المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌65 - باب النهي عن جلود السباع والنمور - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٤

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌53 - بابُ تَطْهِيرِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الكَلْبِ

- ‌54 - بَابُ طَهَارَةِ طِينِ الْمَطَرِ

- ‌55 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الْإِنْسَانِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ

- ‌56 - بَابُ طَهَارَةِ البُزَاقِ وَالْمُخَاطِ وَالنُّخَامَةِ وَنَحْوِهَا

- ‌57 - بَابٌ: فِيمَا صُبِغَ بِالنَّجَاسَةِ

- ‌58 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الدَّوَابِ وَلُعَابِهَا

- ‌أبواب الْجُلُودِ

- ‌59 - بَابٌ فِي الانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ

- ‌60 - بَابُ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ

- ‌61 - بَابُ: مَا يُدبَغُ بِهِ جُلُودُ الْمَيْتَةِ

- ‌62 - بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ الْمَيْتَةِ وَصُوفِهَا وَعَظْمِهَا

- ‌63 - بَابُ التَّوَضُّؤِ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ

- ‌64 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّهْي عَنِ الانْتِفَاعِ بِشَيءٍ مِنَ الْمَيْتَةِ

- ‌65 - بابُ النَّهْيِّ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ والنُّمُورِ

- ‌66 - بَابُ طَهَارَةِ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِذَا كَانَ ذَكِيًّا

الفصل: ‌65 - باب النهي عن جلود السباع والنمور

‌65 - بابُ النَّهْيِّ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ والنُّمُورِ

416 -

حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ:

◼ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ:((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ؛ [أَنْ تُفْتَرَشَ])).

[الحكم]:

المتن حسن لشواهده، وإسناده مختلف فيه للاختلاف في وصله وإرساله: فرجَّح المرسلَ الإمام الترمذيُّ -وأقرَّه عبد الحق الإشبيليُّ، والضياء، وابن التركماني-، وكذا أشار إلى ترجيحه البزار.

وصححه موصولًا: الحاكم، والنووي، والسيوطي، والألباني.

والمرسل أصح كما قال الترمذي، لكنه له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن، والله أعلم.

[الفوائد]:

قال المباركفوري -بعد ذِكْرِه لهذا الحديث وغيره مما سيأتي في الباب-: ((وأحاديث الباب تدل على أن جلود السباع لا يجوز الانتفاع بها.

وقد اختُلف في حكمة النهي؛ فقال البيهقي: إِنَّ النهي وقع لما يبقى عليها من الشعر؛ لأَنَّ الدباغ لا يؤثر فيه. وقال غيره: يحتمل أن النهي عما لم يدبغ منها لأجل النجاسة، أو أن النهي لأجل أنها مراكب أهل السرف والخيلاء.

ص: 510

قال الشوكاني: وأما الاستدلال بأحاديث الباب على أن الدباغ لا يطهر جلود السباع بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم؛ فغير ظاهر لأَنَّ غاية ما فيها مجرد النهي عن الركوب عليها وافتراشها، ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة)) (تحفة الأحوذي 5/ 381).

[التخريج]:

[د 4084 ((واللفظ له)) / ت 1872 ((والزيادة له ولغيره))، 1873/ ن 4291/ كن 4775/ حم 20706، 20712/ مي 2008، 2009/ ك 514، 515/ ش 37571/ بز 2331/ طب (1/ 192/ 508 - 511) / عبص 108/ جا 888/ منذ 893/ عروبة 23/ تحقيق 69/ هق 58، 70/ هقغ 213/ هقخ 55/ علت 534/ فقط (أطراف 1/ 146) / ضيا (4/ 183، 184/ 1394 - 1397) / تمهيد (1/ 164) / استذ (15/ 327) / بحير (ق 32/ ب) / قيد (2/ 252، 253) / ضيا (4/ 183، 184/ 1395، 1396) / أسد (6/ 346)].

[التحقيق]:

أخرجه أحمد في (المسند 20712) قال: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سعيد، حدثنا قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، به.

وأخرجه أبو داود (4084)، والترمذي (1873)، والنسائي (4291)، وغيرهم من طريق يحيى بن سعيد القطان.

وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 37571)، والترمذي (1872)، وغيرهما من طريق عبد الله بن المبارك.

ص: 511

وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 34571)، والطحاوي في (المشكل 3252)، وغيرهما من طريق يزيد بن هارون.

وأخرجه أحمد في (المسند 20706)، وأبو داود (4084) من طريق إسماعيل بن علية.

وأخرجه الترمذي (1872) من طريق محمد بن بشر العبدي، وعبد الله بن إسماعيل بن أبي خالد.

وأخرجه أحمد في (المسند 20706) عن غندر محمد بن جعفر.

وأخرجه الحاكم في (المستدرك 508) من طريق يزيد بن زُرَيْع.

وأخرجه الحاكم أيضًا (507) -وعنه البيهقي في (السنن الصغرى 213) - من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف.

وأخرجه الطحاوي في (المشكل 3252) من طريق روح بن عبادة.

جميعهم: عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، به.

وهذا إسنادٌ ظاهره الصحة، رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، غير صحابي الحديث، فأخرج له أصحاب السنن الأربعة.

وسعيد بن أبي عروبة، وإِن كان قد اختلط، فقد رواه عنه جماعة ممن سمعوا منه قبل الاختلاط؛ كابن المبارك، ويزيد بن هارون، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن زُرَيْع، وعبد الوهاب بن عطاء، انظر:(تهذيب التهذيب 4/ 64).

ولذا صححه: الحاكم في (المستدرك)، والنووي في (خلاصة الأحكام 1/

ص: 512

78)، وفي (المجموع 1/ 220)، والسيوطي في (الحاوي للفتاوي 1/ 18)، و (الجامع الصغير 9458)، والألباني في (الصحيحة 3/ 10)، وفي (المشكاة 1/ 157).

إِلَّا أَنَّ سعيد بن أبي عروبة قد خُولف فيه:

فقد رواه الترمذي في (السنن عقب رقم 1874): عن محمد بن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي المليح:((أَنَّهُ كَرِهَ جُلُودَ السِّبَاعِ)).

قال الترمذي -عقبه-: ((لا نعلم أحدًا قال: عن أبي المليح، عن أبيه، غير سعيد بن أبي عروبة)).

وقال في (العلل): ((سألت محمدًا -يعني: البخاري- عن هذا الحديث فقال: سعيد بن أبي عروبة روى عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى هشام، عن قتادة، عن أبي المليح، فقال: ((نَهَى عَنْ جُلُودِ السَّبَاعِ))، ولم يقضِ محمدٌ في هذا بشيء أيهما أصح)) (العلل الكبير 520).

قلنا: قد وقفنا لابن أبي عروبة على متابعتين، إحداهما تامة، والأخرى قاصرة:

فأما المتابعة التامة:

فأخرجها الطبراني في (المعجم الكبير 509) -ومن طريقه الضياء في (المختارة 1396) -، عن عبدان بن محمد المروزي.

وأخرجها ابن نقطة في (التقييد 2/ 252) من طريق أحمد بن سلمة الحافظ.

ص: 513

كلاهما (عبدان، وابن سلمة): عن أبي كريب، عن ابن المبارك، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، لكن غمز الإمام مسلم بن الحجاج في رواية أبي كريب هذه؛ فقال لأحمد بن سلمة عقب ذكره لها:((هكذا رواه أبو كريب فاستره عليه)). قال ابن نقطة: ((قول مسلم: هكذا رواه أبو كريب فاستر عليه؛ لأنه رواه عن ابن المبارك، عن شعبة. وإنما رواه ابن المبارك، عن سعيد بن أبي عروبة)) (التقييد 1/ 448).

ولهذا قال الضياء المقدسي مستدركًا في أثناء سنده: ((

ابن المبارك، عن شعبة؛ وصوابه: سعيد)) (المختارة 4/ 184).

فإن قيل: رواه يحيى القطان عن شعبة، كما رواه أبو كريب، عن ابن المبارك.

أخرجه أبو عثمان البحيري في (فوائده ق 32/ ب) -ومن طريقه ابن نقطة في (التقييد 2/ 252) - من طريق مسلم بن الحجاج، عن محمد بن حاتم، عن يحيى بن سعيد القطان، عن ابن أبي عروبة، وشعبة، قالا: حدثنا قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، به.

قلنا: هذا إنما انفرد به محمد بن حاتم بن ميمون، عن يحيى القطان، وابن ميمون هذا متكلم فيه كلامًا شديدًا؛ قال يحيى بن معين:((محمد بن حاتم بن ميمون كذاب)) (تاريخ بغداد 3/ 70 - وسنده صحيح إلى ابن معين)، وفي رواية:((ليس بشيء، يكذب)) (رواية ابن محرز صـ 138).

وقال عبد الله بن علي بن المديني: ((قلت لأبي: شيء رواه ابن حاتم عن عبد الرحمن بن مهدي،

؟ قال: هذا كذبٌ، قلت: شيئًا - أيضًا - رواه

ص: 514

عن أبي يزيد الخراز، فقال: أدركت أنا أبا يزيد وهو رقي وأنكره))، وقال عمرو بن علي الفلاس:((ليس بشيء)) (تاريخ بغداد 3/ 70).

وقال البخاري: ((لم أكتب عنه)) (التاريخ الأوسط 1638).

وفي المقابل: احتجَّ به مسلم في (الصحيح)، وأكثر عنه، وذكره ابن حبان في (الثقات 9/ 86)، ووثقه الدارقطني

(1)

، وقال ابن قانع:((صالح))، انظر:(تاريخ بغداد 3/ 70)، و (تهذيب التهذيب 9/ 102)، وقال الحافظ:((صدوقٌ ربما وَهِمَ وكان فاضلًا)) (التقريب 5793)، وهذا ظاهر صنيع الذهبي في (الكاشف 4777) حيث قال:((وثقه الدارقطني وغيره، وليَّنَهُ ابن معين)).

ومع هذا قال في (السير) -معقبًا على قول الفلاس-: ((قلت: هذا من كلام الأقران الذي لا يسمع، فإن الرجل ثبتٌ حجةٌ))! (سير أعلام النبلاء 11/ 451).

(1)

وذكر المزي في (التهذيب 25/ 22): أن ابن عدي وثقه أيضًا، وفيه نظر؛ فإنما قاله ابن عدي في ترجمة محمد بن حاتم بن بزيع في كتابه (من روى عنهم البخاري في الصحيح 205)، لكن أشار إلى أن ابن بزيع هو ابن ميمون، فلعل هذا هو الذي سوغ للمزي رحمه الله نقل هذا التوثيق في ترجمة ابن ميمون. وفي صنيع ابن عدي نظر؛ فقد ذكر الدارقطني والحاكم ابن ميمون فيمن تفرد عنه مسلم، وابن بزيع فيمن تفرد عنه البخاري، وقد سبق نصُّ البخاري على أنه لم يكتب عن ابن ميمون، فضلًا عن إخراج حديثه في (الصحيح)، ولذا تعقب أبو الوليد الباجي في (التعديل والتجريح 2/ 629) ابن عدي، وجزم بأن ابن ميمون غير ابن بزيع، وعلى هذا صنيع كل من ترجم لهما، بما فيهم الحافظ المزي، فنقل توثيقه حينئذٍ في ترجمة ابن ميمون نظر؛ لأَنَّ ابن عدي إنما أراد به ابن بزيع، والله أعلم.

ص: 515

قلنا: ومع توثيق من ذكرنا من الأئمة، لا بدَّ من تأويل كلام ابن معين وابن المديني، على إرادة الخطأ وَالْوَهْمِ، وهي من معاني الكذب في لغة العرب.

ولكن مثله وإن مشينا حديثه في الجملة، لا يمكن قبوله هنا، وقد انفرد عن يحيى برواية الحديث عن شعبة، وقد رواه أحمد وغيره من الحفاظ، عن يحيى القطان، عن سعيد بن أبي عروبة -وحده- به، كما تقدم. ولو كان عنده الحديث عن شعبة أيضًا ما تخلفوا عن روايته عنه، وقد ذكر الإمام الترمذي أن سعيدًا لم يُتابع عليه، والله أعلم.

وأما المتابعة القاصرة:

فأخرجها أبو عروبة الحراني في (جزء له 23)، والطبراني في (المعجم الكبير 511)، والدارقطني في (الأفراد) كما في (الأطراف 1/ 146): كلهم من طريق إسحاق بن إدريس، عن أبان بن يزيد، عن مطر الوراق، به.

قال الدارقطني -عقبه-: ((تفرَّد به إسحاق بن إدريس، عن أبان بن يزيد العطار، عن مطر عنه)).

قلنا: إسحاق بن إدريس هذا، هو الأسواري، قال عنه ابن معين:((كذَّاب يضعُ الحديث))، وقال البخاري:((تركه الناس))، وقال النسائي:((متروك))، وقال ابن حبان:((كان يسرق الحديث))، وَوَهَّاهُ أبو زُرْعَةَ، وأبو حاتم، والدارقطني، وغيرهم، انظر:(لسان الميزان 2/ 41).

وعليه فهذه متابعة واهية لا تساوي فلسًا، فضلًا عن ضعف مطر، ولهذا قال البزار -في معرض إعلاله للرواية المرفوعة-: ((أما حديث مطر، عن أبي المليح، عن أبيه؛ فلم يروه إِلَّا أبان، ولا نعلم رواه عن أبان إِلَّا إسحاق

ص: 516

ابن إدريس)) (المسند 6/ 321). وسكت عنه لوضوح أمره، والله أعلم.

* ورواه ابنُ عُلَيَّةَ، وشعبة، ومعمر: عن يزيد الرشك، عن أبي المليح، واختُلِف عليهم في وصله وإرساله:

فأما الخلاف على ابن عليَّة:

فأخرجه البزار في (مسنده 2331) عن أحمد بن السخت، عن إسماعيل بن علية، عن يزيد بن الرشك، عن أبي المليح، عن أبيه، به.

وأحمد بن السخت هذا، لم نقف له على ترجمة، ولعله تحريف من ((زريق بن السخت))، فهو المعروف في شيوخ البزار، ذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 259)، وقال:((مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات)).

ولكن خالفه الإمام الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة، كما في (المصنف 37575).

ومؤمل بن هشام، كما عند البزار (2330).

كلاهما: عن ابن علية، عن يزيد الرشك، عن أبي المليح، به مرسلًا.

ولهذا قال البزار عقبه: ((ولم يتابعه غيره على رفعه: عن أبيه)) (المسند 6/ 321). ويعني بالرفع هنا: الوصل.

وأما الخلاف على مَعْمَرٍ:

فأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 510) عن أحمد بن عمرو الخلال المكي، عن يعقوب بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن يزيد بن الرشك، عن أبي المليح، أراه عن أبيه. كذا بالشك.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: يعقوب بن حميد بن كاسب، وهو مختلف فيه،

ص: 517

فقد وثقه ابن معين في رواية، وقال في غيرها:((ليس بشيء))، وقال في أخرى:((ليس بثقة))، وكذا قال النسائي، وقال أبو حاتم:((ضعيف الحديث))، وهو ظاهر كلام أبي زرعة؛ فقد قيل له: كان صدوقًا في الحديث؟ قال: ((لهذا شروط))، وقال أيضًا:((قلبي لا يسكن على ابن كاسب))، وقال البخاري:((هو في الأصل صدوق))، وقال ابن عدي:((لا بأس به وبروايته، هو كثير الحديث، كثير الغرائب))، وثقه مصعب الزبيري، ومَسْلَمَة بن قاسم، انظر:(تهذيب التهذيب 11/ 383 - 384)، وقال زكريا بن يحيى الحلواني:((رأيت أبا داود السجستاني قد ظاهر بحديث ابن كاسب، وجعله وقايات على ظهر (كتبه)

(1)

، فسألتُه عنه، فقال: رأينا في (مسنده) أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول، فدافعنا، ثم أخرجها بعد، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري، كانت مراسيل فأسندها، وزاد فيها)) (الضعفاء الكبير 4/ 446)، وقال ابن حبان:((كان ممن يحفظ، وممن جمع وصنف، واعتمد على حفظه فربما أخطأ في الشيء بعد الشيء)) (الثقات 9/ 285)، وقال الذهبي:((كان من علماء الحديث، لكنه له مناكير وغرائب)) (ميزان الاعتدال 4/ 451)، وقال الحافظ:((صدوق ربما وَهِمَ)) (التقريب 7815).

قلنا: والأقرب -والله أعلم- ضَعْفه.

وقد شُكَّ في وصله، وقد رواه عبد الرزاق في (المصنف 215) عن معمر، عن يزيد، عن أبي المليح، مرسلًا.

وأما ما وقع في مطبوع (الأمالي في آثار الصحابة) لعبد الرزاق (108) من

(1)

في المطبوع: (ركبته)، وصوبناه من ط. التأصيل (4/ 296).

ص: 518

رواية: ((عبد الرزاق، عن يزيد الرشك، عن أبي المليح، عن أسامة)) به مرفوعًا. فهذا السند فيه سقط وتحريف:

أما السقط: فقد سقط منه (معمر)، وهذا ظاهر؛ حيث إِنَّ عبد الرزاق لا يدرك يزيد الرشك، بينهما ما يزيد على (80) عامًا، إنما يرويه عن معمر عن يزيد كما تقدم.

وأما التحريف: فتحرف قوله: (عن أبي المليح بن أسامة) إلى (عن أسامة). ولم يتنبه أحد من محققي الأمالي (ط. مكتبة القرآن/ المعتمدة لدينا، أو ط. دار الكتب العلمية/ المطبوعة ضمن الفوائد لابن منده) لهذا الأمر، والله المستعان.

وأما الخلاف على شعبة:

فأخرجه ابن المنذر في (الأوسط 893)، عن إبراهيم بن عبد الله السعدي، عن يزيد بن هارون، عن شعبة، عن يزيد الرشك به موصولًا.

وكذا رواه البيهقي في (السنن الكبرى 71)، وفي (الخلافيات 55) من طريق أبي العباس الأصم، عن إبراهيم، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا إبراهيم بن عبد الله بن يزيد السعدي، وهو ثقة؛ ذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 87)، ووثقه الحاكم كما في (سؤالات السجزي صـ 82)، والخليلي في (فوائده صـ 65)، وغيرهم.

لكن خالفه غندر -وهو من أثبت الناس في شعبة-: فرواه عن شعبة، عن يزيد، عن أبي المليح، مرسلًا. أخرجه الترمذي في (السنن 1875) عن محمد بن بشار، عن غندر، به.

وقال الحاكم -عقب روايته للحديث من طرق: عن محمد بن المنهال،

ص: 519

ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد، به -:((رواه شيخ من أهل البصرة، عن محمد بن المنهال، فقال فيه: عن شعبة، وهو وَهْمٌ منه)) (المستدرك عقب رقم 508).

وخلاصة ما سبق: أن المحفوظ عن يزيد الرشك (عن أبي المليح مرسلًا).

وأما قتادة فاختلف عليه: فرواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه به مرفوعًا.

وخالفه هشام الدستوائي فرواه عن قتادة عن أبي المليح، ولم يقل:(عن أبيه).

وكلاهما من أصحاب قتادة الأثبات، ولهذا توقف البخاري في الترجيح بينهما، فاعتبرنا روايتهما للبحث عن مرجح، فكانت رواية يزيد الرشك -في الوجه المحفوظ عنه- عن أبي المليح، مرسلًا. فترجح الإرسال، ولهذا قال الترمذي بإثر الرواية المرسلة:((وهذا أصح)) (السنن 1875)، وأقرَّه: عبد الحق الإشبيلي في (الأحكام الوسطى 4/ 185)، والضياء في (المختارة 4/ 184)، وابن التركماني في (الجوهر النقي 1/ 21)، وغيرهم.

أما الشيخ الألباني فقال: ((الترمذي أعله بالإرسال، وليس عندي بشيء؛ لأَنَّ الذي وصله ثقة حجة))! (تعليقه على المشكاة 506). يعني: ابن أبي عروبة.

قلنا: والذي خالفه أيضًا ثقة حجة حافظ، وقد رواه غيرهما على الإرسال، فترجح، والله أعلم.

هذا، والمتن له شواهد أخرى من حديث معاوية وغيره، وإِن كانت أسانيدُها لا تخلو من مقال، إِلَّا أنها إذا ضمت إلى مرسل أبي المليح هذا -

ص: 520

وهو مرسل قوي، فجل رواياته عن الصحابة، ولا تكاد تجد له رواية عن مجروح-، أخذت قوةً وارتقت إلى درجة الحسن، والله أعلم.

[تنبيهان]:

الأول: عزاه الحافظ في (أطراف المسند 1/ 252)، وفي (الإتحاف 1/ 335) لأحمد: عن بهز، عن همام، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، به.

وهذا الطريق لم نقف عليه في (المسند)، ولا في غيره، ولا ذكره أحد غير الحافظ، والذي يظهر أنه وَهْمٌ من الحافظ، فهذا سند الحديث الذي قبله، وقد أشار محقق (الأطراف) لذلك، والله أعلم.

الثاني: ذكر البزار عقب الانتهاء من التعليق على هذا الحديث، إسنادين آخرين برقم (2332، 2333) الأول: من طريق شعبة، والثاني: من طريق هشام الدستوائي، كلاهما: عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يذكر متنهما. فَظَنَّ بعضُ المعاصرين أنهما لهذا الحديث، فصحح بهما الحديث

(1)

، وليس كذلك، بل هما للحديث الذي بعده، كما يعلم ذلك بالرجوع للموضع المذكور.

(1)

انظر ((موسوعة أحكام الطهارة)) (1/ 537 - 540).

ص: 521

417 -

حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ: ((نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ [أَنْ تُفْتَرَشَ])).

[الحكم]:

حسنٌ لشواهده، وإسناده ضعيفٌ؛ لإرساله.

[التخريج]:

[ت 1875 ((اللفظ له)) / عب 216/ ش 37575 ((والزيادة له ولغيره)) / بز 2330/ أسد (6/ 294)].

[السند]:

أخرجه عبد الرزاق: عن معمر، عن يزيد الرشك، عن أبي المليح، به مرسلًا.

وأخرجه ابن أبي شيبة، والبزار (2330) عن مؤمل بن هشام، كلاهما: عن ابن علية، عن يزيد الرشك، به.

وأخرجه الترمذي -ومن طريقه ابن الأثير-، قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن يزيد الرشك، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، إِلَّا أنه مرسل؛ فإن أبا المليح بن أسامة تابعي من الثالثة (التقريب 8390)، وقد تقدم موصولًا، ولكن هذا المرسل أصح، كما قال الترمذي وغيره.

والمتن يحسن لما له من شواهد، كما تقدم الإشارة لذلك.

ص: 522

418 -

حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ:

◼ عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ، قَالَ:((كُنْتُ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ))؟ . قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا))؟ . قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ تعالى، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((نَهَى عَنْ رُكُوبِ] جُلُودِ (صُفَفِ) 1 [1 النُّمُورِ (النِّمَارِ) 2))؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ تعالى، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ] الذَّهَبِ وَ [2 الفِضَّةِ))؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ تعالى، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَى عَنْ جَمْعٍ (أَنْ يُقْرَنَ) 3 بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ))؟ قَالُوا: أَمَّا هَذَا، فَلَا. قَالَ: أَمَا إِنَّهَا مَعَهُنَّ (قَالَ: بَلَى إِنَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ) 4 [وِلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ [3، ] قَالُوا: لَا

(1)

نَعْلَمُهُ] 4.

[الحكم]:

مختلف فيه: فاحتجَّ الإمام أحمد بلفظة: ((النهي عن الذهب إلا مقطعًا))، وأقرَّه ابن رجب، وصححه القاضي عبد الوهاب المالكي، ومال

(1)

وقع في مطبوع (المعجم الكبير) للطبراني تبعًا للأصل (10/ 215/ق 720): (اللهُمَّ نَعَمْ) على الإثبات، ولكن عُلِّمَ عليها في الأصل بـ (لا)، وهي الصواب، وعليها يدل قوله بعدها في طرق الحديث عند أحمد (1609):((فَوَاللهِ إِنَّهَا مَعَهُنَّ))، وسياقه في رواية عبد بن حميد قالوا:((أَمَّا هَذَا فَلَا. قال: أَمَا إِنَّهَا مَعَهُم)) .. وكذا عند الطبراني نفسه في (19/ 353/827)، وفي موضع سابق (19/ 352/824)، بلفظ:(لَا).

ص: 523

إليه المنذري، وحسَّن إسناده النووي، وقال ابن كثير وابن مفلح، والمناوي:((إسنادٌ جيد))، وقال الهيثمي:((رجالُه ثقاتٌ))، وصحح إسناده بدر الدين العيني، والسيوطي.

وأعلَّه أبو حاتم.

وتكلَّم فيه آخرون لما ذكر معاوية رضي الله عنه في آخره: ((النهي عن الجمع بين الحج والعمرة))، فقال ابن حزم:((حديث معلول))، وأقرَّه عبد الحق الإشبيلي.

واستنكره ابن تيمية، وابن القيم، وابن الوزير اليماني، واستغربه ابن كثير.

وقال ابن الوزير: ((وفيه اضطراب كثيرٌ في متنه، وإسنادِهِ))، وكذا قال السفاريني.

وقال الألباني: ((حديث صحيحٌ؛ إلا النهي عن القَرْنِ بين الحج والعمرة؛ فهو منكر)).

[اللغة]:

(صُفَفِ النُّمُور): هِيَ جَمْعُ صُفَّة، وَهِيَ للسَّرج بمَنْزلة المَيْثَرَة مِنَ الرَّحْل. وَهَذَا كحديثِه الآخَر ((نَهْى عَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ)) (النهاية لابن الأثير 3/ 37).

وقال الشوكاني: ((هيَ مَا يُجعَلُ عَلَى السرج)) (نيل الأوطار 1/ 81).

[الفوائد]:

قوله: ((نَهَى عَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُور))، قال ابن الأثير: ((وهي السباع المعروفة، واحدها: نمر. إنما نهى عن استعمالها لما فيها من الزينة

ص: 524

والخيلاء، ولأنه زِيُّ الأعاجم، أو لأَنَّ شعره لا يقبل الدباغ عند أحد الأئمة إذا كان غير ذكي، ولعل أكثر ما كانوا يأخذون جلود النمور إذا ماتت، لأَنَّ اصطيادها عسير)) (النهاية 5/ 117)، وانظر:(شرح المشكاة للطيبي 9/ 2904)، و (عون المعبود 11/ 203).

وقوله: ((نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا))، قال ابن الأثير: ((أراد الشيء اليسير منه، كالحلقة والشنف

(1)

ونحو ذلك، وكره الكثير الذي هو عادة أهل السرف والخيلاء والكبر. واليسير هو ما لا تجب فيه الزكاة. ويشبه أن يكون إنما كره استعمال الكثير منه؛ لأَنَّ صاحبه ربما بخل بإخراج زكاته فيأثم بذلك عند من أوجب فيه الزكاة)) (النهاية 4/ 82)، وسبقه إلى نحو ذلك الخطابي في (معالم السنن 4/ 216)، وزاد:((وليس جنس الذهب بمحرم عليهن كما حرم على الرجال قليله وكثيره)).

[التخريج]:

[د 1788 مختصرًا ((والزيادة الأولى والثالثة، والرواية الثالثة له ولغيره)) / ن 5203 ((مقتصرًا على النهي عن الحرير وعن الذهب إلا مقطعًا)) / كن 9587، 9595 ((مقتصرًا على النهي عن الذهب إلا مقطعًا))، 9926 ((مقتصرًا على الجلود)) /حم 16833 ((واللفظ له))، 16909/ طي 1055 ((والرواية الأولى له ولغيره)) / عب 9977 ((والزيادة الرابعة، والرواية الرابعة له)) / عف (عنبري 93) / حميد 419/ منذ 895

(1)

(الشنف): من حلي الأذن، وجمعه شنوف. وقيل: هو ما يعلق في أعلاها. قال إبراهيم الحربي: ((سمعت أن القرط ما علق في شحمة الأذن، والشنف في أعلى الأذن))، انظر:(غريب الحديث للحربي 2/ 802)، و (النهاية لابن الأثير 4/ 505).

ص: 525

((مقتصرًا على صفف النمور)) / مشكل 3250 ((مقتصرًا على صفف النمور)) / طح (4/ 245)((مقتصرًا على الحرير)) / طب (19/ 353/825 - 829)، ((والزيادة الثانية له، والرواية الثانية له ولغيره)) / فتح (لا أخ لاسمه 1/ 77) / ودع 548 ((مقتصرًا على القران بين الحج والعمرة))

(1)

، 549/ هق 8938/ مرداس (ق 4/ ب)].

[التحقيق]:

له طريقان:

الطريق الأول:

رواه أبو داود في (السنن) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة، حدثنا حماد، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي حيوان بن خلدة ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة: أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا وكذا؟ وعن ركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم

الحديث.

ورواه أحمد في (المسند 16833) قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا قتادة، عن أبي شيخ الهنائي، قال: كنت في ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند معاوية، فقال معاوية:

فذكره مطولًا ليس فيه: ((الفضة)).

ورواه عبد بن حميد في (المسند 419)، من طريق أبي الوليد.

(1)

وقع فيه: ((نهى عن أن يفرق بين الحج والعمرة))، قال ابن حزم رحمه الله:((هكذا في روايتي عن عبد الله: يفرق، وهكذا في كتابه هو -والله أعلم- وَهْمٌ، والمحفوظ: ((يقرن)) في هذا الحديث)). قلنا: والصواب ((يقرن)) كما في (السنن) لأبي داود.

ص: 526

والطحاوي في (شرح معاني الأثار 4/ 245)، والطبراني في (المعجم الكبير 19/ 353) من طريق حجاج بن مهال.

كلاهما (حجاج، وأبو الوليد): روياه عن همام به. زاد حجاج: ((الذهب)).

ورواه أحمد في (المسند 16909) عن محمد بن جعفر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي: أنه شهد معاوية وعنده جمع من الصحابة

الحديث مطولًا. ولم يذكر ((الذهب)).

ورواه أبو الفتح الأزدي في (ذكر اسم كل صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرًا أونهيًا ومن بعده من التابعين وغيرهم ممن لا أخ له يوافق اسمه 1/ 77) من طريق إبراهيم بن الحجاج، عن حماد بن سلمة، عن قتادة بسنده مقتصرًا على:((النهي من الشرب في آنية الذهب والفضة)).

وقد أُعلِّ هذا الطريق بستِّ عللٍ:

الأولى: الكلام في أبي شيخ الهنائي:

فقال ابن حزم: ((ليس أبو شيخ ممن اشتهر بحفظ)) (حجة الوداع صـ 488).

وقال ابن القيم: ((وأبو شيخٍ شيخٌ لا يحتجُّ به، فضلًا عن أن يقدم على الثقات الحفاظ الأعلام، وإن روى عنه قتادة ويحيى بن أبي كثير. واسمه خيوان بن خلدة بالخاء المعجمة، وهو مجهول)) (زاد المعاد 2/ 130).

ولذا قال السفاريني: ((وفيه مَنْ لم يشتهر بالعلم والضبط)) (كشف اللثام شرح عمدة الأحكام 4/ 312).

قلنا: أبو شيخ الهنائي، مشهور بكنيته، قيل اسمه: خيوان بن خالد،

ص: 527

وقيل: حيوان، رَوى عنه جمعٌ، وذكره الإمام أحمد فيمن رَوى عن عمر من أهل البصرة وقال:((غزا في زمن عمر مع عثمان بن أبي العاص، واسمه حيوان بن خالد)) (العلل لعبد الله بن أحمد 1/ 290 - 291)، وكذا ذكره البخاري في (التاريخ الكبير 3/ 130)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3/ 401)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وقال أبو داود في (سننه 3/ 563): ((ممن قرأ على أبي موسى الأشعري، من أهل البصرة)

وقال أبو بكر ابن دريد الأزدي: ((أحد عُبَّاد البصرة المشهورين)) (الاشتقاق صـ: 499).

وقال المنذري: ((وأبو شيخ ثقةٌ مشهور)) (الترغيب والترهيب 1/ 314).

وقد وثقه: ابن سعد، والعجلي، وابن حبان، انظر:(تهذيب التهذيب 12/ 129).

وقال الحافظان الذهبي وابن حجر: ((ثقةٌ)) (الكاشف 6682)، (التقريب 8166).

ولذا قال الشيخ الألباني: ((وأما قول ابن القيم في (الزاد)(1/ 264)، وفي (مختصر السنن): لا يُحْتَجُّ به، وهو مجهول. فليس له سلف من أئمة الجرح والتعديل؛ وإنما قال ذلك اجتهادًا من عنده)) (صحيح أبي داود - الأم (6/ 46)، وانظر (سلسلة الأحاديث الضعيفة 10/ 267).

العلة الثانية: الانقطاع بين أبي شيخ الهنائي ومعاوية رضي الله عنه، وذلك لما روى يحيى بن أبي كثير عن أبي شيخ عن أخيه حمان، -وقيل: أبي حمان، وقيل: حمان، وقيل غير ذلك- عن معاوية به.

ص: 528

قال ابن أبي حاتم: ((وسألت أبي عن حديث رواه معمر، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي، عن معاوية؛ قال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا، وَعَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ؟

قال أبي: رواه يحيى بن أبي كثير، حدَّثني أبو شيخ، عن أخيه حمان، عن معاوية، عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: أدخل أخاه -وهو مجهول- فأفسد الحديث)) (العلل لابن أبي حاتم 1449).

وقال ابن حزم: ((وأما حديث معاوية فمعلول أيضًا؛ لأن أبا شيخ لم يسمعه من معاوية،

فصحَّ أن أبا شيخ إنما أخذه عمَّن لا يدري. مرة يقول: أخبرنا حمان، ومرة يقول: جمان، ومرة يقول: جماز، ومرة يقول: حمران، وكل هؤلاء لا يعرف منهم أحد)) (حجة الوداع صـ 487)، ووافقه عبد الحق الإشبيلي (الأحكام الصغرى 1/ 421)، و (الوسطى 2/ 273).

وقال الألباني: ((

، والأخرى: مخالفة يحيى بن أبي كثير لقتادة في إسناده، فقال يحيى: حدثني أبو شيخ الهنائي عن أخيه حمان: أن معاوية -عام حج- جمع نفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة

فذكره باختصارِ بعض فقراته.

أخرجه النسائي، والطحاوي، وأحمد (4/ 96)، والطبراني (19/ 354 - 356).

وحمان هذا لا يُدرى من هو؟ ! كما قال الذهبي؛ فهو علة الحديث، وليس جهالة أبي شيخ، والله أعلم)) (سلسلة الأحاديث الضعيفة 10/ 268).

ص: 529

قلنا: قد صرَّح أبو شيخ بسماعه من معاوية، كما عند أحمد حيث قال: ((كنت في ملأٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند معاوية، فقال معاوية

)) فذكر الحديث.

ولا مبرر لتقديم رواية يحيى بن أبي كثير على قتادة، فإن قتادة حافظ متقن، وقد تُوبع:

تابعه بيهس بن فهدان أحد الثقات، كما عند أحمد في (المسند 16301)، والنسائي في (الكبرى 9595، والمجتبى 5203)،

وكذا مطر الوراق، كما عند النسائي في (المجتبى 5196)، و (الكبرى 9588، 9927).

ولذا قال النسائي: ((قتادة أحفظ من يحيى بن أبي كثير، وحديثه أولى بالصواب)) (السنن الكبرى 11/ 339).

وقال الدارقطني: ((والقَول عِندَنا قَول قَتادة، وبيهس بن فهدان، والله أعلم)) (العلل (3/ 278).

وقال القاضي عبد الوهاب: ((فإن قيل: أبو شيخ عن معاوية مرسل؛ بدلالة ما روى يحيى بن أبي كثير قال: حدثنا أبو شيخ النهائي، عن أبي جمان: أن معاوية قال:

وذكر الحديث.

قلنا: عنه جوابان:

أحدهما: على هذه الصفة قد اتصل، فيجب قبوله.

والآخر: إنه قد رُوي في الحديث ما يمنع ما قالوه؛ فروى ابن خزيمة عن أبي موسى محمد بن المثنى، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا بيهس، عن

ص: 530

أبي شيخ قال: كنت عند معاوية وعنده ناس من المهاجرين

الحديث)) (شرح الرسالة 2/ 266).

وقال ابن ماكولا -في ترجمة حمان أخي أبي شيخ الهنائي مائلًا لرواية قتادة-: ((فيه اختلاف كثير فقال قتادة -وهو حافظ-: عن أبي شيخ، عن معاوية، ولم يذكر أخاه، وتابعه بيهس بن فهدان من رواية النضر بن شميل عنه)) (الإكمال 2/ 554).

وقال ابن القطان: فهذا -كما ترى- حكم منه على الأول بالانقطاع، لزيادة واحد بينهما، واختصار أمر هذا الحديث: هو أن أبا شيخ يرويه عنه رجلان: قتادة ومطر، فلا يجعلان بينه وبين معاوية أحدًا، ورواه عنه بيهس بن فهدان فذكر سماعه من معاوية لفظة:((النهي عن جلود النمور)) خاصة، وحديثه مذكور ببيان ذلك عند النسائي.

ورواه عن أبي شيخ يحيى بن أبي كثير فأدخل بينه وبين معاوية رجلًا اختلفوا في ضبطه كما ذكر، فقيل: أبو حمان، وقيل: جمان، وقيل: جماز، وهو أخو أبي شيخ.

وقال الدارقطني: إن القول فيه قول من لم يُدخل بين أبي شيخ ومعاوية فيه أحدًا -يعني: قتادةَ، ومطرًا، وبيهس بنَ فهدان-.

ولكن أبى ذلك أبو محمد عبد الحق، وقضى بانقطاعه، لإدخال الواسطة بينهما، اتباعًا لابن حزم))

(بيان الوهم 2/ 417).

قلنا: ورواية قتادة وبيهس أولى بالترجيح من رواية يحيى، كما ذهب النسائي، والدارقطني، ومن تابعهما، وذلك أن يحيى بن أبي كثير اضطرب في إسناده على النحو التالي:

ص: 531

فرواه عنه: علي بن المبارك، كما عند النسائي في (المجتبى 5197، والكبرى 9589، 9928) -ومن طريقه ابن حزم في (حجة الوداع 552) - فقال: ((حدثني أبو شيخ الهنائي، عن أبي حمان: أن معاوية عام حجَّ جمع نفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

فذكره، وفيه النهي عن لبس الذهب، ولم يقل فيه:((إِلَّا مُقَطَّعًا))، وكذا ذكر النهي عن ((صُفَفِ النُّمُور)))).

ففي هذه الرواية أن شيخ أبي شيخ الهنائي أبا حمان.

بينما خالف ابنَ المبارك، حربُ بن شداد، فرواه:((عن أبي شيخ، عن أخيه حمان، عن معاوية، به)). ولكن اختُلف عليه في متنه:

فرواه أحمد في (المسند 16877).

والنسائي في (المجتبى 5198)، و (الكبرى 9590، 9929) -ومن طريقه ابن حزم في (حجة الوداع 553) -، عن محمد بن المثنى.

والمخلص في (فوائده 2050)، عن أحمد بن سعيد بن صخر.

ثلاثتهم (أحمد بن حنبل، وابن المثنى، وابن صخر): رووه عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حرب بن شداد، بسنده فقال بنحو رواية علي بن المبارك المتقدمة.

وخالفهم محمد بن يحيى بن فياض، فرواه عن عبد الصمد، عن حرب بسنده فقال فيه:((نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا؟ )) بمثل رواية قتادة المتقدمة. أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 19/ 355).

ولكن هذه الرواية شاذَّةٌ لمخالفة الجماعة الذين رووه عن عبد الصمد، كما تقدم.

ص: 532

وخالف عليَّ بنَ المبارك، وحربَ: الأوزاعيُّ -على اختلاف من أصحابه عنه في إسناده- فرواه عن يحيى بن أبي كثير، فمرة يقول:((عن أبي شيخ، عن حمان)) -وقيل: جماز-، ومرة:((عن أبي إسحاق، عن حمان))، ومرة:((عن أبي إسحاق، عن ابن حمان))، وأخرى قال:((حدثني حمران أن معاوية، به)).

ذكر ذلك كله النسائي في (الكبرى 9591 - 9594، 9930 - 9933)، والطحاوي في (مشكل الآثار 4833 - 4846)، و (شرح معاني الآثار 4/ 245)، وغيرهم، وسيأتي تفصيل الخلاف فيه على يحيى قريبًا.

وهذا كلُّه يدل على عدم ضبط يحيى لسنده.

ولذا قال الدارقطني: ((ورواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي شيخ، واختلف عنه:

فرواه الأوزاعي: عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدَّثني أبو شيخ، قال: حدثني حمان، وحمان لا يضبط، قال: حجَّ معاوية، قال: ذلك شعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي.

وقال عقبة بن علقمة: عن الأوزاعي، عن يحيى، حدثني أبو إسحاق، وَوَهِمَ في ذلك، وإنما أراد حدثني أبو شيخ، ثم قال: حدثني أبو حمان، عن معاوية.

وقال علي بن المبارك: عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو شيخ، عن أبي حمان، عن معاوية.

وقال حرب بن شداد: عن يحيى، حدثني أبو شيخ، عن أخيه حمان، عن معاوية.

ص: 533

واضطرب يحيى بن أبي كثير فيه)) (العلل 3/ 278).

وقال ابن كثير: ((وفي إسناده اختلاف كثير)) (تهذيب الكمال 7/ 299).

العلة الثالثة: ذكرها ابن حزم فقال: ((فإن قيل بأن قتادة قد ذكر عن أبي شيخ سماعًا من معاوية، وعنده جمع من أصحاب محمد، فقال: ((أَتَعْلَمُونَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ؟ قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ)). قيل لهم: ليس في هذا الحديث ذكر النهي عن (القران)، ولا عن (المتعة)، والحديث الذي فيه ذكر النهي عنها ليس فيه ذكر سماع أبي شيخ من معاوية، وقد صحَّ في بعضه أن أبا شيخ لم يأخذه إلا عن مجهول، فسقط الاحتجاج به)) (حجة الوداع صـ 487).

وقال عبد الحق الإشبيليُّ: ((وحديث أبي شيخ المتقدم لم يسمعه من معاوية بكماله، سمع منه النهي عن (ركوب جلود النمر)، وذكر النهي عن (القران) سمعه من أبي جمانة، عن معاوية. ومرة يقول: عن أخيه خمان، ومرة يقول: حمان. قال أبو محمد بن حزم: ولا يعرف مَنْ هم)) (الأحكام الوسطى 2/ 273)، ووافقه ابن القيم في (حاشية سنن أبي داود 5/ 220).

قلنا: لم ينفرد قتادة برواية: (الجمع بين الحج والعمرة)، فقد جاءت لها طرق أخرى عن غير قتادة.

منها: ما رواه الطبراني في (المعجم الكبير 19/ 354/829) قال: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي، ثنا محمد بن المثنى، ثنا عثمان بن عمر، ثنا بيهس بن فهدان، عن أبي شيخ الهنائي قال:((كُنْتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا)، قَالُوا: اللهُمَّ

ص: 534

نَعَمْ، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ)، قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ)، قَالُوا: اللهُمَّ لَا

(1)

)).

وهذا الإسناد فيه: محمد بن صالح النرسي، وقد ترجم له ابن ناصر في (توضيح المشتبه 9/ 58) برواية الطبراني وحده عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

ولكنه قد تُوبع، فذكر القاضي عبد الوهاب في (شرح الرسالة 2/ 266) قال:((فروى ابن خزيمة عن (أبي) موسى محمد بن المثنى، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا بيهس، عن أبي شيخ قال: كنت عند معاوية وعنده ناس من المهاجرين

الحديث. فصح بهذا الطريق السند)).

ومنها: ما ذكره البيهقي في (السنن الكبير 9/ 346) فقال: ((ورواه مطر الوراق، عن أبي شيخ في متعة الحج)).

ومنها: ما رواه النسائي في (الكبرى 9934) -ومن طريقه ابن حزم في (حجة الوداع 550) - قال: ((أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك، عن أبي فروة، عن الحسن قال: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ النَّاسَ

(1)

وقع في مطبوع (المعجم الكبير) للطبراني تبعًا للأصل (10/ 215/ق 720): (اللهم نعم) على الإثبات، ولكن علم عليها في الأصل بـ (لا)، وهي الصواب، وعليها يدل قوله بعدها في طرق الحديث عند أحمد (1609):((فوالله إنها معهن))، وسياقه في رواية عبد بن حميد قالوا:((أما هذا فلا. قال: أما إنها معهم)). وكذا عند الطبراني نفسه في (19/ 353/827)، وفي موضع سابق (19/ 352/824)، بلفظ:(لا).

ص: 535

فَقَالَ: إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا سَمِعْتُمْ مِنْهُ فَصَدِّقُونِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((لَا تَلْبَسُوا الذَّهَبَ إِلَّا مُقَطَّعًا))، قَالُوا: سَمِعْنَا. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((مَنْ رَكِبَ النُّمُورَ لَمْ تَصْحَبْهُ الْمَلَائِكَةُ))، قَالُوا: سَمِعْنَا. قَالَ: ((وَسَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ))، قَالُوا: لَمْ نَسْمَعْ. فَقَالَ: بَلَى، وَإِلَّا فَصُمَّتَا)).

ولكن إسناد هذا ضعيف، فيه: شريك بن عبد الله النخعي، ضعيف لسوء حفظه، قال ابن حجر:((صدوق يخطئ كثيرًا، تغيَّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة)) (التقريب 2787).

وضعَّف هذا الطريق ابن حزم فقال: ((وشريك لا يجوز الاحتجاج بحديثه لاشتهاره بتَعمُّدِ التدليس في المنكَرَات)) (حجة الوداع صـ 487).

وفيه علة أخرى وهي: أن الحسن البصري، لا يُعرف له سماع من معاوية، وقد قال في حديثنا هذا:((خَطَبَ مُعَاوِيَةُ النَّاسَ))، فليس فيه ما يصرح بسماعه من معاوية أو حضور خطبته.

ومع ضعف إسناده فقد ذكر: (المتعة) بدل (القران)، إلا أن يكون القران متعة كما ذهب إليه بعض العلماء.

ومنها: ما رواه عبد الرزاق في (مصنفه 9977) قال: ((أخبرني ابن جريج، قال: حدثني من أصدق أن معاوية قال في جوف الكعبة لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى أَنْ يُشْرَبَ فِي الْفِضَّةِ))؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ))؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى أَنْ يُرْكَبَ بِجُلُودِ النُّمُورِ))؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى أَنْ يُلْبَسَ الذَّهَبُ إِلَّا الْمُقَطَّعَ)، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:

ص: 536

وَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ))؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: بَلَى، إِنَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالُوا: لَا نَعْلَمُهُ)).

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ غير شيخ ابن جريج فلا يدرى من حدَّثه، ولكن وصفه له بالصدق مع متابعة من سبق مما ترفع من شأنه وتغض عن جهالته، والله أعلم.

قلنا: وقد أجاب بعض الباحثين عن كلام ابن حزم المتقدم بكلام طيب فقال: ((قوله: إنه سمع النهي عن ركوب جلود النمور دون المتعة؛ بعيد جدًّا، ولا يوافقه نقل ولا عقل، أما النقل: فالمثبت في الرواية ذكر (المتعة) دون واسطة بين أبي شيخ ومعاوية، وعكسه الحاصل، وجود الواسطة عند عدم ذكر (المتعة).

وأما العقل: فبعيد جدًّا عند ذوي الحجى أن يكون سمع الخبر هو بنفسه، ثم بواسطة حمان أو غيره بزيادة: ذكر (المتعة)، فيروي الذي سمعه هو بذكر الواسطة، ويطرحها إذا رَوى الزيادة التي من طريق الواسطة.

ثم كيف يصحُّ أن يكون سمع الخطبة هو، ثم يخبره غيره بما لم يسمع منها، لا سيَّما مع المناقشة والسؤال الحاصل بين معاوية والناس، وبالأخصِّ مع رفض الناس لسماع ذلك. والسؤال عن المتعة إنما هو بعد السؤال عن لبس الذهب والحرير والجلود، فاستبعدنا أن يكون حضر بعد السؤال عن المتعة، وليس بين السؤال عن هذه المسائل ما يتيح المغادرة، فهو مستبعد جدًّا، والتحكم والقطع في مثل هذا لا يدرك بما هو مستبعد الحصول، وهو محتاج لبراهين، لا لتخامين)) انظر (الانتهاء لمعرفة الأحاديث التي لم يَفْتِ بها الفقهاء للشيخ عبد السلام علوش صـ 352).

ص: 537

العلة الرابعة: ذكرها الشيخ الألباني فقال: ((عنعنة قتادة؛ فإنه مذكور بالتدليس، ومعلوم أن المدلس لا يحتجُّ بحديثه إذا عنعن، لا سيَّما عندما يضيق الدرب على الباحث؛ فلا يجدُ في الحديث المنكر علة ظاهرة غير العنعنة)) (سلسلة الأحاديث الضعيفة 10/ 267).

قلنا: لم ينفرد قتادة في روايته عن أبي شيخ، حتى يردَّ بعنعنته، بل تُوبع كما تقدم، من بيهس ومطر وغيرهما، وفي رواية بيهس قال:((حدثني أبو شيخ)) رواها النسائي (الكبرى 9595).

ولم يذكر أبو حاتم ولا غيره ممن تكلم فيه كابن حزم هذه العلة.

العلة الخامسة: الاختلاف في إسناده، ومتنه:

قال المنذري: ((وقد اختُلف في هذا الحديث اختلافًا كثيرًا)) (مختصر سنن أبي داود 2/ 318 - 319)، ونقله عنه ابن الملقن موافقًا له (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 11/ 177)، والصنعاني في (التحبير لإيضاح معاني التيسير 3/ 265).

وقال ابن الوزير: ((وفيه اضطراب كثيرٌ في متنه، وسنده)) (العواصم والقواصم 3/ 179).

وقال السفاريني: ((فهو حديث مضطربٌ إسنادًا ومتنًا، ولفظه تارةً ينهى عن (القِران)، وتارة عن (المتعة) -يعني: متعةَ الحجِّ-)) (كشف اللثام شرح عمدة الأحكام 4/ 312).

قلنا: معظم الاضطراب والاختلاف الواقع في إسناد هذا الحديث؛ إنما وقع في رواية يحيى بن أبي كثير، كما سبق وبيَّنَّا ذلك، وقد قال الدارقطني:((اضطرب فيه يحيى)

ص: 538

وهذا ما أشار إليه المنذري حيث ذكر عقب كلامه المتقدم قوله: ((فرُوِيَ عن أبي الشيخ، عن أخيه، حمان، ويقال: أبو حمان، عن معاوية.

ورُوِي عن بَيْهس بن فَهْدان، عن أبي شيخ، عن عبد الله بن عمر،

وعن بيهس عن أبي شيخ، عن معاوية.

وقد اختُلف على يحيي بن أبي كثير فيه، فرُوي عنه عن أبي شيخ، عن أخيه، ورُوي عنه عن أبي إسحاق، عن حمان، ورُوي عنه: حدثني حمران من غير واسطة. وسمَّاه حمران)).

قال بدر الدين العيني مبينًا ذلك: ((وهذا كما ذكرنا اختلف فيه على يحيي بن أبي كثير، والله أعلم)) (نخب الأفكار 13/ 270).

وقال المزي عقب طريق يحيى: ((وفي إسناده اختلافٌ كثير)) (تهذيب الكمال 7/ 299).

أما الاضطراب في المتن، حيث جاء في بعض الروايات:((النهي عن القران، أو الجمع بين الحجِّ والعمرة)) وفي بعضها: ((النهي عن المتعة))، إنما يصار إليه عند عدم الترجيح، فإن أغلب من رواه عن قتادة رواه بلفظ:((النهي عن القران، أو جمع بين حج وعمرة))، هكذا رواه أصحاب قتادة: هشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وهمام بن منبه، وحماد بن سليمان، وغيرهم.

وخالفهم معمر، فذكر الحديث عن قتادة بلفظ:((نهى عن المتعة -يعني: متعةَ الحَجِّ-)) أخرجه عبد الرزاق في (المصنف 20840) -ومن طريقه أحمد في (المسند 16864)، وغيره-.

ورواية الجماعة أرجح من رواية معمر، فهشام وسعيد من أثبت الناس

ص: 539

في قتادة، فضلًا على أن معمر متكلم في روايته عن قتادة، قال الدارقطني:((مَعْمَرٌ سيءُ الحفظ لحديث قتادة والأعمش)) (العلل 12/ 221).

وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: ((قال مَعْمَرٌ: جلستُ إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ أسانيده))

(1)

(تاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثالث 1203).

وقال ابن معين أيضًا: ((إذا حدَّثَكَ مَعْمَرٌ عن العراقيين فخفه؛ إِلَّا عن الزُّهري، وابن طاوس؛ فإن حديثَه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا)) (تاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثالث 1194).

العلة السادسة: مخالفة متنه لما تواتر في السنة الصحيحة، وما أجمع عليه الصحابة ومن بعدهم من جواز القران في الحج:

قال الخطابي: ((جواز القران بين الحج والعمرة إجماع من الأمة)) (معالم السنن 2/ 167).

وقال ابن حزم بعد تضعيف حديث معاوية: ((وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبطل هذا أيضًا لا شك فيه،

، فأسند حديث سراقة بن جعشم، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا فِي الْوَادِي، فَقَالَ: ((أَلَا إِنَّ الْعُمْرَةَ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إِلَى

(1)

أما ما رُوِيَ عن مَعْمَرٍ أنه قال: ((سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما شيء سمعته في تلك السنين إِلَّا وكأنه مكتوب في صدري)). فقد ذكره البخاري في (التاريخ الكبير 7/ 378): عن محمد بن كثير، عن معمر.

ومحمد بن كثير: كثير الغلط لا سيَّما عن معمر؛ فقد ضعَّف أحمد حديثه عن معمر جدًّا، وقال:((هو منكر الحديث، أو قال: يروي أشياء منكرة)) (العلل ومعرفة الرجال - رواية عبد الله 5109).

ص: 540

يَوْمِ الْقِيَامَةِ)).

ثم قال: وقد ذكرنا في كتابنا هذا في باب مترجم بباب الأحاديث الواردة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج بعمرة في حجة الوداع، والأحاديث نظن بها أنها رواية جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((أَنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ لِأَبَدِ الْأَبَدِ، وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)). ورواية محمد بن علي بن الحسين، وعطاء بن أبي رباح كذلك عن جابر، ورواية طاوس، ومجاهد كذلك عن ابن عباس ورواية الجماهير كذلك عمن ذكرنا. فصحَّ بما ذكرنا صحةً لا شك فيها أن لا سبيل إلى فسخ ذلك؛ لأن قوله عليه السلام:((دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلِأَبَدِ الْأَبَدِ))، قطع بأن ذلك لا يفسخ فسقطت الأحاديث الواهية الواردة بخلاف ذلك مع ظهور العلل فيها، وليس أبو شيخ ممن اشتهر بحفظ -لو صحَّ سماعه- ما ذكر بحديث يعارض به الثقات، فكيف ولم يسمعه؟ ! وبالله تعالى التوفيق)) (حجة الوداع 487 - 488).

وقال ابن قدامة: ((وهذا مما لم يوافق الصحابة معاوية عليه، مع ما يتضمنه من مخالفة الأحاديث الصحيحة والإجماع)) (المغني 5/ 95).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -بعد ذكر حديث سعيد بن المسيب- ((أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ: يَنْهَى عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ))، وحديث معاوية هذا؛ قال: ((قد أجمع العلماء على أن المتعة لا تكره، وقد ذكرنا معنى ما نقل في ذلك عن الصحابة،

وأما الحديثان فشاذان منكران، مخالفان لكتاب الله وسنة رسوله الناطقة بأن هذا الحكم لا ينسخ حيث قال:((دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)))) (شرح العمدة 1/ 549).

وقال ابن القيم: ((ونحن نشهد بالله إن هذا وَهْمٌ من معاوية، أو كذب

ص: 541

عليه، فلم يَنْهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قطّ)) (زاد المعاد 2/ 130).

وقال في (حاشية أبي داود 5/ 221 - 222): ((

، وقال غيره: أبو شيخ هذا لم نعلم عدالته وحفظه، ولو كان حافظًا لكان حديثه هذا معلوم البطلان؛ إذ هو خلاف المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله، فإنه أحرم قارنًا، رواه عنه ستة عشر نفسًا من أصحابه، وخَيَّرَ أصحابه بين القران، والإفراد، والتمتع، وأجمعت الأمة على جوازه، ولو فرض صحة هذا عن معاوية فقد أنكر الصحابة عليه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فلعله وَهِمَ أو اشتبه عليه نهيه عن متعة النساء بمتعة الحج، كما اشتبه على غيره.

والقران داخل عندهم في اسم المتعة، وكما اشتبه عليه تقصيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض عمره بأن ذلك في حجته، وكما اشتبه على ابن عباس نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لميمونة، فظنَّ أنه نكحها محرمًا، وكان قد أرسل أبا رافع إليها ونكحها وهو حلال، فاشتبه الأمر على ابن عباس وهذا كثير

)).

إلى أن قال: ((وقد رواه النسائي في (سننه)، قال: حدثنا أبو داود، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا شريك بن أبي فروة، عن الحسن، قال: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ النَّاسَ فَقَالَ: إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا سَمِعْتُمْ مِنْهُ فَصَدِّقُونِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((لَا تَلْبَسُوا الذَّهَبَ إِلَّا مُقَطَّعًا))، قَالُوا: سَمِعْنَا. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((مَنْ رَكِبَ النُّمُورَ لَمْ تَصْحَبْهُ الْمَلَائِكَةُ))، قَالُوا: سَمِعْنَا. قَالَ: ((وَسَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ))، قَالُوا: لَمْ نَسْمَعْ. فَقَالَ: بَلَى، وَإِلَّا فَصُمَّتَا.

فهذا أصح من حديث أبي شيخ. وإنما فيه النهي عن المتعة، وهي -والله أعلم- متعة النساء، فظن مَنْ ظن أنها متعة الحج، والقران متعة،

ص: 542

فرواه بالمعنى فأخطأ خطأً فاحشًا. وعلى كلِّ حَالٍ فليس أبو شيخ ممن يعارض به كبار الصحابة الذين رووا (القران) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإخباره أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة، وأجمعت الأمة عليه)).

وقال ابن كثير: ((وهو حديث جيد الإسناد، ويستغرب منه رواية معاوية رضي الله عنه، النهي عن الجمع بين الحج والعمرة،

وقد تقدم أنه، عليه الصلاة والسلام، حَجَّ قارنًا، بما ذكرناه من الأحاديث الواردة في ذلك، ولم يكن بين حجة الوداع وبين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أحد وثمانون يومًا، وقد شهد تلك الحجة ما ينيف على أربعين ألف صحابي قولًا منه وفعلًا، فلو كان قد نهى عن القران في الحج الذي شهده منه الناس لم ينفرد به واحد من الصحابة، ويرده عليه جماعة منهم، ممن سمع منه ومن لم يسمع، فهذا كلُّه مما يدل على أن هذا هكذا ليس محفوظًا عن معاوية، رضي الله عنه، والله أعلم)) (البداية والنهاية 7/ 491).

وقال ابن الوزير اليماني بعد ذكر حديث معاوية رضي الله عنه: ((أنه قصر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعد عمرته

))؛ قال: ((وفي حديث معاوية ذلك دلالة على أن التمتع بالعمرة إلى الحج جائز، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا، وقد مضى أنه قول جماعة كثيرة من الصحابة، ومن بعدهم، وفيه تضعيف لحديثه هذا في النهي عن جمع بين حج وعمرة، فهذا منكرٌ جدًّا، مخالف لما في الصحاح في متعة الحج، وأنها لأبد الأبد، مما ذكره يطول)) (العواصم والقواصم 3/ 202).

وقال الشيخ الألباني: ((وإنما يستنكر من هذا الحديث: النهي الأخير منه؛ لما ذكرنا من مخالفته للأحاديث المتواترة، وأما سائر الحديث فثابت من طرق وأحاديث أخرى)) (سلسلة الأحاديث الضعيفة 10/ 268).

ص: 543

وقال أيضًا: ((حديث صحيحٌ؛ إلا النهي عن القَرْنِ بين الحج والعمرة؛ فهو منكرٌ لمخالفته الأحاديث المتقدمة، وفيها إقراره صلى الله عليه وسلم الذين جمعوا بين الحج والعمرة وساقوا الهدي، وأمرُه من لم يَسُقِ الهدي أن يفسخ الحج إلى العمرة، ثم يلبي بالحج يوم التروية، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)))) (صحيح أبي داود - الأم 6/ 46).

قلنا: إذا أمكن تأويل الحديث بوجه يجمع بينه وبين الأحاديث الصحيحة فلا نكارة حينئذٍ.

قال الخطابي: ((جواز القران بين الحج والعمرة إجماع من الأمة، ولا يجوز أن يتفقوا على جواز شيء منهي عنه، ولم يوافق الصحابة معاوية على هذه الرواية ولم يساعدوه عليها، ويشبه أن يكون ذهب في ذلك إلى تأويل قوله حين أمر أصحابه في حجته بالإحلال فشقَّ عليهم: ((لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ)) وكان قارنًا.

فيما دلت عليه هذه القصة فحمل معاوية هذا الكلام منه على النهي.

وفيه وجه آخر: وهو أنه قد رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ((افْصِلُوا بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ فإنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ))، ويشبه أن يكون ذلك على معنى الإرشاد وتحري الأجر ليكثر السعي والعمل، ويتكرر القصد إلى البيت، كما رُوي عن عثمان أنه سئل عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال:((إِنَّ أَتَمَّ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَكُونَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَو أَفْرَدْتُم هَذِهِ الْعُمْرَةَ حَتَّى تَزُورُوا هَذَا الْبَيْتَ زَوْرَتَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ)))) (معالم السنن (2/ 167)، وبنحوه قال الروياني في (بحر المذهب 3/ 397)، وانظر (البداية والنهاية 7/ 490).

ص: 544

قال السندي: ((ولا يمكن حمل الحديث على أنه كذب في ذلك، فالوجه: أن يقال: لعله اشتبه عليه بأن سمع النهي عن المتعة، فزعم أن المراد: متعة الحج، فكأن المراد: متعة النساء، وذلك لأن النهي كان في مكة، فزعم أن المناسب بها ذكر المناسك، ويحتمل أنه رأى أن نهي عمر وعثمان عنه لا يمكن بلا ثبوت نهي من النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم)) (حاشية على مسند أحمد 10 - 19).

قلنا: هذا جُلُّ ما أُعِلَّ به هذا الحديث وما يمكن الإجابة عنه، وقد سأل عبد الله بن أحمد أباه عن حديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ:((نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا)) قال: ((الشَّيء اليسير))، قلت: فالخاتم، قَالَ:((رُوِيَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ)) (مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله صـ 446).

قال شيخ الإسلام: ((واحتجَّ به أحمد وفسَّر قوله: ((إِلَّا مُقَطَّعًا)) باليسير)) (شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الصلاة صـ 308).

وقال ابن رجب: ((رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، واحتجَّ به أحمد، وفسَّر قوله: ((إِلَّا مُقَطَّعًا)) باليسير، وهذا أصح من الأحاديث المصرحة بتحريم اليسر من الذهب)) (مجموع رسائل ابن رجب 2/ 672).

والحديث صححه القاضي عبد الوهاب المالكي كما تقدم، ومال إلى تصحيحه المنذري حيث قال: ((ولكن روى النسائي أيضًا عن قتادة، عن أبي قتادة، عن أبي شيخ: أنه سمع معاوية

فذكر نحوه، وهذا متصل وأبو شيخ ثقة مشهور)) (الترغيب 1/ 314).

وحسَّن إسناده النووي (المجموع شرح المهذب 7/ 157، ورياض الصالحين صـ 254 ت. الفحل)، وجوَّد إسناده ابن كثير (البداية والنهاية 7/

ص: 545

490)، وابن مفلح (الآداب الشرعية 3/ 513، المبدع في شرح المقنع 1/ 338)، والمناوي (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 477، فيض القدير 6/ 345).

وقال الهيثمي: ((رواه أحمد، ورجالُه ثقاتٌ)) (مجمع الزوائد 5449)، وفي موضع آخر (8219، 8220) قال: ((رواه أحمد في حديث طويل، وروى الطبراني بعضه، ورجال أحمد رجال الصحيح خلا أبا شيخ الهنائي وهو ثقة)).

وصحح إسناده بدر الدين العيني (نخب الأفكار 13/ 268 - 270)، والسيوطي (الجامع الصغير 9391، 9400، 9537).

الطريق الثاني: رواه عبد الرزاق في (المصنف 9977) قال: أخبرنا ابن جريج، حدثني من أصدق أن معاوية قال في جوف الكعبة، لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى أَنْ يُشْرَبَ فِي الْفِضَّةِ))؟ قَالُوا: نَعَمْ،

الحديث.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ غير محدث ابن جريج، فلا يُدرى من هو، غير أن وصفه له بالصدق مع ما تقدم من متابعات مما تقوي روايته هذه، والله أعلم.

ص: 546

روايةُ: ((نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

، وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ ((نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ))؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ ((نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ))؟ -يَعْنِي: مُتْعَةَ الْحَجِّ-، قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: بَلَى إِنَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالُوا: لَا)).

[الحكم]:

ضعيف بلفظ: ((المتعة))، والصواب بلفظ:((النهي عن القِرَانِ)).

[التخريج]:

[حم 16864/ عب 20840 ((واللفظ له)) / طب (19/ 352/824)].

[السند]:

قال عبد الرزاق -وعنه أحمد في (المسند)، وغيره-: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي، أن معاوية

فذكره.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: ضعف رواية معمر عن قتادة؛ قال الدارقطني: ((معمر سيء الحفظ لحديث قتادة والأعمش)) (العلل 12/ 221).

وقال ابن أبي خيثمة: ((سمعت يحيى بن معين يقول: قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ أسانيده))

(1)

(تاريخ ابن أبي خيثمة - السفر

(1)

أما ما رُوِيَ عن مَعْمَرٍ أنه قال: ((سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما شيء سمعته في تلك السنين، إِلَّا وكأنه مكتوب في صدري))؛ فقد ذكره البخاري في (التاريخ الكبير 7/ 378): عن محمد بن كثير، عن مَعْمَرٍ.

ومحمد بن كثير: كثير الغلط لا سيَّما عن مَعْمَرٍ؛ فقد ضعَّف أحمد حديثَه عن مَعْمَرٍ جدًّا، وقال:((هو منكر الحديث، أو قال: يروي أشياء منكرة)) (العلل ومعرفة الرجال - رواية عبد الله 5109).

ص: 547

الثالث 1203).

وقال ابن معين أيضًا: ((إذا حدثك مَعْمَرٌ عن العراقيين فخفه؛ إِلَّا عن الزُّهري، وابن طاوس؛ فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا)) (تاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثالث 1194).

الثانية: أن معمر قد خولف في لفظه، خالفه هشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وهمام بن منبه، وحماد بن سلمة، وغيرهم فرووه عن قتادة بلفظ:((نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ))، وفي لفظ:((نَهَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ))، كما سبق في الرواية المتقدمة.

ص: 548

وَفِي رِوَايَةٍ: ((نَهَي عَنِ الذَّهَبِ، وَلَمْ يَقُلْ: مُقَطَّعًا)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ مُعَاوِيَةَ، عَامَ حَجَّ جَمَعَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَأَخْبِرُونِي، أَنْشُدُكُمُ اللهَ، ((هَلْ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ؟))، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ، ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ ((أَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ؟))، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، ((أَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ صُفَفِ النُّمُورِ؟))، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن دون قوله: ((نَهَى عَنِ الذَّهَبِ)) عامًّا، والصواب بالاستثناء:((إِلَّا مُقَطَّعًا))، وهذا إسنادٌ مضطربٌ، كما قال الدارقطني، وأشار إليه ابن كثير، وأعلَّه النسائي، وابن ماكولا، والقطان، والمنذري.

[اللغة]:

((صُفَف النُّمُور)): هيَ جَمعُ صُفة، وَهيَ للسرج بمَنزلة المَيثَرَة مِنَ الرحل. وهذا كحديثه الآخَر:((نَهَى عَنْ رُكُوب جُلُودِ النُّمُورِ)) (النهاية لابن الأثير 3/ 37).

وقال الشوكاني: ((هي ما يجعل على السرج)) (نيل الأوطار 1/ 81).

[التخريج]:

[حم 16877 ((واللفظ له)) /كن 9591 - 9594 ((مقتصرًا على الذهب))، 9928 - 9933 ((مقتصرًا على صفف النمور)) / مشكل 3249 ((مقتصرًا على صفف النمور)) / طح (4/ 245)((مقتصرًا على الحرير)) / أصم 34/ طب (19/ 354 - 355/ 830)، (19/ 355 - 356/ 832) / قشيخ 446/ مخلص 2050/ ودع 552 - ((مقتصرًا على صفف

ص: 549

النمور)) 554/ كما (7/ 299) / ذهبي (1/ 134)].

[التحقيق]:

مداره على يحيى بن أبي كثير، واخنلف عليه على عدة أوجه:

الوجه الأول: يحيى بن أبي كثير، عن أبي شيخ الهنائي، عن أبي حمان: أن معاوية

به.

رواه النسائي في (السنن 5197، والكبرى 9589، 9928) -ومن طريقه ابن حزم في (حجة الوداع 552) - عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن كثير، عن علي بن المبارك، عن يحيى به.

الوجه الثاني: يحيى بن أبي كثير، عن أبي شيخ، عن أخيه حمان، عن معاوية، به.

رواه أحمد في (المسند 16877) عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، به.

ورواه النسائي في (السنن 5198، والكبرى 9590، 9929) -ومن طريقه ابن حزم في (حجة الوداع 553) -، والمخلص في (فوائده 2050) -ومن طريقه المزي في (تهذيب الكمال 7/ 299، والذهبي في معجم الشيوخ 1/ 134) - من طريق عبد الصمد، به.

الوجه الثالث: يحيى بن أبي كثير، عن أبي شيخ، عن حمان -وقيل: جماز- عن معاوية، به.

رواه النسائي في (السنن 5199، والكبرى 9591، 9930) -وعنه الطحاوي في (مشكل الآثار 4834)، ومن طريقه ابن حزم في (حجة الوداع 554) -، والطبراني في (المعجم الكبير 19/ 355)، وغيرهم، من طريق شعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، عن يحيى، به.

ص: 550

الوجه الرابع: يحيى بن أبي كثير، عن أبي إسحاق، عن حمان، عن معاوية، به.

رواه النسائي في (السنن 5200، والكبرى 9592، 9931) -وعنه الطحاوي في (مشكل الآثار 4835) - عن نصير بن الفرج، عن عمارة بن بشر، عن الأوزاعي، عن يحيى، به.

الوجه الخامس: يحيى بن أبي كثير، عن أبي إسحاق، عن حمان -وقيل: ابن حمان، وقيل: أبي جماز، وقيل: أبي حمان-، عن معاوية، به.

رواه النسائي في (السنن 5301، والكبرى 9593، 9932)، -وعنه الطحاوي في مشكل الآثار 4836) - والأصم في (الثاني والثالث من حديثه 34)، عن العباس بن الوليد بن مزيد، عن عقبة بن علقمة، عن الأوزاعي، عن يحيى، به.

الوجه السادس: يحيى بن أبي كثير قال: حدثني حمران -وقيل: حمان- عن معاوية، به.

رواه النسائي في (السنن 5202، والكبرى 9594، 9933)، والطحاوي في (مشكل الآثار، 3249، 4833 وشرح معاني الآثار 4/ 245)، عن عبد الله بن يوسف، عن يحيى بن حمزة، عن الأوزاعي، عن يحيى، به.

قلنا: والأوجه السابقة كلها ثابتة عن يحيى بن أبي كثير، مما يدل على أنه اضطرب فيه، وهو ما جزم به الدارقطني في (العلل)، فقال:((واضطرب به يحيى بن أبي كثير فيه)) (العلل 7/ 73).

وقال ابن كثير: ((وفي إسناده اختلافٌ كثيرٌ)) (تهذيب الكمال 7/ 299).

قلنا: ومع اضطراب يحيى، فقد خالفه قتادة الحافظ، وبيهس ومطر الوراق، فرووه عن أبي شيخ الهنائي عن معاوية بلا واسطة، كما تقدم في

ص: 551

الروايات السابقة.

وروايتهم أرجح من رواية يحيى لاتفاقهم على إسنادها، واضطراب يحيى، كما تقدم.

ولذا قال النسائي: ((قتادة أحفظ من يحيى بن أبي كثير، وحديثه أولى بالصواب)) (السنن الكبرى 11/ 339).

وقال الدارقطني: ((والقول عِندَنا قَولُ قَتادة، وبيهس بن فهدان، والله أعلم)) (العلل (3/ 278).

وقال المنذري: ((ولكن روى النسائي أيضًا عن قتادة، عن أبي قتادة، عن أبي شيخ: أنه سمع معاوية

فذكر نحوه، وهذا متصلٌ، وأبو شيخ ثقة مشهور)) (الترغيب 1/ 314)

وقال ابن ماكولا -في ترجمة حمان أخي أبي شيخ الهنائي مائلًا لرواية قتادة-: ((فيه اختلاف كثير فقال قتادة -وهو حافظ-: عن أبي شيخ، عن معاوية، ولم يذكر أخاه، وتابعه بيهس بن فهدان من رواية النضر بن شميل عنه)) (الإكمال 2/ 554).

وقال ابن القطان: ((فهذا -كما ترى- حكم منه على الأول بالانقطاع، لزيادة واحد بينهما، واختصار أمر هذا الحديث: هو أن أبا شيخ يرويه عنه رجلان: قتادة ومطر، فلا يجعلان بينه وبين معاوية أحدًا، ورواه عنه بيهس بن فهدان فذكر سماعه من معاوية لفظة: النهي عن جلود النمور خاصة، وحديثه مذكور ببيان ذلك عند النسائي، ورواه عن أبي شيخ يحيى بن أبي كثير فأدخل بينه وبين معاوية رجلًا اختلفوا في ضبطه كما ذكر، فقيل: أبو حمان، وقيل: جمان، وقيل: جماز، وهو أخو أبي شيخ، وقال

ص: 552

الدارقطني: إن القول فيه قول من لم يدخل بين أبي شيخ ومعاوية فيه أحدًا -يعني: قتادة، ومطرًا، وبيهس بن فهدان.

ولكن أَبَى ذلك أبو محمد عبد الحق، وقضى بانقطاعه، لإدخال الواسطة بينهما، اتباعًا لابن حزم)). (بيان الوهم 2/ 417).

روايةُ: ((سُرُوجِ النُّمُورِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((نَهَى عَنْ سُرُوجِ النُّمُورِ؛ أَنْ يُركَبَ عَلَيْهَا؟)).

[الحكم]:

المتن حسنٌ بمجموع طرقه وشواهده، وإسناده ضعيفٌ.

[التخريج]:

[عب 218 ((واللفظ له)) / منذ 894].

[السند]:

رواه عبد الرزاق -ومن طريقه ابن المنذر-: عن معمر، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: عنعنة قتادة، كما تقدم.

الثانية: ضعف رواية معمر عن قتادة؛ قال الدارقطني: ((معمر سيء الحفظ لحديث قتادة والأعمش)) (العلل 12/ 221).

ص: 553

وقال ابن أبي خيثمة: ((سمعت يحيى بن معين يقول: قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ أسانيده))

(1)

(تاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثالث 1203).

وقال ابن معين أيضًا: ((إذا حدثك مَعْمَر عن العراقيين فخفه؛ إِلَّا عن الزُّهري، وابن طاوس؛ فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا)) (تاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثالث 1194).

قلنا: وقتادة من أهل البصرة؛ لذلك اضطرب معمر في لفظه: فرواه تارة كما هنا بلفظ: ((سُرُوجِ النُّمُورِ))، وتارة بلفظ:((جُلُودِ النُّمُورِ)). ورواه تارة أخرى بلفظ: ((نَهَى أَنْ تُفْتَرَشَ جُلُودُ السِّبَاعِ))، كما سيأتي.

ولكن قد ورد هذا المعنى من غير ما طريق عن معاوية وغيره من الصحابة -كما سيأتي، وكما تقدم-، فتتقوى بمجموعها إلى درجة الحسن إِن شاء الله.

(1)

أما ما رُوِيَ عن مَعْمَرٍ أنه قال: ((سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما شيء سمعته في تلك السنين، إِلَّا وكأنه مكتوب في صدري))؛ فقد ذكره البخاري في (التاريخ الكبير 7/ 378): عن محمد بن كثير، عن مَعْمَرٍ.

ومحمد بن كثير: كثير الغلط لا سيَّما عن مَعْمَرٍ؛ فقد ضعف أحمد حديثه عن مَعْمَرٍ جدًّا، وقال:((هو منكر الحديث، أو قال: يروي أشياء منكرة)) (العلل ومعرفة الرجال - رواية عبد الله 5109).

ص: 554

روايةُ: ((نَهَى أَنْ تُفْتَرَشَ جُلُودُ السِّبَاعِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((نَهَى أَنْ تُفْتَرَشَ جُلُودُ السِّبَاع)، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ)).

[الحكم]:

حسنٌ لشواهده، وإسناده ضعيفٌ.

[التخريج]:

[كن 9927 ((واللفظ له)) / عب 217].

[التحقيق]:

الحديث بهذا اللفظ له طريقان عن أبي شيخ الهنائي، عن معاوية:

الطريق الأول:

أخرجه النسائي في (السنن الكبرى 9927) عن أحمد بن حرب، عن أسباط بن محمد، عن مغيرة بن مسلم، عن مطر، عن أبي شيخ، عن معاوية، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ من أجل مطر بن طهمان الوراق، قال فيه الحافظ:((صدوق كثير الخطأ)) (التقريب 6699).

الطريق الثاني:

أخرجه عبد الرزاق في (المصنف 216) عن معمر، عن قتادة، عن أبي شيخ، عن معاوية، بنحوه.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعف رواية معمر عن قتادة، وعنعنة قتادة، وقد تقدم الكلام عليهما في الرواية السابقة.

ولكن المتن يحسن لشواهده، فتقدم من حديث أبي المليح موصولًا

ص: 555

ومرسلًا، وإِن كان المرسل أرجح، إِلَّا أنه مرسل قوي -كما بينَّاه هناك-، فإذا ضم إلى طريق مطر هذا وغيره مما يأتي، أخذ قوة، وارتقى إلى درجة الحسن إِن شاء الله.

روايةُ: ((الْخَزِّ وَالنِّمَارِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ رُكُوبِ الْخَزِّ وَالنُّمُورِ (قَالَ: لَا تَرْكَبُوا الْخَزَّ، وَلَا النِّمَارَ))).

[الحكم]:

رجالُه ثقاتٌ، وكذا قال الشوكاني، والنهي عن ركوب النمور حسن بمجموع طرقه وشواهده.

[اللغة]:

((قوله: (نَهَى عَنْ رُكُوب الْخَزِّ)، قال ابن الأثير: الخَزُّ المعرُوفُ أَولًا: ثيَابٌ تُنسَجُ من صُوفٍ وإبرَيْسم، وَهيَ مُبَاحة، وَقَد لَبسها الصحابة والتابعون، فَيَكُونُ النهي عَنهَا لأَجل التشبه بالعَجَم وَزيِّ المُترَفينَ.

وَإن أُريدَ بالخَزِّ النوعُ الآخَرُ، وَهُوَ المعرُوفُ الآنَ فَهُوَ حَرَامٌ؛ لأَن جميعَه معمولٌ مِنَ الإبرَيْسَم)) (النهاية 2/ 28). ((والإبرَيْسَم: هو أحسن الحَرير))، كما في (المعجم الوسيط 1/ 2).

[التخريج]:

[د 4081/ جه 3681/ حم 16840/ طي 1058/ ش 25753 ((واللفظ له)) / تخ (7/ 328)((والرواية له ولغيره)) / علحم 5912/ لا

ص: 556

1809/ هق 74/ هقخ 58/ كر (59/ 166)].

[السند]:

رواه ابن أبي شيبة -وعنه ابن ماجه-، وأحمد، كلاهما: عن وكيع، عن أبي المعتمر، عن ابن سيرين، عن معاوية، به.

ومداره عند الجميع على أبي المعتمر، وهو يزيد بن طهمان الرقاشي، عن ابن سيرين، عن معاوية، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا أبي المعتمر يزيد بن طهمان، وهو ((ثقةٌ)) كما في (التقريب 7735).

إِلَّا أَنَّ محمد بن سيرين لا يُعرف له سماع من معاوية، وكان بالبصرة ومعاوية بالشام.

وقد سُئِلَ أبو حاتم: عن ابن سيرين سمع من أبي الدرداء؟ قال: ((قد أدركه ولا أظنُّه سمع منه، ذاك بالشام وهذا بالبصرة)) (المراسيل صـ 187).

وما أدق قول الشوكاني عن هذا الحديث: ((رجال إسناده ثقات)) (نيل الأوطار 2/ 108).

ولكن النهي عن ركوب النمور حسن لشواهده كما تقدم.

ولعل لذلك، غض بعض العلماء الطرف، عن سماع ابن سيرين من معاوية، فأطلقوا عليه الحسن، ومنهم من صححه:

فحسنه النووي في (خلاصة الأحكام 1/ 78)، و (رياض الصالحين ص 254)، وابن مفلح في (الآداب الشرعية 3/ 516)، وابن علان في (دليل الفالحين 5/ 290).

ص: 557

ورمز لصحته السيوطي في (الجامع الصغير 9768).

وقال المناوي: ((إسناده صالح)) (التيسير 2/ 492).

وصححه الألباني في (السلسلة الضعيفة 10/ 269).

روايةُ: ((نَهَى عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَى عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ (الْمَيَاثِرِ)، وَعَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وضعَّفه: أبو داود، وابن القطان، والمنذري، والعظيم آبادي. وأشار إلى تضعيفه الإمام أحمد. وقال الذهبي:((منكرٌ)).

[الفوائد]:

((قوله: ((نَهَى عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ))، قال ابن الأثير: وفي رواية ((النُّمُورُ)) أي: جلود النمور، وهي السباع المعروفة، واحدها: نمر. إنما نهى عن استعمالها لما فيها من الزينة والخيلاء، ولأنه زِيُّ الأعاجم، أو لأَنَّ شعره لا يقبل الدِّباغ عند أحد الأئمة إذا كان غير ذكي، ولعل أكثر ما كانوا يأخذون جلود النمور إذا ماتت، لأَنَّ اصطيادها عسير)) (النهاية 5/ 117)، وانظر:(شرح المشكاة للطيبي 9/ 2904)، و (عون المعبود 11/ 203).

[التخريج]:

[د 4190 ((واللفظ له)) / ن 5194/ كن 9586 ((والرواية له)) / حم

ص: 558

16844/ طب (19/ 357 - 358/ 837، 838) / طس 5985/ هق 6189/ كما (29/ 235)].

[السند]:

أخرجه أحمد في (المسند 16844)، وأبو داود (4190) -ومن طريقه البيهقي في (السنن الكبرى 6189) -، وغيرهم، عن إسماعيل بن علية.

وأخرجه النسائي في (المجتبى 5194)، وفي (السنن الكبرى 9586)، قال: أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي.

كلاهما (ابن علية، وعبد الوهاب): عن خالد الحذاء، عن ميمون القناد، عن أبي قلابة، عن معاوية، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: الانقطاع بين أبي قلابة ومعاوية؛ قال أبو داود -عقب الحديث-: ((أبو قلابة لم يلقَ معاوية))، وقال أبو حاتم الرازي:((أبو قلابة لم يسمع من معاوية بن أبي سفيان)) (المراسيل صـ 110).

وقد ضعف الحديث بذلك ابن القطان الفاسي في (بيان الوهم والإيهام 2/ 412).

والمنذري في (الترغيب والترهيب 1/ 314)، وقال: ((وأبو قلابة لم يسمع من معاوية، ولكن روى النسائي أيضًا عن قتادة، عن أبي شيخ: أنه سمع معاوية

فذكر نحوه، وهذا متصلٌ، وأبو شيخ ثقة مشهور)).

وأعلَّه بالانقطاع أيضًا في (مختصر سنن أبي داود 6/ 128)، وتبعه العظيم آبادي في (عون المعبود 11/ 203).

ص: 559

الثانية: ميمون القناد، وهو مجهول الحال؛ فقد روى عنه جماعة من الثقات، ولم يوثقه معتبر، وسئل عنه الإمام أحمد فقال:((ميمون القناد قد روى هذا الحديث، وليس بمعروف)) (الجرح والتعديل 8/ 236)، وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 471) على قاعدته في توثيق المجاهيل، ولذا قال الحافظ:((مقبولٌ)) (التقريب 7055). أي: إذا تُوبع، وإلا فلين.

وبه ضعَّفه المنذري في (مختصر سنن أبي داود 6/ 128)، وأقرَّه العظيم آبادي في (عون المعبود 11/ 203).

وقال المزي -بعد تخريجه لهذا الحديث-: ((وأظنُّ هذا الحديث هو الذي أشار إليه أحمد بن حنبل، والله أعلم)) (تهذيب الكمال 29/ 235).

وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته فقال: ((روى حديثه الحذاء عنه، عن أبي قلابة، عن معاوية

والحديث منكرٌ)) (ميزان الاعتدال 4/ 236).

* وزاد المنذري في (مختصر سنن أبي داود 6/ 128 - 129) علة أخرى:

وهي الانقطاع بين ميمون وأبي قلابة، اعتمادًا على قول البخاري في (التاريخ الكبير 7/ 340):((ميمون القناد، عن سعيد بن المسَيّب، وأبي قلابة مراسيل)). قال المنذري: ((ففيه الانقطاع من موضعين)). يعني بالأول: (أبو قلابة عن معاوية)، والثاني:(ميمون عن أبي قلابة).

كذا قال، وفيه نظر، فإن عبارة البخاري لا يفهم منها ما ذكره الحافظ المنذري رحمه الله، بل مراد البخاري، أنه روى عنهما أحاديث أرسلوها، ففيه إشارة للانقطاع بين (أبي قلابة ومعاوية) كما في حديثنا، ولو أراد ما فهمه المنذري لقال:((مرسل))، وليس ((مراسيل)).

ثم إِنَّ عبارة البخاري جاءت في نسخة أخرى، وكذا أثبتت في المطبوع:

ص: 560

((عن سعيد بن المسَيّب، وأبي قلابة. عنده مراسيل)).

وحديث ميمون عن سعيد بن المسَيّب، عند ابن أبي شيبة (20419) بسندٍ صحيحٍ، وفيه إثبات سماعه منه.

وقد ترجم جماعة من الأئمة لميمون بروايته عن سعيد وأبي قلابة، ولم يذكر أحد أن ثمة انقطاع بينهما، والله أعلم.

قلنا: وقد رواه بعضهم، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، به. بإسقاط ميمون القناد.

أخرجه النسائي في (المجتبى 5149)، وفي (السنن الكبرى 9585)، والطبراني في (المعجم الكبير 19/ 357/ 837)، من طريق سفيان بن حبيب.

وأخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط 5985) من طريق محبوب بن الحسن.

كلاهما (سفيان ومحبوب): عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن معاوية، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، عدا سفيان ومحبوب.

فأما سفيان بن حبيب: فهو ثقة من رجال الأربعة (التقريب 2436).

وأما محبوب بن الحسن: فضعَّفه أبو حاتم، والنسائي، وقال ابن معين:((ليس به بأس))، ولخص الحافظ حاله فقال:((صدوق لين)) (التقريب 5819)، (التهذيب 9/ 12).

قلنا: وهو مُتابع من سفيان، ولكن الصواب في سنده بإثبات ميمون القناد،

ص: 561

كما رواه ابن علية وعبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء.

وقد أشار لذلك النسائي عقب رواية سفيان بن حبيب بقوله: ((خالفه عبد الوهاب الثقفي، رواه عن خالد، عن ميمون، عن أبي قلابة)).

ولعل هذا من تدليس الحذاء؛ فقد وصف بالتدليس، وإن ذكره الحافظ في المرتبة الأولى من (مراتب المدلسين صـ 20).

وعلى أي حال فعلة الانقطاع بين أبي قلابة ومعاوية قائمة بهذا الطريق أو بذاك.

وأما متن الحديث: ((فَالنَّهْيُ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا)) صحيحٌ كما تقدم، وأما النهي:((عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ))، فحسنٌ لشواهده، والله أعلم.

ص: 562

روايةُ النهي عن: ((الْجُلُوسِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَلْبَسُوا الذَّهَبَ إِلَّا مُقَطَّعًا، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ)). ثُمَّ نَشَدَ النَّاسَ: مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَامَ سَبَعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم).

[الحكم]:

المرفوع ثابتٌ كما تقدم، وإسناده ضعيفٌ، وضعَّفه البوصيري.

[التخريج]:

[مش (خيرة 4070)].

[السند]:

أخرجه ابن أبي شيبة في (مسنده)، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن الحكم، أخبرني من سمع معاوية، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: إبهام الراوي عن معاوية.

وبه ضعَّفه البوصيري؛ فقال: ((هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالة تابعيه)) (إتحاف الخيرة 4070).

الثانية: الليث، وهو ابن أبي سليم، وهو ضعيف، قال الحافظ:((صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك)) (التقريب 5685).

ص: 563

روايةُ: ((لَمْ تَصْحَبُهُ الْمَلائِكَةُ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: ((خَطَبَ مُعَاوِيَةُ النَّاسَ فَقَالَ: إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا سَمِعْتُمْ مِنْهُ فَصَدِّقُونِي،

وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((مَنْ رَكِبَ [عَلَى] النُّمُور (النِّمَار) لَمْ تَصْحَبْهُ الْمَلَائِكَةُ))، قَالُوا: سَمِعْنَا. قَالَ: ((وَسَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ))، قَالُوا: لَمْ نَسْمَعْ، فَقَالَ: بَلَى، وَإِلَّا فَصُمَّتَا)).

[الحكم]:

منكرٌ بهذا اللفظ، وأنكره: ابن حبان، وابن حزم، وابن القيسراني، والذهبي.

[التخريج]:

[كن 9934 ((واللفظ له)) / ودع 550 ((مختصرًا)) / مجر (3/ 159) ((مقتصرًا على ركوب النمور والزيادة والرواية له))].

[السند]:

أخرجه النسائي في (الكبرى 9934) -ومن طريقه ابن حزم في (حجة الوداع 550) -، قال: أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك، عن أبي فروة، عن الحسن، قال: خطب معاوية الناس فقال: إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا سَمِعْتُمْ مِنْهُ فَصَدِّقُونِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((لَا تَلْبَسُوا الذَّهَبَ إِلَّا مُقَطَّعًا))، قَالُوا: سَمِعْنَا، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((مَنْ رَكِبَ النُّمُورَ

)) الحديث.

أبو داود هو سليمان بن سيف الطائي، وأبو فروة هو مسلم بن سالم النهدي.

ص: 564

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: شريك بن عبد الله النخعي، وهو سيء الحفظ، وفي التقريب:((صدوق يخطئ كثيرًا)).

وبه ضعَّفه ابن حزم؛ لكن قال: ((وشريك لا يجوز الاحتجاج بحديثه لاشتهاره بتعمد التدليس في المنكرات)) (حجة الوداع صـ 487).

وهذا الذي ذكره من أن شريك يتعمد تدليس المنكرات غريب جدًّا، بل لو عكس الأمر لكان أصوب، فإن المشهور عن شريك كراهيته للتدليس -وإن وصف به-، بل قال يزيد بن هارون:((قَدِمْتُ الكُوفَةَ فَمَا رَأَيْتُ بِهَا أَحَدًا لَا يُدَلِّسُ إِلَّا شَريكًا، ومِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ)). انظر: (جامع التحصيل صـ 100). و (طبقات المدلسين 56).

الثانية: الحسن البصري، لم يثبت له سماع من معاوية، وهو مشهور بالتدليس والإرسال، وقد عنعن.

قلنا: وقد رُوِيَ عن شريك على وجه آخر:

أخرجه ابن حبان في (المجروحين 3/ 159): عن ابن ذريح، قال: حدثنا جبارة (بن)

(1)

مغلس، قال: حدثنا شريك، عن أبي الهيثم العبدي، عن لاحق بن حميد، عن معاوية، بنحوه مختصرًا.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه -بالإضافة إلى ضعف شريك النخعي- علتان:

الأولى: أبو الهيثم العبدي، قال الدارقطني:((مجهول)) (لسان الميزان 9/

(1)

سقطت من طبعة المعرفة، وهي على الصواب في (ط. دار الصميعي) المعتمدة.

ص: 565

186)، وذكره ابن حبان في (المجروحين) وقال:((منكر الحديث جدًّا، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد))، ثم ذكر هذا الحديث، إشارة إلى نكارته.

وذكره ابن القيسراني في (معرفة التذكرة 803)، و (تذكرة الحفاظ 822)، وقال:((فيه أبو الهيثم العبدي منكر الحديث)).

وقال الذهبي معقبًا على كلام ابن حبان: ((قلت: لعل النكارة من غيره)) (ميزان الاعتدال 4/ 584)، كأنه يشير إلى الراوي عنه (جبارة بن المغلس)، وهو العلة:

الثانية: جبارة بن المغلس: وهو واهٍ؛ اتَّهمه أحمد، وابن معين، بالكذب، وقال ابن نمير:((ما هو عندي ممن يكذب، كان يوضع له الحديث فيحدث به، وما كان عندي ممن يتعمد الكذب))، وقال البخاري:((حديثه مضطرب))، وقال أبو حاتم:((هو على يَدَيْ عَدْلٍ))

(1)

، وقال ابن حبان:((كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، أفسده الحماني حتى بطل الاحتجاج بأحاديثه))، وقال الدارقطني:((متروك))، وضعَّفه جماعة، انظر:(تهذيب التهذيب 2/ 58)، فقول الحافظ في (التقريب 890):((ضعيفٌ))، تساهل، والله أعلم.

(1)

هذا مثل مشهور للميؤوس منه، وأصله كما قال غير واحد من أئمة اللغة يرجع إلى رجل في الجاهلية اسمه (العَدْل ابن سعد العَشِيرة)، وَكَانَ وَلِيَ شُرْطَةَ تُبَّعٍ، وكان تُبَّعٌ إذا أرادَ أن يَقْتُلَ رجُلًا دَفَعه إليه، فَصَارَ النَّاس يَقُولُونَ للشيء الذي ييئسون مِنْهُ:(هو على يَدَيْ عَدْلٍ)، أو (وُضِعَ عَلى يَدَيْ عَدْلٍ)، انظر:(الزاهر للأنباري 2/ 47)، و (تهذيب اللغة للأزهري 2/ 127)، و (ثمار القلوب للثعلبي صـ 137)، و (لسان العرب 11/ 436).

ص: 566

وسيأتي نحو هذه الرواية من حديث أبي هريرة، وهو منكرٌ أيضًا كما سيأتي بيانه.

وذكر: (المتعة) منكرٌ - أيضًا - إِن كان المراد متعة الحج، كما سبق بيانه، وإِن كان المراد متعة النساء فصحيحةٌ لشواهدها الكثيرة، ورجح الأخير هنا ابن القيم في (تهذيب السنن 5/ 153)، فقال:((فهذا أصح من حديث أبي شيخ، وإنما فيه النهي عن المتعة، وهي -والله أعلم- متعة النساء، فظن من ظن أنها متعة الحج والقران متعة فرواه بالمعنى فأخطأ خطأً فاحشًا)).

ص: 567

419 -

حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه:

◼ عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ سَبْعَةَ

(1)

أَشْيَاءَ، وَإِنِّي أُبَلِّغُكُمْ ذَلِكَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْهُ، مِنْهُنَّ: النَّوْحُ، وَالشِّعْرُ، وَالتَّصَاوِيرُ، وَالتَّبَرُّجُ، وَجُلُودُ السِّبَاعِ، وَالذَّهَبُ، وَالْحَرِيرُ)).

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ، وضعَّفه الألباني.

[التخريج]:

[جه 1562 ((مقتصرًا على النوح)) / حم 16935 ((واللفظ له)) / طب (19/ 373/ 876) / طس 6368/ تخ (5/ 81) ((مختصرًا)) / عد (7/ 42) / متفقٌ 842/ كر (28/ 37)، (50/ 279) / شعر 40/ كما (5/ 581 - 582)].

[التحقيق]:

سيأتي الكلام عليه عقب الرواية التالية.

(1)

جاءت هذه الكلمة في (تهذيب الكمال) بلفظ: ((ستة))، وغالب الظن أنها تحريف؛ لأمرين:

الأول: أنها جاءت في كل مصادر هذه الرواية بلفظ: ((سبعة)). الثاني: أن المزي أخرج هذا الحديث بتلك اللفظة من طريق الطبراني، وقد رواها الطبراني في (المعجم الكبير) بنفس الإسناد بلفظ:((سبعة)).

ص: 568

روايةُ: حَرَّمَ تِسْعًا:

• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ تِسْعٍ

(1)

،

وَأَنَا أَنْهَى عَنْهُنَّ: ((النَّوْحِ، والشَّعْرِ، والتَّبَرُّجِ، والتَّصَاويرِ، وجُلُودِ السِّبَاعِ (وَالسُّرُوجِ) 1 (وَالجُلُوسِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ) 2، وَالغِنَاءِ، وَالذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ (وَالخَزِّ

(2)

) 3، وَالْحَدِيدِ [-يَعْنِي: الْخَاتَمِ-])).

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ، وضعَّفه الألباني.

[التخريج]:

[عل 7374، (خيرة 1990/ 2)((والزيادة له ولغيره)) / طب (19/

(1)

تصحفت في الطبعة المعتمدة من مسند أبي يعلى إلى: ((سبع))، والصواب:((تسع))، كما في (ط. إدارة العلوم الأثرية)، ومما يدل على تصحيفها؛ أمور:

الأول: أن ابن عساكر أخرجه في (تاريخ دمشق 50/ 280) من طريق أبي يعلى بإسناده، بلفظ:((تسع)).

الثاني: جاءت في المصادر الأخرى من طريق كيسان مولى معاوية: ((تسع)).

الثالث: مناقضة المعدود للعدد في الطبعة المعتمدة لمسند أبي يعلى، ففيه:((نهى عن سبع))، ثم عدد أكثر من سبعة منهيات.

وكذا تصحفت إلى ((سبع)) في مطبوع (مسند الشاميين)، والحديث بنفس السند في (الكبير 878) على الصواب، والله أعلم.

(2)

تصحفت في (المعجم الكبير للطبراني) إلى: ((الحر))؛ بالحاء والراء المهملتين، وتم تصويبها من النسخة الخطية (10/ ق 228/ ب)، ولكن وقعت في ((مسند أبي يعلى)) كما في (إتحاف الخيرة 1990/ 2):((السحر))، ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 50/ 280)، لكن بلفظ:((الفخر)). ورواية الطبراني لعلها أصوب، لموافقتها رواية ابن سيرين المتقدمة قريبا، فالله أعلم.

ص: 569

373/ 877، 878 ((والرواية الأولى له)) / طش 1422/ تخ (7/ 234)((واللفظ له)) / لا 1393 ((والرواية الثانية والثالثة له)) / كر (50/ 280)].

[التحقيق]:

رُوِيَ هذا الحديث من طريقين، عن معاوية بن أبي سفيان:

الطريق الأول:

أخرجه أحمد في (المسند 16935) -ومن طريقه الخطيب في (المتفق 842)، وعبد الغني المقدسي في (أحاديث الشعر 40) -، عن خلف بن الوليد.

وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 19/ 373/ 876)، وفي (المعجم الأوسط 6368) من طريق عمرو بن خالد الحراني.

وابن عساكر في (تاريخ دمشق 50/ 279) من طريق محمد بن المبارك.

ثلاثتهم: عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن دينار، عن أبي حريز مولى معاوية، عن معاوية، بلفظ الرواية الأولى.

وأخرجه البخاري في (التاريخ الكبير 5/ 81)، قال: قال هيثم بن خارجة، عن إسماعيل، عن عبد الله بن دينار، عن أبي حريز أو حريز، عن معاوية، به.

وأخرجه ابن ماجه (1562)، وابن عدي في (الكامل 4/ 238)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق 28/ 37): من طريق هشام بن عمار، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن دينار، عن (حريز مولى معاوية)، عن معاوية، به.

ص: 570

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: عبد الله بن دينار الشامي الحمصي، وهو ضعيفٌ، كما قال الحافظ في (التقريب 3301).

الثانية: أبو حريز مولى معاوية، وقيل: حريز؛ قال الذهبي: ((لا يعرف إِلَّا برواية عبد الله بن دينار البهراني عنه)) (ميزان الاعتدال 1/ 476)، ولذا قال الدارقطني:((لا شيء، مجهولٌ)) (سؤالات البرقاني 619)، وذكره ابن حبان في (الثقات 5/ 579) على قاعدته في توثيق المجاهيل، وقال ابن حجر:((مجهولٌ)) (التقريب 1185).

وبه ضعَّفه الألباني في (السلسلة الضعيفة 10/ 273).

وقد قيل: إن اسمه كيسان، كذا جزم به الطبراني، وابن عساكر، وذلك كما جاء في:

الطريق الثاني:

أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير 7/ 234) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 50/ 280) -، وأبو يعلى في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة 1990/ 2) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 50/ 280) -، والطبراني في (المعجم الكبير 9/ 373/ 877) من طريق يحيى بن صالح الوحاظي

(1)

.

(1)

جاء هذا الإسناد في (التاريخ الكبير) هكذا: ((يحيى بن إسماعيل، قال: حدثَنا يحيى بن صالح، به، ))، والظاهر أنه تحريف من:((محمد بن إسماعيل (وهو البخاري) قال يحيى بن صالح، به)). هكذا أخرجه ابن عساكر في (تاريخه 50/ 280) من طريق البخاري.

ص: 571

وأخرجه أبو يعلى في (مسنده 7374) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 50/ 280) -، والطبراني في (المعجم الكبير 19/ 373/ 878)، وفي (مسند الشاميين 1422) من طريق أبي عبيدة بن الفضيل.

وأخرجه الدولابي في (الكنى 1393)، والطبراني في (مسند الشاميين 1422) من طريق محمد بن منصور الجواز.

كلاهما: عن أبي سعيد مولى بني هاشم، عن عبد الرحمن أبي العلاء (كذا قال أبو عبيدة، وقال محمد بن منصور: ابن العلاء).

كلاهما (يحيى بن صالح، وعبد الرحمن أبو العلاء أو ابن العلاء): عن محمد بن مهاجر بن دينار الشامي، عن كيسان مولى معاوية، عن معاوية، به، بلفظ الرواية الثانية، عدا الطبراني في (مسند الشاميين) فبلفظ الرواية الأولى.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا أبا العلاء، وكيسان.

فأما أبو العلاء عبد الرحمن بن العلاء: فلم نقف له على ترجمة بهذا الاسم، ولعله أبو العلاء عبد الرحمن بن عبد الله، والذي ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 5/ 315)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 5/ 252)، برواية أبي سعيد عبد الرحمن مولى بني هاشم وغيره عنه، قال أبو حاتم:((لا أعرفه))، وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 87) على قاعدته في توثيق المجاهيل.

وعلى أي حال؛ فهو متابع من يحيى بن صالح الوحاظي، وهو صدوق من رجال الشيخين (التقريب 7568).

وأما كيسان مولى معاوية: فقد ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 7/

ص: 572

234)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 7/ 165)، برواية ابن مهاجر عنه، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في (الثقات 5/ 340) على قاعدته في توثيق المجاهيل.

وقد قيل: إن كيسان هذا هو أبو حريز صاحب الطريق الأول، كذا ترجم له الطبراني في (المعجم الكبير 19/ 373)، وأبو أحمد الحاكم في (الأسامي والكنى 4/ 154)، وابن منده في (الكنى والألقاب صـ 276)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق 50/ 279)، وابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه 2/ 290 - 291).

ولم يفرق بينهما -فيما وقفنا عليه- غير البخاري في (التاريخ الكبير 5/ 82)، وابن حبان بإفراده ترجمة لكل منهما كما تقدم، والمزي في (تهذيب الكمال 5/ 582).

وقال الهيثمي: ((رواه الطبراني بإسنادين، رجال أحدهما ثقات))! (مجمع الزوائد 13301)

وقد تعقبه الألباني؛ فقال: ((قد تبين من تحقيقنا أن مدار الإسنادين على أبي حريز؛ وأنه مجهول)) (السلسلة الضعيفة 10/ 274).

قلنا: سواء كانا اثنين أو واحدًا فكلاهما مجهول.

وبذلك يُتعقب على تحسين من حسنه كالسيوطي في (الجامع الصغير 9441)، والمناوي في (التيسير 2/ 470).

هذا ولبعض فقراته شواهد، وستأتي في محلها بمشيئة الله.

[تنبيه]:

جاء الحديث عند ابن عساكر، بلفظ:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حَرَّمَ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ)).

ص: 573

أخرجه في (تاريخ دمشق 50/ 279) من طريق أبي الميمون بن راشد، عن أبي زُرْعَةَ الدمشقيِّ، عن يحيى بن صالح، عن محمد بن مهاجر، عن كيسان مولى معاوية، عن معاوية، به.

وهذه اللفظة إِنْ لم تكن محرفة هنا؛ فهي غير محفوظة؛ فقد رواه الطبراني في (المعجم الكبير 19/ 373/ 877) عن أبي زرعة الدمشقي، بإسناده، بلفظ:((تسعة)).

وقد تابع أبا زُرْعَةَ على ذلك: البخاريُّ في (التاريخ)، وإبراهيم بن سعيد الجوهريُّ كما عند أبي يعلى وغيره.

روايةُ النَّهْيِ عَنْ: ((تَشْيِيدِ الْبِنَاءِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ مُعَاويَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَنْهَى عَنِ الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ، وَعَنْ تَشْيِيدِ البِنَاءِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وضعَّفه الهيثمي والألباني.

[التخريج]:

[طب (19/ 392/ 920)].

[السند]:

قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة، ثنا الوليد بن صالح النحاسُ، ثنا بقية بن

ص: 574

الوليد

، [يزيد بن سفيان]

(1)

، عن معاوية بن أبي سفيان، به.

[التحقيق]:

قال الهيثمي: ((رواه الطبراني في (الكبير)، وفيه: يزيد بن سفيان أبو المهزم؛ قال أحمد: ما أقرب حديثه، وقال النسائي: متروك، وضعَّفه الناس)) (المجمع 6283).

قلنا: وقال عنه ابن حجر: ((متروك)) (التقريب 8397)، وعليه فهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا.

وبه ضعَّفه أيضًا الألباني في (السلسلة الضعيفة 10/ 270).

ومع هذا رمز لصحته السيوطي في (الجامع الصغير 9400).

ولشطره الأول شواهد، كما تقدم.

(1)

وقع في أصل الطبراني (ج 10/ ق 231/ أ) سقطٌ بين بقية بن الوليد، وبين معاوية، وما بين المعقوفين، زاده محققه اعتمادًا على قول الهيثمي، وهو الصواب؛ فقد عنون له الطبراني بقوله:(يزيد بن سفيان عن معاوية) ثم ذكره.

ص: 575

420 -

حَدِيثُ الْمِقْدَامِ فِي النَّهْيِ عَنْ ((مَيَاثِرِ النُّمُورِ)):

◼ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه، قَالَ:((نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ، وَعَنْ مَيَاثِرِ النُّمُورِ)).

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ، وأشار إلى تضعيفه ابن القطان.

[التخريج]:

[ن 5298/ كن 4776/ حم 17185 ((واللفظ له))].

[السند]:

أخرجه أحمد، قال: حدثنا حيوة بن شريح، وأحمد بن عبد الملك، قالا: حدثنا بقية، حدثنا بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معدي كرب، به.

وأخرجه النسائي في (الصغرى) و (الكبرى)، عن عمرو بن عثمان قال: حدثنا بقية، عن بحير، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، إِلَّا أَنَّ بقية بن الوليد، موصوف بتدليس التسوية، وصفه بذلك أبو حاتم الرازي في (العلل 1957)

(1)

، وتبعه العلائي في

(1)

قال ابن أبي حاتم: ((سمعت أبي

، وذكر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه، عن بقية، قال: حدثني أبو وهب الأسدي، قال: حدثنا نافع، عن ابن عمر قال:((لَا تَحْمَدُوا إِسْلَامَ امْرِئٍ حَتَّى تَعْرِفُوا عُقْدَةَ رَأْيِهِ)). قال أبي: ((هذا الحديث له علة قَلَّ من يفهمها؛ روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب، وهو أسدي، فكأن بقية بن الوليد كنى عبيد الله بن عمرو، ونسبه إلى بني أسد؛ لكيلا يفطن به، حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لا يُهتدى له، وكان بقية من أفعل الناس لهذا. وأما ما قال إسحاق في روايته عن بقية، عن أبي وهب: ((حدثنا نافع))، فهو وَهْمٌ، غير أن وجهه عندي: أن إسحاق لعله حفظ عن بقية هذا الحديث، وَلَمَّا يفطن لِمَا عمل بقية من تركه إسحاق من الوسط، وتكنيته عبيدالله بن عمرو، فلم يتفقد لفظ بقية في قوله:((حدثنا نافع))، أو ((عن نافع)))). اهـ. (في المطبوع: يفتقد)!

ص: 576

(جامع التحصيل صـ 102، 105)، والزركشي في (النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/ 106)، والحافظ أبو الفضل العراقي في (شرح الألفية 1/ 243)، وابنه أبو زُرْعَةَ العراقي في (المدلسين صـ 37)، والسخاوي في (فتح المغيث 1/ 242). والسيوطي في (تدريب الراوي 1/ 257)، وغيرهم.

فلا بُدَّ أن يصرح بالتحديث في جميع طبقات السند، ولم يصرح بالتحديث هنا سوى عن شيخه فقط.

هذا .. ورفض الشيخ الألباني اتهام بقية بتدليس التسوية، وشكك في صحة ذلك عنه، وتعقب أبا حاتم الرازي بكلام طويل، مفاده أن جمهور الأئمة إنما وصفوه بتدليس الإسناد والشيوخ فقط، وتفرد أبو حاتم بذكر التسوية، وأن الحديث الذي استدل به أبو حاتم، يمكن أن يوجه على غير إرادة التسوية، انظر:(السلسلة الضعيفة 12/ 105 - 111).

وكلام الشيخ رحمه الله لا يخلو من نظر؛ فمَنْ عرف حجةً على مَنْ لم يعرف، فكيف إذا كان قائلها إمام جهبذ من كبار أئمة العلل، وذكر ذلك بعبارة تدل على كثرة اطلاعه على ذلك من (بقية)، وليس الأمر مقتصرًا على هذا الحديث؛ حيث قال:((وكان بقية من أفعل الناس لهذا)). وتبعه من ذكرنا

ص: 577

من الأئمة، فهو المعتمد، والله أعلم.

ولأجل ذلك ذهب الشيخ الألباني إلى تصحيح هذا الحديث، اكتفاءً بتصريح بقية بالتحديث من شيخه، فقال:((إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وقد صرَّح بقية بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه)) (الصحيحة 3/ 9)، ونحوه في (الضعيفة 10/ 269).

وقد أشار ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام 4/ 164، 609، 5/ 810) إلى تضعيفه ببقية؛ فقال متعقبًا عبد الحق الإشبيلي في سكوته على هذا الحديث: ((وسكت عنه، وإنما يرويه بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن المقدام)) (بيان الوهم والإيهام 4/ 609)، وقد ذكر قبل أن (بقية) منكرُ الحديث، وهذا كما سبق تأصيله محمول على حال العنعنة في السند، أو الرواية عن المجاهيل، وإلا فالرجل في نفسه ثقة، والله أعلم.

وأما الشوكاني فيبدو أنه اكتفى أيضًا بتصريح بقية من شيخه فقال: ((إسناده صالح))! (نيل الأوطار 1/ 81).

ص: 578

421 -

حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ الْمِقْدَامِ:

◼ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: ((وَفَدَ الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِيكَرِبَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبُوسِ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا)) قَالَ: نَعَمْ.

[الحكم]:

حسنٌ لشواهده، وإسنادهُ ضعيفٌ، وضعَّفه المنذري، والشوكاني.

[التخريج]:

[د 4083 ((بقصة طويلة)) / ن 4293 ((واللفظ له)) / كن 4777/ طب (20/ 269/ 636) ((بالقصة)) / طش 1127/ هق 71، 6177 ((بالقصة مختصرة)) / هقخ 57/ كر (68/ 93)].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه فيما يلي:

روايةُ: ((نَهَى عَنْ رُكُوبٍ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ الْمِقْدَامِ قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رُكُوبٍ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ)).

[الحكم]:

حسنٌ لشواهده، وإسناده ضعيفٌ.

[التخريج]:

[طب (20/ 267/ 630)((واللفظ له)) / مشكل 3251/ عد (2/

ص: 579

87)].

[السند]:

رواه أبو داود -ومن طريقه البيهقي-، والنسائي، كلاهما: عن عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، عن بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معديكرب، به، بلفظ الرواية الأولى.

ومداره عند الجميع على بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن المقدام، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ رجاله كلهم ثقات، إِلَّا أَنَّ بقية بن الوليد، يدلس ويسوي، وقد عنعن.

وقد سبق الكلام على هذه العلة بالتفصيل في الحديث السابق.

ولذا قال الحافظ المنذري: ((في إسناده بقية بن الوليد، وفيه مقال)) (مختصر سنن أبي داود 6/ 71). وتبعه الشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 81، 2/ 103).

هذا وللمتن شواهد يرتقي بها الحديث إلى درجة الحسن لغيره، كما تقدم.

ولعل لهذا تساهل فيه النووي فقال: ((رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن)) (المجموع 1/ 239)، وكذا حسنه السيوطي في (الحاوي للفتاوي 1/ 19).

وقال ابن حجر: ((وقد ثبت النهي عن الركوب على جلود النمور. أخرجه النسائي من حديث المقدام بن معديكرب)) (فتح الباري 10/ 294).

ص: 580

422 -

حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:

◼ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، قَالَ:((أُتِيَ عَلِيٌّ بِدَابَّةٍ، فَإِذَا عَلَيْهَا سَرْجٌ عَلَيْهِ خَزٌّ، فَقَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَزِّ؛ عَنْ رُكُوبٍ عَلَيْهَا، وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَيْهَا، وَعَنْ جُلُودِ النُّمُورِ؛ عَنْ رُكُوبٍ عَلَيْهَا، وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَيْهَا، وَعنِ الْغَنَائِمِ أَنْ تُبَاعَ حَتَّى تُخَمَّسَ، وَعَنْ حَبَالَى سَبَايَا العَدُو أَنْ يُوْطَأْنَ، وَعَنِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَعَنْ أَكْلِ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَأَكْلِ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وَعَنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ، وَعَنْ ثَمَنِ الْمَيْتَةِ، وَعَنْ عَسَبِ الفَحْلِ، وَعَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ)).

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ جدًّا، وضعَّفه السيوطي.

[التخريج]:

[عب 219 ((واللفظ له))، 220/ مشكل 3247].

[السند]:

رواه عبد الرزاق، قال: أخبرنا عباد بن كثير البصري، عن رجلٍ أحسبه خالدًا، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، به.

ورواه أيضًا: عن ابن جريج، قال: أُخْبِرْتُ عن حبيب بن أبي ثابت، به.

ورواه الطحاوي، قال: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، ونصر بن مرزوق، جميعًا قالا: حدثنا أسد بن موسى قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن حبيب بن أبي ثابت، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:

الأولى: حبيب بن أبي ثابت، وهو وإِن كان ثقة إِلَّا أنه كثير الإرسال

ص: 581

والتدليس، كما قال عنه الحافظ في (التقريب 1084)، وقد عنعن، بل وتكلم في سماعه من عاصم.

قال الآجري لأبي داود: ((سمع حبيب من عاصم بن ضمرة؟ قال: ليس لحبيب عن عاصم شيء يصح)) (سؤالات الآجري 488).

وذكر البزار أن حبيب بن أبي ثابت رَوى عنه مناكير، وقال:((وأحسب أن حبيبًا لم يسمع منه)) (تهذيب التهذيب 5/ 45).

الثانية: ضعف الأسانيد إلى حبيب بن أبي ثابت:

ففي الإسناد الأول: عباد بن كثير البصري، وهو متروكٌ كما قال الحافظ في (التقريب 3139).

وفي الإسناد الثاني: إبهام مَنْ حدَّثَ عنه ابنُ جُرَيجٍ، وهو يدلس عن المجروحين، كما قال الدارقطني (تهذيب التهذيب 6/ 405)، وهذه هي علة الإسناد الثالث، وقد رواه بالعنعنة.

وقد ضعفه السيوطي في (الجامع الكبير 17/ 117) فقال: ((فيه عاصم بن ضمرة ضعيف)).

كذا قال، والجمهور على توثيق عاصم، ولذا قال الحافظ:((صدوق)) (التقريب 3063).

* * *

ص: 582

423 -

حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ:

◼ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُرْكَبَ عَلَى جِلْدِ النَّمِرِ)).

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[عب 221].

[السند]:

قال عبد الرزاق: أخبرنا ابنُ جُرَيجٍ، عن رَجُلٍ من بني زُهرة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:

الأولى: إبهام من روى عنه ابنُ جُرَيجٍ.

الثانية: الإرسال؛ لأَنَّ ابنَ جُرَيجٍ لم يسمع من أحد من الصحابة كما قال علي بن المديني، كما في (جامع التحصيل صـ 229)، فشيخه هذا الأظهر أنه من التابعين.

وأما إِن كان من الصحابة؛ فسيكون منقطع بينه وبين ابنِ جُرَيجٍ، كما قدمنا.

ص: 583

424 -

حَديثُ أَبِي رَيْحَانَةَ:

◼ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ -يَعْنِي: الْهَيْثَمَ بْنَ شَفِيٍّ-، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي يُكْنَى أَبَا عَامِرٍ -رَجُلٌ مِنَ الْمَعَافِرِ- لِنُصَلِّيَ بِإِيلْيَاءَ، -وَكَانَ قَاصَّهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو رَيْحَانَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ- قَالَ أَبُو الْحُصَيْنِ: فَسَبَقَنِي صَاحِبِي إِلَى الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَدِفْتُهُ فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَسَأَلَنِي: هَلْ أَدْرَكْتَ قَصَصَ أَبِي رَيْحَانَةَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَشْرٍ: عَنِ الوَشْرِ، وَالْوَشْمِ، وَالنَّتْفِ، وَعَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَعَنْ مُكَامَعَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثِيَابِهِ حَرِيرًا، مِثْلَ الْأَعَاجِمِ (مِثْلَ الْأَعْلَامِ)، أَوْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكَبَيْهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ، وَعَنِ النُّهْبَى، وَرُكُوبِ النُّمُورِ، وَلُبُوسِ الْخَاتَمِ، إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ، وضعَّفه: الإمام مالك، والإمام أحمد، وابن عبد البر، وأبو الوليد الباجي، وابن العربي، والقاضي عياض، وعبد الحق الإشبيلي، وابن القطان الفاسي، والنووي، والمنذري، وابن حجر، والألباني. ولبعض فقراته شواهد.

[الفوائد]:

قال القاضي عياض: ((أجمع العلماء على جواز اتخاذ خواتم الورق -يعني: الفضة- للرجال جميعًا، لا ما ذكر عن بعض أهل الشام من كراهتهم لبسه لغير ذى سلطان، ورووا فى ذلك أثرًا، وهو شذوذ أيضًا)) (إكمال المعلم بفوائد مسلم 6/ 606)، وتبعه النووي في (شرح مسلم 14/ 67).

ص: 584

[التخريج]:

[د 4002 ((واللفظ له)) / ن 5135/ كن 9509/ جه 3680/ حم 17209 ((والرواية له))، 17210، 17214/ مي 2678/ ش 25752/ طب (النكت الظراف 9/ 210) / مش 734/ فة (2/ 516 - 517) / مشكل 3253 - 3256/ هق 6190/ شعب 5961/ تمهيد (17/ 102، 104) / ضح (2/ 452) / كر (23/ 194 - 195) / أسد (2/ 639) / صحا (أسد 2/ 639) / صمند (أسد 2/ 639) / مديني (صحابة - أسد 2/ 639) / كما (12/ 564 - 565)].

[التحقيق]:

مدار هذا الحديث على عياش بن عباس الحميري، وقد اختلف عليه على ثلاثة أوجه:

الأول: عن عياش، عن أبي الحصين، عن أبي عامر المعافري الحجري، عن أبي ريحانة.

أخرجه أحمد في (المسند 17209)، وأبو داود (4002)، والنسائي في (المجتبى 5135)، والطحاوي في (المشكل 3255، 3313) من طرق، عن مفضل بن فضالة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 25752) -وعنه ابن ماجه (3680) -، وأحمد في (المسند 17210)، والدارمي في (سننه 2678)، والطحاوي في (المشكل 3256) من طرق، عن زيد بن الحباب، عن يحيى بن أيوب.

وأخرجه الطحاوي في (المشكل 3254) من طرق، عن عبد الله بن سويد

ص: 585

ابن حيان المصري.

وأخرجه الطحاوي أيضًا (3253) من طريق عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة.

جميعهم (المفضل، ويحيى، وابن سويد، وابن لهيعة): عن عياش بن عباس، عن أبي الحصين الهيثم بن شفي، عن أبي عامر المعافري، عن أبي ريحانة، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالة أبي عامر المعافري؛ فقد ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 9/ 57/ 495)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 9/ 411)؛ برواية الهيثم بن شفي عنه، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولم يورده ابن حبان في (ثقاته)، ولخص الحافظ حاله؛ فقال:((مقبول)) (التقريب 8200).

وبه ضعَّفه عبد الحق الإشبيلي، وابن القطان في (بيان الوهم والإيهام 3/ 73، 5/ 811).

وابن حجر في (التلخيص 2/ 341)، والألباني في (السلسلة الضعيفة 14/ 93) وقال:((ولم أجد له متابعًا حتى اليوم)).

وباقي رجال الإسناد:

عياش بن عباس، قال فيه الحافظ:((ثقة)) (التقريب 5269).

وأما أبو الحصين الهيثم بن شفي: فذكره ابن حبان في (الثقات)، وذكره يعقوب بن سفيان الفسوي في ثقات المصريين كما في (التهذيب 11/ 98)، وقال ابن القطان الفاسي:((لا تعرف حاله، وروى عنه جماعة))، وبه ضعف الحديث (بيان الوهم والإيهام 3/ 73).

ص: 586

وقال الذهبي: ((شيخ مصري صالح الحديث

وقد روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في (الثقات))) (ميزان الاعتدال 4/ 323)، وقال الحافظ في (التقريب 7375):((ثقة)).

[تنبيه]:

أبو عامر المعافري؛ قيل: إن اسمه عامر، كما جاء في إسناد ابن ماجه، والصحيح أبو عامر، كما قال ابن يونس (تهذيب التهذيب 12/ 145).

وقال الألباني: ((كذا وقع فيه (عامر)! وهو خطأ قديم، وقد جاء في (التهذيب):((والصحيح أبو عامر)) (السلسلة الضعيفة 14/ 93).

الوجه الثاني: عن عياش، عن أبي الحصين، قال: أخبرني صاحبي أنه سمع أبا ريحانة. كذا بإبهام أبي عامر.

أخرجه أحمد (17214)، والنسائي (5110) من طرق، عن عبد الله بن المبارك، عن حيوة بن شريح، عن عياش بن عباس، به.

وفي إسناده إبهام الراوي عن أبي ريحانة، وهو أبو عامر الحجري كما جاء في رواية الجماعة عن عياش، وهو مجهول، كما تقدم.

الوجه الثالث: عن عياش بإبهام أبي الحصين، وإسقاط أبي عامر.

أخرجه ابن عبد البر في (التمهيد 17/ 104)، قال: حدثنا أحمد بن قاسم قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا الليث، عن عياش بن عباس، عن رجل حدَّثه، عن أبي ريحانة، به.

ص: 587

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ إلى عياش بن عباس:

الليث بن سعد المصري، ثقة ثبت (التقريب 5684).

وأبو النضر هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي، وهو ثقة ثبت (التقريب 7256).

والحارث بن أبي أسامة، وثقه إبراهيم الحربي، والخطيب البغدادي، وغيرهم، وقال الدارقطني:((صدوق))، وتكلم فيه الأزدي وغيره؛ لأنه كان يأخذ على الأجرة، وانظر:(تاريخ بغداد 9/ 114)، (ميزان الاعتدال 1/ 442)، (الثقات لقطلوبغا 3/ 255).

وقاسم بن أصبغ، وهو ثقة حافظ (تاريخ الإسلام 7/ 738).

وأحمد بن القاسم بن عبد الرحمن التاهرتي، وهو ثقة، وانظر:(تاريخ الإسلام 8/ 748)، (الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة 1/ 462).

قلنا: وقد خُولف الحارث بن أبي أسامة من أبي عبيد القاسم بن سلام؛ فرواه مختصرًا في (غريبه 3/ 223 - 224) عن أبي النضر، عن الليث، عن عياش بن عباس، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قلنا: ولا ندري من قصر في هذا الإسناد أو وَهِمَ فيه لأَنَّ رواته كلهم ثقات، لكن رواية الجماعة - الذين جوَّدوا الإسناد بذكر أبي الحصين عن أبي عامر-؛ أولى، لأَنَّ هذا الحديث معروف بأبي الحصين.

قال ابن عبد البر: ((الهيثم بن شفي لا يعرف هذا الحديث إِلَّا به)) (التمهيد 17/ 103).

وقد رُوِيَ الحديث من غير طريق عياش بن عباس عن أبي الحصين -

ص: 588

بإسقاط أبي عامر الحجري- عن أبي ريحانة، كما أخرجه الخطيب في (الموضح 2/ 452) من طريق منصور بن أبي مزاحم، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن بزيع بن عبد الرحمن، عن سوادة الرقي، عن أبي الحصين الأسدي، عن أبي ريحانة، به.

وهذا إسنادٌ منكرٌ، فيه: بزيع بن عبد الرحمن، ضعَّفه أبو حاتم، وقال الأزدي:((منكر الحديث)) (لسان الميزان 2/ 278).

وفيه أيضًا سوادة الرقي، ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 4/ 185)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 4/ 294)، برواية بزيع عنه، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا؛ فهو مجهول.

وقد تُوبع سوادة على إسناده من يزيد بن أبي حبيب، لكن بلفظ مختصر.

كما أخرجه أحمد (17208)، والنسائي (5111، 5112)، والطحاوي في (المشكل 3259)، والخطيب في (الموضح 2/ 451) من طرق، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الحصين، عن أبي ريحانة، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح إلى أبي الحصين، وأبو الحصين سمع من أبي ريحانة كما قال البخاري فيما حكاه عنه الخطيب في (الموضح 2/ 451).

ولكن في هذا الإسناد علة خفية، ألا وهي: أن أبا الحصين لم يسمع هذا الحديث من أبي ريحانة، بل أخذه من أبي عامر الحجري كما تقدم، وبذلك أعله الحافظ ابن حجر؛ فقال:((أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) من طريق سوادة الرقي، عن أبي الحصين، قال: أتينا بيت المقدس فجلسنا إلى

ص: 589

أبي ريحانة، فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عشرة أشياء. وهذا ظاهره أن أبا الحصين سمعه من أبي ريحانة -وليس كذلك؛ لما في رواية حيوة، عن عياش، عن أبي الحصين أنه كان وصاحب له يلزمان أبا ريحانة، قال فحضر صاحبي ولم أحضر، فأخبرني صاحبي أنه سمع أبا ريحانة.

فعرف من رواية أبي داود أن صاحبه هو (أبو عامر المعافري)، وأن سياق سوادة معلول؛ لأنه حذف موضع العلة؛ وهي قوله:((فَحَضَرَ صَاحِبي وَلَمْ أَحْضُر))، وهذا من دقائق العلة الخفية التي يصير بها الحديث معلولًا اصطلاحًا)) (النكت الظراف 9/ 210).

قلنا: وبذلك تبين أن الحديث يدور على أبي عامر الحجري، وهو مجهولٌ كما تقدم.

وقد ضعف الحديث كثير من أهل العلم:

قال ابن حجر: ((سئل الإمام مالك: عن حديث أبي ريحانة؟ فضعفه)) (فتح الباري 10/ 325).

ونقل الزرقاني في (شرحه على الموطأ 4/ 502) عن أحمد أيضًا تضعيفه، وانظر:(التمهيد 17/ 101)، و (الاستذكار 26/ 358).

وقال ابن عبد البر: ((وحديث أبي ريحانة لا تجد بمثل إسناده حجة)) (الاستذكار 26/ 359).

وقال أبو الوليد الباجي: ((وهو حديث ضعيفٌ)) (المنتقى شرح الموطإ 7/ 254).

وكذا قال ابن العربي في (المسالك في شرح موطأ مالك 7/ 428)، وقال في (عارضة الأحوذي 7/ 251):((لا يصح)).

ص: 590

وقال المنذري: ((وأخرجه النسائي وابن ماجه وفيه مقال

(1)

)) (مختصر سنن أبي داود 6/ 33).

ورمز لضعفه السيوطي في (الجامع الصغير 9466)، ومع هذا رمز لحسنه في موضع آخر (الجامع 9494).

ولعله تبع في ذلك الذهبي فإنه قال: ((له طرق حسنة)) (المهذب 3/ 1213). وأقرَّه المناوي في (فيض القدير 6/ 336)، وقال في (التيسير 2/ 474):((إسناده حسن)).

وصححه العيني في (عمدة القاري 22/ 36).

وهم متعقبون بما بيَّنَّا فيه من علل، والله أعلم.

(1)

تصحفت بالمطبوع إلى (فقال)، والصواب ما أثبتناه كما في (عون المعبود 11/ 67) وغيره.

ص: 591

425 -

حديثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ:

◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِيثَرَةِ، وَالقَسِّيَّةِ، وَحَلْقَةِ الذَّهَبِ (خَاتَمِ الذَّهَبِ)، وَالْمُفْدَمِ)). قَالَ يَزيدُ

(1)

: وَالْمِيثَرَةُ: جُلُودُ السِّبَاع، وَالقَسِّيَّةُ: ثيابٌ مُضَلَّعَةٌ مِن إِبْرَيْسَم يُجَاءُ بهَا مِنْ مِصْرَ، وَالْمُفْدَمُ

(2)

: الْمُشَبَّعُ بالعُصْفُر.

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[جه 3626، 3668 ((مختصرًا)) / حم 5751 ((واللفظ له)) / ش 25227، 25647 ((مختصرًا)) / مش (مط 2276)، (خيرة 4082) ((والرواية له)) / مشكل 3248 مختصرًا/ استذ (26/ 172)].

[السند]:

رواه أحمد، قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا يزيد -يعني: ابن عطاء-، عن يزيد بن أبي زياد حدثني الحسن بن سهيل -أو سهيل بن عمرو- بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الله بن عمر، به.

ورواه ابن أبي شيبة -وعنه ابن ماجه-: عن علي بن مسهر، عن يزيد بن

(1)

هو ابن أبي زياد راوي الخبر، وكذا جاء التفسير من قوله في رواية أحمد، وعند ابن أبي شيبة في (المصنف):((قال يزيد: قلت للحسن: ما المفدم؟ قال: المشبع بالعصفر))، وفي (المسند):((قال يزيد: فقلت للحسن: ما القسية؟ قال: ثياب مضلعة بحرير تصنع بمصر قد رأيتها. قلت: فما المفدم؟ قال: المشبعة المعصفر)).

(2)

قال الجوهري: ((ثوب مفدم ساكنة الفاء، إذا كان مصبوغًا بحمرةٍ مشبعًا)) (الصحاح 5/ 2001).

ص: 592

أبي زياد، به.

ومداره عند الجميع على يزيد بن أبي زياد، عن الحسن بن سهيل، عن عبد الله بن عمر، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاث علل:

الأول: يزيد بن أبي زياد، قال فيه الحافظ:((ضعيف، كبر فتغير، وصار يتلقن)) (التقريب 7717).

الثانية: الحسن بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 2/ 294)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3/ 15) برواية يزيد بن أبي زياد -وحده- عنه، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، إِلَّا ما ذكره ابن أبي حاتم من قول يحيى بن معين فيه:((مشهور)).

وقد ذكره ابن حبان في (الثقات 4/ 122) على قاعدته في توثيق المجاهيل، ولخص الحافظ حاله فقال:((مقبول)) (التقريب 1246)؛ أي: إذا توبع وإلا فلين، ولم يتابع.

العلة الثالثة: الكلام في سماع الحسن بن سهيل من ابن عمر؛ قال البخاري: ((لا أدري، سمع من ابن عمر، أم لا؟ )) (التاريخ الكبير 2/ 294).

ولبعض فقراته شواهد، ستأتي في أبوابها.

ص: 593

روايةُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ:

◼ عَنْ سَمُرَةَ بن جُندُب رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُفْتَرَشَ مُسُوكُ السِّبَاعِ)).

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ جدًّا، وضعَّفه البوصيري.

[اللغة]:

(المسوك): جمع مسك وهو الجلد. (النهاية 4/ 331).

[التخريج]:

[حث 578].

[السند]:

أخرجه الحارث بن أبي أسامة في (مسنده)، قال: حدثنا الخليل بن الشيباني، ثنا حبيب بن الشهيد، ثنا الحسن بن أبي الحسن، عن سمرة بن جندب مرفوعًا، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: الخليل بن زكريا الشيباني؛ قال فيه الذهبي: ((متهم)) (الكاشف 1412)، وقال ابن حجر:((متروك)) (التقريب 1752).

ولذلك ضعفه البوصيري في (الإتحاف 4/ 524).

ص: 594

426 -

حديثُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ:

◼ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:((نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ؛ أَنْ يُركَبَ عَلَيْهَا)).

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[عب 222، 223].

[التحقيق]:

له طريقان عن مجاهد بن جبر:

الطريق الأول:

رواه عبد الرزاق (221): عن ابن مجاهد، عن أبيه، به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا لثلاث علل:

الأولى: ابن مجاهد، وهو عبد الوهاب، متروك وقد كذَّبه الثوري، كما قال الحافظ في (التقريب 4263).

الثانية: عبد الوهاب، متكلم في سماعه من أبيه، قال وكيع:((كانوا يقولون: إِنَّ عبد الوهاب بن مجاهد لم يسمع من أبيه))، وانظر:(تهذيب التهذيب 6/ 453).

الثالثة: الإرسال؛ فإن مجاهدًا تابعيٌّ لم يدركِ النبي صلى الله عليه وسلم (التقريب 6481).

الطريق الثاني: رواه عبد الرزاق، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهد، مثله.

ص: 595

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: الإرسال، كما تقدم.

الثانية: عنعنة ابنِ جُرَيجٍ، وهو مدلس مشهور، ولعلَّه أخذه عن ابن مجاهد فدلَّسه.

ص: 596

427 -

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ)).

[الحكم]:

منكرٌ بهذا اللفظ، وقال الألباني:((منكرٌ أو شاذٌّ))، وضعَّفه المنذري، وتبعه الشوكاني.

[التخريج]:

[د 4082 ((واللفظ له)) / منذ 897 معلقًا].

[السند]:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو داود، حدثنا عمران، عن قتادة، عن زرارة، عن أبي هريرة، به.

وعلقه ابن المنذر، عن بندار (وهو محمد بن بشار)، عن أبي داود (وهو الطيالسي)، به.

وزرارة هو ابن أوفى، وعمران وهو ابن داور القطان.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا عمران القطان، فهو مختلف فيه، لخصه الحافظ بقوله:((صدوق يهم)) (التقريب 5154).

وقد وَهِمَ في متن هذا الحديث بقوله: ((جِلْدُ نَمِرٍ))؛ فقد خالفه: هشام الدستوائي -كما عند (أحمد 8998، 9362)، والنسائي في (السنن الكبرى 8758) -.

وسعيد بن أبي عروبة -كما في (جواب أبي مسعود الدمشقي صـ 89) -.

ص: 597

كلاهما: عن قتادة، به، بلفظ:((لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ)).

ومما يؤكد ما ذكرنا: أن عمران القطان قد رواه تارة أخرى موقوفًا على أبي هريرة، ولكن باللفظ المحفوظ، وهو لفظ:((الجرس))، كما قال الدارقطني في (العلل 10/ 328).

وعليه: فلفظة: ((جِلْدُ نَمِرٍ))، في الحديث منكرة، المحفوظ بلفظ:((الجرس)).

ومما يؤكد ذلك أيضًا: أن الحديث باللفظ المحفوظ قد رُوِيَ من طريق آخر عن أبي هريرة؛ أخرجه مسلم (2113) من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ)).

ولهذا قال الألباني -راجعًا عن تحسينه-: ((ذِكْرُ ((جِلْدُ نَمِرٍ)) في الحديث من أوهام عمران القطان التي أشار إليها الحافظ في كلمته المتقدمة -يعني قوله في ((التقريب)) عن عمران: ((صدوق يهم)) -، وعلى ذلك؛ فهو لفظ منكر أو شاذ، والله أعلم)) (السلسة الضعيفة 14/ 418 - 419).

وقال المنذري: ((في إسناده أبو العوام عمران بن داور القطان؛ وثقه عفان بن مسلم، واستشهد به البخاري، وتكلم فيه غير واحد)) (مختصر سنن أبي داود 6/ 70)، (عون المعبود 11/ 127)، وكذا قال الشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 81).

ونظر النووي إلى ظاهر سنده -مع شيء من التساهل- فحسنه (خلاصة الأحكام 1/ 78)، فلم يصب.

ص: 598

428 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ:

◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((لَا تَصْحَبُ (لَا تَقْرَبُ) الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ)).

[الحكم]:

منكرٌ، وضعَّفه الدارقطني.

[التخريج]:

[منذ 896 ((والرواية له)) / طش 2721 ((واللفظ له))].

[السند]:

قال ابن المنذر: حدثنا يزيد بن عبد الصمد الدمشقي، ثنا محمد بن عثمان، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة، به.

ورواه الطبراني، قال: حدثنا إبراهيم بن دحيم، ثنا أبي (ح)

وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا داود بن رشيد، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا سعيد بن بشير، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: سعيد بن بشير، وهو ضعيفٌ، كما قال الحافظ في (التقريب 2276).

وقد خالفه سعيد بن أبي عروبة: فرواه عن قتادة، بإسناده، بلفظ:((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْأَجْرَاسِ أَنْ تُقْطَعَ)).

كما أخرجه إسحاق بن راهويه في (مسنده 1315) عن محمد بن بكر البرساني.

ص: 599

وأخرجه أحمد في (المسند 25166) عن محمد بن جعفر.

وأخرجه النسائي في (السنن الكبرى 8757) من طريق خالد بن الحارث بن عبيد الهجيمي.

ثلاثتهم: عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة، به.

وعليه: فرواية سعيد بن بشير، بذكر:((جِلْدُ نَمِرٍ))؛ منكرة أيضًا، ولذا قال الدارقطني:((ولا يصحُّ)) (العلل 10/ 329).

ومع ضعْفِهِ وخَطَئِهِ في هذه الرواية؛ فقد اضطرب في إسناده ومتنه:

فقد رواه تارة أخرى عن قتادة به، بلفظ:((لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ))، أخرجه الخرائطي في (مساوئ الأخلاق 856) من طريق محمد بن خالد بن عثمة.

وأخرجه الطبراني في (مسند الشاميين 2720) من طريق الوليد بن مسلم.

كلاهما: عن سعيد بن بشير، به.

وتارة عن أبي الزبير عن أنس، بلفظ:((لا تَصْحَبُ المَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ))، كما أخرجه ابن عدي في (الكامل 3/ 375) من طريق أبي زُرْعَةَ الدمشقي، عن محمد بن بكار، ثنا سعيد بن بشير، عن أبي الزبير، عن أنس، به.

وتارة عن أبي الزبير، عن جابر بلفظ:((جِلْدُ نَمِرٍ))، وهو الحديث التالي.

ص: 600

[تنبيه]:

جاء في (العلل للدارقطني 9/ 82) ما نصُّه: ((رواه هشام الدستوائي، عن قتادة، عن زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظه، وهو قوله: ((لا تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ)))). ثم قال الدارقطني: ((ولا يتابع عليه)).

والذي يظهر -والله أعلم-: أن في هذا الموضع سقطًا كبيرًا، فقد ذكر الدارقطني في موضع آخر من (العلل 10/ 329) -كما تقدم-: أن سعيد بن بشير هو الذي يرويه عن قتادة بهذا اللفظ، ويؤكد ذلك تتمة تعليقه على رواية هشام هذه:((ولا يتابع عليه، والمحفوظ حديث سعيد بن أبي عروبة وهو صحيحٌ، وتوقيف الدستوائي له على زرارة ليس بعلة)). اهـ. فها هو ينصُّ على أن رواية هشام موقوفة، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 33264): عن وكيع، عن هشام، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة، قال:((الْمَلَائِكَةُ لَا تَصْحَبُ رُفقَةً فِيهَا جَرَسٌ)). فلعل هذا هو مراد الدارقطني، والله أعلم.

ص: 601

429 -

حَدِيثُ جَابِرٍ:

◼ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جِلْدُ نَمِرٍ)).

[الحكم]:

منكرٌ، قاله أبو حاتم الرازي، وأشار إلى ذلك ابن حبان، وابن طاهر المقدسي.

[التخريج]:

[طش 2800 ((واللفظ له)) / مجر (1/ 319)].

[السند]:

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن المعلى، ثنا هشام بن خالد، ثنا الوليد بن مسلم، عن سعيد بن بشير، عن أبي الزبير، عن جابر، به.

ورواه ابن حبان في (المجروحين)، عن الحسن بن سفيان، ثنا هشام بن خالد الأزرق، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ من أجل سعيد بن بشير، وهو ضعيف، وقد اضطرب فيه -كما تقدَّم بيانه-، وهذا أحد أوجه اضطرابه فيه.

وقد سُئِلَ أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث؛ فقال: ((هذا حديث منكر)) (العلل 4/ 327).

وذكره ابن حبان في ترجمة سعيد من (المجروحين 1/ 319) إشارة إلى أن هذا أحد ما يستنكر عليه، ونصَّ على ذلك ابنُ طاهر المقدسيُّ فذكره في (تذكرة الحفاظ 997)، و (معرفة التذكرة 975)، وقال:((هذا أحد ما أُنكِرَ على سعيد)).

ص: 602

430 -

حَديثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ:

◼ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم:((أَولُ طُغْيَانِ هَذِهِ الْأُمَّةِ رُكُوبُهَا سُرُوجِ النُّمُورِ، وَالْبَرَاذِينَ الْبُخَارِيَّةَ)).

[الحكم]:

منكرٌ، وقد أشار إلى نكارته ابن عدي، وابن طاهر المقدسي.

[التخريج]:

[عد (4/ 552)].

[السند]:

قال ابن عدي: حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد (وهو ابن مسلم)، عن روح بن جناح، عن شهر بن حوشب، عن أبي الدرداء، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: روح بن جناح أبو سعيد الأموي، ضعَّفه أبو حاتم الرازي، والنسائي، وغيرهما، وقال ابن حبان:((منكر الحديث جدًّا، يروي عن الثقات ما إذا سمعه الإنسان شهد له بالوضع)) (تهذيب التهذيب 3/ 292)، ولذا قال الحافظ:((ضعيف، اتَّهمه ابن حبان)) (التقريب 1961).

وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث مع جملة من حديث روح، ثم قال:((ولروح بن جناح غير ما ذكرت من الحديث قليل، وعامة حديثه ما ذكرته، وربما أخطأ في الأسانيد ويأتي بمتون لا يأتي بها غيره، وهو ممن يكتب حديثه)).

ص: 603

وقال ابن طاهر المقدسي -عن هذا الحديث-: ((رواه روح بن جناح، عن شهر بن حوشب، عن أبي الدرداء، وروح هذا يروي غير حديث منكر)) (ذخيرة الحفاظ 2/ 1023).

رِوَايةُ يَزْدَادَ:

◼ عَنْ يَزْدَادَ، صَاحِبِ عَدَنٍ قَالَ:((أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِدَابَّةٍ قَدْ أُسْرِجَتْ بِسَرْجٍ صِفَتُهُ جُلُودُ نُمُورٍ؛ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَ)).

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[تخ (8/ 428)].

[السند]:

قال البخاري: حدثنا بشر بن الحكم، قال: حدثنا موسى بن عبد العزيز القنباري، قال: حدثني الحكم بن أبان، قال: حدثني عكرمة، عن يزداد، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاث علل:

الأولى: موسى بن عبد العزيز القنباري، قال فيه الحافظ:((صدوق سيء الحفظ)) (التقريب 6988).

الثانية، والثالثة: الإرسال وجهالة يزداد صاحب عدن، وهو يزداد بن

ص: 604

فساءة

(1)

، والد عيسى بن يزداد؛ قال ابن معين:((لايعرف))، وسئل أبو حاتم: عن عيسى بن يزداد؟ فقال: ((ليس لأبيه صحبة، ومن الناس من يدخله فى المسند على المجاز، وهو وأبوه مجهولان)) (الجرح والتعديل 6/ 291)، ومثله في (العلل 89).

وقال البخاري: ((يزداد عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه عكرمة وابنه عيسى، مرسل)) (التاريخ الكبير 8/ 428).

وقد نفى صحبته أيضًا: ابن حبان، وابن عبد البر، وغيرهم، وانظر:(تهذيب التهذيب 1/ 199).

***

رِوَايةُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:

◼ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَحِلُّ سُرُوجُ النُّمُورِ)).

[الحكم]:

إسنادهُ ضعيفٌ جدًّا.

[التخريج]:

[بحير (ق 30/ ب)].

[السند]:

أخرجه أبو عثمان البحيري في (فوائده) قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن

(1)

فَسَاءة: بفتح الفاء والمهملة وبعد الألف همزة. قاله الحافظ في (التقريب 300).

ص: 605

إسماعيل الحربي، أنبا أبو حامد أحمد بن حمدون بن عمارة، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا يحيى بن صالح الوحاظي، ثنا عفير بن معدان، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي سعيد الخدري، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: عفير بن معدان، قال أحمد بن حنبل:((ضعيفٌ منكر الحديث))، وقال يحيى بن معين:((ليس بشيء))، وفي رواية:((ليس بثقة))، وكذا قال النسائي، وقال ابن عدي:((عامة رواياته غير محفوظة))، وضعَّفه أيضًا: أبو داود، وأبو حاتم، ودُحَيْمٌ، انظر:(تهذيب الكمال 20/ 176)، وقال ابن حجر:((ضعيف)) (التقريب 4626).

ص: 606

رِوَايةُ ثَوْبَانَ:

◼ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ: ((حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: التَّخَتُّمَ بِالذَّهَبِ، وَالْقَسِّيَّ، وَثِيَابَ الْمُعَصْفَرِ، وَالْمُفْدَمَ

(1)

، وَالنُّمُورَ)).

[الحكم]:

إسناده وَاهٍ، وأما المتن فلبعض فقراته شواهد في (الصحيحين)، وغيرهما.

[التخريج]:

[طب 1418].

[السند]:

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، ثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر، ثنا يزيد بن ربيعة، ثنا أبو الأشعث، قال: سمعت ثوبان، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ وَاهٍ؛ فيه: يزيد بن ربيعة، وهو متروك، كما قال العقيلي، والنسائي، والدارقطني، وقال البخاري:((أحاديثه مناكير))، وقال أبو حاتم، وغيره:((ضعيفٌ))، وقال أبو حاتم:((ليس بشيء))، وأنكر أحاديثه عن أبي الأشعث، انظر:(لسان الميزان 8/ 492).

وبه ضعَّف الحديثَ الهيثميُّ في (مجمع الزوائد 8686).

(1)

تصحف في المطبوع إلى: ((المقدم))، وتم تصحيحه من (مجمع الزوائد 5/ 260)، و (جامع المسانيد لابن كثير 1/ 162).

ص: 607