَره الهيثميُّ في (مجمع الزوائد 2020)، وقال:"رواه الطبرانيُّ في "الكبير"، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام)).
ولم نقفْ عليه من حديث ابن الزبير عند غير المصنِّف، ولكن رواه أبو يعلى في (مسنده 1541)، وفي (المفاريد 53)؛ عن عبد الأعلى بن حماد، عن المفضل ابن فضالة، عن ابن لهيعة، عن سليمان بن زياد، عن عبد الله بن جزء الزبيدي، به.
رِوَايَةُ ابنِ ثُمَامَةَ المُرَادِيِّ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ ثُمَامَةَ المُرَادِيِّ قَالَ: ((قَدِمَ عَلَيْنَا مِصْرَ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ جَزْءٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ.
[فَقِيلَ لَهُ: مَا أَعْمَلَكَ إِلَى مِصْرَ، وَلَيْسَ فِيكَ مَضْرِبٌ بِسَيْفٍ وَلَا مَطْعَنٌ بِرُمْحٍ وَلَا مَرْمًى بِسَهْمٍ؟! قَالَ: جِئْتُ أَكُونُ فِي صُفُوفِ المُسْلِمِينَ لَعَّلَ سَهْمَ غَرْبٍ يَأْتِينِي فَيَقْتُلُنِي.
قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِيمَا مَسَّتِ النَّارُ؟ قَالَ: وَمَا مَسَّتِ النَّارُ؟ قِيلَ لَهُ: اللَّحْمُ المَطْبُوخُ -أَوْ: المَنْضُوجُ]- قَالَ: لَقَدْ رَأَيتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ -أَوْ: سَادِسَ سِتَّةٍ- مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَارِ رَجُلٍ، فَمَرَّ بِلَالٌ فَنَادَاهُ بِالصَّلَاةِ، فَخَرَجْنَا فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ وَبُرْمَتُهُ عَلَى النَّارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «أَطَابَتْ بُرْمَتُكَ؟». قَالَ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. فَتَنَاوَلَ مِنْهَا بَضْعَةً فَلَمْ يَزَلْ يَعْلُكُهَا حَتَّى أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ، وضَعَّفَهُ الألبانيُّ.
[التخريج]:
[د 192 (واللفظ له) / مصر (صـ 328 - 329) (والزيادة له) / لا 2058/ غخطا (1/ 75) (مختصرًا) / ضيا (9/ 203) 187، 188/ كما (18/ 396) / إسلام (14/ 249) (مختصرًا) / طب (جامع المسانيد 6232) / أسماء مَن دخل مصر من الصحابة (تخريج أحاديث إحياء علوم الدين 1/ 282)].
[السند]:
أخرجه أبو داود وابن عبد الحكم بن أَعْيَن، قالا -والسياق لأبي داود-:
حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرْح، حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة -قال ابن السرح: ابن أبي كريمة من خيار المسلمين- قال: حدثني عُبيد بن ثُمَامة المُرادي قال
…
فذكره.
هكذا وقع عندهما: "عُبَيد بن ثُمَامة".
ورواه الخطابيُّ من طريق أبي داود وقال فيه: "عتبة بن ثمامة".
وكذا رواه عمرو بن أبي الطاهر عن أبيه أحمد بن عمرو بن السرح، أخرجه الضياء في (المختارة) والمزي في (التهذيب)، والذهبي في (تاريخه الكبير) ثلاثتهم من طريق الطبراني عن عمرو.
وكذا رواه الدولابيُّ عن النسائيِّ، عن أحمد بن عمرو، به.
قال المزيُّ: "والصحيحُ عتبة"(التهذيب 18/ 396).
وأقرَّهُ الحافظُ في (تهذيب التهذيب 7/ 61).
والحديث مدار إسناده عند الجميع على أحمد بن عمرو بن السرح، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه: عبيد بن ثمامة -أو: عتبة بن ثمامة-، المصري.
قال الذهبيُّ: "لا يُعْرَف"(الكاشف 3609).
وقال الحافظُ: "مقبول"(التقريب 4363).
وقال الألبانيُّ: ((لم يَرْوِ عنه غير ابن أبي كريمة هذا -كما في (الميزان) -، ولم يُوَثِّقْهُ أحدٌ؛ فهو مجهول)) (صحيح سنن أبي داود 1/ 350/ رقم 188).
وقال في (ضعيف أبي داود 25): ((إسنادُهُ ضعيفٌ، وعلته عبيد هذا -ويقال: عتبة-، لم يُوَثِّقْهُ أحدٌ، فهو مجهولٌ. ولعبد الله بن الحارث حديث
آخر في الباب، سقناه عقب هذا في الكتاب الآخر" صحيح سنن أبي داود "(رقم 188).
قلنا: والحديثُ محفوظٌ عن عبد الله بن الحارث بغير هذا السياقِ كما سبقَ.
2231 -
حَدِيثُ عُثْمَانَ رضي الله عنه:
◼ عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ قَالَ: ((رَأَيْتُ عُثْمَانَ قَاعِدًا فِي المَقَاعِدِ (عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِطَعَامٍ (خُبْزٍ وَلَحْمٍ) مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، فَأَكَلَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ [وَلَمْ يَتَوَضَّأْ] فَصَلَّى. ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ: قَعَدْتُ مَقْعَدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَكَلْتُ طَعَامَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَلَّيْتُ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
[الحكم]:
ضعيفٌ، واستغربه المؤمل الشيباني.
[التخريج]:
[حم 505 (واللفظ له) / بز 376/ عب 649 (والزيادة له ولغيره) / طش 2401/ مش (خيرة 628/ 1) (والروايتان له ولغيره) / عدن (خيرة 628/ 2) / عل (خيرة 629/ 3) / مؤمل 41/ ضيا (1/ 465/ 339) / كر (23/ 103) / كنى (مغلطاي 2/ 53) / عثم (مغلطاي 2/ 53)].
أخرجه أحمدُ -ومن طريقه الضياء المقدسي في (المختارة)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) - قال: ثنا الوليد بن مسلم، حدثني شعيب أبو شيبة قال: سمعتُ عطاءَ الخراسانيَّ يقول: سمعتُ سعيد بن المسيب يقول
…
فذكره.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلة الأولى: شعيب أبو شيبة، وهو شعيب بن رزيق الشامي
(1)
.
روى له الترمذيُّ وأبو داود خارج السنن.
(1)
ثَم راوٍ آخر يسمى شعيب بن رزيق، ولكنه طائفي غير هذا.
وقال دحيم: ((لا بأس به)) (الجرح والتعديل 4/ 346)، و (تاريخ دمشق 23/ 105).
وقال البخاريُّ: ((مقارب الحديث)) (العلل الكبير للترمذي، صـ 271).
ووَثَّقَهُ الدارقطني، في قول (سؤالات البرقاني 217)، و (تاريخ دمشق 23/ 105). وضَعَّفَهُ في قول آخر (العلل 3/ 304).
ولَيَّنه الأزديُّ (ميزان الاعتدال 2/ 276).
وضَعَّفه ابنُ حزمٍ (المحلى 10/ 170).
وقال ابنُ حِبَّانَ: ((يعتبرُ حديثه من غير روايته عن عطاء الخراسانيِّ)) (الثقات 8/ 308).
ولخَّصَ حالَهُ الحافظُ فقال: ((صدوقٌ يُخطئُ)) (التقريب 2801).
قلنا: ومع الاختلاف في حال أبي شيبة، فإنَّ ذِكرَ السماعِ بين سعيد بن المسيب وعثمان رضي الله عنه لا يصحُّ، وهو العلة الثانية.
وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أن شعيبًا أبا شيبة اختُلف عنه في أداة التحمل:
فذَكَر السماعَ الوليدُ بنُ مسلمٍ، من روايةِ الإمامِ أحمدُ عنه كما سبقَ، وتابع الإمام أحمد على السماع إسحاق بن موسى، كما عند النسائيِّ في (الكنى) كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 53).
بينما خالفهما سليمان بن أحمد الواسطي، فرواه عن الوليد بن مسلم عن شعيب بسنده، قال فيه: ((عن سعيد بن المسيب، أن عثمان قعد عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث)). لم يذكر سماعًا. رواه الطبرانيُّ في (مسند
الشاميين 2401).
وهذا الوجه الأخير عن شعيب بلفظ ((أنَّ)): تابع الوليد بن مسلم عليه معلى بن منصور، كما ابن أبي شيبة في (مسنده- إتحاف الخيرة المهرة 628/ 1)، وعند البزارِ في (مسنده 376).
قال البزارُ: ((وهذا الحديثُ لا نعلمُ رواه عن سعيد بن المسيب، عن عثمان، إلا عطاء الخراساني، ولا رواه عن عطاء إلا شعيب بن رزيق)).
وتابع المعلى: المعافى بن عمران، كما عند المؤمل الشيباني في (فوائده 446)، ولكن قال:((عن عثمان)).
قال المؤمل: ((هذا حديثٌ غريبٌ من حديث عطاء، عن سعيد بن المسيب، وهو غريبٌ من حديث شعيب بن زريق عنه)).
بل توبع شعيب على لفظ (أنَّ) لم يذكر السماع: تابعه معمر بن راشد، كما عند عبد الرزاق في (المصنف 643).
فلا شَكَّ أن رواية من قال: ((أنَّ)) أرجح ممن ذكر السماع، والرواية بالأننة، صورتها صورة المرسل.، والله أعلم.
الأمر الثاني: أن بعض العلماء شكك في سماع سعيد بن المسيب من عثمان.
قال ابنُ الصَّلاحِ: ((ذَكَر الحافظُ أبو عبد الله أن التابعين على خمس عَشْرة طبقة:
الأولى: الذين لحقوا العشرة: سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن عَبَّاد، وأبو ساسان حُضَيْن بن المنذر، وأبو وائل، وأبو رجاء العُطاردي
…
وغيرهم.
وعليه في بعض هؤلاء إنكار، فإن سعيد بن المسيب ليس بهذه المثابة؛ لأنه وُلِد في خلافة عمر، ولم يسمع من أكثر العشرة. وقد قال بعضُهم: لا تصحُّ له رواية عن أحدٍ من العشرةِ إلا سعد بن أبي وقاص)) (مقدمة ابن الصلاح، ت عتر، صـ 303).
قال العراقيُّ -متعقبًا ابنَ الصَّلاحِ-: ((قوله عند ذكر سعيد بن المسيب: (وقد قال بعضُهم: لا تصحُّ له رواية عن أحدٍ من العشرةِ إلا سعد بن أبي وقاص) انتهى. قلتُ: هكذا أبهم المصنف قائل ذلك.
والظاهر أنه أَخَذ ذلك من قول قتادة الذي رواه مسلم في (مقدمة صحيحه) من رواية همام، قال:((دخل أبو داود الأعمى على قتادة، فلما قام قالوا: إن هذا يزعم أنه لقي ثمانية عشر بدريًّا))
(1)
.
وأما سماعه من عثمان وعلي فإنه ممكن غير ممتنع، ولكن لم أَرَ في الصحيح التصريح بسماعه من واحد منهما.
وذَكَر الحافظ أبو الحَجاج المزيُّ في (تهذيب الكمال) أن روايتَه عنهما في الصحيحين.
ولم أَرَ له عنهما في (الصحيحين) إلا قوله: (إن عمر وعثمان كانا يفعلان
(1)
رواه مسلم في (مقدمة الصحيح 1/ 22) قال: وحدثني حسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا همام، قال: دخل أبو داود الأعمى على قتادة، فلما قام، قالوا: إن هذا يزعم أنه لقي ثمانية عشر بدريا، فقال قتادة:«هذا كان سائلًا قبل الجارف، لا يعرض في شيء من هذا، ولا يتكلم فيه، فوالله ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة، ولا حدثنا سعيد بن المسيب عن بدري مشافهة، إلا عن سعد بن مالك» .
ذلك) أي: الاستلقاء في المسجد. وحديثه: قال: ((اختَلف عليٌّ وعثمانُ رضي الله عنهما، وهما بعُسْفان- في المتعة، فقال عليٌّ: ما تريد إلى أن تنهى عن أمرٍ فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم).
وهذا الحديثُ لم يَعْزُه الحافظُ أبو الحَجاجِ المزيُّ في (الأطراف) إلى واحدٍ منَ الشيخين، بل عزَاه للنسائيِّ فقط، وهو متفقٌ عليه كما ذكرته.
ولم أَرَ لسعيدٍ في (الصحيح) عن عمرَ وعثمانَ وعليٍّ غير هذا من غير تصريح بالسماع
…
إلى آخر كلامه.
وقال: وله حديثٌ آخرُ في (المسند) صَرَّحَ بالسماع فيه من عثمانَ، قال فيه: ((وَرَأَيْتُ عُثْمَانَ قَاعِدًا فِي الْمَقَاعِدِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ فَأَكَلَهُ
…
)) فذَكَر حديثنا هذا.
ثم قال: وإسنادُهُ جيدٌ، قال فيه أحمدُ: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني شعيب أبو شيبة، سمعتُ عطاءً الخراسانيَّ يقول: سمعتُ سعيد بنَ المسيب يقول: رأيتُ عثمانَ. وهؤلاء كلهم محتجٌّ بهم في (الصحيح) إلا أبا شيبة وهو شعيب بن زريق المقدسي، وقد وَثَّقَهُ دحيمٌ وابنُ حِبَّانَ والدارقطنيُّ، وثَبَت سماعه من عثمان)) (التقييد والإيضاح، صـ 320 - 321).
وبنحوه قال الأبناسي (الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح (2/ 523).
وقال مغلطاي: ((وذَكَر ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف) عن قتادة: والله ما حدثنا الحسن، وسعيد بن المسيب، عن بدري مشافهة إلا سعيد، عن سعْدٍ. وكذا ذكره مسلمٌ في مقدمة كتابه الصحيح. قال البرقيُّ: كأنه يريدُ بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما إدراكه عثمان وعليًّا
…
ونحوهم فلا شك فيه، ولكن ليس يُحفظ رواية عنهم مرفوعة، إلا شيئًا عن عليٍّ ليس فيه سماع))
(إكمال تهذيب الكمال 5/ 352).
قلنا: والراجحُ لدينا أنه لا يُحفظ لسعيد بن المسيب عن عثمانَ رواية مرفوعة كما قال ابنُ البرقي، إلَّا من طرقٍ ضِعَافٍ كما في روايتنا هذه. والله أعلم.
ومما يدلُّ على ضَعْفِ هذا الحديثِ- ما رواه أحمدُ (14920)، وغيرُهُ بسندٍ صحيحٍ عن قتادةَ قال:((قال لي سليمانُ بنُ هشامٍ: إن هذا -يعني الزهريَّ- لا يَدَعُنا نأكلُ شيئًا إلا أَمَرَنا أن نتوضَّأَ منه -يعني ما مَسَّتُه النارُ-، قال: فقلتُ له: سألتُ عنه سعيدَ بنَ المسيّبِ فقال: إذا أَكلتَهُ فهو طيبٌ ليس عليك فيه وضوءٌ، فإذا خرجَ فهو خَبيثٌ عليك فيه الوضوءُ. قال: فهل بالبلد أحد؟ قال: قلت: نعم، أقدمُ رَجُلٍ في جزيرة العرب علمًا، قال: مَن؟ قلتُ: عطاء بن أبي رباح. قال: فبعثَ إليه، فقال: حدَّثني جابرٌ أنهم أَكَلوا مع أبي بكر الصديق خبزًا ولحمًا، فَصَلَّى ولم يَتَوَضَّأْ)).
فلو كان عند سعيدٍ عن عثمانَ هذا الحديث لاحتاجَ إليه وأسندَه لقتادةَ، وما احتاجَ لرواية عطاء بن أبي رباح عن جابرٍ عن أبي بكر قوله. والله أعلم.
قلنا: ومع هذا قال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ، وأبو يعلى، والبزارُ
…
ورجال أحمد ثقات" (المجمع 1312، 1313).
وصَحَّحَ سندَهُ الشيخُ أحمد شاكر في (تحقيقه على المسند 1/ 380).
قلنا: وقد جاء الحديثُ من طرقٍ أُخرَى، منها ما رواه أبو يعلى - (إتحاف الخيرة المهرة 629/ 3)، و (المقصد العلي للهيثمي 150) - قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله، عن محمد بن أبي أمامة، عن أبان،
(عن)
(1)
((عُثْمَانَ أَنَّهُ أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَقَالَ: أَكَلْتُ كَمَا أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
وهذا إسنادٌ واهٍ؛ إسحاق بن عبد الله هو ابنُ أبي فروة المتروك. وقد رواه البزارُ من هذا الوجه بسياقٍ آخرَ كما سيأتي.
رِوَايَةُ: فَدَعَا بِكَتِفٍ فَتَعَرَّقَهَا:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، ((أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى البَابِ الثَّانِي مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِكَتِفٍ فَتَعَرَّقَهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
ثُمَّ قَالَ: جَلَسْتُ مَجْلِسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَكَلْتُ مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَصَنَعْتُ مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[حم 441 (واللفظ له) / مش (خيرة 629) / عل (خيرة 629/ 2)، و (المقصد العلي 149)].
(1)
جاء في المطبوع من (الإتحاف، والمقصد) عن أبان بن عثمان أنه أكل خبزًا. وصححناه من (مسند البزار) فقد رواه من طريق مالك بن إسماعيل كما أثبتناه. وأبان بن عثمان تابعي لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[السند]:
رواه أحمد، وابن أبي شيبة في (مسنديهما) قالا - والسياق لأحمد -: ثنا عبد الله بن بكر، ثنا حُميد الطويل، عن شيخ من ثَقيف - ذَكَره حُميد بصلاح - ذكر أن عمه أخبره أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه جلس
…
الحديث.
ورواه أبو يعلى كما في (إتحاف الخيرة المهرة) قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، به. وأسقط منه حميدًا الطويل.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ للجهلِ بحالِ الشيخِ الثقفيِّ المبهمِ شيخ حميد، وكذلك عمه، وبهذا أعلَّه أحمد شاكر في (تحقيقه المسند 1/ 353). والحديثُ يشهدُ له ما سبقَ وما سيأتي.
رِوَايَةُ: فَانْتَشَلَهُ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ حُمْرَانَ قَالَ: ((تَوَضَّأَ عُثْمَانُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُم قَالَ: تَوَضَّأْتُ كَمَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ أُتِيَ بِعَرَقٍ فَانْتَشَلَهُ وَقَالَ: أَكَلْتُ كَمَا أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[بز 441].
[السند]:
قال البزارُ: حدثنا محمد بن مرزوق قال: نا عبد الله بن رجاء قال: نا عبد العزيز الماجشون، عن عبد الكريم، عن حُمْران، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه عبد الكريم، وهو ابنُ أبي المُخارِق، قال الحافظُ:"ضعيفٌ"(التقريب 4156). وبقية رجاله رجال الصحيح.
رِوَايَةُ: فَاعْتَرَقَ، ثُمَّ صَلَّى
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ شَيْبَةَ بنِ المُسَاوِرِ قَالَ: ((دَعَا عُثْمَانُ رضي الله عنه بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَعَا بِنَثِيلٍ فَاعْتَرَقَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ، فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لِمَاذَا صَنَعْتَ؟! قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياقِ.
[اللغة]:
قال ابنُ سِيدَه: ((ونَثَلَ اللَّحْمَ فِي القِدْرِ يَنْثِلُه: وَضَعَهُ فِيهَا مُقَطَّعًا)) (المحكم: نَثَلَ).
وقال ابن فارس: (((نَثَلَ) النُّونُ وَالثَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ أَوْ خُرُوجِهِ مِنْهُ)) (مقاييس اللغة: نَثَلَ).
[التخريج]:
[حث 97].
[السند]:
أخرجه الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا كثير بن هشام، ثنا الحَكَم، ثنا شيبة بن المساور، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه: شيبة بن مساور، ترجمَ له البخاريُّ، وابنُ أبي حاتمٍ، وابنُ حِبَّانَ في (ثقاته). وقال الحسيني:"ليس بمشهورٍ"(التعجيل 457)، وقال الذهبيُّ: "روى عنه عبد الكريم أبو أمية، وعُبيد الله بن عمر العمري،
وسفيان بن حسين، وما أعلمُ أحدًا تَكلَّم فيه" (تاريخ الإسلام 7/ 380). وقال الحافظُ:"وهو من أتباع التابعين، وروايته عن ابن عباس مرسلة"(التعجيل 457).
قلنا: وعلى هذا فهو لم يدرك عثمان بالمرة، فالسندُ منقطعٌ أو معضلٌ.
ثم إن الحَكَمَ هذا لم يُنسبْ، ولا ذُكِر في شيوخ كثير ولا تلاميذ شيبة مَن اسمه الحكم. والظاهر من طبقته أنه ابن فَصيل
(1)
، وهو مختلفٌ فيه (اللسان 2/ 337).
وروايته هذه غريبةٌ جدًّا، والمعروف عن شيبة بن مساور حديثه عن عبد الله بن عُبيد، أن عُبيدًا الليثي رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ خبزًا ولحمًا، ثم صَلَّى ولم يتَوضَّأْ. ذَكَره البخاريُّ في (التاريخ 4/ 242)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 4/ 336).
وانظر حديثَ عثمان في الوُضُوءِ وضحكه عقبه فيما تقدم أول الكتاب.
[تنبيه]:
نَقَل ابنُ حَجَرٍ في (تعجيل المنفعة، برقم 457) عن ابنُ مَعِينٍ- أنه وَثَّقَ شيبة بن مساور في (تاريخ الدوري)، وإنما قال ابنُ مَعِينٍ في التاريخ:"شيبة بن مساور واسطي، روى عنه سفيان بن حسين وعبيد الله بن عمر" ولم يَذكر توثيقًا (تاريخ ابن مَعِينٍ للدوري 4959).
(1)
بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة. وضُبِط في كثير من مصادر الجرح والتعديل بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة، وهو خطأ. انظر (المؤتلف والمختلف للدارقطني 1815).
وكذلك نَقَلَ ابنُ عساكر في (تاريخه) بإسنادِهِ عن الدوريِّ عن ابنِ مَعِينٍ- كلامه في شيبة، ولم يَذكر أي توثيق (تاريخ دمشق لابن عساكر 23/ 265).
رِوَايَةُ: رَأَى النَّبِيَّ أَكَلَ
…
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، ((أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[بز 360].
[السند]:
أخرجه (البزار في مسنده) قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال: نا مالك بن إسماعيل قال: نا عبد السلام، عن إسحاق بن عبد الله، عن محمد بن أبي أمامة، عن أبان، عن عثمان، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ واهٍ؛ إسحاقُ بنُ عبد الله هو ابنُ أبي فروةَ المتروك (التقريب 368).
وبه أعلَّه البزارُ، فقال:"وهذا الحديثُ إنما فيه إسحاق بن عبد الله، وسائر أسانيده فحسن".
واختصر الهيثميُّ عبارته في (كشف الأستار 294) فقال: " قال البزارُ:
علته إسحاق بن عبد الله"، وقال في موضعٍ آخرَ: "وضعفَ إسنادهُ" (مجمع الزوائد 1313).
قلنا: وفي الإسناد علة أخرى، وهي المخالفة في رفعه:
فقد أخرجه مالكٌ في (الموطأ، الطهارة 22): عن ضَمْرَةَ بنِ سعيدٍ المَازِنِيِّ، عن أَبَانَ بنِ عثمانَ، ((أَنَّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
هكذا موقوفًا، وسندُهُ صحيحٌ، فالمرفوعُ عن أبان من مناكيرِ ابنِ أبي فَرْوةَ.
[تنبيه]:
هذا المتنُ الذي ذكره البزارُ مختصرٌ من بعض رواته، ولعلَّه منَ البزارِ أو شيخِهِ؛ فقد رواه أبو يعلى -كما سبقَ (خيرة 629/ 3) - عن إسحاق بن إسماعيل، حدثنا مالك بن إسماعيل بإسنادِهِ إلى عثمانَ، ((أَنَّهُ أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَقَالَ: أَكَلْتُ كَمَا أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
وهذا السياقُ سبقَ نحوه عند أحمدَ وغيرِهِ من وجوهٍ، كما تقدَّمَ.
2232 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ
◼ عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي القِدْرَ، فَيَأْخُذُ الذِّرَاعَ مِنْهَا فَيَأْكُلُهَا، ثُمَّ يُصَلِّي، وَلَا يَتَوَضَّأُ [وَلَا يُمَضْمِضُ])).
وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ بِالقِدْرِ، فَيَأْخُذُ العَرَقَ، فَيُصِيبُ مِنْهُ، ثُمَّ يُصَلِّي، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
[الحكم]:
معلٌّ من حديثِ عائشةَ، وأعلَّه البخاريُّ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حم 26297 (واللفظ له) / تخ (6/ 408) (مختصرًا) / سعد (1/ 337) (والزيادة الأولى له ولغيره) / عد (8/ 475)].
تخريج السياقة الثانية: [حم 25282 (واللفظ له) / عل 4449/ ش 550/ بز (18/ 226/ 235) / هق 728/ شعب 5440/ أصم 420/ صاعد (الرابع من حديثه/ عمرية 40 ق 291/ب) / أنباري (منتقى ق 158/ب)].
[التحقيق]:
له بهذه السياقة طريقان:
الطريق الأول: أخرجه أحمدُ (26297) وابنُ سعدٍ، عن عُبيدة بن حُميد، قال: حدثني عبد العزيز بن رُفَيْع، عن عكرمة، قال: قالتْ عائشة
…
فذكره، وزاد فيه ابنُ سعدٍ:"ولا يمضمض"، ولم يذكرا الزيادة الثانية.
وهذا ظاهره يُشعر بعدم سماع عكرمة له من عائشة؛ ولذا أعلَّه محققو المسند بالانقطاع، وليس كذلك، فقد صرَّحَ بسماعه منها كما سيأتي، وعلى
كل فهو متابع:
فأخرجه أحمدُ (25282)، وابنُ أبي شيبة (550) -وعنه أبو يعلى (4449) - قالا -والسياقُ لأحمدَ-: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبد العزيز بن رُفَيْع، عن عكرمة وابن أبي مُلَيْكة
(1)
عَنْ عَائشَةَ قَالَتْ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ بِالقِدْرِ، فَيَأْخُذُ العَرَقَ، فَيُصِيبُ مِنْهُ، ثُمَّ يُصَلِّي، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
وأخرجه الأصمُّ -ومن طريقه البيهقيُّ في (الكبرى والشُّعَب) - والأنباري، من طريق جعفر بن محمد بن شاكر، عن يحيى بن يعلى بن الحارث، ثنا زائدة، حدثنا عبد العزيز بن رُفَيْع، عن عكرمة وعبد الله بن أبي مُلَيْكة، قالا: سمعنا عائشة تقول: ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ عَلَى القِدْرِ، فَيَأْخُذُ مِنْهَا العَرَقَ فَيَأْكُلُ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَمَا يُمَضْمِضُ وَمَا يَتَوَضَّأُ))، وعند البيهقيِّ في (الكبرى):((وَلَا يَتَوَضَّأُ وَلَا يُمَضْمِضُ)).
وأخرجه البزار (18/ 226/ 235) عن أحمد بن منصور بن سيار، قال: حدثنا ابن يعلى، به بلفظ:((صَارَ إِلَى قِدْرٍ فَأَخَذَ مِنْهَا عَرَقًا فَأَكَلَ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الصَّلَاةِ فَمَا تَوَضَّأَ، وَتَمَضْمَضَ)).
كذا وقعَ فيه: (فَمَا تَوَضَّأَ، وَتَمَضْمَضَ)، بإثبات المضمضة!
وهو خلافُ ما رواه جعفر عن ابن يعلى، وجعفر وابن سيار ثقتان حافظان!
(1)
وقع في مطبوع أبي يعلى: "عن ابن أبي مليكة، عن عكرمة"، وهو خطأ. وقد جاء على الصواب في بقية المصادر بما فيها مصنف ابن أبي شيبة الذي أخرج أبو يعلى الحديث من طريقه!
فإما أنه سقط من نسخة البزار لفظة "ما" أو "لا".
وإما أنه من المتون التي وَهِم فيها البزارُ كما ذكرناه عن الدارقطنيِّ في مواضع أخرى.
وعَلَّقه البخاريُّ في (التاريخ) عن ابنِ مهدي، عن زائدة به بلفظ:((أَكَلَ لَحْمًا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
فمداره عندهم على ابن رفيع، وهو ثقة من رجال الشيخين، وشيخاه ثقتان من رجال الصحيح، وخرَّجَ الشيخان لابنِ أبي مليكةَ عن عائشةَ، وخرَّج البخاريُّ لعكرمةَ عن عائشةَ.
ولذا قال الذهبيُّ: "سندُهُ صحيحٌ"(المهذب اختصار السنن الكبير للبيهقي 1/ 157).
وقال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ، وأبو يعلى، والبزارُ، ورجاله رجال الصحيح"(المجمع 1332).
وقال البوصيريُّ: "ورواته ثقات"(إتحاف الخيرة المهرة 1/ 365).
وقال الألبانيُّ: "وهذا إسنادٌ صحيحٌ غاية، وعلى شرط الشيخين، والعجبُ كيف لم يخرجه الحاكمُ مُستدرِكًا إيَّاه على الشيخين؟ ! "(السلسلة الصحيحة 3028).
قلنا: وهو كما قالوا، ولكنه معلٌّ سندًا ومتنًا:
أعلَّه البخاري، فقال: "هذا لا يصحُّ؛ لأن أيوبَ وسِماكًا وعاصمًا رووه عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الليثيُّ: حدثني عقيل، عن يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني
سعيد بن خالد، سمع عروة، سمع عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ))، وهذا أصحُّ" (التاريخ الكبير 6/ 408).
وأقرَّه الذهبيُّ في (الميزان 3/ 234).
وفي هذا الكلام إعلال لهذا الحديث بأمرين:
الأمر الأول: أن الصوابَ عن عكرمةَ ما رواه أيوبُ ومَن تابعه، فأسندوه عن ابنِ عباسٍ، وليس عن عائشة، وقد سبقَ.
الأمر الثاني: أن المحفوظَ عن عائشةَ في هذا البابِ حديث ((تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ))، وهذا الحديثُ قد أخرجه مسلم (353) من طريق عروةَ عن عائشةَ كما تقدَّم.
الطريق الثاني: رواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 8/ 475 - 476) قال: حدثنا بكر بن عبد الوهاب، ثنا أحمد بن المقدام، ثنا عُبيد بن القاسم، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عَائِشَةَ قَالَتْ:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَمُرُّ عَلَيَّ وَأَنَا أَطْبُخُ القِدْرَ، فَيَقُولُ: «نَاوِلِينِي»، فَأُنَاوِلُهُ القِطْعَةَ فَيَأْكُلُهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً)).
وقال ابنُ عَدِيٍّ -عقب هذا الحديث وآخر قبله-: "وهذان الحديثان مع أحاديث أُخر يرويها عُبيد بن القاسم، عن هشام بن عروة- ليس هي بمحفوظة".
ذكره في ترجمة عبيد بن القاسم، وروى عن ابنِ مَعِينٍ أنه قال:"عبيد بن القاسم الأسدي كان يكون في مسجد الجامع، وكان له هيئة، وكان كذَّابًا"، وفي ترجمته من (التقريب 4389) قال الحافظُ:"متروكٌ، كذَّبه ابنُ مَعِينٍ، واتَّهمه أبو داود بالوضعِ".
رِوَايَةُ: أُتِيَ بِخُبْزٍ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكَلْتَ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَلَمْ تَمَسَّ مَاءً؟! قَالَ:((أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الأَطْيَبَيْنِ الخُبْزِ وَاللَّحْمِ؟!)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياقِ. وأعلَّه البخاريُّ والعقيليُّ. وتَرْك الوضوء من الخبز واللحم ومما مست النار عامة- ثابتٌ صحيحٌ بما سبقَ.
[التخريج]:
[تخ (6/ 408) (معلقًا مختصرًا) / عق (3/ 168)].
[السند]:
علَّقه البخاري في (التاريخ الكبير) عن مَرْوان بن معاوية، عن عِمران بن أوس بن ضَمْعَج، عن أبيه، سمع أباه، عن عائشةَ، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). هكذا مختصرًا.
وأخرجه العقيليُّ في (الضعفاء) قال: حدثناه محمد بن إسماعيل قال: حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا عِمران بن أوس بن ضمعج، عن أبيه، عن عائشة
…
به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه: عِمران بن أوس، ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 6/ 408)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 6/ 293)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، غير أن البخاريَّ أشارَ إلى أن حديثَه هذا معلولٌ بحديثِ عائشةَ في الوُضُوءِ مما مسَّت النار. وقد سبقَ كلامه.
ونَقَلَ العُقيليُّ عن البخاريِّ أنه قال: "عمران بن أوس بن ضمعج عن أبيه، ولا يتابعُ عليه، ولا يتبين سماعه من عائشة".
ثم قال العقيليُّ: "وفي ترك الوضوء مما مست النار أحاديث بأسانيد جياد"(الضعفاء للعقيلي).
قلنا: عمران ذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 9860).
وقول البخاريِّ: "ولا يتبينُ سماعه من عائشة" يعني سماع أبيه: أوس بن ضمعج.
وتنزيل هذا الحكم على هذه الرواية فيه إشكال؛ لأن أوسًا من كبارِ التابعين، وقد سمع من عائشة كما نصَّ عليه البخاريُّ نفسُه في ترجمته من (التاريخ 2/ 17)، ولا يُعْرَف أوس بتدليس.
والظاهر أن عبارةَ البخاريِّ التي رواها العقيليُّ مُنَزَّلةً على ما أسندَهُ البخاريُّ في ترجمةِ أوسٍ منَ (التاريخ 2/ 17) قائلًا: قال لي علي: حدثنا مَرْوان، عن عمران بن أوس بن ضمعج الحضرمي، سمعَ أباه:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عِنْدَ عَائِشَةَ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
فهذه الروايةُ ظاهرها الإرسال، وهي التي ينطبق عليها قول البخاري:"ولا يتبين سماعه من عائشة"، فتنبه، وإن كان هذا هو المحفوظ عن مَرْوان، فقد خالف أبا معاوية في وصله وأرسله، وهذه علةٌ أخرى لهذا الطريق. والله أعلم.
وانظر ما سطرناه عقب الرواية السابقة.
2233 -
حَدِيثٌ ثَانٍ لِجَابِرٍ:
◼ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَـ[ـبَسَطَتْ لَهُ عِنْدَ ظِلِّ صورٍ وَرَشَّتْ بِالمَاءِ حَوْلَهُ، وَ] 1 ذَبَحَتْ لَهُ شَاةً، فَأَكَلَ [وَأَكَلْنَا مَعَهُ] 2 وَأَتَتْهُ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ [قَالَ
(1)
تَحْتَ الصُّورِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ] 3 تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ، وَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ.
[فَقَالَتِ المَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَلَتْ عِنْدَنَا فَضْلَةٌ مِنْ طَعَامٍ، فَهَلْ لَكَ فِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ] 4، فَأَتَتْهُ بِعُلَالَةٍ مِنْ عُلَالَةِ الشَّاةِ، فَأَكَلَ] وَأَكَلْنَا مَعَهُ] 5 ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
[وَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَدَعَا بِطَعَامٍ لَمْ يَجِدْهُ، فَقَالَ: أَيْنَ شَاتُكُمُ التِي وَلَدَتْ؟ ! قَالَتْ: هِيَ ذِهِ. فَدَعَا بِهَا فَحَلَبَهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ صَنَعُوا لَبَأً، فَأَكَلَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وَتَعَشَّيْتُ مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه، فَأُتِيَ بِقَصْعَتَيْنِ، فَوُضِعَتْ وَاحِدَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالأُخْرَى بَيْنَ يَدَيِ القَوْمِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ] 6.
[الحكم]:
ضعيفٌ معلٌّ، وأعلَّهُ: الشافعيُّ، وأحمدُ، والبخاريُّ، ومغلطاي.
[اللغة]:
قوله: ((أَتَتْهُ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ))، قال الخليلُ:"والقِناعُ: طَبَقٌ من عَسِيبِ النَّخْل وخُوصِهِ"(العين 1/ 170). وقال ابن سيده: "والقِنْعُ، والقِناعُ: الطَّبَقُ يوضعُ فِيهِ الطَّعَام. وَالْجمع: أقْناع، وأقْنِعة"(المحكم 1/ 229)، وانظر
(1)
أي نَامَ.
(النهاية لابن الأثير 4/ 115).
قوله: (فَأَتَتْهُ بِعُلَالَةٍ مِنْ عُلَالَةِ الشَّاةِ)، قال الخليلُ:" العُلَالُةُ: بقيَّةُ اللَّبنِ، وبِقيَّةُ كُلِّ شَيءٍ"(العين 1/ 88)، وقال السرقسطيُّ:"قَوْلُهُ: بِعُلَالَةِ شَاةٍ، يُرِيدُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ كَانَ قَدْ فَضَلَ مِنْهَا"(الدلائل في غريب الحديث 1/ 2)، وقال الخطابيُّ:"يريد بَقِيَّةَ لحمِها"(غريب الحديث 1/ 74). وانظر (النهاية لابن الأثير 3/ 291).
[التخريج]:
[ت 80 (واللفظ له) / حب 1132، 1133 (والزيادات من الأولى إلى الخامسة له ولغيره)، 1134 (والزيادة السادسة له ولغيره)، 1141/ عل 2160/ حمد 1303/ شما 181/ حث 99/ منيع (خيرة 622/ 4) / عدن (خيرة 622/ 1، 2) / طح (1/ 42، 65) / طحق 7/ معر 915/ غيل 690 (مختصرًا) / غخطا (1/ 74) / طوسي 67 (مختصرًا جدًّا) / بغ 2849/ نبغ 945/ هق 740/ هقع 1292، 1293، 14439/ تمهيد (12/ 276) / خط (5/ 23) (مختصرًا جدًّا) / غو (1/ 215) / كر (36/ 274) / دبيثي (4/ 481 - 482) / سبكي (1/ 515) / تعليقة (1/ 246) / خبر (1/ 90)].
انظر التحقيق فيما بعد.
رِوَايَةُ مختصرةٌ
• وَفِي رِوَايَةٍ مختصرةٍ: ((أَنَّ امْرَأَةً دَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَبَسَطَتْ لَهُمْ عَلَى صُورٍ، وَأَتَتْهُمْ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَرَجَعُوا إِلَى بَقِيَّةِ ذَلِكَ، فَأَكَلُوا وَلَمْ يَتَوضَّئُوا)).
[التخريج]:
[أزدي (مبهم 27)].
انظر التحقيق فيما بعد.
رِوَايَةُ: قُرِّبَ لِرَسُولِ اللهِ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: ((قُرِّبَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُبْزٌ وَلَحْمٌ فَأَكَلَهُ، وَدَعَا بِوَضُوءٍ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
ثُمَّ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَلَمْ يَجِدُوا، فَقَالَ: أَيْنَ شَاتُكُمُ الوَالِدُ؟! فَأَمَرَنِي بِهَا فَاعْتَقَلْتُهَا، فَحَلَبْتُ لَهُ، ثُمَّ صَنَعَ لَنَا طَعَامًا، فَأَكَلْنَا، ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ.
ثُمَّ دَخَلْتُ مَعَ عُمَرَ، فَوُضِعَتْ جَفْنَةٌ فِيهَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، فَأَكَلْنَا، ثُمَّ صَلَّيْنَا قَبْلَ أَنْ نَتَوَضَّأَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ.
[التخريج]:
[د 190 (مختصرًا) / حم 14453/ حب 1125 (واللفظ له) / عب 645، 646/ منذ 5/ بشن 934 (مقتصرًا على المرفوع) / أثرم 157/ تمهيد (12/ 275، 277) / محلى (1/ 243) / عروس 17].
انظر التحقيق فيما بعد.
أَكَلَ النَّبِيُّ خُبْزًا وَلَحْمًا
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ [خُبْزًا وَ] لَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَكَلَ لَبَأً (طَعَامًا) ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَأَنَّ عُمَرَ أَكَلَ لَحْمًا (مِنْ جَفْنَةٍ) ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ.
[التخريج]:
[جه 492 (مختصرًا والزيادة له ولغيره) / حم 14262، 14299 (واللفظ له) / حب 1127 (والروايتان له)، 1131/ عل 1963، 2017/ طس 4974/ عد (5/ 143)، (6/ 403) / تمهيد (12/ 277) / زاهر (سباعيات 8/ ق 92/ أ-ق 93/ب) / عروس 21].
انظر التحقيق فيما بعد.
رِوَايَةُ: زَادَ عُثْمَانَ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ- خُبْزًا وَلَحْمًا، فَصَلَّوْا وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا)).
• وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: ((أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بَعْدَ وُضُوئِهِ الأَوَّلِ. ثُمَّ أَكَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. ثُمَّ أَكَلْتُ مَعَ عُمَرَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. ثُمَّ أَكَلْتُ مَعَ عُثْمَانَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ بذكرِ عثمانَ رضي الله عنه.
[التخريج]:
[عل 2098 (والرواية الثانية له) / طي 1865/ ش 525 (واللفظ له) / خلال (أمالي 79)].
انظر التحقيق فيما بعد.
رواية
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ. ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرَ أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، ثُمَّ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ.
[التخريج]:
[حب 1130 (واللفظ له) / لا 1302 (مختصرًا) / تد (2/ 96) / ضح (2/ 64) مقتصرًا على المرفوع/ طبك 75].
انظر التحقيق عقب الرواية التالية.
رِوَايَةٌ مُخْتَصَرًا
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيف
[التخريج]:
[حم 15080 (واللفظ له) / عيينة (حرب/ الأول 96) / كم (صـ 86) / ك (تاريخ - مغلطاي 2/ 45) / عد (7/ 82) / هق 731/ شهرزوري (ق 188/ب) / جوزى (ناسخ 47)].
[التحقيق]:
له أربعة طرق عن جابر:
الطريق الأول: رواه أبو داود في (السنن 190) قال: حدثنا إبراهيم بن الحسن الخَثْعَمي، حدثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني محمد بن المنكدر، قَالَ: سمعتُ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ يَقُولُ: ((قَرَّبْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خُبْزًا وَلَحْمًا فَأَكَلَ، ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
ورواه أحمد (14453) قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جُرَيجٍ، ومحمد بن بكر، حدثنا ابن جُريجٍ، أخبرني محمد بن المنكدر، قال: سمعتُ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ، ذَكَرَهُ، وَزَادَ:((ثُمَّ دَخَلْتُ مَعَ عُمَرَ، فَوُضِعَتْ لَهُ هَاهُنَا جَفْنَةٌ فِيهَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، وَهَاهُنَا جَفْنَةٌ فِيهَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، فَأَكَلَ عُمَرُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وهذا إسناده رجاله ثقات، ولكن شَكَّكَ ابنُ عيينةَ في سماعِ ابنِ المنكدرِ هذا الحديث من جابرٍ.
فروى عنه أحمدُ (14299) أنه قال: ((سمعتُ ابنَ المنكدرِ غير مرة يقولُ: (عن جابرٍ) وكأني سمعتُه مرة يقولُ: (أخبرني مَن سمعَ جابرًا) وظننته سمعه من ابنِ عقيلٍ)).
وقال البخاريُّ: ((ثنا علي بن المديني قال: قلتُ لسفيانَ: إن أبا علقمة الفَرْويَّ روى عن ابن المنكدر، عن جابر، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لحمًا ولم يَتَوَضَّأْ. فقال: أحسبني سمعتُ ابنَ المنكدرِ قال: أخبرني مَن سمعَ جابرًا)) (التاريخ الأوسط 2/ 228)، وانظر (التلخيص 1/ 116).
وبهذا جزمَ الشافعيُّ وأحمدُ والبخاريُّ:
فقال الشافعيُّ: ((لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر، إنما سمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر)) (معرفة السنن والآثار 1/ 250).
وكذا قال الإمامُ أحمدُ: ((محمد بن المنكدر لم يسمعْه من جابر، إنما هو حديث محمد بن عقيل عن جابر، رواه ابنُ المنكدر عن ابن عقيل عن جابر)) (المسائل، برواية ابن هانئ 2/ 219/ 2195).
وقال البخاريُّ -عقب كلام ابن عيينة السابق-: ((وقال بعضُهم: عن ابن المنكدر: سمعتُ جابرًا. ولا يصحُّ)) (التاريخ الأوسط 2/ 228).
وقال البيهقيُّ: ((وهذا الذي قاله الشافعيُّ محتمل؛ وذاك لأن صَاحِبَيِ الصحيح لم يُخرجا هذا الحديث من جهة محمد بن المنكدر عن جابرٍ في الصحيح، مع كون إسناده من شرطهما. ولأن عبد الله بن محمد بن عقيل قد رواه أيضًا عن جابر، ورواه عنه جماعةٌ، إلا أنه قد رُوِي عن حَجاج بن
محمد، وعبد الرزاق، ومحمد بن بكر، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن ابنِ المنكدرِ قال:(سمعتُ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ) فذكروا هذا الحديث.
فإن لم يكن ذِكر السماع فيه وهمًا من ابنِ جُرَيجٍ فالحديثُ صحيحٌ على شرطِ صَاحِبَيِ الصحيح. والله أعلم)) (معرفة السنن والآثار 1/ 250).
قلنا: ذِكرُ السماعِ وهمٌ من ابنِ جُرَيجٍ؛ وذلك لِما رواه غيرُ واحدٍ عن ابنِ المنكدرِ، بلفظ العنعنة، ولم يذكروا سماعًا، خِلافًا لابنِ جُرَيجٍ، وهم:
1 -
مَعْمَر بن راشد، كما عند عبدِ الرَّزَّاقِ (646)، وابنِ حِبَّانَ (1127)، وغيرهما.
2 -
رَوْح بن القاسم، كما عند ابنِ حِبَّانَ في (الصحيح 1134)، وابنِ الأعرابي في (معجمه 915)، وغيرهما.
3 -
جرير بن حازم، كما عند أبي يعلى في (مسنده 2160)، وابنِ حِبَّانَ في (صحيحه 1133، 1141).
4 -
أيوب السَّختياني، كما عند ابنِ حِبَّانَ في (الصحيح 1132)، وغيره.
5 -
عبد الوارث بن سعيد، كما عند الحارث بن أبي أسامة (بغية الباحث 99).
6 -
أبو علقمة الفروي، كما عند ابنِ حِبَّانَ في (الصحيح 1130)، وغيره.
7 -
علي بن زيد، كما عند ابن أبي شيبة في (المصنف 525)، وغيره.
8 -
سهيل بن أبي صالح، كما عند ابنِ عَدِيٍّ في (الكامل 6/ 403)، والبيهقيِّ في (معرفة السنن 14439).
9 -
عبد العزيز بن أبي سلمة، كما عند أبي بكر الأثرم في (سننه 157)،
وغيره.
10 -
يونس بن عُبيد، كما عند الطبرانيِّ في (الأوسط 4974)، وغيره.
11 -
قَزَعة بن سُويد، كما عند أبي بكر الشافعي في (الغيلانيات 690)، وغيره.
فرووه -أحد عشرتهم- وغيرهم عن محمد بن المنكدر عن جابر. هكذا معنعنًا خلافًا لرواية ابنِ جُرَيجٍ المتقدمة. ورواية الواحد أدعَى للوهم من رواية الجماعة.
وقد كان الأئمة أحمد بن حنبل وغيره يستنكرون كثيرًا من السماعات في الأسانيد لتطرق الوهم إليها.
قال ابنُ رجبٍ الحنبليُّ: ((كان أحمدُ يستنكرُ دخول التحديث في كثير من الأسانيد، ويقول: هو خطأ. يعني ذكر السماع)) (شرح علل الترمذي 2/ 593).
قال ابنُ رجبٍ -معقبًا-: ((وحينئذٍ ينبغي التفطن لهذه الأمور، ولا يُغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد! فقد ذَكر ابنُ المديني أن شعبةَ وجدوا له غير شيء يَذكر فيه الإخبار عن شيوخه، ويكون منقطعًا)).
قلنا: ومما يؤكِّدُ وهمَ ابنِ جُرَيجٍ في ذكر السماع- ما رواه أبو زرعةَ الدمشقيُّ في (تاريخه 1058، 1755) قال: ((حدثني علي بن عياش قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة قال: مشيت بين الزهري ومحمد بن المنكدر في الوضوء مما مسَّت النار، وكان الزهريُّ يراه، فاحتجَّ الزهريُّ بأحاديثَ -قال: - لم أزل أختلف بينهما حتى رجعَ ابن المنكدر إلى قول الزهري)).
فها هو ابنُ المنكدرِ يرجعُ إل مذهبِ الزهريِّ في الوضوء مما مسَّت النار. فلو كان عنده عن صحابيٍّ غير ذلك لأخذَ به، وما ساغَ له الأخذُ
بمذهبِ تابعيٍّ وترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يقالُ: إنه نَسِي. لبعد احتمالية ذلك. والله أعلم.
وبمثل هذا أعلَّه مغلطاي، فقال:((وفي الحديثِ علةٌ خفيتْ على مَن صَحَّحَهُ، ذَكَرها البخاريُّ في (التاريخ الأوسط) فقال: ثنا علي: قلت لسفيان: إن أبا علقمة الفروي قال عن ابن المنكدر عن جابر: ((أكل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتوضأ)). فقال: أحسبني سمعت ابن المنكدر قال: أخبرني من سمع جابرًا: ((أَكَل النبي
…
) وقال بعضهم عن ابن المنكدر: سمعت جابرًا. ولا يصح فهذا حكم فيه بعدم صحته متصلًا، وإن كان قد صرح في (التاريخ الكبير) بسماعه من جابر.
ولا منافاة بين القولين؛ لاحتمال أن يكون ظَهَر له أنه لم يسمع هذا منه بخصوصه، وإن كان قد سمع منه غيره كما قاله، لما سأله الترمذيُّ عن حديث ابن عباس:((الشاهد واليمين)). قال: لم يسمع عمرو هذا الحديث عندي من ابن عباس مع تصريحه بسماعه من ابن عباس غير ما حديث.
وما ذكره الشافعيُّ إثر رواية له في سنن حرملة، عن عبد الحميد بن عبد العزيز، عن ابنِ جُرَيجٍ مختصرًا، قال: لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر، إنما سمعه من عبد الله بن محمد بن عَقيل عن جابر.
قال البيهقيُّ: "وهذا الذي قاله الشافعي محتمل؛ وذلك لأن صَاحِبَيِ الصحيح لم يُخرجا هذا الحديث من جهة ابن المنكدر عن جابرٍ في الصحيح، مع كون إسناده من شرطهما. ولأن ابن عقيل قد رواه أيضًا عن جابر، ورواه عنه جماعة، إلا أنه قد روى عن حجاج بن محمد، وعبد الرزاق، ومحمد بن بكر، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن ابنِ المنكدرِ، وقال: سمعتُ جابرًا. فذكروا هذا الحديث. فإن لم يكن ذِكر السماع فيه وهمًا من
ابنِ جُرَيجٍ فالحديثُ صحيحٌ على شرطِ صاحبي الصحيح. والله أعلم". انتهى كلامه.
وفيه عدم رجوع لما قاله الشافعيُّ، وركون إلى قولِ مَن صرَّحَ بالسماعِ، وذهول عن قول الجُعْفي- رحمهم الله تعالى-.
ويَزيده وُضوحًا أيضًا: رجوع ابن المنكدر عن هذا الرأي إلى غيره!
ذَكَر أبو زرعةَ الدمشقيُّ -في (تاريخه) عن شعيب بن أبي حمزة- أن الزهريَّ نَاظَرَ ابنَ المنكدرِ، فاحتجَّ ابنُ المنكدرِ بحديثِ جابرٍ، واحتجَّ الزهريُّ بحديثِ عمرو بنِ أمية في الوُضُوءِ مما مسَّت النار. قال: فرجعَ ابنُ المنكدرِ عن مذهبه إلى مذهبِ الزهريِّ.
ولقائلٍ أن يقولَ: لو أخذه ابنُ المنكدرِ عن جابرٍ شفاهًا، لَمَا رجعَ عنه ولا ساغَ له ذلك، ولكن لما أخذه عنه بواسطة ضعيفة رجع عنه مسرعًا)). انظر (شرح سنن ابن ماجه 2/ 43 - 45).
قلنا: قد جاءتْ متابعةٌ لابنِ جُرَيجٍ على ذكرِ السماعِ، ولكنها ضعيفةٌ لا تَثبتُ، وفي متنها نكارةٌ، وهي ما رواه أبو يعلى في (مسنده 2098) قال: حدثنا محمدُ بنُ بَكَّارٍ، حدثنا أبو مَعْشَرٍ، قال: سألتُ محمدَ بنَ المُنْكَدِرِ عنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:((أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بَعْدَ وُضُوئِهِ الأَوَّلِ. ثُمَّ أَكَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. ثُمَّ أَكَلْتُ مَعَ عُمَرَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. ثُمَّ أَكَلْتُ مَعَ عُثْمَانَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ أبو مَعْشَر نَجيح بن عبد الرحمن ((ضعيفٌ، أَسَنَّ واختلطَ)) (التقريب 7100).
قلنا: ومع ضَعْفِهِ، ففي روايته نكارة؛ حيثُ ذَكَرَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَتَوَضَّأْ في المرةِ الأُولى. وهذا مخالفٌ لروايةِ ابنِ جُرَيجٍ ومَن تابعه على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ للأُولى، ولم يَتَوَضَّأْ للثانيةِ.
وكذا زادَ فيه عثمان رضي الله عنه، ولم يُتابَعْ على ذلك إلا من طريقٍ ضعيفٍ.
من ذلك ما رواه ابنُ أبي شيبةَ (525) قال: حدثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا عليُّ بنُ زيدٍ، قال: حدثنا محمدُ بنُ المُنْكَدِرِ، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ قال:((أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَصَلَّوْا وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علي بن زيد بن جُدْعان ((ضعيف)) (التقريب 4734).
قال ابنُ حَجَرٍ: ((ومن هذا الوجه رواه أبو يعلى في مسنده، وعلي بن زيد سيئ الحفظ)) (تغليق التعليق 2/ 138).
قلنا: بقي إشكال على رواية ابن المنكدر بعد ترجيح عدم سماعه من جابر، وإنما أخذه من ابن عقيل- هو أن بعضَ الرواةِ روى الحديثَ، فجَمَع بين ابن المنكدر وابن عقيل، كما في
الطريق الثاني: وهو ما رواه ابنُ أبي عمر العدنيُّ كما في (إتحاف الخيرة المهرة) -وعنه الترمذيُّ في (جامعه)، و (الشمائل)، ومن طريقه البغويُّ في (شرح السنة) - قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمع جابر بن عبد الله.
قال: وحدثنا سفيان، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، به.
ورواه ابنُ ماجه في (السنن) عن محمد بن الصَّبَّاح، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر وعمرو بن دينار وعبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، به. فزاد فيه:((عمرو بن دينار)).
هكذا رواه ابنُ أبي عمرَ العدنيُّ، فقرَنَ في روايته ابن عقيل بابن المنكدر، وكذا تابعه محمد بن الصباح، وزاد:((عمرو بن دينار)).
وتابع العدني: إسحاق بن أبي إسرائيل، كما عند أبي يعلى في (مسنده 2017).
وهارون بن إسحاق، كما عند الطوسي في (مستخرجه 67).
وتابع ابن الصباح على ذكر عمرو بن دينار- الحميدي، كما عند الحاكم في (معرفة علوم الحديث، صـ 86).
قلنا: وهذه الروايات وإن كان رواتهما في الظاهر ثقات، فإن غيرَهم ممن هم أوثقُ منهم قد فَصَّلوا وبَيَّنوا، كما فعلَ الإمامُ أحمدُ، حيثُ رواه في (المسند 14299) فقال: حدثنا سفيان: سمعتُ ابنَ المنكدرِ غير مرة يقولُ: (عن جابرٍ) وكأني سمعتُه يقولُ: (أخبرني مَن سمعَ جابرًا) فظننته سمعه من ابن عَقيل. ابنُ المنكدرِ، وعبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عَقيلٍ، عن جابرٍ، ((أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى ولم يَتَوَضَّأْ)).
فأبانَ الإمامُ في روايتِهِ أنَّ ابنَ عيينةَ حَدَّثَ به غير مرة عن ابنِ المنكدرِ عن جابرٍ، ثم تبينَ لابنِ عيينةَ -بَعْدُ- أنَّ ابنَ المنكدرِ سمعه من ابن عَقيل عن جابرٍ.
ولعلَّ مَن جَمَع بين ابنِ المنكدر وابن عَقيل لم يسمع من ابن عيينة غيره، فروى ما سمع. ومَن فَصَّلَ وبَيَّن حجة على مَن رَوى بدون تفصيل.
وروايةُ الحميديِّ -المتقدمة عند الحاكم- لا تصحُّ؛ إذ الحديثُ في (مسند الحميدي 1303) قال: ثنا سفيان، قال: ثني عبد الله بن محمد بن عقيل، أنه سمع جابر بن عبد الله، به.
ومسند الحميدي من رواية بِشْر بن موسى، وليس فيه إلا ابن عقيل، فلم يذكر ابن المنكدر ولا عمرو بن دينار.
ولا يقال: إنها صحيحة بمتابعة محمد بن الصباح لها.
لأن المحفوظَ في رواية ابن عيينة عن عمرو عن جابرٍ هو وقفُ الحديثِ على أبي بكرٍ، فقال جابر رضي الله عنه:((أَكَلَ أَبُو بَكْرٍ خُبْزًا وَلَحْمًا)).
هكذا رواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 67) عن يونس بن عبد الأعلى وإبراهيم بن بشار، عن ابن عيينة، به.
ويونس وابن بشار كلاهما ثقة، وقد توبع ابن عيينة عليه:
تابعه: ابنُ جُرَيجٍ، كما عند عبد الرزاق في (المصنف 654).
ومعمر والثوري، كما عند عبد الرزاق في (المصنف 655).
وحماد بن سلمة، كما عند ابنِ المنذرِ في (الأوسط 112)، وغيره.
كما أن محمد بن الصباح جاءت رواية عنه مفردة بذكر ابن المنكدر وحده لم يذكر ابن عقيل ولا عَمْرًا. هكذا رواه مسعود بن الحسن الأصبهاني في (عروس الأجزاء 21) من طريق أبي العباس السراج، عن ابن الصباح، به.
الطريق الثالث: رواه الطيالسيُّ (1865) عن شيخه بكار الليثي، عن أبي الزبير، عن جابر، وقال فيه بكار:"وأحسبه قد ذكر عثمان".
وبكار هذا هو بكار بن يحيى الليثي كما نسبه الحربيُّ في (المجالسة
وجواهر العلم 1/ 470)، ولم نجدْ له ترجمةً.
وقد توبع بكار: كما رواه الطبرانيُّ في (الأوسط 7897) قال: حدثنا محمود بن محمد المروزي، حدثنا الخضر بن آدم المروزي، حدثنا الجارود بن يزيد، عن عبد الله بن زياد بن سَمْعان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، قال: ((مَشَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ
…
)) الحديث.
وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ابن سمعان ((مُجْمَع على ضَعْفِهِ وتَرْكه)) (ديوان الضعفاء 2173). والراوي عنه: الجارود ((متروك)) انظر (لسان الميزان 2/ 410).
قلنا: والمحفوظُ عن أبي الزبير روايته عن جابرٍ قال: ((أَكَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه خُبْزًا وَلَحْمًا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَفِي يَدِهِ عَرَقٌ يَتَمَشَّشُهُ
(1)
، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
هكذا رواه البغويُّ في (الجعديات 2615) من طريق زهير، عن أبي الزبير، به.
وتابع زهيرًا:
هُشيم بن بَشير، كما عند ابن أبي شيبة في (المصنف 536).
وهشام الدَّسْتُوائي، كما عند الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 67).
وحماد بن سلمة، كما عند ابن المنذرِ في (الأوسط 112)، وغيره.
(1)
أي يمصه ويمضغه. انظر (العين للخليل 1/ 267)، وقال ابن سيد في (المحكم 7/ 631):((مَشّه مَشّاً، وامتَشَّه، وتمشَّشه، ومَشْمشه: مصَّه ممضوغًا)).
الطريق الرابع: رواه الحاكمُ في (تاريخ نيسابور) كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 45) قال: ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان، ثنا بشر بن محمد القاري، ثنا ابن المبارك، ثنا الأوزاعي، عن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر، به مختصرًا.
وهذا إسنادٌ غريبٌ، انفردَ به بِشر بن محمد وهو المروزيُّ، روى له البخاريُّ في (صحيحه)، وترجم له في (التاريخ الكبير 2/ 84)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/ 364) بروايته عن ابن المبارك، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 144) على قاعدته المعروفة. فالراجحُ جهالة حاله، كما أن انفراده بمثل هذا الطريق الصحيح يُعَد منكرًا.
قلنا: هذه طرقُ الحديثِ، ولا يَثبتُ منها طريقٌ!
إذ إن طريقَ ابن المنكدر يرجع إلى ابن عقيل، وابن عقيل يضعفه الجمهورُ، وقد اضطربَ في متنه كما سيأتي.
وأما طريقا أبي الزبير وعمرو بن دينار فشاذان لا يصحان، إنما روياه عن جابر عن أبي بكر قوله.
ومع هذا فقد صَحَّحَ الحديثَ ابنُ حِبَّانَ، والنوويُّ في (المجموع 1/ 533)، والألبانيُّ في (صحيح أبي داود 1/ 347)، وبدرُ الدينِ العينيُّ في (نخب الأفكار 2/ 24، 43).
وقال ابنُ سيدِ الناسِ: ((فرجالُ هذا الخبر عند الترمذي رجال الصحيح، بمتابعة ابن المنكدر ابن عقيل، وقد رُوي من غير وجه، وثبتت له شواهد في الصحيح عن غير جابر، فلا مانع من القول بصحته)) (النفح الشذي 2/ 241).
وقال الحافظُ: ((ويشيد أصل حديث جابر ما أخرجه البخاري في الصحيح عن سعيد بن الحارث: قلتُ لجابرٍ: الوُضُوءُ مما مسَّت النَّارُ؟ قال: لَا)) (التلخيص 1/ 116)، وصَحَّحَهُ في (موافقة الخبر الخبر 1/ 90).
[تنبيه]:
ذَكَر مغلطاي تصحيحَ الجورقانيِّ هذا الحديث عقب رواية العدني المفصلة المطولة (شرح ابن ماجه 2/ 41).
وتصحيح الجورقاني في (الأباطيل 337) إنما جاء عقب رواية شعيب بن أبي حمزة المختصرة، وسيأتي ذكرها في باب مستقل.
رِوَايَةُ: زَارَ عَمْرَةَ امْرَأَةَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَارَ عَمْرَةَ امْرَأَةَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، فَذَبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ شَاةً، فَأَكَلُوا، ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَحَدٌ مِنْهُمْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ.
[التخريج]:
[هقع 14442].
[السند]:
قال البيهقيُّ: أخبرنا علي بن أحمد بن عَبْدَانَ، أخبرنا أحمد بن عُبيد الصَّفَّار، حدثنا إسماعيل بن أبي إسحاق، حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا سعيد بن سلمة المدني، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: ابنُ المنكدرِ لم يسمعْه من جابرٍ كما تقدَّمَ قريبًا.
العلةُ الثانيةُ: سعيد بن سلمة المدني مختلفٌ فيه، ولخَّصَ حالَهُ الحافظُ فقال:((صدوقٌ صحيحُ الكتابِ، يخطئُ من حفظه)) (التقريب 2326).
قلنا: وقد انفردَ سعيدٌ بذكرِ المرأة. وقد تقدَّمتْ رواية ابن عيينة وغيره عن ابن المنكدر فلم يسموها.
رِوَايَةُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ إِلَى أَهْلِ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى أَهْلِ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَكَلْنَا خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَمَا مَسَّ أَحَدٌ مِنَّا وُضُوءًا.
وَانْصَرَفْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي وِلَايَتِهِ مِنَ المَغْرِبِ، فَابْتَغَى عَشَاءً، فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَاهُنَا إِلَّا هَذِهِ الشَّاةُ وَقَدْ وَلَدَتْ. فَحَلَبَهَا وَطَبَخَ لَنَا لُبَّاءً، فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ فَصَلَّى بِنَا، وَمَا مَسَّ مَاءً وَلَا مَسَسْتُ. وَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رُبَّمَا جَفَنَ لَنَا فِي وِلَايَتِهِ، فَأَكَلْنَا الخُبْزَ وَاللَّحْمَ، فَيَخْرُجُ فَيُصَلِّي وَنُصَلِّي مَعَهُ، وَمَا يَمَسُّ أَحَدُنَا وُضُوءًا)).
[الحكم]:
ضعيف.
[التخريج]:
[زرعة 1754 (مختصرًا) / عتب (صـ 50) (واللفظ له) / تمهيد (3/ 334)].
[السند]:
قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: أخبرنا أحمد بن عبد الله، وأحمد بن سعيد قالا: حدثنا مَسْلَمة
(1)
بن القاسم قال: حدثنا أبو الحسن العباس بن محمد الجوهري ببغداد قال: حدثنا عمي القاسم بن محمد قال: حدثنا سعيد بن منصور
(2)
(1)
تصحف في المطبوع إلى ((مسلم)) والصواب ما أثبتناه كما في (ط هجر 2/ 546).
(2)
تصحف في المطبوع إلى: (سليمان)، والصواب المثبت كما في (الاعتبار، للحازمي)، وكذا رواه أبو زرعة الدمشقي في (تاريخه 1754) عن سعيد بن منصور به مختصرًا.
قال: حدثنا فُلَيْح بن سليمان قال: سَأَلْنَا الزُّهْرِيَّ عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ، فذَكَر فيه عن أبي هريرة، وخارجة بن زيد، وعمر بن عبد العزيز، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن،
…
وغيرهم- أنَّهم كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ. فقلتُ له: إن ها هنا شيخًا من قريشٍ، يقال له عبد الله بن محمد بن عقيل
…
الحديث.
ورواه الحازميُّ في (الاعتبار) من طريق سعيد بن منصور، عن فُلَيْح، به.
ورواه أبو زرعةَ الدمشقيُّ في (تاريخه 1754) عن سعيد بن منصور، عن فُلَيْح مختصرًا، قال:((إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ طَعَامًا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
ومداره عند الجميع على فُلَيْح بن سليمان، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: ابنُ عَقيل، الجمهورُ على تضعيفه، كما سبقَ وبيَّنَّا مِرارًا.
العلةُ الثانيةُ: فُلَيْحُ بنُ سليمانَ، وإن كان من رجال الشيخين، غير أنه ضعيفٌ، قال ابنُ حَجَرٍ:((صدوقٌ كثير الخطأ)) (التقريب 5443).
رِوَايَةُ ابْنِ عَقِيلٍ مُطَوَّلًا
• وَفِي رِوَايَةٍ مُطَوَّلَةٍ: عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقِيلِ بنِ أبي طالبٍ قال: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، أَخِي بَنِي سَلِمَةَ، وَمَعِي محمدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَأَبُو الأَسْبَاطِ مَوْلًى لِعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، كَانَ يَتْبَعُ العِلْمَ.
قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ مِنَ الطَّعَامِ.
فَقَالَ: ((خَرَجْتُ أُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ لِي: هُوَ بِالأَسْوَافِ
(1)
، عِنْدَ بَنَاتِ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، أَخِي بَلْحَارِثِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ، يَقْسِمُ بَيْنَهُنَّ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ أَبِيهِنَّ. قَالَ: وَكُنَّ أَوَّلَ نِسْوَةٍ وَرِثْنَ مِنْ أَبِيهِنَّ فِي الإِسْلَامِ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ الأَسْوَافَ، وَهُوَ مَالُ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي صُورٍ مِنْ نَخْلٍ قَدْ رُشَّ لَهُ، فَهُوَ فِيهِ.
قَالَ: فَأُتِيَ بِغَدَاءٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ قَدْ صُنِعَ لَهُ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَكَلَ القَوْمُ مَعَهُ.
قَالَ: ثُمَّ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلظُّهْرِ، وَتَوَضَّأَ القَوْمُ مَعَهُ.
قَالَ: ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ.
قَالَ: ثُمَّ قَعَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَا بَقِيَ مِنْ قِسْمَتِهِ لَهُنَّ، حَتَّى حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَفَرَغَ مِنْ أَمْرِهِ مِنْهُنَّ.
قَالَ: فَرَدُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَضْلَ غَدَائِهِ مِنَ الخُبْزِ وَاللَّحْمِ، فَأَكَلَ
(1)
قَالَ ابن عبد البر: ((الأَسْوَافُ: مَوضِعٌ بِنَاحِيَةِ البَقِيعِ مِنَ المَدِينَةِ وهو مَوضِعُ صَدَقَةِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ وَمَالِهِ)) (الاستذكار 26/ 40).
وَأَكَلَ القَوْمُ مَعَهُ، ثُمَّ نَهَضَ فَصَلَّى بِنَا العَصْرَ، وَمَا مَسَّ مَاءً وَلَا أَحَدٌ مِنَ القَوْمِ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[حم 15020].
[السند]:
أخرجه أحمدُ قال: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال
…
فذكره.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: عبد الله بن محمد بن عقيل، الجمهورُ على تضعيفه، كما سبقَ مِرارًا.
العلةُ الثانيةُ: أن ابنَ عَقيلٍ قدِ اضطربَ في متنِ هذه الروايةِ.
وذلك يتضحُ بما يلي:
الأمر الأول: أن شطرَ الحديثِ الأولِ في قصةِ ابنتي سعد بن الربيع- رواه جماعةٌ عنه بلفظ:
((جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ فِي أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا، وَلَا يُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ! !
قَالَ: فَقَالَ: «يَقْضِي اللهُ فِي ذَلِكَ» .
قَالَ: فَنَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَمِّهِمَا، فَقَالَ:«أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ» )).
رواه أحمدُ (14798)، والترمذيُّ (2223) من طريقِ عُبيدِ اللهِ بنِ عَمرٍو الرَّقيِّ.
وأبو داود (2879) من طريقِ داودَ بنِ قَيسٍ وغيرِهِ.
وابنُ ماجهْ (2730) من طريقِ ابنِ عيينةَ.
فرواه ثلاثتُهم عن ابن عقيل عن جابرٍ، به.
وخالفهم ابنُ إسحاقَ، فرواه عن ابنِ عَقيلٍ عن جابرٍ بهذه القصةِ المطوَّلةِ، وهي تقسيم الميراث، ولا يقالُ بتعدد القصتين لاتِّحَادِ المخرجِ. والله أعلم.
الأمر الثاني: -وهو المتعلق بموضع الشاهد- أنه قد زاد فيه: ((ثُمّ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ))، فنصَّ في هذه الروايةِ على أن وضوءَهُ صلى الله عليه وسلم أول الأمر كان منَ الحَدَثِ وليس من الأَكْلِ.
والرواياتُ السابقةُ كلُّها مطلقة ما خلا رواية ابنِ حِبَّانَ (1133) التي قال فيها: ((ثُمَّ قَالَ
(1)
تَحْتَ الصُّورِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ تَوَضَّأَ)).
أخرجها من طريق وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: حدثني محمد بن المنكدر، عن جابر، به.
ورجالها ثقات، ولكن انفرد بذكرها جرير بن حازم، فلم يذكرها أحدٌ
(1)
أي نام.
ممن رَوى الحديثَ عن ابنِ المنكدرِ كما سبقَ، وذَكَرنا روايتهم قريبًا؛ ولذا فهي رواية شاذة.
فذِكْرُ البولِ هنا أيضًا شاذٌّ، بل منكرٌ، ولعلَّه من أوهامِ ابنِ إسحاقَ وليس ابن عقيل؛ لأن ابنَ عيينةَ وغيرَهُ قد رَوى الحديثَ عن ابنِ عَقيلٍ، فلم يَذكرِ البولَ. رواه الترمذيُّ (80)، وغيره، كما سبقَ.
كما أن روايةَ ابنِ عيينةَ ومَن تابعه لم تُسَمَّ فيها المرأة.
وهذا يرجحُ أن هذه الزيادات من أوهام ابنِ إسحاقَ، وليس ابن عقيل. والله أعلم.
الأمر الثالث: اضطرابُه في ذكرِ الوُضُوءِ في أولِ الأمرِ لصلاةِ الظهرِ.
حيثُ رَوى ابنُ عيينةَ وجماعةٌ الحديثَ عن ابنِ عَقيلٍ موافقين ابن إسحاق على قوله: ((ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلظُّهْرِ، وَتَوَضَّأَ القَوْمُ مَعَهُ. قَالَ: ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ)).
وخالفهم آخرون، فرووه عن ابن عقيل، فقال:((فَأَكَلْنَا فَقُمْنَا إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَحَدٌ مِنَّا، ثُمَّ أُتِينَا بِبَقِيَّةِ الطَّعَامِ)). رواه أحمدُ (15162)، وغيرُهُ.
ولا شَكَّ أن هذا الاضطرابَ راجعٌ لعدمِ ضبطِ ابنِ عَقيلٍ وسوء حفظه. والله أعلم.
رِوَايَةُ: مَشَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ
…
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: ((مَشَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ [فِي نَخْلٍ لَهَا يُقَالُ [لَهُ]
(1)
: الأَسْوَافُ، فَفَرَشَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ صُورٍ لَهَا مَرْشُوشٍ]، [فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَلَسْنَا مَعَهُ]، فَذَبَحَتْ لَنَا شَاةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَيَدْخُلَنَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ:«لَيَدْخُلَنَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» ، فَدَخَلَ عُمَرُ، فَقَالَ:«لَيَدْخُلَنَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» ، فَقَالَ:«اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَاجْعَلْهُ عَلِيًّا» ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ.
ثُمَّ أُتِينَا بِطَعَامٍ، فَـ[أَكَلَ وَ] أَكَلْنَا، فَقُمْنَا إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ [فَصَلَّى وَصَلَّيْنَا][وَلَمْ يَتَوَضَّأْ]، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَحَدٌ مِنَّا، ثُمَّ أُتِينَا بِبَقِيَّةِ الطَّعَامِ [فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْنَا مَعَهُ] ثُمَّ قُمْنَا إِلَى العَصْرِ [فَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ] وَمَا مَسَّ أَحَدٌ مِنَّا مَاءً (مَا تَوَضَّأَ وَلَا تَوَضَّأْنَا))).
[الحكم]:
ضعيفٌ.
[التخريج]:
[حم 15162 (واللفظ له) / طي 1775 (مختصرًا) / طس 7897/ طش 651 (والزيادة الثانية والخامسة إلى السابعة له) / ش 32615 (مقتصرًا على أوله) / غيل 67 (والرواية وبقية الزيادات له) / لا 1947 (مختصرًا) / طح (1/ 65) (مختصرًا) / ك (تاريخ- مغلطاي 2/ 45) / كر (42/ 318، 319) / نبلا (10/ 444) / فاخر 394/ جماعة 7].
(1)
هذه الكلمة ليست في أصل (الغيلانيات) كما قال محققها، والسياق يقتضيها كما أشار إليه المحقق.
[السند]:
رواه أحمدُ قال: حدثنا أبو سعيد، ثنا زائدة، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، به.
ورواه الطيالسيُّ -ومن طريقه الطحاويُّ- عن زائدة به بلفظ: ((مَشَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَذَبَحَتْ لَهُ شَاةً، وَأَتَتْنَا بِالطَّعَامِ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكْلَنَا، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الظُّهْرِ، لَمْ يَتَوَضَّأْ أَحَدٌ مِنَّا، ثُمَّ أُتِينَا بِبَقِيَّةِ الشَّاةِ، فَتَعَشَّيْنَا مِنْهَا، وَحَضَرَتِ العَصْرُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا، لَمْ يَمَسَّ أَحَدٌ مِنَّا مَاءً)).
ورواه الطبرانيُّ في (مسند الشاميين) من طريق الوَضين بن عطاء، عن ابن عقيل، به.
ورواه أبو بكرٍ الشافعيُّ في (الغيلانيات) -ومن طريقه ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق)، والذهبيُّ في (سِيَر أعلام النبلاء) - والدولابيُّ في (الكنى)، من طريق عُبيد الله بن عمرو، عن ابنِ عَقيلٍ به.
ولفظُ الدولابيِّ: ((أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ- مِنْ شَاةٍ ذَبَحَتْهَا لَهُمُ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَصَلَّوُا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا)).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: عبد الله بن محمد بن عقيل، الجمهورُ على تضعيفه.
العلةُ الثانيةُ: اضطرابه في متنه كما تقدَّم قريبًا.
ثم إن ابنَ عَقيلٍ قد زادَ فيه -أيضًا- قصةَ أبي بكرٍ وعمرَ وعليٍّ رضي الله عنهم، وقد
توبع عليها ابن عقيل من طريقٍ لا يَثبتُ.
فقد أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط) من طريق الجارود بن يزيد، عن عبد الله بن زياد بن سمعان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي الزبير، عن جابر، بنحو رواية ابن عقيل.
وكذا أخرجه الحاكمُ في (تاريخ نيسابور) من طريق الجارود، به.
قال الطبراني: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا ابن سمعان، تَفَرَّد به الجارود بن يزيد".
قلنا: وهما كذَّابَان، ابن سمعان كذَّبه أبو داود وغيرُهُ (التقريب 3326)، والجارود كذَّبَه أبو حاتم وغيرُهُ. انظر (لسان الميزان 2/ 90)، فالإسنادُ تالفٌ.
[تنبيهات]:
1 -
هذا الحديثُ أخرجه الطيالسيُّ (7002)، وابنُ أبي شيبةَ (32615)، وأحمدُ في (فضائل الصحابة 233، 977)، والحارثُ (بغية الباحث 961)، وابنُ أبي عاصمٍ في (السنة 1453)، والحاكمُ (4720)، وغيرهم، وليس عندهم موضع الشاهد منَ البابِ، وهو تركُ الوُضُوءِ مما مسَّت النار؛ ولذا لم نذكرهم في التخريجِ، وسيأتي ذكرهم عند تخريج الحديث في كتاب فضائل الصحابة.
2 -
جاء في روايةِ الطبرانيِّ المختصرةِ (الأوسط 7002): حدثنا محمد بن عبدوس، ثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد بن مسلم، عن الوَضين بن عطاء، بإسناده إلى أن قال:((فَطَلَعَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» فَطَلَعَ عُثْمَانُ)).
هكذا وقعَ فيه، وقد رواه الطبرانيُّ في (مسند الشاميين 651) عن هاشم بن مَرْثَد الطبراني، ثنا صفوان بن صالح (ح) وحدثنا الحسن بن السميدع الأنطاكي والحسن بن جرير الصُّوري، قالا: ثنا موسى بن أيوب النصيبي، قالا: ثنا الوليد بن مسلم، به، بذكر عليٍّ رضي الله عنه بدلًا من عثمانَ رضي الله عنه، وهو المحفوظُ من هذا الطريقِ كما في بقيةِ المصادرِ الأُخرَى.
رِوَايَةُ: أَكَلَ ذِرَاعًا -أَوْ: كَتِفًا-
…
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ ذِرَاعًا -أَوْ: كَتِفًا- فَمَسَحَ يَدَهُ، فَصَلَّى بِنَا، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ بذكرِ المسحِ.
[التخريج]:
[تمام 1755].
[السند]:
قال تمام: أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر بن هشام الكِنْدي، ثنا أبو بكر محمد بن عمرو بن نصر بن الحَجاج القُرَشي، حدثني أبي، عن أبيه نصر بن الحَجاج، حدثني الأوزاعي، حدثني عطاء بن أبي رباح، عن جابر، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: محمد بن عمرو بن نصر، قال فيه ابنُ مَنْدَه: ((حَدَّثَ عن أبيه
بغرائبَ)) (تاريخ دمشق 55/ 34). وأبوه عمرو بن نصر ترجمَ له ابنُ عساكر، ولم يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا (تاريخ دمشق 46/ 436).
العلةُ الثانيةُ: الإعلال بالوقف؛ حيث إن المحفوظ عنِ الأوزاعيِّ عن عطاء بن أبي رباح عن جابرٍ، أنه قال:((رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَكَلَ لَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وتابع الأوزاعيَّ:
ابنُ جُرَيجٍ، كما عند عبد الرزاق (653) -ومن طريقه ابنُ المنذرِ في (الأوسط 113) -.
وقتادةُ، كما عند أحمد في (المسند 14920)، وغيره.
ومِسْعرٌ، كما عند أبي بكر الأثرم في (سننه 154).
فرووه وغيرهم عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر، عن أبي بكر قوله.
قلنا: وفي المتنِ نكارةٌ حيث زاد فيه: ((فَمَسَحَ يَدَهُ))، ولعلَّها من غرائب محمد بن عمرو بن نصر. والله أعلم.
رِوَايَةُ: أَكَلَ كَتِفًا:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرٍ ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، صَحَّ من حديثِ ابنِ عباسٍ. وهذه الروايةُ إسنادُها واهٍ، ضَعَّفها ابنُ عَدِيٍّ وابنُ عَبْدِ البَرِّ.
[التخريج]:
[عد (7/ 82)].
[السند]:
قال ابنُ عَدِيٍّ: حدثنا محمد بن بَكْتل الخوارزمي، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق التَّنوخي، حدثني عبد الله بن محمد القدامي، حدثنا مالك، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ لأجل عبد الله بن محمد القدامي.
قال ابنُ عَدِيٍّ: ((عامة حديثه غير محفوظ، وهو ضعيفٌ على ما تبين لي من رواياته واضطرابه فيها، ولم أَرَ للمتقدمين فيه كلامًا فأذكره)).
وقال الذهبيُّ في (الميزان 2/ 488): ((أحدُ الضعفاءِ، أَتَى عن مالكٍ بمصائبَ)).
قلنا: وقد خالفَ القدامي عامةَ أصحاب مالك، حيثُ رووه عنه عن محمد بن المنكدر مرسلًا، بغير هذا اللفظ كما سيأتي.
قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: ((هذا الحديثُ في (الموطأ) عند جميعِ الرواةِ فيما علمتُ مرسلًا. ورواه عمر بن إبراهيم الكُرْدي وخالد بن يزيد العُمَري والقدامي،
كلهم عن مالك، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، مسندًا. وكلهم ضعيف لا يُحتج بروايته عن مالك ولا عن غيره لضعفهم. والصواب فيه عن مالك ما في (الموطأ) مرسلًا)) (التمهيد 12/ 273).
[تنبيه]:
لم نذكر ضمن روايات الحديث هنا رواية شعيب بن أبي حمزة هذا الحديث عن ابن المنكدر، وسيأتي تخريجها في باب مستقل.
رِوَايَةُ: أَكَلَ مَرَقًا بِلَحْمٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَقًا بِلَحْمٍ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ بذكرِ المرقِ.
[التخريج]:
[حنف (حارثي 70)].
[السند]:
قال أبو محمد عبد الله بن محمد الحارثي البخاري: أخبرنا صالح بن أحمد القيراطي، ثنا أحمد بن خالد بن عمرو الحِمْصي، ثنا أبي، ثنا عيسى بن يزيد، عن الأبيض بن الأغر، عن أبي حنيفة، عن أبي الزبير، عن جابر، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ آفته شيخ الحارثي، صالح بن أحمد بن أبي مقاتل
القيراطي.
قال ابنُ عَدِيٍّ: ((يسرقُ الحديثَ، ويلزقُ أحاديثَ قومٍ لم يرهم على أحاديثِ قومٍ رآهم، ويرفعُ الموقوفَ، ويصلُ المراسيلَ، ويَزيدُ في الأسانيدِ)). ثم أوردَ له عدةَ أحاديث، ثم قال:((هو بَيِّنُ الأمرِ جدًّا)).
وقال ابنُ حِبَّانَ: ((كتبنا عنه ببغداد، يسرقُ الحديثَ ويقلبه، لعلَّه قد قَلَبَ أكثرَ من عَشَرة آلاف حديث فيما خَرَّج من الشيوخ والأبواب، شهرته عند مَن كَتَب الحديث من أصحابنا تغني عن الاشتغال بما قلب من الأخبار، لا يجوزُ الاحتجاجُ به بحال)).
وقال الدارقطنيُّ: ((متروكٌ، كذَّابٌ، دَجَّالٌ، أدركناه ولم نكتبْ عنه، يُحَدِّثُ بما لم يسمعْ)).
وقال السُّلَميُّ عنه: ((كذَّابٌ دَجَّالٌ، يحدثُ بما لم يسمعْه)).
وقال الحاكمُ: ((متروكٌ)).
وقال الخطيبُ: ((كان يُذْكَرُ بالحفظِ، غير أن حديثَه كثير المناكير)).
وقال البَرقانيُّ: ((لم يكن يُكتب حديثه. قلتُ: ولِمَ؟ لضعفه؟ قال: نعم، هو ذاهبُ الحديثِ)).
وقال أبو عليٍّ النيسابوريُّ عن أحمد بن عبدان: ((أبعد الله صالحًا؛ فإنه قد عَمِل فيَّ أحاديث)).
وقال أيضًا: ((لَعَنَ اللهُ صالحًا. قال أبو عليٍّ: فقلتُ: ليس من ذاك الضِّعَافِ
(1)
. فقال: يا أبا علي، إذ افْتَعَل في أحاديث معدودة يكفينا ذلك)).
(1)
وقع في (إرشاد القاصي): الضعفاف، وهو تصحيف.
انظر (إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني، صـ 332).
وفيه أيضًا: أبو حنيفة الإمام المشهور -مع فقهه وجلالته- ضعيفٌ في الحديثِ، وقد تقدَّم مِرارًا.
والراوي عنه: الأبيض بن الأغر ((ليس بالقويِّ، قاله الدارقطنيُّ)) (سؤالات السلمي 9)، وانظر (لسان الميزان 1/ 393).
وفيه كذا: عمرو بن خالد الحمصي ((ضعيفٌ، وكذَّبه جعفر الفريابي)) (التقريب 1661).
وابنه أحمد، قال الخطيب:((حَدَّثَ عن أبيه أحاديث غرائب)) (تاريخ بغداد 5/ 210).
2234 -
حَدِيثُ عَمْرَةَ بِنْتِ حَزْمٍ:
• عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ حَزْمٍ -وَقِيلَ: بِنْتِ حَرَامٍ
(1)
-: ((أَنَّهَا جَعَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي صُورِ نَخْلٍ [مُلْتَفٍّ] كَنَسَتْهُ وَطَيَّبَتْهُ (وَرَشَّتْهُ) وَذَبَحَتْ لَهُ شَاةً فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ، وَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ مِنْ لَحْمِهَا فَأَكَلَ، وَصَلَّى العَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ كما سبقَ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، معلٌّ بذكرِ عَمْرةَ، أعلَّه: أبو نُعَيمٍ الأصبهاني، وضَعَّفه: الهيثميُّ.
[التخريج]:
[طب (24/ 339/ 848) (واللفظ له) / مث 3493 (والزيادة والرواية له) / صحا 7759/ شعب 9168/ غو (1/ 216) / أزدي (مبهم 28) / أسد (7/ 197)].
[السند]:
رواه الطبرانيُّ في (الكبير) -وعنه أبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة) - قال: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا عمرو بن الربيع بن طارق، ثنا يحيى بن أيوب، عن محمد بن ثابت البُنَاني، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن عمرة بنت (حرام) به.
ورواه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) عن محمد بن سهل، عن عسكر.
(1)
وهي رواية أبي نعيم في (المعرفة) عن الطبراني، وكذا عزاه الحافظ في (الإصابة 11495) للطبراني، ومع ذلك تحرَّفَ في (المعجم) إلى "حزام" بالزاي المنقوطة.
ورواه ابنُ منده، والبيهقيُّ في (الشعب) من طريق محمد بن إسحاق الصاغاني وأبي حاتم الرازي.
ثلاثتُهم عن عمرو بن الربيع، به.
فمداره عندهم على عمرو بن الربيع، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلة الأولى: محمد بن ثابت البُناني؛ قال البخاري: ((فيه نظر)). وقال الحافظُ: "ضعيف"(التقريب 5767). وقال الهيثميُّ: ((رواه الطبرانيُّ في (الكبير)، وفيه محمد بن ثابت البُناني، وهو ضعيفٌ، وبقية رجاله رجال الصحيح)) (مجمع الزوائد 1340).
العلة الثانية: قد خولف فيه البناني مع ضَعْفِهِ.
فرواه غير واحد من الثقات عن ابن المنكدر، وأسندوه عن جابرٍ من حديثه، ولم يُسمُّوا المرأةَ. وقد سبقَ.
وقال أبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة): ((رواه محمد بن مسكين، عن عمرو بن الربيع، وقال: عمرة بنت حزم. ورواه الثوريُّ، وشعبةُ، وروحُ بنُ القاسمِ، وسهيلُ بنُ أبي صالحٍ، عن محمدِ بنِ المنكدرِ، عن جابرٍ، ولم يُسمُّوها. ورواه أبو داود الطيالسيُّ، عن محمد بنِ ثابت، عن محمد بنِ المنكدر، عن عبد الله بنِ فلان، عن عمرةَ بنتِ عَمْرٍو، نحوه. ورواه ابنُ عقيل، عن جابر، ولم يسمها)).
2235 -
حَدِيثُ ابنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: حَدِّثِينِي فيِ شَيْءٍ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ. فَقَالَتْ: ((قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينَا إِلَّا قَلَيْنَا لَهُ حَبَّةً تَكُونُ بِالمَدينَةِ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا، وَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فُلَانَةَ، بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -قَدْ سَمَّاهَا وَنَسِيتُ- قَالَتْ:((دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي بَطْنٌ مُعَلَّقٌ، فَقَالَ: «لَوْ طَبَخْتِ لَنَا مِنْ هَذَا البَطْنِ كَذَا وَكَذَا»، قَالَتْ: فَصَنَعْنَاهُ، فَأَكَلَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ معلولٌ. وتَرْكه صلى الله عليه وسلم الوُضُوءَ مما مسَّت النار ثابتٌ صحيحٌ كما سبقَ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [طح (1/ 65/ 368) (واللفظ له) / كجي (مغلطاي 2/ 55)].
تخريج السياقة الثانية: [طح (1/ 65/ 369)].
[السند]:
أخرجه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 368) قال: حدثنا ربيع المؤذن قال: ثنا أسد قال: ثنا عمارة بن زاذان، عن محمد بن المنكدر، به.
ثم أخرجه أيضًا الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 369) قال: حدثنا ابن خزيمة قال: ثنا حجاج قال: ثنا عمارة بن زاذان، به.
ورواه الكجيُّ كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي) عن حَجاج، ثنا عمارة، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: عمارة بن زاذان؛ قال فيه ابنُ حَجَرٍ: ((صدوقٌ، كثير الخطأ)) (التقريب 4847).
العلةُ الثانيةُ: المخالفةُ، فقد رواه غيرُ واحدٍ عن ابنِ المنكدرِ، وجعلوه من حديثِ جابرٍ رضي الله عنه، وبغير هذا السياق، كما سبقَ.
2236 -
حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ مُرْسَلًا
• عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ مُرْسَلًا: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دُعِيَ لِطَعَامٍ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَلَحْمٌ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أُتِيَ بِفَضْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ لإرسالِهِ.
[التخريج]:
[طا 61].
[السند]:
أخرجه مالك عن محمد بن المنكدر به مرسلًا.
[التحقيق]:
إسنادُهُ صحيحٌ غير أنه مرسلٌ؛ ابنُ المنكدرِ من الوسطى منَ التابعين، وقد أسندَهُ غيرُ واحدٍ عن ابنِ المنكدرِ عن جابرٍ كما سبقَ.
قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: ((هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عند جميع الرواة فيما علمتُ مرسلًا
…
وقد رواه ثقاتٌ عن محمد بن المنكدر عن جابرٍ مسندًا)) (التمهيد 12/ 273).
وانظر رواية القدامي لحديث جابر المُخرَّج آنفًا.
2237 -
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَعَرَّقَ عَظْمًا (أَكَلَ لَحْمًا) وَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ كما سبقَ، وإسنادُهُ معلٌّ.
[التخريج]:
[لا 1849/ ثحب (8/ 411 - 412) / ضياء (مرو ق 42/ب) (والرواية له) / ابن أبي داود (مغلطاي 2/ 52)].
[السند]:
أخرجه ابنُ حِبَّانَ في (الثقات) قال: ثنا ابن جَوْصَا، ثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي.
ورواه الدولابيُّ في (الكني والأسماء) قال: وأخبرني أحمد بن شعيب قال: أنبأ عبد الرحمن بن إبراهيم.
ورواه الضياءُ في (المنتقى من مسموعات مرو) من طريق أحمد بن عبد الله بن حكيم الفرياناني.
ثلاثتهم، عن مَرْوان بن معاوية، ثنا هلال بن ميمون الرملي الجُهَني أبو المغيرة، أنه سمعَ عطاء بن يزيد الليثي يُحَدِّث عن أبي سعيد الخدري
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله ثقات، غير هلال بن ميمون، وهو الجهني أبو المغيرة الرملي، مختلف فيه:
فوَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ (الجرح والتعديل 9/ 76)، وفي رواية قال:((صالح)) (تاريخه، رواية الدارمي 856). وقال النسائيُّ: ((ليس به بأس)) (تهذيب الكمال 30/ 349).
وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 572). بينما قال ابنُ حِبَّانَ في (مشاهير علماء الأمصار 1430): ((يخالفُ ويهم)).
وقال أبو حاتم: ((ليس بالقوي، يُكتب حديثه)) (الجرح والتعديل 9/ 76).
ولخَّصَ حاله ابنُ حَجَرٍ فقال: ((صدوقٌ)) (التقريب 7347).
قلنا: ومع الخلافِ في حالِ هلال، فإن له حديثًا آخر.
أخرجه أبو داود (184)، فقال: حدثنا محمدُ بنُ العلاءِ، وأيوبُ بنُ محمدٍ الرَّقِّيُّ، وعَمرُو بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، المَعْنَى، قَالُوا: حدثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، أخبرنا هِلَالُ بْنُ مَيْمُونٍ الجُهَنِيُّ، عَنْ عطاءِ بنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ -قَالَ هِلَالٌ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَقَالَ أَيُّوبُ وَعَمْرٌو: أُرَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ-، ((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِغُلَامٍ يَسْلَخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ» فَأَدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَ الجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبِطِ، ثُمَّ مَضَى، فَصَلَّى لِلنَّاسِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
فنخشى أن يكون اضطربَ على هلالٍ متنُ هذا الحديثِ، فرواه مرة فقال:((تَعَرَّقَ عَظْمًا، وَصَلَّى بِالنَّاسِ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ))، ورواه أُخرى، فقال:((فَأَدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَ الجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الإِبِطِ، ثُمَّ مَضَى، فَصَلَّى لِلنَّاسِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
والذي دعانا لهذا أن هلالًا اختُلف عليه في سندِ الحديثِ المتأخر؛ فرواه جماعةٌ عن مَرْوانَ الفَزَاريِّ، عن هلالٍ، عن عطاءِ بنِ يزيدَ الليثيِّ، قال:
((أُراه عن أبي سعيدٍ)) هكذا بالشك.
رواه أيوب بن محمد الرقي، وعمرو بن عثمان الحمصي، عن مروان به. كما عند أبي داود في (السنن).
ورواه أبو كريب محمد بن العلاء، عن مروان بسنده، فقال هلال:((لا أعلمه إلا عن أبي سعيد الخدري)). أخرجه أبو داود في (السنن) كما تقدم، وابن ماجه (3198).
ورواه عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية، عن هلال، عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا، لم يذكرا أبا سعيد. ذكره أبو داود في (السنن عقب حديث رقم 184).
قلنا: وسيأتي تخريجُ هذا الحديثِ وتحقيقه بتوسع تحت ((باب الوضوء من مسِّ اللحمِ النِّيءِ والدم)).
والذي يرَجِّحُ كونه حديثًا واحدًا، اضطرابُ هلالٍ في متنه- ما رواه ابنُ أبي داودَ في (سننه) كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 52) من طريق أيوب بن محمد الوازن، نا مَرْوان، نا هلال بن ميمون، ثنا عطاء بن يزيد قال: وأُراه عن أبي سعيد قال: تعرَّق رسول الله
…
الحديث. هكذا رواه بالشك كما في الحديث الماضي، فالظاهر عدم ضبط هلال له. والله أعلم.
رِوَايَةُ: بِلَحْمٍ قَدْ شُوِيَ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتِي، فَأَتَيْتُهُ بِلَحْمٍ قَدْ شُوِيَ، فَطَعِمَ مِنْهُ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ [وَفَمَهُ]، وَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يُحْدِثْ وُضُوءًا)).
[الحكم]:
منكرٌ بذكرِ غسل الكفَّين والمضمضة، وهذا إسنادٌ مضطربٌ، وأعلَّه: الدارقطنيُّ.
[التخريج]:
[آثار 45/ شيباني 17 (واللفظ له) / حنف (نُعَيمٍ صـ 102 (والزيادة له ولغيره)، 183) / خط (7/ 299) / حنف (خسرو 442 - 444، 532، 533، 854 - 857، 1260) / حنف (أشناني - خوارزم 1/ 250) / حنف (باقي - خوارزم 1/ 250) / حنف (طلحة - خوارزم 1/ 254) / حنف (مظفر- خوارزم 1/ 254 - 255) / فوائد الأصبهانيين لأبي الشيخ (إمام 2/ 401) / مبرد (حنيفة 27)].
[التحقيق]:
مداره على أبي حنيفة، واختُلف عنه على سبعة أوجه:
الوجه الأول: عن أبي حنيفة، عن داود بن عبد الرحمن، عن شرحبيل، عن أبي سعيد الخدري، به. رواه أبو يوسف في (الآثار) عن أبي حنيفة، به.
ورواه الحسين بن محمد بن خسرو في (مسند أبي حنيفة 442 - 444)، وأبو الشيخ الأصبهاني في (فوائد الأصبهانيين)، وغيرهم، من طرقٍ عن أبي حنيفةَ، به.
وفيه مع ضَعْفِ أبي حنيفةَ داود بن عبد الرحمن، جهله الدارقطنيُّ، ولكن قال:((عبد الرحمن بن داود)) (العلل 1180)، وقال ابنُ حَجَرٍ:((عنه أبو حنيفةَ، ليس بالمشهورِ)) (تعجيل المنفعة 285).
وشيخه شرحبيل هو ابن سعد ((ضعيف)).
قال يحيى بن سعيد: ((سُئِلَ محمد بن إسحاق عن شرحبيل بن سعد، فقال: نحن لا نَروي عنه شيئًا)).
وروى حَجاج بن محمد، عن ابن أبي ذئب، قال:((حدثنا شرحبيل بن سعد، وكان مُتَّهمًا)).
وقال عليُّ بنُ المدينيِّ: ((قلتُ لسفيانَ بنِ عيينةَ: كان شرحبيل بن سعد يُفْتِي؟ قال: نعم، ولم يكن بالمدينة أحدٌ أعلم بالمغازي والبدريين منه، فاحتاج، فكأنهم اتَّهموه، وكانوا يخافون إذا جاء إلى الرجل يطلب منه شيئًا فلم يعطه، أن يقول: لم يشهد أبوك بدرًا)).
وقال يحيى بن معين: ((شرحبيل بن سعد ليس بشيء، هو ضعيف)).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: ((سألتُ أبي عن شرحبيل بن سعد، وقيل له: في حديثه لين؟ قال: نعم، ضعيف الحديث)).
وقال عبد الرحمن: ((سُئِلَ أبو زرعة عن شرحبيل بن سعد، فقال: مديني فيه لين)) (الجرح والتعديل 4/ 338 - 339).
وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((ولشرحبيل أحاديث وليس
(1)
بالكثير، وفي عامة ما يرويه إنكار، على أنه قد حَدَّثَ عنه جماعةٌ من أهلِ المدينةِ من أئمتهم
(1)
قال محقق كتاب (الكامل): في (أ): ليست.
وغيرهم إلا مالك
(1)
، فإنه كره الروايةَ عنه
…
وهو إلى الضعفِ أقربُ)) (الكامل 6/ 205).
الوجه الثاني: عن أبي حنيفة، عن عبد الرحمن بن زاذان، عن شُرَحْبيل، عن أبي سعيدٍ، به.
رواه محمد بن الحسن الشيباني في (الآثار) قال: أخبرنا أبو حنيفة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زاذان، عن شرحبيل
(2)
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، به.
ورواه ابنُ خسرو في (مسنده 854) من طريق محمد بن الحسن، به.
وفيه مع ضَعْفِ أبي حنيفةَ وشرحبيل، عبد الرحمن بن زاذان، لم نعرفْه.
الوجه الثالث: عن أبي حنيفة، عن عبد الرحمن بن زياد، عن شرحبيل، عن أبي سعيد، به.
رواه طلحة بن محمد بن جعفر في (مسند أبي حنيفة) من طريق إبراهيم بن عثمان البلخي، عن مكي بن إبراهيم، عن أبي حنيفة، به.
قال طلحة: ((عبد الرحمن بن زياد -وقيل: ابن زاذان- وهو الصحيح)).
الوجه الرابع: عن أبي حنيفة، عن عبد الرحمن بن الرذاذ -وقيل: الرداد- عن شرحبيل، عن أبي سعيد، به.
رواه أبو نُعَيمٍ في (مسند أبي حنيفة، صـ 183) من طريق مكي بن إبراهيم، ومحمد بن الحسن، وسعيد بن مسلمة عن أبي حنيفة، به.
(1)
في طبعة الكتب العلمية: مالكًا، بالنصب.
(2)
سقط من الأصول الخطية للمحقق، واستدركه من (مسند أبي حنيفة) لأبي نعيم الأصبهاني، و (جامع المسانيد) للخوارزمي.
ورواه ابنُ خسرو في (مسنده 856، 857) من طريق محمد بن الحسن، وأبي عبد الرحمن المقرئ، كلاهما عن أبي حنيفة، به، ولكن قالا:((عبد الرحمن بن الرداد)).
وإسناده كسابقه.
الوجه الخامس: عن أبي حنيفة، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن شرحبيل، عن أبي سعيد، به. رواه ابنُ خسرو في (مسنده 855) من طريق ابن المقرئ، عن أبي حنيفة، به.
وإسنادُهُ فيه -مع ما تقدَّم- ابنُ أبي الزنادِ، ضعيفٌ.
الوجه السادس: عن أبي حنيفة، عن أبي علي، عن شرحبيل، عن أبي سعيد، به.
رواه ابنُ خسرو في (مسنده 1260)، ومحمد بن المظفر في (مسنده) من طريق محمد بن الحسن، عن أبي حنيفة، به.
وفيه -مع ما تقدم- أبو عليٍّ، لا نعرفه.
الوجه السابع: عن أبي حنيفة، عن شرحبيل، عن أبي سعيد، به.
رواه ابنُ خسرو في (مسنده 532، 533) من طريقين عن علي بن مَعْبَد قال: حدثنا محمد بن الحسن، عن أبي حنيفة، به.
قلنا: مدار هذه الأوجه كما تقدَّم على أبي حنيفة، وقد اضطربَ فيه اضطرابًا شديدًا لسوء حفظه.
وقد خالفه أبو جعفر الرازي، فرواه عن شرحبيل مرسلًا.
ورجَّحَهُ الدارقطنيُّ، -حيثُ سُئِلَ عن حديث شرحبيل بن سعد، عن
أبي رافع، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له:«نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ» ، فناولته إيَّاه فانتهشها حتى أَتَى عليها
…
فذكر حديثًا فيه علامات النبوة، وفي آخره: ثُمَّ صَلَّى ولم يَتَوَضَّأْ- فقال: ((يرويه أبو جعفر الرازي، واختُلف عنه: فرواه سلمة بن الفضل، عن أبي جعفر الرازي، عن داود بن أبي هند، عن شرحبيل، عن أبي رافع. ورواه خلف بن الوليد وغيره، عن أبي جعفر، عن شرحبيل. لم يذكروا بينهما أحدًا، وهو أشبه بالصواب. وروى هذا الحديث أبو حنيفة، عن شيخٍ له مجهول سمَّاه عبد الرحمن بن داود، وقيل عنه: عن ابن يزداد، عن شرحبيل، وأسندَهُ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، ووهمَ فيه وإنما هو حديثُ أبي رافعٍ)) (العلل 1180).
2238 -
حَدِيثُ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ الزُّبَيْرِ
◼ عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، رضي الله عنها قَالَتْ:((دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَكَلَ فِي بَيْتِي كَتِفًا (عَظْمًا)، ثُمَّ جَاءَهُ بِلَالٌ رضي الله عنه، فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَذَهَبَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
فيه ضعف.
[التخريج]:
[ك 7117 (والرواية له) / طب (25/ 84/ 213) / مث 3158 (واللفظ له) / طح (1/ 65) / حث 95/ صحا 7897/ أسد (7/ 309)].
[السند]:
أخرجه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) قال: حدثنا هُدْبة بن خالد، نا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أم حكيم، به.
وأخرجه الطبرانيُّ في (الكبير)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار) من طريق حجاج بن المنهال.
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) من طريق موسى بن إسماعيل.
قالا: ثنا حماد بن سلمة، به.
[التحقيق]:
إسناده رجاله ثقات غير عمار بن أبي عمار.
وَثَّقَهُ أحمدُ، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وأبو داود (تهذيب الكمال 21/ 199)؛ ولذا قال الذهبيُّ:((وَثَّقُوه)) (الكاشف 3994).
ومع ذلك قال فيه الحافظُ: ((صدوقٌ ربما أخطأَ)) (التقريب 4829).
ولعلَّه اعتمدَ قول ابنِ حِبَّانَ فيه، حيث ذكره في (الثقات 5/ 267)، وزاد:((كان يُخطئُ))، وقال في (مشاهير علماء الأمصار 634):((كان يهمُ في الشيءِ بعدَ الشيءِ)).
والحديثُ صَحَّحَ إسنادَهُ العينيُّ في (نخب الأفكار 2/ 26).
قلنا: ولكن هذا الحديث وقع فيه اضطرابٌ شديدٌ في صحابية الحديث؛ لأن ثلاثة من الرواة رووه، واختلفوا فيما بينهم في صاحبة القصة، وهم:
1 -
عمار بن أبي عمار.
2 -
عبد الله بن الحارث.
3 -
إسحاق بن عبد الله بن الحارث.
فأما عمار بن أبي عمار، فقال:((أم حكيم بنت الزبير)) كما في روايتنا هذه، وجعل قصة النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الوضوء مما مست النار في بيتها.
وانفرد عمار بذلك، وكذا انفرد عنه حماد بن سلمة، وكلاهما فيه بعض الوهم مما يجعل النفس لا تطمئن لانفرادهما به.
قال خليفة بن خياط: ((ورُوي هذا الحديث أيضًا عن ضباعة. قال: وحدثني غير واحد من بني هاشم أنهم لا يعرفون للزبير بن عبد المطلب بنتًا غير ضباعة. قالوا: ضباعة هي أم حكيم
(1)
. وقال أبو عبيدة: ضباعة وأم حكيم
(1)
وممن ذهبَ لهذا الإمامُ أحمدُ، وحكاه عن الشافعي، واختاره ابنُ أبي حاتم وغيره.
انظر (الجرح والتعديل 9/ 462)، و (الأسامي والكنى لأحمد، رواية صالح، صـ 26).
ابنتا الزبير بن عبد المطلب)) (الطبقات، صـ 621).
قال الحاكم -معقبًا على حديث عمار المتقدم-: ((((قد وهم حماد بن سلمة في هذا الاسم، فقال: أم حكيم))، وأسندَ إلى معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن إسحاق بن عبد الله بن نوفل، عن أم الحكم بنت الزبير، ((أَنَّهَا نَاولتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتفًا مِن لحمٍ، فَأَكَلَ منها، ثم صلَّى ولم يَتَوَضَّأْ)).
وسندُهُ رجالُهُ ثقات، ولكن اختُلف فيه على قتادةَ اختلافًا شديدًا، كما سيأتي.
وأما عبد الله بن الحارث بن نوفل: فوافق عمارًا في قوله: ((أم حكيم بنت الزبير))، ولكن خالفه في كون القصة وقعت لها في بيتها، حيث قال:((إن أُمَّ حكيم بنت الزبير حدَّثتْه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ على ضباعةَ بنتِ الزبيرِ، فَنَهَسَ من كتفٍ عندها، ثم صلَّى، وما تَوَضَّأَ من ذلك)). هكذا جعل القصة وقعت في بيت ضباعة، وليس أم حكيم.
رواه أحمدُ (27091) قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، أن صالحًا أبا الخليل حَدَّثَهُ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، به.
ورواه ابنُ أبي شيبة في (المصنف 545) -وعنه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 3159)، وغيره- عن يزيد، به.
وتابع يزيد: خالد بن الحارث، كما عند الطبرانيِّ في (المعجم الكبير 1/ 395)، وغيره.
وابن أبي عدي، كما عند البخاريِّ في (التاريخ الكبير 1/ 395)، وغيره.
ورَوْح بن عُبَادة، كما عند أحمد (27355)، وغيره.
وخالفهم خالد بن عبد الله الواسطي وعبد الله بن نمير، فروياه عن سعيد، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث، به. فأسقطا صالحًا أبا الخليل. وأرسله أيضًا ابن نمير. ذكره الدارقطني في (العلل 4102).
وتابعهما على إسقاط صالحٍ: عبد الوهاب الخفاف، كما عند ابن عساكر في (تاريخ دمشق 8/ 238)، ولكن خالفهما في صحابية الحديث، فقال:((أم الحكم)).
وقد علَّقَ الإمامُ أحمدُ على روايةِ يزيد وروح المتقدمة، فقال:((وقال الخفاف: هي أم الحكم بنت الزبير)).
وعَبدةُ بنُ سليمانَ، كما عند البخاريِّ في (التاريخ الكبير 1/ 395)، وغيره من طريقِ صدقةَ عن عَبدةَ به. وقال أيضًا:((أم الحكم)).
ولكن خالف صدقة: إسحاق بن راهويه، فقال: أخبرنا عبدة بن سليمان، عن ابنِ أبي عَروبة، عن قتادةَ، عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن أُمِّ حكيم بنت الزبير، ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَ عِنْدَهَا كَتِفَ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
فوافقت هذه الرواية رواية عمار المتقدمة في ذكرِ صحابيةِ الحديثِ وكون القصةِ وقعتْ في بيتها.
وخالفَ جميعَ مَن تقدَّمَ عبدُ الأعلى بنُ عبد الأعلى، فرواه عن سعيد بن أبي عروبة بإسناده، ولكن قال:((عن أُمِّ حكيم عن أختها ضُباعة)) فجعلَ صاحبة الحديث ضباعة وليس أم حكيم. رواه البخاريُّ في (التاريخ الكبير 1/ 395) معلقًا.
وأسندَهُ أبو يعلى كما في (إتحاف الخيرة المهرة 631/ 4) من طريقِ ابنِ أبي سَمِينةَ، عن عبدِ الأَعلى، به، ولكن أسقطَ من إسنادِهِ أُمَّ حكيمٍ، وجعله من مسندِ ضباعةَ.
قلنا: والراجحُ في روايةِ سعيدِ بنِ أبي عروبةَ روايةُ مَن اجتمعَ على إسنادِهِ ومتنِهِ، وهُم يزيدُ بنُ هارونَ ومَن تابعه. والله أعلم.
وأما إسحاقُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفَل: فرواه عنه قتادةَ، وداود بن أبي هند.
أما قتادةُ فاختُلفَ عليه:
فرواه هشامٌ الدستُوائيُّ، عن قتادة، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أُمِّ الحكم
(1)
بنت الزبير، ((أَنَّهَا نَاوَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا مِنْ لَحْمٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ صَلَّى)). فجعل صحابية الحديث أم الحكم، وجعل القصة معها، وليس ضُباعة.
رواه أحمدُ (27356) -ومن طريقه ابنُ عساكر في (تاريخه 8/ 237) - عن علي بن المديني
(2)
عن معاذ بن هشام عن أبيه، به.
(1)
تصحفت في (مسند أحمد)، و (معجم الطبراني) إلى ((أم حكيم))، والصوابُ المثبتُ، كما في بقية المصادر، وهو ثابتٌ في بعضِ نُسخِ المسند لأحمد، وانظر ما سطره محققو (المسند، ط/ الرسالة 45/ 345، وط/ المكنز 12/ 467).
وقد روى الحديثَ ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق 8/ 237) من طريقِ الإمامِ أحمدَ، فجاءَ على الصوابِ.
وجزم إبراهيمُ الحربيُّ أن روايةَ الدستوائي، فيه:((أم الحكم))، فقال:((وقال الدستُوائيُّ: عن إسحاق عن أم الحكم. وأحسن)) (تهذيب التهذيب 12/ 464).
(2)
سقط من المطبوع من (مسند أحمد)، وهو ثابتٌ في (تاريخ دمشق)، وكذا في بعضِ النسخِ الخطيةِ للمسند. وانظر ما سطره محققو (المسند، ط/ الرسالة 45/ 345، وط/ المكنز 12/ 467).
ورواه ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3162)، والطبريُّ في (المنتخب من ذيل المذيل، صـ 111)، والحاكم في (المستدرك 7116) من طرقٍ عن معاذٍ، به.
قال إبراهيمُ الحربيُّ: ((وقال سعيد بن بشير، عن قتادةَ، عن إسحاقَ، عن جدِّته أم حكيم، فوهم. وقال الدستُوائيُّ: عن إسحاق عن أم الحكم، وأحسن)) (تهذيب التهذيب 12/ 464)، و (الإصابة 14/ 337).
ورواه همام بن يحيى عن قتادةَ عن إسحاقَ قال: عن جدِّتِه أمِّ الحكم
(1)
، عن أختها ضُباعة بنت الزبير، ((أَنَّهَا دَفَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَحْمًا، فَانْتَهَسَ مِنْهُ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
فوافقَ همام هشام الدستوائي في قوله: ((أم الحكم))، ولكن زاد في إسناده:((عن أختها ضباعة)).
رواه أحمدُ (27357) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخه 8/ 235) - قال: حدثنا عبد الصمد وعفان، قالا: حدثنا همام، به.
ورواه أبو يعلى (7151)، والبخاريُّ في (التاريخ الكبير 1/ 394) -ومن طريقه ابنُ عساكر في (تاريخه 8/ 236) -، وغيرهما من طريق همام، به.
قال الحربيُّ: ((وكذا قال همام -أي: عن أم الحكم- لكنه لم يُحْسِن في
(1)
تصحفت في بعض المصادر - كمسند أحمد، وغيره- إلى:((أم حكيم))، والصواب المثبت.
قوله: عن جدته)) (تهذيب التهذيب 12/ 464).
ورواه حجاج بن حجاج عن قتادة كما رواه همام، ولكن قال في نسب إسحاق:((إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة))، وأخطأ فيه كما ذكر البخاري (التاريخ الكبير 1/ 394)، فقال:((لا أرى يصح: ابن أبي طلحة)).
ورواه أيضًا عن قتادة: خلف بن موسى العَمِّي، وخالفهم في قولهم:((أم الحكم))، فقال:((عن قتادة، عن إسحاق، عن أم عطية، عن أختها ضُبَاعة)).
رواه البخاريُّ في (التاريخ الكبير 1/ 395)، وابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3155)، وغيرهما، من طريق موسى بن خلف عن أبيه عن قتادة به.
وقوله: ((أم عطية)) خطأ، والصواب:((أم الحكم)) كما قال هشام وهمام عن قتادة.
قال الدارقطنيُّ: ((وقال موسى بن خلف العَمِّي: عن قتادة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أم عطية، عن أختها ضباعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ووَهِم في قوله: أم عطية. وإنما هي أم الحكم)) (العلل 9/ 411).
وقال ابنُ حَجَرٍ: ((وقال ابن منده:
…
ورواه همام، عن قتادة، عن إسحاق بن عبد الله، عن جدته أم الحكم
(1)
، عن أختها ضباعة. وهو أرجح من رواية موسى بن خلف)).
قال الحافظُ: ((وقد اغتر أبو عمر برواية موسى بن خلف، فترجم لضباعة بنت الحارث الأنصارية، أخت أم عطية؛ بِناء على أن أُمَّ عطيةَ هي الأنصارية.
(1)
تصحفت في المطبوع من (الإصابة)) إلى: ((أم حكيم)).
وقد أشارَ ابنُ الأثيرِ إلى أنه وهم في ذلك)). (الإصابة 14/ 6 - 7).
وأما داود بن أبي هند عن إسحاق، فقد اختُلف عليه أيضًا:
فرواه جعفر بن سليمان الضبعي، عن داود، عن إسحاق الهاشمي، عن صفية قالتْ: ((دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ كَتِفًا بَارِدًا، وَكُنْتُ أَسْحَاهَا
(1)
لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى)). هكذا جعل الحديث من مسندِ صفيةَ، ولم يُفْصِحْ عن نَسَبِهَا.
أخرجه ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3161)، وغيره من طريقِ جعفرٍ، به.
قال ابنُ أبي عاصم -عقبه-: ((أم حكيم اسمها صفية رضي الله عنها).
قلنا: ذهبَ ابنُ أبي عاصمٍ في ذلك إلى ما رواه في (الآحاد والمثاني 3160) قال: أخبرنا عقبةُ بنُ مُكْرَمٍ، نَا مَحْبُوبُ بنُ الحسنِ، قال: قال داودُ بنُ أبي هِنْدَ: دَخَلْتُ أَنَا وَالحَسَنُ وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ- عَلَى إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا يَعْقُوبُ، حَدِّثْ أَبَا سَعْيدٍ بِحَدِيثِ الكَتِفِ. فَقَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الزُّبَيْرِ، رضي الله عنها، ((أَنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا، فَتَبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا أَتَاهَا فَأَكَلَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّهُ أَتَاهَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَتَتْهُ بِكَتِفٍ، فَجَعَلَتْ تَسْحَاهَا
(2)
لَهُ، وَزَعَمَتْ أَنَّهُ أَكَلَ وَلَمْ
(1)
قال الأزهري في (تهذيب اللغة 4/ 180): ((وَفِي الحَدِيث أَن أُمَّ حَكِيم أَتَته بِكَتِفٍ، فَجعلت تَسْحَلُها لَهُ: أَي تَكْشِطُ مَا عَلَيْهَا من اللَّحْم))، وانظر:(غريب الحديث للخطابي 1/ 325)، وفي (النهاية لابن الأثير 2/ 347) قال:"السَّحْلُ: القَشْر والكَشْط: أَيْ تكْشطُ مَا عَلَيْهَا مِنَ اللَّحْمِ: ورُوى «فجعلَت تَسْحَاهَا» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ".
(2)
انظر الحاشية السابقة.
يُحْدِثْ وُضُوءًا)).
ورواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 25/ 85)، وغيره من طريقِ محبوبٍ، به.
ورواه إسحاقُ بنُ راهويه في (مسنده 2169) قال: أخبرنا عبدُ الأعلى، نا داودُ بنُ أبي هِنْدَ، عن إسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ، أَنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بنتِ الزُّبَيْرِ -قال إسحاقُ: وهي ضُبَاعَةُ- قَالَتْ: ((كُنَّا نَصْنَعُ الطَّعَامَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُهْدِيهِ إِلَيْهِ، فَرُبَّمَا نَجِيئُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا. فَأَتَاهَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا كَتِفَ شَاةٍ فَقَدَّمَتْهُ إِلَيْهِ، فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُحْدِثْ وُضُوءًا)).
قلنا: ولكن قال البخاريُّ: ((وقال مُعَلَّى: عن جعفر بن سليمان، عن داود، عن إسحاق، عن صفية؛ دَخَلَ النَّبِيُّ، عليه السلام، عليَّ. وهذا وهم)) (التاريخ الكبير 1/ 395).
وقال الحربيُّ: ((وقال داود بن أبى هند: عن إسحاق، عن صفية. قال: وصفية قد قَدَّمْنا أنَّها جدة أبيه)) (تهذيب التهذيب 12/ 464).
وقال الدارقطنيُّ: ((وقال: جعفر: عن صفية. وخالفه هلال بن حِقّ، ومحبوب بن الحسن، ويزيد بن هارون، فرووه عن داود، عن إسحاق بن عبد الله، مرسلًا)) (العلل 9/ 412).
ولم نقفْ على هذا المرسلِ إلَّا عند ابنِ سعدٍ في (الطبقات الكبرى 1/ 337) قال: أخبرنا عُبيدةُ بنُ حُميدٍ، حدثني داودُ بنُ أبي هندَ، عن إسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ قال:((كَانَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الزُّبَيْرِ مِمَّا تُهْدِي الشَّيْءَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَذَاكَ قَالَ: ((فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ كَتِفًا. قَالَ: فَجَعَلَتْ تَسْحَاهَا وَالنَّبِيُّ يَأْكُلُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
قال الدارقطنيُّ: ((والمرسلُ في حديث داود أصح، ويشبه أن يكون قتادة حفظه عن أبي الخليل وعن إسحاق بن عبد الله)) (العلل 9/ 412).
قلنا: فهذه طرق الحديث، ويترجح لدينا مما سبق:
1 -
عمار بن أبي عمار، عن أمِّ حَكيم بنتِ الزبيرِ، وجعل الحديث لها.
2 -
عبد الله بن الحارث، عن أم حكيم بنت الزبير، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ على ضُبَاعةَ.
3 -
إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن أمِّ الحَكم بنتِ الزبيرِ، ناولت النبي صلى الله عليه وسلم.
4 -
إسحاق بن عبد الله مرسلًا، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ على أُمِّ حَكيمٍ بنتِ الزبيرِ.
قلنا: وقد تقدَّمَ من حديثِ ابنِ عباسٍ أن أَكْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم منَ الشَّاةِ كان في بيتِ ميمونةَ. وقد أخرجه مسلم في (صحيحه 356) من حديثها: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
قال ابنُ حَجَرٍ -عند شرح حديث ابن عباس: ((أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)) (صحيح البخاري 207) -: ((أفاد القاضي إسماعيل أن ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وهي بنتُ عم النبي صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما سيأتي من حديثها، وهي خالة ابن عباس كما أن ضباعة بنت عمه)).
قلنا: الظاهر أنها قصة واحدة وقعت في بيت ميمونة؛ لصحة الأحاديث بذلك، وضعف الحديث الذي معنا لشدة الاختلاف الواقع في أسانيده.
رِوَايَةُ: وَلَمْ يُحْدِثْ وُضُوءًا:
• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ: ((كُنَّا نَصْنَعُ الطَّعَامَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُهْدِيهِ إِلَيْهِ، فَرُبَّمَا نَجِيئُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا. فَأَتَاهَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا كَتِفَ شَاةٍ، فَقَدَّمَتْهُ إِلَيْهِ، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُحْدِثْ وُضُوءًا)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَ عِنْدَهَا كَتِفَ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
فيه ضَعْفٌ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [طب (25/ 85/ 217) / حق 2169 (واللفظ له) / مث 3160/ مخلص 578/ كر (8/ 239) / تذ (2/ 76) / نبلا (12/ 300)].
تخريج السياق الثاني: [حق 2170 (والسياق الثاني له)].
انظر التحقيق عقب الرواية الآتية.
رِوَايَةُ: دَخَلَ عَلَى أُخْتِهَا ضُبَاعَةَ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ -وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ أُمِّ الحَكَمِ- بِنْتِ الزُّبَيْرِ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى [أُخْتِهَا] ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَنَهَسَ مِنْ كَتِفٍ عِنْدَهَا، ثُمَّ صَلَّى وَمَا تَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ)).
[الحكم]:
فيه ضعف.
[التخريج]:
[حم 27091 (واللفظ له)، 27354، 27355 (والزيادة له ولغيره) / عل (خيرة 631/ 7) / طب (25/ 84/ 214) / تخ (1/ 395) (والرواية له ولغيره) / مث 3159/ منيع (خيرة 631/ 1) / ش 545/ مش (خيرة 631/ 2) / صحا 7896/ كر (8/ 238)].
[التحقيق]:
مداره على قتادة وداود بن أبي هند، واختُلف عليهما اختلافًا شديدًا، وقد سبقَ بيانُ ذلك قريبًا.
2239 -
حَدِيثُ أُمِّ الحَكَمِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ (نَاوَلَتْ)
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ الحَكَمِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ ((أَنَّهَا نَاوَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا مِنْ لَحْمٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ صَلَّى [وَلَمْ يَتَوَضَّأْ])).
[الحكم]:
ضعيف.
[التخريج]:
[حم 27356 (واللفظ له) / ك 7116 (والزيادة له) / طب (25/ 84/ 215) / مث 3162/ كر (8/ 237) / طبري (مذيل صـ 111)].
[السند]:
رواه أحمد (27356) -ومن طريقه ابنُ عساكر في (تاريخه 8/ 237) - عن علي بن المديني
(1)
عن معاذ بن هشام الدستوائي، عن أبيه، عن قتادة، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أم الحكم
(2)
بنت الزبير،
(1)
سقط من المطبوع من (مسند أحمد)، وهو ثابت في (تاريخ دمشق)، وكذا في بعض النسخ الخطية للمسند، وانظر ما سطره محققو (المسند، ط/ الرسالة 45/ 345، وط/ المكنز 12/ 467).
(2)
تصحفت في (مسند أحمد)، و (معجم الطبراني) إلى:((أم حكيم))، والصواب المثبت، كما في بقية المصادر، وهو ثابت في بعض نسخ المسند لأحمد، وانظر ما سطره محققو (المسند، ط/ الرسالة 45/ 345، وط/ المكنز 12/ 467).
وقد روى الحديث ابن عساكر في (تاريخ دمشق 8/ 237) من طريق الإمام أحمد، فجاء على الصواب.
وجزم إبراهيم الحربي أن رواية الدستوائي، فيه:((أم الحكم))، فقال:((وقال الدستوائي: عن إسحاق، عن أم الحكم. وأحسن)) (تهذيب التهذيب 12/ 464).
به.
ورواه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 3162)، والطبريُّ في (المنتخب من ذيل المذيل صـ 111)، والحاكمُ (7116) من طرق عن معاذ، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات، ولكن اختلف فيه على قتادة اختلافًا شديدًا، كما سبقَ وبينا قريبًا.
2240 -
حَدِيثُ ضُبَاعَةَ
◼ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ ((أَنَّهَا دَفَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَحْمًا، فَانْتَهَسَ
(1)
مِنْهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْتَشَلَ عَرَقًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لَحْمًا، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيف.
[التخريج]:
[حم 27357 (واللفظ له) / ك 7114/ عل 7151، (خيرة 631/ 5) / طب (24/ 336/ 839) / مث 3154/ صحا 7746، 7747/ كر (8/ 234 - 236) / طبري (مذيل صـ 111)].
تخريج السياق الأول: [عل (خيرة 631/ 4) (والسياق الثاني له)].
تخريج السياق الثاني: [تخ (1/ 394) (والسياق الثالث له)].
[التحقيق]:
رواه قتادة، واختُلف عليه:
فرواه همام بن يحيى، عن قتادة، عن إسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الحارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، عن جَدَّتِهِ أُمِّ الحَكَمِ، عَنْ أُخْتِهَا ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، ((أَنَّهَا دَفَعَتْ إِلَى
(1)
وقع في بعض المصادر: ((انتهش)) بالشين المعجمة، وكلاهما صواب من ناحية المعنى.
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَحْمًا، فَانْتَهَسَ مِنْهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
رواه أحمد (27357) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخه 8/ 235) - قال: حدثنا عبد الصمد وعفان، قالا: حدثنا همام، به.
ورواه أبو يعلى (7151)، والبخاري في (التاريخ الكبير 1/ 394) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخه 8/ 236) -، وغيرهما من طريق همام، به.
قال الحربيُّ: ((وكذا قال همام -أي: عن أم الحكم- لكنه لم يُحْسِن في قوله: عن جدته)) (تهذيب التهذيب 12/ 464).
وخالف همامًا سعيد بن أبي عروبة، فرواه عن قتادة عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن ضُباعة بنت الزبير قالت:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْتَشَلَ عَرَقًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
رواه أبو يعلى الموصلي، كما في (إتحاف الخيرة المهرة 631/ 4) قال: ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد بن أبي عروبة، به.
ورجاله ثقات، ولكن خالف ابنَ أبي سمينةَ عياشُ بن الوليد، فقال: عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن أم حكيم بنت الزبير عن أختها، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عليها)). ذكره البخاريُّ في (التاريخ الكبير 1/ 395).
وخالف عبدَ الأعلى: يزيد بن هارون، ورَوْح بن عُبَادة، وابن أبي عَدي، وخالد بن الحارث، فرووه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن أم حكيم بنت الزبير، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ على أختها ضباعة. وتقدَّمَ تخريجها.
وثَمِّ خلافات أخرى عن قتادة، تقدَّم تخريجها قريبًا.
وقد خالفه داود بن أبي هند، فرواه عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث مرسلًا، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ على أُمِّ حَكيم بنتِ الزبيرِ.
قلنا: فاضطُرب في أسانيد هذا الحديثِ اضطرابًا شديدًا كما بَيَّنَّا عند حديثِ أم حكيم بنت الزبير قريبًا.
رِوَايَةُ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنْ أُخْتِهَا ضُبَاعَةَ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، عَنْ أُخْتِهَا ضُبَاعَةَ:((أَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفًا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيف. وقوله: "عن أم عطية" خطأ. والصواب: "أم الحكم".
[التخريج]:
[طب (24/ 335/ 838) / مث 3155/ طس 3755/ صحا 7745/ كر (8/ 237) / تخ (1/ 395)].
[السند]:
رواه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 3155)، وغيره، من طريق موسى بن خلف، عن أبيه، عن قتادة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، موسى بن خلف، قال فيه الحافظ:((صدوقٌ يُخطئُ)) (التقريب 1736). وأبوه موسى بن خلف العَمِّي، قال الحافظُ: ((صدوقٌ
عابدٌ، له أوهامٌ)) (التقريب 6958).
قلنا: وقوله: ((أم عطية)) خطأ، والصواب:((أم الحكم)) كما قال هشام وهمام عن قتادة. وتقدمت روايتهما قريبًا.
قال الدارقطنيُّ: ((وقال موسى بن خلف العَمِّي، عن قتادة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أم عطية، عن أختها ضباعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ووهم في قوله: (أم عطية) وإنما هي أم الحكم)) (العلل 9/ 411).
وقال ابنُ حَجَرٍ: ((وقال ابن منده:
…
ورواه همام، عن قتادة، عن إسحاق بن عبد الله، عن جدته أمِّ الحكم
(1)
، عن أختها ضباعة. وهو أرجحُ من رواية موسى بن خلف)).
قال الحافظُ: ((وقد اغترَّ أبو عمر برواية موسى بن خلف، فترجم لضباعة بنت الحارث الأنصارية، أخت أم عطية؛ بِناء على أن أمَّ عطية هي الأنصارية. وقد أشارَ ابنُ الأثير إلى أنه وهم في ذلك)) (الإصابة 14/ 6 - 7).
قلنا: والحديثُ اختُلِفَ في أسانيده اختلافًا شديدًا، كما بيَّنَّا قريبًا.
(1)
تصحفت في المطبوع من (الإصابة)) إلى: ((أم حكيم)).
2241 -
حَدِيثُ صَفِيَّةَ
• عَنْ صَفِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ((دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ كَتِفًا بَارِدًا، فَكُنْتُ أَسْحَاهَا، فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَامَ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى)).
[الحكم]:
معلولٌ، وذِكر صفية في هذا الحديثِ وهم كما قال البخاريُّ، والسندُ معلٌّ بالإرسالِ، أعلَّه الدارقطنيُّ.
[اللغة]:
قولها: ((فَكُنْتُ أَسْحَاهَا))؛ قال الأزهري: ((وَفِي الحَدِيث أَن أُمَّ حَكِيم أَتَته بِكَتِفٍ، فَجعلت تَسْحَلُها لَهُ: أَي تَكْشِطُ مَا عَلَيْهَا من اللَّحْم)) (تهذيب اللغة 4/ 180)، وانظر:(غريب الحديث للخطابي 1/ 325)، وفي (النهاية لابن الأثير 2/ 347) قال:"السَّحْلُ: القَشْرُ والكَشْطُ: أَيْ تكْشطُ مَا عَلَيْهَا مِنَ اللَّحْمِ: ورُوى «فجعلَت تَسْحَاهَا» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ".
[التخريج]:
[عل 7115 (واللفظ له) / طب (24/ 321/ 808)، (25/ 85/ 216)، / تخ (1/ 395) (معلقًا) / مث 3161/ لا 2021/ مخلص 2856/ كر (8/ 239، 240)].
[السند]:
أخرجه أبو يعلى في (مسنده)، وابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) كلاهما عن أبي الربيع الزهراني، حدثنا جعفر بن سليمان، عن داود بن أبي هند، عن إسحاق الهاشمي، حدثتنا صفية، به.
وإسحاق الهاشمي هو إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي.
وأبو الربيع الزهراني هو سليمان بن داود العتكي، وقد توبع، تابعه:
معلى بن أسد عند البخاري في (التاريخ).
ومحمد بن عبد الله الرَّقَاشي عند الطبراني.
وقَطَن بن نُسَيْر وعبيد الله بن عمر القواريري، عند ابن عساكر.
فالحديثُ مداره عندهم على جعفر بن سليمان، به.
[التحقيق]:
إسناده رجاله ثقات عدا جعفر بن سليمان، وهو الضُّبَعي؛ مختلف فيه، فوَثَّقَهُ قوم، وضَعَّفه آخرون. وحَمَل ابن شاهين وغيره تضعيف مَن ضَعَّفه على المذهب (التهذيب لابنِ حَجَرٍ 2/ 97)، وقال فيه الحافظُ:"صدوقٌ زاهدٌ، لكنه كان يتشيع"(التقريب 942).
قلنا: قال فيه البخاريُّ: ((يخالفُ في بعضِ حديثِهِ)) (التاريخ الكبير 2/ 192). وقد خُولِفَ هنا.
فرواه عبدُ الأعلى بنُ عبد الأعلى كما في (مسند ابن راهويه 2169)، ومحبوبُ بنُ الحسنِ كما في (الآحاد والمثاني 3160)، وعليُّ بنُ عاصمٍ كما في (العلل للدارقطني 9/ 411)، ثلاثتهم عن داود بن أبي هند، عن إسحاق بن عبد الله، عن أم حكيم -زاد ابنُ راهويه في روايته:"قال إسحاق: وهي ضباعة"- الحديث بنحوه.
فجعلوه من حديث أم حكيم، وقد سبق.
وكذلك رواه يزيدُ بنُ هارونَ (التاريخ الكبير للبخاري 1/ 395)، وعبيدةُ بنُ حُميدٍ (الطبقات لابن سعد 1/ 392)، وهلال بن حِقّ (العلل للدارقطني
9/ 411) عن داود، غير أنهم أرسلوه.
فاتَّفَقَ كلُّ هؤلاء على تسميتها أم حكيم، ولم يذكر واحد منهم أنها صفية.
ولذا قال البخاريُّ -عقب رواية جعفر بن سليمان عن داود-: ((وهذا وهم)) (التاريخ الكبير 1/ 395).
ورجَّحَ الدارقطنيُّ إرسالَه، فقال:((والمرسلُ في حديثِ داودَ أصحُّ)) (العلل للدارقطني 9/ 412).
واقتصرَ الهيثميُّ على قوله: "رواه أبو يعلى والطبراني في (الكبير)، ورجاله ثقات"(مجمع الزوائد 1333).
قلنا: وثَم اختلافات أخرى في أسانيد هذا الحديث كما بينا قريبًا، بما لا حاجةَ لإعادته.
2242 -
حَدِيثُ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ مُرْسَلًا
◼ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: ((كَانَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الزُّبَيْرِ مِمَّا تُهْدِي الشَّيْءَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
…
قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ كَتِفًا. قَالَ: فَجَعَلَتْ تَسْحَاهَا، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيف لإرساله.
[التخريج]:
[سعد (1/ 337) (واللفظ له) / تخ (1/ 395) (معلقًا مختصرًا)].
[السند]:
قال ابن سعد: أخبرنا عبيدة بن حميد، حدثني داود بن أبي هند، عن إسحاق بن عبد الله، به مرسلًا.
وعلَّقَهُ البخاريُّ في (تاريخه) عن يزيد بن هارون عن داود، به مختصرًا.
وذَكَرَ الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 412) أن هلال بن حق ومحبوب بن الحسن رواياه عن داود، وأرسلاه أيضًا.
ولم نجدْ روايةَ هِلالٍ، أما رواية محبوب فلم نجدْها إلا مسندة وقد سبقتْ.
[التحقيق]:
رجاله ثقات، غير أنه مرسلٌ، فإن إسحاقَ بنَ عبدِ اللهِ معدودٌ في التابعين. وانظر ما سبقَ.
2243 -
حَدِيثُ أُمِّ مُبَشِّرٍ
◼ عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَسَ مِنْ كَتِفٍ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ كما سبقَ، وهذا إسنادٌ غريبٌ معلٌّ، والصوابُ أنه من مسند جابر، صوَّبه الدارقطني.
[التخريج]:
[طس 2037].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ عن أحمد بن زهير قال: نا محمد بن السكن أبو خراسان قال: نا أبو الجَوَّاب، عن عمار بن رُزَيْق، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ، عن أم مُبشِّر، به.
قال الطبرانيُّ: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن الأعمش إلا عمار، ولا عن عمار إلا أبو الجواب، تَفَرَّد به أبو خراسان البغداديُّ، وكان ثقةً".
[التحقيق]:
إسنادُهُ رجالُهُ ثقاتٌ.
أحمد بن زهير هو التُّسْتَري أبو جعفر، حافظٌ كبيرٌ. انظر (تذكرة الحفاظ 757).
ومحمد بن السكن هو محمد بن أحمد بن السكن أبو بكر القَطِيعي، يُعْرَف بأبي خراسان، قال الخطيبُ:"كان ثقةً"(تاريخ بغداد 2/ 140)، وكذا قال الطبرانيُّ كما سبقَ.
ومع ذلك قال الهيثميُّ: "فيه محمد بن السكن، ولم أجدْ مَن ذَكره، وبقية رجاله ثقات"(مجمع الزوائد 1338).
وبقية الإسناد على شرط مسلم.
وأبو الجَوَّاب هو الأحوص بن جواب، وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، وصَدَّقه أبو حاتم، واعتمده الذهبيُّ فقال:"صدوقٌ"(الكاشف)، وقال ابنُ حَجَرٍ:"صدوقٌ ربما وهمَ"(التقريب 289).
وعمارُ بنُ رزيق الضبيُّ وَثَّقَهُ: ابنُ مَعِينٍ، وأبو زرعةَ، وابنُ المدينيِّ. وقال أحمدُ:"كان من الأثبات"(التهذيب 7/ 400)، وقال ابنُ حَجَرٍ:"لا بأسَ به"(التقريب 4821).
وعلى هذا فالإسنادُ جيدٌ، ولكن نخشى أن يكون المتنُ غيرَ محفوظٍ بهذا الإسنادِ؛ إذ لم يأتِ به أحدٌ من أصحابِ الأعمشِ الأثبات، وإنما تفرَّدَ به عنه عمارٌ، وتفرَّدَ به عن عمار أبو الجواب.
والطبرانيُّ صنَّفَ (معجمه الأوسط): و"تتبع فيه الغرائبَ، وأَتَى فيه بأحاديثَ وبما لم يسبقْه إليها الحفاظُ"، قاله الذهبيُّ في (العرش 2/ 317)، وقال أيضًا:((وصنَّفَ المعجمَ الأوسطَ، وفيه الأحاديث الأفراد والغرائب)) (تاريخ الإسلام 8/ 144)، وقال في (تذكرة الحفاظ 3/ 85):((والمعجم الأوسط في ستِّ مجلدات كبار على معجم شيوخه، يأتي فيه عن كلِّ شيخٍ بما له من الغرائبِ والعجائبِ، فهو نظير كتاب الأفراد للدارقطني، بَيَّن فيه فضيلته وسَعة روايته، وكان يقول: هذا الكتاب روحي، فإنه تعب عليه، وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر)).
وهذه يدلُّ على غرابة حديثنا هذا، وأن الطبرانيَّ ما أورده إلا لينبه على
غرابته.
وسُئِلَ الدارقطنيُّ عن هذا الحديثِ، فصوَّب أن المحفوظَ من حديثِ جابرٍ ليس فيه أم مبشر. انظر (العلل 9/ 418).
2244 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنهما، ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مُبَشِّرٍ، فَأُتِيَ بِكَتِفِ لَحْمٍ فَأَكَلَهُ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: ((أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفَ شَاةٍ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، وضَعَّفَهُ: ابنُ عَدِيٍّ، وتبعه ابنُ طاهرٍ المقدسيُّ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [عد (3/ 474) (واللفظ له) / زبير 64].
تخريج السياقة الثانية: [عد (10/ 23)].
[التحقيق]:
الحديث له طريقان:
الطريق الأول:
أخرجه أبو الشيخ الأصبهانيُّ في (أحاديث أبي الزبير عن غير جابر) قال: حدثنا أحمد بن موسى بن إسحاق، حدثنا القاسم بن نصر المَخْرَمِيُّ، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا الحسن بن أبي جعفر، عن أبي الزبير، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَده، به.
ورواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 4/ 474) من طريق عمر بن شبة، ثنا حفص بن عمر، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه الحسن بن أبي جعفر، وهو ضعيفٌ؛ ضَعَّفه
الأئمةُ، وضَعَّفَهُ الحافظُ في (التقريب 1222).
والحديثُ ذكره ابنُ عَدِيٍّ في مناكيره، وقال عقبه:((وهذا لا أعلمه رواه عن أبي الزبير غير الحسن بن أبي جعفر)).
وتبعه ابن طاهر المقدسيُّ فقال: ((وهذا عن أبي الزبير لا يرويه غير الحسن، وهو متروك الحديث)) (ذخيرة الحفاظ 2/ 725).
ولكن جاء الحديثُ عن عمرو بن شعيب من طريقٍ آخرَ دون ذكر أم مبشر، وهو:
الطريق الثاني:
أخرجه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 10/ 23) قال: ثنا محمد بن يحيى المروزي، ثنا الحكم بن موسى، ثنا هِقْل، عن المثنى بن الصَّبَّاح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَده، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ أيضًا؛ فيه: المثنى بن الصباح، قال ابنُ حَجَرٍ:((ضعيفٌ اختلطَ بأَخَرَةٍ)) (التقريب 6471).
2245 -
حَدِيثُ أُمِّ عَامِرٍ
◼ عَنْ أُمِّ عَامِرٍ بِنْتِ يَزِيدَ -امْرَأَةٍ مِنَ المُبَايِعَاتِ- ((أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ (بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ) فَتَعَرَّقَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
معناه صحيح بما سبقَ، وهذا إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[حم 27099 (واللفظ له) / طب (25/ 148/ 357) (والرواية له ولغيره) / طح 379/ جرح 1217/ صحا 7989/ شب (1/ 66) / أسد (7/ 347) / سعد (10/ 301) / سعب (صـ 957) / كر (69/ 37) / عل (خيرة 635/ 1)].
[السند]:
أخرجه أحمد في (المسند) قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الرحمن الأشهلي، عن أم عامر بنت يزيد، به.
ومدارُ الإسنادِ عند الجميعِ على إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، مع اختلاف في اسم شيخه عند بعضهم.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لضعفِ إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، قال ابنُ حَجَرٍ:((ضعيف)) (التقريب 146).
وعبد الرحمن بن عبد الرحمن، ويقال له: عبد الله بن عبد الرحمن بن
ثابت بن الصامت، وقد يُنسب لجده فيقال:"عبد الرحمن بن ثابت"، قال عنه ابنُ حَجَرٍ:"مقبول"(التقريب 3426).
قلنا: قال في (التهذيب): "وأما عبد الله فلم أَرَ فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولكن إخراج ابن خزيمة له في "صحيحه" يدلُّ على أنه عنده ثقة"(تهذيب التهذيب 5/ 291).
وقال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن ثابت بن صامت عنها، ولم أجدْ مَن ذَكَر هذين"(مجمع الزوائد 1343).
وأم عامر قيل: هي أسماء بنت يزيد. وقيل: أخت لها اسمها فكيهة. انظر (الإصابة 14/ 429).
[تنبيه]:
أولًا- جاء في رواية الطحاوي من طريق إبراهيم بن إسماعيل: "عن عبد الرحمن بن ثابت وغيره من مشيخة بني عبد الأشهل، عن أم عامر، به".
ثانيًا- جاء عند الطبراني من طريق إسحاق بن محمد الفروي، وإسماعيل بن أبي أويس، قالا: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي.
وهذا خطأ، إنما هو إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة. والخطأ من إسحاق الفروي، فقد قال أبو حاتم فيه:"مضطربٌ"(تهذيب الكمال 2/ 472)، وقد رواه ابنُ أبي أويسٍ على الصحيحِ كما عند ابنِ سعدٍ، وأبي يعلى الموصلي، وأبي نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة).
بل قال الهيثميُّ: ((رواه الطبرانيُّ في (الكبير) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة
(1)
)) (مجمع الزوائد 1343).
(1)
تصحفت في المطبوع من مجمع الزوائد إلى (خَلِيفَةَ).
2246 -
مُرْسَلُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ:
◼ عَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: ((أَتَتْ أُمُّ عَامِرٍ بِنْتُ يَزِيدَ -وَكَانَتْ مِنَ المُبَايِعَاتِ- النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ، فَتَعَرَّقَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
مرسلٌ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[سعد (10/ 302)].
[السند]:
أخرجه ابنُ سعدٍ في (الطبقات) قال: أخبرنا خالد بن مَخْلَد البَجَلي، قال: حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن ثابت الأنصاري.
[التحقيق]:
عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن ثابت اختُلِفَ في اسمه كما مَرَّ، ولا تَثبتُ له صحبة، وروايته هذه تُشعر بأنه قد شاهدها وحضرها، إلا أن سندَها لا يصحُّ لضعفِ إبراهيمَ بنِ إسماعيلَ، وللاختلاف عليه، فقد رواه أبو عامر العَقَدي وغيره عنه، عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن عن أم عامر من مسندها.
قلنا: وخالد بن مَخْلَد البَجَلي هو القَطَواني، قال أحمد:((له أحاديث مناكير)) (تهذيب الكمال 8/ 165)، ولعلَّ هذه منها، فالحَمْلُ إما عليه وإما على شيخه إبراهيم.
2247 -
حَدِيثُ هِنْدَ بِنْتِ سَعِيدٍ عَنْ عَمَّتِهَا
◼ عَنْ هِنْدَ بِنْتِ سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ عَمَّتِهَا:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَارَهُمْ، فَأَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ (خُبْزًا وَلَحْمًا) ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَمَّتِهَا قَالَتْ: ((جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَائِدًا لِأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، فَقَدَّمْنَا إِلَيْهِ ذِرَاعَ شَاةٍ، فَأَكَلَ، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَتَمَضْمَضَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ، وأعلَّه الحربيُّ وابنُ حَجَرٍ بالإرسالِ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [طب (24/ 445/ 1093 "والرواية له"، 1095 "واللفظ له") / طح 373/ حق 2333/ مث 3378/ أسد (7/ 418) / صحا 7809، 7810، 7987، 7988، 8096].
تخريج السياقة الثانية: [طب (24/ 445/ 1094) (واللفظ له) / لا 1702/ خيثم (1/ 207) / خط (14/ 95) / كر (20/ 390) / أثرم 166/ كنى (مغلطاي 2/ 58)].
[التحقيق]:
رُوِي من ثلاثة طرقٍ عن هند بنت سعيد بن أبي سعيد الخدري، عن عمتها، به.
الطريق الأول: أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 1093) قال: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن يَزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن كعب القرظي، حدثتني هند بنت سعيد بن أبي سعيد الخدري، عن عمتها، به.
وأخرجه أبو نُعَيمٍ في (المعرفة 7809، 7810، 7988) من طريق إسماعيل به، وقال في بعض المواضع:"هند بنت أبي سعيد"، وأشار أبو نُعَيمٍ إلى شذوذه.
والإسنادُ ضعيفٌ؛ فيه إسماعيل بن أبي أويس، وهو ضعيفٌ على الراجحِ من أمرِهِ كما سبقَ تحريره أول الكتاب، وقال فيه ابنُ حَجَرٍ:((صدوقٌ، أخطأَ في أحاديثَ من حفظه)) (التقريب 460).
وبقية رجال الإسناد ثقات عدا هند، وسيأتي الكلامُ عنها. وأخو إسماعيل هو عبد الحميد بن أبي أويس.
الطريق الثاني: أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 1094) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني يحيى بن معين، ثنا عمرو بن محمد بن عمرو بن معاذ الأنصاري قال: سمعتُ هندَ بنت سعيد بن أبي سعيد الخدري تُحَدِّث عن عمتها، به.
ورواه الدولابي في (الكنى)، وخيثمة بن سليمان في حديثه، والخطيب البغدادي في (تاريخه) من طريق عمرو بن محمد، به.
والإسنادُ ضعيفٌ أيضًا؛ فيه: عمرو بن محمد بن عمرو، لا تُعْرَف حاله، ولم يُحَدِّثْ غير هذا الحديث كما جاء في رواية الخطيب، ولم يَذكر فيه الخطيب جرحًا ولا تعديلًا (خط 12/ 192).
وبقية رجال الإسناد ثقات عدا هند، وسيأتي الكلام عنها.
الطريق الثالث: أخرجه إسحاقُ بنُ راهويه في (مسنده) قال: أخبرنا أبو عامر العَقَدي، نا محمد بن أبي حميد، عن هند بنت سعيد بن أبي سعيد الخدري، عن عمتها، به.
ورواه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني)، -ومن طريقه أبو نُعَيمٍ في (المعرفة 7987)، وابن الأثير في (أسد الغابة 7/ 418) -، والطبراني في (الكبير 1095)، وأبو نُعَيمٍ في (المعرفة 8096) من طريقِ ابنِ أبي حُميدٍ، به.
وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه محمد بن أبي حميد، قال فيه الذهبي:"ضعَّفوه"(الكاشف 4812)، وقال الحافظُ:"ضعيفٌ"(التقريب 5836).
ويبدو أن ثَمةَ اختلافًا على ابنِ أبي حمُيدٍ؛ فقد ذكره الحربيُّ في كتاب (العلل) من رواية ابن أبي حميد، عن هند بنت سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سعيد، به، وقال:"في هذا الحديثِ ابن أبي حميد، وهند هذه لم تُدرِك أبا سعيد. والصواب ما قال عمرو بن محمد بن عمرو بن معاذ، ومحمد بن كعب، عن عمتها"(شرح ابن ماجه 2/ 52)، وسيأتي بقية كلامه.
قلنا: ومع ضعف الطرق إلى هند، فحالها لا يُعْرَف، ولم يترجم لها أحدٌ، غير أن ابنَ حِبَّانَ ذكرها في (الثقات) كالعادة، وقال:((تَروي عن أبي سعيد الخدري، روى عنها محمد بن كعب القرظي ومحمد بن أبي حميد)) (الثقات 6019).
ثم إن عمتها هذه مختلفٌ في صحبتها، فقال الحربيُّ:((وعمتها أيضًا أخت (سعيد)
(1)
(لم تدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولا نعرفها أنها حدَّثَتْ عن أحدٍ. وإن كان الحديثُ عن عمة أبيها أخت أبي سعيد، فهي الفارعة، ولها صحبة)) (شرح مغلطاي على سنن ابن ماجه 2/ 52).
(1)
في المطبوع: "أبي سعيد"، وهو خطأ ظاهر يدل عليه السياق.
وهذا القولُ الأخيرُ بأنها الفارعة أخت أبي سعيد هو صنيع الطبراني في (معجمه)، حيثُ ذكر حديثها هذا في ترجمة الفارعة أخت أبي سعيد، وهي فُرَيْعة بنت مالك. وكذلك صنع أبو نُعَيمٍ، ثم أعادها مرة أخرى في ترجمة (أم عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري)، وهو عجيبٌ، ثم أعادها في النساء المبهمات ممن لا اسم لهن.
والقولُ بأنها الفارعة فيه نظر؛ لأن هند ترويه عن عمتها، يعني أخت أبيها سعيد بن أبي سعيد الخدري، إذن فعمتها بنت أبي سعيد. والفارعة إنما هي أخت أبي سعيد كما علمتَ.
وقد يجابُ بأن هند قيل: إنها هند بنت أبي سعيد، ولكن لا نراه يصحُّ إلا من باب النسبة للجَد.
وقد مالَ الحافظُ إلى القولِ بإرسالِهِ، فقال:((أظنُّه مرسلًا، ومحمد بن أبي حميد ضعيف)) (المطالب العالية 128).
واقتصرَ الهيثميُّ على قوله: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير) من طرقٍ، وبعضُها رجالها رجال الصحيح، إلا هند بنت سعيد، وقد وَثَّقَهُا ابنُ حِبَّانَ"(مجمع الزوائد 1341).
2248 -
حَدِيثٌ أَوَّلُ لِأَنَسِ بنِ مَالِكٍ:
◼ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: ((أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَرَّبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، صحَّ من حديثِ أم سلمةَ نفسها. وهذا إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[حث 94/ عباد 312/ حثل 27].
[السند]:
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في (مسنده) قال: ثنا يعلى بن عَبَّاد، ثنا عبد الحكم، عن أنس، به. ومداره على يعلى بن عباد، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ آفته يعلى بن عباد، وهو الكِلَابيُّ، ضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ، وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات) وقال:"يُخطئُ"، وقال ابنُ حَجَرٍ:"قد سمعَ منه الحارث بن أبي أسامة عدة أحاديث عوالٍ، حَدَّثَ بها عن عبد الحكم صاحب أنس"(لسان الميزان 8/ 540).
وعبد الحكم هو ابنُ عبد الله القَسْمَلي، قال البخاريُّ وأبو حاتم:"منكرُ الحديثِ"، زاد أبو حاتم:"ضعيفُ الحديثِ"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"لا يحلُّ كَتْبُ حديثِهِ إلا على سبيلِ التعجبِ"، وقال أبو نُعَيمٍ:"روى عن أنسٍ نسخةً منكرةً، لا شيءَ"(تهذيب التهذيب 6/ 107).
والحديثُ محفوظٌ عن أمِّ سلمةَ كما تقدَّم.
رِوَايَةُ ((وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنَ اللَّحْمِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ، وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنَ اللَّحْمِ)).
[الحكم]:
شاذٌّ، والمحفوظُ عن أنسٍ الوُضُوءُ مما مسَّت النارُ. كذا رجَّحَ البخاريُّ.
[التخريج]:
[تخ (5/ 294) معلقًا].
[السند]:
قال البخاريُّ: قال النُّفيليُّ: حدثنا عَبَّاد بن كَثير الرملي، عن عبد الرحمن السندي، سمع أنسًا، رضي الله عنه، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ -فيما أُبرزَ لنا- ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: عَبَّاد بن كَثِير الرمليُّ، قال أبو حاتم:((مضطربُ الحديثِ، ظننتُ أنه أحسن حالًا من عَبَّاد بن كَثِير البصري، فإذا هو قريبٌ منه)) (علل ابن أبي حاتم 4/ 416).
وشيخه: عبد الرحمن السندي أبو أمية، قال أبو حاتم:((منكرُ الحديثِ)) (تاريخ الإسلام 3/ 915).
العلةُ الثانيةُ: أن المحفوظ عن أنس رضي الله عنه أنه كان يَتَوضَّأُ مما مسَّتْهُ النَّارُ.
ولذا قال البخاريُّ: ((وقال أبو قلابة والحسن: كان أنسٌ رضي الله عنه يَتَوضَّأُ مما مسَّتْهُ النَّارُ. وهذا أصحُّ)).
2249 -
حَدِيثٌ ثَانٍ لِأَنَسِ بنِ مَالِكٍ
◼ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: ((كُنْتُ أَنَا وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ وَأَبُو طَلْحَةَ جُلُوسًا، فَأَكَلْنَا لَحْمًا وَخُبْزًا، ثُمَّ دَعَوْتُ بِوَضُوءٍ، فَقَالَا: لِمَ تَتَوَضَّأُ؟ َ! فَقُلْتُ: لِهَذَا الطَّعَامِ الذِي أَكَلْنَا. فَقَالَا: أَتَتَوَضَّأُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ؟ ! لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2: ((أَنَّ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، فَقَرَّبَ لَهُمَا طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ، فَأَكَلُوا مِنْهُ، فَقَامَ أَنَسٌ فَتَوَضَّأَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: ((مَا هَذَا يَا أَنَسُ؟ ! أَعِرَاقِيَّةٌ؟ ))، [ثُمَّ انْتَهَرَانِي، فَعَلِمْتُ أَنَّهُمَا أَفْقَهُ مِنِّي] فَقَالَ أَنَسٌ: لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ. وَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَصَلَّيَا وَلَمْ يَتَوَضَّأَا)).
[الحكم]:
شاذٌّ، والمحفوظُ عن أنسٍ وأبي طلحةَ أنهما كان يتوضآن مما مسَّت النارُ. وكذا رجَّحَ البخاريُّ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [حم 16365 (واللفظ له)، 21180 / تخ (5/ 284) / ضيا 1131].
تخريج السياق الثاني: [طا 62 (واللفظ له) / عب 665/ طح (1/ 69/421 "والزيادة له ولغيره"، 422، 423) / منذ 120/ لا 721/ هق 749/ تمهيد (3/ 340)].
[السند]:
أخرجه مالك في (الموطأ) -ومن طريقه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار)،
وابنُ المنذرِ في (الأوسط)، والبيهقيُّ في (السنن الكبرى) -.
وأخرجه أحمدُ في (المسند) -ومن طريقه الضياءُ في (المختارة) - قال: حدثنا عَتَّاب بن زياد، أنبأنا عبد الله -يعنى ابن المبارك-.
كلاهما (مالك وابن المبارك) عن موسى بن عقبة، عن عبد الرحمن بن زيد بن عقبة، عن أنس بن مالك، به.
ورواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار)، وابنُ عَبْدِ البَرِّ في (التمهيد) من طريق أسامة بن زيد الليثي، عن عبد الرحمن بن زيد، به.
[التحقيق]:
رجالُ إسنادِهِ ثقات عدا عبد الرحمن بن زيد -وقيل: ابن يزيد- بن عقبة، وهو حسن الحديث.
قال أبو حاتم الرازي: ((ما بحديثه بأس)) (الجرح والتعديل 5/ 233، 299).
وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 88)، وقال الحاكم:((وعبد الرحمن هذا هو ابن زيد بن عقبة الأزرق، مدنيٌّ ثقة مأمون)) (المستدرك 3/ 432).
وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: ((قد زعم بعضُهم أن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري الذي روى عن أنسٍ هذا الحديث مجهولٌ، وذَكَر أن حديثَه ذلك منكر؛ لأن أُبَيَّ بنَ كعبٍ تُوفي سنة عشرين في خلافة عمر، ولم تكن العراقُ يومئذٍ ممن يضاف إليها مذهب؛ لأنه لم يكن يومئذٍ إلا أصحاب محمد الذين افتتحوها ومَن صحبهم في ذلك، وهو مذهب بالمدينة عند أهل العلم أشهر وأكثر منه بالعراق. وهذا كله تَحَامُل من قائله؛ لأن عبد الرحمن بن يزيد هذا هو عندهم عبد الرحمن بن يزيد بن عقبة بن كريم الأنصاري، يُعْرَف بالصدق،
وإن لم يكن مشهورًا بحمل العلم؛ فإنه قد روى عنه رجال كبار: موسى بن عقبة، وبُكير بن الأشج، وعمرو بن يحيى، وأسامة بن زيد الليثي، و (مَن) روى عنه ثلاثة -وقد قيل: رجلان-، فليس بمجهول. وأُبَي بن كعب قد اختُلف في وفاته: فقيل: تُوفي في خلافة عمر. وقيل: تُوفي في خلافة عثمان، على حَسَب ما ذكرنا من ذلك في بابه من كتابنا في الصحابة)) (الاستذكار 2/ 153، 154).
وأطلقَ الهيثميُّ القولَ بتوثيقه، فقال:"رواه أحمدُ، ورجاله ثقات"(مجمع الزوائد 1316).
قلنا: ولكن المحفوظ عن أنسٍ أنه كان يتوضَّأُ مما مسَّت النارُ، ويَرفع ذلك إلى أبي طلحة.
قال همام: قيل لمطر الوراق وأنا عنده: عمَّن كان يأخذُ الحسن أنه يتوضَّأُ مما غيَّرت النَّارُ؟ قال: أَخَذه عن أنسٍ، وأَخَذه أنسٌ عن أبي طلحةَ، وأَخَذه أبو طلحةَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. رواه أحمدُ في (المسند 16348) قال: حدثنا عفان قال: حدثنا همام، به.
ومطرٌ ضعيفٌ، وقد خُولِفَ في رفعه:
قال الدارقطنيُّ: "
…
ورواه يونس بن عُبيد، عن الحسن، عن أبي موسى وأنس بن مالك، فعلهما، لم يرفعه، والصحيح الموقوف" (العلل 6/ 64).
وهذا الموقوفُ عن الحسنِ عن أنسٍ، صحَّ أيضًا عن أبي قلابة، قال: ((أَتَيْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَقَعَدْتُ أَنْتَظِرُهُ، فَجَاءَ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ-يَعْنِي الحَجَّاجَ- فَدَعَا بِطَعَامٍ لِلنَّاسِ، فَأَكَلَ وَأَكَلُوا، ثُمَّ قَامُوا فَصَلَّوْا، وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا -أَوْ قَالَ: فَمَا مَسُّوا مَاءً-. فَقُلْتُ: أَوَ مَا
كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ هَذَا يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَفْعَلُهُ)). وهو موقوفٌ صحيحٌ، تقدَّم ذكره.
وكذا روى قتادةُ، ((أن أنسَ بنَ مَالكٍ كان يَتَوَضَّأُ مما غيَّرتِ النَّارُ، ويُحَدِّثُ أن أبا طَلْحةَ تَوَضَّأَ مما غيَّرتِ النَّارُ)). رواه مسددٌ كما في (إتحاف الخيرة المهرة 616)، وغيره عن يحيى، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، به.
قلنا: وقد روى شعبةُ، عن أبي بكر بن حفص، عن ابنِ شهابٍ، عن ابنِ أبي طلحةَ، عن أبي طلحةَ، مرفوعًا قال:((تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)) وإسنادُهُ صحيحٌ.
ولأبي طلحةَ أسانيد أخرى صحيحة عنه. وقد سبقت هذه الروايات ومواضع تخريجها في (باب الوضوء مما مسَّتِ النَّارُ).
وقد رجَّحَ البخاريُّ قولَ مَن قالَ: ((يَتَوَضَّأُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)) فقال:
((عبد الرحمن بن زيد بن عقبة بن كريم -يُعَدُّ في أهلِ المدينةِ- عن أنس بن مالك، -قاله موسى عن وهيب عن عمرو بن يحيى-: أن أبا طلحةَ وأُبَيًّا أَكَلَا خبزًا ولحمًا ولم يَتَوَضَّأَا.
وقال الحسن: عن أنس، عن أبي طلحة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أَمَرَ بالوُضُوءِ مما غيَّرت النَّارُ. وقال أبو قلابة: كان أنسٌ رضي الله عنه يَتَوَضَّأُ منه.
وروى أبو طلحة رضي الله عنه من وجوهٍ الوضوء
…
والذي قال: (يَتَوَضَّأُ) أصحُّ)) (التاريخ الكبير 5/ 284).
وقال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: ((ولو صحَّ هذا دلَّ على أن ذلك مذهب غير معروف بالمدينة، إلَّا أن هذا المذهبَ بالمدينةِ عن زيدِ بنِ ثابتٍ، وابن عمر،
وعائشة، وغيرهم- معروف محفوظ في المصنفات، وكذلك أبو طلحة معروف عنه ذلك أيضًا. وقد ذكرنا في (التمهيد) حديث همام، عنْ مَطَرٍ الوَرَّاقِ، عنِ الحسنِ، عن أنسِ بنِ مالِكٍ، عن أبي طلحةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ» .
وذكرنا قول همام: قيل لمطرف وأنا عنده: عمن أَخَذ الحسن الوضوء مما مسَّتِ النَّارُ؟ فقال: أَخَذه الحسن عن أنس، وأَخَذه أنس عن أبي طلحة، وأَخَذه أبو طلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديثُ يعارضُ حديثَ عبد الرحمن بن زيد هذا، وليس في هذا الباب شيء يُعتمدُ عليه أصح مما قدَّمنا ذِكره مِن عمل الخلفاء الراشدين وجمهور علماء المسلمين بترك الوضوء مما مسَّت النار، وأن ذلك عندهم على العمل بالناسخ وترك المنسوخ. وبالله التوفيق)) (الاستذكار 2/ 154).
قلنا: وقد رَوَى عبدُ الرزاقِ في (مصنفه 2204) -ومن طريقه ابنُ المنذرِ في (الأوسط 1899) - عن معمرٍ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال:((كُنْتُ مَعَ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ وَابنِ طَلْحَةَ وَرِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، وَنَحْنُ عَلَى طَعَامٍ لَنَا، قَالَ أَنَسٌ: فَوَلَّيْتُ لِنَخْرُجَ فَحَبَسُونِي، وَقَالُوا: أَفُتْيَا عِرَاقِيَّةٌ؟ فَعَابُوا ذَلِكَ عَلَيَّ حَتَّى جَلَسْتُ)).
فليس في السياق ذكر للوضوء من الطعام، وإنما بوّبَ عليه الإمامُ عبدُ الرزاقِ (باب إذا قرب العشاء ونودي بالصلاة) إلا أن معمرًا في ثابتٍ ضعيف.
[تنبيه]:
أولًا- جاء في رواية عند الطحاويُّ (423)، من طريق يحيى بن أيوب،
عن إسماعيل بن رافع، ومحمد بن النيل، عن عبد الرحمن بن زيد، عن أنس قال: ((أكلتُ أنا، وأبو طلحة، وأبو أيوب الأنصاري،
…
)) الحديث.
قال ابنُ عَبْدِ البَرِّ: "هكذا ذكر الطحاويُّ هذا الخبرَ بهذا الإسناد، فقال فيه: "وأبو أيوب"، والمحفوظُ من رواية الثقات: "وأُبي بن كعب"، كما قال مالك والأوزاعي. وأظنُّ الوهم فيه من يحيى بن أيوب، أو من إسماعيل بن رافع. والله أعلم"(التمهيد 3/ 341).
ثانيًا- جاء عند عبد الرزاق في (المصنف، ط/ المكتب الإسلامي 659) -تبعًا للأصل- عن محمد بن راشد قال: أخبرني عثمان بن عمر التيمي، عن عقبة بن زيد، عن أنس بن مالك، به.
والصواب: (عن عبد الرحمن بن زيد بن عقبة) وليس (عقبة بن زيد)، كما في بقية المصادر؛ ولذا صوَّبه محققو طبعة دار التأصيل (665) هكذا، مخالفين الأصل الذي معهم!
2250 -
حَدِيثٌ ثَالِثٌ لِأَنَسٍ:
◼ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ:((أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَصْعَةٍ مِنْ لَحْمِ شِوَاءٍ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ، فَأَكَلُوا جَمِيعًا، ثُمَّ تَمَسَّحُوا بِخِرْقَةٍ، ثُمَّ انْتَظَرُوا حَتَّى أَتَاهُمُ المُؤَذِّنُ لِلمَغْرِبِ، فَقَامُوا جَمِيعًا، فَصَلَّوْا، وَلَمْ يَتَوضَّأْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي أُمَيَّةَ مِنْ أَهْلِ نَابُلْسَ قَالَ: ((كُنْتُ وَصِيفًا بَيْنَ يَدَيِ الحَجَّاجِ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ وَهُوَ عَلَى الغَدَاءِ، فَدَعَاهُ فَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَقَالَ لَهُ الحَجَّاجُ: كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ إِذَا أَكَلَ اللَّحْمَ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ يَعْرَقُ كَتِفًا -أَوْ: عَظْمًا- ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذه السياقةِ. وأنكره البخاريُّ والعُقيليُّ. وتَرْكه صلى الله عليه وسلم الوضوء من أكلِ اللحمِ وغيرِهِ مما مسَّته النارُ- ثابتٌ من حديثِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما وغيرِهِ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [عق (2/ 488) (واللفظ له) / تخ (5/ 295) (معلقًا مختصرًا) / كر (36/ 118) (وفيه قصة)].
تخريج السياق الثاني: [كر (36/ 118)].
[السند]:
رواه العُقيلي في (الضعفاء 2/ 488) قال: حدثناه جعفر بن محمد السُّوسي قال: حدثنا موسى بن سهل الرملي قال: حدثنا سَوَّار بن عُمارة
قال: حدثنا عبد الرحمن مولى سليمان بن عبد الملك، عن أنس بن مالك، به.
ورواه ابنُ عساكر في (التاريخ 36/ 118) من طريق أبي زرعة الدمشقي قال: نا سوار بن عمارة، نا عبد الرحمن السندي
(1)
مولى لسليمان بن عبد الملك قال: رأيت أنس بن مالك دخل على الحَجاج، فأُتِي الحَجاجُ بلَطَفٍ
(2)
بعد العصر إلا أنه ليس بلحمٍ، فزعمَ أنه شيء طُبِخَ فجُمعَ، فلما وُضِع الطبقُ بين يديه، فأَكَلَ أنسٌ، والحَجاجُ، وعنبسةُ بنُ سعيدِ بنِ العاصِ، ثم أُتِي الحَجاجُ بوَضوءٍ، فأشارَ إلى الخَصي أن يقدم الوَضوء إلى أنسٍ، فقال أنس: ((قدِ اكتفيتُ بمسحِ المِنديل. وتَوَضَّأَ الحَجاجُ أطراف أصابعه، ثم قال الحَجاجُ لأنسٍ: بلغني أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لحمًا ثُمَّ لم يَتَوَضَّأْ. قال: نعم، أُتِي بعضو من لحمٍ شِواء
…
الحديث.
وعَلَّقه البخاريُّ في (التاريخ الكبير 5/ 295) عن النُّفيليِّ، حدثنا عباد بن كثير
(3)
الرمليُّ، عن السنديِّ، به، مختصرًا، بلفظ: ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ،
(1)
في المطبوع من (تاريخ دمشق) و (المختصر 15/ 84): "السيدي". والمثبت هو الصحيح كما في (التاريخ الكبير 5/ 295)، و (تاريخ الإسلام 3/ 915)، و (تهذيب الكمال 12/ 240 و 14/ 150)، وغيرها، بل وفي مواضع أخرى من (تاريخ دمشق) نفسه (34/ 419)، (40/ 164).
(2)
يعني: هدية؛ قال محمد بن أبي بكر الرازي: ((يُقَالُ: جَاءَتْنَا (لَطَفَةٌ) مِنْ فُلَانٍ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ هَدِيَّةٌ)) (مختار الصحاح: ل ط ف).
(3)
في المطبوع: "عبادة بن بَشِير"، وليس في الرواة من يُسمَّى بهذا؛ ولذا قال محققه:"لعله: عبادة بن نُسَيّ، صُحِّف"!
قلنا: والمثبت هو المذكور في شيوخ أبي جعفر النفيلي وتلاميذ السندي. فأما ابن نسي فأقدم من صاحبنا، ثم هو كِنْدي شامي أردني. وصاحبنا رملي.
وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنَ اللَّحْمِ)).
ورواه ابنُ عساكر في (التاريخ 36/ 118) من طريق أبي العباس محمد بن عبد الله بن إبراهيم اليافوني، نا يزيد بن مُرَشَّل، نا عبد الرحمن أبو أمية، به، بلفظ السياقة الثانية.
فمداره عندهم على عبد الرحمن أبي أمية السندي.
[التحقيق]:
هذا سندٌ واهٍ؛ فيه عبد الرحمن أبو أمية السندي مولى سليمان، وهو منكرُ الحديثِ، قاله البخاريُّ في (التاريخ الكبير 5/ 370)، وأبو حاتم الرازيُّ في (الجرح والتعديل 5/ 305)، وذَكَره العقيليُّ، وابنُ عَدِيٍّ، وابنُ الجارودِ في (الضعفاء)، (اللسان 4722).
فأما ابنُ حِبَّانَ فذكره في (الثقات 5/ 109)! !
ولما روى العقيليُّ عن البخاريِّ قوله السابق، قال -عقبه-: ((وهذا الحديثُ حدثناه
…
))، فساقَ هذا الحديثَ بسندِهِ، (الضعفاء 2/ 488).
وكأنَّه يشيرُ إلى أن البخاريَّ إنما يريدُ به هذا الحديث بعينه
(1)
.
وبالفعل قدِ أنكرَ البخاريُّ هذا الحديثَ، حيث قال -عقبه-:((وقال أبو قلابة والحسن: كان أنسٌ رضى الله عنه يَتَوَضَّأُ مما مسَّتْهُ النارُ. وهذا أصحُّ)) (5/ 295).
فهذا هو المحفوظُ عن أنسٍ، ولو كان ما رواه السنديُّ محفوظًا لما كان
(1)
ولعلَّ هذا هو مراد ابن عدي بقوله: "وليس مراد البخاري أنه ضعيف أو قوي؛ ولكن أراد الترجمة"(الكامل 1130). والله أعلم.
لأنسٍ أن يخالفه، بل وينكرُ ذلك على الحجاجِ -خِلافًا لما رواه السنديُّ-، ففي حديثِ أبي قلابةَ المذكور آنفًا أَنَّ ((أنسًا جاءَ وهو مُغْضَبٌ، فقال: كُنْتُ عِنْدَ هَذَا -يَعْنِي الحَجَّاجَ- فَأَكَلُوا، ثُمَّ قَامُوا فَصَلَّوْا، وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا، فَقُلْتُ: أَوَ مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ هَذَا يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَفْعَلُهُ)).
رواه عبدُ الرزاقِ (678)، وابنُ أبي شيبةَ (555)، وسندُهُ صحيحٌ.
وفي الحديثِ شيءٌ آخرُ أنكره العقيليُّ، حيثُ قالَ:((ولا يُحفظُ هذا اللفظُ إلا في هذا الحديثِ: ((تمسَّحوا بخِرقةٍ))، وقد ثبتَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَكَلَ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ ثُمَّ صَلَّى، ولم يَتَوَضَّأْ)) (الضعفاء 2/ 488).
أي أن هذا المتنَ محفوظٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم دون ذكر المسح بالخرقة، فلا يُعْرَفُ إلا في هذا الحديثِ المنكرِ الإسنادِ.
قلنا: قد وَرَدَ مسحُ اليدِ في نحوِ هذه السياقةِ من حديثِ ابنِ عباسٍ، لكنه شاذٌّ أو منكرٌ كما بيَّنَّاهُ.
وَوَرَدَ المسحُ أيضًا من حديثِ عبد الله بن الحارث بن جَزْء، وفي سندِهِ ابنُ لهيعةَ، وخالفه فيه الثقات.
ووَرَدَ من حديثِ جابرٍ في (فوائد تمام)، وسندُهُ منكرٌ.
فبهذا يسلمُ استنكار العقيلي لهذه الجملة، وهذا في خصوصِ هذه السياقةِ التي فيها القيام إلى الصلاة عقب الأكل.
فأما مطلقُ المسحِ بعد الأكلِ فثابتٌ عند مسلمٍ (2032) من حديثِ كعبِ بنِ مالكٍ. والله أعلم.
2251 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَمَسُّ مَاءً)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بما سبقَ من شواهدَ، وسندُهُ منقطعٌ، وضَعَّفَهُ أحمد شاكر.
[فائدة]:
قوله: (اللَّحْمَ) عام يعني: عموم اللحم. ويستثنى منه لحم الجزور (الإبل)؛ لِما سبق في بابه من أمره صلى الله عليه وسلم بالوُضُوءِ من لحمِ الإبلِ خاصة.
[التخريج]:
[حم 3791 (واللفظ له) - 3793، 3827/ عل 5274/ شا 870/ حجر 349/ ناسخ 70/ مغلطاي 2/ 53/ جوزي (ناسخ 51)].
[السند]:
رواه أحمدُ قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، أنبأنا إسماعيل، أخبرني عمرو بن أبي عمرو، عن عبيد الله وحمزة ابني عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود
…
به.
ومداره عندهم على عمرو بن أبي عمرو، وأفرده مرة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأفرده أخرى عن أخيه حمزة بن عبد الله بن عتبة، وجَمَع بينهما في الطريق المذكور عند أحمد، وعند ابن شاهين أيضًا.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه علة الانقطاع، فإن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك
عَمَّ أبيه عبد الله بن مسعود، كما قال المزيُّ في (التهذيب 16/ 124)، وانظر (جامع التحصيل 486).
وأيضًا أخوه حمزة لا يُعْرَفُ له إدراك لابنِ مسعودٍ، والظاهرُ أنه لم يدركه؛ فإن أخويه عبيد الله وعونًا لم يدركاه كما في (تهذيب الكمال 16/ 124، 125)، ولما نقلَ العلائيُّ عن الترمذيِّ والدارقطنيِّ أن رواية أخيه عون عن ابن مسعود مرسلة، قال:"وذلك واضح"(جامع التحصيل 598)، وقد ذكرَ البخاريُّ في (التاريخ 18) أن حمزةَ سَمِعَ أخاه عبيد الله، وروى عن عمر بن عبد العزيز، وأخوه عبيد الله شيخ عمر ومؤدبه، وقد مات قبل حمزة، فالظاهرُ أن حمزةَ أصغر منه. والله أعلم.
قال الشيخ أحمد شاكر: "إسنادُهُ ضعيفٌ لانقطاعه". انظر (تحقيقه للمسند 5/ 302).
بينما قال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ وأبو يعلى، ورجاله مُوَثَّقُون"(مجمع الزوائد 1314).
وكذلك قال البوصيريُّ: "ورواتُهُ ثقاتٌ"(إتحاف الخيرة المهرة 1/ 366). وفاتهما علة الانقطاع.
2252 -
حَدِيثُ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ
◼ عَنْ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ: ((أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُضْوًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ تالفٌ.
[التخريج]:
[طب (4/ 283/ رقم 4432)].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) عن إبراهيم بن هاشم البغوي، ثنا سليمان بن داود الشاذكوني، ثنا محمد بن عمر الواقدي، ثنا الحسين بن يزيد، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر، عن رافع بن خَديج، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ساقطٌ؛ وفيه علتان:
العلةُ الأُولى: سليمان بن داود الشاذكوني؛ قال البخاريُّ: "فيه نظر"، وكذَّبه ابنُ مَعِينٍ، وقال أبو حاتم:"متروكُ الحديثِ"، وقال النسائيُّ:"ليسَ بثقةٍ"(الميزان 3454).
العلةُ الثانيةُ: محمد بن عمر الواقدي؛ قال ابنُ حَجَرٍ: "متروكٌ مع سَعة علمه"(التقريب 6175). وقال الهيثميُّ: "وفيه الواقديُّ، وهو كذَّابٌ"(مجمع الزوائد 1325).
رِوَايَةُ: أَكَلَ ذِرَاعًا
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَّ أَصَابِعَهُ عَلَى الجِدَارِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ وَالمَغْرِبَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[طب (4/ 246 - 247/ رقم 4273)].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا هشام بن عمار، ثنا صدقة بن خالد، عن عمر بن قيس، عن إبراهيم بن محمد بن خالد بن الزبير، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج
…
به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: عمر بن قيس، هو المكيُّ، أبو حفصٍ، المعروفُ بسندل، قال فيه ابنُ حَجَرٍ:"متروك"(التقريب 4959).
وشيخه: إبراهيم بن محمد بن خالد بن الزبير لم نجدْ له ترجمةً.
قال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير)، وفيه عمرو بن قيس المكي، عن إبراهيم بن محمد بن خالد بن الزبير، ولم أَرَ مَن ترجمهما، وله طريقٌ آخرُ، وفيه الواقديُّ، وهو كذَّابٌ"(مجمع الزوائد 1325).
هكذا وقعَ عنده: "عمرو بن قيس"، وهو تحريفٌ؛ ولذا لم يجدْ له ترجمةً، ووقع في هامش الأصل - كما ذكره المحقق-:"فائدة: (عمرو) الظاهر أنه (عمر) بضم العين، وهو الملقب (سندول) ضعيف".
2253 -
حَدِيثُ فَاطِمَةَ رضي الله عنها
◼ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: ((دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَكَلَ عَرَقًا (كَتِفًا) 1 فَجَاءَ بِلَالٌ بِالأَذَانِ (فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ) 2 فَقَامَ لِيُصَلِّيَ، فَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ ! فَقَالَ: «مِمَّ أَتَوَضَّأُ يَا بُنَيَّةُ؟ ! » فَقُلْتُ: مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ (غَيَّرَتِ النَّارُ) 3 فَقَالَ لِي: «أَوَلَيْسَ أَطْيَبُ طَعَامِكُمْ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ؟ ! » )).
• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ: ((دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَنَا قِدْرٌ يَفُورُ، قَطَعْنَا لَهُ مِنْهَا بِسِكِّينٍ، فَأَخرَجَهَا كَتِفًا، فَنَهَشَ مِنْهَا نَهَشَاتٍ،
…
، فَجَاءَ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَذَهَبَ يَخْرُجُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ ! قَالَ:«مِمَّ؟ ! » قُلْتُ: مِنَ اللَّحْمِ الذِي أَكَلْتَهُ، قَدْ غَيَّرَتْهُ النَّارُ! قَالَ:«أَوَلَيْسَ أَطْيَبُ طَعَامِكُمْ مَا غَيَّرَتِ النَّارُ؟ ! » فَنَفَضَ يَدَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ، وفي سندِهِ اختلافٌ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حم 26418 (واللفظ له) / عل 6740 (والرواية الثانية له ولغيره)، (خيرة 625/ 2) / حث 96 (والرواية الثالثة له) / ذر 183/ علقط (9/ 169 - 170) (والرواية الأُولى له) / كر (13/ 62) / أصم وصفار 218].
تخريج السياقة الثانية: [علقط (9/ 170، 171)].
[التحقيق]:
أخرجه أحمدُ، قال: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن
محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن الحسن بن الحسن، عن فاطمة، به.
ورواه أبو يعلى في (مسنده) عن إبراهيم بن الحَجاج السامي.
ورواه الدّولابيُّ في (الذرية الطاهرة) من طريق التبوذكي.
ورواه الحارثُ بنُ أبي أسامةَ في (مسنده) عن داود بن المُحَبَّر.
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل) من طريق عبيد الله العيشي وغيره.
جميعًا عن حماد بن سلمة، به.
وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
العلةُ الأُولى: انقطاعه، فإن الحسنَ بنَ الحسنِ بن عليٍّ لم يدركْ جَدته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا أعلَّه الهيثميُّ فقال: "والحسنُ بن أبي
(1)
الحسن وُلِد بعد وفاة فاطمة. والحديثُ منقطعٌ" (مجمع الزوائد 1331).
وقال المناويُّ: "وحديثُ تَرْك الوضوء مما مسَّته النارُ أخرجه أحمدُ من رواية الحسن بن الحسن عنها مرسلًا"(إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل، صـ 100)
العلة الثانية: عنعنة ابن إسحاق، فإنه مدلسٌ كما سبقَ مرارًا.
وبهذا أعلَّه البوصيريُّ فقال: "ومدارُ حديثِ فاطمةَ على محمد بنِ إسحاق، وهو مدلسٌ، وقد عنعنه"(إتحاف الخيرة المهرة 1/ 360).
قلنا: رواه بعضُ الضعفاءِ عن ابنِ إسحاقَ، وصرَّح بسماعِهِ من أبيه،
(1)
كذا وقع فيه، والصواب:"والحسن بن الحسن" وهو ابنُ علي بن أبي طالبٍ، والظاهر أن الهيثميَّ ظنَّه الحسنَ البصريَّ.
وخالفَ في سندِهِ أيضًا كما ستراه في
العلة الثالثة: الاختلافُ في سندِهِ؛ فقد اختُلف فيه على ابنِ إسحاقَ:
فرواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 170) من طريق عمر بن حبيب القاضي قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن يسار قال: حدثنا أبي، عن الحسن بن الحسن الهاشمي، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن أمها فاطمة بنت رسول الله قالت
…
فذكره بلفظ الرواية الثانية.
وعمر بن حبيب هذا ضعيفٌ كما في (التقريب 4874)، وقد خالفَ حماد بن سلمة حيث زاد فيه فاطمة الصغرى بين الحسن وجَدته. وفاطمة الصغرى لم تدرك جَدَّتها أيضًا (جامع التحصيل 1032).
فهو على أيةِ حالٍ منقطع، وتصريح ابن إسحاق بالسماع من أوهام ابن حبيب هذا.
واختُلف على حماد بن سلمة:
فذَكَر الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 169) أن العلاء بن عبد الجبار رواه عن حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن أبيها الحسين، عن أمه فاطمة، به.
فجعله عن الحسين بن علي لا عن الحسن بن الحسن. وزاد فيه ابنُ إسحاق راويين آخرين، وهما (عبد الله بن الحسن، وأمه فاطمة بنت الحسين)، رواه أبو محمد بن صاعد، عن ابن أبي بزة، عن العلاء، به.
وخالفه محمد بن محمد الباغندي، فرواه عن ابن أبي بزة، بإسناده، ولم يذكر فيه الحسين بن علي. وابن أبي بزة أحمد بن محمد بن عبد اللهـ أبو الحسن البزي المكي، ضعيف كما في (اللسان 1/ 283)، فلا عبرةَ
بمخالفته المحفوظ عن حماد من رواية الحسن الأشيب عند أحمد، وابراهيم بن الحجاج السامي عند أبي يعلى، والتبوذكي عند الدولابي، وعبيد الله بن عائشة العيشي عند الدارقطني
…
وغيرهم.
وخالف محمد بن فضيل كلًّا من (حماد بن سلمة وعمر بن حبيب):
فرواه عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن أبيهِ، عنِ الحسنِ بنِ عليٍّ، ((أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَنَاوَلَتْهُ كَتِفَ شَاةٍ مَطْبُوخَةٍ فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَأَخَذَتْ ثِيَابَهُ، فَقَالَتْ: أَلَا تَوَضَّأُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ! قَالَ: «مِمَّ يَا بُنَيَّةُ؟ ! » قَالَتْ: قَدْ أَكَلْتَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ. قَالَ: «إِنَّ أَطْهَرَ طَعَامِكُمْ لَمَا مَسَّتْهُ النَّارُ»)).
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 2742) قال: حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل البغدادي، ثنا عبد الله بن عمرو بن أبان، ثنا محمد بن فُضَيْل، به.
ورواه الدولابيُّ في (الذرية الطاهرة 138): حدثنا أحمد بن يحيى، حدثنا ضِرَار بن صُرَد، حدثنا ابن فُضَيْل، به.
ورواه أبو يعلى في (مسنده 6770): حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا ابنُ فُضيلٍ، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن الحسن بن علي قال: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ
…
وذكرَ الحديثَ، وكتبناه في أحاديث ابن نمير في الإملاء.
إلَّا أن البوصيريَّ في (الإتحاف 1/ 360) ذكر هذه الروايةَ بعد رواية أبي يعلى المتقدمة، عن إبراهيم بن الحجاج، عن حماد، قال: وثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا ابن الفضيل، ثنا محمد بن إسحاق
…
فذكره.
فجعل رواية ابن فضيل متابعة لرواية حماد بن سلمة، وقد أخطأ؛ لأن سندَ أبي يعلى موافق لما رواه الطبرانيُّ والدولابيُّ عن ابنِ فُضيلٍ.
وقد ساقَ أبو يعلى أولَ المتنِ الذي ساقه الطبرانيُّ والدولابيُّ عن ابنِ فُضيلٍ، حيثُ جاء فيه:((دَخَلَ رَسُولُ اللهِ بَيْتَ فَاطِمةَ)). قال
…
وذكر الحديث. مما يدلُّ على أن مقصدَ أبي يعلى هو حديثنا هذا لا غيره.
وقد ساقَ الألبانيُّ سندَ الطبرانيِّ وأحالَ عليه سند أبي يعلى، فقال رحمه الله:((حديثُ ((إِنَّ أَطْهَرَ طَعَامِكُمْ لَمَا مَسَّتْهُ النَّارُ)): ضعيفٌ؛ أخرجه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 1/ 132/1)، وأبو يعلى في (مسنده 4/ 1599) -ولم يَسُقْ لفظه- من طريق محمد بن إسحاق، عن أبيه، عنِ الحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنه: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَنَاوَلَتْهُ كَتِفَ شَاةٍ مَطْبُوخَةٍ، فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَأَخَذَتْ ثِيَابَهُ فَقَالَتْ: أَلَا تَوَضَّأُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ! قَالَ: «مِمَّ يَا بُنَيَّةُ؟ ! » قَالَتْ: قَدْ أَكَلْتَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ؟ ! قال
…
" فذكره.
قلت: وإسنادُهُ ضعيفٌ على ثقة رجاله؛ فإن ابنَ إسحاقَ مدلسٌ وقد عنعنه، على أن في حفظه شيئًا؛ ولذلك فهو حسنُ الحديثِ إذا صرَّح بالتحديثِ ولم يكن فيما رواه علة.
ولذلك قال الذهبيُّ -في آخر ترجمته-: "فالذي يَظهرُ لي أن ابنَ إسحاقَ حسنُ الحديثِ، صالحُ الحالِ، صدوقٌ، وما انفردَ به ففيه نكارةٌ؛ فإن في حفظه شيئًا، وقد احتجَّ به أئمة، فالله أعلم، وقد استشهدَ مسلمٌ بخمسة أحاديث لابنِ إسحاقَ ذكرها في (صحيحه) ".
فإن قيل: يَبعد أن يكون بين محمد بن إسحاق وأبيه شخص، ثم دلَّسَه ابنُ إسحاق.
قلت: إِنْ سَلَّمنا ذلك، فقد وُجدتُ له علةً، وهو الاختلافُ في سندِهِ
ومتنِهِ.
فقال أحمد (6/ 283): حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن الحسن بن الحسن، عن فاطمة قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" الحديث نحوه، وفي آخره: فقال لي: «أَوَلَيْسَ أَطْيَبُ طَعَامِكُمْ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ؟ ! ». وهكذا أخرجه أبو يعلى (4/ 1591): حدثنا إبراهيم بن حجاج السامي، أخبرنا حماد، به، إلا أنه وقع عنده "الحسن بن أبي الحسن "، وعليه جرى الهيثميُّ فقال (1/ 253) بعدما عزاه لهما -أحمد وأبي يعلى-: "والحسن بن أبي الحسن وُلِد بعد وفاة فاطمة، والحديث منقطع". وكأنَّه يعني به الحسن البصري، فإنه يَصُدقُ عليه أنه وُلِد بعد وفاة فاطمة، ولكني لم أَرَ مَن ذَكَر أن إسحاقَ بنَ يسارٍ روى عنه. وإنما في (تهذيب التهذيب) أنه روى عن الحسن بن علي! وهذا أقرب إلى ما في (المسند) إذا قَدَّرنا أنه الحسن بن الحسن بن علي، نُسِب في (التهذيب) إلى جَدِّه، وإذا كان كذلك فهو منقطع أيضًا. والله أعلم)) (السلسلة الضعيفة 2991).
وقد حمَّلَ الدارقطنيُّ هذا الاختلاف ابنَ إسحاقَ فقال: "والاختلافُ فيه مِن قِبل محمد بنِ إسحاقَ"(العلل 9/ 170).
[تنبيه]:
وقع عند أبي يعلى في (مسنده): "عن الحسن بن أبي الحسن"، فظنَّه محققه الحسنَ البصريَّ؛ فأعلَّه بعنعنته! وهو خطأٌ إما في الروايةِ وإما منَ الناسخِ، فقد جاء في سائر المصادر:"الحسن بن الحسن" وصرَّح في رواية الحارث والدولابي بأنه الحسن بن الحسن بن علي، وفي ترجمته ذَكَر ابنُ عساكر هذا الحديثَ، ونقله البوصيريُّ في (الإتحاف) عن أبي يعلى على
الصواب (625)، ولكن وقع عند الهيثميِّ كما في المطبوع، فظنَّه أيضًا الحسن البصري، وأعلَّه بالانقطاع، فقال:"والحسن بنُ أبي الحسن وُلِد بعدَ وفاةِ فاطمةَ، والحديثُ منقطعٌ"(مجمع الزوائد 1331). ومرَّ كلامُ الشيخِ الألبانيِّ فيه.
2254 -
حَدِيثُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ
◼ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَنَاوَلَتْهُ كَتِفَ شَاةٍ مَطْبُوخَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَأَخَذَتْ ثِيَابَهُ فَقَالَتْ: أَلَا تَوَضَّأُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ! قَالَ: «مِمَّ يَا بُنَيَّةُ؟ ! » قَالَتْ: قَدْ أَكَلْتَ مِمَّا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ. قَالَ: «إِنَّ أَطْهَرَ طَعَامِكُمْ لَمَا مَسَّتْهُ النَّارُ» .
[الحكم]:
ضعيفٌ معلولٌ. وضَعَّفه الألبانيُّ.
[التخريج]:
[طب (3/ 88/ رقم 2742) / ذر 138/ عل 6770].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) قال: حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل البغدادي، ثنا عبد الله بن (عمر)
(1)
بن أبان، ثنا محمد بن فُضَيْل، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن الحسن بن علي، به.
ورواه أبو يعلى في (مسنده) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا ابن فُضَيْل، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ ابنُ إسحاقَ مدلسٌ وقد عنعن، ثم هو معلولٌ؛ للاختلافِ فيه على ابنِ إسحاقَ، وقد سبقَ.
قال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير)، وفيه ابنُ إسحاق وهو مدلسٌ
(1)
وقع في المطبوع: "عمرو"، وهو خطأ، انظر ترجمة مُشْكُدانة من (التهذيب).
ثقة" (مجمع الزوائد 1327).
وقال الألبانيُّ: "ضعيفٌ"(السلسلة الضعيفة 2991).
2255 -
حَدِيثُ جَابِرٍ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ
◼ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَاطِمَةَ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَضُوءٍ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا هَذَا يَا فَاطِمَةُ؟ » قَالَتْ: وَضُوءٌ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: «لَا حَاجَةَ لَنَا فِي وَضُوئِكِ؛ إِنَّ أَطْيَبَ طَعَامِنَا لَمَا مَسَّتِ النَّارُ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[طش 768].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (مسند الشاميين) قال: حدثنا أبو عَقِيل الخَوْلاني، ثنا محمد بن مُصَفًّى، ثنا محمد بن حرب، ثنا عتبة بن أبي حكيم، عن محمد بن فلان -قد سمَّاه- عن جابر بن عبد الله، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
العلةُ الأُولى: محمد بن فلان هذا، لم يَحفظْ لنا الراوي اسم أبيه لننظر في حاله.
العلة الثانية: عتبة بن أبي حكيم؛ قال فيه الحافظُ: "صدوقٌ، يُخطئُ كثيرًا"(التقريب 4427).
العلةُ الثالثةُ: أبو عقيل الخولاني، واسمه أنس بن السَّلْم؛ ترجمَ له ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق 9/ 312)، وياقوت في (المعجم 1/ 270)، والذهبيُّ في
(تاريخ الإسلام 21/ 129)، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولكن روى عنه جماعةٌ من الأئمةِ الحفاظِ، منهم: الطبرانيُّ وابنُ عَدِيٍّ وابنُ جوصا وأبو عليٍّ الحصائريُّ
…
وغيرهم، ولا يُعْرَف فيه جَرْحٌ.
وأما محمد بن مصفى، فقال فيه الحافظ:"صدوقٌ له أوهامٌ، وكان يدلسُ"(التقريب 6304).
قلنا: كان ممن يدلسُ تدليسَ التسويةِ كما في (تهذيب التهذيب 9/ 461)، ولكنَّه صَرَّحَ بسماعه وسماع شيخه.
وأما محمد بن حرب، فهو الخولاني الأبرش، ثقة من رجال الشيخين.
2256 -
حَدِيثُ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ لَحْمًا فَأَكَلَ، فَلَمَّا قَامَ أَخَذَتْ بِرِدَائِهِ، فَقَالَتْ: أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: «مِمَّ يَا بُنَيَّةُ؟ ! » فَقَالَتْ: مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ. فَقَالَ: «أَوَ لَيْسَ أَطْهَرُ طَعَامِنَا مَا غَيَّرَتِ النَّارُ؟ ! » .
[الحكم]:
ضعيفٌ لإرسالِهِ.
[التخريج]:
[مسد (خيرة 624)، (مط 2/ 378)].
[السند]:
قال مسدد: حدثنا عيسى، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، به، مرسلًا.
[التحقيق]:
رجال إسناده ثقات رجال الصحيح إلى يحيى بن أبي كثير، لكنه مرسل؛ ابنُ أبي كثير من صغار التابعين. ومرسلاته شبه الريح كما قال يحيى بن سعيد (تهذيب الكمال 31/ 509)، وكذلك قال علي بن المديني (تهذيب الكمال 6/ 124).
2257 -
حَدِيثُ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ
◼ عَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ طَعَامًا، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَقَامَ، وَقَدْ كَانَ تَوَضَّأَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ لِيَتَوَضَّأَ مِنْهُ، فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ:«وَرَاءَكَ! » فَسَاءَنِي وَاللهِ ذَلِكَ، ثُمَّ صَلَّى فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ المُغِيرَةَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِ انْتِهَارُكَ إِيَّاهُ، وَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِي شَيْءٌ إِلَّا خَيْرٌ، وَلَكِنْ أَتَانِي بِمَاءٍ لِأَتَوَضَّأَ، وَإِنَّمَا أَكَلْتُ طَعَامًا، وَلَوْ فَعَلْتُ فَعَلَ ذَلِكَ النَّاسُ بَعْدِي» .
[الحكم]:
إسنادُهُ لَيِّن.
[التخريج]:
[حم 18219 (واللفظ له) / طب (20/ 419/ 1008) / ش 535/ كر (60/ 28) / ص (إمام 2/ 404) / عتب (صـ 51 - 52) / مث 1545/ حل (9/ 40) / مغلطاي (2/ 54)].
[السند]:
أخرجه أحمدُ قال: حدثنا أبو الوليد وعفان قالا: حدثنا عُبيد الله بن إياد، حدثنا إياد، عن سُويد بن سَرْحان، عن المغيرة بن شعبة، به.
ومدارُ الإسنادِ عند الجميعِ على سويد بن سرحان، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ لَيِّنٌ، رجالُ إسنادِهِ كلهم ثقات، عدا سويد بن سرحان؛ ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ 4/ 144)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 4/ 235)،
ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولا ذكرا له راويًا غير إياد. وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 4/ 324/ 3139) وقال:"روى عنه: سالم بن أبي الجعد، وعبد الملك بن ميسرة، وإياد بن لقيط"، ووقع في (التعجيل 435):"عبد الملك بن عمير"، وقد جهدنا لنجد له رواية من غير رواية إياد هذه فلم نجد. ولم يذكر الدارقطني فيمن روى عنه غير إياد بن لقيط أيضًا.
وعلى أية حال فبما ذكره ابنُ حِبَّانَ تُرفع عنه جهالة العين وتبقى جهالة الحال قائمة.
واعتمدَ الهيثميُّ ذِكر ابنِ حِبَّانَ له في (الثقات)، فقال:"رواه أحمدُ والطبرانيُّ في (الكبير)، ورجالُهُ ثقاتٌ"(مجمع الزوائد 1315).
وقال البوصيريُّ: ((رجاله ثقات)) (إتحاف الخيرة المهرة 1/ 361).
[تنبيه]:
سقط عند الطبراني في (الكبير) ذِكر إياد بن لقيط. والصواب إثباته، كما في بقية المصادر.
2258 -
حَدِيثُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَنْ أَبِيهِ
◼ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، ضعيفُ السندِ.
[التخريج]:
[عب 642].
[السند]:
أخرجه عبدُ الرزاقِ عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن رجلٍ منَ الأنصارِ، عن أبيه، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه جهالة الرجل المبهم شيخ الزهري.
2259 -
حَدِيثُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ
◼ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ، وَفِي يَدِهِ عَرَقٌ يَتَعَرَّقُ مِنْهُ. قَالَ: فَتَنَاوَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً أَوْ نَهْسَتَيْنِ (فَنَهَشَهُ نَهْشَةً أَوْ نَهْشَتَيْنِ) ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[طب (3/ 79/ رقم 2716) (اللفظ له) / معر 913 (الرواية له)].
[السند]:
أخرجه ابنُ الأعرابي في (معجمه) قال: نا أبو إبراهيم الزهري.
وأخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) قال: حدثنا أبو الزنباع رَوْح بن الفرج المصري.
كلاهما عن يحيى بن سليمان الجُعْفي، نا أحمد بن بَشير، عن مُجالِد بن سعيد الهَمْداني، عن عامر الشَّعْبي، عن الحسن بن علي بن أبي طالب، به.
[التحقيق]:
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه مجالد بن سعيد، قال ابنُ حَجَرٍ:"ليس بالقويِّ، وقد تغيَّرَ في آخرِ عمره"(التقريب 6478).
2260 -
حَدِيثُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ مُرْسَلًا
◼ عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دُعِيَ إِلَى الطَّعَامِ فَأَكَلَ كَتِفًا، ثُمَّ جَاءَهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بما سبقَ، وسندُهُ ضعيفٌ مرسلٌ.
[التخريج]:
[عب 639].
[السند]:
أخرجه عبدُ الرزاقِ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن محمد بن علي بن حسين قال: أخبرني أبي، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: عنعنةُ ابنِ جُرَيجٍ، قال ابنُ حَجَرٍ: "ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ، وكان يدلسُ ويرسلُ)) (التقريب 4193).
العلة الثانية: الإرسالُ؛ فإن عليَّ بنَ الحسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ منَ الوسطى من التابعين.
2261 -
حَدِيثُ عُبَيْدٍ اللَّيْثِيِّ
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدٍ، أَنَّ عُبَيْدًا اللَّيْثِيَّ ((رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، ضعيفُ السندِ.
[التخريج]:
[تخ (4/ 242) / كر (23/ 265)].
[السند]:
رواه البخاري في (التاريخ الكبير) -ومن طريقه ابنُ عساكر في (تاريخه) - عن زكريا عن الحكم بن المبارك، سمع علي بن عبد الله الرازي، عن عبد الكريم، عن شيبة بن مساور، عن عبد الله بن عُبيد، أن عُبيدًا الليثي، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه عبد الكريم بن أبي المخارق، قال ابنُ حَجَرٍ:"ضعيفٌ"(التقريب 4156).
وشيبة بن مساور، قال الحسينيُّ:"ليسَ بمشهورٍ"(التعجيل 457)، وتقدَّمَ قريبًا.
2262 -
حَدِيثُ كَثِيرٍ
◼ عَنْ كَثِيرٍ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَ لَنَا طَعَامًا فَأَكَلْنَا، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّيْنَا وَلَمْ نَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
المتنُ صحيحٌ كما سبقَ، وإسنادُهُ معلولٌ، وأعلَّه: ابنُ يونسَ، وأقرَّه ابنُ حَجَرٍ.
[التخريج]:
[قا (2/ 385) (واللفظ له) / صحا 5857/ سنن أبي بكر بن الأشعث (مغلطاي 2/ 52) / أثرم 168/ صبغ 2031].
[السند]:
رواه (أبو بكر بن أبي داود) عن أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح.
وأخرجه ابن قانع في (معجمه) قال: حدثنا عبد الله بن الصقر السُّكَّري، نا إبراهيم بن المنذر.
وأخرجه أبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة) من طريقِ حرملةَ، قالوا: نا ابنُ وهبٍ، نا حَيْوة بن شُرَيْح قال: سألتُ عقبةَ بنَ مسلمٍ عن الوُضُوءِ مما مسَّتِ النَّارُ، فقال: إن كثيرًا
…
الحديث.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ظاهره الصحة؛ رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح عدا عقبة، وهو ثقةٌ كما مرَّ بنا. وكثير هذا قال البخاريُّ:"له صحبة"(التاريخ 7/ 250)، وذَكَره في الصحابةِ غيرُ واحدٍ.
ولكن اختُلف فيه على ابنِ وهبٍ:
فرواه أحمدُ في (المسند) عن هارون بن معروف.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير) من طريق عبد العزيز بن مقلاص.
ورواه أبو نُعَيمٍ في (الحلية) من طريق حرملة.
ثلاثتهم عن ابنِ وهبٍ بإسنادِهِ، وجعلوه من حديث عبد الله بن الحارث بن جَزْء. وكذلك رواه محمدُ بنُ بِشْرٍ التِّنيسيُّ عن حَيْوة كما سبقَ قريبًا.
وهذا هو المشهورُ؛ ولذا قال ابنُ حَجَرٍ -بعد أن عزا حديث كثير هذا للبغوي، وابن قانع، وابن منده-: ((رجالُهُ ثقاتٌ، وذَكَرَ ابنُ يونسَ أنه معلولٌ. كأنه أشارَ إلى الاختلافِ فيه على عقبةَ بنِ مسلمٍ، فإنه رُوِي عنه من غير وجهٍ عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء بدل كثير. وقال ابن الربيع الجِيزي -في الصحابة المصريين-: "كثير لهم عنه حديثٌ واحدٌ إن كان صحيحًا، وهو حديث حيوة عن عقبة بن مسلم
…
فذكره. قال: والمشهور فيه عقبة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث)) (الإصابة في تمييز الصحابة 9/ 247 - 248)، وانظر:(تاريخ ابن يونس 1/ 406).
[تنبيه]:
من الغرائبِ أن إسنادَ أبي نُعَيمٍ في (المعرفة) حديث كثير هذا هو نفس إسناده في (الحلية) الذي سمَّى صحابيه فيه: ((عبد الله بن الحارث بن جزء))! !
2263 -
حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ
◼ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، ((أَنَّهُ أَكَلَ كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). تَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، ضعيفُ السندِ معلولٌ.
[التخريج]:
[طب (24/ 432/ 1058) / طس 728].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) و (الأوسط) عن أحمد بن علي الأبار، ثنا أمية بن بِسطام، ثنا يَزيد بن زُريع، ثنا رَوْح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، عن أم هانئ، به.
[التحقيق]:
قال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير) و (الأوسط) ورجالُهُ موثَّقُونَ"(مجمع 1337).
قلنا: فيه علة الانقطاع؛ فإن محمد بن المنكدر وُلد قبل سنة ستين بيسير، كما قال ابنُ حَجَرٍ في (التهذيب 9/ 474)، وأم هانئ بنت أبي طالب القرشية الهاشمية ماتت في خلافة معاوية (التقريب 8778)، ومعاوية بن أبي سفيان مات سنة ستين، فعلى هذا لم يدركها أو لم يسمع منها.
وفي سندِهِ علةٌ أُخرى؛ فقد خولف فيه أمية بن بسطام فرواه بِشْرُ بنُ معاذٍ، عند ابن حبان في (صحيحه 1134)، ومحمدُ بنُ المنهالِ عند الطحاوي في (شرح معاني الآثار 367) عن يزيد بن زريع. وأسندَاه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وكذلك رواه ابنُ أبي عَروبة عند ابنِ الأعرابي في (معجمه 915)، وعبد الوهاب بن عطاء عند ابن عساكر في (تاريخه) عن رَوْح، به.
وهو المحفوظُ عن ابنِ المنكدرِ كما سبقَ.
2264 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، فَمَضْمَضَ وَغَسَلَ يَدَيْه، وَصَلَّى)).
[الحكم]:
شاذٌّ من هذا الوجهِ. والمحفوظُ عن أبي هريرة الوضوءُ مما مسَّت النارُ؛ ولذا أعلَّه بعضُ أهلِ العلمِ فيما حكاه عنهم البيهقيُّ، واستشكله مغلطاي.
[التخريج]:
[جه 496 (واللفظ له) / حم 9049/ طي 2533/ أثرم 158/ هريرة 81].
[السند]:
أخرجه الطيالسيُّ عن وُهَيْب.
وأخرجه أحمدُ في (مسنده) قال: حدثنا عفَّانُ، حدثنا وُهَيْبٌ.
وأخرجه ابنُ ماجه قال: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا عبد العزيز بن المختار.
قالا: حدثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله ثقات رجال مسلم، سهيل بن أبي صالح ((صدوقٌ)) كما في (التقريب 2675).
ولذا قال البوصيريُّ: ((هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ)) (الزوائد 1/ 71).
والحديثُ صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح ابن ماجه 493).
وصَحَّحَهُ أحمد شاكر في (تعليقه على جامع الترمذيُّ 1/ 121/الحاشية).
قلنا: ولكنَّ سهيلًا خولف في متنه، خالفه الأعمش فرواه عن أبي صالح، عن أبي هريرةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ» . رواه أحمدُ (16349)، والرويانيُّ في (مسنده 975)، وغيرهما من طرقٍ عن شعبةَ، به.
وهذا أرجحُ من روايةِ سُهيلٍ؛ فإن الأعمشَ أثبتُ الناسِ في أبي صالحٍ كما ذهبَ غيرُ واحدٍ.
وسهيلٌ متكلمٌ في روايته خارج الصحيح، وقدِ اضطربَ في متنه، كما في الرواية الآتية.
ولذا قال البيهقيُّ: ((وذهبَ بعضُ أهل العلم إلى الطريقة الثانية، وزعموا أن حديثَ أبي هريرة معلولٌ، وفتواه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء منه)) (السنن الكبير 1/ 447).
وقال مغلطاي: ((وهو مشكلٌ بما
…
)) ثم أسندَ إلى سفيانَ الثوريِّ، قال:((ثنا أبو عونٍ الثقفيُّ، عن عبدِ اللهِ بنِ شدادٍ قال: شَهِدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ لمَرْوَانَ: "تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ"، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَسُولًا فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: ((نَهَشَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدِي مِنْ كَتِفٍ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)) انتهى. وهو سندٌ صحيحٌ.
وبيان إشكاله: كيف يأمرُ بالوضوءِ بعد موته عليه السلام مع ما شاهده من فعله الذي رآه؟ ! )) (شرح ابن ماجه 2/ 48).
رِوَايَةُ: يَتَوَضَّأُ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأُ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ، ثُمَّ رَآهُ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
شَاذٌّ من هذا الوجهِ. والمحفوظُ عن أبي هريرةَ الوضوءُ مما مسَّتِ النَّارُ؛ ولذا أعلَّه بعضُ أهلِ العلمِ فيما حكاه عنهم البيهقيُّ، واستشكله مغلطاي.
[التخريج]:
[خز 45 (واللفظ له) / حب 1147/ شما 177/ بز 9069/ طح (1/ 67/ 398) / هق 738، 739/ عد (4/ 358) / سرج 1757/ نبغ 965].
[السند]:
أخرجه ابنُ خزيمةَ في (صحيحه) -وعنه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه)، والبيهقيُّ في (الكبرى) - قال: ثنا أحمد بن عبدة الضبي، ثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد الدراوردي- عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.
وأخرجه الترمذيُّ في (الشمائل)، والسَّرَّاجُ في (حديثه) عن قتيبةَ.
وأخرجه البزارُ في (مسنده) عن أحمد بن أبان.
كلاهما عن عبد العزيز بن محمد، به.
وتوبع عليه عبد العزيز بن محمد:
فأخرجه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار)، والبيهقيُّ في (السنن الكبرى) من طريق عبد العزيز بن مسلم القَسْملي، عن سهيل بن أبي صالح، به.
ورواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) من طريق عبد الله بن عطاء، عن سهيل، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ رجاله ثقات رجال مسلم، كما سبقَ.
ولذا صَحَّحَهُ: ابنُ خزيمة وابنُ حِبَّانَ بإخراجهما له في صحيحيهما.
وجَوَّدَ إسنادَهُ: ابنُ سيدِ الناسِ (النفح الشذي 2/ 243).
وقال الهيثميُّ: "رواه البزارُ، وهو في (الصحيح) خلا قوله: "ثُمَّ أَكَلَ
…
"إلخ، ورجاله رجال الصحيح خلا شيح البزار"(مجمع الزوائد 1320).
وقال البوصيريُّ: ((هو في الصحيح باختصار نسخ الوضوء)) (موارد الظمآن 217).
وقال ابنُ حَجَرٍ: ((هو في الصحيح سوى قوله: " ثُمَّ أَكَلَ
…
إلى آخره" قلتُ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ)) (مختصر زوائد البزار 182).
وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (مختصر الشمائل المحمدية 149).
قلنا: ولكن سُهيلًا، مع اضطرابه في متنه خالفه الأعمشُ، كما سبقَ وبيَّنَّا في الروايةِ السابقةِ.
قال البيهقيُّ: ((وذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى الطريقةِ الثانيةِ، وزعموا أن حديثَ أبي هريرةَ معلولٌ، وفتواه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء منه)) (السنن الكبير 1/ 447).
وقال مغلطاي: ((وهو مشكلٌ بما
…
)) ثم أسند إلى سفيان الثوري، قال: ((ثنا أبو عونٍ الثقفيُّ، عن عبدِ اللهِ بنِ شدادٍ قال: ((شَهِدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ
لمَرْوَانَ: "تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ"، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَسُولًا فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ:" نَهَشَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدِي مِنْ كَتِفٍ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ". انتهى. وهو سند صحيح.
وبيان إشكاله: كيف يأمر بالوضوء بعد موته- عليه السلام مع ما شاهده من فعله الذي رآه؟ ! )) (شرح ابن ماجه 2/ 48).
رِوَايَةُ: نَشَلْتُ لِرَسُولِ اللهِ
◼ وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((نَشَلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا مِنْ قِدْرِ العَبَّاسِ، فَأَكَلَهَا، وَقَامَ يُصَلِّي، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
شاذٌّ من هذا الوجهِ. والمحفوظُ عن أبي هريرة: «الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» .
[التخريج]:
[عل 5986].
[السند]:
أخرجه أبو يعلى في (مسنده) قال: حدثنا عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير، حدثنا علي بن مُسْهِر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير شيخ أبي يعلى، ذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 421)، وترجمَ له ابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 6/ 54)، والذهبيُّ في (تاريخ الإسلام، 5/ صـ 1172)، والخطيبُ في (تالي تلخيص المتشابه 2/ 569)، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
قلنا: وقد روى له ابنُ عَدِيٍّ حديثًا مما تلقنه، وهو حديث:«مَنْ أَتَى البَهِيمَةَ، فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا البَهِيمَةَ» (الكامل 1/ 141).
قال ابنُ القيسرانيِّ: ((وهذا الحديثُ لقنوه عبد الغفار، فحَدَّثَ به عن عليٍّ. قال أبو يعلى الموصليُّ: ثم بلغني أن عبد الغفار رَجَعَ عنه)) (ذخيرة الحفاظ 4/ 2169).
ولا شَكَّ أن الراوي إذا قَبِل التلقين كان قدحًا فيما يَروي، كما هو مبثوثٌ في كتبِ المصطلحِ.
قال ابن القطان الفاسي: ((وإنه لعيبٌ يُسقط الثقةَ بمن يتصف به)) (بيان الوهم والإيهام 4/ 58).
وقد قال ابنُ عَدِيٍّ -قبل حديث البهيمة بأسطر-: ((من قال: التلقينُ هو الذي يَكذبُ فيه الراوي، وذِكرُ بعض مَن لُقن))، وذكر هذا الحديث فيما تلقنه عبد الغفار.
قلنا: فنخشى أن يكون هذا الحديث مما تلقنه عبد الغفار عن علي بن مُسْهر؛ وذلك لأن المحفوظَ عن محمدِ بنِ عمرٍو بهذا الإسنادِ بغيرِ هذا السياقِ، كما في:
العلة الثانية: أن جماعةً منَ الثقاتِ رووا الحديثَ عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلَمَةَ، عن أبي هريرةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((الوُضُوءُ
مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَلَوْ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ)).
رواه الترمذيُّ في (جامعه 80)، وغيره، من طريقِ ابنِ عيينةَ.
وأحمدُ (10542)، وغيره، من طريقِ يزيدَ بنِ هارونَ.
وعليُّ بنُ حُجْرٍ في (أحاديث إسماعيل بن جعفر 178) عن إسماعيل بن جعفر.
والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 63) من طريقِ حماد بن سلمة.
وابنُ ماجَه (22)، وغيرُهُ، من طريقِ شعبةَ.
وأبو عليِّ الطوسيُّ في (المستخرج 66) من طريقِ أبي أسامة حماد بن أسامة.
ستتهم وغيرهم عن محمد بن عمرو، به.
فخالفهم عليُّ بنُ مُسْهرٍ في متنِهِ.
وروايةُ الجماعةِ أَوْلى بالحفظِ منَ الواحدِ، فكيفَ والطريقُ إليه فيه مَن لا يُعْرَفُ حاله؟ !
قلنا: ومع هذا قال البوصيريُّ: "هذا إسنادٌ صحيحٌ"(الإتحاف 1/ 364/ 637).
وقال الهيثميُّ: ((رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن عمرو عن أبي سلمة، وهو حديثٌ حسنٌ)) (مجمع 1319).
2265 -
حَدِيثُ ابنِ عُمَرَ
◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَسَ مِنْ كَتِفٍ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ كما سبقَ، وهذا إسنادٌ معلٌّ بذكرِ ابنِ عمرَ. والصوابُ: ابن عباس.
[التخريج]:
[معكر 94].
[السند]:
أخرجه ابن عساكر في (معجم الشيوخ) قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد أبو العباس الخِرَقي الأصبهاني، إجازة كتبَ بها إليَّ من أصبهانَ، قال: أبنا أبو علي الحسن بن عمر بن يونس قال: أبنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه قال: ثنا أحمد بن سليمان العَبَّاداني قال: ثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: ثنا همام، عن قتادة، عن يحيى بن يَعْمَر، عن ابن عمر، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ خطأ؛ فيه أحمد بن سليمان العباداني؛ قال عنه محمد بن يوسف القطان: ((هو صدوقٌ، غير أنه سمعَ وهو صغيرٌ)). وقال الخطيبُ: ((رأيتُ أصحابنا يغمزونه بلا حجة، فإن أحاديثه كلها مستقيمة سوى حديث واحد خَلَّطَ في إسنادِهِ)) (تاريخ بغداد 1861)، و (لسان الميزان 1/ 182).
وقد أخطأ في هذا الحديث؛ وذلك أن جماعةً رووه عن همامٍ، عن قتادةَ، عن يحيى بنِ يعمر، عن ابنِ عباسٍ، به. وهو المحفوظُ، وقد سبقَ.
أخرجه أبو داود (189) قال: حدثنا حفص بن عمر النَّمَري، ثنا همام، عن قتادة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس، به.
وأخرجه أحمد (2524) عن عفان، وأيضًا (3403) عن بهز.
كلاهما عن همام بن يحيى، به.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير 12/ 169/ 12785) من طريق حفص وعمرو بن مرزوق، كلاهما عن همام، به.
[تنبيه]:
وقع في المطبوع من (معجم ابن عساكر): "أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد أبو أبنا أبو العباس الخرقي
…
".
هكذا جاء فيه: " أبو أبنا أبو العباس
…
"، وهو خطأ ظاهر من الناسخ أو الطابع.
2266 -
حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
◼ عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الثَّرِيدَ، وَيَشْرَبُ اللَّبَنَ، وَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ.
[التخريج]:
[عل 512/ تطبر (مغلطاي 2/ 58) / ضيا 730].
[السند]:
أخرجه أبو يعلى في (مسنده) -ومن طريقه الضياءُ (في المختارة) - قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن إسرائيل بن يونس، عن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، عن محمد بن علي بن أبي طالب، عن علي بن أبي طالب، به.
ورواه الطبريُّ في (تهذيب الآثار) عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، به
(1)
.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: عبدُ الأعلى بنُ عامرٍ الثعلبيُّ؛ ضَعَّفه أحمدُ وأبو زرعةَ. والجمهورُ على تليينه، منهم أبو حاتمٍ، والنسائيُّ، والدارقطنيُّ،
…
وغيرُهم؛ ولذا قال الذهبيُّ: ((لَيِّنٌ، ضَعَّفَهُ أحمدُ)) (الكاشف 3077).
(1)
سقط من السند ذكر إسرائيل كما في المصدر الناقل (شرح مغلطاي)، ولعلَّه في المصدر الأصلي على الصواب؛ فإن الطبعة المحال إليها من الشرح كثيرة الأخطاء.
ومع ذلك قال الحافظُ: ((صدوقٌ يهمُ)) (التقريب 3731)!
العلةُ الثانيةُ: الانقطاعُ بين عبد الأعلى ومحمد بن علي (المعروف بابنِ الحَنَفِيَّةِ)، فإنما هذه صحيفة لم يسمعها. كذا قال الثوريُّ، وعبدُ الرحمنِ بنُ مهديٍّ، وأبو حاتم الرازيُّ، ويعقوبُ بنُ سفيانَ. وقد ضَعَّفَ حديثَه عن ابنِ الحَنَفِيَّةِ غيرُ واحدٍ. انظر (تهذيب التهذيب 6/ 95).
وقَصَّر الهيثميُّ فقال: ((رواه أبو يعلى، وفيه: عبد الأعلى بن عامر، ضَعَّفه أحمدُ وأبو حاتم. وقال ابنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَ عنه الثقاتُ. وبقية رجاله رجال الصحيح)) (مجمع الزوائد 1318).
2267 -
حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه
◼ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَسَ كَتِفًا (أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا) ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، ضعيفُ السندِ جدًّا، ثم هو معلولٌ، أعلَّه: الترمذيُّ، والبزارُ، والدارقطنيُّ،
…
وغيرُهُم.
[التخريج]:
[بز 19 (والرواية له) / عل 24 (واللفظ له) / علحا 175/ لا 1144/ معر 1207/ ناسخ 66/ بكر 33، 34/ صحا 125/ تمام 561/ بكر 34، 33/ تد (1/ 273) / معص (صـ 176) / قيد (1/ 50) / جوزي (ناسخ 50)].
[التحقيق]:
رُوي من طريقين:
الطريق الأول: أخرجه أبو يعلى في (مسنده) قال: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا الجَرَّاح بن مَخْلَد البصري أبو عبد الله، حدثنا موسى بن داود، عن حسام بن مِصَك، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس، عن أبي بكر، به.
ورواه البزارُ في (مسنده)، وابنُ الأعرابي في (معجمه)، وتَمَّامٌ في (فوائده)، وأبو بكرٍ المروزيُّ في (مسند أبي بكر)، والقزوينيُّ في (التدوين)، وأبو نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة) من طريق حسام بن مصك، به.
وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
العلةُ الأُولى: الانقطاعُ؛ فإن محمدَ بنَ سيرينَ لم يسمعْ من ابنِ عباسٍ شيئًا.
كذا قال أحمدُ، وابنُ المديني،
…
وغيرُهُما. انظر (جامع التحصيل 683)، ونصَّ البزارُ على هذه العلةِ عقب روايته الحديث كما سيأتي.
العلة الثانية: حسام بن مِصَك؛ وَاهٍ جدًّا.
قال الهيثميُّ: "رواه أبو يعلى والبزار، وفيه حسام بن مصك، وقد أجمعوا على ضَعْفِهِ"(مجمع الزوائد 1317). وقال ابنُ حَجَرٍ: "ضعيفٌ، يكادُ أن يُترك"(التقريب 1193).
ومع ضَعْفِهِ، فقد خولف فيه، كما ستراه في
العلة الثالثة: مخالفة ابن مصك جماعة من أصحاب ابن سيرين الثقات، إذ رووه عن ابنِ سيرين عن ابنِ عباسٍ من حديثِهِ. وكذا رُوي من غيرِ ما طريقِ عن ابنِ عباسٍ.
وبهذا أعلَّه الترمذيُّ، والبزار، والدارقطني.
فقال الترمذيُّ: "لا يصحُّ حديث أبي بكر في هذا مِن قِبل إسنادِهِ؛ إنما رواه حسام بن مصك، عن ابن سيرين، عن ابن عباسٍ، عن أبي بكرٍ الصديقِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. والصحيح إنما هو عن ابنِ عباسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. هكذا روى الحفاظُ.
ورُوِي من غيرِ وجهٍ عن ابنِ سيرينَ، عن ابن عباسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ورواه عطاء بن يسار، وعكرمة، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وعلي بن عبد الله بن عباس
…
وغيرُ واحدٍ، عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه: عن أبي بكر الصديق. وهذا أصحُّ" (الجامع عقب حديث رقم 80).
وقال البزارُ: "وهذا الحديثُ قد رواه هشام بن حسان، وأشعث بن عبد الملك،
…
وغيرُهُما، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يقولوا:"عن أبي بكر"، وإنما قاله حسامٌ، عن ابن عباس، عن أبي بكر. وحسامٌ فليس بالقويِّ. على أن محمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس" (1/ 92/ رقم 19).
وقال الدارقطنيُّ: "وخالفه أيوبُ السَّختيانيُّ، وهشام بن حسان، وأشعث بن سَوَّار،
…
، وغيرُهُم، فرووه عن ابنِ سيرينَ، عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولم يَذْكروا فيه أبا بكر، وهم أثبتُ من حسامٍ، والقولُ قولُهم" (العلل/ رقم 18).
وعزاه السيوطيُّ لأبي يعلى، وأبي نُعَيمٍ في (المعرفة)، والخلعيِّ في (فوائده)، والبزارِ، وقال:"فيه انقطاع وضَعْفٌ"(جمع الجوامع 14/ 48).
الطريق الثاني: أخرجه ابنُ أبي حاتم في (العلل)، والدولابيُّ في (الكنى والأسماء) كلاهما عن محمد بن عوف الحمصي الطائي قال: حدثنا موسى بن أيوب النَّصِيبي، قال: حدثنا أبو شعيب يوسف بن شعيب الخَوْلاني -[وكان] يسكن اللاذقية- قال: حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن جابر بن عبد الله، عن أبي بكر، به.
وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ قال الدارقطنيُّ: "ولا يَثبتُ هذا؛ لأن الراوي له عنِ الأوزاعيِّ ضعيفٌ. وحسان بن عطية لم يدرك جابرًا"(العلل/ آخر حديث رقم 28).
وقال محمد بن عوف: "هذا خطأٌ، إنما يرويه الناسُ عن عطاءٍ، عن جابرٍ، عن أبي بكرٍ، موقوفًا"(العلل لابن أبي حاتم/ رقم 175).
"وكذلك رواه قتادة، عن عطاء، عن جابر، عن أبي بكر من فعله"(العلل للدارقطني 1/ 43/ رقم 28).
ويتلخص من كلامهما أن الإسنادَ فيه ثلاثُ عللٍ:
العلةُ الأُولى: الانقطاعُ؛ فإن حسانَ بنَ عطيةَ لم يدركْ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ.
العلةُ الثانيةُ: ضَعْفُ يوسف بن شعيب الراوي عنِ الأوزاعيِّ. قال الذهبيُّ: "لا أعرفه، وضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ في العلل"(الميزان 9872).
العلةُ الثالثةُ: الإعلالُ بالوقفِ.
وقد رُوِي عنِ الأوزاعيِّ على وجهٍ آخرَ سندًا ومتنًا، كما في الروايةِ الآتيةِ:
رِوَايَةُ جَابِرٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، ((أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَكَلَ ذِرَاعًا -أَوْ: كَتِفًا- ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. فَقِيلَ لَهُ: أَتَرَكْتَ الوُضُوءَ؟! فَقَالَ: لَأَنْ يَقَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَيَتَقَطَّعَ- أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
[الحكم]:
ضعيفُ السندِ، معلولٌ، أعلَّه: الدارقطنيُّ. وتَرْكُ أبي بكرٍ رضي الله عنه الوضوءَ مما مسَّتِ النارُ- ثابتٌ عنه من غيرِ هذا الوجهِ كما سبقَ.
[التخريج]:
[سنن ابن أبي داود (مغلطاي 2/ 50) (واللفظ له) / تمهيد (3/ 353)، (12/ 278)].
[السند]:
رواه ابنُ أبي داود عن عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار الحِمْصي، ثنا عقبة بن علقمة، عنِ الأوزاعيِّ قال: كان مكحولٌ يَتَوَضَّأُ مما مَسَّتِ النَّارُ، حتَّى أَتَى عطاءَ بنَ أبي رباحٍ، فأَخبرَهُ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ أنَّ أبا بكرٍ، به.
ورواه ابنُ عبدِ البَرِّ من طريق محمد بن الهيثم أبي الأحوص قال: حدثنا عمرو بن عثمان بن كثير، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله موثَّقُون إلا أنه معلولٌ كما سيأتي. وعمرو بن عثمان بن كثير وَثَّقَهُ جماعةٌ، وقال الحافظُ:"صدوق"(التقريب 5073).
وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح، عدا عقبة بن علقمة البيروتي، روى له
النسائيُّ وابنُ ماجه، وقد وَثَّقَهُ جماعةٌ أيضًا. وقال الحافظُ:"صدوقٌ، لكن كان ابنُه محمدٌ يُدْخِلُ عليه ما ليسَ من حديثِهِ"(التقريب 4645). وهذا ليس من حديث ابنه عنه.
ولكن للحديثِ علةٌ أخرى أعلَّه بها الدارقطنيُّ، فقال: "وخالفه -يعني: عقبة- يحيى بن عبد الله الحراني وغيره، فرووه عنِ الأوزاعيِّ، عن عطاء، عن جابر، عن أبي بكر، من فعله غير مرفوع. وكذلك رواه قتادة، عن عطاء، عن جابر، عن أبي بكر من فعله.
وكذلك رواه وهب بن كَيْسان أبو نُعَيمٍ، عن جابر موقوفًا على أبي بكر.
وكذلك رواه أبو الزبير المكي، عن جابر، عن أبي بكر موقوفًا".
ثم قال: "والصوابُ قولُ مَن قالَ: عن جابرٍ، عن أبي بكرٍ من فعله"، انظر (العلل 1/ 43).
قلنا: وهذا الإعلالُ إنما يستقيمُ إذا ما ثبتَ أن روايةَ عقبة بن علقمة المذكورة مرفوعة، أو تشبه الرفع، على حَدِّ تعبير الدارقطني في (العلل 1/ 42).
وإلا فقد جاءتْ زيادةٌ في متنِ هذه الروايةِ تبينُ أنها موقوفة أيضًا:
فقد رواه ابنُ عبدِ البَرِّ في (التمهيد 3/ 352، 353) من طريق أحمد بن عمير قال: حدثنا عمرٌو قال: حدثنا عقبةُ بنُ علقمةَ قال: حدثنا الأوزاعيُّ قال: ((كَانَ مَكْحُولٌ يَتَوَضَّأُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، حَتَّى لَقِيَ عَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِيقَ رضي الله عنه أَكَلَ ذِرَاعًا -أَوْ: كَتِفًا- ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، [فَتَرَكَ مَكْحُولٌ الوُضُوءَ] فَقِيلَ لَهُ: أَتَرَكْتَ الوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ؟ ! فَقَالَ: لَأَنْ يَقَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ-
أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم)! !
وأحمد بن عمير هو ابن جوصا، حافظٌ كبيرُ الشأنِ. انظر ترجمتَه في (تذكرة الحفاظ 787).
وعمرو هو ابن عثمان بن كثير.
فهذا السياقُ الذي ذكره ابن جوصا ظاهره الوقف؛ بِناء على أن القائل: " لَأَنْ يَقَعَ
…
إلخ" إنما هو مكحول كما دلَّتْ عليه الزيادةُ المذكورةُ، وهي قوله:(فَتَرَكَ مَكْحُولٌ الوُضُوءَ).
وعليه، فلا مخالفة من عقبة أصلًا إذا كان ابن جوصا قد حفظ هذه الزيادة، ونظن به ذلك.
ولكنْ ذَكَر مغلطاي روايةً أخرى لابنِ أبي داودَ: "عن مكحُولٍ قال: أخبرَنِي ثقةٌ عن جابِرٍ: ((رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ مَسَّتْهُ النَّارُ قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وفيه: ((رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الأَوَّلِ فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ أَكَلَ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْضِعِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ قَبْلَ صَلَاةَ المَغْرِبِ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ؛ فَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ)).
قَالَ زَيْدُ بنُ وَاقِدٍ: فَقُلْتُ: أَخْبَرَكَ ثِقَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ" (شرح مغلطاي 2/ 50).
فهذه الروايةُ عن مكحولٍ صريحةٌ في الرفعِ، ولكن لم يُبرز لنا مغلطاي منَ الإسنادِ أكثر من ذلك حتى ننظر في حاله، والله أعلم بحقيقة الأمر.
ورُوِي الحديثُ عن أبي بكرٍ بسياقٍ آخرَ سيأتي ذِكره قريبًا في (باب ما رُوِي في أنه لا وضوء من طعامٍ حَلَّ أكله).
2268 -
حَدِيثُ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ
◼ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، ((أَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِيَدِهِ كَتِفَ شَاةٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ، وَهُوَ يَحْتَزُّ بِالسِّكِّينِ وَيَأْكُلُ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَلْقَى السِّكِّينَ وَالكَتِفَ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، ومرفوعُهُ صحيحُ المتنِ عدا قولها:((وَهُوَ مُتَّكِئٌ))، فمنكرٌ، استنكره ابنُ حِبَّانَ، وحَكَمَ على الحديثِ بالبطلانِ. وأعلَّه الدارقطنيُّ.
[التخريج]:
[مجر (1/ 511)].
[السند]:
أخرجه ابنُ حِبَّانَ في (المجروحين) قال: أخبرناه أحمد بن مجاهد بالمِصيصة قال: حدثنا سليمان بن المعافى بن سليمان قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو كُرْز عبد الله بن كُرْز، عنِ الزهريِّ، عن سعيد بن المسيب، عن بُسْرة بنت صفوان، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ واهٍ؛ فيه أبو كرز عبد الله بن كرز.
قال أبو زرعة: "ضعيفُ الحديثِ"(الجرح والتعديل 5/ 145) وأَمَرَ بأن يُضربَ على حديثه.
وقال ابنُ مَعِينٍ: "ليس بشيء، لا أعرفه، روى حديثًا منكرًا"(تاريخ بغداد 11/ 233).
وقال العقيلي: "منكرُ الحديثِ"(الضعفاء الكبير 2/ 368).
وقال ابنُ حِبَّانَ: "كان ممن يأتي عن الثقاتِ ما ليس من أحاديثهم، لا يَحِلُّ الاحتجاجُ به على قلة روايته"(المجروحين 1/ 511)، وانظر (لسان الميزان 3/ 311).
وحَكَمَ ابنُ حِبَّانَ على حديثه هذا بأنه "خبرٌ باطلٌ"، ثم عَلَّلَ ذلك بقوله:"فليس عند بسرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم غير إيجاب الوضوء من مَسِّ الذَّكَرِ. وليس عند الزهري ذاك عن سعيد بن المسيب. وأما هذا المتنُ الذي أَتَى به عنِ الزهريِّ عن سعيدٍ عن بسرةَ، فإنما هو عند الزهريِّ عن جعفر بنِ عمرو بن أمية الضمري. على أنه أتى في الخبر أيضًا بلفظة، قال: "وَفِي يَدِهِ كَتِفَ شَاةٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ"، فهذه اللفظة "وَهُوَ مُتَّكِئٌ" ليستْ بمحفوظة؛ إذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا» "(المجروحين 1/ 511).
قلنا: وحديث عمرو بن أمية الضمري أخرجه الشيخان من طريق الزهري، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه به، وقد سبق أول الباب.
وحديث «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا» أخرجه البخاري (5398) من حديث أَبي جُحَيفة رضي الله عنه، وسيأتي في بابه.
وسُئِلَ الدارقطنيُّ عن حديثِ بسرةَ هذا، فقال: "رواه أبو كرز
…
ووَهِم فيه، والصحيح: عنِ الزهريِّ، عن جعفرِ بنِ عمرِو بنِ أميةَ الضَّمْريِّ، عن أبيه".
وسئل عن أبي كرز هذا فقال: "هو قاضي الموصل عبد الله بن عبد الملك الفهري"، قيل له: ثقة؟ قال: "لا، ولا كرامة"(العلل 9/ 357).
2269 -
حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ
◼ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَوَضَّأُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)).
[الحكم]:
باطلُ الإسنادِ، تالفٌ، وقد ثبتَ عنه صلى الله عليه وسلم الوضوء مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، كما ثبتَ عنه تركه، والترك آخر الأمرين على قول الجمهور من السلف والخلف.
[التخريج]:
[طب 8/ 140 - 141/ 7548].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التُّسْتَري، ثنا يحيى الحِمَّاني، ثنا أبو معاوية، عن أبي قيس، عن يحيى بن أبي صالح، عن أبي سلام الحبشي، عن أبي أمامة، به.
وأبو قيس هو محمد بن سعيد بن حسان المصلوب.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ تالفٌ؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: أبو قيسٍ محمدُ بنُ سعيدِ بنِ حسَّانَ المصلوبُ؛ قال ابنُ حَجَرٍ: "كذَّبُوه. وقال أحمد بن صالح: وَضَع أربعة آلاف حديث. وقال أحمد: قَتَله المنصور على الزندقة وصَلَبه"(التقريب 5907).
العلة الثانية: يحيى بن عبد الحميد الحماني؛ قال ابنُ حَجَرٍ: "حافظٌ، إلا أنهم اتَّهموه بسرقةِ الحديثِ"(التقريب 7591).
وقال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير) وفيه محمد بن سعيد المصلوب،
وهو كذَّابٌ" (مجمع الزوائد 1323).
والمحفوظُ عن أبي أمامة ما رواه الطحاويُّ (شرح معاني الآثار 1/ 69/ 420) من طريق حماد بن سلمة، عن أبي غالبٍ، عن أبي أُمَامَةَ، ((أَنَّهُ أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَقَالَ: الوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ، وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ)). وإسنادُهُ حسنٌ موقوف.
2270 -
حَدِيثُ أُكَيْمَةَ بنِ عُبَادَةَ
◼ عَنْ أُكَيْمَةَ بنِ عُبَادَةَ قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفًا، وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بما سبقَ، والسندُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[إصا (1/ 217 - 218)].
[السند]:
قال ابنُ حَجَرٍ: "رَوَى ابنُ السكنِ من طريق عمر بن إبراهيم -أحد المتروكين-، عن محمد بن إسحاق بن أكيمة بن عبادة، عن أبيه، عن جَدِّه أكيمة بن عبادة، به.
قال ابن السكن: "لم أسمعه إلا من ابن عقدة".
[التحقيق]:
إسنادُهُ واهٍ؛ عمر بن إبراهيم هذا متروكٌ كما قال الحافظُ، والظاهرُ أنه الكردي المترجم له في (الميزان 3/ 179/ 6044)، والكردي كذَّبه الدارقطنيُّ.
زد على هذا جهالة شيخه وأبيه؛ ولذا قال ابنُ حَجَرٍ: "إسنادُهُ مجهولٌ".
2271 -
حَدِيثُ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
◼ عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[كت (مغلطاي 2/ 59)].
[السند]:
رواه الحاكمُ في (تاريخ نيسابور) -كما في (الإعلام) - عن محمد بن حامد البزار، ثنا مكي بن عَبْدَانَ، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا سعيد بن الصباح، ثنا مالك بن مِغْول، عن أبي السَّفَر، عن البراء، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه محمد بن حامد البزار، لم نقفْ له على ترجمةٍ.
وسعيد بن الصباح أبو سعد النيسابوري، سُئِلَ عنه ابنُ مَعِينٍ فقال:"لا أعرفه"، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"أرجو أنه لا بأس به"(ميزان الاعتدال 2/ 146).
وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح عدا مكي بن عبدان، وهو ثقة مأمون، (تاريخ بغداد 15/ 148)، و (الإرشاد للخليلي 3/ 836).
2272 -
حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ
◼ عَنْ مُعَاوِيَةَ، ((أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ لَبَأً (لَبَنًا)، ثُمَّ [قَامَ، فَـ] صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، وضَعَّفَهُ: الهيثميُّ، والبوصيريُّ.
[اللغة]:
قال ابنُ الأثيرِ: " (اللِّبَأُ): هو أولُ مَا يُحلَبُ عند الولادةِ"(النهاية 4/ 221).
[الفوائد]:
وقع في رواية عبد الغني بن سعيد في (الإيضاح) كما نقله مغلطاي: "أكل ألبأ".
قال إبراهيم الحربي: "قول من قال: "أكل ألبأ" خطأ، إنما أراد أن يقول: "لبأ" بغير ألف قبل اللام، وهو حديثٌ أبيض مثل الحِمَّص ويُطبخ، يقال: للمرأة بيضاء كأنها لِبَأٌ. وكان ينبغي أن يقول في الحديث أيضًا: (مطبوخًا) أو (مسلوقًا) حتى يكون مما مسَّتِ النَّارُ. فأما ما لم تمسَّه النارُ فلا معنى للحديثِ"(شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 59).
[التخريج]:
[عل 7359 (واللفظ له) / طب (19/ 395/ 928) (والرواية والزيادة له) / إيضاح (مغلطاي 2/ 59)].
[السند]:
قال أبو يعلى: حدثنا سليمان بن عبد الجبار أبو أيوب الرقي، حدثنا أبو عاصم، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن محمد بن المنكدر، عن رجل، عن معاوية،
به.
وقال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني محمد بن المثنى، ثنا أبو عاصم، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن محمد بن المنكدر، قال: حدثني من سمع معاوية، به.
ورواه عبد الغني بن سعيد في (إيضاح الإشكال) -كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 59) - من طريق رَوْح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، عن رجل
(1)
عن معاوية، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالةِ الرجلِ المبهمِ راويه عن معاويةَ.
وقد أعلَّه بذلك الهيثميُّ؛ فقال: "رواه أبو يعلى، وفيه رجلٌ لم يُسَمَّ"(مجمع الزوائد 1321).
وقال البوصيريُّ: "هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالة التابعيِّ"(إتحاف الخيرة 1/ 366).
[تنبيه]:
ما ذكرناه بشأن طريق رَوْح بن القاسم هو حَسَب ما في الطبعة المعتمدة لدينا من شرح مغلطاي.
وقد جاء في الطبعة التي حققها كامل عويضة (ط/ مكتبة نزار مصطفى الباز، صـ 474) بإسقاطِ هذا الرجلِ الذي لم يُسَمَّ من السندِ، فصارَ من
(1)
كذا في طبعة ابن أبي العينين، وسقط ذكر الرجل في طبعة عويضة. وانظر التنبيه المذكور أعلاه.
رواية ابنِ المنكدرِ عن معاويةَ.
وجاء عقبه من كلام مغلطاي
(1)
: "وهو منقطعٌ، نبَّه على ذلك الحربيُّ، فقال: رواه ابنُ المنكدر عن رجلٍ غير معين"(شرح ابن ماجه لمغلطاي. مكتبة نزار مصطفى الباز/ صـ 474).
ولو صَحَّ ما في هذه الطبعة، فطريق روح مخالف لطريق ابنِ جُرَيجٍ، والصحيحُ طريق ابنِ جُرَيجٍ؛ ولذا أَعَلَّ به الحربيُّ طريقَ رَوْح حَسَب ما ذكر.
ولكن نسخة عويضة هذه مليئة بالتحريفات!
ووقع في هذا الموضع خصيصًا سخافات لا تطاق! !
ومن ذلك تحريف كلام الحربي المذكور في الفوائد آنفًا، حيث جاء فيها:"وقال: يقول من قال: أكل النبأ خطأ. إنما أراد أن يقول: "لنا" بغير ألف قبل اللام، وهو حديث بنت أبيض: سُئل الحمصي بطيخ فقال: للمرأة أمضيا كلها لنا"! ! !
ومثل هذا السخف يجعل الباحث لا يثقُ في تلك النسخة بمرة؛ ولذا لم نعتمد ما جاء فيها في تحقيقنا. والله المستعان.
(1)
لم يُذكر هذا النص في (ط/ مكتبة ابن عباس)، وعلق محققه في هذا الموضع بقوله:"قبل ذلك كلام غير واضح بالأصول".
2273 -
حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ
◼ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: ((قَرَّبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتِفًا مَشْوِيَّةً، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
صَحَّ من حديثِ أُمِّ سلمةَ، وهذا إسنادُهُ ضعيفٌ معلولٌ، وأعلَّه إبراهيمُ الحربيُّ.
[التخريج]:
[طب (25/ 127/ 308)].
[السند]:
قال الطبرانيُّ: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا الصلت بن مسعود الجَحْدري، ثنا سُلَيْم بن أخضر، عن ابن عون، عن محمد بن يوسف، عن أم سليم، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، رجال الصحيح، عدا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن يوسف.
أما عبد الله بن أحمد، فهو ثقة كما في (التقريب 3205)، وأما محمد بن يوسف، فاثنان في هذه الطبقة:
أحدهما: محمد بن يوسف القرشي مولى عمرو بن عثمان بن عفان. وهذا هو الذي اعتمده مغلطاي هنا (شرح ابن ماجه 2/ 59). والقرشي هذا وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والدارقطني،
…
وغيرُهُم. ورغمَ ذلك قال الحافظُ في (التقريب 6416): "مقبولٌ"، وانظر (تاريخ ابن أبي خيثمة
- السِّفر الثالث 2/ 281)، و (الجرح والتعديل 8/ 118)، و (تهذيب الكمال 27/ 61).
والثاني: محمد بن يوسف الكِنْدي الأعرج. وهذا هو الذي اعتمده بدرُ الدينِ العينيُّ في (نخب الأفكار شرح معاني الآثار 2/ 22).
والكِنْدي هذا ثقة من رجال الشيخين، كما في (التقريب 6414).
ولم يُميزِ الهيثميُّ محمد بن يوسف هذا؛ فقال -عقب ذكره لهذا الحديث-: "رواه الطبرانيُّ في (الكبير) عن محمد بن يوسف عنها، ولم أجدْ مَن ذَكَر محمدًا هذا"(مجمع الزوائد 1342).
وأَيًّا مَا كان محمد هذا؛ فإن هذا الإسنادَ معلولٌ بعلتين:
العلة الأولى: الانقطاع بين محمد بن يوسف، وأُمِّ سُليم؛ فإنها تُوفيتْ في خلافة عثمان رضي الله عنه، كما في (التقريب 8737)، ومحمد بن يوسف الكِنْدي تُوفي سنة أربعين ومائة. فبين وفاتيهما أكثر من مائة عام، وهو من الطبقة الخامسة طبقة صغار التابعين، فبذلك لم يدركها.
ومحمد بن يوسف القرشي من الطبقة السادسة الذين عاصروا صغار التابعين؛ فهو أبعد من إدراكها.
العلة الثانية: الوهم في ذكر أُمِّ سُليم، والصحيح عن أُمِّ سلمة. ويحتمل أن يكون هذا الوهم من الصلت بن مسعود؛ فهو وإن كان ثقة إلا أن له أحاديث وَهِم فيها، كما قال العُقيليُّ ومسلمة بن قاسم. ولَخَّصَ حاله ابنُ حَجَرٍ فقال:"ثقةٌ ربما وهم"(التقريب 2950).
ويؤيدُ ذلك أنه اختُلفَ عليه في سندِهِ، كما خُولفَ فيه أيضًا.
فأما الاختلافُ عليه، فقال الدارقطنيُّ:"ورواه الهيثمُ بنُ خَلَف الدُّوريُّ، عن الصلتِ، فقال فيه: عن محمد بن محمد بن الأسود، عن أم سليم. والأول أصح"(العلل 9/ 389).
يعني: والقول الأول عن الصلت بذكر محمد بن يوسف أصح من رواية الهيثم، وإلا فهو معلول أيضًا. وعبارة (أصح) توحي بأنه يحمل على الصلت، وأنه صاحب الوجهين.
وأما مخالفة الصلت، فقد خولف من ابنِ جُرَيجٍ -وهو ثقةٌ حافظٌ من رجالِ الشيخينِ- فرواه عن محمد بن يوسف، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، به.
أخرجه النسائيُّ في (السنن الكبرى 236)، وأبو يعلى في (المسند 6985)، وغيرهما، من طرقٍ عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: حدثني محمد بن يوسف، به، وقد سبق.
وقد أعلَّه بذلك إبراهيم بن إسحاق الحربيُّ، فقال -عقب حديث أم سليم-:"إنما أراد أن يقول: (أم سلمة) لأن هذا الكلام بعينه رواه ابنُ جُرَيجٍ عن محمد بن يوسف، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة"(شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 59).
2274 -
حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ
◼ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: ((أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، عِنْدِي- خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى شَبِعُوا، وَصَلَّوْا وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِهَا، فَأَكَلُوا وَصَلَّوْا وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا)).
[الحكم]:
عدم وضوئه صلى الله عليه وسلم من أكله اللحم ثابتٌ من غير ما وجه كما سبقَ، وهذا الحديثُ معلولٌ سندًا ومتنًا.
[التخريج]:
[خلدف 222].
[السند]:
رواه الخلدي في (الثاني من فوائده 222) قال: حدثنا أحمد، حدثنا يوسف بن عَدي
(1)
حدثنا محمد بن عتبة الرَّقِّي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، عن الربيع، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ واهٍ جدًّا، فأحمد شيخ الخلدي هو ابن محمد بن الحَجاج بن رِشْدِين، كَذَّبه أحمدُ بنُ صالحٍ وغيرُهُ. وقال ابنُ عَدِيٍّ:"أنكرتُ عليه أشياء مما رواه، وهو ممن يُكتبُ حديثُه مع ضَعْفِهِ"، وقال ابنُ أبي حاتم:"سمعتُ منه بمصرَ، ولم أحدثْ عنه لما تكلَّموا فيه"، وقال الخليليُّ:"ضَعَّفُوه جدًّا"، ووَثَّقَهُ مسلمةُ، وأثنى عليه ابنُ يونسَ، (الكامل 1/ 454، 3/ 300 -
(1)
تحرَّفت في المطبوع إلى: "عليٍّ"! ، والصوابُ المثبت كما جاء قبله في رقم (217، 218، 220)، وانظر (الجرح والتعديل 8/ 51)، و (التهذيب 32/ 439).
301)، و (الإرشاد 1/ 422)، و (اللسان 740).
وقد روى هذا الحديثَ ابنُ عيينةَ وغيرُهُ عَنِ ابنِ عَقِيلٍ، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، أنه قال:((أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَرَشَّتْ لَهُ صورًا لَهَا، وَذَبَحَتْ لَهُ شَاةً، فَأَكَلَ مِنْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جَاءَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ. ثُمَّ أُوتِيَ بِعُلَالَةِ الشَّاةِ فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى العَصْرِ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
وهكذا رواه ابنُ المنكدرِ وغيرُهُ عن جابرٍ من حديثِهِ، ولم يسموا المرأة. وقد سبقَ تخريجُه.
فذِكْر الرُّبَيِّع فيه غير محفوظ، والمحفوظُ أنه من حديثِ جابرٍ، وأنه ذَكَر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأَ في الأُولى ولم يتوضَّأْ في الثانيةِ.
وقد أشارَ يوسفُ بنُ عَديٍّ إلى نكارةِ هذا الخبرِ إن صَحَّ النقل عنه، فقد قال ابنُ رشدين: قال لي يوسفُ: كذا قال محمد بن عتبة: "عن جابرٍ عن الرُّبَيِّعِ"!
قلنا: محمد بن عتبة الرقيُّ قال فيه أبو زرعة: "لا بأسَ به"(الجرح والتعديل 8/ 51)، ويوسف ثقة من شيوخ البخاري. فإن لم يكن الوهم فيه من ابن رشدين نفسه وقد بينا حاله، فهو من اضطرابِ ابنِ عَقيلٍ، فإنه سيئُ الحفظِ.
وقد سبق ضمن روايات حديث جابر أن زائدةَ وغيرَهُ رووه عن ابنِ عَقيلٍ، وذَكَر في متنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَتَوَضَّأْ في المرَّتينِ بعدَ الطَّعَامِ كما هنا.
بينما رواه ابنُ إسحاقَ، وابنُ عيينةَ، عن ابنِ عَقيلٍ، وذَكَرَ أنَّهُ تَوَضَّأَ في الأُولى ولم يَتَوَضَّأْ في الثانية، وهو المحفوظُ كما ذكرنا.
فهذا مما يدلُّ على أن ابنِ عَقيلٍ كان يضطربُ فيه كما اضطربَ في حديثه عن الرُّبَيِّعِ في صفةِ الوُضُوءِ.
2275 -
حَدِيثُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
◼ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ:((أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقِدْرٍ فِيهَا لِبَأٌ، قَدْ أُنْضِجَتْ، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً)).
[الحكم]:
ضعيفٌ.
[التخريج]:
[خط (14/ 235)].
[السند]:
قال الخطيبُ البغداديُّ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ البَادَا، قَالَ: أخبرنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ: حدثنا مُوسَى بنُ هَارُونَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ البَزَّازُ، قَالَ: أخبرنا عَوْنُ بنُ سَلَّامٍ القُرَشِيُّ، قَالَ: أخبرنا إِسْرَائِيلُ بنُ يُونُسَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، بِهِ.
قال موسى: ولا نعلم عونًا حَدَّث عن إسرائيل إلا هذا الحديث.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالة شيخ عمار، ولا نعرفُ هل هو صحابي أم لا؟ والظاهر عدم صحبته؛ لأن عمارًا -وهو ابن معاوية الدهني- ذكره ابنُ حَجَرٍ في (التقريب 4833) في الطبقة الخامسة، وهم طبقة صغار التابعين، وهم الذين رأوا الواحد والاثنين، ولم يَثبتْ لبعضهم السماع من الصحابة، كما ذكر الحافظ في المقدمة.
وعلى كلٍّ فالسندُ ضعيفٌ، إما للجهالة وإما للإرسال. والله أعلم.
2276 -
حَدِيثُ عَمْرِو بنِ عُبَيْدِ اللهِ
◼ عَنْ عَمْرِو بنِ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفًا، ثُمَّ قَامَ فَمَضْمَضَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ. وضَعَّفه: البخاريُّ، وابنُ السَّكنِ، وابنُ خزيمةَ، وابنُ عَدِيٍّ، وأبو نُعَيمٍ الأصبهانيُّ، وابنُ عبدِ البَرِّ.
[التخريج]:
[حم 19052 (واللفظ له) / سعد (1/ 337) / طح (1/ 66) / صحا 5073/ أسد (4/ 240)].
[السند]:
قال أحمد: حدثنا مكي -يعني ابنَ إبراهيم-، حدثنا الجُعَيْد، عن الحسن بن عبد الله بن عبيد الله، أن عمرو بن عبيد الله حَدَّثه.
وقال ابنُ سعدٍ: أخبرنا مكي بن إبراهيم أبو السكن البلخي، أخبرنا الجعيد بن عبد الرحمن، به.
ومداره عندهم على المكي بن إبراهيم، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه الحسن بن عبد الله بن عبيد الله ((مجهول))، قاله أبو حاتم (الجرح والتعديل 3/ 22).
وراوي الحديث عمرو بن عبيد الله؛ ترجم له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 6/ 312)، وقال:((الحضرميُّ، رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، لا يصحُّ حديثُه))، وتبعه أبو علي بنُ السكنِ (الإصابة 7/ 426).
قال ابنُ عَدِيٍّ -بعدما أورد كلامَ البخاريِّ-: ((وهذا هو حديثٌ واحدٌ، وإنما شكَّ البخاريُّ أنه لا يصحُّ، أي: ليس لعمرو بن عبيد
(1)
الله صحبة)) (الكامل 7/ 726).
وترجمَ له البخاريُّ في (الضعفاء 268) بنحو ما قال في (التاريخ).
وقال أبو نُعَيمٍ الأصبهاني: ((عمرو بن عبيد الله الحضرمي، قيل: إنه رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولا يصح حديثه)) (معرفة الصحابة 4/ 2019).
وتحرَّفَ اسمه على ابنِ عبدِ البَرِّ، فترجمَ له في (الاستيعاب 3/ 1191)، فقال:((عمرو بن عبد الله الأنصاري: لا أعرفه أكثر من أنه روى قال: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ قَامَ فَتَمَضْمَضَ، وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)). فيه نظر، ضَعَّفَ البخاريُّ إسنادَهُ)).
قال ابنُ حَجَرٍ -متعقبًا ابنَ عبدِ البَرِّ-: ((ما رأيتُه في تاريخ البخاري، ولا رأيتُ له ترجمةً في غير (الاستيعاب)، ولا تعقبه ابن فتحون! والعجبُ كيف يجحف أبو عمر في مثل هذا الاختصار، ويطيل في المشهورين؟ ! ثم فَتَح الله بالوقوفِ على علته، وهو أنه حُرِّفَ اسم والده، إنما هو عبيد الله (بالتصغير) وهو الحضرميُّ الآتي قريبًا. ويحتملُ على بُعْدٍ أن يكون آخَر، فإن المتنَ جاء عن جمعٍ من الصحابةِ.
فلو كان أبو عمر ذكر الراوي عنه لانكشف الغطاء. ولكن الغالب على الظنِّ أنه تحرَّفَ عليه. وسيأتي مزيدٌ لذلك في عمرو بن عبيد الله)) (الإصابة 7/ 417).
(1)
وقع في المطبوع: (عبد)، ونبَّه المحققُ أنه وقعَ في نسخةٍ أُخرى لـ (لكامل): عُبيد.