الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
381 - بَابٌ: فِي تَرْكِ الوُضُوءِ مِنَ القُبْلَةِ
2296 -
حديث عائشة:
◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)).
قَالَ عُرْوَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ.
• وفي روايةٍ (2)، قَالَتْ:((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
• وفي روايةٍ (3): ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ صَائِمًا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، فَتَلْقَاهُ المَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ فَيُقَبِّلُهَا، ثُمَّ يُصَلِّي)).
قَالَ عُرْوَةُ: قُلْتُ لَهَا: مَنْ تَرِينَهُ غَيْرُكِ؟ فَضَحِكَتْ.
[الحكم]:
مختلفٌ فيه:
فَضَعَّفَهُ: سفيانُ الثوريُّ، ويحيى القطانُ -وأقرَّهُ علي بنُ المديني والنسائيُّ وغيرُهُما-، والشافعيُّ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وابنُ مَعِينٍ، وابنُ راهويه، ونصرُ بنُ عليٍّ الجهضميُّ، وعيسى بنُ شاذان القطانُ، والبخاريُّ، وأبو حَاتمٍ، والترمذيُّ، والنسائيُّ، وأبو جعفرٍ النحاسُ، والدارقطنيُّ، والحاكمُ، والبيهقيُّ، والكيا الهراسي، وابنُ حزمٍ، والبغويُّ، وابنُ الجوزيِّ، والنوويُّ، وابنُ قدامةَ المقدسيُّ، والعظيم آبادي.
وتوقف فيه أبو زرعةَ الرازيُّ، فإنه سُئِلَ عن الوضوءِ من القُبلة، فقال: "إن لم يصح حديث عائشة، قلتُ به
(1)
".
بينما حَسَّنَهُ البزارُ، وَصَحَّحَهُ: الطبريُّ، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وأبو الحسن ابنُ الحَصَّارِ، وشيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ، وابنُ التركماني، والزيلعيُّ، ومغلطايُ، وابنُ المُلقِّنِ، والسيوطيُّ، ونورُ الدينِ السنديُّ، والشوكانيُّ، والمباركفوريُّ، وأحمد شاكر، والألبانيُّ، وقد قال ابنُ عبدِ البرِّ:"وصَحَّحَهُ الكوفيون"، ولم يُسمِّ أحدًّا.
والراجحُ -لدينا-: أنه ضعيفٌ، فكلُّ طرقه ضعيفةٌ معلولةٌ، ولا يصحُّ في هذا البابِ شيءٌ، كما قال الإمامُ الترمذيُّ وابنُ العربي. والله أعلم.
[الفوائد]:
قال الترمذيُّ -عقب الحديث-: "وقد رُوي نحو هذا عن غَيرِ واحدٍ مِنْ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والتابعين، وهو قولُ سفيانَ الثوريِّ، وأهلِ الكوفةِ، قالوا:(لَيْسَ فِي القُبْلَةِ وُضُوءٌ).
وقال مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق:(فِي القُبْلَةِ وُضُوءٌ)، وهو قولُ غَيرُ واحدٍ مِنْ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين".
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [د 177، 178 (واللفظ له)، 179/ ت 87/ ن 175/كن 198/ جه 505، 506/ حم 24329، 25767، 25766/
(1)
أي قلتُ بالوضوء من القبلة.
عب 514 - 516/ ش 488، 493/ عل 4407، 4821/ بز (الأحكام الوسطى 1/ 142)، (مغلطاي 2/ 85) / طس 4385، 4686/ غر 212/ حق 566/ مدينة (1/ 66) / طبر (7/ 73 - 74) / طحق 87 - 89/ منذ 15/ قط 484 - 486، 488، 491 - 493، 495، 497، 500 - 502، 505 - 508/ علقط (9/ 65/ 3837)، (9/ 162/ 3922) / هق 614، 615/ هقع 970، 971/ هقخ 435، 439، 440، 446، 449، 458، 459، 472، 477، 478، 480، 485، 488، 489، 490/ عد (3/ 468)، (5/ 479)، (8/ 457) / متشابه 920/ تمهيد (21/ 174) / استذ (3/ 50) / قاضي (أحكام القرآن للكيا الهراسي 2/ 463) / بغ 168/ كر (5/ 23)، (16/ 448)، (17/ 230) / خيثم (صـ 202) / جرجاني (ق 175/ أ-ب) / خلاد (ق 116/ ب) / علج 601/ تحقيق 168 - 172/ كما (35/ 190) / نفح (2/ 302)].
تخريج السياقة الثانية: [قط 489، 510 ((واللفظ له)) / علقط (9/ 103 - 104/ 3864)، (9/ 142 - 144/ 3902) / هقخ 457، 473/ خلدف 15/ رفا 15/ ضياء (مرو ق 138/ب)].
تخريج السياقة الثالثة: [قط 496/ حنف (طلحة - خوارزم 1/ 487)].
[التحقيق]:
لهذا الحديثِ عِدَّةُ طرقٍ، عن عائشةَ.
الطريق الأول: عن عُرْوةَ، ورُوي عنه من عِدَّةِ أوجهٍ:
الوجه الأول: عن حبيب بن أبي ثابت، عن عُرْوةَ:
أخرجه أبو داود (178) قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع،
حدثنا الأعمش، عن حبيب، عن عُرْوةَ، عن عائشة، به.
وأخرجه ابنُ أبي شيبة (488) -وعنه ابنُ ماجه (505) مقرونًا بعلي بن محمد-، وأحمد (25766)، وابن راهويه (566): عن وكيع، به.
وصرَّح أحمدُ وابنُ ماجه بنسب عروة فقالا في روايتهما: "عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ".
ورواه الترمذيُّ (87) عن قتيبةَ، وهَنَّادٍ، وأبي كُريبٍ، وأحمدَ بنِ مَنيعٍ، ومحمودِ بنِ غَيلانَ، وأبي عَمَّارٍ الحسينِ بنِ حُريثٍ، قالوا: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، به.
وتوبع عليه وكيع:
فأخرجه أبو يعلى (4821)، والطبريُّ في (التفسير 7/ 73)، والدارقطنيُّ في (سننه) من طريق أبي بكرِ بنِ عياشٍ.
ورواه الدارقطنيُّ في (سننه) من طريق علي بن هاشم وأبي يحيى الحماني.
ورواه البيهقيُّ في (الخلافيات 970) من طريق أبي معاوية.
كلهم عن الأعمش، به.
وهذا إسنادٌ رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، لكن أعلَّهُ جماعةٌ من أئمةِ الحديثِ بعدمِ سماعِ حبيبٍ من عروةَ، واستنكروه عليه.
قَالَ يَحْيَى القطانُ -وذُكِرَ له حديث الأعمش عن حبيبٍ عن عُرْوةَ-: ((أمَا إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا: زعم أن حبيبًا لم يسمعْ من عروةَ شيئًا)) (سنن الدارقطني 498).
وقال عليُّ بنُ المدينيِّ: ضَعَّفَ يحيى بنُ سعيدٍ القطان هذا الحديثَ، وقال:
"هو شبه لا شيء"(جامع الترمذي عقب رقم 87)، ونحوه في (سنن أبي داود 179)، و (سنن النسائي الصغرى 175)، و (سنن الدارقطني 499).
وقال ابنُ المدينيِّ -أيضًا-: "حديثُ الأعمشِ هذا عن حبيب بن أبي ثابت، لم يسمع من عروة (بن)
(1)
الزبير شيئًا"، ثم ذكر كلام يحيى (الخلافيات للبيهقي 437).
وقال أحمدُ وابنُ مَعِينٍ: "لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة"(المراسيل لابنِ أبي حَاتمٍ صـ 28).
وقال الدوريُّ: "قيل ليحيى -يعني ابنَ مَعِينٍ-: حَبيبٌ ثبتٌ؟ قال: نعم، إنما روى حديثين، أظنُّ يحيى يريدُ منكرين: حديث تُصلي الحائضُ وإن قطرَ الدمُ على الحصيرِ، وحديث القُبْلةِ"(تاريخ ابن مَعِينٍ - رواية الدوري 2925).
وقال إسحاقُ بنُ راهويه: "ليس بصحيحٍ، ولا نظنُّ أن حبيبًا لقي عروة"(التمهيد لابنِ عبدِ البرِّ 21/ 179)، ونحوه في (المغني لابن قدامة 1/ 258).
وقال الترمذيُّ: ((سمعتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ يُضَعِّفُ هذا الحديثَ، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة)) (جامع الترمذي عقب رقم 87)، ونحوه في (العلل الكبير 56).
وقال أبو حَاتمٍ الرازيُّ: ((لم يصحَّ حديث عائشة في ترك الوضوء من القبلة))، قال ابنُه عبدُ الرحمنِ: ((يعني: حديثَ الأعمشِ، عن حبيبٍ، عن
(1)
في مطبوعة (الخلافيات): "والزبير"، وهو تحريف ظاهر.
عُرْوةَ، عن عائشةَ)) (العلل 110).
وقال أبو حَاتمٍ -أيضًا-: "حبيب بن أبي ثابت لا يثبتُ له السماعُ من عروةَ بنِ الزبيرِ، وهو قد سمعَ ممن هو أكبر منه غير أن أهلَ الحديثِ قدِ اتَّفقوا على ذلك، واتفاقُ أهل الحديث على شيءٍ يكون حجة"(المراسيل صـ 192).
وقال ابنُ أبي حَاتمٍ في ترجمةِ حَبيبٍ: "روى عن: عروة حديث المستحاضة، وحديث القبلة للصائم!
(1)
، ولم يسمع ذلك من عروة"، ثم قال: "سمعتُ أبي يقول ذلك" (الجرح والتعديل 3/ 107).
وقال الترمذيُّ: ((وإنما تركَ أصحابُنا حديثَ عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا؛ لأنه لا يصحُّ عندهم لحالِ الإسنادِ.
…
وليس يصحُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ شيءٌ)) (الجامع عقب رقم 87).
وقال أبو جعفرٍ النحاسُ: "لا تثبتُ بهذا حجة؛ لانفرادِ حَبيبٍ به" (الناسخ والمنسوخ
صـ 176).
وقال الدارقطنيُّ: "يرويه الأعمشُ، عن حَبيبِ بنِ أبي ثابتٍ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ، وحبيبٌ لم يسمعْ من عروةَ شيئًا، قال ذلك يحيى القطانُ، عن الثوريِّ"(العلل 9/ 63/ 3837).
وقال البيهقيُّ: "هذا حديثٌ يشتبه فساده على كثيرٍ ممن ليس الحديثُ من شأنه، ويراه إسنادًا صحيحًا وهو فاسدٌ من وجهين: أحدهما: أن حبيبَ بنَ
(1)
كذا قال، وهو وهمٌ، فحديثُ حَبيبٍ في تركِ الوضوءِ منَ القُبْلةِ، وليس في القُبْلةِ للصائمِ، فإن الروايةَ الأخيرةَ هي المحفوظةُ عن عائشةَ، وبها يستدلُّ الأئمةُ على إعلالِ حديثِ حَبيبٍ.
أبي ثابتٍ لم يسمعْ من عروةَ بنِ الزبيرِ، فهو مرسلٌ من هذا الوجهِ" (الخلافيات 2/ 166).
وكذا ضَعَّفَهُ: البغويُّ في (شرح السنة 1/ 345)، وفي (مصابيح السنة 1/ 190/ 223)، والنوويُّ في (خلاصة الأحكام 286).
وقال ابنُ العربي: "هذا البابُ ليس فيه عن النبيِّ صلي الله عليه وسلم كلمةٌ تصحُّ"(عارضة الأحوذي 1/ 124).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "وهذا الحديثُ عندهم معلولٌ، فمنهم من قال: لم يسمعْ حبيبٌ من عروةَ. ومنهم من قال: ليس هو عروة بن الزبير، وضعَّفوا هذا الحديثُ ودفعوه".
ثم قال: "وصَحَّحَهُ الكوفيون وثبَّتوه؛ لرواية الثقات أئمة الحديث له، وحبيب بن أبي ثابت لا ينكر لقاؤه عروة؛ لروايته عمن هو أكبر من عروة وأجل وأقدم موتًا، وهو إمامٌ من أئمةِ العلماءِ الجِلَّة"(الاستذكار 3/ 53).
وذكر -في (التمهيد 21/ 174) - أنهم قالوا: "ولا معنى لطعن من طعن على حديث حبيب بن أبي ثابت عن عُرْوةَ في هذا البابِ؛ لأن حبيبًا ثقةٌ ولا يُشَكُّ أنه أدرك عروة وسمع ممن هو أقدم من عروة، فغير مستنكر أن يكون سمع هذا الحديثَ من عروةَ".
قلنا: إمكان اللقاء والمعاصرة إنما يعتبر عندما يكون الأمرُ محتملًا، أما هنا فلا يغني ذلك من الأمرِ شيئًا؛ لاتفاقِ أئمة الحديث على عدم السماع، وكما تقدَّمَ في كلام أبي حَاتمٍ:"واتفاق أهل الحديث على شيءٍ يكون حجة"(المراسيل صـ 192).
وعلى فرضِ أنه سمع منه شيئًا، هنا لا يقبل؛ لأن حبيبًا مدلسٌ وقد عنعن.
وقد تعقب ابنَ عبدِ البرِّ في ذلك الحافظُ مغلطاي، فأجادَ في تعقبه، انظر (شرح ابن ماجه 2/ 83).
قلنا: وقد أُعِلَّ بأمرٍ آخر، وهو ما أشارَ إليه ابنُ عبدِ البرِّ فيما تقدَّم: أن عروةَ في هذا الحديثِ ليس هو ابنُ الزبير، وإنما هو:(عروة المزني) أحد المجهولين.
قال أبو داود -عقب الحديث-: ((ورُوي عن الثوريِّ قال: (ما حدثنا حبيب إلا عن عُرْوةَ المزني)، يعني: لم يحدثهم عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ بشيءٍ)).
ولذا قال ابنُ حَزمٍ: "وهذا حديثٌ لا يصحُّ؛ لأن راويه أبو روق وهو ضعيفٌ
(1)
، ومن طريقٍ رجلٍ اسمه عروة المزني، وهو مجهولٌ، رويناه من طريق الأعمش عن أصحابٍ له لم يُسمهم عن عُرْوةَ المزني، وهو مجهولٌ" (المحلى 1/ 245).
وقال البيهقيُّ -في الوجه الثاني من وجهي فساد حديث حبيب-: "والوجه الآخر: يقال: إن عروة هذا ليس ابن الزبير، إنما هو شيخٌ مجهولٌ يعرفُ بعروةَ المزنيِّ"(الخلافيات 2/ 168).
وقال في (المعرفة 1/ 376): "هذا أشهرُ حديثٍ رُوي في هذا البابِ، وهو معلولٌ بما أخبرنا
…
"، ثم احتجَّ بما أخرجه أبو داود في (السنن 179) -وإليه أشارَ ابنُ حَزمٍ في كلامه السابق- قال: حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابنَ مغراء-، حدثنا الأعمش، أخبرنا أصحابٌ لنا عن عُرْوةَ المزني، عن عائشة بهذا الحديثِ.
(1)
سيأتي الكلام على طريق أبي روق قريبًا.
قلنا: هكذا رواه ابنُ مغراء عن الأعمشِ، وسلك فيه الجادة؛ حيث إن حبيبًا معروفٌ بالروايةِ عن عُرْوةَ المزني -كما هو ظاهر كلام الثوري-، ولا يكادُ يعرفُ بالروايةِ عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، فإنه لم يسمعْ منه كما قال الأئمةُ الحفاظُ.
وروايتُه هذه لا شيء؛ فمن يكون ابن مغراء حتى يعل بروايتِهِ رواية الأثبات من أصحاب الأعمش؟ لاسيما وفيهم وكيع وغيرُهُ ممن ذكرنا.
كما أن ابنَ مغراء هذا متكلمٌ فيه عامة، وفي الأعمش خاصة، فقال علي بن المديني:"عبد الرحمن بن مغراء أبو زهير ليسَ بشيءٍ، كان يروي عن الأَعمَشِ ستمائة حديث، تركناه لم يكن بذاك))، أسندَه عنه ابنُ عَدِيٍّ، ثم قال: "وهذا الذي قاله علي بن المديني هو كما قال، إنما أنكرتُ علي أبي زهير هذا أحاديثَ يرويها عن الأعمشِ لا يتابعونه الثقات عليها، وله عن غير الأعمش غرائب، وهو من جملة الضعفاء الذين يكتبُ حديثُهم)) (الكامل 7/ 153).
ولذا رَدَّ مغلطايُ وغيرُهُ هذه العلةَ، ومما قاله في ذلك:"وأيضًا، فلا أحدَ منَ الغرباءِ يتجاسر على أُمِّ المؤمنين بقوله: ((مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ؟ ))، ويحكي ضحكها غالبًا إلا من كان ذا محرم منها، ويزيده وضوحًا رواية هشام له عن أبيه كرواية حبيب"(شرح ابن ماجه 2/ 83)، وستأتي رواية هشام قريبًا.
ثم إن قولَ الثوريِّ: "ما حدثنا حبيب إلا عن عُرْوةَ المزني"، لا ينفي أن يكون حدَّثَ غيره عنه كما هنا، ولذا لم يرتضِ أبو داود كلام الثوري هذا فقال عقبه:"وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ عن عائشة حديثًا صحيحًا".
والمراد من هذا التعقب ثبوت رواية حبيب عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ مطلقًا خِلافًا لما زعمه الثوريُّ، وهذا بغض النظر عن ثبوتِ السماعِ من عدمه.
وقد فهم مغلطايُ أن أبا دواد يُثبتُ بهذا الكلامِ سماعَ حَبيبٍ من عروةَ، وفهم غيرُهُ خلافه، وكلُّ هذا خلافٌ لا طائلَ ورائه بعد أن نقلَ أبو حَاتمٍ إجماعَ أهلِ الحديثِ على أن حَبيبًا لم يسمعْ من عروةَ (المراسيل 703)، وانظر (شرح ابن ماجه 2/ 83).
وقال الزيلعيُّ -متعقبًا البيهقيَّ-: "بل هو عروة بن الزبير، كما أخرجه ابنُ ماجه بسندٍ صحيحٍ، وأما سندُ أبي داود الذي قال فيه:(عن عُرْوةَ المزني) فإنه من رواية عبد الرحمن بن مغراء عن ناسٍ مجاهيل، وعبد الرحمن بن مغراء متكلَّمٌ فيه
…
" (نصب الراية 1/ 72).
قلنا: وقد أعلَّ الإمامُ أحمدُ هذا الطريقَ بشيءٍ آخر:
فقال أبو الحسن الميمونيُّ: قال أبو عبد الله: ((هذا الحديثُ مقلوبٌ على حديثِ عائشةَ: (قَبَّلَ وهو صَائِمٌ)، وهو هذا الحديثُ بعينه، يرويه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة))، قلت: فمن أين؟ أليس حبيب صالح الحديث؟ ! قال: ((بلى، ولكن لا أعلم أحدًا روى عن حَبيبٍ عن عُرْوةَ شيئًا إلا هذا الحديث، وحديث آخر يرويه الأعمش)) (شرح ابن ماجه 2/ 81).
ففي هذا الكلام إعلال أحمد لمتن الحديث، وأنه مقلوبٌ من الحديثِ الآخرِ الذي يرويه: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ إِحْدَى نِسَائِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ))، ثُمَّ تَضْحَكُ، ليس فيه الوضوء، وهو مخرجٌ في الصحيحين وغيرهما، وهو متواترٌ عن عائشةَ من غيرِ طريقِ عروةَ أيضًا.
وقال الكيا الهراسي: "وحديثُ القُبْلةِ منكرٌ؛ قال إسماعيل بن إسحاق: حديث حبيب بن أبي ثابت في القبلة عرضه على نصر بن علي
(1)
وعيسى بن شاذان
(2)
، فعجبوا منه وأنكروه. وهو مما يعتد به على حبيب بن أبي ثابت، ومن يحسن أمره يقول: أراد أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، فَغَلِطَ بهذا، فهذا غاية ما قاله" (أحكام القرآن 2/ 464).
قلنا: وأمرٌ آخرُ يُعلُّ به هذا الطريق:
وهو ما حكاه ابنُ البراءِ في (العلل) عن عليِّ بنِ المدينيِّ، قال:((الأعمشُ كثيرُ الوهمِ في أحاديث هؤلاء الصغار، مثل الحكم، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، وأبي إسحاق، وما أشبههم))، وقال يعقوب بن شيبة عن ابنِ المدينيِّ:((حديثُ الأعمشِ عن الصغارِ كأبي إسحاقَ، وحبيبٍ، وسلمةَ، ليس بذلك)). ينظر (شرح علل الترمذي لابن رجب 2/ 800).
الوجه الثاني: عن هشام بن عروة، عن عُرْوةَ:
رواه الدارقطنيُّ في (سننه 488) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 458) - قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري، نا حاجب بن سليمان، نا وكيعٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به.
وهذا الإسناد رجاله ثقات، أبو بكر النيسابوريُّ هو عبد الله بن محمد بن زياد: أحدُ الأئمةِ الحفاظِ.
وحاجب بن سليمان: وَثَّقَهُ النسائيُّ، وقال مرَّةً:"لا بأسَ به"، انظر
(1)
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي: أحد الثقات الأثبات الحفاظ، توفي (250 هـ).
(2)
هو عيسى بن شاذان القطان: أحد الثقات الحفاظ.
(تهذيب التهذيب 5/ 201)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 212). بينما تكلَّم فيه الدارقطنيُّ -كما سيأتي في كلامه على هذه الروايةِ-، وقال مسلمةُ بنُ قاسمٍ:"روى عن ابنِ أبي رواد، وابنِ المديني، ومؤمل، أحاديثَ منكرة، وهو صالحٌ يكتبُ حديثُه"(إكمال تهذيب الكمال 3/ 274)، (تهذيب التهذيب 2/ 133). وفي (التقريب 1004):"صدوقٌ يهم".
قلنا: وقد خالفَ حاجبٌ الثقاتَ الأثباتَ من أصحابِ وكيعٍ، كأحمدَ في (المسند 35732)، وعليِّ بنِ حربٍ عند أبي عوانة في (مستخرجه 3096)، وغيرهما، حيث رووه عن وكيعٍ بهذا الإسنادِ:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ)).
وتابع وكيعًا على هذا الوجه، جماعةٌ منَ الثقاتِ الأثباتِ من أصحابِ هشامٍ، منهم:
1) مالكٌ، في (الموطأ 798)، ومن طريقه البخاريُّ (1928).
2) يحيى القطانُ، عند البخاريِّ (1928).
3) سفيانُ بنُ عيينةَ، عند مسلمٍ (1106).
4) معمرٌ، عند عبدِ الرَّزَّاقِ في (المصنف 7541).
5) ابنُ جُريجٍ، عند عبدِ الرَّزَّاقِ في (المصنف 7541).
6) سفيانُ الثوريُّ، عند البزارِ (18/ 118/ 65).
7) أبو معاويةَ الضريرُ، عند إسحاقَ بنِ راهويه في (مسنده 672).
8) أنسُ بنُ عياضٍ، عند البيهقيِّ في (السنن 8175).
كلهم: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به في القُبْلةِ للصائمِ،
دون ذكر الوضوء.
وبهذا أعلَّهُ الدارقطنيُّ، فقال:"تفرَّدَ به حاجبٌ عن وكيعٍ، ووهمَ فيه، والصوابُ عن وكيعٍ بهذا الإسنادِ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ))، وحاجبٌ لم يكن له كتاب إنما كان يُحدِّثُ من حفظه"(السنن 1/ 247)، ونحوه في (العلل 9/ 63).
وأقرَّه: البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 195)، والذهبيُّ في (ميزان الاعتدال 1/ 429).
قلنا: ومع هذا قال ابنُ دَقيقِ العيدِ: "ولعلَّ قائلًا يقول: هو تفرُّدُ ثقةٍ، وتحديثه من حفظه إن كان أوجب كثرة خطئه بحيث يجب ترك حديثه، فلا يكون ثقة، ولكنِ النسائيُّ وَثَّقَهُ، وإن لم يوجب خروجه عن الثقة فلعلَّه لم يهم، وكان نسبته إلى الوهم بسبب مخالفة الأكثرين له"(الإمام 2/ 246).
وتبع ابنَ دقيق على ذلك: ابنُ التركماني في (الجوهر النقي 1/ 126)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 57)، ومغلطايُ في (شرح ابن ماجه 2/ 84).
قلنا: فمن كانتْ هذه حاله، وخالفه الثقات الأثبات، فلا ريبَ أن روايتَه وهم، كما جزمَ به الدارقطنيُّ، ولا مجالَ هنا لقول:(لعلَّه لم يَهمْ).
قلنا: وقد رُوي عن هشام بن عروة من طرقٍ أُخرى واهية لا تثبت:
فرواه الدارقطنيُّ في (السنن 489) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 473) - قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، نا علي بن عبد العزيز الوراق، نا عاصم بن علي، نا أبو أويس، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أَنَّهَا بَلَغَهَا قول ابنِ عُمَرَ:((فِي القُبْلَةِ الوُضُوءُ))، فقالت: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لَا يَتَوَضَّأُ)).
ورواه أبو محمدٍ الخلديُّ في (فوائده 15)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 472)، والضياءُ المقدسيُّ في (المنتقى من مسموعات مرو) من طريق عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ، به.
قال الدارقطنيُّ -عقبه-: ((ولا أعلمُ حَدَّثَ به عن عاصمِ بنِ عليٍّ هكذا غير علي بن عبد العزيز)) (السنن 1/ 248).
قلنا: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ منكرٌ؛ فأبو أويس، وهو عبد الله بن عبد الله أبو أويس، فالجمهورُ على تليينه، ولذا قال عنه الحافظُ:((صدوقٌ يهمُ)) (التقريب 3412)،
قلنا: وهذا من أوهامه؛ فقد خالفَ الثقاتَ الأثباتَ من أصحابِ هشام بن عروة، كمالكٍ، ويحيى القطانِ، والسفيانين، وغيرهم، حيثُ رَووه عن هشامٍ بهذا الإسنادِ:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ)).
ولذا قال البيهقيُّ: "هذا وهمٌ من علي بن عبد العزيز هذا أو عاصم أو أبي أويس، والمحفوظُ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: ((أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ)) بغيرِ هذه الزيادةِ في الوضوءِ"، ثم ذكرَ جماعةً منَ الأَئمةِ الذين رووا حديث هشام في تقبيل الصائم فقط، (الخلافيات 2/ 195).
وقال أيضًا: "ورُوي عن أبي أويس، والحسن بن دينار، و (عبد الملك)
(1)
(1)
في مطبوعة (المعرفة): "عبد الله"، وهو تصحيفٌ، والمثبت هو الصواب، كما أخرجه غيرُ واحدٍ، وكذا البيهقي نفسه في (الخلافيات 465)، وسيأتي تخريج روايته والكلام عليها في رواية مفردة، لاختلاف سياقها عن هذه. وكذا رواية محمد بن جابر.
ابن محمد، وابن أبي ليلى، ومحمد بن جابر: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وكلهم ضعيفٌ لا يحتجُّ بروايتِهِ" (معرفة السنن والآثار 1/ 382).
وسيأتي تخريجُ رواية عبد الملك بن محمد ومحمد بن جابر، والكلامُ عليها في روايةٍ مفردةٍ، لاختلاف سياق روايتهما عن هذه الرواية.
وأما رواية الحسن بن دينار:
فرواها الدارقطنيُّ في (السنن 491)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 459): من طريق العباس بن الوليد بن مزيد، عن محمد بن شعيب، عن شيبان بن عبد الرحمن، عن الحسن بن دينار، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَبِّلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الوُضُوءِ؟ (في روايةِ البيهقيُّ: أَيُعِيدُ الوُضُوءَ؟ ) فَقَالَتْ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ وَلَا يُعِيدُ الوُضُوءَ)). فَقُلْتُ لَهَا: لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ مَا كَانَ إِلَّا مِنْكِ فَسَكَتَتْ.
قال الدارقطنيُّ -بإثره-: ((هكذا قال فيه: إن رجلًا قال: سألتُ عائشةَ)).
وقال البيهقيُّ: "الحسن بن دينار كان دينارُ زوجَ أُمِّه، وهو الحسن بن واصل منكرُ الحديثِ
…
، ثم في هذا الحديثِ بيان أن عروة لم يسمعه من عائشة؛ فإنه قال: إن رجلًا قال: سألتُ عائشةَ" (الخلافيات 2/ 186 - 188).
قلنا: وهذا السندُ واهٍ؛ لأن الحسنَ بنَ دينارٍ متروكٌ.
الوجه الثالث: عن أبي سلمة، عن عُرْوةَ:
أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن 510)، قال: حدثنا أحمد بن شعيب بن صالح البخاريُّ، نا حامد بن سهل البخاريُّ، نا إسماعيل بن موسى، نا
عيسى بن يونس، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن أبي سلمة، عن عُرْوةَ، عن عائشة، قَالَتْ:((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
وأخرجه البيهقيُّ في (الخلافيات 457): من طريق علي بن إسحاق، عن إسماعيل بن موسى، به.
قال الدارقطنيُّ -عقبه-: "هذا خطأٌ من وجوهٍ". ثم بيّن ذلك في (العلل) فقال: "فوَهِم -أي إسماعيل- في إسنادِهِ ومَتنِه، فأَما وهمُه في إسنادِهِ فقَولُهُ: عن أَبي سَلَمةَ، عن عُرْوةَ، وإِنما رَواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن أَبي سَلَمةَ، عن عائِشةَ. وأَما قَولُه في مَتنِه: ((ولَا يَتَوَضَّأُ)) فهو وهمٌ أَيضًا، والمَحفُوظُ: ((كَانَ يُقَبِّلُ وهو صَائِمٌ)) "(العلل 9/ 142 - 144/ 3902).
قلنا: وهو كما قال، وإسماعيل بن موسى، هو الفزاري ابن بنت السدي، وهو:((صدوقٌ يُخطئُ)) كما في (التقريب 492).
وأما عَبْدُ الرَّزَّاقِ فثقةٌ حافظٌ من رجال الشيخين، ومن أثبتِ أصحابِ معمرٍ، وروايته أخرجها في (المصنف 7540)، وعنه إسحاق بن راهويه في (مسنده 1062)، وأحمد بن حنبل في (مسنده 25953)، ولفظه:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ)).
وقال البيهقيُّ: "ورُوي بإسنادٍ آخر مجهول عن عيسى بن يونس، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن أبي سلمة، عن عُرْوةَ، عن عائشة،
…
ولا يصحُّ شيءٌ من ذلك، وكيف يكون ذلك من جهة الزهري صحيحًا، ومذهبُ الزهريِّ بخلافه" (معرفة السنن والآثار 1/ 381).
وقال في (الخلافيات): "ورُوي بإسنادٍ واهٍ عنِ الزهريِّ عن أبي سلمة عن
عُرْوةَ عن عائشةَ"، ثم ذكره، وذكر كلامَ الدارقطنيِّ في (السنن)، وقال: "لم يزدْ على هذا، وإنما أرادَ به أنه أخطأ في إسنادِهِ ومتنه جميعًا، حيثُ روى عنِ الزهريِّ عن أبي سلمة عن عُرْوةَ عن عائشة، وزاد في متنه:((ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)) والمحفوظُ ما سَبَقَ ذكره، والحملُ فيه على مَن دون عيسى بن يونس" (الخلافيات 2/ 184).
الوجه الرابع: عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ:
أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن 484) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 449) -، قال: حدثنا عبد الباقي بن قانع، نا إسماعيل بن الفضل، نا محمد بن عيسى بن يزيد الطرسوسي، نا سليمان بن عمر بن سيار مديني، حدثني أبي، عن ابن أخي الزهري، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ، قالت:((لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنَ القُبْلَةِ؛ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ وَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه عِللٌ:
الأُولى: عمر بن سيار الرقي، ذكره العُقيليُّ في (الضعفاء 3/ 31) فقال: "عن ابن أخي الزهري، لا يتابع على حديثه
…
، وقد حَدَّثَ عمر بن سيار هذا عن ابن أخي الزهري بما لا يعرف عنه، ولا يتابعه عليه أحد"اهـ. ولذا قال الذهبيُّ: ليس بالمتين" (الميزان 6134). وذكره في (ديوان الضعفاء 3059) وقال: "يخالفُ الثقاتَ".
الثانية: ابنه سليمان بن عمر بن سيار: لم نجدْ لَهُ ترجمةً.
الثانية: محمد بن عيسى بن يزيد الطرسوسي، وهو محدثٌ رَحَّالٌ، إلا أنه متهمٌ بسرقةِ الحديثِ، قال ابنُ عَدِيٍّ:"عامة ما يرويه لا يتابعونه عليه، وهو في عداد مَن يَسرقُ الحديثَ"(الكامل 9/ 407)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في
(الثقات 9/ 152) وقال: "يُخطئُ كثيرًا". وينظر ترجمته في (لسان الميزان 7290).
* وأما إسماعيل بن الفضل فهو البلخي، قال عنه الدارقطنيُّ:"لا بأس به"، وقال الخطيبُ:"وكان ثقة"(تاريخ بغداد 7/ 281).
وابن قانع، فيه كلام معروف.
والسندُ ضَعَّفَهُ البيهقيُّ، فقال عقبه:"رواة هذا الحديثِ إلى ابنِ أخي الزهري أكثرهم مجهولون، ولا يجوزُ الاحتجاجُ بأخبارِ المجهولين"(الخلافيات 2/ 178).
وقال في (المعرفة): "ورُوي بإسنادٍ مجهولٍ، عن ابن أخي الزهري، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن عائشة،
…
ولا يصحُّ شيءٌ من ذلك، وكيف يكون ذلك من جهة الزهري صحيحًا، ومذهب الزهري بخلافه" (معرفة السنن والآثار 1/ 380 - 381).
الوجه الخامس: عن معبد بن نباتة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عُرْوةَ:
أخرجه عبدُ الرَّزَّاقِ (515)، ومحمد بن الحسن في (المدينة)، كلاهما: عن إبراهيم بن محمد المديني، عن معبد بن نُبَاتَةَ، عن محمد بن عمرو، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عن عائشة، قالت:((قَبَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يُحْدِثْ وُضُوءًا)).
وهذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه علتان:
الأُولى: معبد بن نباتة، مجهول.
قال الشافعيُّ رحمه الله في كتاب (القديم): "فخالفنا بعض الناس، فقال: ليس
في القُبلةِ الوضوءُ، واحتجَّ فيها بحديثٍ ليس بمحفوظٍ، والله أعلم". قال:"ولو ثبتَ حديثُ معبدِ بنِ نباتةَ في القُبلةِ لم أرَ فيها شيئًا، ولا في اللمسِ؛ فإن معبد بن نباتة يروي عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عائشة: ((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ ثُمَّ لَا يَتَوَضَّأُ)). ولكني لا أدري كيف كان معبد بن نباتة هذا؟ فإن كان ثقةً فالحجةُ فيه فيما روى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكني أخافُ أن يكونَ غلطًا من قِبلَ أن عروةَ إنما روى ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَهَا صَائِمًا)) ". انتهى كلام الشافعي. ينظر (معرفة السنن والآثار 1/ 374 - 375).
كذا ذكره من رواية (ابن عطاء عن عائشة) بإسقاط (عروة)، ولهذا قال البيهقيُّ: "معبد بن نباتة هذا مجهولٌ، ومحمد بن عمرو بن عطاء لم يثبتْ له عن عائشةَ شيءٌ
(1)
. والصحيحُ رواية عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعلي بن الحسين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، وعمرو بن ميمون، عن عائشة:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ أَوْ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ)) " (معرفة السنن والآثار 1/ 375).
الثانية: إبراهيم بن محمد، هو ابنُ أبي يحيى الأسلمي، متروكٌ متهمٌ بالكذبِ والوضعِ، كما تقدَّمَ مرارًا.
وبهاتين العلتين ضَعَّفَهُ ابنُ عبدِ البرِّ، فقال عن معبدٍ:"هو مجهولٌ لا حُجةَ فيما رواه عندنا، وإبراهيم بن أبي يحيى عند أهل الحديث ضعيفٌ متروكُ الحديثِ"(الاستذكار 3/ 54).
(1)
كذا قال، بناء على ما ذكره الشافعي، والحديث عند عبد الرزاق وغيره من رواية (ابن عطاء عن عروة عن عائشة)، ولم نقف على سندٍ للرواية المنقطعة هذه، فالله أعلم.
الطريق الثاني: عن عطاء عن عائشة، ورُوي عنه من وجوهٍ:
الوجه الأول: عن غالب بن عبيد الله، عن عطاء:
أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن 492) قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، نا محمد بن الحسين الحنيني، نا جندل بن والق، نا عبيد الله بن عمرو، عن غالب، عن عطاء، عن عائشة، قالت:((رُبَّمَا قَبَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
وهذا إسنادٌ واهٍ بمرّة؛ فيه غالب وهو ابنُ عُبَيدِ اللهِ الجزريُّ، قال عنه البخاريُّ:"منكرُ الحديثِ"(التاريخ الكبير 7/ 101)، وقال ابنُ مَعِينٍ:"ليسَ بثقةٍ، وقال ابنُ المدينيِّ: "كان ضعيفًا وليسَ بشيءٍ"، وقال أبو حَاتمٍ، والنسائيُّ، والدارقطنيُّ: "متروكٌ"، زاد أبو حَاتمٍ: "منكرُ الحديثِ"، وقال البرقيُّ: "لا يكتبُ حديثُه"، وَضَعَّفَهُ غَيرُ واحدٍ. انظر (لسان الميزان 6/ 297 - 299/ 5978).
وبه أعلَّهُ الدارقطنيُّ فقال -عقبه-: "غالب بن عبيد الله متروك".
ثم أخرجه الدارقطنيُّ برقم (508): من طريق سعدان بن نصر، عن أبي بدر، عن أبي سلمة الجهني، عن عبد الله بن غالب، عن عطاء، عن عائشة:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ لَا يُحْدِثُ وُضُوءًا)).
وقال الدارقطنيُّ -عقبه-: ((قوله: (عبد الله بن غالب) وهمٌ، وإنما أراد (غالب بن عبيد الله) وهو متروك، وأبو سلمة الجهني هو خالد بن سلمة ضعيف، وليس بالذي يروي عنه زكريا بن أبي زائدة)).
وقال الحاكمُ -عقبه-: ((غالب هذا هو ابنُ عبيد الله العُقيليُّ، .. قد خلط في هذا الحديثِ من وجهين
…
)) فأسنده عن غالب بن عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر نحوه، ثم قال:((غالب بن عبيد الله: ساقطُ الحديثِ بإجماعٍ من أهلِ النقلِ فيه)) (الخلافيات للبيهقي 2/ 199 - 200).
وقال البيهقيُّ: "ورواه غالب بن عبيد الله الجزري، وقيل: عبد الله بن غالب، عن عطاء، عن عائشة، وغالب ضعيف، وروي من وجهٍ آخرَ عن عطاء، وكلُّ ذلك ضعيفٌ. والصحيح: عن عطاء، من قوله"(معرفة السنن والآثار 1/ 383).
الوجه الثاني: عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء:
أخرجه الدارقطنيُّ في (سننه 493) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 489) - قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، نا محمد بن غالب، نا الوليد بن صالح، نا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
ورواه البيهقيُّ أيضًا في (الخلافيات 489) من طريق أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا تمتام يعني محمد بن غالب، به.
وهذا الإسناد رجاله ثقات، ظاهره الصحة، فعثمان الدقاق "ثقة ثبت"(تاريخ بغداد 2/ 111 - 113)، وقد تابعه الصفار، وهو "ثقة ثبت" أيضًا (تاريخ بغداد 5/ 433).
وأما ابن غالب تمتام، فثقة حافظ (تذكرة الحفاظ 642).
والوليد بن صالح: ثقة من رجال الشيخين (التقريب 7429).
وقد تابعه عمرو بن عثمان الكلابي، ذكره الدارقطنيُّ في (العلل 3877). ولكن عمرو بن عثمان: ضعيف (التقريب 5074).
وقد خولفا فيه، قال الدارقطنيُّ: "
…
وخالفهما جندل بن والق، وعبد الله بن جعفر، فروياه عن عبيد الله بن عمرو، عن غالب بن عبيد، عن عطاء، عن عائشة. وغالبٌ متروكٌ" (العلل 9/ 116/ س 3877).
وجندل بن والق: "صدوقٌ يَغْلطُ، ويصحِّفُ" كما في (التقريب 979).
ولكن تابعه عبد الله بن جعفر الرقي، وهو: ثقة من رجال الشيخين (التقريب 3253)، وهو بلدي عبيد الله وصاحبه.
وقد روياه على غير الجادة، فكانتْ روايتُهما أولى بالصواب من رواية الوليد بن صالح والكلابي الَّذَيْنِ سلكا الجادة بذكر (عبد الكريم).
ولذا قال الدارقطنيُّ في (السنن): "يقال: إن الوليد بن صالح وهم في قوله: (عن عبد الكريم)، وإنما هو حديث (غالب)، ورواه الثوري عن عبد الكريم عن عطاء من قوله، وهو الصواب، وإنما هو حديث غالب والله أعلم".
قلنا: وقد رُوي من طريقٍ آخرَ عن عبدِ الكريمِ مرفوعًا:
رواه البزارُ في (مسنده)، كما في (الأحكام الكبرى 1/ 430 - 431)، و (الأحكام الوسطى 1/ 142)، و (شرح ابن ماجه 2/ 85) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 488) - قال: حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صبيح، حدثنا محمد بن موسى بن أعين، حدثني أبي، عن عبد الكريم، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة:((أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ وَلَا يَتَوَضَّأ)).
وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، فإسماعيل بن يعقوب، ثقة من رجالِ النسائيِّ (التقريب 496)، ومحمد بن موسى بن أعين:"صدوق" من رجال البخاريِّ (التقريب)، وأبوه ثقة من رجالِ الشيخين.
وقال البزارُ -عقبه-: "هذا الحديثُ لا نعلمُه يُروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا من
رواية عائشة، ولا نعلمُه يُروى عن عائشة إلا من حديث حبيب عن عُرْوةَ، ومن حديث عبد الكريم عن عطاء عن عائشة".
وقال البزارُ -في موضع آخر-: "وهذا الحديثُ إسنادُهُ حسنٌ، وهو معروفٌ من حديث عبد الكريم، ومحمد بن موسى ليس به بأس، قد احتملَ حديثَه أهلُ العلمِ، ولا نعلمُ فيه مطعنًا يوجب التوقف عن حديثه، وسائر الرجال يستغنى بشهرتهم عن صفاتهم، وإسماعيل بن صبيح رجل ثقة مشهور، وقد رواه خطاب بن القاسم قاضي حران، وكان مشهورًا أيضًا عن عبد الكريم"(شرح ابن ماجه 2/ 85، 86).
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: ((إسنادٌ جيدٌ)) (شرح العمدة 1/ 314، 315).
وقال الحافظُ: "رجاله ثقات"(الدراية 1/ 45).
قلنا: ولكن هذا الطريق غير محفوظ كذلك، فقد أعلَّهُ ابنُ مَعِينٍ، وابنُ عَدِيٍّ، وغيرُهُما:
قال يحيى بنُ مَعِينٍ: "حديثُ عبدِ الكريمِ عن عطاءٍ رديءٌ".
أسندَهُ ابنُ عَدِيٍّ عنه، ثم قال -عقبه-: "وهذا الحديثُ الذي ذكره يحيى بنُ مَعِينٍ عن عبد الكريم عن عطاء، هو ما رواه عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت:((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُهَا وَلَا يُحْدِثُ وُضُوءًا))، إنما أراد ابنُ مَعِينٍ هذا الحديث؛ لأنه ليس بمحفوظ،
…
" (الكامل 8/ 458).
وتبعه الذهبيُّ، فقال -بعد أن نقلَ كلامه-:((هذا غريبٌ فردٌ، وليسَ هو بمحفوظٍ)) (السير 6/ 83).
ولم يرتضِ عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ هذه العلةَ؛ فقال: "وموسى بن أعين هذا ثقة
مشهور، وابنه مشهور، روى له البخاريُّ، ولا أعلمُ لهذا الحديثِ علة توجب تركه، ولا أعلم فيه -مع ما تقدم- أكثر من قول يحيى بنِ مَعِينٍ:(حديث عبد الكريم عن عطاء حديثٌ رديءٌ)؛ لأنه غير محفوظ، وانفراد الثقة بالحديثِ لا يضره" (الأحكام الوسطى 1/ 142).
وأقرَّهُ ابنُ المُلقِّنِ في (غاية السول 1/ 180).
وقال مغلطايُ: ((قال ابنُ الحَصَّارِ في كتابه (تقريب المدارك): وقد طعنوا على عبد الكريم؛ لانفراده برفع هذا الحديثُ، وليس ذلك مطعنًا، وانفراد الثقة برفع الحديث لا يقدحُ فيه، وحديثُه هذا مسندٌ صحيحٌ)) (شرح ابن ماجه 2/ 87).
قلنا: ولكن ليستِ العلةُ في مجردِ التفرد، بل في المخالفة؛ فقد رواه الثوريُّ عن عبد الكريم الجزري، عن عطاءٍ قال:((لَيْسَ فِي القُبْلَةِ وُضُوءٌ)). كذا من قوله.
أخرجه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 491) عن وكيعٍ. وأخرجه الدارقطنيُّ في (سننه 494، 509) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 491) -: من طريقِ ابنِ مهدي. كلاهما: عن سفيان الثوري، به.
وبهذا أعلَّهُ الدارقطنيُّ والبيهقيُّ وغيرُهُما:
فقال الدارقطنيُّ: "ورواه الثوريُّ عن عبد الكريم عن عطاءٍ من قوله، وهو الصوابُ"(السنن)، وقد تقدَّمَ عقب طريق الوليد بن صالح.
وقال البيهقيُّ -عقب طريق ابن أعين-: "هذا وهمٌ، والصحيحُ عن عبد الكريم عن عطاء من قوله"(الخلافيات 2/ 205).
وقال ابنُ حَجرٍ: "رواه الوليد بن صالح، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم،
عن عطاء، عن عائشة، ووهم فيه، وهذا هو الصواب موقوف" (إتحاف المهرة 19/ 260).
وأَبَى هذه العلةَ ابنُ دَقيقِ العيدِ فقال: "أما رواية الثوري له موقوفًا، فالمسألةُ مشهورةٌ عند الفقهاء وأرباب الأصول، فيما إذا وقف ثقةٌ، وَرَفعَ ثقةٌ. وعبيد الله بن عمرو راويه عن عبد الكريم قد تقدَّمَ الثناءُ عليه، وأيضًا فإن عطاءَ بنَ أبي رباحٍ صاحبُ فتوى معروفٌ بذلك، فيجوزُ أن يكون أفتى بما روى، فلا تقوى القرينة في غلط مَن رفع كل القوة"(الإمام 2/ 258).
وقال ابنُ التركماني: "الذى رفعه زاد والزيادة مقبولة، والحكم للرافع، ويحتمل أن يكون عطاء أَفْتَى به مرة، ومرة أخرى رفعه"(الجوهر النقي 1/ 126).
قلنا: وهذا الكلام فيه نظر جملة وتفصيلًا؛ فمن حيث التقعيد، فالقول بقبول الزيادة مطللقًا، ليس من منهج أئمة الحديث، بل هو منهج الفقهاء كما أشارَ لذلك ابنُ دَقِيقٍ، والعبرةُ في هذا الفَنِّ، بمنهجِ النقادِ وأئمةِ الحديثِ، وهو أن لكلِّ زيادةٍ حكمٌ مستقلٌ، بحسب القرائن المحيطة بها.
والثوريُّ أحفظُ من رواه عن عبد الكريم، ولا يقارن به أحدٌ، فضلًا على أن المحفوظَ عن عبيد الله بن عمرو، روايته عن غالب بن عبيد الله (المتروك)، وليس (عن عبد الكريم)، كما جزم به الدارقطنيُّ، وفي هذا رَدٌّ على كلامِ ابنِ دَقيقِ العيدِ رحمه الله.
الوجه الثالث: عن ليثِ بنِ أبي سُليمٍ، عن عطاءٍ:
أخرجه الطبريُّ في (التفسير 7/ 74)، قال: حدثنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا شهاب بن عباد، قال: حدثنا مندل، عن ليث، عن عطاء، عن
عائشة، قَالَتْ:((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَالُ مِنِّي القُبْلَةَ بَعْدَ الوُضُوءِ، ثُمَّ لَا يُعِيدُ الوُضُوءَ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ واهٍ؛ فيه علتان:
الأُولى: ليثُ بنُ أبي سُليمٍ، وهو لينُ الحديثِ، لا يحتجُّ به، كما قال جمهورُ النُّقَّادِ، وانظر ترجمتَه في (تهذيب التهذيب 8/ 468). وقال الحافظُ:"صدوقٌ اختلطَ جدًّا ولم يتميزْ حديثُه فتُرك"(التقريب 5685).
الثانية: مندل بن علي، وهو "ضعيف" كما في (التقريب 6883).
الوجه الرابع: عن ابن أبي ليلى، عن عطاء:
أخرجه البيهقيُّ في (الخلافيات 485)، قال: أخبرنا الشريف أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود الحسيب -قراءةً عليه-، أنبأنا عبد الله بن يعقوب الكرماني، نا محمد بن يعقوب الكرماني، نا حسان بن إبراهيم الكرماني، حدثنا سلمة بن صالح الكوفي، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنها قالت:((تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -تعني: ثُمَّ مَسَّ بَعْضَ نِسَائِهِ- ثم خَرَجَ فَصَلَّى لَا يُحْدِثُ وُضُوءًا)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ وَاهٍ؛ فيه علتان:
الأُولى: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ضعيفٌ سيءُ الحفظِ. وقد تقدَّمَ مِرارًا.
الثانيةُ: سلمة بن صالح الكوفي وهو الأحمر: ضعيفٌ واهٍ، قال عنه أحمدُ:"ليسَ بشيءٍ"، وقال ابنُ مَعِينٍ:"ليس بثقةٍ، وقال مَرَّةً: "ليسَ بشيءٍ كتبتُ عنه"، وقال ابنُ المدينيِّ: "كان يروي عن حمادٍ فيقلبها، وَلا يضبطها كتبتُ عنه حديثًا كثيرًا ورميتُ به"، وقال أبو حَاتمٍ: "واهي الحديث،
[ذاهب الحديث]، لا يكتبُ حديثُه، يَقْرُبُ في الضعفِ من سوار بن مصعب"، وقال أبُو داود: "متروكُ الحديثِ"، وقال ابنُ عمار: "ضعيفٌ متروكٌ"، وَضَعَّفَهُ النسائيُّ والدارقطنيُّ
(1)
وغيرُهُما. بل وأشارَ إلى كذِبِهِ يزيدُ بنُ هارونَ وهشيمٌ. ينظر ترجمته في (لسان الميزان 3567). وقال ابنُ حِبَّانَ: "كان ممن يروي عن الأثباتِ الأشياءَ الموضوعاتِ، لا يحلُّ ذِكرُ أحاديثِهِ ولا كتابتها إلا على جهةِ التعجبِ"(المجروحين 1/ 424). ولهذا قال الذهبيُّ: "تركوه"(ديوان الضعفاء 1711).
وبه أعلَّهُ الحاكمُ فقال: ((هذا تفرَّدَ به سلمة بن صالح بإسنادِهِ، ولم يتابعْ عليه)).
نقله عنه البيهقيُّ، ثم أسندَ عن ابنِ مَعِينٍ قوله:((سلمة الأحمر ليسَ بشيءٍ)) (الخلافيات عقب الحديث 2/ 203).
الطريق الثالث: عن زينب السهمية عن عائشة:
رواه أحمدُ (24329)، وابنُ أبي شيبةَ -وعنه ابن ماجه (506) -: عن محمد بن فضيل،
ورواه الدارقطنيُّ في (سننه 506) من طريق عباد بن العوام،
ورواه في (العلل 9/ 162) من طريق زفر بن الهذيل،
ورواه البيهقيُّ في (الخلافيات 446) من طريق عبد الواحد بن زياد،
(1)
وروى الحاكمُ عنه توثيقه! ! ، ونخشى أن يكون ذلك وهمًا من الحاكم، فقد ضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ في (العلل) و (السنن)، بل وذكره في (الضعفاء والمتروكين 241)، وهذا يعني أنه متروكٌ عنده.
أربعتهم: عن الحجاج عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة قالت: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يُقَبِّلُ وَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ))، وزاد عند ابن ماجه:((وَرُبمَا فَعَلَهُ بِي)).
والحجاج هو ابنُ أرطاة، ضعيفٌ مدلسٌ، وقدِ اختُلِفَ عليه:
فرواه الطبريُّ في (التفسير 7/ 74) من طريق حفص بن غياث عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن زينبَ مرسلًا.
والموصولُ هو الصوابُ، فإن لم يكنْ هذا الاختلاف من حفصٍ، فهو من حجاجٍ نفسه.
وقد قال أبو حَاتمٍ، وأبو زرعة عن هذا الحديثِ:"الحجاجُ يُدَلِّسُ في حديثِهِ عن الضعفاءِ، ولا يحتجُّ بحديثِهِ"(العلل لابن أبي حاتم 109).
وقال الحاكمُ: "هذا إسنادٌ لا تقومُ به الحجةُ؛ فإن حجاجَ بنَ أرطاةَ -على جلالةِ قدره- غير مذكور في الصحيح، وزينب السهمية ليس لها ذكر في حديث آخر"(الخلافيات 2/ 176).
قلنا: حجاج قد تابعه الأوزاعي:
فرواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في (مصنفه 514) عن الأوزاعيِّ قال: أخبرني عمرو بن شعيب عن امرأة سمَّاها أنها سمعتْ عائشةَ تقولُ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ، وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فَيُقَبِّلُنِي، ثُمَّ يُصَلِّي فَمَا يُحْدِثُ وُضُوءًا)).
وهذه المرأةُ التي نَسِيَ اسمها الراوي هي زينب، صرَّحَ بذلك ابنُ أبي العشرين في روايته عن الأوزاعيِّ:
فرواه الدارقطنيُّ (سننه 505) من طريق عبد الحميد، ثنا الأوزاعي، نا
عمرو بن شعيب، عن زينبَ، ((أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَبِّلُ امْرَأَتَهُ وَيَلْمِسُهَا، أَيَجِبُ عَلَيْهِ الوُضُوءُ؟ فَقَالَتْ: لَرُبَّمَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَنِي ثُمَّ يَمْضِي فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
وتابعه عليه عثمان بن عَمرو بن ساج عن الأوزاعيِّ، ذكره الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 162).
فنخلص من هذا كلِّه بأن الحديثَ ثابتٌ عن عمرِو بنِ شُعَيبٍ من روايةِ الأوزاعيِّ، والأوزاعيُّ إمامٌ مشهورٌ، وعمرُو بنُ شُعيبٍ صدوقٌ.
فانحصرتْ علةُ هذا الطريقِ في زينبَ السهميةِ.
وبها أعلَّهُ الدارقطنيُّ، فقال:"زينبُ هذه مجهولةٌ ولا تقومُ بها حجةٌ"، وأقرَّه: البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 177)، والذهبيُّ في (الميزان 3039)، وذكرها أيضًا في فصل النسوة المجهولات (الميزان 10962).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "لا تُعْرفُ"(الاستذكار 3/ 53).
وقال الحافظُ: "لا يُعْرفُ حالُها"(التقريب 8597).
وذكر مغلطايُ في (شرح ابن ماجه 2/ 92)، وابنُ حَجرٍ في (تهذيب التهذيب 12/ 422) أنَّ ابنَ حِبَّانَ ذكرها في (الثقات)
(1)
، ولذا قال مغلطايُ:"فزالَ عنها -بحمد الله- اسمُ الجهالةِ، وصَحَّ حديثُها على هذا، لما أسلفناه من متابعاتٍ وشواهدَ"(شرح ابن ماجه 2/ 92).
(1)
((لم نقف عليه في المطبوع من كتاب (الثقات) لابن حبان، وقد ذكر الدكتور عبد المعطي قلعجي في حاشية كتاب (الاستذكار 3/ 53) أنه موجود في كتاب (ترتيب ثقات ابن حبان) للهيثمي الترجمة رقم (16171)، والله أعلى وأعلم.
وصنيعه هذا أفضل حالًا من صنيعِ الزيلعيِّ حينما عقب على طريقها هذا من رواية حجاج فقال: "هذا سندٌ جيدٌ"(نصب الراية 1/ 73).
قلنا: والذي عليه أهلُ التحقيقِ أن تفرُّدَ ابنِ حِبَّانَ بالتوثيقِ لا يعتبرُ، لما عُرِفَ عنه من توثيقِ المجاهيلِ.
هذا وقد أعلَّهُ الدارقطنيُّ بأمرٍ آخرَ:
فقال: "ورواه محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، فقال: (عن مجاهد، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ في رَمَضَانَ) وهذا أَصَحُّ من الذي تقدَّمَ، والله أعلم"(العلل 9/ 162).
الطريق الرابع: عن إبراهيمَ التيميِّ، عن عائشةَ:
رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ (516) -ومن طريقه الدارقطنيُّ في (سننه 501)، والبيهقيُّ في (الكبرى 616) -: عن الثوريِّ، عن أبي روق، عن إبراهيمَ التيميِّ، عن عائشةَ:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُقَبِّلُ بَعْدَ الوُضُوءِ، وَلَا يُعِيدُ))، أَوْ قَالَتْ:((ثُمَّ يُصَلِّي)).
ورواه أحمدُ (25767)، وابنُ أبي شيبةَ في (مصنفه 489) عن وكيعٍ،
ورواه أبو داود (177)، والنسائيُّ في (الصغرى 175)، و (الكبرى 198) من طريق ابن مهدي، قَرَنَهُ أبو داود بالقطان،
ورواه الدارقطنيُّ في (سننه 500) من طريق أبي عاصم النبيل وغندر قَرَنَهُما بابنِ مهديٍّ ووكيعٍ،
ورواه الدارقطنيُّ في (سننه 502) من طريقِ قَبِيصةَ، كلهم عن الثوري به بألفاظ متقاربة.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخين غير أبي روق، واسمه: عطية بن الحارث، روى له أصحابُ السننِ خلا الترمذي، وهو صدوقٌ (التقريب 4615).
ولكن هذا الإسنادُ منقطعٌ، إبراهيمُ التيميُّ لم يسمعْ من عائشةَ.
وبهذا أعلَّهُ غَيرُ واحدٍ منَ الأَئمةِ:
فقال أبو داود -عقبه-: "وهو مرسلٌ، إبراهيمُ التيميُّ لم يسمعْ من عائشةَ شيئًا".
وقال الترمذيُّ: "وهذا لا يصحُّ أيضًا، ولا نعرفُ لإبراهيمَ التيميِّ سماعًا من عائشةَ"(الجامع 1/ 330).
وقال النسائيُّ -عقبه في (الصغرى) و (الكبرى) -: "ليس في هذا البابِ حديثٌ أحسن من هذا الحديثِ، وإن كان مرسلًا".
وقال الدارقطنيُّ -عقبه-: "لم يروه عن إبراهيمَ التيميِّ غير أبي روق عطية بن الحارث، ولا نعلمُ حَدَّثَ به عنه غير الثوري وأبي حنيفة، واختلفُ فيه:
فأسنده الثوري عن عائشة، وأسنده أبو حنيفة عن حفصة، وكلاهما أرسله.
وإبراهيم التميمي لم يسمعْ من عائشةَ ولا من حفصةَ ولا أدرك زمانهما" (سنن الدارقطني 1/ 256/ عقب رقم 500).
وقال الحاكمُ أبو عبد الله -عقبه-: ((هذا إسنادٌ لا تقومُ عليه الحجة، فإنه مرسلٌ، لم يسمع إبراهيم التيمي من عائشة ولم يرها،
…
)) (الخلافيات للبيهقي 2/ 172).
وقال البيهقيُّ: "وهذا مرسلٌ؛ إبراهيمُ التيميُّ لم يسمعْ من عائشةَ، قاله أبو داود وغيرُهُ من الحفاظ"(معرفة السنن والآثار 1/ 378).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "وهو مرسلٌ لا خلافَ فيه؛ لأنه لم يسمعْ إبراهيمَ التيميَّ، عن عائشةَ"(الاستذكار 3/ 53).
قلنا: وقد أعلَّهُ جماعةٌ بأبي روق الراوي عن إبراهيمَ التيميِّ:
فقال الحاكمُ أبو عبد الله -عقب حديث أبي روق-: ((هذا إسنادٌ لا تقومُ عليه الحجةُ، فإنه مرسلٌ،
…
وأبو رَوقٍ فيه نظر)) (الخلافيات للبيهقي 2/ 172).
وقال ابنُ حَزمٍ: "وهذا حديثٌ لا يصحُّ؛ لأن راويه أبو روق وهو ضعيفٌ"(المحلى 1/ 245).
وقال البيهقيُّ: ((وهذا أيضًا فاسدٌ من وجهين: أحدهما: أنه مرسلٌ، إبراهيم التيمي لم يلقَ عائشة. والآخر: أن أبا روق عطية بن الحارث هذا لا تقومُ به الحجةُ))، ثم أسندَ من طريقِ الدُّوريِّ عن ابنِ مَعِينٍ أنه قال:"أبو روق ليس بثقة"! (الخلافيات 2/ 171 - 173).
وقال في (المعرفة 1/ 378): "وأبو روق ليسَ بالقويِّ، ضَعَّفَهُ يحيى بنُ مَعِينٍ وغيرُهُ".
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "ولم يروه أيضًا غير أبي روق وليس فيما انفردَ به حجةٌ"(الاستذكار 3/ 53).
قلنا: وهذا غير مسلم قطعًا، فقد أثنى على أبي روق جمهورُ النقادِ، فقال أبو داود:"سمعتُ أحمدَ يقولُ: أبو روق مقاربُ الحديثِ ثقةٌ"(سؤالات أبي داود 390)، وفي رواية عن أحمد:"ليس به بأس" (الجرح والتعديل
6/ 382)، وكذلك قال النسائيُّ، ويعقوبُ بنُ سفيانَ:(تهذيب التهذيب 7/ 224)، وقال أبو حَاتمٍ:"صدوقٌ"، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 10052)، ولذا قال الحافظُ ابنُ حَجرٍ:"صدوقٌ"(التقريب 4615).
وأما ما أسنده البيهقيُّ عن ابنِ مَعِينٍ، فغير معروفٍ عنه، بل المنقولُ عنه أنه قال فيه:"صالح"، كذا رواه إسحاقُ بنُ منصورٍ عن ابنِ مَعِينٍ، انظر (الجرح والتعديل 6/ 382)، وليس في (تاريخ الدوري) المطبوع شيءٌ مما ذكره البيهقيُّ، ولو كان محفوظًا عنه، فما ذكرناه عن أحمدَ وغيره منَ الأَئمةِ هو المعتمدُ، لاسيما مع اختلافِ النقلِ عن ابنِ مَعِينٍ، والله أعلم.
فإن قيلَ: لم ينفردِ البيهقيُّ بقوله عن أبي روق: "لا تقوم به الحجة"، فقد قال نحوها ابنُ عبدِ البرِّ.
فالجواب أن ابنَ عبدِ البرِّ قال أيضًا: "ولم يروه أيضًا غير أبي روق وليس فيما انفردَ به حجةٌ، وقال الكوفيون: أبو روق ثقة، ولم يذكره أحدٌ بجرحة، ومراسيل الثقات عندهم حجة، وإبراهيمُ التيميُّ أحدُ العبادِ الفُضلاءِ"(الاستذكار 1/ 257).
هذا كلامه، وقد نصَّ على أنه لم يذكره أحدٌ بجرحة، ومع ذلك فقد تعقبه مغلطاي في قوله:(وليس فيما انفرد به حجة) بقول ابنِ عبدِ البرِّ نفسِه في موضعٍ آخر: "هو عندهم صدوقٌ ليسَ به بأس صالح الحديث"(شرح ابن ماجه 2/ 90، 91).
فانحصرتْ علةُ هذا الطريقِ: في الانقطاعِ بين إبراهيمَ التيميِّ وعائشةَ، مع كونِ المحفوظِ عن عائشةَ -مما بلغَ حدَّ التواترِ عنها-:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ))، ليس فيه الوضوء.
قلنا: ووصله بعضُهم عن الثوريِّ عن أبي رَوقٍ عن إبراهيمَ عن أبيه عن عائشةَ، قال الدارقطنيُّ:((وقد رَوى هذا الحديثَ معاويةُ بنُ هشامٍ، عن الثوريِّ، عن أبي رَوقٍ، عن إبراهيمَ التيميِّ، عن أبيه، عن عائشةَ، فوصلَ إسنادَهُ. واختُلِفَ عنه في لفظِهِ؛ فقال عثمان بن أبي شيبة عنه بهذا الإسنادِ: ((إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ))، وقال عنه غير عثمان:((إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَلَا يَتَوَضَّأُ))، والله أعلم)) (السنن 1/ 256).
ورواية عثمان: أخرجها الدارقطنيُّ في (السنن 504) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 445) - قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا عثمان بن أبي شيبة، نا معاوية بن هشام، نا سفيان الثوري، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة:((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ)).
ولم نقفْ على الروايةِ التي فيها ذكر الوضوء.
وعلى كلِّ حَالٍ، هذه الروايةُ معلولةٌ بروايةِ الجماعةِ عن الثوريِّ بدون ذكر (عن أبيه) بين إبراهيمَ وعائشةَ. كذا رواه يحيى القطانُ، وابنُ مَهديٍّ، ووكيعٌ، وعَبْدُ الرَّزَّاقِ، والفريابيُّ، وغيرُهُم من أصحابِ الثوريِّ.
وخالفهم جميعًا معاوية بن هشام، وهو:"صدوقٌ له أوهامُ" كما في (التقريب 6771). فمثلُه لا يحتملُ منه التفرد، فكيف بمخالفة هؤلاء الجبال الأثبات؟ !
وذكرَ الدارقطنيُّ متابعةً تالفةً لمعاويةَ بنِ هِشامٍ، فقال: "ورواه إبراهيم بن هراسة، عن الثوري، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة، نحوه، زاد فيه عن أبيه.
وتابعه معاوية بن هشام على قوله: (عن أبيه)، إلا أنه قال فيه:((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ))، فأَتى بالصوابِ عن عائشةَ" (العلل 9/ 146).
قلنا: وإبراهيم بن هراسة الشيباني متروكٌ متهمٌ بالكذبِ، ينظر ترجمته في (لسان الميزان 339).
وقال الدارقطنيُّ أيضًا: "ورواه الثوري، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقال معاوية بن هشام: عن الثوري، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة، وقول الثوري أشبه بالصواب"(العلل 9/ 200/ 3947).
وقال البيهقيُّ: "ورواه معاوية بن هشام، وليس بالقوي، عن سفيان، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة، واختلف عليه في متنه فقيل عنه: في قُبلةِ الصَّائمِ. وقيل عنه: في تركِ الوضوءِ منها"(معرفة السنن والآثار 1/ 379).
وأشارَ لذلك أيضًا أبو داود، حيث قال -عقب الطريق السابق-:((هو مرسلٌ؛ إبراهيمُ التيميُّ لم يسمعْ من عائشةَ. كذا رواه الفريابيُّ وغيرُهُ)).
قال صاحب (عون المعبود 1/ 208): "وغرض المؤلف من إيراد هذه الجملة -يعني قوله (كذا رواه الفريابي وغيره) - أن أكثرَ الحفاظِ من أصحابِ الثوريِّ كيحيى بنِ سعيدٍ القطانِ، وعبدِ الرحمنِ بنِ مهديٍّ، ومحمدِ بنِ يوسفَ الفريابيِّ، ووكيعٍ وغيرهم، رووه هكذا عن سفيانَ مرسلًا غير موصول وفيه تعريضٌ على مَن وصله من بعضِ أصحابِ الثوريِّ، كمعاويةَ بنِ هشامٍ".
وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "رواه الدارقطنيُّ من وجهٍ آخرَ عن الثوريِّ فقال
فيه: (عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة)، لكن إسنادُهُ ضعيفٌ" (الدراية 1/ 44).
وأما ابن التركماني، فاعتمدَ على هذا الطريقِ في تصحيحِ الحديثِ، فقال:"ومعاويةُ هذا أخرجَ له مسلمٌ في (صحيحه) فزالَ بذاك انقطاعه"(الجوهر النقي 1/ 125).
وقال مغلطايُ -متعقبًا ابنَ عبدِ البرِّ في قوله السابق عن طريقِ إبرهيمَ عن عائشةَ: (هو مرسل بلا خلاف) -: "وأما إجماعهم على إرساله فليس كذلك؛ لما ذكره أبو الحسن في (سننه) مسندًا من طريق صحيحة، فقال: ورواه معاوية بن هشام -يعني: المخرج حديثه في صحيح مسلم- عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم عن أبيه -يعني: المخرج حديثه في الصحيحين- عنها، فوصلَ إسنادَهُ)) (شرح سنن ابن ماجه 2/ 91).
قلنا: وقولهما فيه نظر ظاهر؛ فهي على فرض صحتها، فالذي وقفنا عليه عن معاوية بن هشام به ليس فيه الوضوء، فلا يصحُّ التعلق بها حينئذٍ وتصحيح حديث الوضوء لأجلها، فكيف وهذه الرواية الموصولة محضُ وهمٍ؟ ! .
الطريق الخامس: عن أبي سلمة عن عائشة:
أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط 4385): حدثني عبد الله بن العباس بن الوليد قال: حدثني أبي قال: أخبرني محمد بن شعيب بن شابور قال: نا سعيد بن بشير، عن منصور بن زاذان، عنِ الزهريِّ، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت:((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُنِي ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
وأخرجه الطبرانيُّ -أيضًا- في (الأوسط 4686) قال: حدثنا أبو زرعة،
قال: حدثنا محمد بن بكار، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن منصور بن زاذان، عنِ الزهريِّ، عن أبي سلمة، عن عائشة:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
وأخرجه الدارقطنيُّ في (السنن 485)، وابنُ عبدِ البرِّ في (الاستذكار 3/ 50): من طريق سعيد بن بشير، به نحوه.
وقال الطبرانيُّ -بإثر رقم (4385) -: "لم يرو هذا الحديث عن منصور إلا سعيد بن بشير، ولم يروه عنِ الزهريِّ إلا منصور".
وقال في الموضع الآخر: "لم يرو هذا الحديث عنِ الزهريِّ إلا منصور، تفرَّدَ به سعيد بن بشير".
قلنا: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: سعيد بن بشير وهو ضعيفٌ. وقد خُولِفَ فيه:
فقد رواه الثقاتُ الأثباتُ من أصحابِ الزهريِّ عنه عن أبي سلمةَ، عن عائشةَ، قَالَتْ:((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ)).
كذا رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في (المصنف 7540) عن معمرٍ وابنِ جُريجٍ، عنِ الزهريِّ به.
وبهذا أعلَّهُ أبو حَاتمٍ الرازيُّ؛ فقال: ((هذا حديثٌ منكرٌ لا أصلَ له من حديثِ الزهريِّ، ولا أعلم منصور بن زاذان سمع منَ الزُّهْريِّ، ولا روى عنه. إنما أراد: الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة: (أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ))).
قال عبد الرحمن: قلتُ لأبي: الوهم ممن هو؟ قال: ((من سعيد بن بشير)) (علل الحديث 1/ 565/ 108).
وقال الدارقطنيُّ -عقبه-: ((تفرَّدَ به سعيد بن بشير، عن منصور، عنِ الزهريِّ، ولم يتابعْ عليه، وليس بقويٍّ في الحديثِ، والمحفوظُ عنِ الزهريِّ، عن أبي سلمةَ، عن عائشةَ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ)). وكذلك رواه الحفاظُ الثقاتُ: عنِ الزهريِّ، منهم معمرٌ، وعقيلٌ، وابنُ أبي ذِئْبٍ. وقال مالكٌ عنِ الزهريِّ:(في القُبلةِ الوُضُوءُ)
(1)
، ولو كان ما رواه سعيدُ بنُ بَشيرٍ، عن منصورٍ، عنِ الزهريِّ، عن أبي سلمةَ، عن عائشةَ صحيحًا، لما كان الزهري يفتي بخلافه، والله أعلم)) اهـ.
وقال البيهقيُّ: ((وروي عن سعيد بن بشير -وهو ضعيفٌ-، عن منصور بن زاذان، عنِ الزهريِّ، عن أبي سلمة، عن عائشة،
…
ولا يصحُّ شيءٌ من ذلك، وكيف يكون ذلك من جهة الزهري صحيحًا، ومذهبُ الزهريِّ بخلافه)) (معرفة السنن والآثار 1/ 381).
وقال في (الخلافيات 2/ 179): ((تفرَّدَ به: سعيدُ بنُ بشيرٍ وليسَ بالقويِّ)).
الطريق الخامس: عن علي بن حسين، عن عائشة:
أخرجه أبو علي الرفاء في (فوائده 15) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن وهب، حدثني محمد بن عيسى الدامغاني، حدثنا حكام بن سلم، حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن ذكوان، عن علي بن حسين، عن عائشة:((أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُقبِّلُ وهو صَائِمٌ، ويُقبِّلُ ولَا يَتَوَضَّأُ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ منكرٌ؛ فيه: محمد بن عيسى الدامغانيُّ، قال أبو حَاتمٍ:((يكتبُ حديثُه)) (الجرح والتعديل 8/ 39)، وقال الحافظُ:((مقبولٌ)) (التقريب
(1)
رواه مالكٌ في (الموطأ 108) -ومن طريقه الدارقطني في (السنن 487) -: عَنِ ابنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:((مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الوُضُوءُ)).
6205) يعني إذا توبع وإلا فلينٌ، ولم يتابعْ على روايتِهِ هذه.
وحكام بن سلم: "ثقةٌ له غرائبُ"، كما في (التقريب).
وقد خُولِفَ في هذا الحديثِ؛ فقد روى هذا الحديثَ عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري بهذا الإسنادِ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ))، ولم يذكر الوضوء. كما عند أحمد (25800)، ومسلم (1106/ 72)، وغيرهما.
وتابع الثوري: ابن أبي الزناد في (مسند الطيالسي 1626) عن أبيه بسنده ومتنه سواء.
وبهذا أعلَّ الدارقطنيُّ هذا الطريقَ، فقال: ((حَدَّثَ به حَكَّامُ بنُ سلم
(1)
، عنه ولَم يَروِه عنه غير محمد بن عيسى الدامغاني، ووَهِم فيه هو أَو حَكَّامٌ، والمَحفُوظُ بهذا الإسنادِ عن الثَّوري:(أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ) فقط. وكَذلك رواه ابنُ أَبي الزِّنادِ، عن أَبيه، عن علي بن حُسيَن، عن عائِشة، وهو الصَّوابُ)) (العلل 3864).
قلنا: والوهم أقرب إلى الدامغاني، فلم يُوثَّقْ، بخلاف حكَّام بن سلم فقد وَثَّقَهُ جماعةٌ وروى له مسلمٌ، وأما وصف حديثِهِ بالغرابةِ فقد قيلَ هذا في روايته عن عنبسةَ وحده، والله أعلم، وانظر (تهذيب التهذيب 735).
الطريق السادس: عن أبي الصديق، عن عائشة:
رواه ابنُ أبي حَاتمٍ في (العلل 1/ 642/ 166) قال: سمعتُ أبي وذكرَ حديثًا حدثنا به عن محمد بن عبد الله بن بكر الصنعاني، عن أبي سعيد
(1)
في مطبوع العلل: (مُسلم)، والصواب المثبت، كما في مصادر التخريج، وكتب التراجم.
مولى بني هاشم، قال: حدثنا أبو سلام، عن زيدٍ العميِّ، عن أبي الصديقِ، عن عائشةَ:((أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَهَا، ثُمَّ مَضَى لوَجْهِهِ، ولم يُحْدِثْ وُضُوءًا)).
وسمعتُ أبي يقولُ: ((أبو سلام هذا هو خطأ؛ إنما هو سلام الطويل، والحديثٌ منكرٌ، وسلام متروكُ الحديثِ)).
وقد ضَعَّفَ الخبرَ، بخلافِ مَن تقدَّمَ ذكرُهم في ثنايا التحقيق:
ابنُ قدامةَ المقدسيُّ؛ حيثُ قال: "وأما حديثُ القُبْلَةِ فكلُّ طرقه معلولةٌ"(المغني 1/ 258).
وقال العظيم آبادي: "وحديثُ البابِ ضعيفٌ"(عون المعبود 1/ 207).
ومع ما تقدَّمَ فقد صَحَّحَ الحديثَ غَيرُ واحدٍ منَ العلماءِ:
فَصَحَّحَهُ الطبريُّ في (التفسير 7/ 73)، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الكبرى 1/ 430) -وأقرَّهُ ابنُ المُلقِّنِ في (غاية السول 1/ 180) -، وأبو الحسنِ بنُ الحَصَّارِ كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 87)، وشيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في (شرح العمدة 1/ 314، 315)، وابنُ التركمانيِّ في (الجوهر 1/ 126)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 72)، ومغلطايُ في (الإعلام 2/ 84)، والسيوطيُّ في (الجامع الصغير 6981، 7124)، ونورُ الدينِ السنديُّ في (حاشيته على سنن النسائيُّ 1/ 104)، والشوكانيُّ في (نيل الأوطار 1/ 224)، والمباركفوريُّ في (تحفة الأحوذي 1/ 237)، وأحمد شاكر في (تحقيقه للترمذي 1/ 135 - 142)، والألبانيُّ في (صحيح سنن أبي داود 172).
وقد قال ابنُ عبدِ البرِّ: "وَصَحَّحَهُ الكوفيون"، ولم يُسمِّ أحدًا. (الاستذكار 3/ 52).
والراجحُ لدينا: ضَعْفُهُ، كما ذهبَ لذلك جمهورُ النقادِ، وأن كلَّ طرقه معلولةٌ أو واهيةٌ لا تصلحُ للتقويةِ، ولا تنهضُ للاعتبارِ، والله تعالى أعلم.
رواية: ((لَيسَ في القُبْلَةِ وُضُوءٌ)):
• وفي روايةٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ: ((إِنَّ القُبْلَةَ لَا تَنْقُضُ الوُضُوءَ، وَلَا
(1)
تُفْطِرُ الصَّائِمَ))، وَقَالَ:((يَا حُمَيْرَاءُ إِنَّ فِي دِينِنِا لَسَعَةً)).
• وفي روايةٍ مختصرةٍ، أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((لَيسَ في القُبْلَةِ وُضُوءٌ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ، وَضَعَّفَهُ: ابنُ راهويه، والبيهقيُّ، والذهبيُّ، والألبانيُّ.
ونقلَ ذلك ابنُ عبدِ البرِّ عن الحجازيين ولم يُسَمِّ أحدًا.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حق 673 (واللفظ له) / هقخ 465].
تخريج السياقة الثانية: [قط 490، 491 (معلقًا) / هقخ 466، 468 (معلقًا)].
[السند]:
أخرجه إسحاق بن راهويه في (المسند) -ومن طريقه البيهقيُّ في
(1)
في الخلافيات: "أو لا"، بالشك، وليس بالعطف، ولعلَّه أصح، ويشهدُ له كلام ابن راهويه وتلميذه عقب الحديث.
(الخلافيات) - قال: أخبرنا بقية بن الوليد، حدثني عبد الملك بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به.
وعَلَّقَهُ الدارقطنيُّ في (السنن 490) فقال: ذكره ابنُ أبي داود قال: نا ابن المصفى، حدثنا بقية، عن عبد الملك بن محمد، به.
وعَلَّقَهُ البيهقيُّ أيضًا في (الخلافيات)، فقال:"رواه ابنُ مُصَفَّى عن بقيةَ بإسنادِهِ"، ثم ذكره.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: عبد الملك بن محمد، قال الدارقطنيُّ:"ضعيفٌ"(الميزان 2/ 663)، و (اللسان 4926).
وبه أعلَّهُ البيهقيُّ، وذكر أنه الصنعانيُّ الذي قال فيه ابنُ حِبَّانَ:"كان ممن يجيبُ في كلِّ ما يسألُ حتى تفرَّدَ عن الثقاتِ بالموضوعاتِ لا يجوزُ الاحتجاجُ بروايتِهِ"(المجروحين 2/ 118)، وانظر (الخلافيات 2/ 191).
وقال إسحاقُ ابنُ راهويه -عقب الحديث-: "أخشى أن يكون غلط"، وقال أبو محمد النيسابوريُّ -راوي المسند عنه-:"في المرة الأولى غلط".
يعني: أنه أخطأ في قوله الأول: ((لَا تَنْقُضُ الوُضُوءَ))، وإنما هو في الصائمِ فقط، وتعبيره بالمرةِ يرجح أن الصوابَ في سياق الحديث ما عند البيهقيِّ على الشَّكِّ، بلفظ:((لَا تَنْقُضُ الوُضُوءَ أو لَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ))، والله أعلم.
وأما إعلالُ البيهقيِّ له ببقيةَ بنِ الوليدِ فلا مجالَ له لأن بقيةَ ثقةٌ في نفسِه، وإنما يُخشى من تدليسه، وهو قد صرَّحَ بالسماعِ من شيخِهِ عندَ ابنِ راهويه، ولا يُشترطُ ذكره الخبر في جميعِ الطبقاتِ، لأنه ليس ممن يسوي الخبر كما بَيَّنَاهُ في غيرِ ما موضع.
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "ورُوي عن هشامِ بنِ عروةَ، عن أبيه، عن عائشة: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَبَّلَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ:((إِنَّ القُبْلَةَ لَا تَنْقُضُ الوُضُوءَ)).
وهذا عند الحجازيين خطأ، وإنما هو:((لَا تَنْقُضُ الوُضُوءَ)) " (الاستذكار 3/ 52).
وأما قولُ الذهبيِّ: "عبد الملك بن محمد عن هشام عن أبيه عن عائشة
…
، وعنه بقية بعَن"، يعني: عنعنه، مشيرًا إلى روايةِ الدارقطنيِّ المعنعنةِ، فلعلَّه لم يقفْ على رواية ابن راهويه.
والحديثُ ضَعَّفَهُ الألبانيُّ في (الضعيفة 999).
وقد وقفنا على متابعةٍ له بهذا اللفظِ:
قال الدارقطنيُّ في (السنن 491) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 468) -: وذكره ابنُ أبي داود، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن المرزبان، نا هشام بن عبيد الله، نا محمد بن جابر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا.
والذي ذكره قبله من روايةِ ابنِ أبي داودَ بلفظ: ((لَيْسَ فِي القُبْلَةِ وُضُوءٌ)). وكذا أشار البيهقيُّ.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ محمدُ بنُ جابرٍ، وهو ابنُ سيارٍ اليماميُّ: وَاهٍ؛ قال عنه أحمدُ: "لا يُحَدِّثُ عنه إلا شرٌّ منه"، وقال أيضًا:"كان محمدُ بنُ جابرٍ ربما ألحق -أو يلحق- في كتابه يعني الحديث"، وقال ابنُ مَعِينٍ:"ليسَ بثقةٍ"، وفي روايةٍ:"ليسَ بشيءٍ"، وقال أبو زرعةَ:"ساقطُ الحديثِ عندَ أهلِ العلمِ"، وقال عمرٌو الفلاسُ:"متروكُ الحديثِ"، وقال البخاريُّ:"ليسَ بالقويِّ يتكلمونَ فيه، روى مناكيرَ"، وقال أبو داود:"ليسَ بشيءٍ"،
وقال النسائيُّ وجماعةٌ: "ضعيف". ينظر (تهذيب التهذيب 9/ 88 - 89).
وقال الحافظُ: "صدوقٌ ذهبتْ كتبُهُ فساءَ حفظه وخلط كثيرًا وعَمِيَ فصارَ يُلَقَّن"(التقريب 5777).
قلنا: بل الكلام في محمد بن جابر أشد من ذلك، والله أعلم.
2297 -
حديث أم سلمة:
◼ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ لَا يُفْطِرُ، وَلَا يُحْدِثُ وُضُوءًا)).
• وفي رواية (2)، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ:((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَا يُحْدِثُ وُضُوءًا)).
• وفي رواية (3): ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ نِسَاءَهُ في رَمَضَانَ، وما يجددُ وُضُوءًا)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، وَضَعَّفَهُ: مغلطايُ، وابنُ حَجرٍ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [طبر (7/ 74) (واللفظ له) / عيل (كثير- مغلطاي 2/ 92 - 93)].
تخريج السياق الثاني: [طس 3805 (واللفظ له)].
تخريج السياق الثالث: [حنف (حارثي 186)].
[التحقيق]:
له طريقان:
الأول: رواه الطبريُّ في (التفسير) قال: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني يزيد بن سنان، عن عبد الرحمن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أم سلمة، به بلفظ السياق الأول.
ورواه الإسماعيليُّ في (حديث يحيى بن أبي كثير) من طريق يزيد بن
سنان، به مثله.
وأخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط) قال: حدثنا علي بن سعيد، قال: نا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، قال: نا أبي،
…
به. بلفظ السياق الثاني.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: يزيد بن سنان بن يزيد التميميُّ الجزريُّ أبو فروةَ، قال ابنُ حَجرٍ:"ضعيف"(التقريب 7727).
وبه أعلَّهُ مغلطايُ في (شرح ابن ماجه 2/ 93)، وابنُ حَجرٍ في (الدراية 1/ 45، 46).
بينما قال الهيثميُّ: "فيه يزيدُ بنُ سنانٍ الرهاويُّ، ضَعَّفَهُ أحمدُ، ويحيى، وابنُ المديني، ووَثَّقَهُ: البخاريُّ، وأبو حَاتمٍ، وثبَّته: مروان بن معاوية، وبقية رجاله موثَّقون"! (المجمع 1280).
الطريق الثاني:
أخرجه أبو محمدٍ الحارثيُّ في (مسند أبي حنيفة) قال: كتبَ إليَّ أبو سعيدٍ البصريُّ النجيرميُّ، حدثنا هانئ
(1)
بن منصور الجرجاني، حدثنا الحسن بن زياد، حدثنا أبو حنيفة، عن سليمان بن يسار، عن أمِّ سلمةَ، به.
وهذا إسنادٌ ساقطٌ؛ مسلسَلٌ بالعِللِ:
الأُولى: الحسن بن زياد اللُّؤْلُؤي الكوفي؛ وهو متروكٌ كذَّابٌ؛ كذَّبه يحيى بنُ مَعِينٍ، وابنُ نُمَير، وأبو داود، ويعقوبُ بنُ سفيانَ، والساجيُّ، وغيرُهُم. وقال ابنُ المَدِيني:"لا يُكتبُ حديثُهُ"، وقال أبو حَاتمٍ والنسائيُّ:"ليس بثقةٍ، ولا مأمون"، وقال الدارقطنيُّ:"ضعيفٌ متروكٌ". انظر (لسان الميزان
(1)
في (جامع المسانيد للخوارزمي 1/ 246): "علي بن منصور".
2278).
الثانية: أبو حَنيفةَ النُّعْمانُ بنُ ثابتٍ؛ فهو وإن كان إمامًا في الفقهِ، إلا أنه ضعيفٌ في الحديثِ، قال عنه الإمامُ البخاريُّ:"سكتوا عنه وعن رأيهِ وعن حديثِهِ"(التاريخ الكبير 8/ 81)، وقال ابنُ عَدِيٍّ -بعد أن سَبَر مروياتِه-:"عامَّةُ ما يرويه غلطٌ وتصاحيفُ وزياداتٌ في أسانيدِهِا ومتونِهِا، وتصاحيفُ في الرجالِ، وعامَّةُ ما يرويه كذلك، ولم يصحَّ له في جَميعِ ما يرويه إلا بضعةَ عشرَ حديثًا"(الكامل 10/ 133)، وقال ابنُ حِبَّانَ:"وكان رجلًا جَدِلًا ظاهرَ الورعِ، لم يكنِ الحديثُ صناعتَه، حَدَّثَ بمئةٍ وثلاثين حديثًا مسانيدَ، ما له حديثٌ في الدنيا غيرُها، أخطأَ منها في مئةٍ وعشرين حديثًا، إما أن يكون أقلب إسنادَهُ، أو غيَّر متْنَه من حيثُ لا يعلم! فلما غلب خطؤُه على صوابه؛ استحق ترْك الاحتجاجِ به في الأخبارِ"(المجروحين لابنِ حِبَّانَ 2/ 405 - 406). وانظر أيضًا (الجرح والتعديل 8/ 449)، و (الضعفاء للعقيلي 1881)، وغير ذلك.
الثالثة: هانئ بنُ منصورٍ الجرجانيُّ لم نجدْ لَهُ ترجمةً.
الرابعة: أبو سعيدٍ البصريُّ النجيرميُّ
(1)
؛ شيخٌ متأخرٌ ساقطٌ، قال عنه ابنُ حِبَّانَ: "رأيتُه قد وضعَ على أبي حنيفةَ أكثر من ثلاث مئة حديث ما لم يحدثْ به أبو حنيفة قط، لا نُحبُّ أن يشتغلَ بروايتِهِ. فقلتُ له: يا شيخ اتقِ اللهَ ولا تكذبْ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فما زادني على أن قال لي: لستَ مِني في حلٍّ، فقمتُ وتركتُه، وإنما ذكرتُه؛ لأنَّ أحدَاثَ أصحابنا يشتغلون بشيءٍ
(1)
هو أباء (بهمزة في آخره) بن جعفر، وقيل:(أبان) بالنون، وقيل:(أبَا) بالألف المقصورة مع تخفيف الباء، وقيل (أبَّا) بالتشديد والقصر.
من روايتِهِ" (المجروحين 1/ 209). وقال الحسن بن علي بن غلام الزهري: "أبَّا بن جعفر
(1)
كان يضعُ الحديثَ" (لسان الميزان 1/ 231).
بل راويه أبو محمد الحارثي -المعروف بالأستاذ- قد تكلم فيه أيضًا، انظر (اللسان 4430).
[تنبيه]:
أخطأَ الزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 75) -وتبعه ابنُ حَجرٍ في (الدراية 1/ 45) -، حيثُ زعمَ أن الطبرانيَّ أخرجه من حديثِ أبي هريرةَ، وهو عنده من حديثِ أم سلمةَ وكذا في (مجمع البحرين 436)، أما حديث أبي هريرة، فهو عنده من طريقٍ آخرَ بلفظِ:((كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائمٌ))، وليس هو من رواية يزيد بن سنان.
(1)
هو أبو سعيدٍ البصريُّ النجيرميُّ.
2298 -
حديثُ حَفْصَةَ:
◼ عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُقَبِّلُ وَلَا يُحْدِثُ وُضُوءًا ((.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا معلولٌ، وأعلَّهُ: الدارقطنيُّ، وتبعه البيهقيُّ.
[التخريج]:
[قط 503 (واللفظ له) / هقخ 444/ حنف (نعيم صـ 206، 275) / حنف (خسرو 906) / حنف (طلحة - خوارزم 1/ 246) / حنف (مظفر - خوارزم 1/ 246)].
[السند]:
رواه الدارقطنيُّ -ومن طريقه البيهقيُّ- قال: حدثنا محمد بن مخلد، ثنا محمد بن الجارود القطان، نا يحيى بن نصر بن حاجب، نا أبو حنيفة، عن أبي روق الهمداني، عن إبراهيم بن يزيد، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، به.
ومداره عندهم على: يحيى بن نصر بن حاجب، عن أبي حنيفة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
الأُولى: الانقطاع بين إبراهيم بن يزيد التيمي وحفصة.
قال الدارقطنيُّ -عقب حديث عائشة المتقدم-: ((لم يروه عن إبراهيمَ التيميِّ غير أبي روق عطية بن الحارث، ولا نعلمُ حَدَّثَ به عنه غير الثوري وأبي حنيفة، واختلف فيه:
فأسنده الثوريُّ عن عائشةَ، وأسنده أبو حنيفة عن حفصةَ، وكلاهما أرسله.
وإبراهيمُ التميميُّ لم يسمعْ من عائشةَ ولا من حفصةَ ولا أدرك زمانهما" (سنن الدارقطني 1/ 256/ عقب رقم 500)، وأقرَّهُ البيهقيُّ في (المعرفة 1/ 379). وانظر (جامع التحصيل 11).
الثانية: أبو حنيفة رحمه الله مع إمامتِهِ في الفقهِ كان ضعيفًا في الحديثِ.
الثالثة: يحيى بن نصر بن حاجب، متكلَّمٌ فيه، انظر (الجرح والتعديل 9/ 193)، و (لسان الميزان 8533).
الرابعة: المخالفة؛ فقدِ اختُلِفَ فيه على أبي روق، فأسنده أبو حنيفة عن حفصة كما هنا، وخالفه الثوري، فأسنده عن عائشة كما سَبَقَ.
ولا ريبَ أن روايةَ الثوريِّ -وهو أحدُ الجبالِ الحفاظِ الأثباتِ-، مقدمةٌ على روايةِ أبي حنيفةَ.
قال الدارقطنيُّ: "والحديثُ مرسلٌ لا يثبتُ، وقولُ الثوريِّ أثبتُ من قولِ أبي حنيفةَ"(العلل 9/ 147).
قلنا: والمحفوظُ عن حفصةَ رضي الله عنها القبلة للصائم دون ذكر الوضوء؛ أخرجه مسلم (1107) وغيرُهُ: من طريق شُتَيْرِ بنِ شَكَلٍ، عن حفصةَ رضي الله عنها قالتْ:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ)).
* * *
2299 -
حديثُ أَبي أُمَامَةَ البَاهليِّ:
◼ عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهليِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ الله؛ الرجُلُ يَتَوَضَّأُ للصَّلَاةِ ثُم يُقَبِّلُ أَهْلَهُ ويُلَاعبُهَا، يَنقُضُ ذَلكَ وُضُوءَهُ؟ قَالَ:((لَا)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وأنكره: ابنُ حِبَّانَ، وابنُ عَدِيٍّ، والبيهقيُّ.
وقال ابنُ الجوزيِّ: "لا يصحُّ"، وأقرَّهُ ابنُ عبدِ الهادِي.
وَضَعَّفَهُ: الزيلعيُّ، وابنُ حَجرٍ، والسيوطيُّ.
[التخريج]:
[مجر (1/ 377) (واللفظ له) / عد (4/ 588) / علج 602/ تحقيق 173/ هقخ 487/ كر (18/ 194)].
[السند]:
أخرجه ابنُ حِبَّانَ في (المجروحين) -ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في (العلل والتحقيق) -، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات)، وابنُ عساكرَ في (التاريخ) - قالا -والسياقُ لابنِ حِبَّانَ-: حدثنا ابن قتيبة بعسقلان، حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن هبار، حدثنا آدم بن أبي إياس
(1)
، حدثنا ركن بن عبد الله، عن مكحول، عن أبي أمامة،
(1)
وقع في طبعة الرشد من (الكامل): ((آدم بن الحسين بن ناهية أبو إياس اسمه ناهية! ! ))، والصواب:((آدم أبو الحسن بن ناهية أبو إياس اسمه ناهية))، كذا رواه البيهقيُّ وابنُ عساكرَ من طريق ابنِ عَدِيٍّ، وكذا هو الموجودُ في كتبِ التراجمِ، بل كذا وَرَدَ في بعض نسخ (الكامل)، كما ذكر محققه في الحواشي، ولكنه مع هذا ترك الأصل على خطئه! ! . والله المستعان.
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: ركن بن عبد الله الشامي، وهو متروكٌ كما قال النسائيُّ والدارقطنيُّ وغيرُهُما، انظر (لسان الميزان 3/ 476).
وبه أعلَّهُ ابنُ حِبَّانَ فقال: "رَوَى عن مكحول شبيهًا بمائة حديث، ما لكثيرٍ منها أصل، لا يجوزُ الاحتجاجُ به بحالٍ، روى عن مكحولٍ عن أبي أمامةَ بنسخةٍ أكثرها موضوعٌ وعن غير أبي أمامة من الصحابة وغيرهم. منها: رَوَى عَن مكحولٍ، عَن أَبِي أمامةَ، قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ: الرجلُ يَتَوَضَّأُ للصلاةِ ثُمَّ يُقَبِّلُ أَهْلَهُ
…
الحديث" (المجروحين 1/ 377).
وأقرَّهُ ابنُ القيسرانيُّ في (تذكرة الحفاظ 1086).
وذكره ابنُ عَدِيٍّ في (الضعفاء)، ونَقلَ عن ابنِ مَعِينٍ قوله في ركن أنه:"ليسَ بشيءٍ"، وفي رواية:"ليس بثقة"، ثم روى له هذا الحديث وغيره، ثم قال:"وركن هذا له عن مكحول أحاديث غير ما ذكرته ومقدار ما له مناكير"(الكامل 4/ 588).
وقال البيهقيُّ: "وهذا إسنادٌ مجهولٌ؛ ركن الشامي تكلَّموا فيه"(الخلافيات 2/ 204).
وقال ابنُ القيسرانيُّ: "ركنٌ ليسَ بشيءٍ"(ذخيرة الحفاظ 3093).
وقال ابنُ الجوزيِّ: "هذا حديثٌ لا يصحُّ"، ثم ذكرَ كلامَ ابنِ حِبَّانَ وغيره في ركنٍ (العلل المتناهية 602)، وأقرَّهُ ابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 258).
وكذا أقرَّ بتضعيفه: الزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 75).
وقال ابنُ حَجرٍ: "أخرجه ابنُ عَدِيٍّ، وإسنادُهُ ضعيفٌ"(الدراية 1/ 45).
وقال السيوطيُّ: ((فيه ركن بن عبد الله الشامي: متروك)) (جمع الجوامع 22/ 278).
* * *
2300 -
حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ:
◼ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنه قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يُحْدِثُ وُضُوءًا)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وهو ظاهرُ صنيع البيهقيِّ.
[التخريج]:
[هقخ 448].
[السند]:
قال البيهقيُّ: أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان، حدثنا عبد الصمد بن الفضل البلخي، حدثنا شداد بن حكيم، حدثنا زفر بن الهذيل، عن العرزمي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: العرزميُّ -وهو محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان-، قال فيه الحافظُ:"متروك"(التقريب 6108).
وبه أعلَّهُ البيهقيُّ فقال: "كذا رواه العرزميُّ عنه، وهو متروكٌ"(الخلافيات 2/ 178)، ونحوه في (المعرفة 1/ 380).
قلنا: والمحفوظُ عن عمرِو بنِ شعيبٍ حديثه عن زينب السهمية عن عائشةَ، وقد سَبَقَ الكلامُ عليه ضمن طرق حديث عائشة أول الباب.
2301 -
حديثُ ابنِ عمرَ:
◼ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ [وَهُوَ صَائِمٌ]، وَلَا يُعِيدُ الوُضُوءَ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وَضَعَّفَهُ: ابنُ حِبَّانَ، وابنُ عَدِيٍّ، والحاكمُ، والبيهقيُّ، وابنُ القيسرانيُّ، والذهبيُّ، والزيلعيُّ، والعينيُّ.
[التخريج]:
[مجر (2/ 197) (واللفظ له) / عد (8/ 558) (والزيادة له) / هقخ 481].
[السند]:
رواه ابنُ حِبَّانَ في (المجروحين) قال: أخبرناه عمران بن فضالة الشعيري بالموصل، قال: حدثنا مسعود بن جويرية، قال: حدثنا عمر بن أيوب الموصلي، قال: حدثنا غالب بن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، به.
ورواه البيهقيُّ عن الحاكمِ، عن الزبير بن عبد الواحد، حدثنا عمران بن فضالة الموصلي به.
وتوبع عمران، فرواه ابنُ عَدِيٍّ عن زيد بن عبد العزيز الموصلي، حدثنا مسعود بن جويرية، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: غالبُ بنُ عُبيدِ اللهِ العُقيليُّ الجزريُّ، وهو متروكٌ كما قال الدارقطنيُّ وغيرُهُ، انظر (الميزان 3/ 331)، مع (اللسان 4/ 414).
وبه أعلَّهُ ابنُ حِبَّانَ، فذكره في (المجروحين 2/ 196) فقال:((كان ممن يروي المعضلات عن الثقات حتى ربما يَسْبِقُ إلى القلبِ أَنه كان المتعمد لها، لا يجوزُ الاحتجاجُ بخبره))، ثم ذكرَ له هذا الحديث وغيره.
وقال ابنُ عَدِيٍّ: "ولغالب غير ما ذكرت، وله أحاديث منكرة المتن مما لم أذكره"(الكامل 8/ 559).
وقال الحاكمُ -عقبه-: ((غالب بن عبيد الله: ساقطُ الحديثِ بإجماعٍ من أهلِ النقلِ فيه))، نقله عنه البيهقيُّ في (الخلافيات)، وأقرَّه، ثم ذكرَ بعضَ أقوالِ العلماءِ في ضَعْفِ غالبٍ، ثم قال:((وفي هذا غنيةٌ لمن تدبره)) (الخلافيات 2/ 200 - 202).
وقال ابنُ القيسرانيُّ: ((فيه غالب بن عبيد الله كان يُتَّهَمُ بالوضعِ)) (معرفة التذكرة صـ 174).
وعدَّه الذهبيُّ من مناكيرِهِ، فقال:((ومن مناكيرِهِ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ))، فذكر حديثين، أحدهما هذا الحديث (تاريخ الإسلام 4/ 182).
وَضَعَّفَهُ العينيُّ في (العمدة 16/ 375)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 76).
2302 -
حديثُ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ:
◼ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَجُلًا أَقْبَلَ إِلَى الصَّلاةِ، فَاسْتَقْبَلَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهَا، فَتَنَاوَلَهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَلَمْ يَنْهَهُ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[طس 7227].
[السند]:
قال الطبرانيُّ في (الأوسط): حدثنا محمد بن جابان، نا محمد بن يزيد المستملي، حدثنا أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، حدثنا زفر بن الهذيل، عن ليث بن أبي سليم، عن ثابت بن عبيد، عن أبي مسعود، به.
قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن زفر إلا أبو علي الحنفي".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: محمد بن يزيد المستملي، قال ابنُ عَدِيٍّ:"يسرقُ الحديثَ ويزيدُ فيه ويضعُ"(الكامل 9/ 405)، مع (اللسان 7560)، ومع ذلك ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 9/ 115) وقال:"ربما أخطأَ"! .
وليثُ بنُ أبي سليمٍ، وهو ضعيفٌ كما سَبَقَ مِرارًا.
وقصَّرَ الهيثميُّ، فقال:"رواه الطبرانيُّ في (الأوسط) وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلسٌ"(مجمع الزوائد 1/ 247).
وهذا خطأٌ أيضًا، فلم يصفْ أحدٌ من أئمةِ النقدِ ليثَ بنَ أبي سُليمٍ بالتدليسِ، وانظر (ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم للألباني
حديث رقم 1130)، و (طبقات المدلسين لابنِ حَجرٍ/ ملحق المحقق: ترجمة 168).
2303 -
حديثُ زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ مرسلًا:
◼ عَنْ زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:((أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ مرسلٌ.
[التخريج]:
[طبر (7/ 74)].
[السند]:
أخرجه الطبريُّ في (التفسير) قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن زينب السهمية، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإرسالِهِ فزينبُ تابعيةٌ، ثم إنها مجهولةٌ، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليها بالتفصيلِ في حديثِ عائشةَ، فإن المحفوظَ عن عمرِو بنِ شُعيبٍ:(عن زينب السهمية عن عائشة)، كما رواه الأوزاعيُّ وغيرُهُ.