الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
64 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّهْي عَنِ الانْتِفَاعِ بِشَيءٍ مِنَ الْمَيْتَةِ
409 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ:
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ، أَنَّهُ قَالَ: قُرِئَ عَلَينَا كتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فِي أَرْضِ جُهَيْنَةَ -وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ-:((أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا (تَنْتَفِعُوا) مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ)).
[الحكم]:
مختلف فيه: فضعَّفه: ابن معين، وابن المنذر، والطحاوي، وابن شاهين، والخطابي، وابن عبد البر، وابن العربي، وابن الجوزي، وأبو السعادات ابن الأثير، وأبو الحسن علي بن المفضل المقدسي، والتوربشتي، وأبو محمد ابن زكريا الأنصاري، وابن دقيق العيد، والعيني، والمناوي، والصنعاني. وأشار إلى إعلاله: النسائيُّ، وعبد الحق الإشبيليُّ.
واختَلف قول الإمام أحمد فيه، فصحَّ عنه أنه قدَّمه على حديث ابن عباس في الدِّباغ، وقال:((هو أصحهما، أرجو أن يكون صحيحًا))، وروي عنه أنه قال:((إسناده جيد))، وقال مرة:((ما أصلح إسناده))، ثم توقف عن تصحيحه والاحتجاج به؛ لما بدت له عِلَّتُه، وقيل: رجع عنه.
وحسَّنه: الترمذي، والحازمي، والشوكاني، وأشاروا أيضًا إلى إعلاله.
واختَلف صنيع ابن حجر تجاهه أيضًا: فأعلَّه في (إتحاف المهرة)، ومالَ
إلى تصحيحه في (الفتح).
وصححه: ابن حبان، وابن حزم، والألباني.
وهو ظاهر صنيع الأثرم، والحاكم، وأبي نعيم، والخطيب، وابن خير الإشبيلي، وابن قدامة، وابن تيمية، وابن عبد الهادي، وغيرهم.
وسكت عنه أبو داود، وأشار إلى وجه الجمع بينه وبين الأحاديث الواردة في الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ.
والراجح -والله أعلم-: ضَعْفهُ، لما سيأتي بيانه في التحقيق.
[اللغة]:
العَصَبُ (بفتح الصاد): عصب الإنسان والدابة. والأعصاب: أطناب المفاصل التي تلائم بينها وتشدها، وليس بالعقب. يكون ذلك للإنسان، وغيره كالإبل، والبقر، والغنم، والنعم، والظباء، والشاء. الواحدة عصبة. (لسان العرب 1/ 602)، وانظر:(النهاية 3/ 245).
[الفوائد]:
قال الترمذي -عقب الحديث-: ((وليس العمل على هذا عند أكثر أهل العلم))، وذُكِرَ عن الإمام أحمد بن حنبل أنه كان يذهب إلى هذا الحديث، وكان يقول:((هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم)، ثم ترك أحمد هذا الحديث؛ لما اضطربوا في إسناده)) (السنن 3/ 124).
وقال أبو داود بإثر رقم (4080): ((قال النضر بن شميل: يُسمَّى إهابًا ما لم يدبغ، فإذا دبغ لا يقال له: إهاب، إنما يُسمَّى شَنًّا وقربة)). كأنه يشير إلى وجه الجمع بينه وبين الأحاديث الواردة في الانتفاع بجلود الميتة بعد
الدباغ.
وهو ما نصَّ عليه جماعة من أهل العلم:
فقال ابن المنذر: ((ومع هذا فلو كان خبر ابن عكيم ثابتًا لاحتمل أن لا يكون مخالفًا للأخبار التي ذكرناها؛ لأَنَّ تلك الأخبار فيها إذن النبي صلى الله عليه وسلم بالانتفاع بجلد الشاة الميتة بعد الدباغ، فلا يكون مخالفًا للأخبار التي ذكرناها، وإذا أمكن لنا أن تكون الأخبار مختلفة، وأمكن استعمالها فاستعمالها أولى بنا من أن نجعلها متضادة، فيستعمل خبر ابن عكيم في النهي عن استعمال جلود الميتة قبل الدباغ، ويستعمل خبر ابن عباس وغيره في الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ)) (الأوسط 2/ 402).
وقال ابن عبد البر: ((ولو كان ثابتًا لاحتمل أن لا يكون مخالفًا للأحاديث التي ذكر فيها الدباغ، كأنه قال: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب قبل الدباغ)) (الاستذكار 15/ 345).
وقال الحازمي: ((المصير إلى حديث ابن عباس أولى؛ لوجوه الترجيحات، ويحمل حديث ابن عكيم على منع الانتفاع به قبل الدباغ، وحينئذٍ يُسمَّى إِهَابًا، وبعد الدباغ يُسمَّى جِلْدًا ولا يُسمَّى إِهَابًا، وهذا معروف عند أهل اللغة؛ ليكون جمعًا بين الحُكْمَين، وهذا هو الطريق في نفي التضاد في الأخبار)) (الاعتبار صـ 58).
وقال أبو محمد البغوي: ((اتفق أهل العلم من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم رضي الله عنهم أن كل حيوان يؤكل لحمه، فإذا مات يطهر جلده بالدباغ، إِلَّا شيئًا يُحكى عن أحمد، أنه كان يقول: (لَا يَطهُرُ)، لما رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ: ((أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ
الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ))، فكان يقول: هذا الحديث صار ناسخًا لما سواه، ثم ترك القول به للاضطراب في إسناده، فإنه يُروى عن عبد الله بن عكيم، عن أشياخ لهم، وتأوله الآخرون -إِنْ ثبت- على الانتفاع به قبل الدباغ. قال النضر بن شميل: يُسمَّى إِهَابًا ما لم يُدبغ.
فأما ما لا يؤكل لحمه: فاختلفوا في طهارة جلده بالدباغ، فذهب جماعة إلى أنه لا يطهر بالدباغ جلد غير المأكول، يُروى ذلك عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، وهو قول الأوزاعي، وابن المبارك، وإسحاق، وأبي ثور، لما رُوِيَ عن أبي المليح:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ))
(1)
. وعن أبي ريحانة: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ))
(2)
.
وذهب قوم: إلى أنه يطهر الكل بالدباغ، إِلَّا جلد الكلب والخنزير، وهو قول علي، وابن مسعود، وإليه ذهب الشافعي.
وذهب أصحاب الرأي: إلى أن جلد الكلب يطهر بالدباغ، وهؤلاء حملوا النهي في حديث أبي المليح على ما قبل الدباغ، وكذلك حديث أبي ريحانة، ولأن جلد النمر إنما يركب لشعره، والشعر لا يقبل الدباغ، أو إنما نهي عنه لما فيه من الزينة والخيلاء)) (شرح السنة 2/ 99 - 100)، وانظر:(معالم السنن 4/ 203)، و (السنن الكبرى للبيهقي 1/ 23)،
(1)
حسن بشواهده: وهذا مرسلٌ؛ فأبو المليح تابعي، وقد رُوِيَ موصولًا (عن أبي المليح عن أبيه)، ولكن رجح الترمذي وغيره الإرسال، وسيأتي تخريجه وتحقيقه في الباب التالي.
(2)
النهي عن ركوب النمور يحسن بمجموع طرقه وشواهده: وحديث أبي ريحانة أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم، وسيأتي تخريجه وتحقيقه في الباب التالي.
و (نصب الراية 1/ 121).
[التخريج]:
[د 4079/ ت 1827 ((والرواية له ولغيره)) / ن 4287 - 4289/ كن 4771، 4772، 4773/ جه 3638/ حم 18780، 18784، 18785 ((واللفظ له)) / حب 1273/ طي 1389/ عب 202/ ش 25785 - 25787، 34587/ حميد 488/ طب (تعليقة ص 137) / طس 2100، 5525، 6490، 6716، 6831، 7642، 9378/ طص 618، 1050/ هق 41، 42، 57/ هقخ 69/ طح (1/ 468) / مشكل 3236 - 3238/ مش 784، 785/ منذ 842/ سعد (8/ 233) / صبغ 2336/ ضح (2/ 35) / غر 79/ معقر 24/ صحا 4413، 4414 - 4417/ عيل 97/ لي (رواية ابن يحيى البيع 78) / مض 13/ آجر (ثمانون 9) / تطبر (مسند ابن عباس 1125، 1226، 1228) / تمهيد (4/ 162، 163) / أسد (3/ 335) / كما (15/ 320) / أصبهان (2/ 70) / ناسخ 153، 154/ غحر (1/ 301) / مخلص 1538/ تمام 783/ عد (6/ 155) / محلى (1/ 121) / تخث (السفر الثاني 1224 ز)، (السفر الثالث 3756) / متفقٌ 499/ جوزى (ناسخ 19) / حاكم (معرفة صـ 86) / طولون (صـ 86، 87) / فهرسة (صـ 16) / حدا (عشرة 4) / إمام (1/ 316)].
[التحقيق]:
انظر الكلام عليه فيما يأتي.
روايةُ: (حَدَّثَنَا مَشْيَخَةٌ لَنَا مِنْ جُهَيْنَةَ):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَشْيَخَةٌ لَنَا مِنْ جُهَيْنَةَ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا (تَسْتَنْفِعُوا) مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ.
[التخريج]:
[حب 1274/ طس 4526 ((والرواية له)) / مث 2575 ((واللفظ له)) / تخ (7/ 167) / طح (1/ 468) / مشكل 3241/ تطبر (مسند ابن عباس 1227) / هق 93/ صحا 7156/ كر (49/ 199 - 200)].
[السند]:
أخرجه ابن أبي شيبة (25787، 34587) -وعنه ابن ماجه (3638) -، وأحمد (18785) قالا -والسياق لأحمد-: حدثنا محمد بن جعفر (غندر)، حدثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت ابن أبي ليلى يحدث، عن عبد الله بن عكيم، به.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في (المسند 1389)، وأحمد أيضًا (18780)، وأبو داود (4079)، والنسائي (4287)، وابن حبان (1274)، وغيرهم: من طرق، عن شعبة، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (25786) -وعنه ابن ماجه (3638) -، والترمذي (1827) وغيرهم: من طريق الأعمش، وأبي إسحاق الشيباني.
وأخرجه ابن أبي شيبة (25785) -وعنه ابن ماجه (3638) -، والنسائي
(4288)
، وغيرهم: من طريق منصور بن المعتمر.
جميعهم (شعبة، ومنصور، والأعمش، والشيباني، وغيرهم): عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم، به
(1)
.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ظاهره الصحة؛ فرجاله كلهم ثقات، إِلَّا أنه معلولٌ؛ فقد ثبت عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ، أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَشْيَخَةٌ لَنَا مِنْ جُهَيْنَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَيْهِمْ .... )) الحديث، كما في الرواية الثانية.
أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير 7/ 167).
وابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 2575).
والطبراني في (الأوسط 4526) عن عبدان المروزي.
وأبو نعيم في (الصحابة 7156) من طريق أحمد بن زنجويه.
أربعتهم (البخاري، وابن أبي عاصم، وعبدان، وابن زنجويه): عن هشام بن عمار
(2)
.
(1)
وكذا رُوِيَ عن ابن عكيم من غير طريق ابن أبي ليلى، كما في مصادر التخريج، لكن لا تخلو أسانيدها كلها من مقال، فأعرضنا عن ذكرها كلها، واكتفينا بسند ابن أبي ليلى، إذ هو صحيحٌ إلى ابن عيكم، وإنما العلة فوقه، كما سيأتي بيانه في التحقيق.
(2)
وقد رواه ابن حبان في (صحيحه 1274) عن الحسين القطان (وهو ثقة)، عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، عن يزيد بن أبي مريم، عن القاسم بن مخيمرة، (عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى)، عن عبد الله بن عكيم به. كذا في كل نسخ ابن حبان، بزيادة (الحكم، عن ابن أبي ليلى) بين ابن مخيمرة وابن عكيم، وكذا عزاه لابن حبان الزيلعي في (نصب الراية 1/ 120)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 588)، والحافظ ابن حجر في (إتحاف المهرة 8/ 259)، وقال:((كذا رأيت فيه، فما أدري أسقط من إسناد الطحاوي أو زيد في إسناد ابن حبان، فيحرر من عندهما)). قلنا: وقد حررناه -بفضل الله- فتبين بما لا يدع مجالًا للشك، أن ذكر (الحكم، عن ابن أبي ليلى) مقحم في هذا السند؛ فقد رواه جماعة من الحفاظ عن هشام بدونها، وكذا رواه جماعة عن صدقة بن خالد، وكذا رواه جماعة عن يزيد بن أبي مريم. ثم إن القاسم لا يَروي عن الحكم، إنما يَروي عنه الحكم، كما عند مسلم وغيره، وكذا عند البخاري معلقًا، ولهذا اتفق كلُّ من ترجم للقاسم على ذكر الحكم فيمن روى عنه، لا العكس.
فلعله سبْق قلمٍ، أو بسبب انتقال البصر عند كتابته إلى السند الذي قبله، فهو من طريق (الحكم عن ابن أبي ليلى عن ابن عكيم)، والله أعلم.
وأخرجه الطحاوي في (المشكل 3241) و (شرح المعاني 2691) من طريق محمد بن المبارك.
وأخرجه البيهقي في (الكبرى 94) من طريق الحكم بن موسى.
ثلاثتهم (هشام، ومحمد، والحكم): عن صدقة بن خالد.
وأخرجه البيهقي في (الكبرى 94) من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، عن أيوب بن حسان.
كلاهما: (صدقة، وأيوب)، عن يزيد بن أبي مريم، عن القاسم بن مخيمرة، عن عبد الله بن عكيم، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عكيم، رجاله كلهم ثقاتٌ، فالقاسم بن مخيمرة: ثقة فاضل من رجال مسلم (التقريب 5495).
ويزيد بن أبي مريم، ثقة من رجال البخاري؛ وثقه أحمد كما في (سؤالات أبي داود 281)، وابن معين وأبو حاتم، وقال أبو زرعة:((لا بأس به)) (الجرح والتعديل 9/ 291)، وكذا وثَّقَهُ دُحَيم كما في (التهذيب 32/ 245)، والعجلي في (كتابه 2034)، وذكره ابن حبان في (الثقات 5/ 536)، وقال في (مشاهير علماء الأمصار 1456):((من متقني الشاميين))، ولذا قال الذهبي في (الكاشف 6356):((ثقة))، وقال ابن حجر:((وثَّقَهُ الأئمةُ: ابن معين، ودحيم، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال الدارقطني: ليس بذاك، قلت (ابن حجر): هذا جرح غير مفسر فهو مردود)) (مقدمة الفتح 1/ 453). ومع هذا قال في (التقريب 7775): ((ليس به بأس))! ، فهو أيضًا مردود، والصواب أنه ثقة.
وصدقة بن خالد، وهو أبو العباس الدمشقي: ثقة من رجال البخاري (التقريب 2911). وقد تابعه أيوب بن حسان، وهو صدوق كما في (التقريب 609).
وفي هذه الرواية: أن ابن عكيم لم يسمع بنفسه الكتاب، إنما أخبره بذلك أشياخ من جهينة، وهم مبهمون، فالحديث ضعيفٌ؛ لإبهامهم.
وبهذه العلة أعلَّه جماعة من الأئمة:
فسُئِلَ يحيى بن معين؛ عن حديث ابن عكيم، فقال:((إنه لا يسوي فلسًا))، قيل ليحيى:((كيف هذا؟ )) قال: ((أفسده الشاميون، عن عبد الله بن عكيم، قال: حدثنا أصحاب لنا))، قيل ليحيى بن معين:((من حدَّث به؟ ))، قال:((بإسناد ثقة)) (معرفة الرجال/ رواية ابن محرز صـ 179).
وقال داود بن علي: ((سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث؛ فضعَّفه،
وقال: ليس بشيء؛ إنما يقول: حدَّثني الأشياخ))، نقله ابن عبد البر في (التمهيد 4/ 164) وأقرَّه.
وروى البيهقي في (السنن الكبرى 44) بسنده عن المفضل بن غسان الغلابي الحافظ، قال: قال أبو زكريا -يعني: يحيى بنَ معين-: ((حديث عبد الله بن عُكيم، في حديث ثقات الناس: (حدثنا أصحابنا، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب: ((أَلا تَنتَفعُوا
…
))))). اهـ. قال البيهقي معلقًا: ((يعني به أبو زكريا رحمه الله: تعليل الحديث بذلك)).
وقال ابن المنذر: ((ابن عكيم لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وليست له صحبة، إنما روى ذلك عن مشيخة من جهينة لم يُسمهم وما يُدرَ مَنْ هم، ولا يجوز دفع خبر -وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
- بخبر مشيخة لا يُعرفون)) (الأوسط 2/ 401).
وقال أيضًا: ((خبر ابن عكيم غير ثابت؛ لأنه لم يخبر مَنْ حامل الكتاب إليهم، ولا مَنْ قرأ الكتاب عليهم، والحديث عن مشيخة لا يُعرفون)) (الأوسط 2/ 403).
وقال الطحاوي -بعد ذكره لحديث ابن عكيم عن مشيخة له-: ((فحقق ما في هذا الحديث أن ابن عكيم لم يكن شهد ذلك من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حضر قراءته،
…
وكان هؤلاء الأشياخ من جهينة لم يُسَمّوا لنا فنعرفهم ونعلم أنهم ممن يؤخذ مثل هذا عنهم لصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لأحوال فيهم سوى ذلك توجب قبول رواياتهم، ولَمَّا لم نجدْ ذلك لهم لم تقم بهذا الحديث عندنا حجة)) (مشكل الآثار 8/ 284).
(1)
يعني: خبر ابن عباس، في الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ، وقد تقدم.
وقال ابن شاهين: ((وهذا الحديث فمشهور بعبد الله بن عكيم، وليس له لقاء لهذا الحديث)) (ناسخ الحديث صـ 153).
وَعَدَّ جماعة من أهل العلم هذا الخلاف على ابن عكيم اضطرابًا يُضعف به الحديث، ويوجب التوقف عن الاحتجاج به:
فثبت عن الإمام أحمد بن حنبل التوقف عن القول بهذا الحديث؛ لأجل هذه العلة، بعدما اشتهر عنه القول بتصحيحه والاحتجاج به
(1)
؛ قال الترمذي: سمعت أحمد بن الحسن
(2)
يقول: ((كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين، وكان يقول: هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم)، ثم ترك أحمد هذا الحديث؛ لما اضطربوا في إسناده، حيث رَوى بعضُهم، فقال:(عن عبد الله بن عكيم، عن أشياخ من جهينة))) (السنن
(1)
فقد صحَّ عنه أنه قدَّمه على حديث ابن عباس في الدباغ، وقال:((هو أصحهما، أرجو أن يكون صحيحًا)) (مسائل أحمد بن حنبل/ رواية ابنه صالح 1417)، وقال مرة:((إسنادٌ جيد)) (المغني لابن قدامة 1/ 91)، وقال مرة:((ما أصلح إسناده)) (تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 64)، وانظر في الاحتجاج به:(مسائل أحمد بن حنبل/ رواية ابن هانئ صـ 56)، و (رواية ابنه صالح 941، 1416)، و (رواية عبد الله 40، 42) وغير ذلك.
(2)
هو الإمام، الثقة، الحافظ، الفقيه، أبو الحسن الترمذي. تفقه بأحمد بن حنبل، وكان بصيرًا بالعلل والرجال، وله رحلة شاسعة، وباع أطول في الحديث، انظر ترجمته في (سير أعلام النبلاء 12/ 156 - 157)، و (تهذيب الكمال 1/ 292 - 293)، و (التقريب 25). فإذا حكى مثل هذا الحافظ عن أحمد القول بالحديث كما رواه الجماعة عن أحمد، ثم حكى عنه التوقف فيه؛ لظهور العلة لديه، لا يقال:((وهو خلاف المشهور المستفيض عن أحمد)) كما قال ابن عبد الهادي في (تنقيح التحقيق 1/ 105).
عقب رقم 1827).
وقال محيي السنة البغوي -حاكيًا عن الإمام أحمد-: ((ترك القول به للاضطراب في إسناده، فإنه يُروى عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ لهم)) (شرح السنة 2/ 99).
وقال الحازمي في (الاعتبار صـ 57): ((قد حكى الخلال في كتابه: أن أحمد توقف في حديث ابن عكيم لما رأى تزلزل الرواة فيه، وقال بعضُهم: رجع عنه)).
وقال ابن عبد البر -بعد أن حكى هذا الخلاف-: ((وهذا اضطراب كما تَرى يوجب التوقف عن العمل بمثل هذا الخبر)) (التمهيد 4/ 164)، وانظر:(الاستذكار 15/ 345).
وقال ابن العربي المالكي: ((وأما حديث ابن عكيم؛ فرواه جماعة عن عبد الله بن عكيم: أتانا كتاب النبي عليه السلام، ورويت عنه أخرى عن عبد الله عكيم عن أشياخ من جهينة؛ فصار مضطربًا مجهولًا)) (عارضة الأحوذي 7/ 231).
وقال أبو السعادات ابن الأثير: ((ثم الحديث مضطرب الإسناد، فإنه رُوِيَ مرة عن عبد الله بن عكيم، عن أشياخ له من جهينة)) (الشافي في شرح مسند الشافعي 1/ 130).
وقال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي: ((قد اعتمد الأصحاب على هذا الحديث وهو ضعيفٌ في إسناده، قابلُ التأويل في مراده)). قال ابن دقيق العيد في (شرح الإلمام): ((قوله: (ضعيف في إسناده): لا يحمل على الطعن في الرجال؛ فإنهم ثقات إلى عبد الله بن عكيم، وإنما ينبغي أن
يحمل على الضعف بسبب الاضطراب، كما نقل عن الإمام أحمد)) (البدر المنير 1/ 591).
وقد أعلَّه بالاضطراب أيضًا: ابن الجوزي في (ناسخ الحديث ومنسوخه صـ 81)، و (إخبار أهل الرسوخ صـ 30 - 31)، وبدر الدين العيني في (البناية شرح الهداية 1/ 413)، و (عمدة القاري 9/ 88)، والصنعاني في (سبل السلام 1/ 42)
(1)
.
* فإن قيل: قد جمع ابن حبان بين هاتين الروايتين التي فيهما: ((عن ابن عكيم، قال: قرئ علينا أو أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، والرواية الأخرى:((عن عبد الله بن عكيم، قال: حدثنا مشيخة لنا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليهم)).
فقال: ((هذه اللفظة (حدثنا مشيخة لنا من جهينة)، أوهمت عَالَمًا من الناس أن الخبر ليس بمتصل، وهذا مما نقول في كتبنا: إِنَّ الصحابي قد يشهد النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع منه شيئًا، ثم يسمع ذلك الشيء عن من هو أعظم خطرًا منه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمرة يخبر عما شاهد، وأخرى يروي عمن سمع، ألا ترى أن ابن عمر شهد سؤال جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، وسمعه عن عمر بن الخطاب، فمرة أخبر بما شاهد، ومرة روى عن أبيه ما سمع، فكذلك عبد الله بن عكيم شهد كتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قرئ عليهم في جهينة، وسمع مشايخ جهينة يقولون ذلك، فأدى مرة ما شهد، وأخرى ما
(1)
هذا وقد أدخل بعضهم في الاضطراب بعض الأوجه التي لا تصح، لا سيَّما أوجه الاضطراب في متنه، وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل، عند الكلام على الروايات التي ذكر فيها تاريخ إرسال الكتاب إلى جهينة.
سمع، من غير أن يكون في الخبر انقطاع)).
يعني ابن حبان بما ذكره: أن ابن عكيم سمع بنفسه الكتاب يُقرأ، وحدَّثَه بذلك أيضًا مشايخ جهينة، فحدَّث به تارة هكذا، وتارة هكذا.
وهذا الجمع فيه نظر؛ لأَنَّ الذي عليه أئمة الحديث أنه لا يُصار إلى الجمع بين الإسناد الناقص والزائد، إِلَّا إذا صرَّح بالتحديث في موضع النقصان، وأما إِنْ رَواه بصيغة محتملة، فالحكم للزائد.
قال ابن الصلاح: ((قد ألَّفَ الخطيبُ الحافظ في هذا النوع كتابًا سمَّاه ((كتاب تمييز المزيد في متصل الأسانيد))، وفي كثير مما ذكره نظر، لأَنَّ الإسناد الخالي عن الراوي الزائد إِن كان بلفظة (عن) في ذلك، فينبغي أن يحكم بإرساله، ويجعل معللًا بالإسناد الذي ذكر فيه الزائد، وإِن كان فيه تصريح بالسماع أو بالإخبار، فجائز أن يكون قد سمع ذلك من رجل عنه، ثم سمعه منه نفسه)) (معرفة أنواع علوم الحديث صـ 287 - 288).
وقال الحافظ ابن حجر: ((إِن كانت المخالفة بزيادة رَاوٍ في أثناء الإسناد، ومن لم يزدها أتقن ممن زادها، فهذا هو (المزيد في متصل الأسانيد)، وشرطه أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة، وإلا فمتى كان معنعنًا مثلًا، ترجحت الزيادة)) (نزهة النظر صـ 95).
وقوله في الرواية الأولى: (أتانا كتاب، أو قرئ علينا ونحوها) محتمل، وليس صريح في السماع، فمن الجائز في لغة العرب أن يكون مراده: أي: قرئ على قومنا، أو أتى قومنا، وهذا موجود مثله في كثير من الأحاديث. وبنحو هذا قال الطحاوي في (شرح مشكل الآثار 8/ 282 - 284)، والألباني في (الإرواء 1/ 78)، إِلَّا أَنَّ الشيخ الألباني -رحمة الله عليه-
جزم أن قوم ابن عكيم الذين أخبروه بهذا الخبر من الصحابة، واعتمد على ذلك في تصحيح الحديث.
ولا يخفى ما في ذلك من نظر، فلو ثبت أنهم من الصحابة ما تردد أحد من الأئمة في تصحيحه، ولكن هذا مجرد احتمال، ولا تصحح الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظنِّ والاحتمال، بل الأصل فيه الاحتياط، ولهذا جزم أئمة الحديث ونقاده، بإعلال الحديث بمجرد وقوفهم على هذه الرواية التي زاد فيها ذكر المشيخة، فها هو الإمام أحمد بعد أَنِ اشتهر عنه القول بتصحيح هذا الحديث والاحتجاج به؛ توقف فيه ورجع عن القول به؛ لما روى بعضُهم عن ابن عكيم أنه قال:(حدثنا الأشياخ)، وقد تقدم تصريح ابن معين وغيره من الأئمة بتضعيف الحديث لهذه العلة.
هذا فضلًا عن مخالفة ظاهره للأحاديث الصحاح المتقدمة في إباحة الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ، ولهذا قدمها جماعة عليه، وغمزوه بها، ومنهم من جمع بينهما:
ولهذا سُئِلَ ابن معين: أيما أعجب إليك من هذين الحديثين ((لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ بِإهَابٍ وَلَا عَصَبٍ))، أو هذا الحديث ((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا))؟ فقال:((((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)) أعجبُّ إليَّ)) (تاريخ ابن معين - رواية الدوري 3/ 250).
وقال النسائي -عقب حديث ابن عكيم-: ((أصحُّ ما في هذا الباب في جلود الميتة إذا دُبغت؛ حديث الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، والله تعالى أعلم)) (المجتبى عقب حديث 4289).
وقال ابن المنذر: ((ابن عكيم لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وليست له صحبة، إنما روى ذلك عن مشيخة من جهينة لم يسمهم وما يدر مَنْ هم،
ولا يجوز دفع خبر -وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم بخبر مشيخة لا يعرفون)) (الأوسط 2/ 401).
وقال الطحاوي: ((فحقق ما في هذا الحديث أن ابن عكيم لم يكن شهد ذلك من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حضر قراءته، وكان هؤلاء الأشياخ من جهينة لم يُسَمّوا لنا فنعرفهم، ونعلم أنهم ممن يُؤخذ مثل هذا عنهم لصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لأحوال فيهم سوى ذلك توجب قبول رواياتهم، ولما لم نجد ذلك لهم؛ لم تقم بهذا الحديث عندنا حجة، وكان حديث ابن عباس عن ميمونة الذي قد ذكرناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا في أمره إيَّاهم بدباغ جلد الشاة التي ماتت لهم، وقوله لهم عند ذلك: ((إِنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُهَا))؛ أولى منه لصحة مجيئه، واستقامة طريقه، وعدل رواته)) (مشكل الآثار 8/ 284).
وقال الخطابي: ((ومذهب عامة العلماء على جواز الدباغ والحكم بطهارة الإهاب إذا دبغ، وَوَهَّنُوا هذا الحديث؛ لأَنَّ عبد الله بن عكيم لم يَلْقَ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو حكاية عن كتاب أتاهم، فقد يحتمل -لو ثبت الحديث- أن يكون النهي إنما جاء عن الانتفاع به قبل الدباغ، ولا يجوز أن يترك به الأخبار الصحيحة التي قد جاءت في الدباغ، وأن يحمل على النسخ، والله أعلم)) (معالم السنن 4/ 203).
وقال البيهقي: ((وهو محمول عندنا على ما قبل الدبغ بدليل ما هو أصح منه في الأبواب التي تليه)) (السنن الكبرى 1/ 23)، ثم ذكر حديث ميمونة في الدباغ، وانظر:(نصب الراية 1/ 121).
وقال الحازمي -عند الكلام على وجوه الترجيحات-: ((أن يكون أحد الحديثين سماعًا أو عرضًا، والثاني يكون كتابة، أو وجادة، أو مناولة،
فيكون الأول أولى بالترجيح لما يتخلل هذه الأقسام من شبهة الانقطاع لعدم المشافهة؛ ولهذا رُجِّحَ حديث ابن عباس في الدباغ
…
على حديث عبد الله بن عكيم)) (الاعتبار صـ 11).
وقال أيضًا: ((المصير إلى حديث ابن عباس أولى؛ لوجوه الترجيحات، ويحمل حديث ابن عكيم على منع الانتفاع به قبل الدباغ)) (الاعتبار صـ 57، 58). ومال إلى هذا القول ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 600).
وقال عبد الحق الإشبيلي -عقب ذكره لحديث ابن عكيم-: ((قد صحَّ الخبر في الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت)) (الأحكام الوسطي 4/ 189). إشارة منه إلى إعلاله، والله أعلم.
وقال ابن حجر: ((وأقوى ما تمسك به من لم يأخذ بظاهره؛ معارضة الأحاديث الصحيحة له، وأنها عن سماع، وهذا عن كتابة، وأنها أصح مخارج.
وأقوى من ذلك: الجمع بين الحديثين بحمل الإهاب على الجلد قبل الدباغ، وأنه بعد الدباغ لا يُسمَّى إهابًا إنما يُسمَّى قربة، وغير ذلك، وقد نقل ذلك عن أئمة اللغة كالنضر بن شميل، وهذه طريقة ابن شاهين، وابن عبد البر، والبيهقي)) (فتح الباري 9/ 659).
وقد أعلَّ بعض أهل العلم الطريق الأول بالإرسال؛ لأَنَّ ابن عكيم، تابعي، لا يثبت له صحبة ولا سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو حكاية عن كتاب أتاهم
(1)
.
(1)
قال ابن أبي حاتم: ((سألت أبي عن عبد الله بن عكيم .. فقال: ليس له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم إنما كتب إليه، قلت: أحمد بن سنان أدخله في مسنده، قال: من شاء أدخله في مسنده على المجاز)).
وقال أبو زُرْعَةَ: ((لم يسمع ابن عكيم من النبي صلي الله عليه وسلم وكان في زمانه)) (المراسيل صـ 103 - 104).
وقال ابن أبي حاتم في (العلل): ((سألت أبي عن حديث عبد الله ابن عكيم، فقال: لم يسمع عبد الله بن عكيم من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو كتابه)) (العلل 1/ 592).
وقال البخاري: ((أدرك زمان النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يُعرف له سماع صحيحٌ)) (التاريخ الكبير 5/ 39).
وقال ابن حبان: ((أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئًا)) (الثقات 3/ 247).
وقال أبو نعيم: ((أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره)) (معرفة الصحابة 3/ 1740).
وقال ابن عبد البر: ((اختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم)(الاستيعاب 3/ 949).
قلنا: ولم نقف على قول ولا دليل بإثبات السماع، ولعل لذلك مرَّضَ الذهبي القول بصحبته فقال:((قيل: له صحبة)) (السير 3/ 510)، وانظر:(أسد الغابة 3/ 335)، و (تهذيب التهذيب 5/ 324). ولذا قال الحافظ:((مخضرم من الثانية، وقد سمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم)(التقريب 3482). وفي قوله (وقد سمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم نظر ظاهر؛ لأمرين: الأول: أنه لم يصرح بسماعه للكتاب. الثاني: أنه قد ثبتت الواسطة بينه وبين الكتاب، فتأكد عدم سماعه، كما تقدم.
قال الخطابي: ((ومذهب عامة العلماء على جواز الدباغ والحكم بطهارة الإهاب إذا دبغ، وَوَهَّنُوا هذا الحديث؛ لأَنَّ عبد الله بن عكيم لم يلقَ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو حكاية عن كتاب أتاهم)) (معالم السنن 4/ 203).
وقال البيهقي: ((وفي الحديث إرسال)) (معرفة السنن 1/ 248).
وقال أبو السعادات ابن الأثير: ((وهو حديث متروك؛ لأَنَّ ابن عكيم قد وَهَّنَ حديثَه العلماءُ، فإنه لم يلقَ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قوله حكاية عن كتاب أتاهم)) (الشافي في شرح مسند الشافعي 1/ 129).
وكذا أعلَّه بالإرسال: التوربشتي كما في (شرح المشكاة للطيبي 3/ 841)، و (مرقاة المفاتيح 2/ 469)، وبدر الدين العيني في (عمدة القاري 9/ 88)،
و (البناية شرح الهداية 1/ 413)، والمناوي في (فيض القدير 4/ 273)، والصنعاني في (سبل السلام 1/ 42).
ولكن لقائل أن يقول: إنه لا يَروي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يُعَلَّ بالإرسال، وكونه كتابًا ليس بعلة؛ فالذي عليه أهل الحديث: العمل بالكتاب إذا ثبتت نسبته لصاحبه، أما الكتابة في أصلها فهي حجة، بل من أهل العلم من احتجَّ بهذا الحديث على الاحتجاج بالكتابة والإجازة، كما فعل أبو نعيم، نقله عنه الخطيب في (الكفاية صـ 313) -وأقرَّه-، والقاضي عياض في (الإلماع 1/ 84)، وابن خير الإشبيلي في (فهرسته صـ 15 - 16).
ولهذا قال ابن حجر: ((وأعلَّه بعضهم بكونه كتابًا، وليس بعلة قادحة)) (فتح الباري 9/ 659).
وإنما وجه إعلال الحديث، أن الذي أخبر بهذا الكتاب مشيخة مجهولون، فلم يثبت الكتاب، ولولا هذه العلة لكان صحيحًا، كما صححه أحمد وغيره، قبل أن يقف على رواية الأشياخ، وهذا ظاهر كلام ابن معين أيضًا، والله أعلم.
وقد أعلَّه بعضهم بجهالة حامل الكتاب إلى جهينة؛
قال ابن المنذر: ((خبر ابن عكيم غير ثابت؛ لأنه لم يُخبر مَنْ حامل الكتاب إليهم، ولا مَنْ قرأ الكتاب عليهم)) (الأوسط 2/ 403).
وقال أبو محمد ابن زكريا الأنصاري -ردًّا على من احتجَّ بحديث ابن عكيم-: ((قيل له: قالت الأئمة كل حديث نسب إلى كتاب ولم يذكر حامله فهو مرسل)) (اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/ 76).
وأجاب عن هذه العلة: ابن قدامة؛ فقال: ((كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كلفظه، ولولا ذلك لم يكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد، وقد كتب إلى ملوك الأطراف، وإلى غيرهم، فلزمتهم الحجة به، وحصل له البلاغ، ولو لم يكن حجة لم تلزمهم الإجابة، ولا حصل به بلاغ، ولكان لهم عذر في ترك الإجابة؛ لجهلهم بحامل الكتاب وعدالته)) (المغني 1/ 91).
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وأما حديث ابن عكيم فقد طعن بعضُ الناس فيه بكون حامله مجهولًا ونحو ذلك مما لا يسوغ ردُّ الحديث به)) (مجموع الفتاوى 21/ 93).
والحديث: صححه ابن حبان كما تقدم، وابن حزم في (المحلى 1/ 121)، والألباني في (إرواء الغليل 1/ 76).
وهو ظاهر صنيع: الأثرم، والحاكم كما في (البدر المنير 1/ 595 - 596)، وأبو نعيم، والخطيب، وابن خير الإشبيلي، وابن قدامة، وابن تيمية -كما تقدم-، وكذا ابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 64)، وابن القيم في (حاشيته على سنن أبي داود 11/ 123 - 125)، وابن حجر في (فتح الباري 9/ 659) خلافًا لقوله في (إتحاف المهرة 8/ 259)، حيث قال -متعقبًا ابن حبان -:((بل الخبر معلول من جهات أُخرى شتى)).
وحسَّنه الترمذي -مع أنه أشار إلى علته- فقال: ((هذا حديث حسن، ويُروى عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ له هذا الحديث)). ثم ذكر توقف أحمد عن القول به، لهذه العلة.
وكذا حسَّنه الحازمي في (الاعتبار صـ 56) في أول كلامه على هذا الحديث، حيث قال: ((هذا حديث حسن، على شرط أبي داود، والنسوي؛
أخرجاه في كتابيهما))، ثم بيَّن بَعْدُ أنه معلولٌ؛ فقال:((ولو اشتهر حديث ابن عكيم بلا مقال فيه، كحديث ابن عباس في الرخصة، لكان حديثًا أولى أن يؤخذ به، ولكن في إسناده اختلاف، ولولا هذه العلل لكان أولى الحديثين أن يؤخذ به حديث ابن عكيم))، وقال أيضًا:((وطريق الإنصاف فيه أن يقال: إِنَّ حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في النسخ -لو صحَّ- ولكنه كثير الاضطراب، ثم لا يُقَاوِمُ حديثَ ميمونةَ في الصحة)) (الاعتبار صـ 56 - 57). كأنه يقول: ظاهره الحسن لكنه معلولٌ، والله أعلم.
وقال الشوكاني: ((حديث حسن، ولم يعلَّ بما يوجب سقوط الاحتجاج به)) (السيل الجرار صـ 28). مع أنه مال إلى إعلاله في (نيل الأوطار 1/ 84، 87 - 88).
وقال البوصيري: ((رواته ثقات)) (الإتحاف 5/ 308).
[تنبيهان]:
الأول: اشتهر عند الكلام على هذا الحديث مناظرة وقعت بين: الشافعي، وإسحاق بن راهويه، في حضور أحمد بن حنبل، أخرجها الرامهرمزي في (المحدث الفاصل صـ 453) -ومن طريقه السبكي في (طبقات الشافعية الكبرى 2/ 91)، والرشيد العطار في (غرر الفوائد المجموعة صـ 325 - 327) - قال: ((حدثنا زكريا الساجي، حدثني جماعة من أصحابنا: أن إسحاق بن راهويه، ناظر الشافعي -وأحمد بن حنبل حاضر- في جلود الميتة إذا دبغت.
فقال الشافعي: دباغها طهورها. فقال إسحاق: ما الدليل؟ فقال: حديث الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة: أَنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةِ مَيْتَةٍ، فَقَالَ:((هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا)).
فقال إسحاق: حديثُ ابنِ عكيم كَتَبَ إِليْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: ((لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإهَابٍ وَلَا عَصَبٍ)) أشبه أن يكون ناسخًا لحديث ميمونة؛ لأنه قبل موته بشهر.
فقال الشافعي: هذا كتابٌ وذاك سماع.
فقال إسحاق: إِنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر، وكان حجة عليهم عند الله. فسكت الشافعي، فلمَّا سمع ذلك أحمد بن حنبل ذهب إلى حديث ابن عكيم، وأفتى به، ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي، فأفتى بحديث ميمونة)).
وسندها ضعيفٌ كما هو ظاهر، لإبهام من حدَّث بها الساجي، وقد أخرجها الحازمي في (الاعتبار صـ 57) بسنده إلى أبي الشيخ الحافظ قال: ((حُكِيَ أن إسحاق بن راهويه ناظر الشافعي
…
القصة. وهذا أيضًا ضعيف؛ لإبهام من حَكَى هذا القصة، ولعلها تعود إلى السند الأول)).
قال السبكي: ((وهذه المناظرة حكاها البيهقي وغيره، وقد يظن قاصر الفهم أن الشافعي انقطع فيها مع إسحاق، وليس الأمر كذلك، ويكفيه مع قصور فهمه أن يتأمل رجوع إسحاق إلى قول الشافعي، فلو كانت حجته قد نهضت على الشافعي لما رجع إليه.
ثم تحقيق هذا: أن اعتراض إسحاق فاسد الوضع لا يقابل بغير السكوت، بيانه: أن كتاب عبد الله بن عكيم كتاب عارضه سماع، ولم يتيقن أنه مسبوق بالسماع، وإنما ظنَّ ذلك ظنًّا لقرب التاريخ، ومجرد هذا لا ينهض بالنسخ، أما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر فلم يعارضها شيء، بل عضدتها
القرائن وساعدها التواتر الدال على أن هذا النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالدعوة إلى ما في هذا الكتاب، فَلَاحَ بهذا أن السكوت من الشافعي تسجيل على إسحاق بأن اعتراضه فاسد الوضع، فلم يستحق عنده جوابًا، وهذا شأن الخارج عن المبحث عند الجدليين فإنه لا يقابل بغير السكوت، ورُبَّ سكوتٍ أبلغ من نطق، ومِنْ ثَّمَ رجع إليه إسحاق، ولو كان السكوت لقيام الحجة؛ لأكد ذلك ما عند إسحاق، فافهم ما يلقى إليك)) (طبقات الشافعية 2/ 92).
وقال ابن دقيق العيد: ((كان والدي يَحكي عن الحافظ أبي الحسن المقدسي -وكان من أئمة المالكية - أنه كان يرى أن حجة الشافعي باقية، يريد؛ لأَنَّ الكلام في الترجيح بالسماع والكتاب، لا في إبطال الاستدلال بالكتاب)) (الحاوي للفتاوي للسيوطي 1/ 17).
الثاني:
الحديث عزاه ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 587) للدارقطني في (السنن)، ولم نقف عليه في النسخ المطبوعة، ولا في (إتحاف المهرة 9335)، وقد عزاه للدارقطني أيضًا ابن كثير، والزركشي، ولكن بلفظ آخر -سيأتي قريبًا-، ولم نقف عليه أيضًا، فالله أعلم.
رِوَايَاتُ التَّوْقِيتِ بِشَهْرٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((
…
كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوتِهِ بِشَهْرٍ
…
)).
[الحكم]:
الحديث ضعيفٌ كما تقدم، وذكر التوقيت فيه شاذٌّ أو منكرٌ، وقال الشوكاني:((معلٌّ)).
[التخريج]:
[د 4080 ((واللفظ له)) / حم 18782/ حب 1272/ طس 822/ هق 43/ عتب (ص 56) / صحا 4418/ تطبر (مسند ابن عباس 1223، 1224) / هقع 543/ حرملة (هقع 542) / تمهيد (4/ 163) / ناسخ 155/ طولون (صـ 87)].
[التحقيق]:
انظر الكلام عليه فيما يأتي.
روايةُ: ((قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْنِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((
…
قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْنِ
…
)).
[الحكم]:
الحديث ضعيفٌ كما تقدم، وذكر التوقيت فيه شاذٌّ أو منكرٌ، وقال الشوكاني:((معلٌّ)).
[التخريج]:
[طس 2407، 7668/ ناسخ 156/ مشكل 3240].
[التحقيق]:
انظر الكلام عليه فيما يأتي.
روايةٌ بالشك: ((بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ بِالشَّكِ: ((
…
قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ
…
)).
[الحكم]:
الحديث ضعيفٌ كما تقدم، وذكر التوقيت فيه شاذٌّ أو منكرٌ، وقال الشوكاني:((مُعَلٌّ)).
[التخريج]:
[حم 18783 ((واللفظ له)) / تحقيق 68/ طولون (صـ 87)].
[التحقيق]:
رُوِيَ التوقيت في هذا الحديث من عدة طرق عن ابنِ عُكيم:
الطريق الأول: عن الحكم بن عتبة به، وقد رواه عن الحكم جماعة:
أشهرهم: خالد الحذاء عن الحكم، وقد اختُلف عليه في متنه وسنده على وجوه:
الوجه الأول: عن خالد، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن ابن عكيم:
أخرجه أحمد (18783) قال: ((حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا عباد -يعني: ابن عباد-، قال: حدثنا خالد الحذاء، عن الحكم بن عتيبة، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم الجهني، قال: أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ، قالَ: وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ
…
)) الحديث.
وأخرجه ابن شاهين في (ناسخ الحديث 156) من طريق يحيى بن أيوب المقابري، عن عباد، به، بلفظ:(شَهْرَيْنِ)) من غير شك.
وهذا إسنادٌ رجاله كلهم ثقات، إِلَّا أَنَّ عباد بن عباد قد تفرَّد عن خالد بذكر:(شَهْرَيْنِ) أو بالتردد بينهما، وقد خالفه عبد الوهب الثقفي، وعبد الوارث بن سعيد، والمعتمر بن سليمان، ثلاثتهم: عن خالد بلفظ (شَهْر) بلا تردد، فيترجح. وسيأتي تخريج رواياتهم، على خلاف بينهم في سنده.
الوجه الثاني: عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الله بن عكيم به، بإسقاط ابن أبي ليلى.
أخرجه الشافعي -كما في (سنن حرملة/ معرفة السنن والآثار 542) -، وأحمد (18782)، كلاهما: عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي.
والطبري في (التهذيب/ مسند ابن عباس 1223)، من طريق عبد الوارث بن سعيد.
كلاهما: عن خالد الحذاء، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الله بن عكيم، قال:((كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ)). ولم يذكر ابن أبي ليلى في إسناده.
وهذا إسنادٌ رجاله كلهم ثقات، لكن في هذا الإسناد انقطاع بين الحكم وابن عكيم، بينهما ابن أبي ليلى، كما رواه الجماعة (كشعبة، ومنصور، والأعمش، والشيباني، وغيرهم كثير)، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن ابن عكيم، به. بدون ذكر التوقيت، كما سيأتي بيانه.
الوجه الثالث: عن خالد، عن الحكم، عن أناس، عن ابن عكيم:
أخرجه أبو داود (4080) -ومن طريقه البيهقي في (الكبرى 43)، و (المعرفة 543)، وابن عبد البر في (التمهيد 4/ 163) - قال: حدثنا محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم، حدثنا الثقفي.
وأخرجه الطبري في (تهذيبه/ مسند ابن عباس 1224) عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، عن المعتمر بن سليمان.
كلاهما (عبد الوهاب الثقفي، والمعتمر): عَنْ خَالدٍ، عنِ الحَكَمِ بن عُتَيبَةَ: ((أَنَّهُ انطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ مَعَهُ إِلَى عَبدِ اللهِ بنِ عُكَيمٍ، قَالَ الحَكَمُ: فَدَخَلُوا وَقَعَدتُ عَلَى البَابِ، فَخَرَجُوا إلَيَّ فَأَخبَرُوني، أَنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عُكَيمٍ، أَخبَرَهُم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوتِهِ بِشَهْرٍ
…
)) الحديث.
ورواه نعيم بن حماد -كما عند الطحاوي في (المشكل 3240) - عن المعتمر به بلفظ: ((شَهْرَيْنِ)).
ونعيم بن حماد، قال فيه الحافظ:((صدوق يخطئ كثيرًا)) (التقريب 7166).
وفي هذه الرواية أن الحكم أخذ الحديث عن أناس مبهمين عن ابن عكيم، خلافًا لرواية الجماعة عن الحكم أنه أخذه عن ابن أبي ليلى عن ابن عكيم.
ولا ريب أن رواية الجماعة أولى بالصواب، لا سيَّما مع هذا الاختلاف على خالد الحذاء فيه، لكن يمكن الجمع بينها وبين رواية الجماعة، بأن يقال: إن ابن أبي ليلى كان مع هؤلاء الناس وهو الذي أخبر الحكم به، وإلا فقد صرَّح الحكم بسماعه من ابن أبي ليلى، كما عند أحمد وغيره من طريق شعبة عن الحكم.
ولهذا قال الشيخ الألباني: ((فهذا إِنْ صحَّ يجب أن يفسر بالرواية الأخرى فيقال: إِنَّ من الذين أخبروه بالحديث عن ابن عكيم: عبد الرحمن بن أبي ليلى)) (الإرواء 1/ 77).
قلنا: وقد صرَّح خالد بذلك في رواية عباد بن عباد عنه، كما في الوجه الأول.
الوجه الرابع: عن خالد، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن أناس، عن ابن عكيم:
أخرجه ابن شاهين في (ناسخه 155) من طريق المعتمر بن سليمان.
وأخرجه الحازمي في (الاعتبار صـ 56) من طريق أبي داود السجستاني، عن محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم، عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي.
كلاهما (المعتمر، والثقفي): عن خالد الحذاء، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: ((أَنهُ انطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ مَعَهُ إِلَى عَبدِ اللهِ بنِ عُكَيمٍ، قَالَ الحَكَمُ: فَدَخَلُوا وَقَعَدتُ عَلَى البَاب، فَخَرَجُوا إلَيَّ فَأَخبَرُوني، أَنَّ
عَبدَ اللهِ بنَ عُكَيمٍ، أَخبَرَهُم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوتِهِ بِشَهْرٍ
…
)) الحديث.
وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، وفيه: أن ابن أبي ليلى لم يسمعه من ابن عكيم، إنما حدَّثه عنه أناس مُبهمون، ولكن هذه الرواية لا تصحُّ، الصواب فيها بدون ذكر ابن أبي ليلى كما في الرواية السابقة، وهاك بيانه.
أما سند الحازمي: فقد رواه من طريق أبي داود، والحديث بهذا الإسناد في (السنن 4080) -كما تقدم-: (عَنِ الحَكَمِ بنِ عُتَيبَةَ: أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ مَعَهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيمٍ،
…
)، كذا بدون ذكر (عبد الرحمن بن أبي ليلى)، في كل نسخ (السنن) المطبوعة، وفي (تحفة الأشراف 5/ 317)، وفي (مختصر السنن للمنذري 6/ 68 - 69)، وكذا رواه البيهقي، وابن عبد البر، من طريق أبي داود، وكذا عزاه (للسنن) ابن عبد الهادي في (تعليقه على العلل لابن أبي حاتم صـ 135)، وأبو زرعة العراقي في (المبهمات 49).
وكذا رواه الشافعي، وأحمد، عن الثقفي به، بدون ذكر عبد الرحمن.
فلعل ذكر (عبد الرحمن) وقع في نسخة الحازمي خطأ من أحد النساخ، أو عمدًا، سالكًا فيه الجادة؛ حيثُ إِنَّ المشهور عن الحكم في هذا الحديث (عن ابن أبي ليلى، عن ابن عكيم)، فظنها الناسخ ساقطة من الأصل فزادها اجتهادًا منه فأخطأ.
ولا يقال: إن جماعة من الأئمة نقلوه من (السنن) بإثبات (عبد الرحمن) موافقًا لرواية الحازمي، كابن دقيق العيد، والزيلعي، وابن الملقن، وابن حجر، فالظاهر أن ابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 317)، اعتمد في
ذلك على رواية الحازمي، ومنه نقل -صراحة- الزيلعي في (نصب الراية 1/ 121)، وابن الملقن (البدر المنير 1/ 592)، وتبعه الحافظ في (التلخيص 1/ 78)، و (الفتح 9/ 659)، وقلَّده العيني في (عمدة القاري 21/ 133) كعادته. وقد تعقب الألباني الحافظ في ذلك، فقال:((ووقع للحافظ هنا وَهْمٌ عجيب! ؛ فإنه أدخل فى هذه الرواية بين الحكم وابن عكيم (عبد الرحمن) سالكًا فى ذلك على الجادة! )) (الإرواء 1/ 77).
وأما سند ابن شاهين؛ فنقول فيه مثل ما قلنا في طريق الحازمي، فإن المحفوظ عن المعتمر، ما تقدم في الوجه السابق، بدون ذكر عبد الرحمن، وقد جاء في سياق الرواية ما يشير إلى ذلك، حيث جاء فيها: (عَنِ الحَكَمِ بنِ عُتَيبَةَ، عَنْ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبي لَيلَى: أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ مَعَهُ إِلَى عَبدِ اللهِ بنِ عُكَيمٍ، قَالَ الحَكَمُ: فَدَخَلُوا وَقَعَدتُ عَلَى البَاب، فَخَرَجُوا إِلَيَّ فَأَخبَرُوني، أَنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عُكَيمٍ أَخبَرَهُم
…
). كذا عند ابن شاهين: (قَالَ الحَكَمُ: فَدَخَلُوا وَقَعَدتُ)، مع أن الصواب في السياق أن يكون القائل هو عبد الرحمن بن أبي ليلى.
وقد اعتمد على هذه الرواية غير واحد من أهل العلم في الحكم على رواية ابن أبي ليلى عن ابن عكيم بالانقطاع! ، وعدَّوها من أوجه اضطراب سند الحديث، وقد ظهر ما في ذلك من نظر.
فقال الحازمي: ((لم يسمعه -أي: ابن أبي ليلى- من ابن عكيم، ولكن من أناس دخلوا عليه ثم خرجوا فأخبروه به، ولولا هذه العلل لكان أولى الحديثين أن يُؤخذ به حديث ابن عكيم)) (الاعتبار صـ 56 - 57).
وقال ابن دقيق العيد: ((في هذه الرواية أنه سمعه من الناس الداخلين عليه، عنه، وهم مجهولون)) (الإمام 1/ 317)، وبنحوه قال العيني في (البناية
شرح الهداية 1/ 413 - 414)، وابن الهمام في (فتح القدير 1/ 94 - 95)، وابن نجيم في (البحر الرائق 1/ 111).
وقال ابن حجر: ((ومحصل ما أجاب به الشافعية وغيرهم عنه التعليل بـ
…
الانقطاع بأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمعه من عبد الله بن عكيم)) (التلخيص الحبير 1/ 78)، وتبعه الصنعاني في (سبل السلام 1/ 42)، والشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 88)، والعظيم آبادي في (عون المعبود 11/ 124 - 125).
وخلاصة ما سبق عن خالد الحذاء:
أولًا: من جهة السند؛ الأوجه الثلاثة الأولى، يمكن الجمع بينها بحيث ترجع إلى رواية الجماعة عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن ابن عكيم، وأما الوجه الرابع فَوَهْمٌ كما بينَّاه.
ثانيًا: من جهة المتن؛ الصواب عن خالد بلفظ: (شَهْر) دون شك أو تردد، ثم إنها شاذة؛ لمخالفتها رواية الجماعة عن الحكم، بدون ذكر التاريخ، وهم:
1 -
شعبة بن الحجاج، كما عند أحمد، وأبي داود، والترمذي، وغيرهم.
2 -
منصور بن المعتمر، كما عند ابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، وغيرهم.
3 -
الأعمش، كما عند ابن أبي شيبة، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم.
4 -
سليمان الشيباني، كما عند ابن أبي شيبة، والترمذي، وابن ماجه،
وغيرهم
(1)
.
5 -
الأجلح، كما عند ابن سعد في (الطبقات 8/ 233)، وعبد بن حميد في (المنتخب 488).
6 -
عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، كما عند الطحاوي في (المشكل 3237).
7 -
خالد بن كثير، كما عند الطبراني في (الأوسط 2100).
8 -
حمزة الزيات، كما عند الطبراني في (الصغير 1050).
9 -
المسعودي، كما في (جزء من حديث أبي القاسم ابن الحامض 13).
10 و 11 - محمد بن جحادة ومطر الوراق، كما عند الطبراني في (الصغير 618).
12 -
معاوية بن ميسرة، كما عند كما عند ابن شاهين في (الناسخ والمنسوخ 153).
13 -
مسعر بن كدام، كما عند الخطيب في (المتفق والمفترق 499).
14 -
أبان بن تغلب -على الراجح عنه-، كما عند ابن المقرئ في (معجمه 23)، والطبراني في (الأوسط 7642).
جميعهم: عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عكيم، به، بدون ذكر التاريخ.
(1)
انظر العزو لرواية: شعبة، ومنصور، والأعمش، والشيباني، في خانة السند، في أول الحديث.
خلافًا لرواية خالد الحذاء -ومن تابعه من الضعفاء كما سيأتي-، فلا شكَّ حينئذٍ في شذوذها، فضلًا عن ضعف أصل الحديث كما تقدم بيانه.
ولهذا قال الشوكاني في الجواب عن الاحتجاج بهذا الحديث: ((وأجيب بأنه قد أُعِلَّ بالاضطراب والإرسال كما سيأتي فلا ينتهض لنسخ الأحاديث الصحيحة، وأيضًا التاريخ بشهر أو شهرين كما سيأتي معل؛ لأنه من رواية خالد الحذاء، قد خالفه شعبة وهو أحفظ منه وشيخهما واحد، ومع إعلال التاريخ يكون معارضًا للأحاديث الصحيحة وهي أرجح منه بكلِّ حالٍ، فإنه قد رُوِيَ في ذلك -أعني: تطهير- الدباغ للأديم)) (نيل الأوطار 1/ 84).
قلنا: لم يخالفه شعبة فحسب، بل خالفه أيضًا جماعة من الحفاظ.
وقد تُوبع خالد على ذكر التوقيت عن الحكم من: أبان بن تغلب، وأشعث بن سوار، وأبي شيبة إبراهيم بن عثمان، وإليك بيانها:
أولًا: متابعة أبان بن تغلب:
أخرجها ابن حبان (1272) قال: أخبرنا عبد الكبير بن عمر الخطابي بالبصرة بخبر غريب، قال: حدثنا بشر بن علي الكرماني، قال: حدثنا حسان بن إبراهيم، قال: حدثنا أبان بن تغلب، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ
…
الحديث.
وعبد الكبير هذا لم نجد له ترجمة، وقد خُولف؛ فقد أخرجه الطبراني في (الأوسط 7641) من طريق بشر الكرماني به، بدونه.
وكذا أخرجه ابن المقرئ في (معجمه 23) من طريق محمد بن أبي يعقوب الكرماني، عن حسان بن إبراهيم، عن أبان بن تغلب، به،
بدونه أيضًا.
وعليه: فيكون ذكر التوقيت في رواية أبان بن تغلب منكرٌ، ولعل لذلك استغربه ابن حبان.
ثانيًا: متابعة أشعث بن سوار:
أخرجها الطبراني في (الأوسط 822) قال: حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، قال: نا عمرو بن محمد الناقد قال: نا عبد الله بن إدريس الأودي، قال: نا أشعث بن سوار والأجلح، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم، قال: جَاءَنَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوتِهِ بِشَهْرٍ
…
الحديث.
كذا رواه عبد الله بن إدريس، عن أشعث والأجلح، ورواية الأجلح عند عبد بن حميد في (المنتخب 488)، وابن سعد في (الطبقات 8/ 233) كلاهما: عن يعلى بن عبيد، عن الأجلح به، بدون ذكر التوقيت، وهذا يعني: أن ذكر التوقيت في هذه الرواية إنما تفرد به أشعث بن سوار وهو ((ضعيف)) كما في (التقريب 524).
ثالثًا: متابعة أبي شيبة إبراهيم بن عثمان:
أخرجها الطبراني في (الأوسط 2407) قال: حدثنا أبو مسلم، قال: نا أبو عمر الضرير قال: نا أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم، قال: أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ إِلَى أَرْضِ جُهَيْنَةَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرِيَنِ
…
الحديث.
وأبو شيبة إبراهيم بن عثمان: ((متروك))، كما في (التقريب 215).
وعليه: فالمحفوظ عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن ابن عكيم في هذا
الحديث؛ بدون ذكر التوقيت، كذا رواه الجماعة عن الحكم، وما دون ذلك فشاذٌّ أو منكرٌ، والله أعلم.
الطريق الثاني: عن القاسم بن مخيمرة، عن ابن عكيم:
أخرجه أبو نعيم في (الصحابة 4418) قال: حدثنا محمد بن حميد، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا أبو همام (الوليد بن شجاع)، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا يزيد بن أبي مريم، وثَبَّتَنِيه صدقة بن خالد، عن القاسم بن مخيمرة، عن عبد الله بن عكيم الجهني، أنه حدَّثهم قال: أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ
…
الحديث.
وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، عدا محمد بن حميد شيخ أبي نعيم، وهو ابن سهيل المخرمي، ضعَّفه البرقاني، وابن الجوزي، وتكلَّم فيه ابن أبي الفوارس وغيره، ووثقه أبو نعيم الأصبهاني، انظر:(لسان الميزان 7/ 108)، و (الدليل المغني لشيوخ الدارقطني 430).
وقد وَهِمَ في سنده ومتنه: فإن الحديث محفوظ عن صدقة بن خالد وغيره، عن يزيد بن أبي مريم، عن القاسم، عن ابن عكيم، عن مشيخةٍ له، به، بدون ذكر التوقيت، كما تقدم.
الطريق الثالث: عن أبي فروة، عن ابن عكيم:
أخرجه الطبراني في (الأوسط 7668) قال: حدثنا محمد بن موسى، نا إبراهيم بن إسماعيل الطلحي، نا طلق بن غنام، ثنا قيس بن الربيع، عن أبي فروة (مسلم بن سالم النهدي)، عن عبد الله بن عكيم، قال: جَاءَنَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِشَهْرَيْنِ
…
الحديث.
وقال الطبراني: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي فروة إِلَّا قيس، ولا عن قيس
إِلَّا طلق بن غنام، تفرَّد به: إبراهيم بن إسماعيل)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: قيس بن الربيع، قال فيه الحافظ:((صدوق تغيَّر لما كبر، وأدخل عليه ابنُه ما ليس من حديثه فحدَّثَ به)) (التقريب 5573).
ومحمد بن موسى بن إبراهيم الإصطخري، ضعَّفه الدارقطني كما في (السنن عقب رقم 2019)، وأقرَّه البيهقي في (الكبرى عقب رقم 7419)، وقال فيه الحافظ:((شيخ مجهول، روى عن شعيب بن عمران العسكري خبرًا موضوعًا)) (اللسان 7/ 541).
روايةُ: ((رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: كَتَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي أَرْضِ جُهَيْنَةَ: ((إِنِّي كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ (إِهَابِ) 1 الْمَيْتَةِ [وَعَصَبِهَا]، فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِجِلْدٍ (إِهَابٍ) 2، وَلَا عَصَبٍ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظ؛ وأنكره ابن القيسراني، وأشار إليه ابن عدي، وضعَّفَه: ابن الجوزي، وابن القيم، والألباني.
[التخريج]:
[طس 104 ((واللفظ له)) / عد (6/ 155) ((والروايتان والزيادة له)) / ضح (2/ 168) / متشابه (1/ 351)].
[التحقيق]:
رُوِيَ الحديث بهذا اللفظ من طريقين، عن عبد الله بن عكيم:
الطريق الأول: مداره على يحيى بن أيوب، عن أبي سعيد البصري، عن شعبة بن الحجاج، عن الحكم بن عتيبة، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم، به.
أخرجه الطبراني في (الأوسط 104) -ومن طريقه الخطيب في (الموضح 2/ 171) - عن فضالة بن مفضل بن فضالة، عن أبيه.
وأخرجه ابن عدي في (الكامل 6/ 155) من طريق ياسين بن عبد الأحد، عن أبيه.
كلاهما (مفضل بن فضالة، وعبد الأحد بن أبي زرارة): عن يحيى بن أيوب الغافقي، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لأجل يحيى بن أيوب الغافقي المصري، والكلام فيه معروف مشهور، وقد تفرَّد بهذا اللفظ عن شبيب بن سعيد عن شعبة، والحديث محفوظ عن شعبة بسنده عن عبد الله بن عكيم، أنه قال:((قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فِي أَرْضِ جُهَيْنَةَ -وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ-: ((أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ)). كذا رواه أحمد وغيره، عن غندر، عن شعبة، وكذا رواه غير واحد من الثقات الحفاظ عن شعبة.
ثم إِنَّ الإسناد إليه لا يخلو من مقالٍ أيضًا:
ففي سند الطبراني: فضالة بن مفضل بن فضالة بن عبيد الرعيني، وقد تكلَّم فيه أبو حاتم والعقيلي، انظر:(ميزان الاعتدال 3/ 349)، و (اللسان 6/ 333).
وبه أعل الحديث ابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 104)، والزيلعي في (نصب الراية 1/ 121).
وفي سند ابن عدي: عبد الأحد بن أبي زرارة والد ياسين، ترجم له ابن يونس في (تاريخه 1/ 258)، برواية ابنه عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 424) على قاعدته، فهو مجهولٌ.
وقد عدَّ هذه الرواية ابن عدي وغيره من مناكير شبيب بن سعيد، فهو وإِن كان من رجال البخاري، إِلَّا أَنَّ روايةَ ابن وهب وغيره من المصريين عنه فيها مقال.
فذكرها ابن عدي في ترجمة شبيب مع جملة من حديثه، ثم قال: ((ولشبيب بن سعيد نسخة الزُّهري عنده عن يونس عن الزُّهري، وهي أحاديث مستقيمة، وحدَّث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير،
…
وكأن شبيب إذا روى عنه ابنه
أحمد بن شبيب نسخة يونس عن الزُّهري، -إذ هي أحاديث مستقيمة- ليس هو شبيب بن سعيد الذي يحدِّث عنه ابن وهب بالمناكير الذي يرويها عنه، ولعل شبيب بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويَهِمْ، وأرجو أن لا يتعمد شبيب هذا الكذب)) (الكامل 6/ 156).
وقال ابن القيسراني: ((وحدَّث بهذا الحديث عنه يحيى بن أيوب، وهو منكر. وشبيب هذا كان يتجر إلى مصر، فسمع منه عبد الله بن وهب، وأهل البلد. ولعله حدَّث من حفظه؛ فغلط، أو وَهِمَ)) (ذخيرة الحفاظ 2/ 1222).
وعدَّها ابن دقيق العيد من تفرداته؛ فقال: ((لقائل يقول: إذا ثبت توثيقه بقول علي بن المديني، فلتعد هذه تفردات ثقة)) (الإمام 1/ 322).
وقد ذكر ابن حجر هذه الرواية، وعزاها لابن عدي، والطبراني، ثم قال:((إسناده ثقات)) (التلخيص 1/ 77 - 78).
الطريق الثاني:
أخرجه الخطيب في (تلخيص المتشابه 1/ 351) قال: أنا علي بن أبي علي المعدل، أنا علي بن عمر السكري، نا محمد بن محمد بن سليمان، نا عبد الله بن سنان، نا بشر بن عبد الملك البصري، نا قُرَّة بن سليمان الجهضمي، نا هشام بن حسان، عن مطر الوراق، عن الحكم، عن عبد الله بن عكيم، به.
وهذا إسنادٌ تالفٌ؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: عبد الله بن سنان هو عبد الله بن محمد بن سنان الروحي، وهو متروكٌ تالفٌ يضع الحديث؛ قال الدارقطني وعبد الغني الأزدي:((متروكٌ))،
وقال ابن عدي: ((رَوى عن روح بن القاسم بواطيل، وكان يسرق الحديث))، وقال ابن حبان:((كان يضع الحديث))، وقال أبو الشيخ:((حدَّث عندنا بأحاديث لم يتابع عليها وازدحم الناس عليه، ولم يزالوا يسمعون منه حتى ظهر أمره ووقفوا على كذبه، تركوا حديثه وأجمعوا أنه كذاب ذاهب))، وقال أبو نعيم الأصبهاني:((كثير الوضع حدَّث بنسخة لروح بن القاسم لم يتابع عليها))، انظر:(لسان الميزان 4400).
الثانية: محمد بن محمد بن سليمان هو ابن الباغندي، وفيه كلام معروف مشهور، وكان يدلس مع ذكر صيغة الإخبار، انظر:(اللسان 7356).
الثالثة: قُرَّة بن سليمان، قال أبو حاتم:((ضعيف الحديث)) (الجرح والتعديل 7/ 131)، واعتمدَ تضعيفه: الذهبيُّ في (الميزان 6884)، وابنُ حجر في (اللسان 6160).
الرابعة: مطر بن طهمان الوراق، وهو ((صدوق كثير الخطأ)) (التقريب 6699).
الخامسة: بشر بن عبد الملك البصري، سُئِلَ عنه أبو زُرْعَةَ، فقال:((شيخ)) (الجرح والتعديل 2/ 362).
السادسة: المخالفة، فالمحفوظ عن الحكم في سند هذا الحديث: عن ابن أبي ليلى عن ابن عكيم، وبغير هذا اللفظ، كما تقدم بيانه.
وقد ضعَّف هذه الرواية غير واحد من أهل العلم:
فقال ابن الجوزي: ((رُوِيَ في بعض ألفاظه ((كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ))
…
وهذه اللفظة بعيدة الثبوت)) (ناسخ الحديث ومنسوخه صـ 81)
وقال ابن القيم: ((هذه الزيادة لم يذكرها أحد من أهل السنن في هذا
الحديث، وإنما ذكروا قوله صلى الله عليه وسلم:((لا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ)) الحديث، وإنما ذكرها الدارقطني، وقد رواه خالد الحذاء وشعبة عن الحكم فلم يذكرا:((كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ))، فهذه اللفظة في ثبوتها شيء)) (حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 11/ 125).
قال الألباني: ((هو بهذا اللفظ ضعيف)) (إرواء الغليل 1/ 79).
[تنبيه]:
عزاه الزركشي في (شرح مختصر الخرقي 1/ 152)، وابن كثير في (تحفة الطالب صـ 169)، بهذا اللفظ للدارقطني، ولم نقف عليه بهذا اللفظ في شيء من كتب الدارقطني المطبوعة بين أيدينا، والذي وقفنا عليه عنده بلفظ الرواية الأولى في كتابه (الأفراد) من حديث كعب بن عجرة، كما في (الأطراف 2/ 121).
وقد أشار الألباني إلى ذلك أيضًا؛ فقال: ((وعزاه بهذا اللفظ فى حاشية (المقنع) نقلًا عن (المبدع) للدارقطني أيضًا، ولم أرَه فى سننه)) (الإرواء 1/ 79).
روايةُ ((كَتَبَ إِلَيْنَا رَسَولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ أَمْرِهِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((كَتَبَ إِلَيْنَا رَسَولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ أَمْرِهِ
…
)) الحديث.
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظ.
[التخريج]:
[أصبهان (2/ 169) / حما 68].
[السند]:
أخرجه أبو نعيم في (تاريخ أصبهان)، عن أبيه، ثنا محمد بن يحيى بن منده، ثنا محمد بن نصر، ثنا محمد بن نصر بن سعيد الكرماني، ثنا حسان بن إبراهيم، ثنا أبان بن تغلب، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم، به.
وأخرجه أبو الحسن الحمامي في (جزء الإعتكاف)، عن أحمد بن محمد، عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن بطة، عن محمد بن نصر، به، لكن زاد في إسناده:(عن مجاهد) بين الحكم وابن أبي ليلى.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه: محمد بن نصر بن سعيد الكرماني، ولم نقف له على ترجمة، غير أن المزي ذكره في شيوخ حسان بن إبراهيم في (التهذيب 6/ 8 - 7).
وقد سبق أن المحفوظ عن أبان بن تغلب، كرواية الجماعة عن الحكم بدون ذكر التوقيت.
ولعل لهذا قال ابن أبي الفوارس -في تعليقه على أحاديثه الحمامي-: ((غريب من حديث أبان بن تغلب، وهو غريب من حديث حسان بن إبراهيم)).
هذا بالإضافة إلى ما تقدم بيانه من علل، ولكن الحديث بهذا اللفظ أشدُّ ضعفًا، والله أعلم.
رِوَايةُ: ((أَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِعَقِبِهَا)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((كَتَبَ إلَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَيْتَةِ: ((أَنْ لَا يُنْتَفَعُ بِعَقِبِهَا، وَلَا بَعَصَبِهَا، وَلَا جُلُودِهَا)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظ.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1229)].
[السند]:
قال الطبري: حدثني عمران بن بكار الكلاعي، قال: حدثنا يحيى بن صالح، قال: حدثنا علي بن سليمان الكلبي، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن عبد الله بن عكيم الجهني، مرفوعًا، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: أبو إسحاق السبيعي، وهو وإِن كان ثقة، إِلَّا أنه مدلس، واختلط بأخرة، كما في (التقريب 5065)، و (مراتب المدلسين صـ 42).
فأما التدليس، فقد عنعن في إسناده، وهو مدلس مشهور خاصة أننا لم نقف له على رواية عن ابن عكيم غير هذه فاحتمال التدليس قوي.
وأما الاختلاط، فقد روى عنه علي بن سليمان الكلبي الكوفي، ولم يذكر ممن روى عن أبي إسحاق قبل الاختلاط.
ثم إِنَّ متنه مخالف لباقي روايات هذا الحديث المشهورة التي ذكرت الإهاب ولم تذكر الجلود، ولا العقب.
410 -
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: ((نَهَى أَنْ يُنْتَفَعَ)):
◼ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنْتَفَعَ مِنَ الْمَيْتَةِ بِعَصَبٍ أَوْ إِهَابٍ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، وضعَّفه ابن عبد البر، وبدر الدين العيني.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1222) ((واللفظ له)) / ناسخ 157/ ضيا (تنقيح 1/ 105)].
[السند]:
أخرجه الطبري في (تهذيب الآثار) قال: حدثنا صالح بن مسمار المروزي، قال: حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي، قال: حدثنا عياض بن يزيد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن نباتة، قال: سمعت ابن عمر، به.
ورواه ابن شاهين في (ناسخ الحديث 157) من طريق أبي أمية الطرسوسي، وعيسى بن غيلان.
ورواه الضياء في (المختارة)، كما في (تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي).
جميعهم: عن يحيى بن صالح الوحاظي، عن عياض، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: عياض بن يزيد الكلبي، وهو مجهول؛ فقد ترجم له البخاري في (التاريخ 7/ 25)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 6/ 409)، برواية يحيى بن صالح الوحاظي عنه، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 284)، على قاعدته في توثيق
المجاهيل.
وشيخه عبد الرحمن بن نباتة؛ لم نقف له على ترجمة؛ إِلَّا مجرد ذكره في شيوخ عياض بن يزيد.
ولذا قال ابن عبد البر: ((ورُوي من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل حديث ابن عكيم وإسناده ليس بالقوي)) (التمهيد 4/ 165).
وقال العيني: ((وفي عامة إسناد حديث ابن عمر مجاهيلٌ لا يعرفون)) (عمدة القاري 21/ 133)، (البناية شرح الهداية 1/ 414).
[تنبيه]:
عزاه ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 593 - 594) لابن الجوزي في (ناسخ الحديث)، والذي في المطبوع معلق بلا إسناد.
روايةُ: ((لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وضعَّفه: ابن الملقن، وابن حجر، والشوكاني.
[التخريج]:
[فقط (أطراف 3405) / إمام (1/ 317)
(1)
/ فوائد أبي عبد الله الكيساني (تد 2/ 350)، (كنز 26787)].
[التحقيق]:
مداره عندهم على نافع، عن ابن عمر، وقد رُوِيَ عنه من طريقين:
الطريق الأول:
أخرجه أبو عبد الله الكيساني في (الفوائد) من طريق أحمد بن محمد بن شاهين.
وأخرجه ابن دقيق العيد في (الإمام) من طريق أبي العباس السراج.
كلاهما (ابن شاهين، والسراج): عن محمد بن بكار، عن عدي
(2)
بن الفضل، عن محمد بن عبد العزيز، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: عدي بن الفضل أبو حاتم التيمي البصري، وهو متروكٌ، كما قال الحافظ في (التقريب 4545).
(1)
بداية إسناد هذا المصدر في المطبوع غير موجود، وقد ذكر المحقق أنه بياض في الأصل بمقدار ثلاث كلمات، وهي بداية إسناد المصنف.
(2)
تحرف في (تاريخ قزوين) إلى: ((عبدي)).
وبه ضعف الحديث ابن الملقن، فقال:((فيه عدي بن الفضل، وهو ضعيف جدًّا، ولم يعقبها الشيخ تقي الدين -يعني: ابن دقيق- بشيء، وكأنه ترك التنصيص على ذلك لوضوحه)) (البدر المنير 1/ 594).
وبه ضعفه أيضًا ابن حجر في (التلخيص الحبير 1/ 78)، والشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 88)، و (السيل الجرار 1/ 40).
الطريق الثاني:
أخرجه الدارقطني في (الأفراد) من طريق عبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي، عن محمد بن بكار، عن محمد بن عبد العزيز، عن العلاء بن المسَيِّب، عن نافع، به.
وهذا إسنادٌ واهٍ من أجل عبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي، وهو متهم بسرقة الأخبار، ويقلب الأسانيد، كما قال ابن حبان، وابن حجر، انظر:(اللسان 4/ 456).
وقد خالف المحفوظ عن محمد بن بكار -كما تقدم-؛ بذكر عدي بن الفضل، وزاد في الإسناد العلاء بن المسَيِّب.
ولهذا قال الدارقطني: ((غريب من حديثه عن نافع؛ تفرَّد به عبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي، عن محمد بن بكار، عن محمد بن عبدالعزيز، عن العلاء)).
411 -
حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ:
◼ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ:((بَيْنَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ نَاسٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ سَفِينَةً لَنَا انْكَسَرَتْ، وَإِنَّا وَجَدْنَا نَاقَةً سَمِينَةً مَيْتَةً، فَأَرَدْنَا أَنَّ نَدْهِنَ بِهَا سَفِينَتَنَا، وَإِنَّمَا هِيَ عُودٌ هِيَ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْمَيْتَةِ، وَلَا تَنْتَفِعُوا بِالْمَيْتَةِ)).
[الحكم]:
إسناده ضعيفٌ، وضعَّفه: ابن مفوز، وابن عبد الهادي، والزيلعي، والعيني، والشوكاني.
[التخريج]:
[طاو 4 ((واللفظ له)) / موهب (بدر 1/ 595) / طح (1/ 468 - 469) / محد (3/ 102) / تطبر (مسند ابن عباس 1220، 1221) مختصرًا دون القصة/ ناسخ 158 مختصرًا دون القصة/ عد (5/ 162) / مبسوط (3/ 20 - 21) / نعا 6/ سمويه (كنز 26787)].
[التحقيق]:
انظر الكلام عليه بعد الرواية التالية.
رواية: ((بشحم الميتة)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((لَا تَنْتَفعُوا بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ، أَوْ قَالَ: بِشَيْءٍ مِنَ الْمَيْتَةِ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[تمهيد (9/ 48)].
[السند]:
أخرجه عبد الله بن وهب في (الموطأ) -ومن طريقه الطحاوي- قال: أخبرني زمعة بن صالح المكي، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله، به.
ومداره عند الجميع على زمعة بن صالح، عن أبي الزبير، عن (وعند بعضهم: سمعت) جابر بن عبد الله، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: زمعة بن صالح، ضعَّفه: أحمد، وابن معين -وفي رواية: صويلح-، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم، انظر:(تهذيب التهذيب 3/ 338 - 339)، ولذا قال الحافظ:((ضعيف)) (التقريب 2036). واعتمد الذهبي في (الكاشف 1653) تضعيف أحمد.
وبه ضعَّف الحديث: ابن عبد الهادي في (تنقيح التحقيق 1/ 107)، فقال: ((وزمعة فيه كلام، وللحديث علة ذكرها ابن مفوز وغيره
(1)
)).
(1)
كذا قال ابن عبد الهادي، ولم نقف على علة للحديث سوى الكلام في زمعة، كما ذكر ابن عبد الهادي نفسه.
وضعَّفَه بزمعة الزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 122)، وابنُ حجر في (التلخيص الحبير 1/ 78)، والعينيُّ في (نخب الأفكار 7/ 175)، والشوكانيُّ في (نيل الأوطار 1/ 88)، والألبانيُّ في (الضعيفة 118) وزاد علةً أخرى، وهي: عنعنة أبي الزبير.
قلنا: وقد صرَّح بالتحديث عند الطبري في (تهذيبه 1221)، فزالت هذه العلة.
وتساهل فيه ابن الملقن، فقال بعد أن عزاه لابن شاهين:((لا أعلم بإسناده بأسًا))، ثم قال:((وقد رواه ابن وهب في (مسنده)، عن زمعة بن صالح، عن أبي الزبير، به. وزمعة مختلف فيه)) (البدر المنير 1/ 594 - 595).
وتبعه صاحب (كنز العمال 41757) فعزاه لابن جرير، وقال:((وسنده حسن)).
[تنبيه]:
الأول: قال ابن قدامة: ((ورَوى أبو بكر الشافعي بإسناده، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ))، وإسناده حسن)) (المغني 1/ 91).
قلنا: ولم نقف على هذا الطريق، إِلَّا أَنَّ الظاهر أنه من طريق زمعة أيضًا، وإنما حسَّنه تساهلًا، للخلاف في حال زمعة، كما تقدم نحوه عن ابن الملقن.
ومثله قول ابن مفلح: ((رواه الدارقطني بإسناد جيد)) (المبدع في شرح المقنع
1/ 51).
وإن لم نقف على الحديث في (سنن الدارقطني)، ولا في غيره من كتبه المطبوعة.
وقد تبع ابنُ مفلح، الشيخَ سليمان حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في (حاشيته على المقنع)، فتعقبه الشيخ الألبانيُّ بقوله:((قلت: وهو حديث ضعيف، وفي (الصحيح) ما يعارضه، وعزوه للدراقطني وَهْمٌ لم أجد من سبقه إليه)) (تحذير الساجد صـ 32).
412 -
حَدِيثُ أُمِّ مُسْلِمٍ الْأَشْجَعِيَّةِ:
◼ عَنْ أُمِّ مُسْلِمٍ الْأَشْجَعِيَّةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهَا وَهِيَ فِي قُبَّةٍ [مِنْ أَدَمٍ]، فَقَالَ:
((مَا أَحْسَنَهَا (نِعْمَ القُبَّةُ) إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَيْتَةٌ)) قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهَا (أَشُقُّهَا).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، وضعَّفه: ابن رجب، والهيثمي، والبوصيري.
[التخريج]:
[حم 27465 ((واللفظ له)) / طب (25/ 156/ 375، 376) ((والرواية الثانية والزيادة له)) / مسد (مط 28)، (خيرة 5562) ((والرواية الأولى له)) / مث 3424/ سعد (8/ 307 - 308) / أسد (7/ 384) / صحا 7946، 8051].
[السند]:
قال أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن حبيب -يعني: ابن أبي ثابت-، عن رجل، عن أم مسلم الأشجعية، به.
ورواه الجميع -عدا رواية أبي نعيم في (الصحابة 8051) - من طريق سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن رجل، عن أم مسلم الأشجعية، به.
ورواه أبو نعيم في (الصحابة 8051) من طريق قيس بن الربيع، عن حبيب بن أبي ثابت، عن رجل من بني المصطلق، عن أم مسلم الأشجعية، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإبهام الراوي عن أم مسلم الأشجعية.
وبهذه العلة ضعَّفه ابن رجب الحنبلي في (جامع العلوم 2/ 169) فقال: ((والرجل مجهول)).
وقال البوصيري: ((هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالة بعض رواته)) (إتحاف الخيرة 5562).
وقال الهيثمي: ((رواه أحمد والطبراني
…
، وفيه رجل لم يسم)) (المجمع 1097).
413 -
حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ:
◼ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: ((لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ بِإهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وضعَّفه ابن طاهر المقدسي.
[التخريج]:
[فقط (أطراف 2/ 121)].
[السند]:
رواه الدارقطني في (الأفراد): من طريق عمرو بن ثابت، عن الحكم بن عتيبة، عن كعب بن عجرة، به.
قال (الدارقطني): ((لم يَروه هكذا غير عمرو بن ثابت، عن الحكم)).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: عمرو بن ثابت بن هرمز أبو ثابت، وهو ضعيفٌ جدًّا، تركه ابن المبارك، وقال ابن معين:((ليس بشيء))، وقال مرة:((ليس بثقة ولا مأمون))، وقال النسائي:((متروك الحديث))، وقال ابن حبان:((يروي الموضوعات))، وقال أبو داود:((رافضي))، وقال مرة:((كان رجل سوء))، وقال البخاري:((ليس بالقوي عندهم)). راجع (الجرح والتعديل 6/ 223)، (الضعفاء والمتروكون 1/ 80)، (المجروحين 2/ 76)، (سؤالات الآجري صـ 211).
وقد تفرَّد به عن الحكم -كما قال الدارقطني-، والمحفوظ عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم.
وقد نصَّ ابن طاهر المقدسي على هذا؛ فقال: ((وهذا محفوظ من حديث الحكم، عن عبد الله بن عكيم، ولعله أراده فسقط على الكاتب)) (أطراف الغرائب والأفراد 2/ 121).
ثم إِنَّ الحكم لم يسمع من كعب بن عجرة، بل ولا يدركه؛ فقد توفي كعب سنة (51)، وقيل: سنة
(52)
، وقد ولد الحكم سنة (50)، وقيل: سنة (47).
414 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ شَيْءٍ مَاتَ لَمْ يُذَكَ حَرَامٌ دَاخِلُهُ وَخَارِجُهُ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ساقطٌ.
[التخريج]:
[ناسخ 159].
[السند]:
قال (ابن شاهين): حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم الأصفهاني، عن أبيه، قال: سمعت نهشلًا، عن الضحاك، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه: نهشل، وهو ابن سعيد بن وردان الخرساني، قال الحافظ:((متروك، وكذَّبه إسحاق بن راهويه)) (التقريب 7198). وقال أبو سعيد النقاش: ((روى عن الضحاك الموضوعات)) (تهذيب التهذيب 10/ 479)، وهذا من روايته عن الضحاك.
ثم إِنَّ الضحاك لم يسمع من ابن عباس، انظر:(جامع التحصيل صـ 199).
415 -
حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
◼ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَنْتَفِعْ مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ)) فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ خَرَجْتُ فَإِذَا نَحْنُ بِسَلْخَةٍ مَطْرُوحَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ:((مَا كَانَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا؟ )) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ قَوْلُكَ بِالْأَمْسِ؟ ! فَقَالَ:((يُنْتَفَعُ مِنْهَا بِالشَّيْءِ)).
[الحكم]:
النكارة تفوح من متنه، ولم نقف له على سند.
[التخريج]:
[ذكره الشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 84) وعزاه لـ (أصول الأحكام)، و (التجريد)، من كتب الزيدية
(1)
].
[التحقيق]:
لم نقف لهذا الحديث على سند، وإنما عزاه الشوكاني للكتابين المذكورين، ولم نقف عليهما، وحري بحديث خلت منه دواوين السنة، حتى تفردت به كتب الشيعة الزيدية؛ أن يكون منكرًا أو موضوعًا، لا سيَّما
(1)
جاء في هامش نيل الأوطار (طـ. ابن الجوزي 1/ 283): (أصول الأحكام في الحلال والحرام). تأليف المتوكل أحمد بن سليمان الحسني اليمني (566) فيه ما يزيد على ثلاثة آلاف وثلاثمائة حديث في الحلال والحرام من الأحكام الفقهية، وهو مقسم على الكتب. مبدوءًا بكتاب الطهارة. له نسخ خطية بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء.
وأما كتاب (التجريد في علم الأثر). فتأليف المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني الديلمي (411)، أسند كل حديث فيه من خمس طرق، وهو فقه الهادي يحيى بن الحسين وجده القاسم الرسي.
والنكارة تفوح من متنه، حيث جمع فيه بين نقيضين:(النهي عن الانتفاع، وإباحته)، وخالف بسياقه الأحاديث الواردة كلها في الانتفاع، وكذا الأحاديث الواردة في عدم الانتفاع، والله المستعان.