المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌53 - باب تطهير الإناء من ولوغ الكلب - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٤

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌53 - بابُ تَطْهِيرِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الكَلْبِ

- ‌54 - بَابُ طَهَارَةِ طِينِ الْمَطَرِ

- ‌55 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الْإِنْسَانِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ

- ‌56 - بَابُ طَهَارَةِ البُزَاقِ وَالْمُخَاطِ وَالنُّخَامَةِ وَنَحْوِهَا

- ‌57 - بَابٌ: فِيمَا صُبِغَ بِالنَّجَاسَةِ

- ‌58 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الدَّوَابِ وَلُعَابِهَا

- ‌أبواب الْجُلُودِ

- ‌59 - بَابٌ فِي الانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ

- ‌60 - بَابُ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ

- ‌61 - بَابُ: مَا يُدبَغُ بِهِ جُلُودُ الْمَيْتَةِ

- ‌62 - بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ الْمَيْتَةِ وَصُوفِهَا وَعَظْمِهَا

- ‌63 - بَابُ التَّوَضُّؤِ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ

- ‌64 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّهْي عَنِ الانْتِفَاعِ بِشَيءٍ مِنَ الْمَيْتَةِ

- ‌65 - بابُ النَّهْيِّ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ والنُّمُورِ

- ‌66 - بَابُ طَهَارَةِ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِذَا كَانَ ذَكِيًّا

الفصل: ‌53 - باب تطهير الإناء من ولوغ الكلب

‌53 - بابُ تَطْهِيرِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الكَلْبِ

314 -

حَدِيثُ أَبي هُرَيرَةَ:

◼ عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا شَرِبَ (وَلَغَ) الكَلْبُ في إِنَاءِ أَحَدِكُم، فَليَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ [أُولَاهُنَّ بالتُّرَابِ])).

[الحكم]:

متفق عليه (خ، م)، دون الرواية فلمسلمٍ وغيرِهِ، والزيادةُ للنسائيِّ وغيرِهِ، وهي عندَ مسلمٍ أيضًا لكن بسياقٍ آخر - سيأتي مُفْرَدًا -.

[اللغة]:

قوله (وَلَغَ) أي شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ، قَالَ أَبُو زَيدٍ: يُقَالُ وَلَغَ الكَلْبُ بِشَرَابِنَا وَفي شَرَابِنَا وَمِنْ شَرَابِنَا. انظر: (شرح مسلم للنووي 3/ 184)، و (شرح مسند الشافعي لابن الأثير 1/ 101).

[الفوائد]:

قال ابنُ المنذرِ: ((قد اختَلَفَ أهلُ العلمِ في عددِ ما يُغْسَلُ الإِناءُ مِن وُلُوغِ الكلبِ فيه، فكان أبو هريرةَ، وابنُ عباسٍ، وعروةُ، وطاوسٌ، وعمرُو بنُ دينارٍ، ومالكٌ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو عبيدٍ، وأبو ثَورٍ، يقولون: يُغْسَلُ سبعَ مرَّاتٍ، وكذلك نقولُ.

وفيه قولٌ ثَانٍ: وهو أن يُغْسَلُ ثلاثَ مرَّاتٍ، هكذا قال الزُّهريُّ، وقال عطاءٌ: كلُّ قد سمعتُ سبعًا وخمسًا وثَلاثَ مَرَّاتٍ.

ص: 5

وقال قائلٌ: يُغْسَلُ الإناءُ من ولوغِ الكلبِ فيه كما يُغْسَلُ مِن غيرِهِ)) (الأوسط 1/ 417 - 418).

وقد ألحقَ الشافعيُّ الخنزيرَ بالكلبِ قياسًا، فقال رحمه الله:((فقلنا في الكلبِ بما أَمَرَ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان الخنزيرُ إِنْ لم يكن في شَرٍّ من حاله لم يكن في خَيرٍ منه فقلنا به قياسًا عليه)) (السنن الصغير للبيهقي 1/ 76).

قال البغويُّ: ((وقاسَ الشافعيُّ الخنزيرَ على الكلبِ في أنه إذا شَرِبَ من إناءٍ أو أصابَ بدنُهُ مكانًا رَطبًا يجبُ غَسْلُهُ سبعَ مَرَّاتٍ إحداهنَّ بالترابِ. وعامةُ أهل العلم على أن الكلبَ مخصوصٌ به، لأَنَّ العربَ كانت تقرِّبُ الكلابَ من أنفسِها وتألفها، فلما كانت نجاستُهُ مألوفةً غلَّظَ الشرعُ الحكمَ في غَسْلِها، فَطْمًا لهم عن عادتهم، كالخمرِ لما كانت نجاسةً مألوفةً، غُلِّظَ الأمرُ في شربها بإيجابِ الحدِّ بخلافِ سائرِ النَّجَاسَاتِ)) (شرح السنة 2/ 75).

[التخريج]:

[خ 172/ م (279/ 90)((واللفظ له)(279/ 89 مكرر)((والرواية له)) / د (التحفة 13799) / ن 64، 65، 343 ((والزيادة له ولغيره))

(1)

/ كن 76 - 79، 9908/ جه 367، 368/ طا 71/ حم 7346، 7347، 7447، 7604، 7672، 7673، 9169، 9929، 10221، 10341، 10595/ حب 1279/ عه 607، 608، 610، 617/ طي

(1)

ووقعتْ هذه الزيادةُ أيضًا في مطبوع النسائي برقم (342)، لكنها محرفة على الراجح، والصواب:((إحداهن))، ولذا لم نخرجه هنا، وسيأتي تخريجه مع رواية:((إحداهن))، فانظره هناك مع تعليقنا عليه، وفيه بيان صواب ما ذكرنا من عدة وجوه.

ص: 6

2539/ عب 331، 332، 336، 337/ ش 1839، 37396/ بز 9684 - 9686، 9858، 9994/ حمد 997/ طس 7643، 7644/ طص 256/ طش 3331/ مسن 643، 644/ شف 43، 44/ خشف 92، 93/ أم 8، 9، 3690/ حق 39، 256، 257/ جا 49، 51/ طح (1/ 21) / مشكل 2650/ هق 1156، 1160، 1187، 1223/ هقع 1722، 1723، 1733، 1807، 1808/ هقخ 885، 886، 898، 899، 901/ قط 181، 184، 189، 190/ متشابه (1/ 419) / بغ 288/ عد (4/ 86)، (10/ 26)، (10/ 269)، (10/ 418)، (10/ 480) / منذ 226 - 228/ طوسي 74/ عيل 141/ جع 434/ خط (5/ 210) / نجار (16/ 153) / معقر 364، 486/ حقف 114/ معكر 982، 1064/ كر (5/ 95) / بشن 1336/ محلى (1/ 110) / بيب 15/ طهور 201 - 203/ لي (صلت 11) / تمهيد (18/ 263، 264، 267) / تحقيق 52، 53، 64/ مطرز 77، 78، 109/ مض 52/ هريرة 78/ تذ (2/ 184)، (2/ 205)، (2/ 241) / مطغ 519/ مخلص 663، 1863/ سلمج 975/ بحر 877/ علحا 27/ علقط 1426/ فقط (أطراف 5061، 5298، 5393) / عيل (أيوب - إمام 1/ 242) / معيل (إمام 1/ 254) / طهارة (منده - إمام 1/ 252، 255) / عوالي أبي الشيخ (إمام 1/ 253) / جوزقي (مسلم - إمام 1/ 253) / خلع 735، 737].

[السند]:

أخرجه مالك في (الموطأ) - ومن طريقه البخاريُّ، ومسلمٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وغيرُهم -: عن أبي الزناد، عنِ الأعرجِ، عن أبي هريرةَ، به.

الأعرجُ: هو عبد الرحمن بنُ هُرْمُزَ: الإمام، الحافظ، الحجة، المقرئ.

ص: 7

وأبو الزناد: هو عبد الله بنُ ذكوان القرشيُّ المدنيُّ الإمامُ، الفقيهُ، الحافظُ.

وتابع مالكًا ابنَ عُيَينَةَ:

أخرجه أحمدُ والشافعيُّ وغيرُهُما: عنِ ابنِ عُيَينَةَ، عن أبي الزناد، به؛ لكن بلفظ (وَلَغَ) بدل (شَرِبَ).

وساقه أبو عوانةَ بلفظِ: ((إِذَا شَرِبَ))، ثم قال:((كذا قال أصحابُ أبي الزناد إِلَّا سفيان فإنه قال: ((إِذَا وَلَغَ)))) (المستخرج 1/ 176).

قلنا: وفيه نظر، فقد رواه عن أبي الزناد بلفظ ((وَلَغَ)) هشام بن عروة، كما عند (ابن حبان 4022)، و (البزار 8887).

وأما ابنُ عبد البر، فَتَعَقَّبَ مالكًا في قوله:((شَرِبَ)) فقال: ((هكذا يقولُ مالكٌ في هذا الحديثِ: ((إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ))، وغيرُهُ من رُواةِ حديثِ أبي هريرةَ هذا -بهذا الإسنادِ وبغيرِهِ- على تواترِ طُرُقِهِ وكثرتِهَا عن أبي هريرةَ وغيرِهِ كلُّهم يقولُ:((إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ)) ولا يقولون: ((شَرِبَ الكَلْبُ)) وهو الذي يعرفه أهلُ اللغة)) (التمهيد 18/ 264)، وبنحوه في (الاستذكار 1/ 205).

وتَعَقَّبَهُ العراقيُّ فَقَالَ: ((وذكر الإسماعيليُّ وابنُ منده وابنُ عبد البر، أن مالكًا تَفَرَّدَ بقوله: (شَرِبَ)، وأنَّ غيرَهُ كلَّهم يقولُ:(وَلَغَ)، وليسَ كما ذكروا فقد تَابَعَهُ على لَفْظِهِ: ورقاءُ ومغيرةُ بنُ عبد الرحمن)) (تقريب الأسانيد 1/ 11). وانظر أيضًا (الإمام لابن دقيق العيد 1/ 253).

وتُوبِعَ الأعرجُ عليه:

فرواه أحمد (7447) قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، وأبي رَزِينٍ، عن أبي هريرة، به.

ص: 8

وكذا رواه إسحاقُ بنُ راهويه - وعنه النسائيُّ في (الكبرى 9908) عن أبي معاويةَ، عن الأعمشِ، عن أبي رَزِينٍ - وحدَه -، به.

ورواه أحمد (10221): عن محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سليمان، عن ذَكْوَانَ، عن أبي هريرة، به.

وعندهم جميعًا زيادة في النهيِّ عن المشيِّ في النَّعْلِ الواحدِ، وسيأتي تخريجُها مفردةً في محلها من هذه الموسوعة - إِن شاء الله تعالى -.

وطريقُ الأعمش هذا عند مسلمٍ ولكن بزيادة: ((فَليُرقهُ))، وهي زيادةٌ متكلَّم فيها، ولذا فصلناه بتخريج مستقل، انظرها عقب الرواية التالية.

ورواه النسائيُّ في (الكبرى 77، 78) قال: أخبرني إبراهيم بن الحسن المقسميُّ، قال: حدثنا حجاج، قال: قال ابنُ جُرَيجٍ: أخبرني زياد بن سعد، أن ثابتًا مولى عبد الرحمن بن زيد أَخْبَرَهُ، أنه سمع أبا هريرة، يقول:

فذكره.

وبنفسِ الإسنادِ عنِ ابنِ جُرَيجٍ، قال: أخبرني زياد بن سعد، أنه أخبره هلال بن أسامة، أنه سمع أبا سلمة يُخْبِرُ، عن أبي هريرة، به.

وهذان سندان صحيحان، رجالهما كلُّهم ثقات، وهلال هو ابن علي بن أسامة:((ثقة من رجال الشيخين)) (التقريب 7344).

تحقيق زيادة: ((أُولَاهُنَّ بالتُّرَابِ)).

أخرجها عبد الرزاق (330): عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، به.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطهما، بل هذه الزيادة عند مسلمٍ من طريق

ص: 9

هشام أيضًا، لكن بسياقٍ آخر، ولذا فصلناه بتخريجٍ مستقلٍ، كما في الرواية الآتية.

وقد تُوبِعَ هشام بنُ حسان على ذكرها:

فرواه أحمد (10341): عن غُنْدَرٍ، عن سعيد (وهو ابنُ أبي عَرُوبَةَ).

ورواه عبدُ الرزاقِ (331): عن مَعْمَرٍ.

ورواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 21)، و (شرح مشكل الآثار 2650) من طريقين: عن معتمر بن سليمان.

ثلاثتُهم: عن أيوبَ السختياني

(1)

، عن ابنِ سيرينَ، به.

ورواه النسائيُّ في (المجتبى 339)، وفي (الكبرى 79) عن ابنِ راهويه، عن عَبْدَةَ بنِ سليمانَ، عن ابن أبي عَرُوبَةَ، عن قتادةَ، عن ابنِ سيرينَ، به.

ورواه الطحاويُّ في (شرح مشكل الآثار 2648)، وفي (شرح المعاني 1/ 21)، والحاكم (569، 572) من طرقٍ، عن قُرَّةَ بنِ خالدٍ، عن ابنِ سيرينَ، به.

وهذه كلُّها أسانيدُ صحاحٌ غاية، ورواه أيضًا عنِ ابنِ سيرينَ جماعةٌ غير من ذكرنا، ولكن لا تخلو أسانيدهم من مقالٍ، وفي الصحاحِ كفايةٌ، ولله الحمد.

وقد صحَّحَ طريقَ قُرَّةَ هذا: الحاكمُ، والعينيُّ في (نخب الأفكار 1/ 171).

(1)

وقد اختلف على أيوب في هذه اللفظة، فقيل عنه أيضًا:((أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ)) وقيل: ((أَوْ إِحْدَاهُنَّ))، وأصحها:(أُولَاهُنَّ) كما قررنا هاهنا، وسيأتي قريبًا بيانُ حالِ الرواياتِ الأُخرى.

ص: 10

وقد رويتْ هذه الزيادة من غير طريقِ ابنِ سيرينَ:

فقد أخرجها الدارقطنيُّ في (السنن 190) - ومن طريقه البيهقيُّ في (الكبرى 1148) - قال: حدثنا أبو بكر النيسابوريُّ، نا يزيد بن سنان، نا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن خِلَاسٍ، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه رجالُ الشيخين غير أنَّ معاذَ بنَ هشامٍ الدَّستوائيَّ فيه كلامٌ لا يَنْزِلُ بحديثه عن رتبةِ الحسن.

ولكن اختُلِفَ على معاذٍ في لفظه، فرواه يزيدُ بنُ سنانٍ -كما هنا- عن معاذٍ به بلفظ:((أُولَاهُنَّ)).

وخالفه إسحاق بنُ راهويه فرواه عن معاذ بن هشام به بلفظ: ((إِحْدَاهُنَّ))

(1)

.

وإسحاقُ وإِنْ كانَ أثبتَ من يزيدَ بنِ سنانٍ، إِلَّا أَنَّ روايةَ يزيدَ أشبهُ بالصوابِ، لموافقتها لروايةِ الجماعةِ عنِ ابنِ سيرينَ، والله أعلم.

وقدِ انفردَ معاذٌ بهذا الحديث عن أبيه عن قتادةَ بهذا الإسناد، وقد رواه سعيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ وغيرُهُ عن قتادةَ عنِ ابنِ سيرينَ به كما تقدَّمَ.

ولذا قال البيهقيُّ: ((هذا حديثٌ غريبٌ إِنْ كانَ حفظه معاذٌ فهو حسن؛ لأَنَّ الترابَ في هذا الحديث لم يروه ثقةٌ غير ابن سيرين، عن أبي هريرة وإنما رواه غير هشام، عن قتادة، عن ابن سيرين كما سبقَ ذِكْرُهُ، وقد ثبتَ في

(1)

أخرجه إسحاق في (مسنده) وعنه النسائيُّ، وسيأتي تخريجُها مفردةً، مع تعليقٍ مهمٍ على روايةِ النسائيِّ.

ص: 11

حديث عبد الله بنِ مُغَفَّلٍ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذِكْرُ التُّرابِ)) (السنن عقب رقم 1148).

وقال ابنُ التركماني: ((لقائِلٍ أن يقولَ كان ينبغى له أن يقولَ: إِنْ كانَ هشامٌ حفظه؛ لأنه هو الذي انفردَ به عن قتادةَ كما بيَّنَهُ البيهقيُّ، ولعلَّه إنما عدلَ إلى ابنه معاذ لجلالة هشام وهو الدستوائيُّ، وابنُه معاذٌ وإن روى له الجماعةُ لكنه ليس بحجة كذا قال ابنُ معين، وقال أبو أحمد بنُ عَدِيٍّ ربما يَغْلَطُ في الشيء وأرجو أنه صدوق)) (الجوهر النقي 1/ 240).

وتكلَّم الألبانيُّ على ظاهره، فقال:((صحيح على شرط الشيخين)) (صحيح أبي داود 1/ 129).

ورويتْ أيضًا من طريق الحسن عن أبي هريرة:

أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن 184) من طريق يزيد بن سنان، نا خالد بن يحيى الهلالي

(1)

، نا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة. ويونس، عن الحسن، عن أبي هريرة، به.

وهذا إسنادٌ قال عنه مغلطاي: ((إسناده حسن)) (شرح ابن ماجه 1/ 268). وذلك بعد أن رجَّحَ سماع الحسن من أبي هريرة، وإلا فقد نَفَاهُ جمهورُ النُّقَّادِ.

ولكنَّ خالدًا هذا متكلَّمٌ فيه، فقد ذكره ابنُ عَديٍّ في (الكامل 3/ 422) فقال:((خالد بن يحيى أبو عبيد السدوسي بصريٌّ. حدَّث عن يونس بن عبيد وغيرِهِ))، وأورد له عدةَ أحاديث، ثم قال: ((ولخالدٍ هذا غيرُ ما ذكرتُ من

(1)

كذا في مطبوع السنن، ووقع في (إتحاف المهرة 17935):((الذهلي))، ولم نجد في ترجمته لا هذا ولا ذاك.

ص: 12

الحديثِ إفرادات وغرائب عمَّن يحدِّثُ عنه وليسَ بالكثيرِ، وأرجو أنه لا بأس به لأني لم أرَ في حديثه متنًا منكرًا)). وقال الذهبيُّ:((صويلحٌ لا بأس به، ذكره ابنُ عَدِيٍّ في كاملِهِ وقوَّاه)) (لسان الميزان 3/ 344).

قلنا: فمثلُهُ حسنُ الحديثِ ما لم يخالف، وقد سبقَ عن سعيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، عن قتادةَ، عن ابنِ سيرينَ، عن أبي هريرةَ.

لكن ذَكَرَ أبو نعيمٍ الأصبهانيُّ في (المنتقى من حديث يونس بن عبيد عقب رقم 44) أن إبراهيمَ بنَ صدقةَ يرويه كذلك عن يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة.

فهذه متابعةٌ لا بأس بها - إِنْ ثبتَ السندُ إلى إبراهيمَ -، ويبقى الكلامُ في سماع الحسن من أبي هريرة، وقد نَفَاهُ الجمهورُ.

ولذا قال الحافظُ: ((ورواه الدارقطنيُّ أيضًا من طريق الحسن، عن أبي هريرة، لكنه لم يسمعْ منه على الأَصحِّ)) (التلخيص 1/ 30).

[تنبيه]:

قوله: ((أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ))، قد رُوِيَ فيه:((إِحْدَاهُنَّ))، وروي:((أَوْ أُخْرَاهُنَّ))، وفي روايةٍ:((أَوْ إِحْدَاهُنَّ))، ورُوِيَ:((أَوِ السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ))، كما سيأتي بيانُه بالتفصيلِ، قال العراقيُّ: ((وقد ضعَّف بعضُ مصنفي الحَنَفِيَّةِ الروايةَ التي ذُكِرَ فيها الترابُ بهذا الاضطرابِ من كونها: أُولَاهُنَّ أو أُخْرَاهُنَّ أو إِحْدَاهُنَّ أو السَّابِعَةُ أو الثَّامِنَةُ فقال: إِنَّ هذا الاضطرابَ يقتضي طَرْحَ ذِكْرِ التُّرَابِ رَأْسًا، وكذا قال صاحب المفهم

(1)

: إِنَّ هذه الزيادة مضطربة)).

(1)

المفهم (1/ 540).

ص: 13

قال العراقيُّ: ((وفيما قالاه نظر؛ فإن الحديثَ المضطربَ إنما تتساقط الروايات إذا تساوت وجوه الاضطرابِ أما إذا ترجَّحَ بعض الوجوه فالحُكمُ للروايةِ الراجحةِ فلا يقدحُ فيها رواية من خالفها كما هو معروفٌ في علوم الحديث، وإذا تقرَّرَ ذلك فلا شَكَّ أن روايةَ ((أُولَاهُنَّ)) أرجحُ من سائِرِ الرواياتِ فإنه رواها عن محمد بن سيرين ثلاثةٌ: هشام بن حسان، وحبيب بن الشهيد، وأيوب السختياني، وأخرجها مسلم في (صحيحه) من روايةِ هشامٍ فتترجَّحُ بأمرين: كثرةُ الرُّواةِ، وتخريجُ أحد الشيخين لها وهما من وجوهِ الترجيحِ عندَ التَّعارضِ)) (طرح التثريب 2/ 119).

وقال ابنُ حَجَرٍ: ((وروايةُ (أُولَاهُنَّ) أرجحُ من حيثُ الأكثريَّةُ والأحفظيَّةُ ومن حيثُ المعنى أيضًا لأَنَّ تتريبَ الأخيرةِ يقتضي الاحتياج إلى غَسْلَةٍ أُخرى لتنظيفهِ وقد نصَّ الشافعيُّ في (حرملة) على أن الأُولَى أَولَى، والله أعلم)) (الفتح (1/ 276).

قلنا: ورواها عنِ ابنِ سيرينَ -عدا من ذكره العراقي-: قُرَّةُ بنُ خالدٍ، وقتادةُ وقد سبقَ ذِكْرُهُمَا، ويونسُ بن عبيدٍ - كما عند الطبرانيِّ في (الأوسط 1326) -، والأوزاعيُّ - كما في (سنن الدارقطني 185) - وغيرُهم، كما في مصادر التخريج.

ولم يَنْفَرِدْ بها ابنُ سيرينَ أيضًا: بل تابعه أبو رافع الصائغ، والحسنُ عن أبي هريرةَ كما سبقَ.

ويشهدُ لذكر التُّرابِ، حديثُ عبد الله بنِ مغفل عند (مسلم 280) وفيه:((وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ)). وسيأتي تخريجُه قريبًا مع ذكر أوجهِ الجمعِ بينه وبين حديث أبي هريرةَ هذا.

ص: 14

-[تنبيهٌ آخرُ]-

((قال سحنون لابن القاسم: هل كان مالكٌ يقولُ: يُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مرَّاتٍ إذا وَلَغَ الكَلْبُ في الإِنَاءِ في اللَّبنِ وفي الماءِ؟

قال: قال مالكٌ: قد جاءَ هذا الحديثُ وما أدري ما حقيقتُهُ، قال: وكأنَّه كانَ يَرى أنَّ الكلبَ كأنَّه مِن أَهلِ البيتِ وليس كغيرِهِ من السباعِ، وكانَ يقُولُ: إِنْ كَانَ يُغْسَلُ ففي الماءِ وَحْدَهُ، وكان يُضَعِّفُهُ)) (المدونة 1/ 115).

وحَكَاهُ ابنُ عبدِ البرِّ عن ابنِ القاسمِ عن مالكٍ بلفظِ: ((هذا الحديثُ ما أَدْرِي ما حقيقتُه وضعَّفه مِرارًا)). وقال ابنُ عبد البر - عقبه مستنكرًا -: ((وذكر عنه ابنُ وهب في هذا الإسناد في حديث المصراة أنه قال: وهل في هذا الإسنادِ لأحدٍ مقال، وذلك حين بَلَغَهُ أن أبا حنيفةَ وغيرَهُ من أهلِ العراقِ يَرُدُّونَه)) (التمهيد 18/ 270). يعني أن مالكًا رحمه الله قد ذكر في حديثٍ آخر بنفسِ إسنادِ هذا الحديث أنه لا مقالَ ولا مغمزَ فيه، لصحةِ إسنادِهِ.

وأما القاضي عياضٌ فقال: ((وقوله في مسألة غسل الإناء من ولوغ الكلب: ((وكان يضعِّفُهُ))، تنوزع في هذا الضمير كثيرًا؛

فقيل: أراد تضعيف الحديث؛ لأنه خبرُ واحدٍ ظاهره نجاسة الكلب، وعارضَ قولَه تعالى:{فكلوا مما أمسكن عليكم} .

وقيل: ضعَّف وُجوبَ الغسلِ.

وقيل: ضعَّف توقيتَ العددِ.

قال القاضي: والأشبهُ عندِي أن يريدَ به الوُجوبَ كما نحَا إليه القَابِسيُّ. ويدلُّ عليه تخصيصُهُ الماءَ بذلك، وأنه أَعْظَمَ إراقةَ الطعامِ. ولا حُجَّةَ لمن قالَ إنه ضعَّف الحديثَ بقوله:((ولا أدري ما حقيقته))؛ فليس في هذا ما

ص: 15

يرده. ولعلَّ المرادَ: ما حقيقةُ معنَاهُ وحكمةُ اللهِ في هذه العبادة)) (التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة 1/ 38 - 39).

* * *

رِوَايةُ: طَهُورُ .. أُولَاهُنَّ:

• وَفِي رِوَايةٍ بلفْظِ: ((طُهُورُ (طُهْرُ) إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ؛ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)).

[الحكم]:

صحيح (م).

[الفوائد]:

بوَّبَ عليه ابنُ خزيمةَ بقوله: ((بابُ الأمرِ بغَسْلِ الإناءِ من وُلوُغِ الكلبِ، والدليلُ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما أمرَ بغَسْلِ الإناءِ من وُلُوغِ الكلبِ تَطْهِيرًا للإناءِ، لا على ما ادَّعَى بعضُ أهلِ العلمِ أن الأمِر بغَسْلِهِ أمرُ تَعَبُّدٍ، وأن الإناءَ طَاهِرٌ والوُضوءَ والاغتسالَ بذلك الماءِ جائزٌ، وشُربُ ذلك الماءِ طَلْقٌ مُبَاحٌ)).

وقال العراقيُّ: ((في قوله (طُهْرُ) وَ (طُهُورُ) ما يدلُّ على نجاسةِ سُؤْرِ الكلبِ ونجاستِهِ في نفسِه؛ لأَنَّ الطهارةَ إنما تكونُ عن حَدَثٍ أو نَجَسٍ ولا حَدَثَ على الإناءِ فتَعيَّنَ أن يكونَ ذلك للنجاسةِ، وهو قولُ أكثرِ العلماءِ)) (طرح التثريب 2/ 127).

واستدلَّ به الخطابيُّ على نجاسةِ ذَاتِ الكلبِ، فقال: ((في هذا الحديث من الفقه أن الكلبَ نجسُ الذَّاتِ ولولا نجاستُهُ لم يكن لأمرِهِ بتطهيرِ الإناءِ من

ص: 16

وُلُوغِهِ معنى. والطهورُ يقعُ في الأصلِ إما لرفعِ حَدَثٍ أو لازالةِ نَجَسٍ، والإناءُ لا يَلْحَقُهُ حُكْمُ الحَدَثِ فعُلِمَ أنه قَصَدَ به إزالةَ النَّجَسِ وإذا ثبتَ أن لسانَهَ الذي يتناولُ به الماءَ نجسٌ يجبُ تطهيرُ الإناءِ منه عُلِمَ أن سَائرَ أجزائِةِ وأبْعَاضِهِ في النَّجَاسَةِ بمثابةِ لسانِهِ فبأي جُزْءٍ من أجزاءِ بدنِهِ مَاسَّهُ وَجبَ تَطْهِيرُهُ.

وفيه البيانُ الواضحُ أنه لا يطهره أقلُّ من عددِ السبعِ وأن تعفيرَهُ بالتُّرابِ واجبٌ.

وإذا كان معلومًا أن التُّرابَ أنما ضُمَّ إلى الماءِ استظهارًا في التطهيرِ وتوكيدًا له لغلظِ نجاسةِ الكلبِ فقد عُقِلَ أن الأُشْنَانَ وما أشبهه منَ الأشياءِ التي فيها قوةُ الجلاءِ والتَّطْهِيرِ بمنزلةِ التُّرابِ في الجوازِ.

وفيه دليلٌ على أن الماءَ المولوغِ فيه نجسٌ لأَنَّ الذي قد مسَّهُ الكلبُ هو الماءُ دونَ الإناءِ فلولا أن الماءَ نجسٌ لم يجبْ تطهيرُ الإناءِ مِنْهُ)) (معالم السنن 1/ 39 - 40).

وخالفَ ابنُ عبدِ البرِّ فيما ذهب إليه الخطابُّي من نجاسةِ عينِ الكلبِ، فقال:((وطهارةُ الهرِّ دالةٌ على أنه ليس في حَيٍّ نجاسةٌ إِلَّا ما قامَ الدليلُ على نجاسةِ عينِهِ بالتَّحْريمِ وهو الخنزيرُ وحْدَهُ، وأن النَّجَاسةَ إنما هي في الميتاتِ والأبوالِ والعذراتِ، وإذا لم يكن في حَيٍّ نجاسةٌ بدليلِ مَا وصفنا دلَّ ذلك على أن الكلبَ ليس بنجسٍ وأنه لا نجاسةَ في عينِهِ؛ لأنه منَ الطوافينَ علينا وما أُبيحَ لنا اتِّخَاذُهُ للصيدِ والزرعِ والماشيةِ فيقاسه الهر. وإذا صحَّ هذا صحَّ أن الأمرَ بغسلِ الإناءِ من ولوغِهِ سبعًا عِبادةٌ لا لنجاسةٍ)) (الاستذكار 1/ 164).

ص: 17

[التخريج]:

[م (279/ 91) ((واللفظ له))، (279/ 92) / د 70/ حم 8148 ((والرواية له))، 9511/ خز 101 - 102/ حب 1285، 1287/ ك 579، 580، 581/ عه 611، 612، 613/ عب 330/ ش 1840، 37395/ عل 6678/ بز 9848، 10029/ طس 946، 1326، 7644/ طص 942/ مسن 645، 646/ قط 184 - 185، 186/ هق 1157، 1158، 1183، 1184/ هقخ 887، 889، 890/ هقغ 175، 176/ زهر 250/ عد (5/ 416) / حقف 68/ معقر 38/ تمام 1366، 1427/ همام 35/ مشكل 2648/ متفق 721، 1004/ طح (1/ 21) / ناسخ 140/ كر (10/ 174) / محلى (1/ 110) / مخلص 796، 972/ حداد 380/ جعفر 773/ طيل 356/ خبر (2/ 236 - 239)].

[السند]:

قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، به.

وأخرجه أحمد وابن أبي شيبة: عن إسماعيل بن علية، به.

وكذا رواه أبو داود: عن أحمد بن يونس، عن زائدة، عن هشام، به.

وأخرجه أحمد، ومسلم أيضًا: من طريق عبد الرزاق، عن مَعْمَرٍ، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة مثله، ولكن بدون زيادة ((أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)). وعند أحمدَ بلفظِ:((طُهْر)). بدل ((طُهُور)).

[تنبيه]:

عزاه النوويُّ في (المجموع 2/ 567)، والحافظُ العراقيُّ في (تقريب

ص: 18

الأسانيد 1/ 13) لمسلمٍ بلفظ: ((طُهْر)). وقال ابنُه الوليُّ العراقيُّ مؤكِّدًا: ((انْفَردَ مسلمٌ بإخراجه هكذا من رواية همام، وأخرجه هو وأبو داود، والترمذيُّ، والنسائيُّ من رواية محمد بن سيرين، عن أبي هريرة بلفظ (طُهُورُ))) (طرح التثريب 2/ 127).

كذا قالوا: وهذا خلاف الموجود في النسخ المطبوعة من (صحيح مسلم)، بل إِنَّ هذا اللفظ لم نجده إِلَّا عند أحمد. فالله أعلم.

رِوَايةُ: ((فَلْيُرِقْهُ)):

• وفي رِوَايةٍ زادَ: ((

فَلْيُرِقْهُ (فَلْيُهْرِقْهُ) ثُمَّ لِيَغْسِلَهُ سَبْعَ مِرَارٍ)).

[الحكم]:

صحيح (م)، لكن زيادة:((فَلْيُرِقْهُ)) تَكَلَّمَ فيها غيرُ واحدٍ من أهل العلم لتفردِ عليِّ بن مُسْهِرٍ بها.

[اللغة]:

قوله: (فَلْيُرِقْهُ) قال ابنُ الأثير: ((((والأراقة)): صبُّ الماءِ وتبديده، يقول أَرَاقَ الماءَ يُرِيقُهُ: إِرَاقَةً، وقد أبدلوا من الهمزة هاءً فقالوا: هَرَاقَ الماء هرَاقَةً)) (الشافي في شرح مسند الشافعي 1/ 102).

[الفوائد]:

استدلَّ ابنُ حبان بزيادةِ: ((فَلْيُرِقْهُ)) على نجاسةِ الماءِ بعد وُلُوغِ الكلبِ فيه، فقال:((ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن ما في الإناء بعد ولوغ الكلب فيه طاهر غير نجس ينتفع به)).

ص: 19

وسبقه لذلك شيخُه ابنُ خزيمةَ فقال: ((باب الأمر بإهراق الماء الذي ولغ فيه الكلب، وغسل الإناء من ولوغ الكلب، وفيه دليل على نقض قول من زعم أن الماءَ طاهرٌ، والأمر بغسلِ الإناءِ تَعَبُّدٌ؛ إذ غير جائز أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهراقة ماء طاهر غير نجس)).

[التخريج]:

[م (279/ 89) ((واللفظ له)) / ن 67، 339/ كن 75/ خز 104 ((والرواية له ولغيره)) / حب 1286/ عه 609/ جا 50/ قط 182/ هق 59، 1155، 1224/ هقغ 177، 178/ محلى (1/ 110) / تحقيق 54/ مطرز 76/ مزني 12/ خطابي (1/ 40) / طهارة (منده - إمام 1/ 258)].

[السند]:

قال مسلم: حدثني علي بن حجر السعدي، حدثنا علي بن مسهر، أخبرنا الأعمش، عن أبي رزين، وأبي صالح، عن أبي هريرة، به.

مدار الحديث عند الجميع على علي بن مسهر، به.

[تنبيه]:

قد تفرَّدَ بزيادةِ ((فَلْيُرِقْهُ)) في هذا الحديث عليُّ بنُ مُسْهِرٍ عن الأعمش، وخَالَفَهُ كلُّ أصحابِ الأعمش، وهم:

1 -

شعبة بن الحجاج، كما عند الطيالسي (2539)، والطحاوي (1/ 21) وغيرهما.

2 -

وأبو معاوية الضرير، كما عند أحمد، والنسائي وغيرهما، وستأتي روايتُه مفردة.

3 -

وإسماعيل بن زكريا، كما عند (مسلم).

ص: 20

4 -

وأبو أسامة، كما عند ابن أبي شيبة (37396) وغيره.

5 -

جرير بن عبد الحميد كما عند إسحاق بن راهويه في (مسنده 256) وغيره.

6 -

وعبد الواحد بن زياد، كما عند البزار (9685)، والدارقطني (181).

7 -

وحفص بن غياث كما عند الطحاوي (1/ 21) وغيره.

8 -

وعبد الرحمن بن حميد، كما عند الطبراني في (الصغير 256) وغيره.

9 -

وأبان بن تغلب، كما عند البزار (9686)، والطبراني في (الأوسط 7644)، و (الصغير 942).

كلُّهم، عن الأعمش به، ولم يذكروا فيه:((فَلْيُرِقْهُ)).

وكذا لم يذكرها كلُّ من روى الحديثَ عن أبي هريرة: كالأعرج، وابن سيرين، وأبي رافع، وهمام بن منبه، وثابت بن عياض، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، والحسن، وعبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، وغيرهم.

ولذا أشارَ إلى إعلالِها بتفردِ عليِّ بنِ مُسْهِرٍ بها جماعةٌ منَ العلماءِ، وصرَّحَ بعضُهم بأنَّها غيرُ محفوظةٍ:

قال النسائيُّ: ((لا أعلمُ أحدًا تابعَ علي بن مسهر على قوله: ((فَلْيُرِقْهُ)))) (المجتبى 67)

(1)

.

(1)

وهم مغلطاي فقال: ((زعم النسائيُّ أن هذه الزيادة لم يتابع ابنَ حجر عليها أحدٌ)) (شرح ابن ماجه 1/ 266). والنسائي إنما ذكر علي بن مسهر، أما علي بن حجر فقد تابعه غيرُ واحدٍ.

ص: 21

وقال الحافظُ أبو القاسم حمزةُ الكنانيُّ: ((لم يروِ هذا الحديثَ عنِ الأعمشِ،

غيرُ علي بن مسهر، وهذه الزيادة في قوله ((فَلْيُرِقْهُ)) غيرُ محفوظةٍ)) (تحفة الأشراف 9/ 364)، و (فتح الباري 1/ 275).

وقال الحافظُ أبو عبد الله ابنُ منده: ((وهذه الزيادة تفرَّدَ بها عليُّ بنُ مُسْهِرٍ، ولا تُعْرَفُ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بوجهٍ من الوجوهِ إِلَّا من هذه الرواية)) (الإمام لابن دقيق 1/ 258).

وقال ابنُ عبد البر: ((أما هذا اللَّفظُ في حديثِ الأعمشِ ((فَلْيُهْرِقْهُ)) فلم يذكره أصحابُ الأعمشِ الثقات الحفاظ مثل شعبة وغيره، وأما قوله عليه السلام ((طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدكُم)) فصحيح)) (التمهيد 18/ 273).

وقال ابنُ رجب: ((وعليُّ بنُ مُسْهِرٍ له مفاريد؛ ومنها في حديث ((إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ)) وقد خرَّجه مسلم)) (شرح علل الترمذي 2/ 755)

(1)

.

قلنا: وعلى قول من يقول إن مسلمًا ربما أخرجَ الروايةَ المعلولةَ، مع الإشارة إلى إعلالها

(2)

، فيدخل الإمام مسلم فيهم أيضًا، حيث قال - عقب

(1)

ونقل ابن رجب عن أحمد أنه قال في علي بن مسهر: ((كان ذهب بصره، فكان يحدِّثُهم من حفظه))، قال ابن رجب: وذكر الأثرمُ أيضًا عن أحمد أنه أنكر حديثًا، فقيل له: رواه علي بن مسهر، فقال:((إن عليَّ بنَ مُسْهِرٍ كانت كتبه قد ذهبتْ، فكتب بعد، فإِنْ كانَ روى هذا غيره، وإلا فليس بشيء يعتمد)) (شرح علل الترمذي 2/ 755).

(2)

أخذًا من قوله رحمه الله في (مقدمة صحيحه)(صـ 7): ((قد شرحنا من مذهب الحديث وأهله بعض ما يتوجه به من أراد سبيل القوم، ووفق لها، وسنزيد -إن شاء الله تعالى- شرحًا وإيضاحًا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة، إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح، إن شاء الله تعالى)) اهـ. وقال أيضًا -وهو يذكر منهجه في ترتيب أحاديثه وأسانيده-: ((وهو أَنَّا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقسمها على ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار، إلا أن يأتي موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى، أو إسناد يقع إلى جنب إسناد، لعلة تكون هناك)) (مقدمة الصحيح صـ 4).

ص: 22

رواية علي بن مسهر -: ((وحدثني محمد بن الصباح، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش، بهذا الإسناد مثله ولم يقل: ((فَليُرقهُ)))). والله أعلم.

ومع هذا قبلها جماعة واحتجوا بها؛ جريًا على ظاهر إسنادِهِ، أو على مذهب مَن يقول: إن زيادةَ الثقةِ مقبولةٌ مطلقًا، وهذا خلافُ ما عليه أئمة الحديث:

فصحَّحَها ابنُ خزيمة وابنُ حبان بإخراجها في صحيحيهما، واحتجا بها، كما تقدَّم في الفوائد.

وقال الدارقطنيُّ بإثرِ روايةِ عليِّ بنِ مُسْهِرٍ: ((إسنادُهُ حسنٌ ورواتُه كلُّهم ثقاتٌ)) (السنن 1/ 104)

(1)

.

وقال ابنُ دقيق العيد: ((وقد وَرَدَ الأمرُ بالإراقةِ مطلقًا في بعضِ الرواياتِ الصحيحةِ)) (إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام صـ 26). يشيرُ إلى هذه الرواية.

وقال العراقيُّ - بعد ذكر قول النسائي وابن منده وغيرِهِما -: ((وهذا غيرُ

(1)

وزاد في ط. المعرفة: (صحيح)، وفي ثبوتها نظر، حيث لم يشر إليه أحد من أهل العلم، وإنما اقتصروا على المذكور في ط. الرسالة. والله أعلم.

ص: 23

قَادحٍ فيه، فإن زيادةَ الثقةِ مقبولةٌ عند أكثر العلماء من الفقهاء، والأصوليين والمحدثين، وعليُّ بنُ مُسْهِرٍ قد وَثَّقَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ ويحيى بنُ معين، والعجليُّ وغيرُهُم، وهو أحدُ الحفاظِ الذين احتجَّ بهم الشيخان، وما علمتُ أحدًا تكلَّم فيه فلا يضرُّهُ تفرُّدُهُ به)) (طرح التثريب 2/ 121).

قلنا: تكلَّمَ فيه أحمدُ، كما تقدَّم آنفًا.

وقال ابنُ الملقن: ((ولا يضرُّ تفرُّدُهُ بها، فإن علي بن مسهر إمام حافظ، متفقٌ على عدالته والاحتجاج به)) (البدر المنير 1/ 545 - 546).

قلنا: بل يضرُّهُ، إذا خالفَ من هو أوثق منه ضبطًا وعددًا، كما هو الحالُ هنا، والله أعلم.

هذا، وقال الحافظ ابنُ حجر: ((قد وَرَدَ الأمرُ بالإراقةِ أيضًا من طريق عطاء، عن أبي هريرة مرفوعًا أخرجه ابنُ عديٍّ لكن في رفعه نظر والصحيحُ أنه موقوفٌ

(1)

، وكذا ذَكَرَ الإراقةَ حمادُ بنُ زيدٍ، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة موقوفًا وإسنادُهُ صحيحٌ أخرجه الدارقطنيُّ

(2)

وغيرُهُ)) (فتح الباري 1/ 275).

* * *

(1)

وهي روايةٌ منكرةٌ كما أشارَ الحافظُ، وسيأتي تخريجُها والكلامُ عليها قريبًا.

(2)

السنن (183).

ص: 24

رِوَايةُ: ((فَلَا يَتَوَضَّأُ)):

• وفي رِوَايةٍ: ((

إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أَحَدكُمْ، فَلَا يَتَوَضَّأُ حَتَّى يَغْسِلَهَا سَبعَ مَرَّاتٍ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ.

[التخريج]:

[حم 9483].

[السند]:

قال أحمد: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي رَزِينٍ، عن أبي هريرة، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ فأبو رَزِينٍ هو مسعود بن مالك الأسدي، ثقة فاضل من كبار التابعين من رجال مسلم. (التقريب 6612).

* * *

ص: 25

رِوَايةُ: ((أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)):

• وفي رِوَايةٍ بلفظِ: ((أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)).

[الحكم]:

إسناده صحيح، والراجح فيه ((أُولَاهُنَّ))، بلا تخيير أو شَكٍّ، وقال الترمذيُّ: حسن صحيح.

[التخريج]:

[ت 92 ((واللفظ له)) / عه 613/ بز 9897/ شف 45/ أم 10/ هق 1187، 1160/ هقع 1735/ حل (9/ 158) / بغ 289/ جعفر 772].

[السند]:

رواه الشافعيُّ في ((المسند))، وفي ((الأم)) - ومن طريقه أبو عوانة، والبيهقي (1160)، وأبو نعيم، والبغوي - قال: أنبأنا ابنُ عُيَينَةَ، عن أيوبَ بن أبي تميمةَ، عن ابنِ سيرينَ، عن أبي هريرةَ، به.

وتوبع عليه ابن عُيَينَة:

فقد أخرجه البيهقيُّ (1187)، وابنُ البختري (772) من طريق عبد الوارث بن سعيد، عن أيوب، به.

ورواه الترمذيُّ عن سوار بن عبد الله العَنْبَرِيِّ، حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أيوب، به. وزاد فيه ذكر الهرة

(1)

.

(1)

وكذا ورد في غير ما مصدر زيادة في آخره في حكم ولوغ الهرة، كقوله:((وإذا وَلَغتْ فيه الهِرَّةُ غُسِلَ مَرةً)). وفي رواية بلفظ: ((والهِرَّةُ مَرةً، أو مَرَّتينِ)). وفي رواية بلفظ: ((والهِرّة مِثلَ ذَلِكَ)). وفي رواية بلفظ: ((يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنَ الْهِرِّ كَمَا يُغْسَلُ مِنَ الْكَلْبِ)). وقد تقدَّمَ الكلامُ على هذه الرواياتِ وتخريجها في باب ((سؤر الهرة)) فانظره هناك.

ص: 26

[التحقيق]:

هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين كما سبق، ولذا صححه البغويُّ، والعراقيُّ، وابنُ الملقن في (البدر 1/ 546)، إِلَّا أَنَّ الراجحَ في الحديثِ ما خرَّجه مسلمٌ بلفظ:((أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)) وهو ما رجَّحَه العراقيُّ كما سبقَ ذكره.

والذي يظهرُ أن أيوبَ السختيانيَّ لم يضبطْ هذا الحديثَ، فكان يضطربُ فيه، فتارة يرويه هكذا مترددًا في لفظه، فأخذه عنه جماعةٌ من الثقات. وسبقَ عنه من طريقِ جماعةٍ من الثقاتِ أيضًا بلفظِ:((أُولَاهُنَّ)) بلا شكٍّ ولا تَرَدُّدٍ. ورواه حماد بن زيد عنه فلم يذكر التُّرابَ. وكان تارةً يرفعه وتارةً يوقفه على أبي هريرة كما في رواية الحميديِّ عن ابنِ عُيَينَةَ عنه - وستأتي قريبًا -، وكذا وقفه عنه حماد بن زيد وحماد بن سلمة كما قال الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 99). وأشارَ لذلك ابنُ عبد البر فقال:((وكذلك رواه أيوبُ - أي بلفظ: ((أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)) - في غير رواية حماد بن زيد عنه عن محمد بن سيرين إِلَّا أَنَّ أيُّوبَ وَقَفَهُ على أبي هريرةَ، وقال: كان محمدٌ ينحو بأحاديث أبي هريرة نحوَ الرفعِ، ورواه حماد بن زيد عن أيوبَ فلم يذكر فيه التُّرابَ)) (التمهيد 18/ 265).

وعلى هذا يكون الراجحُ عنه الروايةَ الأُولى بلفظِ: ((أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)) لأمرين:

الأول: أن أيُّوبَّ لم يكن يتردد فيها بخلاف غيرها.

الثاني: أنها هي الثابتة عن ابن سيرين من وجوهٍ عدَّةٍ كما سبقَ بيانُه.

وقال العراقيُّ بشأن هذه الرواية: ((وأما رواية: ((أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ)) فقد

ص: 27

رواها الشافعيُّ، والبيهقيُّ من طريقه بإسنادٍ صحيحٍ، وفيه بحثٌ أذكره، وهو أن قولَه:((أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ)) لا تخلو إما أن تكون مجموعة من كلام الشارع أو هو شكٍّ مِن بعضِ رُواةِ الحديثِ، فإِنْ كانتْ مجموعةً من كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فهو دالُّ على التَّخْيِيرِ بينهما ويترجَّحُ حينئِذٍ ما نصَّ عليه الشافعيُّ رحمه الله من التقييد بهما، وذلك؛ لأَنَّ مَن جمعَ بينهما معه زيادةُ علمٍ على مَن اقتصرَ على الأولى أوِ السابعةِ؛ لأَنَّ كُلًّا منهم حفظ مرة فاقتصر عليها، وحفظ هذا الجمع بين الأولى والأخرى فكان أولى.

وإِنْ كانَ ذلك شكًّا مِن بعضِ الرُّوَاةِ فالتعارضُ قائمٌ، ويرجعُ إلى الترجيحِ فترجح الأولى كما تقدَّمَ.

ومما يدلُّ على أن ذلكَ شكٌّ من بعضِ الرُّواةِ لا من كلامِ الشارعِ قول الترمذيِّ في روايتِهِ: ((أُولَاهُنَّ أَوْ قَالَ: أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)) فهذا يدلُّ على أن بعضَ الرُّواةِ شكَّ فيه؛ فيترجَّحُ حينئِذِ تعيينُ الأُولى ولها شاهدٌ أيضًا من روايةِ خِلَاسٍ، عن أبي رَافعٍ، عن أبي هريرة كما سيأتي في الوجه الذي يليه)) (طرح التثريب 2/ 120).

قلنا: قد بيَّنَّا بما لا يدعُ مجالًا للشكِّ من أن الشكَّ فيه من قِبَلِ أيُّوبَ، والصوابُ:((أُولَاهُنَّ)) بلا شكٍّ ولا تَخْيِيرٍ.

وقد رُويتْ هذه اللفظةُ من غيرِ طريقِ أيُّوبَ:

فرواه البزار (9897) -ومن طريقه أبونعيم الأصبهانيُّ في (المنتخب من حديث يونس بن عبيد 44) -: عن محمد بن بشار بندار، حدثنا إبراهيم بن صدقة، عن يونس، عن محمد، عن أبي هريرة به وفيه:((فَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَوَّلُهُنَّ أَوْ آخِرُهُنَّ بِالتُّرَابِ)).

ص: 28

قال البزارُ: ((وهذا الحديثُ رواه بُنْدَارٌ هكذا، ورواه غيره: عن يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن هشام عن محمد عن أبي هريرة، ولا نعلمُ رواه عن يونسَ إِلَّا إبراهيم بن صدقة)).

وقال أبو نعيم: ((هكذا رواه بُنْدَارٌ بمتْنِهِ وإسنادِهِ، ورواه غيرُهُ، عن إبراهيمَ، عن يونسَ، عن الحسنِ، عن أبي هريرةَ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورواه هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم).

قلنا: إبراهيم بن صدقة، سئل عنه أبو حاتم فقال:((شيخٌ))، وقال ابنُ الجُنَيْدِ:((محله الصدق)). (الجرح والتعديل 2/ 106). ولذا قال الحافظ: ((صدوقٌ)) (التقريب 187). فمثلُه حسنُ الحديثِ ما لم يخالف، وقد تقدَّمَ من طرقٍ عدَّةٍ عنِ ابنِ سيرينَ به بلفظِ:((أُولَاهُنَّ)) بلا شكٍّ أو تَخْيِيرٍ.

* * *

روايةُ أُولَاهَا، أَوِ السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ:

• وفي رِوَايةٍ بلفظِ: ((أُولَاهَا، أَوِ السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ)) شَكَّ سَعيدٌ (هُوَ ابنُ أَبي عَرُوبَةَ).

[الحكم]:

رجالُ إسنادِهِ موثقون، والمحفوظُ بلفظِ ((أُولَاهُنَّ)) بلا شكٍّ.

[التخريج]:

[طح (1/ 21/ 67)].

[السند]:

قال الطحاويُّ: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء،

ص: 29

قال: سُئِلَ سَعِيدٌ عَنِ الْكَلْبِ يَلِغُ فِي الْإِنَاءِ، فَأَخْبَرَنَا عن قتادةَ، عن ابنِ سيرينَ، عن أبي هريرةَ به.

ثم قال عبد الوهاب: ((شكَّ سعيدٌ))، فَنَسَبَ الشَّكَّ في متنه لابنِ أبي عَرُوبةَ.

[التحقيق]:

رجالُ إسنادِهِ ثقاتٌ عدا عبد الوهاب بن عطاء؛ ففيه كلامٌ، وكان عالمًا بسعيدِ بن أبي عَرُوبةَ، كما قال أحمد. ولذا قال العينيُّ:((إسنادُهُ جيدٌ)) (نخب الأفكار 1/ 172).

وقد رواه عَبْدَةُ بنُ سليمانَ، عن سعيدٍ - كما عند النسائيِّ في (الصغرى 339) وغيره -، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة بلفظ ((أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)) بلا شَكٍّ.

وعَبْدَةُ من أثبتِ الناسِ في سعيدٍ، فروايته مقدَّمةٌ على روايةِ عبد الوهاب التي شكَّ فيها سعيدٌ. والله أعلم.

* * *

ص: 30

رِوَايةُ: ((السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ)):

• وفي رِوَايةٍ: ((السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ (آخِرُهُ بِالتُّرَابِ))) دون تَرَدُّدٍ.

[الحكم]:

شاذٌّ بذكرِ السَّابِعَةِ، والمحفوظُ:((أُولَاهُنَّ))، وكذا قال الألبانيُّ.

[التخريج]:

[د 72 ((واللفظ له)) / بز 9950 ((والرواية له)) - 9954/ قط 187، 188/ هق 1161/ عد (3/ 251)].

[السند]:

رواه أبو داود - ومن طريقه البيهقيُّ - قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبانُ، ثنا قتادةَ أن محمد بن سيرين حدَّثَهُ، عن أبي هريرة، به.

ورواه الدارقطنيُّ: من طريق موسى بن إسماعيل، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، كما قال ابنُ دقيق العيد في (الإمام 1/ 260، و 267)، وابنُ الملقن في (البدر 1/ 546)، إِلَّا أَنَّ أبانَ هو ابنُ يزيد العطارُ ((له أفراد)) كما في (التقريب 143).

وقد رواه البزارُ (9950): عن محمد بن المثنى وغيرِهِ، عن عبد الأعلى، عن سعيدٍ (وهو ابن أبي عروبة)، عن قتادةَ به بلفظِ:((آخِرُهُ بِالتُّرَابِ)).

وقد خالَفَهُ عَبْدَةُ بنُ سليمانَ - كما عند النسائيِّ في (المجتبى 339) وفي (الكبرى 79) - فرواه عن، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن سيرين به وقال فيه:((أُولَاهُنَّ)).

وعَبْدَةُ أثبتُ من عبد الأعلى في سعيدٍ، لكن في رواية عبد الوهاب بن

ص: 31

عطاء - عند الطحاويِّ (1/ 21) 67 - عن سعيدٍ ما يُؤكِّدُ أن الاختلافَ فيه من سعيدٍ نفسِهِ، حيثُ قالَ فيها:((أُولَاهَا أَوِ السَّابِعَة))، قال عبد الوهاب:((شَكَّ سعيدٌ))، فَنَسَبَ الشَّكَّ في متنه لابنِ أبي عَرُوبةَ، فسقطتْ بذلك روايتُهُ، والله أعلم.

ورواه البزارُ أيضًا (9952)، وابنُ عَدِيٍّ من طريق الحكم بن عبد الملك البصريِّ، عن قتادةَ، به.

والحَكَمُ ضعيفٌ لَا سيَّما في قتادةَ، وضَعَّفَهُ الحافظُ في (التقريب 1451)، وقال ابنُ عَدِيٍّ:((لا أعلمُ يرويه عن قَتادةَ غيرَ الحَكَمِ)) اهـ، كذا قال، وقد علمت أنه متابع.

ورواه البزارُ أيضًا (9953، 9954) من طريق سعيد بن بشير، وخُلَيْدِ بْنِ دَعْلَجٍ كلاهما، عن قتادةَ، به. ذكرهما عقب رواية سعيد، ولم يسقْ مَتْنَهُمَا.

وقد رواه الدارقطنيُّ (189) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادةَ به وقال فيه:((أُولَاهُنَّ)). فالله أعلم.

وخُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ: ((ضعيفٌ)) كما في (التقريب 1740).

وقد تقدَّمَ من طُرُقٍ عنِ ابنِ سيرينَ بلفظِ: ((أُولَاهُنَّ))، وقد اعتمدها مسلمٌ في صحيحه فتترجَّح.

قال العراقيُّ: ((وأما روايةُ: ((السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ))، فهي وإِنْ كانَتْ بمعناها، فإنه تفرَّدَ بها عن محمد بن سيرين قتادة، وقدِ اختُلِفَ فيها على قتادةَ فقالَ أبان عنه هكذا، وهي روايةُ أبي داودَ، وقال سعيدُ بنُ بَشيرٍ عنه:((الْأُولَى بِالتُّرَابِ))، فوافقَ الجماعةَ رواه كذلك الدارقطنيُّ في (سننه)، والبيهقيُّ من طريقه، وهذا يقتضي ترجيحَ رِوَايةِ:((أُولَاهُنَّ)) لموافقته للجماعةِ)) (طرح

ص: 32

التثريب 2/ 120). وكذا رجَّحَ ابنُ حَجَرٍ في (الفتح 1/ 276) رِوَايةَ: ((أُولَاهُنَّ))، كما سبقَ نقلُهُ.

وتابعه الألبانيُّ في (صحيح سنن أبي داود 1/ 127)، وحكمَ على رِوَايةِ ((السَّابِعَة)) بِالشُّذُوذِ. وهو كما قالَ.

رِوَايةُ: ((أُولَاهُنَّ، أَوْ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)):

• وفِي رِوَايةٍ: ((أُولَاهُنَّ، أَوْ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ، والراجحُ فيه ((أُولَاهُنَّ))، بلا تَخْيِيرٍ أو شَكٍّ.

[التخريج]:

[حمد 998/ خشف 94/ جا 51].

[السند]:

رواه الحميديُّ والشافعيُّ: عن سفيانَ بنِ عُيَينَةَ، قال: ثنا أيُّوبُ السختيانيُّ، عن محمدِ بنِ سيرينَ، عن أبي هريرةَ، به.

ورواه ابنُ الجارود عن علي بن سلمة، عن ابن عيينة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولكن الراجحَ في الحديث روايةُ مُسلمٍ السابقة بلفظ:((أُولَاهُنَّ))، دون شَكٍّ أو تَخْيِيرٍ كما سبقَ ذِكْرُهُ.

ثم إنه بهذا اللفظ لا يثبتُ عنِ الشافعيِّ، بل هو خطأٌ قطعًا، فالمحفوظُ

ص: 33

عنِ الشافعيِّ بهذا الإسناد - كما تقدَّمَ-، بلفظِ:((أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ)). كذا رواه الشافعيُّ في (الأم) وفي (المسند) -ومن طريقه البيهقي وأبو عوانة وغيرهما-. ولهذا كان الشافعيُّ يقول: ((وَإِذَا غَسَلَهُنَّ سَبْعًا جَعَلَ أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ تُرَابًا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِذَلِكَ)) (الأم 1/ 13).

وقد أشارَ محققُ اختلافِ الحديثِ إلى أن في نسخةٍ أُخْرَى: ((أَوْ أُخْرَاهُنَّ)). فهذه هي الصواب، والأخرى محرفة عنها.

وكذا الأمرُ عند الحميديِّ، بل أشدّ، فروايتُه مشكوكٌ في رفعها، فقد رواه ابنُ البختري كما في (مجموع مصنفاته 779) عن بشر بن موسى - (راوي مسند الحميديِّ) - عن الحميديِّ، به، موقوفًا، بلفظ:((أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ)).

وفي (المسند) ما يوحي بوقفه أيضًا حيث سَاقَهُ عقبَ روايةِ الأعرجِ، وقال: عن أبي هريرة، مثله، رفعه مرة إِلَّا أنه قال:((أُولَاهُنَّ، أَوْ أَحَدَهُنَّ بِالتُّرَابِ)).

فقوله: ((رفعه مرة)) يشيرُ إلى أنه لم يكن يرفعه)). والله أعلم.

ص: 34

رِوَايةُ: ((إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)):

• وفي رِوَايةٍ اقتصر على: ((إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)).

[الحكم]:

شاذٌّ بهذا اللفظِ، واستغربها النوويُّ، وتقدَّمَ أن الراجحَ في مَتْنِهِ بلفظِ:((أُولَاهُنَّ)).

[التخريج]:

[ن 342

(1)

/ كن 80/ بز 8887، 9720، (إمام 1/ 268) / حق 39/ معكر 982/ مقرئ (شيوخه 7)].

[التحقيق]:

وَرَدَ هذا اللفظ من عدَّةِ طُرُقٍ:

أولُهَا:

رواه إسحاق بن راهويه في (المسند) -وعنه النسائي- قال: أخبرنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي حدثني أبي، عن قتادة، عن خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه رجالُ الشيخين غير أن معاذ بن هشام الدستوائيَّ فيه

(1)

وقع في طبعة أبي غدة: ((أُولَاهُنَّ))، وكذا في طبعة التأصيل؛ لكن ذكر محققوها أنه في نسخة أخرى:((إِحْدَاهُنَّ)).

قلنا: وهو الصوابُ لأمورٍ: الأول: أنها الموافقةُ لروايةِ (السنن الكبرى) وهي بنفسِ الإسنادِ. الثاني: أنها موافقةٌ لروايةِ إسحاقَ في (مسنده)، وقد رواها النسائي عنه. الثالث: أن النسائي قال عقب حديث ابن مغفل -وفيه: ((عَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ)) -: ((خالفه أبو هريرة فقال: ((إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)))). وَذَكَرَ طريقَ معاذٍ هذا. والله أعلم.

ص: 35

كلامٌ لا يَنْزِلُ بحديثِهِ عن رتبةِ الحسنِ.

وقد اختُلِفَ على معاذٍ في لفْظِهِ، فقد رواه الدارقطنيُّ في (السنن 190) من طريق يزيد بن سنان، عن معاذ به بلفظ:((أُولَاهُنَّ))، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه تحتَ روايةِ الصحيحينِ.

وبيانُ أن روايةَ يزيد أشبه بالصوابِ، لموافقتها لرواية ابن سيرين، فانظره هناك.

الطريق الثاني:

رواه البزار (8887): عن إسحاقَ بن زياد الأيليِّ، قال: حدثنا عقبة بن مكرم، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.

قال البزار: ((هذا الحديث لا نعلم رواه عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة إِلَّا يونس بن بكير)) اهـ.

قلنا: يونس بن بكير هو الشيبانيُّ، وَثَّقَهُ جماعةٌ وَليَّنَهُ آخرون، وفي التقريب:((صدوقٌ يخطئُ))، ولم يَنْفَرِدْ به عن هشامٍ كما قال البزارُ؛ فقد رواه ابنُ عياشٍ عن هشامٍ به، إِلَّا أنه لم يقل فيه ((إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)). خرَّجَه الدارقطنيُّ في (السنن 195) وصحَّحَهُ.

وقال الهيثميُّ: ((هو في الصحيح خلا قوله: ((إِحْدَاهُنَّ))، رواه البزارُ ورجالُه رجالُ الصحيحِ؛ خلا شيخ البزارِ)) (المجمع 1587).

قلنا: وهو صدوقٌ كما قال الخطيب (5/ 339)، وقد تُوبِعَ، فرواه ابنُ عَدِيٍّ من طريق عبدان عن عقبة به، إِلَّا أنه لم يقل فيه ((إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ))، وهذا هو الصحيحُ في هذا الطريق؛ لأَنَّ مالكًا وابنَ عُيَينَةَ رويَاه

ص: 36

عن أبي الزناد به دون ذكر التراب، كما سبقَ عند البخاريِّ.

الطريق الثالث:

رواه ابنُ عساكر في (معجمه). من طريق ابن صاعد، ثنا محمد بن بشار بندار فيما سألناه عنه فحدَّثنا به، ثنا إبراهيم بن صدقةَ، ثنا يونس يعني ابن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، به.

قال ابنُ عساكر: ((صحيحٌ)).

قلنا: ورجالُهُ ثقاتٌ عدا ابن صدقة فصدوقٌ، لكن رواه الطبرانيُّ في (الأوسط 1326) عن أبي بكر أحمد بن محمد بن صدقة (الحافظ الثقة)، عن بندار، به، بلفظ:((أُولَاهُنَّ)) وهو أصحُّ لما قدَّمْنَاهُ.

الطريق الرابع:

رواه أبو بكر ابنُ المقرئ في (جزءه من حديثه عن شيوخه) قال: حدثنا أبو عروبة، نا حاجب بن سليمان، نا محمد بن مصعب، عن مالك بن مغول، عن أبي معشر، عن أبي المغيرة، عن أبي هريرة، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه محمد بن مصعب وهو القرقسانيُّ، قال عنه الحافظ:((صدوقٌ كثيرُ الغلطِ)) (التقريب 6302).

وحاجب بن سليمان، قال عنه الحافظ:((صدوقٌ يَهِمُ)) (التقريب 1004).

الطريق الخامس:

رواه أبو بكر البزار في (مسنده) - كما في (الإمام لابن دقيق العيد 1/ 268) -: عن الفضل بن يعقوب الرخاميِّ

(1)

البغداديِّ، عن يحيى بن

(1)

تصحف بمطبوع الإمام، إلى:((الرصافي))، والصواب ((الرخامي)) كما في كتب التراجم، وقد جاء في (مسند البزار) في غير ما موضع على الصواب، انظر على سبيل المثال الأحاديث (541، 601، 1792، 1936، 1970).

ص: 37

السكن، حدثنا أبو هلال الراسبيُّ ويزيد بن إبراهيم، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ؛ لِيَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ؛ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)).

وهذا إسنادٌ واهٍ؛ فيه يحيى بن السكن وهو البصريُّ نزيل الرقة، ضعَّفه صالح جزرة، وقال أيضًا:((كان أبو الوليد، يقول: هو يكذب، وهو شيخ مقارب)) (تاريخ بغداد 16/ 219 - 220)

(1)

، وقال أبو حاتم:((ليس بالقوي، بابة محمد بن مصعب القرقساني)) (الجرح والتعديل 9/ 155). وقال في (العلل 4/ 584): ((ضعيفُ الحديثِ)). وضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ (لسان الميزان 39).

وقال أحمدُ: ((يحيى بنُ السَّكَن شَرِيكُ أبي الوليدِ الطَّيالِسيِّ في الحديثِ)) (العلل رواية ابنه عبد الله 1995). وقال عليُّ بن الحسين بن حبان: وجدتُ في كتاب أبي بخط يده: ((سألتُ أبا زكريا -أي يحيى بن معين- قلتُ له فأبو عباد يحيى بن عباد البصري قال: لم يكن بذاك قد سمع، وَكان صدوقًا وقد أتيناه فأخرج كتابًا فإذا هو لا يُحسنُ يقرأه فانصرفنا عنه قلتُ له: فيحيى بن السكن أثبتُ عندك منه؟ قال: نعم هذا أيقظهما وأكيسهما)) (تاريخ بغداد 16/ 218).

وشَذَّ ابنُ حبان فذكره في (الثقات 9/ 253). ولخَّصَ القولَ فيه الذهبيُّ

(1)

وذكر الخطيب من الرواة عنه: الفضل بن يعقوب الرخامي. وهذا مما لا يجعل مجالًا للبس بينه وبين يحيى بن محمد بن السكن شيخ البخاري وأبي داود، فإن هذا من طبقة وذاك من طبقة أخرى.

ص: 38

فقال: ((ليس بالقوي)(ميزان الاعتدال 9525)، وقال في (التذكرة 2/ 109):((فيه لين))، ولكن قال في (المغني 6975):((ضعَّفَهُ صالح جزرة وقَبِلَهُ غيرُهُ))، وقال في (ديوان الضعفاء 4635):((صويلحٌ، ضعَّفه صالح جزرة)). كأن صالح جزرة تفرَّدَ بتضعيفه، وقد ضعَّفه -أيضًا- أبو حاتم، والدارقطنيُّ، واتَّهمه أبو الوليد الطيالسيُّ، فالمعتمدُ ضَعْفُهُ. والله أعلم.

ومع هذا قال الحافظ ابن حجر: ((وإسنادُهُ حسنٌ ليس فيه إِلَّا أبو هلال الراسبي وهو صدوقٌ))! (التلخيص 1/ 190).

وهذا غريبٌ منه، فليس الشأنُ في أبي هلال فهو متابع من يزيد بن إبراهيم وهو التستريُّ ثقة ثبت من رجال الشيخين، لكن الحافظَ تابعٌ في ذلك لابنِ الملقنِ حيثُ ذكر هذا الطريقَ في (البدر المنير 1/ 550 - 551)، وأَخَذَ يَنْقُلُ أقوالَ أئمةِ الجرحِ والتعديلِ في أبي هلال الراسبي، فجاءَ الحافظُ فلخَّصَ ذلك بقوله:((إسنادُهُ حسنٌ))، فأبعدا النُّجعةَ.

وقد تقدَّمَ أن المحفوظَ عنِ ابنِ سيرينَ بلفظِ: ((أُولَاهُنَّ))، كذا رواه أثبتُ الناسِ فيه وهو هشام بن حسان، وتابعه على ذلك جماعةٌ من الثقاتِ، فهي الصوابُ، والله أعلى وأعلم.

الطريق السادس:

رواه البزارُ (9720) قال: حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا الوليد بن أبي ثور، حدثنا السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة وفيه:((أَحْسِبُهُ قَالَ: إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)).

قال البزارُ: ((وهذا الحديثُ لا نعلمُ رواه عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، إِلَّا الوليد بن أبي ثور)).

ص: 39

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عللٍ:

الأولى: الوليد بن عبد الله بن أبي ثور: ((ضعيف)) كما في (التقريب 7431).

الثانية: عبد الرحمن بن أبي كريمة والد إسماعيل السدي: ((مجهول الحال)) (التقريب 3990).

الثاثلة: إسماعيل السدي، مُتَكلَّمٌ فيه، ولذا قال الحافظ:((صدوقٌ يهمُ)) (التقريب 463).

فَنَخْلُصُ مِنْ هَذَا بأنَّ الطريقَ الأول والثالث، الصوابُ فيهما بلفظِ:((أُولَاهُنَّ)).

والطريق الرابع والخامس والسادس: فأسانيدهم ضعيفة، لا تقوم بهم حجة.

أما الطريق الثاني: فمختلفٌ في متنه بين ذكر التُّرابِ وعدمه، والصوابُ عدم ذِكْرِهِ فيه.

ولذا قال النوويُّ في (المجموع): ((وأما روايةُ المصنِّفِ: ((إِحْدَاهُنَّ)) فغريبةٌ؛ لم يذكرْهَا البخاريُّ ومسلمٌ وأصحابُ الكتبِ المعتمدة إِلَّا الدارقطني فذكرها من رواية عليٍّ رضي الله عنه

(1)

)) (المجموع 2/ 580).

ومع هذا نقلَ العراقيُّ عن النوويِّ: ((أنها روايةٌ ثابتةٌ))! (طرح التثريب 2/ 129).

(1)

ولفظه: ((إِحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ)) وإسنادُهُ واهٍ كما سيأتي بيانُه.

ص: 40

روايةُ: ((إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ)):

• وفي رِوَايةٍ: ((إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلَا يَمْنَعْ فَضْلَ مَاءٍ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ، وَمِنْ حَقِّ الْإِبِلِ أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ يَوْمَ وِرْدِهَا)).

[الحكم]:

صحيح المتن مُفرَّقًا، وإسنادُهُ حسنٌ بهذا التمام.

[التخريج]:

[حم 8725، 10252].

[السند]:

قال أحمد (8725): ثنا موسى بن داود، ثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، به.

ورواه في موضع آخر (10252): عن سريج بن النعمان، قال: حدثنا فليح، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، إِلَّا أَنَّ فليحَ بنَ سليمانَ مُخْتَلَفٌ فيه، وقد سبقتْ ترجمتُه موسعةً في ((باب سؤر المؤمن))، وانتهينا إلى أنه حسن الحديث، ما لم يخالف أو يأتِ بما يستنكر، وحديثُه هذا محفوظٌ بفقراته الثلاث:

فالفقرة الأولى في الاستجمار أخرجها الشيخان من حديث أبي هريرة أيضًا.

والفقرة الثانية في ولوغ الكلب تقدَّم تخريجُها.

ص: 41

والفقرة الثالثة في فضل الماء أخرجها الشيخان من حديث أبي هريرة أيضًا.

والفقرة الرابعة في حلب الإبل أخرجها الشيخان من حديث أبي هريرة أيضًا، وهي عند البخاري من طريقين، أحدهما طريق فليح هذا.

رواية فلا يجعل فِيهِ شيئا

• وفي رِوَايةٍ بلفظِ: ((إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أَحَدكُمْ فَلَا يَجْعَلْ (يَغْمِسْ)

(1)

فِيهِ شَيْئًا، حَتَّى يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ)).

[الحكم]:

صحيح المتن، دون قوله ((فَلَا يَجْعَلْ فِيهِ شَيْئًا))، فإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[طس 3719 ((واللفظ له))، 4911 ((والرواية له)) / نهي (إمام 1/ 262)].

[التحقيق]:

له طريقان:

الأول:

رواه الطبرانيُّ (3719): عن عثمان بن خالد بن عمرو السلفي، قال: نا

(1)

قال محقق الأوسط: ((كذا يمكن أن تقرأ)) اهـ، قلنا: فلعل كلا اللفظين واحد، لا سيَّما وطريقهما واحد، والكلمة الواضحة ((يجعل)) أولى من المشكلة، والله أعلم.

ص: 42

إبراهيم بن العلاء الزبيديُّ، قال: نا إسماعيل بن عياش، قال: نا إبراهيم بن محمد، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، به.

ورواه الطبرانيُّ -أيضًا- (4911): عن عمرو بن محمد بن عبد الجبار بن سليم الزبيديِّ الحمصيِّ، قال: وَجَدْتُ في كتاب جدِّي عبد الجبار بن سليم الزبيديِّ، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن إبراهيم بن محمد، به.

قال الطبرانيُّ: ((لم يروه عن صفوان بن سليم إِلَّا إبراهيم بن محمد تفرَّدَ به إسماعيلُ بنُ عَيَّاشٍ)).

قلنا: وهذا إسنادٌ ساقطٌ؛ إبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى الأسلميُّ، وهو ((متروكٌ)) كما في (التقريب 241). بل وكذَّبه غيرُ واحدٍ من الأئمةِ. انظر:(تهذيب التهذيب 1/ 158 - 161).

وإسماعيل بن عياش مخلط في المدنيين وشيخُه هنا مدنيٌّ.

الطريق الثاني:

رواه القاضي محمد بن بدر في كتاب (النهي) - كما في (الإمام) لابن دقيق العيد - قال: حدثنا مقدام، ثنا عمي، ثنا المفضل بن فضالة، أخبرني ابنُ جُرَيجٍ، عن ثابت بن عياض - مولى عبد الرحمن بن زيد -، عن أبي هريرة، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه علتان:

الأولى: مقدام هو ابن داود بن عيسى بن تليد الرعينيُّ؛ قال النسائيُّ: ((ليس بثقة))، وقال الدارقطنيُّ:((ضعيف))، وقال ابنُ أبي حاتم، وابن يونس:((تَكَلَّموا فيه))، وقال محمد بن يوسف الكنديُّ:((كان فقيهًا، لم يكن بالمحمود في الرواية)). انظر: (الجرح والتعديل 8/ 303)،

ص: 43

و (الميزان 4/ 175 - 176)، و (اللسان 8/ 144).

الثانية: الانقطاع، فلم يسمعه ابنُ جُرَيجٍ من ثابتٍ، بينهما زيادُ بنُ سعدٍ، فقد سبقَ الحديثُ - كما عند النسائيِّ في (المجتبى 65)، وأحمدَ (7672) وغيرِهِما - من طرقٍ، عن ابنِ جُرَيجٍ قال: أخبرني زياد بن سعد، أن ثابتَ بنَ عياضٍ، مولى عبد الرحمن بن زيد، أخبره أنه سمع أبا هريرة، فذكره، وليس فيه:((فَلَا يَجْعَلْ فِيهِ شَيْئًا)).

رِوَايةُ: (ويغسله ثلاث مرات):

• وفي رِوَايةٍ: ((إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقَهُ، ويَغْسِلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)).

[الحكم]:

منكر بلفظِ: ((ثَلَاث))، قاله إبراهيم الحربيُّ، وابنُ عَدِيٍّ، والجورقانيُّ، والألبانيُّ، وقال ابنُ الجوزيِّ: لا يصحُّ. والصوابُ فيه: ((سَبْعَ مَرَّاتٍ)) كما سبقَ.

[التخريج]:

[عد (4/ 31) / طيل 354 / علج 544 / نقور 50].

[السند]:

رواه ابن عدي - ومن طريقه الجورقاني في (الأباطيل)، وابن الجوزي في (العلل)

(1)

- قال: حدثنا أحمد بن الحسن الكرخي من كتابه، حدثنا

(1)

وليس معلقًا، فقد ذكر سنده إلى ابن عدي عند حديث رقم (542)، والله أعلم.

ص: 44

الحسين الكرابيسي، حدثنا إسحاق الأزرقُ، حدثنا عبد الملك، عن عطاء، عن (أبي هريرة)

(1)

، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله ثقات عدا الحسين الكرابيسي، وهو فقيه إمام إِلَّا أَنَّ الإمام أحمد تَكلم فيه من أجل مسألة اللفظ بالقرآن، فتكلم هو في أحمد أيضًا، فهجره الناس وسقط عندهم لذلك، وقال الحافظ:((صدوق فاضل تكلم فيه أحمد لمسألة اللفظ)) (التقريب 1337)، وانظر:(اللسان 2/ 303).

وقد أخطأ الكرابيسي في رفع هذا الحديث، وخالفه فيه الثقات:

فرواه ابن عدي في (الكامل 4/ 31) من طريق عمر بن شَبَّة. ورواه الدارقطني في (السنن 196): من طريق سعدان بن نصر. كلاهما، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الملك به موقوفًا.

وعمر بن شَبَّة وسعدان ثقتان، فروايتهما هي الصواب، ويؤيدهما:

ما رواه الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 23): من طريق عبد السلام بن حرب. ورواه الدارقطني في (السنن 196، 197): من طريق أسباط بن محمد، وابن فضيل. ثلاثتهم: عن عبد الملك به موقوفًا.

فهذا يؤكد خطأ الكرابيسي في رفع هذا الحديث، ولذا أنكره عليه

(1)

وقع في مطبوع الكامل في طبعاته الثلاث: ((الزُّهْرِيّ))، وهو تصحيف ظاهر، فليس للزهري في هذا الحديث ذكر، وقد رواه الجورقاني وابن الجوزي من طريق ابن عدي على الصواب، وكذا عزاه له الزيلعي في (نصب الراية 1/ 131)، والعيني في (عمدة القاري 3/ 41)، وقد أشار الألباني في (الضعيفة) إلى هذا الخطأ. والله أعلم.

ص: 45

ابن عدي وغيره:

قال ابن عدي: ((وهذا لا يرويه غير الكرابيسي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ما ذكر في متنه من الإهراقة وغسل ثلاث مرات))، ثم قال:((والحُسَين الكرابيسي له كتب مصنفة، وذكر فيها اختلاف الناس من المسائل، وكان حافظًا لها، وذكر في كتبه أخبارًا كثيرة، ولم أجدْ منكرًا غير ما ذكرت من الحديث، والذي حمل أحمد بن حنبل عليه فإنما حمل عليه من أجل اللفظ في القرآن، فأما في الحديث فلم أر به بأسًا)) (الكامل 4/ 31).

ونقل مغلطاي عن الحربي أنه قال: ((حديث الثلاث منكر، والأصل فيه موقوف)) (شرح مغلطاي على ابن ماجه 1/ 274).

وقال الجورقاني: ((هذا حديث منكر، لم يرفعه عن إسحاق الأزرق غير الكرابيسي بهذا الإسناد، وهو ضعيف الحديث، لا يحتج بحديثه. والأصل في هذا الحديث موقوف)) (الأباطيل 1/ 546).

وقال ابن الجوزي: ((هذا حديث لا يصح))، وذكر نحو كلام الجورقاني (العلل المتناهية 1/ 333).

وقال الألباني: ((منكر بلفظ ثلاث))، وألصق الوهم في رفعه بالكرابيسي فقال:((ومن الثابت أنه وهم في هذا الحديث)) ثم دلل على ذلك بمخالفته لمن ذكرنا من الثقات، وبالمحفوظ عن أبي هريرة من طرق عدة بالتسبيع، ثم قال:((فهل يبقى بعد هذا البيان أدنى شك لدى أي منصف في كون حديث أبي هريرة في التثليث شاذًا، بل منكرًا كما وصفه ابن عدي، بل باطلًا كما هو ظاهر؟ ! )) (الضعيفة 1037).

وبهذا تعلم ما في قول الكشميري من قصور، حيث قال: ((وفتوى التثليث

ص: 46

مرفوعة في (كامل ابن عدي) عن الكرابيسي وهو حسين بن علي تلميذ الشافعي

حافظ إمام

فالحديث حسن أو صحيح)) (العرف الشذي 1/ 124).

وقد رد عليه المباركفوري فقال: ((تفرد برفعها الكرابيسي ولم يتابعه على ذلك أحد وقد صرح بن عدي في الكامل بأن المرفوع منكر)) (تحفة الأحوذي 1/ 256).

[تنبيه]:

اعلم أن ترجيحنا الوقف في رواية عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة في ((غسل الإناء ثلاثًا))، لا يعني صحتها، فهي معلولة أيضًا، فقد روى الدارقطني في (السنن 183) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ قَالَ: ((يُهَرَاقُ وَيَغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ)).

فهذه الرواية موافقة لحديث أبي هريرة المرفوع، وهي أصح سندًا من رواية عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، لأَنَّ عبد الملك فيه كلام معروف، ولذا قال الحافظ:((ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر، أما النظر فظاهر، وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه، وهذا من أصح الأسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير)) (الفتح 1/ 277)، وانظر:(السلسلة الضعيفة 1037).

قلنا: وقد وقفنا له على طريق آخر:

أخرجه أبو الحسن ابن الحمامي كما في (مجموع مصنفاته 12) - ومن

ص: 47

طريقه ابن النقور في (الفوائد الحسان 50) - قال: حدثنا زيد بن علي [بن يونس]، حدثنا محمد بن موسى بن إبراهيم الفارسي من حفظه: حدثنا بشر بن علي الكرماني، حدثنا حسان بن إبراهيم: حدثنا أبان بن تغلب، عن الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح، عن أبي هريرة به مرفوعًا بلفظ:((إِذَا وَلِغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ)).

وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ أبو الحسين زيد بن علي بن يونس لم نقف له على ترجمة، وقد خولف كما سيأتي.

ومحمد بن موسى بن إبراهيم، وهو الإصطخري شيخ الطبراني:((ضعيف جدًّا))، انظر:(إرشاد القاصي والداني 1018).

وقد رواه الطبراني عنه في (الأوسط 7644)، وفي (الصغير 942) بهذا الإسناد بلفظ:((سَبعَ مَرَّاتٍ)).

وكذا رواه البزار (9686) من طريق محمد بن أبي يعقوب الكرماني (ثقة)، عن حسان بن إبراهيم، به.

وكذا رواه الحفاظ عن الأعمش، كما تقدم. فهذه رواية منكرة كسابقتها.

ولذا قال أبو الحسن ابن الحمامي: ((هذا حديث غريب من حديث أبان بن تغلب، تفرد به حسان بن إبراهيم)).

* * *

ص: 48

روايةُ (يغسله ثلاثًا أو خمسًا، أو سبعًا):

• وفي رواية: ((يَغْسِلُهُ ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا)).

[الحكم]:

باطل، وإسناده ساقط، وضعفه الدارقطني، والبيهقي، والجورقاني، وابن الجوزي، وعبد الحق الإشبيلي، والغساني، والنووي، وابن أبي العز الحنفي، وابن الملقن والعراقي. وقال النووي:"حديث ضعيف باتفاق الحفاظ".

[التخريج]:

[قط 193 ((واللفظ له))، 194/ هقخ 897 / تحقيق 57].

[السند]:

رواه الدارقطني في (السنن 193) - ومن طريقه البيهقي في (الخلافيات)، وابن الجوزي في (التحقيق) - قال: ثنا جعفر بن محمد بن نصير، نا الحسن بن علي المعمري، نا عبد الوهاب بن الضحاك، نا إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.

ثم رواه الدارقطني (194) - أيضًا -: عن عبد الباقي بن قانع، نا الحسين بن إسحاق، نا عبد الوهاب بن الضحاك، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ساقط؛ مداره من الوجهين على عبد الوهاب بن الضحاك، وهو كذاب، رماه أبو داود وغيره بالوضع، وفي (التقريب 4257):((متروك كذبه أبو حاتم)).

ص: 49

قلنا: وقد رواه غيره عن ابن عياش على الصواب:

قال الدارقطني: ((تفرد به عبد الوهاب عن إسماعيل؛ وهو متروك الحديث، وغيره يرويه عن إسماعيل بهذا الإسناد: ((فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا))، وهو الصواب)).

ثم رواه الدارقطني (195) من طريق عبد الوهاب بن نجدة وغيره عن ابن عياش به بلفظ ((فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ))، ثم قال:((وهو الصحيح)).

ولذا قال البيهقي: ((وهذا ضعيف بمرة، عبد الوهاب بن الضحاك متروك الحديث)) (معرفة السنن والآثار 1729). وبنحوه في السنن (عقب رقم 1141) وزاد: ((وإسماعيل بن عياش؛ لا يحتج به؛ خاصة إذا روى عن أهل الحجاز، وقد رواه عبد الوهاب بن نجدة عن إسماعيل عن هشام عن أبي الزناد: ((فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ)) كما رواه الثقات)).

قلنا: وعلى هذا، فإعلاله بإسماعيل بن عياش ليس بجيد؛ لأنه رواه على الصواب من رواية ابن نجدة، ولذا لم يعله الدارقطني إِلَّا بعبد الوهاب بن الضحاك.

وقد رواه البيهقي في (المعرفة 1733) من طريق آخر، عن عبد الوهاب بن الضحاك على الصواب بلفظ ((سبع)) بلا شك أو تخيير، ثم قال:((وإنما رواه عنه بالتخيير أو بالشك الحسن بن علي المعمري وكان كثير الغلط)) اهـ.

كذا قال، والمعمري لم ينفرد به، بل تابعه الحسين بن إسحاق التستري كما سبق عند الدارقطني.

وقال ابن أبي العز الحنفي: "فلا يعارض هذا الحديثُ الضعيفُ الحديثَ الصحيحَ المتفق على صحته في الأمر بالسبع"(التنبيه على مشكلات الهداية 1/ 364).

ص: 50

والحديث ضعفه أيضًا: ابن الجوزي في (العلل)، والجورقاني في (الأباطيل)، وعبد الحق الإشبيلي في (الأحكام الوسطى 1/ 235)، والغساني في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني ص: 13)، والعراقي في (طرح التثريب 2/ 114)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 547).

وقال النووي: ((حديث ضعيف باتفاق الحفاظ؛ لأَنَّ راويه عبد الوهاب مجمع على ضعفه وتركه)) (المجموع 2/ 534).

روايةُ (فَلْيُمِضَّهُ بِالْمَاءِ):

• وفي رواية بلفظ: ((فَلْيُمِضَّهُ بِالْمَاءِ سَبْعًا)).

[الحكم]:

منكر بهذا اللفظ، واستغربه ابن دقيق العيد، والمحفوظ:((فَلْيَغْسِلَهُ)).

[التخريج]:

[عوالي أبي الشيخ (إمام 1/ 255)]

[اللغة]:

قوله: ((فَلْيُمِضَّهُ)). يُقال مَضَّهُ الشيء مَضًّا ومضيضًا: بلغ من قلبه الحُزن به، كأمَضَّهُ، ومَضَّ الخَلُّ فاهُ: أحرقه، ومَضَّ الكُحْلُ العيْنَ يَمُضُّها - بالضم والفتح -: آلَمَها، كأَمَضَّها، وكُحْلٌ مَضٌّ: مُمِضٌّ، وأمَضَّهُ جِلْدُه فَدَلَكَهُ: أحَكَّهُ. والمَضُّ: المَصُّ، أو أبْلَغُ منه، وبالكسر: أن يقولَ بشفَتِهِ شِبْهَ لا وهو مُطْمِعٌ، يقال: مِضٌّ، مَكْسُورَةً مُثَلَّثَةَ الآخِرِ مَبْنِيَّةً، ومِضٌّ،

ص: 51

مُنَوَّنَةً: كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى لا. والمَضُّ - بالفتح -: حَجَرٌ في البِئْرِ العادِيَّةِ، يُتْبَعُ ذلك حتى يُدْرَكَ فيه الماء، ورُبَّما كان لها مَضَّانِ. والمَضْمَضَةُ: تحريكُ الماء في الفَمِ، وغَسْلُ الإِناء وغيرِهِ. ينظر:(القاموس المحيط، مادة: مضه، ص 654).

[السند]:

رواه أبو الشيخ الأصبهاني: من طريق نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن حيوة بن شريح، عن أبي يونس - واسمه سليم بن جبير -، عن أبي هريرة، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ من أجل نعيم بن حماد، فالجمهور على تليينه، ولذا قال الحافظ:((صدوق يخطئ كثيرًا)) (التقريب 7166).

ومع ضعفه قد خولف فيه:

فقد ذكر ابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 221) أن ابن منده رواه من طريق ابن المبارك به بلفظ الجماعة: ((فَلْيَغْسِلَهُ))، وقال:((ورواه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس نحوه)).

قلنا: وهذا هو المحفوظ من طرق متواترة عن أبي هريرة كما تقدم، ولذا قال ابن دقيق العيد:((لفظة غريبة)) (الإمام 1/ 221).

* * *

ص: 52

315 -

حديث ابن عمر:

◼ عَن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أَحَدِكُم، فَليَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ [أُولَاهُنَّ أو أُخرَاهُنَّ بالتُّرَابِ])).

[الحكم]:

صحيح المتن بلفظ ((أُولَاهُنَّ)) بلا شك كما تقدم من حديث أبي هريرة، وهذا الشاهد ضعيف معلول، وضعفه مغلطاي، وقال الحافظ إبراهيم ابن أورمة:((ليس له أصل)).

[التخريج]:

[جه 370 ((واللفظ له)) / طب (12/ 365/ 13357) / هقخ 894، 895 ((والزيادة له ولغيره)) / مقط (3/ 1420) / فقط (أطراف 3382) / غطر 17/ معر 2230/ خط (5/ 59) / سلمي (طبقات ص 203 - 204) / خلع 736/ تد (2/ 325)].

[التحقيق]:

له طريقان عن ابن عمر:

الطريق الأول:

رواه ابن ماجه: عن محمد بن يحيى الذهلي، عن سعيد بن أبي مريم، قال: أنبأنا (عبد الله)

(1)

بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به.

(1)

وقع في مطبوع سنن ابن ماجه (تحقيق محمد فؤاد) تبعًا لبعض النسخ: ((عبيد الله)) مُصَغَّرًا، قال المزي في (التحفة 6/ 108):((وهو وهم))، وسبقه لذلك ابن عساكر في ((أطرافه))، وتبعه مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 271)، وقد أثبته محققو طبعات (التأصيل، والرسالة، والمكنز) على الصواب ((عبد الله))، وكذا في بقية المصادر، وهو المذكور في شيوخ ابن أبي مريم.

ص: 53

ورواه الطبراني في (الكبير) عن يحيى بن أيوب العلاف.

ورواه ابن الأعرابي في (معجمه) عن علي بن داود القنطري.

ورواه ابن الغطريف في (جزء له) من طريق أحمد بن منصور الرمادي.

وأخرجه البيهقي في (الخلافيات 894) من طريق يعقوب بن سفيان الفارسي.

كلهم، عن سعيد بن أبي مريم، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به.

وهذا إسناد ضعيف؛ رجاله ثقات غير عبد الله بن عمر، وهو العمري المكبر:((ضعيف عابد)) كما في (التقريب 3489).

وقد تُحرِفَ اسمُه في بعض نسخ ابن ماجه إلى ((عبيد الله)) - مصغرًا - أخو عبد الله، والمصغر ثقة ثبت، ولذا صحح سنده الألباني في (الإرواء 1/ 62)، و (الضعيفة 3/ 132)؛ لكن الصواب فيه ((عبد الله)) مكبرًا كما ذكرناه في الحاشية آنفًا.

وكذا وقع في نسخة رآها مغلطاي (عبيد الله) - مُصَغرًا - لكن قال مغلطاي: ((هذا حديث ظاهر إسناده صحيح على شرط الشيخين، وليس كذلك؛ لقول ابن عساكر في كتاب الأطراف: وفي نسخة (عبد الله) وهو أشبه، ولما ذكر ابن سرور مشايخ سعيد بن الحكم بن أبي مريم، لم يذكر عبيد الله فيهم، إنما ذكر عبد الله، وبذلك يخرج الإسناد من الصحة إلى الضعف)) (شرح ابن ماجه 1/ 271 - 272).

قلنا: ومع ضعفه فقد اضطرب فيه أيضًا:

فرواه ابن أبي شيبة في (المصنف 1831): عن حماد بن خالد الخياط،

ص: 54

عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا.

وحماد بن خالد ثقة حافظ كسعيد ابن أبي مريم، فالحمل فيه على العمري، والله أعلم.

الطريق الثاني:

أخرجه الدارقطني في (المؤتلف والمختلف) - ومن طريقه الخطيب في (تاريخ بغداد) - قال: حدثنا الحسن بن علي البرذعي، وأحمد بن إسحاق بن بنجاب، قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن ساكن أبو عبد الله الزنجاني، حدثنا نصر بن علي، حدثنا عبد الأعلى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، به.

وأخرجه الدارقطني في الأفراد، والسلمي في (طبقات الصوفية) - ومن طريقه ذكره الرافعي في تاريخ قزوين -، والبيهقي في (الخلافيات 895)، وأبو الحسن الخلعي: من طرق، عن أحمد بن محمد بن (ساكن)

(1)

الزنجاني، حدثنا نصر بن علي (أبو عمرو البصري)، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، به.

قال أبو عبد الله الحاكم: ((تفرد به ابن ساكن، عن نصر بن علي)) (الخلافيات 895).

وابن ساكن هذا صدوق إمام، انظر:(الجرح والتعديل 2/ 74)،

(1)

- بالسين المهملة والنون، ووقع في (الأفراد للدارقطني)، و (طبقات الصوفية):((شاكر)) بالمعجمة والراء، وهو تحريف، والصواب المثبت كما ضبطه الدارقطني في (المؤتلف والمختلف 3/ 1419)، وانظر الإكمال (4/ 244)، و (توضيح المشتبه 4/ 228).

ص: 55

و (الإرشاد 661)، و (تاريخ الإسلام 6/ 897)، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.

لكن أَعلَّ هذا الطريق إبراهيم بن أورمة الحافظ، فقد نقل الخطيب، وأبو عبد الرحمن السلمي عقب الحديث عن أحمد بن محمد بن (ساكن) أنه قال:((حضر إبراهيم بن أورمة هذا المجلس فقال [لنصر بن علي]: ((يا أبا عمرو؛ لا تروه، فليس له أصل))، فلا أدري رواه بعد أم لا)) اهـ.

وابن أورمة إمام حافظ ثقة عالم بهذا الشأن، انظر ترجمته في (سير أعلام النبلاء 13/ 145 - 146).

وقوله: ((ليس له أصل)) لعله يريد أي من حديث ((عبيد الله))، فالمحفوظ عن ((عبد الله))، أو لعله يريد ليس له أصل مرفوعًا عن ابن عمر، فالمحفوظ عنه موقوفًا.

فقد رواه الثوري - كما عند عبد الرزاق (339) -، وعبد الرحيم بن سليمان الكناني - كما عند ابن أبي شيبة (307) - كلاهما، عن عبيد الله (زاد عبد الرحيم: وحجاج)، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا:((أنه كان يكره سؤر الكلب))، والله أعلم.

وأشار لضعف حديث ابن عمر البيهقي فقال: ((وروي عن علي، وابن عمر، وابن عباس، مرفوعًا في الأمر بغسله سبعًا والاعتماد على حديث أبي هريرة لصحة طريقه، وقوة إسناده)) (معرفة السنن والآثار 2/ 60).

وقال أيضًا: وإسناد حديث علي رضي الله عنه أضعف هذه الأسانيد، وإسناد حديث ابن عباس وحديث عبد الله العمري أمثل، وفيما مضى من حديث أبي هريرة وعبد الله بن مغفل كفاية)) (الخلافيات 3/ 52).

ص: 56

[تنبيه]:

لحديث ابن عمر طريق ثالث عند ابن عدي بلفظ: ((وَلَوثُوهُ الثامنَةَ بالتُّرَابِ))، وسيأتي الكلام عليه عقب حديث عبد الله بن المغفل الآتي قريبًا.

ص: 57

316 -

حديث ابن عباس

◼ عن عَبد الله بن عباس رضي الله عنهما قَالَ: ((أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في الإِنَاءِ أَنْ يُغسَلَ سَبعَ مِرَارٍ)).

[الحكم]:

صحيح المتن من حديث أبي هريرة، وهذا إسناده ضعيف، وضعفه ابن دقيق العيد.

[التخريج]:

[بز 4839 ((واللفظ له)) / سبز (إمام 1/ 257) / طب (11/ 225/ 11566) / عد (1/ 530) / هقخ 896].

[السند]:

رواه البزار في (المسند) قال: حدثنا سعيد بن يحيى قال: حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد قال: حدثني إبراهيم بن إسماعيل، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.

ورواه ابن عدي - ومن طريقه البيهقي في (الخلافيات) - عن عبد الله بن إسحاق المدائني، ثنا سعيد بن يحيى الأموي، به.

ورواه الطبراني من طريق ابن أبي مريم، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، به.

فمداره عند الجميع على إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، به.

وقال البزار: ((لا نعلمه يُروَى عن ابن عباس إِلَّا بهذا الإسناد

)) (كشف الأستار 1/ 146)

(1)

.

(1)

وسقط هذا القول من المطبوع.

ص: 58

وذكره ابن دقيق العيد أن البزار رواه في الطهارة من (السنن)، وقال:((وهذا الحديث لا نعلم يروى عن ابن عباس إِلَّا بهذا الإسناد، وقد رواه عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم)(الإمام 1/ 257).

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:

الأولى: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، وهو ((ضعيف)) كما في (التقريب 146).

وبه ضعفه ابن دقيق العيد، فقال:((إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة يُستضعف)) (الإمام 1/ 257).

وقال الهيثمي: ((رواه الطبراني والبزار بنحوه وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وثقه أحمد واختلف في الاحتجاج به)) (المجمع 1586).

قلنا: الجمهور على تضعيفه وهو الراجح، كما اعتمده الحافظ.

الثانية: داود بن الحصين وإِنْ كَانَ ثقة؛ إِلَّا أنه ضعيف في عكرمة، قال ابن المديني:((ما روى عن عكرمة، فمنكر الحديث))، وقال أيضًا:((مرسل الشعبي أحبُّ إليَّ من داود عن عكرمة عن ابن عباس))، وقال أبو داود:((أحاديثه عن عكرمة مناكير))، انظر (تهذيب التهذيب 3/ 182). ولذا قال الحافظ:((ثقة إِلَّا في عكرمة)) (التقريب 1779).

وقد سبق في حديث ابن عمر أن البيهقي أشار إلى ضعفه، كما في (معرفة السنن والآثار 2/ 60)، و (الخلافيات 3/ 52).

ص: 59

317 -

حديث ابن المسيب مرسلًا:

◼ عن سعيد بن المسيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم به

(1)

.

[الحكم]:

صحيح المتن، وهذا مرسل ضعيف، وهو وهم، الصواب فيه: عن أبي هريرة، قاله الدارقطني.

[التخريج]:

[علقط (4/ 77) معلقًا]

[السند والتحقيق]:

قال الدارقطني في أثناء ذكر الاختلاف فيه على أبي هريرة: ((ورُويَ عَن قَتادة، عَن سعيد بن المُسَيَّب، عَن النَّبي صلى الله عليه وسلم مُرسَلٌ، قاله سعيد بن بَشير، عَن قَتادة، ووَهِم فيه، وإِنما رَواه قَتادة، عَن ابن سِيرِين، عَن أَبي هُريرة وهو الصَّحيح)).

قلنا: وسعيد بن بشير ضعيف خاصة في قتادة، لكن قد رواه عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة على الصواب كما عند الدارقطني في (السنن 189).

فلعل الخطأ ممن دونه، أو يكون الاضطراب منه. والله أعلم.

(1)

أحاله الدارقطني على لفظ حديث أبي هريرة: ((إذا ولغ الكلب

)).

ص: 60

318 -

حديث ابن مغفل:

◼ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ رضي الله عنه، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ:«مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟ » ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ، وَقَالَ:«إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي (بـ) التُّرَابِ» .

[الحكم]:

صحيح (م). وقال ابن منده: ((مجمع على صحته)).

[الفوائد]:

بين هذا الحديث، وحديث أبي هريرة السابق تعارض ظاهر، ففي هذا الحديث:(يُغسل الإناءُ سبعًا والثامنة بالتراب)، وفي حديث أبي هريرة السابق:(يُغسل سبعًا أولاهن بالتراب)، وللعلماء من هذين الحديثين موقفان:

الأول: الترجيح. والثاني: الجمع بينهما.

ولا يتم الجمع بين الحديثين إِلَّا بشيء من التكلف؛ ولذا ذهب البيهقي إلى الترجيح دون الجمع، فقال:((وأبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره فروايته أولى)) (السنن عقب حديث ابن مغفل).

وقال في المعرفة: ((وإذ صرنا إلى الترجيح بزيادة الحفظ، فقد قال الشافعي رحمه الله: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره)) (معرفة السنن والآثار 2/ 59).

قال العراقي: ((فرجح البيهقي روايته، بكونه أحفظ، وهو أحد وجوه الترجيح عند المعارضة)) (طرح التثريب 2/ 119). وهذا الترجيح متعقب كما سيأتي.

ص: 61

وللشافعي عذر آخر في ترك العمل بحديث ابن المغفل، فنقل عنه أنه قال:((هو حديث لم أقف على صحته))، قال ابن حجر:((ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته)) (الفتح 1/ 277)، وقال في (التلخيص 1/ 31): ((وهذا العذر لا ينفع أصحاب الشافعي الذين وقفوا على صحة الحديث، لا سيما مع وصيته

(1)

)).

ورجح الألباني حديث أبي هريرة، فقال: ((وحديث أبي هريرة أولى؛ لسببين:

الأول: ورود هذه الزيادة عنه من طريقين، الثاني: أن المعنى يشهد له؛ لأَنَّ تتريب الثامنة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه، والله أعلم)) (الإرواء 1/ 62).

قلنا: والسبب الأول لا وجه له هنا؛ لأَنَّ خلاصته ثبوت ذلك عن أبي هريرة، وحديث ابن المغفل ثابت عنه أيضًا، وهذا ظاهر.

أما السبب الثاني، فجوابه: أن مجرد تتريب الإناء لا يعد غسلًا إِلَّا إذا أُزيل التراب بالماء، ولذا عدَّه النبي صلى الله عليه وسلم غسلة واحدة فقال:((وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ))، وهذا واضح في كونها غسلة واحدة، غير أنه يستخدم فيها التراب بخلاف الباقي.

وقد اعتذر بعضهم عن العمل بحديث ابن المغفل بالإجماع على خلافه، وهذا غير مسلم؛ قال الحافظ: ((وفيه نظر؛ لأنه ثَبَتَ القولُ بذلك عن الحسن

(1)

يعني قوله: ((إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي))، وهي عبارة تكتب بماء الذهب، يا حبذا لو التزم بها المسلمون عامة، والعلماء وطلبة العلم على وجه الخصوص.

ص: 62

البصري، وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه

(1)

)) (الفتح 1/ 277).

ففي مقابل ترجيح البيهقي وغيره لحديث أبي هريرة، ذهب الحسن البصري وأحمد بن حنبل وغيرهما إلى العمل بحديث ابن المغفل، وقد أشار الطحاوي إلى أن الأخذ بحديثه أولى من حديث أبي هريرة، قال:((لأنه زاد عليه، والزائد أولى من الناقص)) (شرح معاني الآثار 1/ 23).

وبقول الطحاوي هذا تعقب ابن حجر على البيهقي؛ فقال - بعد ذكر ترجيحه -: ((وهذا متعقب؛ لأَنَّ حديث عبد الله بن مغفل صحيح، قال ابن منده: ((إسناده مجمع على صحته))، وهي زيادة ثقة، فيتعين المصير إليها، وقد ألزم الطحاوي الشافعية بذلك)) (التلخيص 1/ 24).

وقال ابن التركماني: ((بل رواية ابن مغفل أولى؛ لأنه زاد الغسلة الثامنة والزيادة مقبولة خصوصًا من مثله)) (الجوهر النقي 1/ 241).

ومال ابن دقيق العيد أيضًا إلى العمل بحديث ابن المغفل، فقال:((والحديث قوي فيه، فمن لم يقل به احتاج إلى تأويله بوجه فيه استكراه)) (طرح التثريب 2/ 123).

وصرح بذلك الصنعاني، فقال:((والحق مع الحسن البصري)) (سبل السلام 1/ 23).

(1)

قال حرب: وسئل أحمد عن الكلب يلغ في الإناء؟ قال: أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة:((يُغْسَل سَبعَ مِرار، أولاهُنَّ بِالتُّراب))، قال أحمد:((يُغْسَل سَبعَ مِرارٍ بالماء، والثامِنَة بِالتُّراب))؛ ذهب إلى حديث عبد الله بن مغفل. (مسائل حرب - الطهارة ص 105).

ص: 63

واعترض الحافظ ابن حجر على الترجيح كلية، فقال:((والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع، والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس، والزيادة من الثقة مقبولة، ولو سلكنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلًا؛ لأَنَّ رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته، ومع ذلك فقلنا به أخذًا بزيادة الثقة)) (الفتح 1/ 277).

ثم قال الحافظ: ((وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز فقال: ((لما كان التراب جنسًا غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودًا باثنتين)) ا. هـ.

يُشير بذلك إلى قول النووي - جامعًا بين الحديثين -: ((وأما رواية ((وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ)) فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعًا واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا والله أعلم)) (شرح مسلم 3/ 185).

وأشار ابن دقيق العيد إلى تضعيف هذا الجواب بأنه تأويل فيه استكراه، انظر:(طرح التثريب 2/ 119).

وذكر ابن حجر تعقب ابن دقيق وأجاب عنه فقال: ((وتعقبه - أي النووي - ابنُ دقيق العيد بأن قوله ((وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ)) ظاهر في كونها غسلة مستقلة، لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية، ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازًا، وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى)) (الفتح 1/ 277، 278).

فلجأ الحافظ إلى المجاز والتأويل المستكره - مثل النووي -، لأجل الجواب عن استشكال ابن دقيق، وأعرض عن ذلك الصنعاني جملة واحدة

ص: 64

فقال: ((وتأويل من قال بإخراجها من الحقيقة إلى المجاز كل ذلك محاماة على المذهب، والحق مع الحسن البصري)) (سبل السلام 1/ 23).

وقد ذكر الحافظ وجها آخر في الجمع بين الحديثين، وهو:((أن يكون حديث ابن المغفل محمولًا على من نسي استعمال التراب فيكون التقدير اغسلوا سبع مرات إحداهن بالتراب كما في رواية أبي هريرة فإن لم تعفروه في إحداهن فعفروه الثامنة))، ثم أجاب عن التكلف في هذا الجمع بقوله:((ويغتفر مثل هذا الجمع بين اختلاف الروايات، وهو أولى من إلغاء بعضها والله أعلم)) (التلخيص 1/ 31).

وأولى من ذلك ما أشار إليه الطحاوي في ردِّهِ على من خالفهم في ترك العمل بحديث أبي هريرة، حيث قال:((فكان ينبغي لهذا المخالف لنا أن يقول: لا يطهر الإناء حتى يغسل ثماني مرات السابعة بالتراب والثامنة كذلك ليأخذ بالحديثين جميعًا)) (شرح معاني الآثار 1/ 23).

كذا قال، والصواب أن يقول:(الأولى بالتراب والثامنة كذلك)؛ لأَنَّ الراجح في حديث أبي هريرة تتريب الأولى كما بينَّاه فيما سبق، وهذه طريقة أخرى بها يعمل بالحديثين معًا، وإِنْ كَانَت لا تخلو من مقال أيضًا.

ويمكن أن يقال: هاتان كيفيتان في تطهير الإناء من ولوغ الكلب كلاهما ثابت، فبأيهما أخذت فلا حرج، ولهذا أمثلة كثيرة في الشرع، كالاستنجاء بالماء أو الحجارة، والله أعلم.

[التخريج]:

(280/ 93)((واللفظ له))، 1573 مقتصرا على أوله / د 73 ((والرواية له ولغيره)) / ن 68، 340، 341/ كن 81/ جه 369،

ص: 65

3219، 3220/ حم 16792، 20566/ مي 755، 2031/ حب 1293/ عه 615، 616، 5749، 5750/ ش 1845، 37397، 20283/ مسن 647/ جا 53/ طح (1/ 23/ 75، 76)، (4/ 56/ 5288) مقتصرا على أوله/ مشكل 4670 مقتصرا على أوله/ ني 886/ قط 191/ بغ 2781/ هق 1164، 1200، 11138/ هقخ 891، 892، / ني 886/ محلى (1/ 110) / تمهيد (8/ 404)، (14/ 227، و 228)، (18/ 266) / استذ (20/ 123) / غحر (1/ 193) / تحقيق 55/ طيل 357/ حرب (طهارة 130) / طهارة (منده - إمام 1/ 264)]

[السند]:

قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن أبي التياح سمع مطرف بن عبد الله يحدث، عن ابن المغفل، به.

وقال مسلم أيضًا: وحدثنيه يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد يعني ابن الحارث، (ح) وحدثني محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، (ح)

وحدثني محمد بن الوليد، حدثنا محمد بن جعفر، كلهم عن شعبة، في هذا الإسناد بمثله.

قال مسلم: ((غير أن في رواية يحيى بن سعيد، من الزيادة: ((وَرَخَّصَ في كَلْبِ الغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ))، وليس ذَكَرَ (الزَّرْعَ) في الرواية غيرُ يحيى)) ا. هـ.

ورواه أحمد (20566) عن غندر، عن شعبة، به.

ورواه ابن منده: من طريق شبابة بن سوار ووهب بن جرير، عن شعبة به، وقال:((هذا إسناد مجمع على صحته)) (الإمام 1/ 264).

ص: 66

[تنبيهان]:

الأول: عند مسلم وغيره زيادة: ((وَكَلْبِ الزَّرْعِ))، وتكلم فيها الإمام مسلم كما في السند.

وعند ابن ماجه (3220)، والروياني (886) وغيرهما:((وَكَلْبِ الْعِينِ)). وهاتان الزيادتان في ثبوتهما نظر، لاسيما الأخيرة فقد تفرد بها عثمان بن عمر، عن كل أصحاب شعبة، فهي إِنْ لم تكن تصحيف من (الغنم)، كما ذكر السندي في (حاشيته على سنن ابن ماجه 2/ 288) عن الدميري، فهي شاذة قطعًا.

وسيأتي - إِنْ شاء الله تعالى - الكلام عليهما مفصلًا في محلهما من هذه الموسوعة.

الثاني: وهم ابن الجوزي في (التحقيق) فقال عقب هذا الحديث: ((انفرد بإخراجه البخاري))!.

وتعقبه ابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 83) فقال: ((لم يخرج هذا الحديث البخاري، وإنما أخرجه مسلم)).

وقال ابن الملقن: ((وهو سبق قلم منه قطعًا، فلعله أراد أن يكتب: انفرد به مسلم، فسبق القلم إلى البخاري، فليصلح)) (البدر المنير 1/ 547).

وقال ابن حجر: ((ولم يخرجه البخاري وعكس ابن الجوزي ذلك في كتاب التحقيق فوهم)) (التلخيص الحبير 1/ 30).

* * *

ص: 67

319 -

حديث ابن عمر:

◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه، عن النَّبِّي صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في الإِنَاءِ فَاغسلُوهُ سَبعًا وَلَوثُوهُ الثامنَةَ بالتُّرَابِ)).

[الحكم]:

صحيح المتن؛ صح من حديث ابن المغفل، وهو الصواب، وحديث ابن عمر هذا خطأ، وإسناده ضعيف، وأعلَّه ابن عدي والدارقطني.

[التخريج]:

[عد (5/ 579) / كر (56/ 183)].

[السند]:

رواه ابن عدي - ومن طريقه ابن عساكر - قال: حدثنا القاسم بن الليث، حدثنا هشام بن عمار، (ح) وحدثنا أبو الوضيء، حدثنا محمد بن هشام البعلبكي قالا: حدثنا سويد بن عبد العزيز، حدثنا شعبة، عن يزيد بن خمير، عن مطرف بن الشخير، عن عبد الله بن عمر، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ لضعف سويد بن عبد العزيز، ضعفه الأئمة: أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم، وضعفه الحافظ في (التقريب 2692).

ومع ضعفه فقد أخطأ في إسناده؛ فقد سبق عند مسلم وغيره من طرق، عن شعبة، عن أبي التياح (يزيد بن حميد)، عن مطرف، عن عبد الله بن المغفل، به.

فأخطأ في موضعين في الإسناد؛ قال ابن عدي: ((أخطأ سويد على شعبة في إسناد هذا الحديث في موضعين، - أو تعمد؛ إذ هو في حال الضعف -

ص: 68

حيث قال: (عن يزيد بن خمير)، وقال:(عن عبد الله بن عمر)، وإنما هو عن يزيد بن حميد أبي التياح البصري، ويزيد بن خمير شامي، وإنما هو عن عبد الله بن مغفل، لا عن ابن عمر))، ثم أسند حديثَ ابن مغفل من طريق سليمان بن حرب، عن شعبة، به ثم قال:((وهكذا رواه أصحاب شعبة عنه، وهو الصواب)) (الكامل 5/ 580).

وقال الدارقطني: ((رواه سُوَيد بن عبد العزيز، عن شعبة، عن يزيد بن خمير، عن مطرف بن عبد الله، عن ابن عُمر، ووهِمَ فيه في موضعين في الإسناد: في قوله: (يزيد بن خمير)، إنما هو: أبو التياح: يزيد بن حميد، وفي قوله:(عبد الله بن عُمر)، وإنما هو: عبد الله بن المغفل)) (العلل 2883).

* * *

ص: 69

320 -

حديث علي:

◼ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ، وَمَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لِغَيْرِ صَيْدٍ، وَلَا زَرْعٍ، وَلَا غَنَمٍ، أَوَى إِلَيْهِ كُلَّ لَيْلَةٍ قِيرَاطٌ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ أُحُدٍ. وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءٍ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ)).

[الحكم]:

منكر بهذا السياق، وإسناده ضعيف جدًّا، وضعفه الدارقطني، والبيهقي، والغساني، وابن عبد الهادي، والذهبي، وابن الملقن

(1)

، وابن حجر، والعجلوني، والألباني.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ، وَأَيُّمَا قَوْمٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ حَرْثٍ، أَوْ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِم كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ)) هذا هو المحفوظ في لفظ الحديث

(2)

.

[اللغة]:

قوله: (بالبطحاء): مَسيلٌ فيه دقاقُ الحَصى. (لسان العرب 2/ 412)، وقال الخطابي:((والبَطحاءُ: بطن مسيل فيه حجارة صغار)) (غريب الحديث 2/ 404). يقال: بَطحَاء الوَادي وأَبطَحُهُ: حَصَاهُ اللين في بطن المَسيل. (النهاية 1/ 134). والبطاح: الرمل المنبسط على وَجه الأَرض. (جمهرة

(1)

كذا في (البدر المنير)، وذهل عن ذلك في (خلاصته) فحسنه، وزعم في (تحفة المنهاج) أن الدارقطني لم يضعفه! فأبعد جدًّا.

(2)

أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما وسيأتي تخريجه بروياته - إن شاء الله تعالى - في كتاب الصيد.

ص: 70

اللغة 1/ 280).

[التخريج]:

[طس 7899 ((واللفظ له)) / قط 192 ((مقتصرا على الفقرة الأخيرة)) / مقط (2/ 830) / هقخ 893/ تحقيق 56].

[السند]:

أخرجه الطبراني في (الأوسط): عن محمود بن محمد المروزي، عن الخضر بن أصرم

(1)

، حدثنا الجارود، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هُبيرة بن يَرِيم، عن علي، به.

ورواه الدارقطني في (السنن)، و ((المؤتلف والمختلف)) - ومن طريقه البيهقي وابن الجوزي -: من طريق محمود بن محمد المروزي، عن الخضر بن أصرم، به.

قال الطبراني: ((لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إِلَّا الجارود

(2)

، ولا يروى عن علي رضي الله عنه إِلَّا بهذا الإسناد)).

[التحقيق]:

هذا إسناد واهٍ؛ فيه علتان:

الأولى: الجارود، وهو ابن يزيد العامري النيسابوري، قال عنه يحيى بن معين:"ليس بشيء"، وقال أبُو داود:"غير ثقة"، وقال النسائي وغيره:

(1)

إلا أنه تصحف (أصرم) في معجم الطبراني، مرة إلى (آدم) ومرة أخرى إلى (أخرم)، والصواب:(أصرم)، انظر ترجمته في التحقيق.

(2)

يعني (عن إسرائيل، عن أبي إسحاق)، ولكن في العبارة اختصار، أو لعل ذكر (إسرائيل) سقط من كلامه.

ص: 71

((متروك))، وكذبه أبو أسامة وأبو حاتم والعقيلي، انظر:(اللسان 1748).

وبه أعل الحديث الدارقطني، فقال:((الجارود هو ابن يزيد متروك)) (السنن 1/ 177 ط دار المعرفة 2001)

(1)

.

ولذا قال البيهقي: ((وإسناد حديث علي رضي الله عنه أضعف هذه الأسانيد)) (الخلافيات 3/ 52). يعني بالنسبة لحديث ابن عباس وابن عمر الماضيين.

وأغرب الهيثمي فقال: ((رواه الطبراني في الأوسط من طريق الجارود عن إسرائيل، والجارود لم أعرفه)) (المجمع 1584).

الثانية: جهالة الخضر بن أصرم؛ فلم نجد له ترجمة، إِلَّا عند الدارقطني في (المؤتلف) ولم يزد على قوله:((روى عن غالب بن عبيد الله، وعن الجارود بن يزيد، وغيرهما)). وذكر له هذا الحديث. ولذا قال ابن عبد الهادي: ((ليس هو بالمشهور، ولم يذكره ابن حبان في كتابه)) (التنقيح 1/ 84). وقال الهيثمي: ((لا أعرفه)) (المجمع 12170). وكذا قال ابن الملقن، كما سيأتي.

ولذا قال النووي: ((وأما رواية المصنف (إحداهن) فغريبة لم يذكرها البخاري ومسلم وأصحاب الكتب المعتمدة إِلَّا الدارقطني فذكرها من رواية علي رضي الله عنه) (المجموع 2/ 580).

قال ابن الملقن: ((ومع غرابتها ففي إسنادها جماعة يجب معرفة حالهم: أحدهم: الخضر بن أصرم لا أعرفه، ولم أره في كتاب ابن أبي حاتم، ولا

(1)

ووقع في ط المعرفة القديمة: ((ابن أبي يزيد))، وهو خطأ، والصواب المثبت كما في كتب التراجم، وقول الدارقطني هذا سقط من طبعة الرسالة، دون أدني تعليق، فالله المستعان.

ص: 72

غيره، الثاني: الجارود وهو ابن يزيد متروك الحديث بإجماعهم)). وذكر أيضًا اختلاف الأئمة في هبيرة، ثم انتهى إلى تحسين أمره، وقال:((فلولا ما مضى، لكان حسنًا)) (البدر المنير 1/ 549 - 550).

والحديث ذكره الغساني في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني ص 13).

وضعفه ابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 84)، والذهبي في (التنقيح 1/ 24)، والحافظ في (التلخيص 1/ 66)، والعجلوني في (الكشف 1/ 120)، وقال الألباني:((ضعيف جدًّا)) (الإرواء 1/ 62).

وشذَّ مغلطاي، فقال:((إسناده لا بأس به))! (شرح ابن ماجه 1/ 272).

وذَهل ابن الملقن عن الشرط الذي ذكره آنفًا، فقال في (خلاصة البدر المنير 1/ 19):((رواه الدارقطني من حديث علي بإسناد حسن عندي))! .

وأبعد جدًّا في (تحفة المحتاج 1/ 220) فقال: ((رواه الدارقطني ولم يضعفه))! .

ص: 73

321 -

حديث ابن عباس موقوفًا:

◼ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال:((إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسلهُ سَبعَ مِرَارٍ؛ فَإِنَّهُ رجسٌ، ثُمَّ اشرَبْ مِنْهُ وَتَوَضَّأ)).

[الحكم]:

إسناده جيد، وصححه ابن عبد البر، والعظيم آبادي.

[التخريج]:

[المروزي (تمهيد 18/ 268) ((واللفظ له)) / منذ 230]

[السند]:

رواه محمد بن نصر المروزي - كما في (التمهيد) - قال: أخبرنا أبو كامل قال: حدثنا (أبو عوانة)

(1)

، عن أبي حمزة، قال: سمعت ابن عباس

فذكره.

وقال ابن المنذر: ومن حديث أبي كامل، حدثنا أبو عوانة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، عدا أبا حمزة وهو عمران بن أبي عطاء القصاب، لينه أبو زُرْعَة وقال أبو حاتم والنسائي:((ليس بالقوي))، ووثقه ابن معين وابن نمير وابن حبان، وقال أحمد:((ليس به بأس، صالح الحديث))، وقال الحافظ:((صدوق له أوهام)) (التقريب 5163). وانظر:

(1)

في المطبوع (أبو زُرْعَة) وهو تحريف، فليس في شيوخ أبي كامل من يكنى بأبي زُرْعَة، وقد جاء على الصواب عند ابن المنذر وهو من نفس الطريق، لاجرم جاء على الصواب في طبعة دار هجر (3/ 112) ضمن موسوعة شروح الموطأ.

ص: 74

(تهذيب التهذيب 8/ 136).

وقد صحح الأثر ابن عبد البر في (التمهيد 18/ 268) فقال: ((فأما أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء المسلمين فإنهم يقولون: إِنَّ الإناء يغسل من ولوغ الكلب سبع مرات بالماء، وممن رُوِيَ ذلك عنه بالطرق الصحاح أبو هريرة وابن عباس

)). وذكره.

وصححه أيضًا العظيم آبادي في (عون المعبود 1/ 94) فقال: ((وقد ثبت عن ابن عباس التصريح ((بأَن الغَسلَ من وُلُوغ الكَلب؛ لأَنهُ رجسٌ))، رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح)).

* * *

ص: 75