المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌60 - باب إذا دبغ الإهاب فقد طهر - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٤

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌53 - بابُ تَطْهِيرِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الكَلْبِ

- ‌54 - بَابُ طَهَارَةِ طِينِ الْمَطَرِ

- ‌55 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الْإِنْسَانِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ

- ‌56 - بَابُ طَهَارَةِ البُزَاقِ وَالْمُخَاطِ وَالنُّخَامَةِ وَنَحْوِهَا

- ‌57 - بَابٌ: فِيمَا صُبِغَ بِالنَّجَاسَةِ

- ‌58 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الدَّوَابِ وَلُعَابِهَا

- ‌أبواب الْجُلُودِ

- ‌59 - بَابٌ فِي الانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ

- ‌60 - بَابُ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ

- ‌61 - بَابُ: مَا يُدبَغُ بِهِ جُلُودُ الْمَيْتَةِ

- ‌62 - بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ الْمَيْتَةِ وَصُوفِهَا وَعَظْمِهَا

- ‌63 - بَابُ التَّوَضُّؤِ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ

- ‌64 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّهْي عَنِ الانْتِفَاعِ بِشَيءٍ مِنَ الْمَيْتَةِ

- ‌65 - بابُ النَّهْيِّ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ والنُّمُورِ

- ‌66 - بَابُ طَهَارَةِ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِذَا كَانَ ذَكِيًّا

الفصل: ‌60 - باب إذا دبغ الإهاب فقد طهر

‌60 - بَابُ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ

376 -

حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:

◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ)).

[الحكم]:

صحيح (م).

[الفوائد]:

قال الترمذي -عقب الحديث-: ((والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم؛ قالوا في جلود الميتة: إذا دبغت فقد طهرت، قال الشافعي: أيما إهاب ميتة دبغ فقد طهر، إِلَّا الكلب والخنزير، واحتجَّ بهذا الحديث. وقال بعضُ أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إنهم كرهوا جلود السباع وإن دُبِغَ، وهو قول عبد الله بن المبارك، وأحمد، وإسحاق، والحميدي، وشددوا في لُبْسِهَا والصلاة فيها؛ قال إسحاق بن إبراهيم: إنما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ))، جلدُ ما يؤكل لحمه، هكذا فسره النضر بن شميل. وقال إسحاق: قال النضر بن شميل: إنما يقال الإهاب لجلد ما يؤكل لحمه)) (السنن ط. شاكر 4/ 221)

(1)

.

(1)

وجاء النصُّ في ط. التأصيل على صورة أخرى وهي: ((والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم؛ قالوا في جلود الميتة: إذا دبغت فقد طهرت، قال الشافعي: أيما إهاب دبغ فقد طهر، إلا الكلبَ والخنزيرَ، وكره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم جلودَ السباع، وشدَّدوا في لُبْسِهَا والصَّلاة فيها، قال إسحاق بن إبراهيم: إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)) إنما يعني به: جِلْدَ ما يؤكلُ لحمه، هكذا فسَّره النضر بن شميل، وقال: إنما يقال: إهابٌ لجلد ما يؤكل لحمه، وكره ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، والحميديُّ الصلاةَ في جلود السباع)) (3/ 123).

ص: 332

وقال ابن عبد البر: ((والذي عليه أكثر أهل العلم من التابعين، ومن بعدهم من أئمة الفتوى: أن جلد الميتة؛ دباغه طهور كامل له، تجوز بذلك الصلاة عليه، والوضوء، والاستقاء، والبيع، وسائر وجوه الانتفاع.

وهو قول سفيان الثوري، وأبي حنيفة، والكوفيين، وقول الأوزاعي في جماعة أهل الشام، وقول الشافعي وأصحابه، وابن المبارك، وإسحاق، وهو قول عبيد الله بن الحسن، والبصريين، وقول داود، والطبري.

وهو قول جمهور أهل المدينة، إلا أن مالكًا كان يرخص في الانتفاع بها بعد الدباغ، ولا يرى الصلاة فيها، ويكره بيعها، وشراءها.

وعلى ذلك أصحابه، إلا ابن وهب، فإنه يذهب إلى أن دباغ الإهاب طهور كامل له في الصلاة، والوضوء، والبيع، وكل شيء)) (الاستذكار 15/ 343).

[التخريج]:

[م 366 ((واللفظ له)) / د 4075/ طا 1437/ أم 32/ شف 58/ تطبر (مسند ابن عباس 1192) / منذ 840/ طح (1/ 469/ 2701) / مشكل 3244/ قط 114/ مسن 805/ بشن 489/ بغ 303/ بغز 150/ هق 67/ هقع 533/ هقخ 52، 53/ عط (حاكم 74) / كر (34/ 207

ص: 333

- 209) / مطغ 357/ إمام (1/ 303) / ذهبي (1/ 261)].

[السند]:

قال مسلم (366/ 105): حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم أن عبد الرحمن بن وعلة أخبره، عن عبد الله بن عباس، به.

وتابع سليمان بن بلال، مالك بن أنس، وعبد العزيز الدراوردي:

فأخرجه مالك في (الموطأ) -وعنه الشافعي في (المسند) -: عن زيد بن أسلم، به، مثله.

وأخرجه الدارقطني في (السنن 114) من طريق ابن أبي مذعور، وأخرجه أبو نعيم في (المستخرج 805) من طريق قتيبة بن سعيد، كلاهما: عن عبد العزيز الدراوردي، عن زيد بن أسلم، به.

[تنبيهان]:

الأول: قال ابن عبد الهادي: ((زعم بعضهم أن حديث ابن وعلة متفقٌ عليه، وليس كذلك، بل انفرد بإخراجه مسلم)) (تنقيح التحقيق 1/ 109).

الثاني: غمز الإمام أحمد في هذا الحديث لأجل عبد الرحمن بن وعلة؛ حيث ذكر له حديث ابن وعلة هذا، فقال:((ومن ابن وعلة؟ )) (الميزان 2/ 596)، و (البدر المنير 1/ 586). فكأنه لم يعرفه، وهذا لا يضر؛ فعبد الرحمن بن وعلة؛ احتجَّ به مسلم، ووثقه ابن معين، والنسائي، والعجلي، ويعقوب بن سفيان، كما في (تهذيب التهذيب 6/ 293 - 294)، وذكره ابن حبان في (الثقات 5/ 105)، وقال في (مشاهير علماء الأمصار 937): ((من ثقات أهل مصر ممن صحب ابن عباس زمانًا وكان

ص: 334

متقنًا يتعبد)). وهذا من توثيق ابن حبان المقبول الذي لا مغمز فيه.

قال ابن الملقن: ((هذا وقد ذكر الحافظ أبو سعيد بن يونس في (تاريخ مصر): أنه كان شريفًا بمصر في أيامه، وله وفادة على معاوية، وصار إلى إفريقية، وبها مسجده، ومواليه، وهذه شهرة شهيرة، على رواية الجماعة عنه، مع تخريج مالك لحديثه في (الموطأ))) (البدر المنير 1/ 585).

وقال أبو حاتم: ((شيخ)) (الجرح والتعديل 5/ 296)، فكون أحمد لم يعرفه لا يضره مع توثيق هؤلاء الأئمة له، ولذا اعتمد الذهبي في (الكاشف 3339) توثيق ابن معين، والنسائي له، فليس في كلام أحمد ما يدلُّ على تضعيفه له، لا جَرَمَ أن قال ابن دقيق العيد:((وليس يُعْلَمُ في ابنِ وَعْلَةَ مَطْعَن)) (البدر المنير 1/ 585).

فقول الحافظ في (التهذيب): ((وذكره أحمد فضعَّفه في حديث الدباغ))، فيه نظر ظاهر، وكذا قوله في (التقريب 4039):((صدوق))! .

* وأعله الأثرم بالاضطراب، حيث إِنَّ ابن وعلة رواه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مصرحًا بالسماع منه، ورواه عبيد الله بن عبد الله عنه، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عكرمة عنه، عن سودة، كما تقدم.

قال الأثرم: ((فهذا حديث ابن عباس قد اضطربوا فيه: مرة يجعلونه سماعًا لابن عباس من النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة عن ميمونة، ومرة عن سودة، فاضطرب الحديث لاختلافه)) (الإمام لابن دقيق العيد 1/ 301).

وقد تقدم في حديث ميمونة دفع هذه العلة، وأن هذا الخلاف لا يضر، وأن كل هذه الوجوه محفوظة عن ابن عباس، ولا تعارض بينها، كما ذهب إلى ذلك البخاري، وابن المنذر، وغيرهما، لا سيَّما ومتونها متغايرة، مما يدل على أنها ثلاثة أحاديث وليست حديثًا واحدًا.

ص: 335

رواية: ((دِبَاغُهُ طَهُورُهُ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ وَعْلَةَ السَّبَئِيِّ فَرْوًا، فَمَسِسْتُهُ، فَقَالَ: مَا لَكَ تَمَسُّهُ؟ قَدْ سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ: إِنَّا نَكُونُ (نَغْزُو) 1 بِالْمَغْرِبِ، وَمَعَنَا الْبَرْبَرُ وَالْمَجُوسُ (وَإِنَّهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ) 2، نُؤْتَى بِالْكَبْشِ قَدْ ذَبَحُوهُ، وَنَحْنُ لا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَأْتُونَا بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ [الَّلبَنَ وَ] 1 [الْمَاءَ وَ] 2 الْوَدَكَ، [فَقَالَ [ابْنُ عَبَّاسٍ] 4: اشْرَبْ، فَقُلْتُ: أَرَأْيٌ تَرَاهُ؟] 3 [أَوْ شَيءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟] 5 فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَدْ سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ:((دِبَاغُهُ طَهُورُهُ)).

[الحكم]:

صحيح (م)، عدا الروايات، والزيادة الأولى، والرابعة، والخامسة، وهي صحيحةٌ.

[الفوائد]:

قال النووي: ((وفي حديث ابن وعلة عن ابن عباس دلالة لمذهب الأكثرين أنه -يعني: جلد الميتة- يطهر ظاهره وباطنه، فيجوز استعماله في المائعات، فإن جلود ما ذكَّاه المجوس نجسة، وقد نصَّ على طهارتها بالدباغ، واستعمالها في الماء والودك)) (شرح مسلم 4/ 54).

[التخريج]:

(366/ 106)((واللفظ له)(366/ 107)((والزيادة الثانية والثالثة له)) / ن 4280 ((والزيادة الأولى، والرابعة، والخامسة، والرواية الأولى والثانية له ولغيره)) / كن 4764/ مي 2011 ((مختصرًا))، 2601 ((مطولًا)) / عه 633، 634/ طب (12/ 234 - 235/ 12978،

ص: 336

12979) / طس 3203/ تطبر (مسند ابن عباس 1195 - 1197) / منذ 841/ طح (1/ 470) / مشكل 3246/ مسن 807، 808/ حداد 385، 386/ هقغ 210/ هق 53، 85، 4191/ سراج (نخب 7/ 183) / تمهيد (4/ 174) / كما (22/ 25) / دمياط (السابع 1)].

[السند]:

قال مسلم: حدثني إسحاق بن منصور، وأبو بكر بن إسحاق -قال أبو بكر: حدثنا، وقال ابن منصور: أخبرنا- عمرو بن الربيع، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدَّثه قال: رأيت على ابن وعلة السبئي فروًا فمسسته

الحديث.

ثم قال مسلم أيضًا: وحدثني إسحاق بن منصور، وأبو بكر بن إسحاق، عن عمرو بن الربيع، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن جعفر بن ربيعة، عن أبي الخير حدثه قال: حدثني ابن وعلة السبئي، قال: سألت عبد الله بن عباس

فذكره بنحوه.

ورواه النسائي، والطحاوي: عن الربيع بن سليمان بن داود، عن إسحاق بن بكر بن مضر قال: حدثني أبي، عن جعفر بن ربيعة، به.

ورواه أحمد: عن بهز، وعفان، عن حماد بن سلمة، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة، بنحوه.

ورواه الدارمي: من طريق القعقاع بن حكيم، عن عبد الرحمن بن وعلة، به.

تحقيق الروايات والزيادات:

أما الزيادة الأولى، والرابعة، والخامسة، والرواية الأولى: فأخرجها النسائي في

ص: 337

(المجتبى 4280)، وفي (السنن الكبرى 4764)، والطحاوي في (المشكل 3246) عن الربيع بن سليمان بن داود، عن إسحاق بن بكر بن مضر، عن أبيه، عن جعفر بن ربيعة، عن أبي الخير، عن ابن وعلة، عن ابن عباس، به.

وهذا إسنادٌ رجاله كلهم ثقات، فالربيع بن سليمان هو الجيزي المصري:((ثقة)(التقريب 1893).

وإسحاق بن بكر بن مضر: وثقه ابن يونس، وابن حبان، وقال أبو حاتم:((لا بأس به)(تهذيب التهذيب 1/ 228)، وكذا وثقه الخليلي (الإرشاد 1/ 223)، والذهبي في (الكاشف 288).

وأبوه بكر بن مضر: ثقةٌ ثبت من رجال الشيخين (التقريب 751).

وجعفر بن ربيعة، هو أبو شرحبيل المصري: ثقةٌ من رجال الشيخين (التقريب 938).

وأبو الخير: هو مرثد بن عبد الله اليزني: عالم الديار المصرية، ومفتيها، ثقة من رجال الشيخين (التقريب 6547) وانظر:(السير 4/ 284).

وابن وعلة تقدمت ترجمته وأنه ثقة.

ص: 338

روايةُ: ((وَأَكْثَرُ أَسْقِيَتِهِمْ جُلُودُ الْمَيْتَةِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٌ: ((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: إِنَّا نَغْزُو هَذَا الْمَغْرِبَ، وَأَكْثَرُ أَسْقِيَتِهِمْ جُلُودُ الْمَيْتَةِ؟ قَالَ: فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: ((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)).

[الحكم]:

إسناده صحيحٌ.

[التخريج]:

[حم 2522، 2538 ((واللفظ له)) / عف (خلال 232) / جش 14].

[السند]:

أخرجه أحمد في (المسند 2522، 2538) عن عفان بن مسلم، وبهز بن أسد -فرَّقهما-: عن حماد بن سلمة، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ رجاله كلهم ثقات.

ص: 339

روايةُ: ((أَيُّمَا إِهَابٍ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)).

[الحكم]:

صحيحٌ، وهو عند مسلم ولكن لم يذكر متنه، وصححه الترمذي، والطحاوي، وابن عبد البر، والبغوي، وأبو العباس القرطبي، والنووي، وابن الملقن، وابن حجر، والألباني.

[الفوائد]:

قال ابن عبد البر: ((وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ))؛ فإنه يقتضي عمومه جميع الأهب، وهي الجلود كلها، لأَنَّ اللفظ جاء في ذلك مجيء عموم لم يخص شيئًا منها. وهذا أيضًا موضع اختلاف وتنازع بين العلماء: فأما مالك وأكثر أصحابه فالمشهور من مذهبهم أن جلد الخنزير لا يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ))؛ لأنه محرم العين حيًّا وميتًا، جلده مثل لحمه لا يعمل فيه الدباغ، كما لا تعمل في لحمه الذكاة، ولهم في هذا الأصل اضطراب)) (التمهيد 4/ 176).

ثم ذكر عن سحنون جواز الانتفاع بلحم الخنزير، وقال:((قول سحنون هذا هو قول محمد بن عبد الحكم، وقول داود بن علي وأصحابه، وحجتهم ((ما حدثناه .... عن عبد الرحمن بن وعلة أنه قال لابن عباس: إِنَّا قَوْمٌ نَغْزُو أَرْضَ الْمَغْرِبَ، وَإِنَّمَا أَسْقِيَتُنَا جُلُودَ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((أَيُّمَا مَسْكٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)). حملوه على العموم في كل جلد، قال أبو عمر: يحتمل أن يكون أراد بهذا القول عموم الجلود المعهود الانتفاع بها، وأما جلد الخنزير فلم يدخل في هذا المعنى؛ لأنه لم يدخل في السؤال؛ لأنه غير معهود الانتفاع بجلده إذ لا تعمل الذكاة فيه.

ص: 340

وإنما دخل في هذا العموم -والله أعلم- من الجلود: ما لو ذكي لاستغني عن الدباغ. يحتمل أن يكون جلد الخنزير غير داخل في عموم هذا الخبر؛ لأنه إنما حرم على عموم المسوك كالتي إذا ذكيت استغنت عن الدباغ، وأما جلد الخنزير فالذكاة فيه والميتة سواء؛ لأنه لا تعمل فيه الذكاة)) (التمهيد 4/ 178).

[التخريج]:

[م 366 ((ولم يسق متنه)) / ت 1826/ ن 4279/ كن 4763/ جه 3634/ حم 1895 ((واللفظ له))، 2435، 3198/ مي 2010/ حب 1282، 1283/ عه 631، 631، 632/ عب 190/ ش 25266/ عل 2385/ حمد 492/ طس 7289/ طص 668/ شف 57/ أم 31/ غحر (3/ 1139) ((والرواية له)) / منذ 839/ مشكل 3243/ طح (1/ 469/ 2699) / مسن 804، 806/ أقران 252/ سمرقندي (فوائد 17) / جا 61، 874/ تطبر (مسند ابن عباس 1191، 1193، 1194) / هق 49/ هقع 532، 5035/ هقغ 209/ سعدان 74/ فة (2/ 484)، (2/ 530) / حل (10/ 218) / خط (2/ 294)، (10/ 337) / أصبهان (2/ 209) / تمهيد (4/ 175) / تحقيق 72، 73/ محلى (1/ 118 - 119) / تمام 1763/ بغ 303/ شخل (3/ 865) / كما (17/ 479) / عد (3/ 91) / حنف (حارثي 411) / خبر (1/ 491)].

[السند]:

أخرجه أحمد (1895)، والشافعي في (الأم 31)، و (المسند 57)، وابن أبي شيبة في (المصنف 25266) -وعنه مسلم في (الصحيح) مقرونًا بعمرو الناقد-، والحميدي في (مسنده 492) أربعتهم: عن سفيان بن

ص: 341

عيينة، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس، به. ولم يذكر مسلم متنه.

وأخرجه الترمذي: عن قتيبة، عن ابن عيينة -وقرنه بعبد العزيز بن محمد الدراوردي

(1)

-: عن زيد بن أسلم، به.

وأخرجه النسائي (4279) عن قتيبة، وعلي بن حجر، عن سفيان بن عيينة، به.

وكذا رواه غير واحد عن ابن عيينة، وقد تابعه على هذا اللفظ: سفيان الثوري؛

قال مسلم أيضًا: وحدثنا أبو كريب، وإسحاق بن إبراهيم، جميعًا: عن وكيع، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، به. ولكنه لم يذكر متنه.

وقد أخرجه إسحاق في (مسنده) -كما في (موافقة الخبر 1/ 492) -ومن طريقه أبو نعيم في (المستخرج 806) -: عن وكيع به بهذا اللفظ.

وأخرجه أبو نعيم في (المستخرج 806) أيضًا من طريق أبي كريب، عن وكيع به بهذا اللفظ.

وكذا أخرجه عبد الرزاق (190) -وعنه أحمد (2435) -: عن الثوري، عن زيد بن أسلم قال: حدثني عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس، قال: قُلْتُ لَهُ: إِنَّا نَغْزُو أَهْلَ الْمَشْرِقِ فَنُؤْتَى بِالأُهُبِ بِالأَسْقِيَةِ، قَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَد طَهُرَ)).

وأخرجه أحمد (3198): عن ابن مهدي.

(1)

ولكن لفظ الدراوردي كلفظ الرواية الأولى، كذا رواه الدارقطني في (السنن 114)، وأبو نعيم في (المستخرج 805) من طريقه به بلفظ:((إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ)).

ص: 342

والدارمي (2010): عن محمد بن يوسف (الفريابي).

وأبو عوانة في (مستخرجه 561) من طريق الفريابي، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وعبيد الله بن موسى.

وكذا، رواه أبو نعيم في (المستخرج على مسلم 806) من طريق أبي نعيم.

كلهم: عن الثوري، عن زيد بن أسلم، عن ابن وعلة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيحين، عدا ابن وعلة فمن رجال مسلم وهو ثقة، كما تقدم.

ولذا قال الترمذي -عقبه-: ((حديث ابن عباس حسن صحيحٌ، وقد رُوِيَ من غير وجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا)).

وصححه أيضًا الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 469)، وابن عبد البر في (التمهيد 4/ 168)، والبغوي في (شرح السنة 2/ 97)، وأبو العباس القرطبي في (المفهم 4/ 463)، والنووي في (المجموع 1/ 217)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 584)، وابن حجر في (موافقة الخبر 1/ 491)، والألباني في (غاية المرام 28).

وكذا رواه إبراهيم الحربي في (غريب الحديث 3/ 1139) عن مسدد، عن يحيى القطان، عن مالك، عن زيد بن أسلم، به بهذا اللفظ.

وقد تابع زيد بن أسلم على هذا اللفظ، يحيى بن سعيد الأنصاري.

أخرجه أبو عوانة في (مستخرجه 635) قال: ((حدثنا أحمد بن عثمان

ص: 343

الأودي، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا جعفر بن زياد، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِه المُسُوكِ المَيْتَةِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَد طَهُرَ)).

وهذا إسنادٌ حسنٌ، فرجاله كلهم ثقات، عدا جعفر بن زياد الأحمر فـ ((صدوق))، كما في (التقريب 940).

وأبو غسان هو مالك بن إسماعيل: ((ثقة متقن)) من رجال الشيخين (التقريب 6424).

[تنبيه]:

تقدم أن مسلمًا رحمه الله لم يصرح بلفظ هذه الرواية في (صحيحه)، وإنما اكتفى بذكر سندها مع الإشارة إليها، وقد عزاه بعضهم بهذا اللفظ لمسلم، كالبيهقي في (الكبرى 49)، وابن الجوزي في (التحقيق 72)، والمزي في (تحفة الأشراف 5822).

وقد انتقد ذلك الزيلعي فقال: ((واعلم أن كثيرًا من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين عزوا هذا الحديث في كتبهم إلى مسلم، وهو وَهْمٌ، وممن فعل ذلك البيهقي في (سننه)، وإنما رواه مسلم بلفظ:((إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ))، واعتذر عنه الشيخ تقي الدين في (كتاب الإمام) فقال: والبيهقي وقع له مِثْلٌ في (كتابه) كثيرًا، ويريد به أصل الحديث، لا كل لفظة منه، قال: وذلك عندنا معيب جدًّا إذا قصد الاحتجاج بلفظة معينة، لأَنَّ فيه إيهام أن اللفظ المذكور أخرجه مسلم، مع أن المحدثين أعذر في هذا من الفقهاء؛ لأَنَّ مقصود المحدثين الإسناد ومعرفة المخرج، وعلى هذا الأسلوب ألفوا كتب الأطراف، فأما الفقيه الذي يختلف نظره باختلاف اللفظ فلا ينبغي له أن

ص: 344

يحتج بأحد المخرجين، إِلَّا إذا كانت اللفظة فيه)) (نصب الراية 1/ 114).

وقال الحافظ في (النكت الظراف 5/ 53) -متعقبًا المزي-: ((قلت: لفظه -يعني: مسلمًا-: ((إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ)) ساقه عن سليمان الذي صدَّر به المزي، وأحال بقية الطرق عليه، مع أن لفظ أكثرهم:((أَيُّمَا إِهَابٍ))، كما في رواية أصحاب السنن)).

وقد أخرجه الحافظ بهذا اللفظ في (موافقة الخبر الخبر)، ثم قال:((هذا حديثٌ صحيحٌ؛ أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، فوافقناه فيه بعلو، ولكن لم يسق مسلم لفظه، فإنه أورده أولًا من رواية سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم، بلفظ: ((إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ))، ثم ساقه من رواية عبد العزيز بن محمد، ومن رواية سفيان بن عيينة، ومن رواية غيرهما، كلهم عن زيد بن أسلم، قال بمثله. ورواية عبد العزيز بن محمد أخرجها الترمذي عن قتيبة عنه، بلفظ:((أَيُّمَا))، وأخرجه مسلم أيضًا عن إسحاق بن إبراهيم، وأبي كُريب، كلاهما: عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، كذلك.

والحديث المذكور في مسند إسحاق، بلفظ:((أَيُّمَا)) أيضًا، ولهذا الحديث نظائر في (كتاب مسلم)، يسوق الحديث على لفظ، ثم يورده من روايات أخرى مُحيلًا على الأول، وإنما كان بينهما تفاوت في اللفظ، وفي المعنى أيضًا، والله أعلم)) (موافقة الخبر 1/ 491 - 492).

وقال في (الفتح): ((أخرج مسلم من حديث ابن عباس رفعه: ((إِذَا دُبِغَ الإهَابُ فَقَدْ طَهُرَ))، ولفظ الشافعي، والترمذي، وغيرهما، من هذا الوجه:((إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ))، وأخرج مسلم إسنادها ولم يسق لفظها، فأخرجه أبو نعيم في (المستخرج) من هذا الوجه باللفظ المذكور)) (فتح الباري 9/

ص: 345

658).

وقال الألباني: ((وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه لكنه لم يسق لفظه

)) (غاية المرام 28).

روايةُ: ((أَيُّمَا مَسْكٍ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّا نَغْزُو أَرْضَ الْمَغْرِبِ، وَإِنَّمَا أَسْقِيَتُنَا جُلُودُ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((أَيُّمَا مَسْكٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ.

[اللغة]:

المسك: هو الجلد، كما تقدم.

[التخريج]:

[مشكل 3245 ((واللفظ له)) / طح (1/ 470/ 2701) / تمهيد (4/ 178)].

[السند]:

أخرجه الطحاوي في (كتابيه)، قال: حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة، به.

من طريق أبي غسان، عن زيد بن أسلم، به.

ص: 346

وأخرجه ابن عبد البر في (التمهيد 4/ 178) من طريق إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، قال: حدثنا زيد بن أسلم، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين غير ابن وعلة؛ فمن رجال مسلم، وهو ثقة، كما تقدم، وشيخ الطحاوي -وهو الربيع بن سليمان الجيزي-؛ فمن رجال أبي داود، والنسائي، وهو ثقة (التقريب 1893)، وهو متابع.

والمتن يشهد له ما تقدم، فهو بمعناه.

روايةُ: ((كُلُّ إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهَرَ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّا نَغْزُو الْمَشْرِقَ فَنُؤْتَى بِأَسْقِيَةٍ لا نَدْرِي مَا هِيَ، قَالَ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((كُلُّ إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهَرَ)).

[الحكم]:

صحيحٌ.

[التخريج]:

[طي 2884/ نبلا (7/ 328)].

[السند]:

أخرجه أبو داود الطيالسي في (مسنده)، قال: حدثنا حماد بن سلمة،

ص: 347

وخارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة، به.

وأخرجه الذهبي في (سير أعلام النبلاء)، من طريق يحيى بن يحيى، عن خارجة، عن زيد بن أسلم، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ، عدا خارجة بن مصعب فمتروك، ولكنه مُتابع بحماد بن سلمة. ويشهد لهذه الرواية الروايات السابقة، فهي بنفس المعنى.

رِوَايةُ: ((دِبَاغِ كُلِّ إِهَابٍ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((دِبَاغُ كُلِّ إِهَابٍ طَهُورُهُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن بما سبق، وإسنادُهُ حسنٌ في المتابعات.

[التخريج]:

[قط 113/ ناسخ 162/ تحقيق (1/ 87) / كر (34/ 209)].

[السند]:

أخرجه الدارقطني في (السنن) -وعنه ابن الجوزي-، وأخرجه ابن شاهين في (ناسخ الحديث)، كلاهما: عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، نا محمد بن بكار، نا فليح بن سليمان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة المصري، عن ابن عباس، به.

ص: 348

وأخرجه ابن عساكر في (تاريخه)، من طريق أبي الحسن ابن الجندي، عن أبي القاسم البغوي، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، عدا فليح بن سليمان، فمختلف فيه، لخصه الحافظ بقوله:((صدوقٌ كثير الخطأ)) (التقريب 5443).

ويشهد لحديثه الروايات السابقة.

ص: 349

رِوَايةُ: ((دِبَاغُهُا طَهُورُهَا)):

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرًا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ؟ فَقَالَ: ((دِبَاغُهُا طَهُورُهَا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن كما تقدم، وإسناده منكرٌ.

[التخريج]:

[كر (34/ 33)].

[السند]:

قال ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسين بن أبي الحديد، أنا جدي أبو عبد الله، أنا أبو المعمر المسدد بن علي بن عبيد الله بن أبي السجيس الحمصي، نا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف الربعي البندار بدمشق، أنا أبو بكر محمد بن تمام قراءة عليه، نا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي، نا الوليد بن مسلم، نا أخي عبد الجبار بن مسلم، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ منكرٌ؛ فيه: محمد بن تمام، وهو البهراني، قال ابن منده:((حدَّث عن محمد بن آدم المصيصى بمناكير)) (ميزان الاعتدال 3/ 494).

قلنا: وهذا منها، فالمحفوظ في هذا الحديث عن محمد بن آدم وغيره، عن الوليد بن مسلم، عن أخيه عبد الجبار بن مسلم، به، عن ابن عباس قال: ((إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ الْمَيْتَةِ لَحْمُهَا

)).

ولذا قال ابن عساكر: ((كذا رواه ابن تمام وهو غير محفوظ، والمحفوظ ما

ص: 350

أخبرنا أبو طالب علي بن عبد الرحمن

)) وساق بسنده عن الوليد بن مسلم، عن أخيه، به، عن ابن عباس قال:((إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ الْمَيْتَةِ لَحْمُهَا فَأَمَّا الْجِلْدُ وَالْعَظْمُ وَالشَّعْرُ فَلَا بَأْسَ بِهِ)))) (تاريخ دمشق 34/ 34).

قلنا: وهذا ضعيفٌ أيضًا، وإِن كان هو المحفوظ عن الوليد؛ لضعف عبد الجبار بن مسلم، وسيأتي الكلام عليه في باب:((ما جاء في شعر الميتة وصوفها وعظمها)).

روايةُ: ((ذَكَاةُ كُلِّ مَسْكٍ دِبَاغُهُ))، وَفِيهَا زِيَادَاتٌ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: قُلتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: الْفِرَاءُ تُصْنَعُ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((ذَكَاةُ كُلِّ مَسْكٍ دِبَاغُهُ)) [فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّا نُسَافِرُ مَعَ هَذِهِ الْأَعَاجِمِ وَمَعَهُمْ قُدُورٌ يَطْبُخُونَ فِيهَا الْمَيْتَةَ، وَلَحْمَ الْخَنَازِيرِ، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْ فَخَّارٍ فَاغْلُوا فِيهَا الْمَاءَ، ثُمَّ اغْسِلُوهَا، وَمَا كَانَ مِنَ النُّحَاسِ فَاغْسِلُوهُ، فَالْمَاءُ طَهُورٌ لِكُلِّ شَيْءٍ].

[الحكم]:

ضعيفٌ جدًّا بهذا السياق، وضعَّفه الحافظ عبد الغني بن سعيد، وابن حجر.

[التخريج]:

[ك 7349 ((والزيادة له)) / ضح (2/ 358) ((واللفظ له)) / لا 567].

[السند]:

أخرجه الحاكم في (المستدرك)، قال: أخبرني محمد بن المؤمل بن

ص: 351

الحسن، ثنا الفضل بن محمد الشعراني، ثنا نعيم بن حماد، ثنا أبو أسامةَ، حدثنا حماد بن السائب، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن الحارث، قال: سمعت ابن عباس

فذكره.

ومداره عندهم على حماد بن السائب، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: حماد بن السائب، وهو محمد بن السائب الكلبي، كان أبو أسامة يسميه حمادًا، كما قال الدارقطني، وقد رواه عيسى بن يونس عن الكلبي -مصرحًا به غير مخفيه- عن إسحاق، به. كما سيأتي.

والكلبي هذا ((متهم بالكذب، ورمي بالرفض)) (التقريب 5901)، فهو علة الحديث.

ولم يفطن لذلك الحاكم فقال: ((هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه))! .

وتعقبه الحافظ ابن حجر، فقال:((بل حماد بن السائب -هو ابن الكلبي- كذَّبوه وتركوه، وكان أبو أسامة يدلسه)) (إتحاف المهرة 7/ 10).

وكذلك وَهِمَ فيه الحافظ حمزة بن محمد الكناني؛ قال الحافظ عبد الغني بن سعيد: ((قال لنا حمزة بن محمد لما أملى علينا هذا الحديث: لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث عن حماد بن السائب غير أبي أسامة، وحماد هذا ثقة كوفي)) (موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 358)، وانظر:(فتح المغيث 3/ 209).

قال الحافظ عبد الغني: ((ثم قدم علينا أبو الحسن علي بن عمر -يعني:

ص: 352

الدارقطني- بعد ذلك بسنين، فسألته عن هذا الحديث وعن هذا الرجل حماد بن السائب، فقال لي: الذي روى عنه أبو أسامة هو محمد بن السائب الكلبي إِلَّا أَنَّ أبا أسامة كان يسميه حمادًا)) اهـ.

قال عبد الغني: ((فتبين لي أن حمزة قد وَهِمَ من وجهين: أحدهما: أن جعل الرجلين واحدًا، والآخر: أن وَثَّقَ من ليس بثقة؛ لأَنَّ الكلبي عند العلماء غير ثقة)).

قال عبد الغني: ((ثم إني نظرت في كتاب (الكنى) لأبي عبد الرحمن النسوي، فوجدته قد وَهِمَ فيه، وهما أقبح من وَهْمِ حمزة بن محمد؛ رأيته قد أخرج هذا الحديث عن أحمد بن علي، عن أبي معمر، عن أبي أسامة حماد بن السائب، وإنما هو عن حماد بن السائب، فأسقط قوله:(عن)، وخفي عليه أن الصواب: عن أبي أسامة حماد بن أسامة، وأن حماد بن السائب هو الكلبي، والدليل على صحة قول شيخنا أبي الحسن علي بن عمر: أن عيسى بن يونس رواه عن الكلبي مصرحًا به غير مخفيه عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، قال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنِ الفِرَاءِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((دِبَاغُ كُلِّ أَدِيمٍ ذَكَاتُهُ)) (موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 358 - 359)، وانظر:(الإمام 1/ 308 - 309).

قلنا: وهذا الوَهْمُ الذي نسبه الحافظ عبد الغني لأبي عبد الرحمن النسائي؛ قد وقع فيه تلميذ النسائي أبو بشر الدولابي، فذكر في كتابه (الكنى والأسماء 1/ 320) ممن كنيته أبو أسامة:((أبو أسامة حماد بن السائب))، وقال: ((يُحَدِّثُ عنه أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي، ثم ذكر له هذا الحديث، فلعله أخذه عن شيخه رحمه الله، والله أعلم.

ص: 353

[تنبيه]:

لحديث ابن عباس روايات أخرى فيها ذكر الانتفاع بجلود الميتة، وأن دباغها طهورها، سبق تخريجها وتحقيقها في باب ((الانتفاع بجلود الميتة))، فانظرها هناك، وانظر الحديث التالي:

ص: 354

377 -

حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ((دِبَاغَهُ يُذْهِبُ خَبَثَهُ):

◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ سِقَاءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مَيْتَةٌ، -[أَوْ لَيْسَتْ بِذَكِيَّةٍ]-؛ فَقَالَ:(([إِنَّ] دِبَاغَهُ يُذْهِبُ خَبَثَهُ، أَوْ رِجْسَهُ، أَوْ نَجَسَهُ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ بهذا اللفظ، كما قال الألباني، ومعناه صحيحٌ، يشهد له الأحاديث السابقة، وقد صححه: ابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي.

[التخريج]:

[حم 2117 ((والزيادة الثانية له))، 2878 ((واللفظ له)) / خز 114/ ك 574/ جعفر 244/ تطبر (مسند ابن عباس 1188 ((والزيادة الأولى له))، 1189، 1190) / ناسخ 163/ حاكم (معرفة 1/ 162) / حل (5/ 99) / أصبهان (2/ 179) / هق 50، 535/ تمهيد (4/ 161) / فر (ملتقطة 2/ ق 77)].

[السند]:

رواه أحمد (2878) قال: حدثنا يحيى بن آدم.

ورواه أحمد أيضًا (2117): عن يزيد بن هارون.

ورواه الطبري في (تهذيب الآثار 1188): عن أبي كريب، عن وكيع.

ثلاثتهم: عن مسعر، عن عمرو بن مُرَّة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أخيه، عن ابن عباس، به.

ومداره عندهم على مسعر بن كدام، به، كذلك

(1)

.

(1)

إلا أنه تحرف قوله (عن أخيه) إلى (عن أبيه)، في طبعة (التمهيد) المغربية، وجاء على الصواب في طبعة دار هجر ضمن (موسوعة شروح الموطأ 13/ 268).

ص: 355

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإبهام أخي سالم بن أبي الجعد، وقد قال الحافظ:((سالم بن أبي الجعد عن أخيه؛ له خمسة إخوة: عبد الله، وعبيد، وزياد، وعمران، ومسلم)) (التقريب صـ 732).

ولا ندري أيهم المراد، فلم يُسَّمَ في أيٍّ من طرق الحديث، ثم إنهم جميعًا لم يوثقهم معتبر، وإنما ذكر بعضهم ابن حبان في (الثقات).

وقد قال الحاكم عقبه: ((عبد الله بن عباس هاشمي، وعبيد الله بن أبي الجعد وأخوه سالم غطفانيان، وعمرو بن مرة جهني،

)) (معرفة علوم الحديث صـ 162).

كذا أثبته محقق كتاب المعرفة في الأصل (عبيد الله)، وذكر أنه في ثلاث نسخ:(عبيد بن أبي الجعد)، ولعل الأخير هذا الأصوب، فهو المنصوص عليه في إخوة سالم، نصَّ عليه الإمام أحمد في (العلل - رواية عبد الله 405)، وترجم له المزي في (تهذيب الكمال 19/ 195). أما عبيد الله، فلم نجد من ذكره أو ترجم له.

وقال البيهقي عقبه: ((هذا إسنادٌ صحيحٌ، وسألت أحمد بن علي الأصبهاني عن أخي سالم هذا؛ فقال اسمه عبد الله بن أبي الجعد)) (السنن الكبرى عقب رقم 50).

قلنا: وهذا كلُّه ظنٌّ محضٌ، لا دليل على هذا ولا ذاك، وتصحيح الأحاديث بالظن والاحتمال لا يجوز، وقد سبق البيهقيَّ بتصحيح الحديث: ابنُ خزيمة؛ حيث أخرجه في (صحيحه).

ص: 356

وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيحٌ، ولا أعرف له علة، ولم يخرجاه)).

قلنا: كذا قال، وعلته ظاهره وهي إبهام أخي سالم، فهو مجهولٌ لا يعرف.

وقد ضعَّفه الألباني فقال: ((ضعيف بهذا اللفظ))، ثم ذكر كلام البيهقي الذي فيه عبد الله بن أبي الجعد، فقال متعقبًا:((لم يوثقه غير ابن حبان، وقال ابن القطان: مجهول الحال، وقال الذهبي في (الميزان): وعبد الله هذا وإن كان قد وُثِّقَ ففيه جهالة))، ثم تعقب الذهبي في موافقة الحاكم على تصحيحه في (تلخيص المستدرك)(غاية المرام صـ 34 - 35).

قلنا: وكلامه في عبد الله موفق، وهو على فرض صحة أن المراد هنا هو عبد الله، وأما تعقبه للذهبي، فلا نوافقه عليه، فالذهبي يلخص كتاب الحاكم وحسب، فربما نشط وتعقبه، وربما لخص كلامه -كما هو- وسكت، وهذا دأب الذهبي في كل الكتب التي لخصها، كـ (المهذب في اختصار السنن الكبير للبيهقي) و (تلخيص العلل المتناهية) وغير ذلك.

والقاعدة: أنه لا ينسب لساكت قول، إلا إذا نقله في معرض الاحتجاج، أو نصَّ هو نصًّا صريحًا، أنه إذا نقل كلام فلان أو فلان من العلماء وسكت عنه، فأنا مقرٌ له، كما نصَّ ابن الملقن في (مقدمة البدر المنير) على ذلك مع الحاكم؛ حيث قال:((واعلم أيُّها الناظر في هذا الكتاب إذا رأيتَنَا نقلنا عن الحاكم تصحيحًا لحديث، وسكتنا عليه، فشُدَّ على ذلك يديك، فإنا سبرنا إسناده، ويكون الأمر كما قاله. وما لم يكن كذلك، فإنا نشفعه بالاعتراض عليه -إن شاء الله تعالى-)) (البدر المنير 1/ 316) ـ.

ص: 357

[تنبيه]:

روى الطبري هذا الحديث في (تهذيب الآثار 1190) عن سفيان بن وكيع، عن جرير، عن مسعر، عن عمرو، عن سالم، عن ابن عباس، به.

فجعله من حديث سالم عن ابن عباس، ولم يذكر فيه:(عن أخيه)، وهذا إِنْ لم يكن سقطًا في المطبوع، فهو وَهْمٌ من سفيان بن وكيع، والكلام فيه معروف، وقد رواه الثقات عن مسعر وقالوا فيه: عن (سالم عن أخيه) كما سبق.

ص: 358

378 -

حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:

◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)).

[الحكم]:

صحيح المتن بما سبق، وإسنادُهُ مُختلَفٌ فيه: فحسَّنه الدارقطني -وأقرَّه ابن الجوزي، وابن دقيق العيد، وابن عبد الهادي، والزيلعي، وابن الملقن-، وصححه ابن حجر، والسيوطي.

وأنكره أبو أحمد الحاكم، والذهبي، وغيرهما، وهو أقرب.

[التخريج]:

[قط 121 ((واللفظ له)) / علقط (12/ 365) / حرف (رواية الأنصاري 53) / مزكي 19/ محد (4/ 42، 50 مكررًا) / خط (14/ 498) / متشابه (1/ 114) / تحقيق 75/ كما (23/ 612 - 613)].

[التحقيق]:

مدار هذا الحديث على حفص بن عبد الله السلمي، عن إبراهيم بن طهمان، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر، به.

وقد رُوِيَ من طريقين عن حفص:

الأول:

أخرجه الدارقطني في (السنن)، و (العلل)، قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري، حدثنا محمد بن عقيل بن خويلد، حدثنا حفص بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، به.

ورواه أبو الشيخ في (طبقات المحدثين): عن عبد الله بن الحسين

ص: 359

النيسابوري.

ورواه أبو القاسم الحرفي في (فوائده) من طريق أحمد بن عمرو الجرجاني.

ورواه الخطيب في (تلخيص المتشابه) من طريق أبي حامد النيسابوري (المعروف بابن الشرقي).

ورواه في (تاريخ بغداد) من طريق محمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن سليمان بن فارس.

جميعهم: عن محمد بن عقيل بن خويلد، عن حفص بن عبد الله، عن إبراهيم بن طهمان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، رجال الصحيح، عدا حفص بن عبد الله السلمي، ومحمد بن عقيل، فأما حفص بن عبد الله: فهو صدوقٌ، كما في (التقريب 1408).

وأما محمد بن عقيل بن خويلد: فقد وثقه النسائي، وقال أبو أحمد الحاكم:((حدَّث عن حفص بن عبد الله بحديثين لم يتابع عليهما، ويقال: دخل له حديث في حديث، وكان أحد الثقات النبلاء)) (التهذيب 26/ 128)، وذكره ابن حبان في (الثقات 9/ 139)، وقال:((ربما أخطأ؛ حدَّث بالعراق بمقدار عشرة أحاديث مقلوبة)). ولخص حاله الحافظ، فقال:((صدوقٌ، حدَّث من حفظه بأحاديث فأخطأ في بعضِها)) (التقريب 6146).

وقد تفرَّد بهذا الحديث عن حفص بن عبد الله، كما قال الدارقطني في تخريجه لحديث أبي إسحاق المزكي في (المزكيات ص 87)، وكذا قال الذهبي في (الميزان 3/ 649).

ص: 360

وقال الدارقطني (عقب حديثه هذا): ((إسنادٌ حسن))، وأقرَّه ابن الجوزي في (التحقيق 1/ 88)، وابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 312)، وابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 115)، وفي (المحرر 1/ 91)، والزيلعي في (نصب الراية 1/ 116)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 586).

وقال ابن حجر: ((رواه الدارقطني بإسناد على شرط الصحة، وقال: إنه حسن

(1)

)) (التلخيص 1/ 76).

وصححه السيوطي في (الحاوي للفتاوي 1/ 15).

قلنا: وقد غمز بعض العلماء في حديث محمد بن عقيل هذا:

فقال أبو بكر عبد الله بن الحسين النيسابوري -وهو شيخ أبي الشيخ ابن حيان-: ((كتبنا هذا عن ابن عقيل، فصرنا إلى أحمد بن حفص، فسألناه بإخراج أصل أبيه الذي فيه إبراهيم عن أيوب، فنظرنا فيه فلم نجد هذا فيه، فرجعنا إلى ابن عقيل فقلنا: لم نجده؟ ، فقال: كان هذا على الحاشية)) (طبقات المحدثين 4/ 42).

وروى أبو القاسم الحرفي عن محمد بن الحسن النقاش، عن أحمد بن عمرو الجرجاني، قال: ((وسألت أحمد بن حفص؛ هل وجدت هذا الحديث في كتاب أبيك؟ قال: والله ما وجدته، قال أحمد بن عمرو: وقال

(1)

فظاهر صنيع هؤلاء الأئمة أنهم فهموا من عبارة الدارقطني أنه أراد الحسن الاصطلاحي الذي هو قسيم الصحيح، وذهب صاحب كتاب (الإرشادات صـ 147) إلى أن مراد الدارقطني بقوله:((حسن)) أي: غريب -على اصطلاح بعض أهل العلم-، واستدل بأن هذا الحديث -مع أحاديث أخرى- مما استنكروه على ابن خويلد هذا، فهو وإن كان من جملة الثقات، إِلَّا أنه أخطأ في إسناد هذا الحديث.

ص: 361

محمد بن عقيل: ثبت عندنا بعد لحسبنا أنه وَهْمٌ؛ لأنه لم يأتِ عن غيره، غريب من حديث أبي بكر أيوب بن أبي تميمة السختياني

إِن كان محفوظًا لا أعلم رواه غير محمد بن عقيل عنه)) (فوائد أبي القاسم الحرفي رواية الأنصاري صـ 105). وقال أبو أحمد الحاكم -عن محمد بن عقيل-: ((حدَّث عن حفص بن عبد الله بحديثين لم يتابع عليهما، ويقال: دخل له حديث فى حديث، وكان أحد الثقات النبلاء)) (تهذيب الكمال 26/ 129).

فالظاهر أنه أراد بأحد الحديثين هذا الحديث، ومما يؤكد ذلك قوله -عقب الرواية التالية-:((ولا أعرف لعبد الله بن عمر بن الخطاب في هذا الباب حديثًا ولا رواية من مخرج يعتمد عليه، بل كل ما رُوِيَ عنه فيه وَاهٍ غير محفوظ)) (الأسامي والكنى/ الجزء المخطوط ق 195/ ب)، وانظر:(البدر المنير 1/ 618).

وهذا ظاهر صنيع الذهبي أيضًا في (الميزان)؛ حيث قال في ترجمة ابن عقيل: ((شيخ معروف لا بأس به، إِلَّا أنه تفرَّد بهذا)) وذكر الحديث (الميزان 3/ 649).

قلنا: قد رواه غيره عن حفص كما في:

الطريق الثاني:

رواه الخطيب البغدادي في (تاريخه)، والمزي في (تهذيب الكمال)، من طريق أحمد بن الحسين بن إسحاق الصوفي، عن قطن بن إبراهيم النيسابوري، حدثنا حفص بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن طهمان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، به.

ص: 362

وقطن هذا، قال عنه الذهلي:((صدوق مسلم، اكتبوا عنه))، وقال أبو حاتم:((شيخ)) (الجرح والتعديل 7/ 138)، وقال النسائي:((فيه نظر))، وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال:((يخطئ أحيانًا، يعتبر بحديثه إذا حدَّث من كتابه))، وقال الحافظ:((صدوق يخطئ)) (التقريب 5553).

لكنه اتُّهم بسرقة هذا الحديث من محمد بن عقيل -صاحب الطريق الأول-؛ فروى الخطيب عن محمد بن عقيل، أنه قال: ((جاءني قطن بن إبراهيم فقال: أيُّ حديثٍ عندك أغرب من حديث إبراهيم بن طهمان؟ فقلت: حديث أيوب، عن نافع، عن ابن عمر

)) فذكره، ثم قال:((فذهب إلى بغداد فحدَّث به عن حفص)) (تاريخ بغداد 14/ 498)، ثم روى الخطيب أن مسلمًا ترك الرواية عن قطن لأجل ذلك.

وروى المزي عن محمد بن عقيل، قال:((كنت أبني المنار، وكان قطن بن إبراهيم يعينني فيها، فقال لي: يا أبا عبد الله، أيُّ حديثٍ لإبراهيم بن طهمان أغرب؟ فقلت: حدثنا حفص بن عبد الله، عن إبراهيم بن طهمان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)). قال: اردده عليَّ، فرددته عليه مرتين أو ثلاثًا حتى حفظه، فلما كان بعد أيام جاءني الحسن بن أحمد بن سليمان، فقال: حدثنا قطن، قال: حدثنا حفص بهذا الحديث، فقلت: سبحان الله! إنما حفظه عني. قال محمد بن عقيل: ولم يكن حفظ هذا الحديث إِلَّا أنا، ومحمود أخو خشنام، فكانت الرقعة عند محمود هذا حتى مات محمود، ولم يرد الرقعة ولم يسمع ابنه ولا أحد غيرنا، فقلت للحسن: سله من أيِّ كتاب سمع هذا؟ فسأله فقال: من (كتاب البركة)، فذهبت فجئت (بكتاب البركة) فأريته الحسن بن أحمد بن سليمان، فقال: أين هو؟ فلم يره. قال محمد بن

ص: 363

عقيل: وأنا أحلف بالله وبكل يمين أنه لم يسمعه)) (تهذيب الكمال 23/ 613).

وقال الذهبي -في ترجمة قطن من (الميزان) -: ((له حديث ينكر))، ثم قال: ((وإنما نالوا منه بروايته عن حفص بن عبد الله

))، فذكر الحديث، ثم قال:((يقال: إنه سرقه من محمد بن عقيل، فطالبوه بأصله فأخرج جزءًا وقد كتبه على حاشيته، فتركه لهذا مسلم)) (ميزان الاعتدال 3/ 391).

وقال ابن الملقن: ((قد سرقه منه -يعني: من ابن عقيل- قطن بن إبراهيم القشيري النيسابوري -كما قيل-، فطالبوه بأصله فأخرج جزءًا، وقد كتبوه على حاشيته؛ ولهذا ترك مسلم الاحتجاج بحديثه)) (البدر المنير 1/ 586).

فعاد الحديث إلى ابن عقيل، وهو الذي تفرَّد به كما تقدَّم من قول الدارقطني، والذهبي وغيرهما.

ولكن يشهد لمتنه حديث ابن عباس السابق.

ص: 364

روايةُ: ((جُلُودِ الْمَيْتَةِ دِبَاغُهَا)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:((جُلُودُ الْمَيْتَةِ دِبَاغُهَا)) يَعْنِي: طَهُورُهَا.

[الحكم]:

صحيحُ المتن بما سبق، وإسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[ناسخ 164/ كك (ق 195/ ب)، (بدر 1/ 618)].

[السند]:

رواه أبو أحمد الحاكم في (الكنى)، وابن شاهين في ((ناسخ الحديث ومنسوخه))، عن أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي، قال: حدثنا محمد بن أبان، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا أبو سهل حفص الخراساني، عن نافع، عن ابن عمر، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ غير أبي سهل الخراساني، واسمه حفص بن قيس، كما نصَّ عليه الدارقطني في (العلل 12/ 365)، ووهم مَنْ قال بأنه:((حفص بن عبد الله)) الذي روى عنه محمد بن عقيل.

وحفص بن قيس هذا، قال أبو القاسم البغوي:((أبو سهل الخراساني روى عنه أبو نعيم، لا أعلم روى عنه غيره)) (ناسخ الحديث لابن شاهين 164) كذا قال، وقد ذكره ابن حبان في (الثقات 6/ 196) وقال:((روى عنه شبابة بن سوار))، وانظر:(اللسان 3/ 238).

وقال أبو أحمد الحاكم: ((أبو سهل هذا، في حديثه بعض المناكير))، وذكر

ص: 365

هذا الحديث، ثم قال:((ولا أعرف لعبد الله بن عمر بن الخطاب في هذا الباب حديثًا ولا رواية من مخرج يُعتمد عليه، بل كل ما رُوِيَ عنه فيه وَاهٍ غير محفوظ)) (الأسامي والكنى ق 195/ ب)، وانظر:(البدر المنير 1/ 618).

روايةُ: ((ادْبُغُوا إِهَابَهَا)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى شَاةٍ، فَقَالَ:((مَا هَذِهِ؟)) قَالُوا: ((مَيْتَةٌ))، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((ادْبُغُوا إِهَابَهَا (لَوْ دَبَغُوا إهَابَهَا!)؛ فَإِنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن، بلفظ: ((لَوْ دَبَغُوا

))، وليس بلفظ الأمر، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وضعَّفه الدارقطني، وأقرَّه ابن دقيق العيد، وغيره.

[التخريج]:

قط 123 ((واللفظ له)) / ناسخ 165 ((والرواية له))].

[السند]:

أخرجه ابن شاهين في (ناسخ الحديث)، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، قال: حدثنا سويد بن سعيد، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، به.

وأخرجه الدارقطني في (السنن)، من طريق أحمد بن القاسم بن مساور، عن سويد، به.

ص: 366

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ساقطٌ، القاسم بن عبد الله العمري، متروك اتفاقًا، وكذَّبه أحمد ورمَاه بوضع الحديث. انظر:(تهذيب التهذيب 8/ 321)، و (التقريب 5468).

وبه أعلَّه الدارقطني فقال عقبه: ((القاسم ضعيف))، وأقرَّه ابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 307).

وسويد فيه كلام أيضًا، وسبق المتن بنحوه من حديث ابن عباس، عن ميمونة، وعن سودة.

[تنبيه]:

عزاه الزيلعي في (نصب الراية 1/ 119) للبيهقي، وذكر أنه قال عقبه:((القاسم ضعيف)).

والحديث لا وجود له في كتب البيهقي، وهذه الكلمة التي نقلها الزيلعي قالها الدارقطني عقب تخريجه للحديث، فالظاهر أنه أراد أن يعزوه للدارقطني فعزاه للبيهقي سهوًا أو سَبْقُ قلمٍ منه رحمه الله، والله أعلم.

ووقع في مثل هذا الأمر ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 617) حيث عزاه للطبراني - وتبعه الحافظ في (التلخيص الحبير 1/ 81 - 82) -، وذكر ابن الملقن أنه قال عقبه:((القاسم ضعيف))، وقال ابن الملقن:((وهو كما قال)) اهـ.

والحديث لا وجود له في كتب الطبراني، فلعله سَبْقُ قلمٍ أيضًا، أو لعله اعتمد في ذلك على ظاهر صنيع ابن دقيق في (الإمام 1/ 307)؛ حيث عزى حديثًا للدارقطني، ثم ذكر متابعة له من عند الطبراني، ثم قال: ((وروى

ص: 367

بسنده أيضًا من حديث القاسم بن عبد الله

))، فذكر هذا الحديث، وحيث إِنَّ الضمير يعود إلى أقرب مذكور -وهو هنا الطبراني-، عزاه ابن الملقن للطبراني، وإنما مراد ابن دقيق الدارقطني، والله أعلم.

ص: 368

379 -

حَدِيثُ جَابِرٍ:

◼ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن بما سبق، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[متشابه (1/ 417) / كر (14/ 291)].

[السند]:

رواه الخطيب في (تلخيص المتشابه) -ومن طريقه ابن عساكر- قال: أخبرني (أبو)

(1)

الفرج الطناجيري، نا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، نا الحسين بن محمد بن حيدرة قاضي أطرابلس، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن جبير بن الأزرق الصوري (حدثني أبي)

(2)

، نا سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ مسلسلٌ بالمجاهيل، فيه:

الحسين بن محمد بن حيدرة؛ ترجم له ابن عساكر في (تاريخه 1589) وأخرج له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وفيه: عبد الرحمن بن جبير بن الأزرق الصوري؛ ترجم له الخطيب في

(1)

كذا عند الخطيب، وسقط من مطبوع (تاريخ دمشق).

(2)

كذا عند الخطيب، وسقط من مطبوع (تاريخ دمشق)، وقد نبَّه ابن عساكر على ذكر والد الصوري في هذا الإسناد، خلافًا لرواية الحاكم، كما سيأتي في التحقيق.

ص: 369

(التلخيص 695) وأخرج له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

ووالده: جبير بن الأزرق، لا يعرف، ولم نجد له ترجمة.

وقد رواه ابن عساكر -عقبه- من طريق أبي عبد الله الحاكم، عن أبي بكر بن شاذان -وهو أحمد بن إبراهيم بن الحسن-، عن ابن حيدرة به، ليس فيه ذكر والد الصوري.

ص: 370

380 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ: ((ذَكَاةُ الْمَيْتَةِ دِبَاغُهَا)):

◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((ذَكَاةُ الْمَيْتَةِ دِبَاغُهَا)).

[الحكم]:

صحيحٌ، وصححه: ابن حبان، وبدر الدين العيني، والألباني.

[التخريج]:

[ن 4284، 4285 ((واللفظ له)) / كن 4768، 4769/ تخث (السفر الثالث 3886) / تطبر (مسند ابن عباس 1200) / قط 106/ معر 180/ ميمي 293/ صحا 7392].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه عقب الرواية الآتية:

روايةُ: ((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ؟ فَقَالَ: ((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا (ذَكَاتُهَا))).

[الحكم]:

صحيحٌ، وصححه: ابن حبان، وبدر الدين العيني، والألباني.

[التخريج]:

[ن 4282 ((واللفظ له))، 4283 ((والرواية له ولغيره)) / كن 4766، 4767/ حم 25214/ حب 1285/ منذ 835، 837/ طح (1/ 470/ 2705 - 2707) / علت 521/ قط 107/ فقط (أطراف 6015) / صحا

ص: 371

7393/ تطبر (مسند ابن عباس 1201) / تمهيد (4/ 160) / ناسخ 167/ تخث (السفر الثالث 3884، 3885) / سراج (نخب 7/ 185)].

[السند]:

أخرجه ابن أبي خيثمة في (تاريخه 3886)، قال: حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، قال: حدثنا إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، به.

وأخرجه النسائي (4285): عن إبراهيم بن يعقوب.

وأخرجه ابن المنذر في (الأوسط 835): عن محمد بن إسماعيل الصائغ، وعلي بن عبد العزيز.

جميعهم: عن مالك بن إسماعيل، به.

وكذا أخرجه السراج في (مسنده)، كما في (نخب الأفكار)، والطبري في (تهذيبه 1200)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار 2705)، وغيرهم، من طرق: عن أبي غسان عن إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، به. بلفظ الرواية الأولى.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، فأبو غسان مالك بن إسماعيل:((ثقة متقن صحيح الكتاب)) (التقريب 6424)، وإسرائيل -هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي-:((ثقة، تكلم فيه بلا حجة)) (التقريب 401).

وإبراهيم هو النخعي، والأسود هو ابن يزيد، وهما من فقهاء التابعين وثقاتهم.

ص: 372

ولذا صححه العيني في (نخب الأفكار 7/ 185)، والألباني في (غاية المرام 26).

قلنا: وقد تُوبع إسرائيل عليه:

فأخرجه النسائي في (المجتبى 4283) من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد.

وأخرجه النسائي أيضًا (4284)، والدارقطني في (السنن 106)، من طريق حجاج بن محمد المصيصي الأعور.

كلاهما: عن شريك النخعي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، به.

وشريك وإِن كان سيء الحفظ إِلَّا أنه لا بأس به في المتابعات؛ فقد استشهد به الشيخان، وقال الحافظ:((صدوقٌ يخطئُ كثيرًا)) (التقريب 2787).

ولكن قد اختلف فيه على شريك:

فقد أخرجه أحمد (25214)، والنسائي في (المجتبى 4282)، و (الكبرى)، وابن أبي خيثمة في (تاريخه 3884)، وابن المنذر في (الأوسط 837)، وابن حبان (1285)

(1)

، والدارقطني في (السنن 107)، وغيرهم، من طريق: الحسين بن محمد المروذي، قال:((حدثنا شريك، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن الأسود، عن عائشة، به)).

(1)

قال: ((أخبرنا الحسن بن سفيان، بخبر غريب))، كذا قال، ولا ندري ما وجه الغرابة في هذا الخبر، وقد رواه ابن حبان من وجوه.

ص: 373

وأخرجه أحمد (25214)، وابن أبي خيثمة في (تاريخه 3885): عن يحيى بن معين، كلاهما (أحمد، وابن معين): عن حجاج بن محمد، عن شريك، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ عدا شريك، ويبدو أنه محفوظ عن شريك على الوجهين، فقد رواه حجاج بن محمد عنه على الوجهين.

هكذا رواه أحمد، وابن معين، عن حجاج موافقًا للحسين، على ذكر (عمارة بن عمير)، وإِن كان المشهور عن حجاج مخالفته للحسين في سنده، كما رواه عنه أيوب بن محمد الوزان، وعبد الرحمن بن يونس السراج، وبذلك جزم الدارقطني في (السنن 1/ 44)، وفي (الأطراف 2/ 424)، وفي (العلل 14/ 266)، وذكر أن عبد الرحمن بن شريك تابع حجاجًا على مخالفته للحسين، فالله أعلم.

على كُلٍّ هذا الخلاف لا يضرُّ، فعمارة بن عمير ثقة ثبت من رجال الشيخين، وروايته عن الأسود، ورواية الأعمش عنه في (الصحيحين)، والأعمش واسع الرواية، وفي هذا كله شاهد على صحة رواية إسرائيل السابقة.

ولكن قد خالف حفص بن غياث إسرائيل بن يونس في سنده:

أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار 2707)، قال: حدثنا فهد، قال: ثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، قال: ثنا أصحابنا، عن عائشة، به.

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ غير أن الأعمش لم يُسَّمِ أصحابه الذين حدَّثوه عن عائشة رضي الله عنها، ويمكن الجمع بين رواية حفص، وبين رواية إسرائيل وشريك:

ص: 374

بأن الأعمش هنا لم ينشط فاختصر إسناده، وأبهم أصحابه، ونشط في مرة أخرى فسماهم وأظهرهم.

ولكن في رواية إسرائيل -وكذا رواية شريك السابقة- ثلاثة أمور:

الأول: عنعنة الأعمش، عن إبراهيم النخعي، والأعمش معروف بالتدليس (التقريب 2615)، ولكن أهل العلم يغضون الطرف عن مثل هذه العنعنة؛ لأَنَّ النخعي من شيوخه الذين أكثر عنهم.

الثاني: أنه قد رُوِيَ عن الأعمش بسنده موقوفًا على عائشة:

أخرجه البيهقي في (الكبرى 89)، من طريق أبي الجواب -وهو الأحوص بن جواب- عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: أَنَّها سُئِلَتْ عَنِ الفِرَاءِ، فَقَالَتْ:((لَعَلَّ دِبَاغَهَا يَكُونُ ذَكَاتُهَا)).

هكذا رواه أبو الجواب، عن الثوري، عن الأعمش به موقوفًا على عائشة.

وأبو الجواب هذا وثَّقه ابن معين في رواية، وقال في رواية أخرى:((ليس بذلك القوي)) (ميزان الاعتدال 1/ 167)، وقال أبو حاتم:((صدوقٌ)) (الجرح والتعديل 2/ 328)، وقال الحافظ:((صدوق ربما وَهِمَ)) (التقريب 289).

ونخشى أن يكون وَهِمَ فيه أبو الجواب على الثوري؛ فقد رواه ابن مهدي، عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم به موقوفًا على عائشة كما سيأتي.

ولعل لهذا رجَّح الدارقطني في (العلل 14/ 266) رواية إسرائيل ومن

ص: 375

تابعه، فقال -بعد ذكر أوجه الخلاف السابقة -:((وأشبهها بالصواب قول إسرائيل ومن تابعه عن الأعمش)) (العلل 14/ 266).

الأمر الثالث: مخالفة منصور بن المعتمر لرواية الأعمش المرفوعة:

فقد أخرجه الطبري في (تهذيب الآثار/ مسند ابن عباس 1233) قال: حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، (قالت)

(1)

: ((دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ)). هكذا موقوفًا.

وكذلك أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 470/ 2708) من طريق جرير بن عبد الحميد.

وأخرجه ابن المنذر في (الأوسط 849)، من طريق أبي عوانة، كلاهما: عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن جلود الميتة، فقالت:((لَعَلَّ دِبَاغَهَا يَكُونُ طُهُورُهَا)). واللفظ للطحاوي.

ومنصور ((ثقة ثبت))، كما في (التقريب)، لكن قال وكيع:((الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور)) (جامع الترمذي 1/ 320).

ومع هذا، ذهب البخاري إلى ترجيح الرواية الموقوفة؛ فقد سأله الترمذي عن حديث إبراهيم هذا. فقال:((الصحيح عن عائشة موقوف)) (العلل الكبير 521).

وكذلك رجَّح ابن المنذر الرواية الموقوفة، فقال -بعد أن ذكر رواية منصور الموقوفة-: ((وهذا أجود من إسناد حديث شريك، وقد روينا عن

(1)

في المطبوع: (قال)! .

ص: 376

عائشة أنها كرهت جلود الميتة بعد الدباغ، ولو كان عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما خالفته)) (الأوسط 2/ 447 - 448).

قلنا: وقول ابن المنذر: ((إنها كرهت جلود الميتة بعد الدباغ))؛ فيه نظر، فهو يشير إلى ما رواه عبد الرزاق في (المصنف 199) -ومن طريقه ابن المنذر (845) - بسند صحيح، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر:((أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ، كَلَّمَ عَائِشَةَ فِي أَنْ يَتَّخِذَ لَهَا لِحَافًا مِنَ الْفِرَاءِ، فَقَالَتْ: ((إِنَّهُ مَيْتَةٌ، وَلَسْتُ بِلَابِسَةٍ شَيْئًا مِنَ الْمَيْتَةِ)) قَالَ: فَنَحنُ نَصنَعُ لَك لحَافًا (مما يُدبَغُ)

(1)

، وَكَرهَتْ أَنْ تَلبَسَ مِنَ المَيتَةِ)).

فهذا ظاهره أنها كرهت لبسه قبل الدباغ، وليس بعده، فهو موافق لحديثها المرفوع وليس مخالفًا له، ويؤيده رواية منصور السابقة، فهي أولى بأن تنسب إليها مما ذكره ابن المنذر، وانظر:(التمهيد 4/ 169، 176).

وأما عن الخلاف في الرفع والوقف: فيحتمل أن يكون كلا الوجهين محفوظين عنها، فرفعته مرة، وأفتت به أخرى، ويؤيده أنه قد رُوِيَ عنها مرفوعًا من طرق أخرى غير طريق الأعمش، كما سيأتي تحت الروايات الآتية:

(1)

في مطبوع المصنف: (لحافا ندبغ)، وكذا في النسخة الخطية (1/ ق 18/ أ)، وما أثبتناه من (الأوسط) لابن المنذر، وهو أشبه.

ص: 377

روايةُ: ((طَهُورُ كُلِّ أَدِيمٍ دِبَاغُهُ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((طَهُورُ كُلِّ أَدِيمٍ دِبَاغُهُ (دِبَاغُ الْأَدِيمِ طَهُورُهُ))).

[الحكم]:

مختلفٌ فيه: فصححه ابن حزم، والزين العراقي، والألباني، وقال البيهقي:((رواته كلهم ثقات))، وحسَّنه ابن الملقن، والسيوطي.

وضعَّفه ابن عبد الهادي، وابن التركماني.

واختلف قول الدارقطني والذهبي فيه: فحسَّنه الدارقطني في (السنن) -وأقرَّه ابن دقيق العيد-، وأعلَّه في (العلل)، وقال الذهبي في (السير): إسناده نظيف، وضعَّفه في (التنقيح).

والراجح: أنَّهُ صحيحٌ إِنْ شاء الله.

[التخريج]:

[طس 3715 ((والرواية الثانية له ولغيره)) / طص 523/ غيل 852 ((واللفظ له)) / تطبر (مسند ابن عباس 1199) / قط 124/ هق 67/ هقخ (بدر 1/ 607) / كر (55/ 415) / تحقيق 76/ حلب (9/ 3979) / تذ (1/ 178) / نبلا (7/ 296)، (10/ 340) / ذهبي (2/ 340)].

[التحقيق]:

هذا اللفظ له عن عائشة طريقان:

الطريق الأول:

أخرجه أبو بكر الشافعي في (الغيلانيات) -ومن طريقه البيهقي في (الكبرى)، وغيره- قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، ثنا علي بن عياش، ثنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن

ص: 378

عائشة، به.

ورواه الدارقطني في (السنن) -وعنه ابن الجوزي في (التحقيق) - من طريق إبراهيم بن الهيثم، به.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا إبراهيم بن الهيثم البلدي شيخ أبي بكر الشافعي، فذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 88)، وقال الدارقطني:((ثقة)) (تاريخ بغداد 7/ 167)، وقال مرة:((لا بأس به)) (سؤالات الحاكم 43). وقال الخطيب: ((ثقة ثبت لا يختلف شيوخنا فيه))، كما سيأتي.

وذكره ابن عدي في (الكامل) وقال: ((حدَّث ببغداد بحديث الغار عن الهيثم بن جميل، فكذَّبه فيه الناس، وواجهوه به، وبلغني أن أول من أنكر عليه في المجلس أحمد بن هارون البرديجي))، ثم قال ابن عدي:((إبراهيم بن الهيثم أحاديثه مستقيمة سوى هذا الحديث الواحد الذي أنكروه عليه، وقد فتشت عن حديثه الكثير فلم أَرَ له منكرًا يكون من جهته، إِلَّا أَنَّ يكون من جهة من روى عنه)) (الكامل 1/ 274، 275).

قلنا: بل وحديث الغار لم يُسَلَّمْ لمن أنكره عليه، فقد قال الخطيب -متعقبًا ابن عدي-:((قد روى حديث الغار عن الهيثم -يعني: شيخ إبراهيم فيه- جماعة، وإبراهيم بن الهيثم عندنا ثقة ثبت، لا يختلف شيوخنا فيه، وما حكاه ابن عدى من الإنكار عليه لم أَرَ أحدًا من علمائنا يعرفه، ولو ثبت لم يؤثر قدحًا فيه؛ لأَنَّ جماعة من المتقدمين أنكر عليهم بعض رواياتهم ولم يمنع ذلك من الاحتجاج بهم، وأما قول محمد بن عوف: إِنَّ حديث الغار لم يسمعه من الهيثم بن جميل إِلَّا هو والحسن بن منصور؛ فلا حجة فيه؛ لجواز أن يكون قد سمعه من لم يعلم به))، ثم ساقه بسنده عنهما وعن

ص: 379

غيرهما، (تاريخ بغداد 7/ 165 وما بعدها).

وقال الذهبي في (الميزان 1/ 73): ((وقد تابعه على حديث الغار ثقتان)) ورمز له بـ ((صح)). يعني: أن العمل على توثيقه، وأقرَّه ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 608).

ولذا قال الدارقطني -عقب الحديث-: ((إسنادٌ حسنٌ كلهم ثقات)) (السنن 1/ 72)، وأقرَّه ابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 313)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 607).

وقال البيهقي: ((رواته كلهم ثقات)) (السنن الكبرى 1/ 21).

وقال الذهبي: ((هذا حديث نظيف الإسناد، غريب، لم أجده في الكتب الستة)) (السير 10/ 340).

وقال الزين العراقي في ((شرح الترمذي)). ((طريقه صحيحٌ)) (فيض القدير 4/ 273).

ورمز لحسنه السيوطي في (الجامع الصغير 5282).

وقال المناوي: ((ورواته ثقات)) (التيسير 2/ 117).

ولكل من الدارقطني والذهبي موقف آخر تجاه هذا الحديث:

* فأما الدارقطني: فقال في (العلل): ((يرويه زيد بن أسلم، واختلف عنه:

فرواه أبو غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وخالفه مالك، والدراوردي، وفليح، وغيرهم: رووه عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس، وهو المحفوظ)) (العلل 8/

ص: 380

386).

فأعلَّهُ بحديث ابن وعلة السابقُ ذِكْرُهُ عندَ مُسْلِمٍ وغيره، وعليه فتكون رواية محمد بن مطرف عنده شاذَّة في مقابلة رواية مالك ومن تابعه، فهي المحفوظة.

ولأجل ذلك يقول بعض المعاصرين: إن الدارقطني يطلق الحسن ويريد به الغرابة، وليس الحسن الاصطلاحي، وهذا معروف عنه وعن غيره من المتقدمين، إِلَّا أَنَّ انضمام قوله:((كلهم ثقات)) مع قوله ((إسناده حسن))، قرينة على إرادة الحسن الاصطلاحي في مثل هذه الحال، والله أعلم.

* وأما الذهبي: فذكر في (التنقيح) توثيق الدارقطني لرجاله، وتعقبه بقوله:((قلت: ابن الهيثم ليس بحجة، والمحفوظ لزيد حديثه عن ابن وعلة)) (التنقيح 1/ 31).

فأعلَّهُ بحديث ابن وعلة أيضًا، لكنه علَّق الوَهْمَ فيه على إبراهيم بن الهيثم، وخالف ما قرره في (الميزان) بشأن إبراهيم.

وكذلك صنع ابن عبد الهادي؛ حيث قال: ((إبراهيم بن الهيثم تكلم فيه، والمحفوظ حديث زيد عن ابن وعلة))، ثم ذكر كلام ابن عدي في إبراهيم (التنقيح 1/ 115).

وكذلك تعقب ابن التركماني توثيق البيهقي لرجاله؛ بما ذكره ابن عدي بشأن إبراهيم (الجوهر النقي 1/ 21).

قلنا: أما إعلاله بإبراهيم بن الهيثم فلا يُقْبَلُ لأمرين:

الأول: ما ذكرناه من أن الصواب في شأن إبراهيم أنه ثقة، فما ذكره ابن عدي لا يقدح فيه عامة، وهو ما قرره الذهبي نفسه في (الميزان)، كما

ص: 381

أنه غير قادح في هذا الحديث خاصة؛ لأَنَّ ابن عدي نفسه قرر أن سائر أحاديثه مستقيمة سوى حديث الغار، وهو غير حديثنا هذا.

الثاني: أن إبراهيم قد توبع عليه من الثقة الحافظ إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني:

فقد أخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 1199) قال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: حدثنا علي بن عياش الحمصي، قال: حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عائشة، به.

والجوزجاني هذا ثقة حافظ (التقريب 273)، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح.

* وأما إعلاله بحديث ابن وعلة، فيجاب عنه: بأنه لا يمتنع أن يكون الحديث عند زيد بن أسلم على الوجهين: رواية الجماعة عنه، عن ابن وعلة، عن ابن عباس.

ورواية ابن مطرف عنه، عن عطاء، عن عائشة.

ومحمد بن مطرف: ثقة من رجال الشيخين (التقريب 6305)، بل وذكره الذهبي في (تذكرة الحفاظ 229)، ووصفه بالحافظ، ومما يدل على أنه قد حفظه أنه رواه أيضًا مثل رواية الجماعة:

فقد رواه الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 470/ 2701): عن الربيع الجيزي قال: ثنا ابن أبي مريم قال: أنا أبو غسان، قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة أنه قال: قلت لابن عباس: .. وساق الحديث كما سبق ذكره.

ص: 382

وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح عدا الربيع الجيزي، وهو ثقة (التقريب 1893).

إذن فقد رواه ابن أبي مريم، عن أبي غسان محمد بن مطرف، عن زيد مثل رواية الجماعة.

ورواه علي بن عياش الحمصي، عن ابن مطرف، وأسنده عن عائشة كما سبق.

وابن أبي مريم، وابن عياش، كلاهما: ثقتان ثبتان.

وعليه فالوجهان محفوظان عن ابن مطرف، وقد ذكر ابن رجب في (شرح العلل 2/ 839):((أن الراوي الثقة إذا روى الحديث بإسناد آخر غير إسناد الجماعة، وكان الحديث عنده بالإسناد الذي رواه الجماعة أيضًا، دلَّ ذلك على أنه حفظه وما وَهِمَ فيه)).

وقد صححه من هذا الطريق الألباني في (صحيح الجامع 3934)، ولعل هذا الطريق هو الذي عناه ابن حزم حين قال:((وروي عن عائشة أم المؤمنين بإسناد في غاية الصحة: ((دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ)))) (المحلى 1/ 122).

الطريق الثاني:

رواه الطبراني في (الأوسط 3715)، و (الصغير 523)، قال:((حدثنا عثمان بن عبد الأعلى بن عثمان بن زفر الكوفي، حدثنا محمد بن (عبد الله)

(1)

بن جعفر (الزُّهري)

(2)

الكوفي، حدثنا الهيثم بن جميل، حدثنا

(1)

وقع في (المعجم الصغير): (عبد الرحمن)، وهو خطأ، والصواب المثبت، كما في (الأوسط)، وكتب التراجم.

(2)

كذا في مطبوع المعجمين، والصواب:(الزهيري) كما في كتب التراجم.

ص: 383

محمد بن مسلم الطائفي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، به)).

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالة حال عثمان بن عبد الأعلى شيخ الطبراني، روى عنه الطبراني هذا الحديث الواحد، وروى عنه أيضًا أبو بكر الطلحي كما في (تاريخ أصبهان 1/ 28)، وابن عقدة كما في (مسند أبي حنيفة للحارثي 996)، ولم نجد له ترجمة، وانظر:(إرشاد القاصي والداني 647).

وبقية رجاله ثقاتٌ عدا محمد بن مسلم الطائفي؛ مختلف فيه، ولخص حاله الحافظ فقال:((صدوق يخطئ من حفظه)) (التقريب 6293).

قلنا: والطائفي ليس من المعروفين بالرواية عن عبد الرحمن بن القاسم، وقد تفرَّد عنه بهذا الحديث، قال الطبراني:((لم يَرْوِ هذا الحديث عن عبد الرحمن بن القاسم إِلَّا محمد بن مسلم تفرَّد به الهيثم بن جميل)).

وتعقبه ابن الملقن، فقال:((قلت: لا يضره ذلك فإنه ثقة ثبت)) (البدر المنير 1/ 608).

كذا قال، ولم يتعرض لشيخ الطبراني، ولا الطائفي، وهما علة الحديث، وعلى أية حَالٍ فهو طريق لا بأس به في المتابعات والشواهد، والله أعلم.

ص: 384

روايةُ: ((أَمَرَ أَنْ يُنْتَفَعَ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ (رَخَّصَ) أَنْ يُسْتَمْتَعَ (يُنْتَفَعَ) بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن بما تقدم من شواهد، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وضعَّفه: الإمام أحمد -وأقرَّه: ابن دقيق العيد، وابن عبد الهادي، وابن التركماني-، والأثرم، وابن المنذر، والألباني، ولكنه أشار في موضع آخر إلى صحة متنه. وصححه ابن حبان، وابن عبد البر، وحسَّنه النووي، والسيوطي.

[التخريج]:

[د 4076/ ن 4290/ كن 4774/ جه 3637/ طا 1438 ((واللفظ له)) / حم 24447 ((والرواية الثانية له))، 24730، 25157 ((والرواية الأولى له ولغيره))، 25196/ ........ ].

سبق تخريجه وتحقيقه في باب: ((الانتفاع بجلود الميتة)).

ص: 385

روايةُ عَائِشَةَ: ((اسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

((اسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا هِيَ دُبِغَتْ: تُرَابًا كَانَ، أَوْ رَمَادًا، أَوْ مِلْحًا، أَوْ مَا كَانَ، بَعْدَ أَنْ يُرَدْ صَلَاحُهُ

(1)

)).

[الحكم]:

منكرٌ بهذا السياق، واستنكره ابن عدي -وأقرَّه: البيهقي، وابن القيسراني، والنووي، وابن الملقن-، وضعَّفه: الضياء المقدسي، وابن عبد الهادي، والزيلعي، وابن حجر، والعيني، وابن الهمام.

وأما الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ؛ فصحيحٌ كما تقدم.

[التخريج]:

[عد (9/ 496) ((واللفظ له)) / قط 126/ هق 65].

سبق تخريجه وتحقيقه في باب ((الانتفاع بجلود الميتة)).

(1)

اضطربت المصادر في ضبط هذا الكلمة، والمثبت أصحها كما عند ابن عدي، وانظر الكلام عليها في الباب السابق.

ص: 386

381 -

حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، أَوْ غَيْرِهَا:

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَوْ زَيْنَبَ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ مَيْمُونَةَ مَاتَتْ لَهَا شَاةٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((أَلَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟!))، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نَسْتَمْتِعُ بِهَا وَهِيَ مَيْتَةٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (([إِنَّ] طَهُورَ الْأَدِيمِ دِبَاغُهُ)).

[الحكم]:

صحيح المتن بما سبق، وإسناده حسنٌ.

[التخريج]:

[طس 2652 ((واللفظ له)) / معر 2210 ((والزيادة له)) / قط 119].

سبق تخريجه وتحقيقه في باب ((الانتفاع بجلود الميتة)).

ص: 387

382 -

حَدِيثُ أَنَسٍ:

◼ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَوْهَبَ وَضُوءًا، فَقِيلَ لَهُ: لَمْ نَجِدْ ذَلِكَ إِلَّا فِي مَسْكِ مَيْتَةٍ، فَقَالَ:((أَدَبَغْتُمُوهُ؟ )) قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:((فَهَلُمَّ (فَنِعْمَ)، فَإِنَّ ذَلِكَ طَهُورَهُ)).

[الحكم]:

صحيحٌ لشواهده، وإسناده حسن، وحسَّنه الهيثمي، والسيوطي.

[التخريج]:

[طس 9215 (واللفظ له) / معر 2338].

[السند]:

أخرجه الطبراني في (الأوسط) قال: حدثنا مفضَّلٌ، ثنا أبو حُمَةَ، ثنا أبو قُرَّة، عن ابنِ جُرَيجٍ أخبرني أبو قَزَعَةَ، عن أنس بن مالك، به.

وقال: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابنِ جُرَيجٍ إِلَّا أبو قُرَّة)).

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ غير أبي حُمَةَ، وهو محمد بن يوسف الزبيدي، روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في (الثقات 9/ 104) وقال:((وكان راويًا لأبي قُرَّة، ربما أخطأ وأغرب))، وقال ابن حجر ((صدوق)) (التقريب 6418)، وقال الحافظ في (تهذيب التهذيب 9/ 539):((وكان محدِّثُ اليمن فى وقته، ارتحلوا إليه لسماع السنن، وكان صاحبًا لأبي قُرَّة)).

وقد تُوبع عليه أبو حُمَةَ كما سيأتي.

وأما مفضل شيخ الطبراني فهو محدِّثُ مكةَ المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي، قال الحاكم: ((سألت عنه أبا علي الحافظ، فقال: ما كان

ص: 388

إِلَّا ثقة مأمونًا)) (اللسان 8/ 140)، وقال عمر بن علي الجعدي:((كان حافظًا متقنًا عارفًا، له تصانيف)). وقال الذهبي: ((المقرئ المحدث الإمام)). انظر: (إرشاد القاصي والداني 1068).

وأما أبو قُرَّة فهو موسى بن طارق، روى له النسائي، ووثقه جماعة، وقال ابن حجر:((ثقة يغرب)) (التقريب 6977)، وابنُ جُرَيجٍ، وأبو قَزَعَةَ -وهو سويد بن حُجَير-: من رجال الصحيح.

ولذا قال الهيثمي: ((رواه الطبراني في (الأوسط)، وإسناده حسن)) (المجمع 1088).

وكذا حسَّنه السيوطي في (الحاوي للفتاوي 1/ 16).

قلنا: وقد تُوبع عليه أبو حمة:

فأخرجه ابن الأعرابي في (معجمه). عن المفضل، نا علي بن زياد اللحجي، نا أبو قُرَّة قال: ذكر ابنُ جُرَيجٍ قال: أخبرني أبو قَزَعَةَ، عن أنس، به.

وعلي بن زياد ذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 470) وقال: ((وكان راويًا لأبى قُرَّة حدثنا عنه المفضل بن محمد الجندي مستقيم الحديث)). فهو متابع قوي لأبي حمة.

والمتأمل يجدُ أن الراوي عن أبي حمة وابن زياد اللحجي هو المفضل الجندي، فيكون له فيه شيخان، ولا غرابة في ذلك، فالمفضل ثقة، معروف بالرواية عن أبي حمة واللحجي، وكل منهما معروف بالرواية عن أبي قُرَّة، والله أعلم.

ص: 389

وقد خُولِف أبو قُرَّة في روايته عن ابنِ جُرَيجٍ:

فرواه عبد الرزاق (189): عن ابنِ جُرَيجٍ قال: ((حدثني غير عطاء أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَوْهَبَ وَضُوءًا

)) فذكره مرسلًا.

وعبد الرزاق وإِن كان أثبت وأحفظ من أبي قُرَّة، إِلَّا أَنَّ أبا قُرَّة ثقة أيضًا، والزيادة من مثله مقبولة، لَا سيّما وقد توبع -كما سيأتي-، وما في (المصنف) يحتمل أن يكون من قبل الدبري راويه، وعلى كُلٍّ فقد حفظ أبو قُرَّة إسناده، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، ومما يدلُّ على أن أبا قُرَّة قد حفظه، أنه قد رُوِيَ من وجه آخر عن أنس رضي الله عنه، وهذا الوجه وإِن كان ضعيفًا، إِلَّا أنه يشهد لرواية أبي قُرَّة، وهاكَ بيانه:

ص: 390

روايةُ ((سَلْهُمْ، هَلْ دَبَغُوهُ؟)):

• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: ((يَا بُنَيَّ، ادْعُ لِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ بِوَضُوءٍ))، فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطْلُبُ وَضُوءًا؟ فَقَالَ: أَخْبِرْهُ أَنَّ دَلْوَنَا جِلْدُ مَيْتَةٍ، فَقَالَ:((سَلْهُمْ، هَلْ دَبَغُوهُ؟))، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:((فَإِنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن بما سبق، وهذا إسناده ضعيفٌ، وضعَّفه البوصيري.

[التخريج]:

[عل 4129 (واللفظ له) / عد (3/ 577)].

[السند]:

أخرجه أبو يعلى في (المسند) - وعنه ابن عدي في (الكامل) - قال: حدثنا حفص بن عبد الله بن عمر الحلواني، حدثنا دُرُسْتُ

(1)

بن زياد، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:

الأولى: يزيد بن أبان الرقاشي، قال الحافظ:((ضعيف زاهد)) (التقريب 7683).

وبه ضعَّفه البوصيري في (الإتحاف 1/ 295).

الثانية: درست بن زياد، ضعَّفه الجمهور، ومشَّاه ابن عدي، وقال الحافظ:((ضعيف)) (التقريب 1825).

(1)

كذا ضبطه الحافظ في (التقريب)، بضم أوله والراء وسكون المهملة.

ص: 391

وقال الهيثمي: ((رواه أبو يعلى، وفيه درست بن زياد عن يزيد الرقاشي؛ وكلاهما مختلف في الاحتجاج به)) (المجمع 1090).

قلنا: قد ثبت من وجه آخر كما سبق، وله شواهد تقدمت منها حديث ابن عباس، وحديث عائشة، وغيرهما، وأخرى ستأتي.

ص: 392

383 -

حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبّقِ:

◼ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبّقِ

(1)

رضي الله عنه: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ [أَتَى عَلَى بَيْتٍ فَإِذَا قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَـ]ـدَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ، قَالَتْ: مَا عِنْدِي إِلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّهَا مَيْتَةٌ)، قَالَ:((قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ دَبَغَتْهَا؟ )) قَالَتْ: بَلَى، قَالَ:((فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا (طَهُورُهَا))).

[الحكم]:

قوله: ((دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا أَوْ طَهُورُهَا)) صحيحٌ لشواهده المتقدمة، وهذا إسناده مختلف فيه: فأشار إلى ضعْفه لجهالة راويه: الإمام أحمد بن حنبل، والترمذي

(2)

، وأبو بكر الأثرم، وابن المنذر، وابن الجوزي، وابن التركماني، والبوصيري، والألباني.

وصححه: ابن حبان، والحاكم، والنووي، وابن الملقن، وابن حجر، وصححه الألباني لشواهده، فقد ثبت نحوه من حديث ابن عباس، وعائشة، وغيرهما، كما تقدم.

(1)

كذا ضبطه ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 608): ((بميم مضمومة، ثم حاء مهملة مفتوحة، ثم باء موحدة مكسورة، ثم قاف))، وضبطه ابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 320):((بفتح الباء المشددة)). لكن ذكر المنذري: أن بعض أهل العلم يكسر الباء، وأصحاب الحديث يفتحونها. وقال ابن الجوزي:((أصحاب الحديث يفتحون الباء، وهو غلط، إنما هي مكسورة)). قال: ((وقال الجوهري: إنما سمَّاه أبوه (الْمُحَبِّقَ) تفاؤلًا بالشجاعة، أنه يضرط الأعداء. وقال ابن ناصر: وهو الصواب؛ لأنه حبق، فلقب بذلك))، انظر:(البدر المنير 1/ 612)، وانظر (الأنساب للسمعاني 12/ 111)، (وتاج العروس 25/ 138).

(2)

كذا فيما يظهر لنا، وقيل: القائل هو البخاري، وانظر التحقيق.

ص: 393

[التخريج]:

[د 4077 ((والرواياتان والزيادة له ولغيره)) / ن 4281 ((واللفظ له)) / كن 4765/ حم 15909، 20061، 20068، 20071/ ك 7422/ طب (7/ 47/ 6342، 6343) / عف (خلال 231) / تخ (4/ 71) / تطبر (مسند ابن عباس 1207، 1209) / ناسخ 166/ طح (1/ 471) / عد (3/ 173) / صمند (ص 684 - 685) / قط 109، 111، 112/ صحا 3396/ بشن 1478/ محلى (1/ 119 - 120) / هق 51، 68/ عتب (ص 55) / تحقيق 74/ كر (11/ 329 - 331)].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه فيما يأتي:

ص: 394

روايةُ: ((دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ)):

•. وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ (طَهُورُهُ))).

[الحكم]:

صحيحُ المتن لشواهده، وإسناده مختلفٌ فيه.

[التخريج]:

[طي 1339 ((واللفظ له)) / طب (7/ 46/ 6341) ((والرواية له ولغيره)) / منذ 838/ تطبر (مسند ابن عباس 1208) / قط 109، 110/ هق 89].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه فيما يأتي.

روايةُ: ((ذَكَاةُ الْأَدِيمِ دِبَاغُهُ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((ذَكَاةُ الْأَدِيمِ دِبَاغُهُ (ذَكَاةُ الْجُلُودِ دِبَاغُهَا))).

[الحكم]:

صحيحُ المتن لشواهده، وإسناده مختلفٌ فيه.

[التخريج]:

[حم 15908 ((واللفظ له))، 20067

(1)

/ حب 4550 / ش 25277

(1)

في رواية أحمد هذه: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أتى على قربة يوم حنين)، والمحفوظ في كل الطرق أن ذلك كان في (غزوة تبوك)، فهي لفظة شاذة، ولعل يأتي مزيد بيان لها -إن شاء الله- في موسوعة ((المغازي والسير)).

ص: 395

((والرواية له))، 25278/ طب (7/ 46/ 6340) / مش 759

(1)

/ مث 1064/ كر (11/ 332) / كما (5/ 166)].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه فيما يأتي:

روايةُ: ((الْأَدِيمُ طَهُورُهُ دِبَاغُهُ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((الْأَدِيمُ طَهُورُهُ دِبَاغُهُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن لشواهده، وإسناده مختلفٌ فيه.

[التخريج]:

[حم 20062 ((واللفظ له)) / كر (11/ 331 - 332)].

[السند]:

أخرجه أحمد (15908، 20061، 20068): عن عبد الصمد، وعفان بن مسلم، وبهز بن أسد -فرقهم- ثلاثتهم: عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن الحسن، به.

وأخرجه أبو داود (4077)، وابن أبي شيبة في (المصنف 25278) -وعنه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 1064)، وابن حبان (4550)

(1)

هذا باعتبار ما ورد في نسخ (المسند)، وإِن كان الأقرب عندنا أن ذكر سلمة في رواية ابن أبي شيبة هذه خطأ، كما سيأتي بيانه في التحقيق.

ص: 396

وغيرهم من طريق همام بن يحيى، به.

وتابع همامًا، هشام الدستوائي، وشعبة، وسعيد بن أبي عروبة:

أما رواية هشام؛ فأخرجها أحمد (20071) قال: حدثنا عمرو بن الهيثم، وأبو داود، وعبد الصمد -المعنى

(1)

-، قالوا: أخبرنا هشام، عن قتادة، عن الحسن، عن جون بن قتادة، عن سلمة بن المحبق، به.

وأخرجه النسائي في (المجتبى 4281)، وفي (الكبرى 4765)، والطبراني في (الكبير 6342) والحاكم في (المستدرك 7297) من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، به.

وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة في (المصنف 25277)، وأحمد (15909)، والدارقطني (110)، وغيرهم من طريق هشام الدستوائي، به.

أما رواية شعبة: فأخرجها الطبري في (تهذيب الآثار 1209)، والدارقطني في (السنن 111)، وابن منده في (الصحابة 2/ 685)، وأبو نعيم في (الصحابة 3396)، وغيرهم من طريق بكر بن بكار، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن جون، عن سلمة، به.

وأخرجه أحمد (20062) -ومن طريقه ابن عساكر في (تارخ دمشق 11/ 331) - قال: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن رجل قد سماه، عن سلمة بن المحبق، به.

وهذا الرجل المبهم هو جون بن قتادة، كما رواه بكر بن بكار -وإِن كان ضعيفًا- عن شعبة، فهذا هو المحفوظ عن قتادة، كما رواه همام، وهشام،

(1)

أي: اتفقوا في المعنى مع اختلاف في اللفظ.

ص: 397

كما تقدم.

وقد أشار لذلك ابن عساكر -عقبه-؛ حيث ذكر أن الأسود بن عامر لم يحفظ اسم جون فأبهمه. وجزم بذلك الحسيني في (الإكمال 1287)، فلا خلاف حينئذٍ بينهما.

وأما رواية سعيد: فأخرجها ابن عدي في (الكامل 2/ 173) -ومن طريقه ابن عساكر في (تارخ دمشق 11/ 331)

(1)

-، عن يحيى ابن صاعد، عن عمرو بن علي الفلاس، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن جون بن قتادة، عن سلمة بن المحبق، به

(2)

.

أربعتهم: (همام بن يحيى، وهشام الدستوائي، وشعبة، وسعيد بن أبي عروبة)، عن قتادة، عن الحسن، عن جون بن قتادة، عن سلمة بن المحبق، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، رجال الصحيح عدا جون بن قتادة؛ فمن رجال أبي داود، والنسائي، ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 2/ 252) فقال:

(1)

إِلَّا أَنَّ ذكر (الحسن) سقط من أصل ابن عساكر، فجعله أحد وجهي الخلاف على سعيد بن أبي عروبة، وذكر (الحسن) ثابت في كل طبعات (الكامل) لابن عدي؛ (ط. الرشد)، (ط. الفكر)، (ط. الكتب العلمية)، وكذا في النسخ الخطية سوى إحدى نسخ دار الكتب المصرية كما أشار محقق (ط. الرشد 3/ 174)، وقد نسخت هذه النسخة سنة (743 هـ)، فلعلها منسوخة عن أصل ابن عساكر، والله أعلم.

(2)

ورواه بعضهم عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سلمة، به، بإسقاط جون بن قتادة، وسيأتي الكلام عليها.

ص: 398

((جون بن قتادة التميمي، عن سلمة بن المحبق، سمع منه الحسن، يعد في البصريين))، وترجم له الدارقطني في (المؤتلف والمختلف 1/ 495) وقال:((روى عن سلمة بن المحبق، وعن الزبير بن العوام، حدث عنه الحسن البصري، وقرة بن الحارث))، ونقل قول البخاري السابق، وزاد:((لا يُعرف إِلَّا بهذا)).

وذكر ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/ 542) في الرواة عنه قتادة وحده، ولم يذكر الحسن، وذلك وَهْمٌ كما قال ابن عساكر في (تاريخه 11/ 337)؛ فقتادة إنما يروي عن الحسن عنه.

وقد ذكره ابن قانع وغيره في الصحابة، وجزم ابن حزم بصحبته

(1)

، ولا تصح له صحبة كما قال البغوي، وابن منده، وأبو نعيم، والمزي، وابن حجر، وغيرهم، انظر:(تاريخ دمشق 11/ 328 وما بعدها)، و (الإصابة 2/ 321 - 323/ 1362)، و (تهذيب التهذيب 2/ 105).

وسُئِلَ عنه أحمد بن حنبل، فقال:((لا أعرفه)) (الجرح والتعديل 2/ 542)، ولم يعرف له سوى هذا الحديث، كما في (الكامل (173/ 2).

وقال الترمذي

(2)

: ((لا أعرف لجون بن قتادة غير هذا الحديث، ولا أدري

(1)

اعتمادًا على رواية شاذة لهذا الحديث، انفرد بها هُشَيْمٌ، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن جون، بن قتادة، به، ولم يذكر سلمة بن المحبق، وسيأتي الكلام عليها مفصلًا.

(2)

كذا هو ظاهر الكلام في (العلل)، وكذا نسب هذه العبارة الزيلعي في (نصب الراية 1/ 118) للترمذي، ولكن نسبها بعض المعاصرين لشيخه البخاري؛ حيث إِنَّ الترمذي أسند هذا الحديث وذكر الخلاف في وصله وإرساله، ثم قال: ((قال: ولا أعرف لجون

)) إلخ، فمن القائل غيره سوى شيخه البخاري، لكن يحتمل =

ص: 399

من هو)) (العلل الكبير للترمذي 520).

وعدَّه أبو داود في مشايخ الحسن الذين لقيهم في الغزو، الذين لم يحدث عنهم غيره. (سؤالات الآجري له 2/ 82).

وقال ابن المنذر -معللًا مخالفته لهذا الحديث-: ((وجون بن قتادة لا نعلم واحدًا روى عنه غير الحسن)) (الأوسط 2/ 447).

وقال أبو بكر ابن مفوز -متعقبًا ابن حزم في جزمه بصحبته-: ((هذا خطأ؛ فجون رجل تابعي مجهول لا يعرف روى عنه إِلَّا الحسن)) (الإصابة 2/ 323).

وفي المقابل:

قال علي بن المديني عن هذا الحديث: ((رواه قتادة، عن الحسن، عن جون بن قتادة، وجون هذا معروف، وجون لم يَرْوِ عنه غير الحسن إِلَّا أنه معروف))، ولكن عدَّه في موضع آخر ممن روى عنه الحسن من المجهولين. (تاريخ دمشق 11/ 336)، و (تهذيب الكمال 5/ 165)، و (الإصابة 2/ 323).

ونقل ابن عساكر عن الحافظ البرديجي أنه قال عن جون -في كتابه (الأسماء المفردة) -: ((بصري ثقة)) (تاريخ دمشق 11/ 338)

(1)

.

وذكره ابن حبان في (الثقات 4/ 119)، وصحح له حديثه هذا؛ حيث خرَّجه في (صحيحه).

= أن يكون قوله: (قال) من الناسخ، يعني به: المؤلف، وهو الترمذي، ولم ينشط لأَنْ يكتب:((قال أبو عيسى))، كعادته، والله أعلم.

(1)

ولم نجد هذا التوثيق في كتاب البرديجي المطبوع (ترجمة 164)، فالله أعلم.

ص: 400

وكذلك صححه الحاكم فقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)).

وصححه أيضًا النووي في (المجموع 1/ 218)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 609)، وقال عن جون بن قتادة:((فإِن كان صحابيًّا: -كما قاله ابن سعد، وابن حزم، وغيرهما-، فلا يضره ما قاله الإمام أحمد من جهالته، وإِن كان تابعيًّا: يعارض قوله بقول علي بن المديني إنه معروف، وتوثيق ابن حبان له، ورواية جماعة عنه، وذلك رافع للجهالة العينية والحالية)) (البدر المنير 1/ 611).

وتبعه الحافظ ابن حجر فقال: ((إسناده صحيحٌ، وقال أحمد: ((الجون لا أعرفه))، وقد عرفه غيره، عرفه علي بن المديني، وروى عنه الحسن)) (التلخيص 1/ 80).

هكذا صحح ابن حجر إسناده مع أنه قال في ترجمة جون: ((مقبول))! (التقريب 986).

وجوَّد العيني إسناده في (العمدة 9/ 88)، وصححه في (نخب الأفكار 7/ 188)، وكذا صححه السيوطي في (الحاوي للفتاوي 1/ 15).

وتمسك بقول الإمام أحمد جماعة:

فعلله الأثرم في كتاب ((الناسخ والمنسوخ))، وحكى أنه سمع أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول:((لا أدري من هو الجون بن قتادة)) (الإمام لابن دقيق 1/ 320)

(1)

.

وكذا ابن الجوزي في (التحقيق 1/ 87)، وابن التركماني في (الجوهر

(1)

وهذا النقل من الجزء المفقود من (كتاب الأثرم).

ص: 401

النقي 1/ 17)، حيث تعقب سكوت البيهقي عن الحديث بأن الجون مجهول، كما قال أحمد وغيره.

وقال البوصيري: ((هذا إسنادٌ فيه مقال، جون بن قتادة، قال أحمد: لا يعرف، وقال ابن المديني: معروف، لم يَرْوِ عنه غير الحسن، وجهله مرة، وذكره ابن حبان في (الثقات)، وباقي رجال الإسناد ثقات)) (الإتحاف 1/ 294).

وقد يقال: إِنَّ جون بن قتادة تابعي روى عن أحد الصحابة، ولم يعرف فيه جرح، وروى عنه إمام كالحسن البصري، ولم يأتِ بمتن منكر، بل سبق معنى حديثه (وهو طهارة جلود الميتة بالدباغ) في جملة من الأحاديث، كما تقدم في هذا الباب، والباب الذي قبله، وكما سيأتي، حتى عدَّه الكتاني في (نظم المتناثر 21) من المتواتر، وقد سبقه إلى ذلك الطحاوي؛ حيث قال:((فقد جاءت هذه الآثار متواترة في طهور جلد الميتة بالدباغ)) (شرح معاني الآثار 1/ 471). وكذا قال المناوي في (التيسير 2/ 2)، ولهذا صححه الألباني لشواهده في (غاية المرام 26) بعد أن جزم أن (جون) مجهول.

فمثل هذا لا ينزل حديثه عند كثير من أهل العلم عن رتبة الحسن إِنْ لم يكن صحيحًا كما قال العلماء المذكورون أعلاه، لا سيَّما وقد ذكره ابن حبان في (الثقات)، ووثقه البرديجي فيما ذكره ابن عساكر، والله أعلم.

وعلى كُلٍّ فإن موضع الشاهد منه وهو قوله: ((دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا أَوْ طَهُورُهَا))؛ صحيحٌ لشواهده، كما تقدم من حديث ابن عباس، وعائشة، وغيرهما.

* هذا ولا بدَّ من الإشارة إلى أن ما رواه همام بن يحيى، وهشام الدستوائي، وشعبة، وسعيد بن أبي عروبة -في الوجه الذي ذكرناه عنه-

ص: 402

عن قتادة في إسناد هذا الحديث هو المحفوظ عن الحسن، وإلَّا فقد رواه بعضُهم عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن على خلاف ذلك.

ورواه هُشَيْمٌ، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، واختلف عليه، ورواه يونس عن الحسن مرسلًا، وسيأتي الكلام على رواية يونس، وهشيم.

أما رواية ابن أبي عروبة؛ فإليك بيانها:

أخرجها أحمد (20076) عن غندر.

وأخرجها الطبراني في (المعجم الكبير 6343) من طريق يزيد بن زُرَيْع.

كلاهما (غندر، ويزيد): عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سلمة. بإسقاط (جون) بن قتادة.

وهذا إسنادٌ ظاهره الصحة، إِلَّا أَنَّ الحسن لم يسمع من سلمة بن المحبق، كما قال البخاري في (التاريخ الكبير 4/ 71)، وأبو حاتم في (العلل 4/ 176)، والبزار كما في (تهذيب التهذيب 2/ 266).

والصواب فيه: (عن الحسن، عن جون بن قتادة، عن سلمة)، كما رواه همام، وهشام، وشعبة، عن قتادة، عن الحسن، به.

بل وروي عن سعيد بن أبي عروبة أيضًا بإثبات جون بن قتادة؛ كما أخرجه ابن عدي في (الكامل 2/ 178)، عن يحيى بن صاعد، عن عمرو بن علي الفلاس، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، عن سعيد، به، كما تقدم ذكره.

وإسناده إلى سعيدٍ صحيحٌ غاية؛ فيحيى بن صاعد، وعمرو الفلاس من الثقات الحفاظ الكبار، وعبد الأعلى ثقة من رجال الشيخين، وهو ممن

ص: 403

روى عن سعيد قبل الاختلاط، كما قال ابن معين (سؤالات ابن طهمان 328)، وثبت عن عبد الأعلى أنه قال:((فرغت من حاجتي من سعيد قبل الطاعون)). قال الحافظ: ((يعني: أنه سمع منه قبل الاختلاط)) (تهذيب التهذيب 6/ 96).

بل ذكر ابن عدي أن عبد الأعلى من أرواهم عنه (الكامل 5/ 523).

ولهذا ذكر البيهقي في (السنن الكبرى 1/ 17) أن أصحَّ الروايتين عن ابن أبي عروبة هي التي وافقت رواية همام وهشام وشعبة، بذكر:(جون بن قتادة) في إسناده.

وقد جزم بذلك غير واحد من الأئمة؛ فقال ابن أبي خيثمة -في حديث الحسن، عن سلمة في دباغ جلد الميتة-:((بينهما في هذا الحديث جون بن قتادة)) (جامع التحصيل صـ 165).

قلنا: وكذا رواه عمران القطان عن الحسن، أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 6341): عن عبدان الأهوازي، ثنا إبراهيم بن المستمر العروقي، ثنا عمران القطان، عن الحسن، عن جون بن قتادة، عن سلمة بن المحبق، به.

وعمران القطان مختلف فيه، وقد أثنى عليه أحمد وغيره، فمثله لا بأس به، لا سيَّما في المتابعات، فهو قرينة قوية على صحة رواية الجماعة عن قتادة، والله أعلم.

[تنبيهان]:

الأول: ذكر ابن منده، وتبعه ابن الأثير: أن جماعة رووا الحديث عن هُشَيْمٍ، عن منصور، ويونس، وغيرهما، عن الحسن، عن سلمة بن المحبق. أي: بإسقاط جون بن قتادة.

ص: 404

وذكروا ممن روى ذلك عن هُشَيْمٍ: شجاع بن مخلد، وأحمد بن منيع البغوي، والحسن بن عرفة، وعمرو بن زرارة، وانظر:(تاريخ دمشق 11/ 329)، (أسد الغابة 1/ 580).

فنقول: الرواة الذين ذكروهم عن هُشَيْمٍ (عدا ابن زرارة)؛ إنما رووه عنه بإسقاط سلمة بن المحبق كما تقدم، وليس بإسقاط جون، بل هذا الإسناد المذكور هو لحديث آخر، كما قال ابن عساكر والمزي.

قال ابن عساكر: ((أما ما حكاه ابن منده عن عمرو بن زرارة، والحسن بن عرفة عن هُشَيْمٍ؛ فإنما ذاك الإسناد لحديث غير هذا)) (تاريخ دمشق 11/ 329).

وقال المزي: ((قد وَهِمَ ابن منده في قوله: إِنَّ الحسن بن عرفة وعمرو بن زرارة وغيرهما رووه عن هُشَيْمٍ بالإسناد الذي ذكره. إنما ذلك الإسناد للحديث الثاني)) (تهذيب الكمال 5/ 164).

الثاني: قد خلط ابن حجر في (النكت الظراف 4/ 53) بين رواية سعيد، ورواية شعبة: فجعل من الرواة الذين رووا الحديث عن شعبة -كبكر بن بكار- جعله عن سعيد.

* * *

ص: 405

روايةُ: ((اشْرَبُوا؛ فَإِنَّ دِبَاغَهُ طَهُورٌ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبّقِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى سِقَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، فَأَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يَشْرَبُوا، فَقَالَ صَاحِبُ السِّقَاءِ:((إِنَّهُ مَيْتَةٌ))، فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:((اشْرَبُوا، فَإِنَّ دِبَاغَهُ طَهُورٌ))

[الحكم]:

المرفوع منه صحيحٌ لشواهده، وإسناده ضعيفٌ.

[التخريج]:

[صحا 1709].

[السند]:

أخرجه أبو نعيم في (الصحابة 1709) قال: حدثنا علي بن حميد، ثنا أسلم بن سهل

(1)

، ثنا زكريا بن يحيي زحمويه، ثنا هُشَيْمٌ، ثنا منصور بن زاذان، عن الحسن، عن جون بن قتادة، عن سلمة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: علي بن حميد بن أبي مخلد الواسطي، ترجم له الخطيب في (تاريخ بغداد 13/ 369)، والذهبي في (تاريخ الإسلام 8/ 168)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال ابن القطان عنه وعن شيخه أسلم:((لا أعرفهما)) (الوهم والإيهام 3/ 306).

(1)

في المطبوع: (أسلم بن سلم)، وأشار محققه أن في نسخة أخرى:(أسلم بن سهل الواسطي)، وهذا الأخير هو الصواب، فهو المعروف في هذه الطبقة برواية علي بن حميد، وروايته عن زحمويه، وقد جاء على الصواب في تعليق أبي نعيم على الخبر، كما سيأتي.

ص: 406

قلنا: أما شيخه فهو أسلم بن سهل الواسطي المعروف بـ ((بحشل))، صاحب ((تاريخ واسط))، وهو ثقةٌ حافظٌ، سئل عنه الحافظ خميس الحوزي

(1)

فقال: ((ثقةٌ ثبتٌ إمامٌ جامعٌ يصلح للصحيح، جمع تاريخ الواسطيين وضبط أسماءهم ورتب طبقاتهم، وكان لا مزيد عليه في الحفظ والإتقان)) (سؤالات السلفي لخميس الحوزي 98)، وقال أبو نعيم:((كان من كبار الحفاظ العلماء من أهل واسط))، وكذا وصفه بالحفظ أبو الحسين ابن المنادي وغيره، وليَّنه الدارقطني، والمعتمد التوثيق، انظر:(لسان الميزان 2/ 97)، و (شذرات الذهب 3/ 388).

وأما زكريا بن يحيى زحمويه؛ فذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 253)، وقال:((كان من المتقنين في الروايات)).

قلنا: لكن المحفوظ عن هُشَيْمٍ في هذا الحديث الإرسال بدون ذكر سلمة بن المحبق؛ كذا رواه (ابن أبي شيبة، وابن منيع، وشجاع، ومحمد بن حاتم، وابن عرفة، والمقابري) عن هشيم بن بشير، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن جون بن قتادة، به. وسيأتي تخريجه عقب هذه الرواية.

فجعل هُشَيْمٌ صحابيّ الحديثِ هو الجون بن قتادة، وقد جزم البغوي في (معجم الصحابة 2/ 24)، وابن منده كما في (تاريخ دمشق 11/ 329)، وتبعه ابن عساكر، وابن الأثير في (أسد الغابة 1/ 580)، والمزي في (تهذيب الكمال 5/ 163)، والذهبي في (تجريد أسماء الصحابة 1/ 94)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 611): بأن ذلك وَهْمٌ من هُشَيْمٍ، وأن

(1)

هو الإمام الحافظ محدث واسط أبو الكرم خميس بن علي بن أحمد الواسطي، كتب وجمع وجرح وعدل. (تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 40 - 41).

ص: 407

الصواب ما رواه قتادة وغيره، عن الحسن، عن الجون، عن سلمة.

ولكن ذهب الحافظ أبو نعيم إلى أن الوَهْمَ في ذلك ممن دون هُشَيْمٍ، مُستدِّلًا برواية زحمويه هذه، فقال: ((أخرجه بعض الواهمين في الصحابة من حديث هُشَيْمٍ عن جون من دون سلمة، ونسب وَهْمَهُ إلي هُشَيْمٍ

، وحكى أيضًا أن جماعة رَوُوه عن هُشَيْمٍ، عن منصور ويونس، عن الحسن، عن سلمة بن المحبق، ولم يذكروا في الإسناد (جونًا)، وهو وَهْمٌ ثانٍ؛ لأَنَّ زكريا بن يحيي زحمويه رواه عن هُشَيْمٍ نحو ذا، والراوي عنه أسلم بن سهل الواسطي، وهو من كبار الحفاظ والعلماء من أهل واسط، فتبين أن الواهم غير هُشَيْمٍ؛ (إذ) وافقت روايته رواية قتادة عن الحسن، عن جون بن قتاده، عن سلمة بن المحبق)) (معرفة الصحابة 2/ 638).

وهذا الذي عناه أبو نعيم: هو الحافظ ابن منده.

وقد انتصر له الحافظ المزي فقال: ((وقد أصاب ابن منده فيما نسبه إلى هُشَيْمٍ من الوهم؛ لأَنَّ ذلك هو المحفوظ عن هُشَيْمٍ، رواه غير واحد عنه كذلك، وأما رواية زحمويه فشاذَّة عن هُشَيْمٍ)) (تهذيب الكمال 5/ 164).

لكن قال الحافظ ابن حجر: ((ويحتمل أن يكون هُشَيْمٌ حدَّث به على الوهم مرارًا وعلى الصواب مرة)) (الإصابة 2/ 323).

ص: 408

384 -

حَدِيثُ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ:

• عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، قَالَ: فَمَرَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِسِقَاءٍ مُعَلَّقٍ، وَفِيهِ مَاءٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ السِّقَاءِ:((إِنَّهُ جِلْدُ مَيْتَةٍ))، قَالَ: فَأَمْسَكَ حَتَّى لَحِقَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((اشْرَبُوا؛ فَإِنَّ دِبَاغَ الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا)).

[الحكم]:

المرفوع منه صحيحٌ لشواهده، وإسناده معلولٌ، الصواب فيه:(عن جون، عن سلمة بن المحبق).

[التخريج]:

[ش 25279 ((مختصرًا)) / علت 519 ((مختصرًا)) / مث 1063/ تطبر (مسند ابن عباس 1210) ((واللفظ له)) / صبغ 506/ صمند (إصا 2/ 322) / قا (1/ 158) / محلى (1/ 120) / كر (11/ 328، 329) / مع (إمام 1/ 310)].

[السند]:

أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 25279)، قال: حدثنا هشيم، عن منصور، عن الحسن، عن جون بن قتادة به مختصرًا

(1)

.

(1)

كذا رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) مرسلًا، وجاء في (المسند 759)، بنفس هذا الإسناد موصولًا بذكر سلمة بن المحبق. ونخشى أن يكون ذكر سلمة بن المحبق مقحم في رواية (المسند) من أحد النساخ، ظنًّا منه أن سقطت خطأ من الأصل، والحديث معروف بذكر (سلمة)، لا سيَّما وأنَّ ابن أبي شيبة نفسه نصَّ في رواية (المصنف)((أن منصورًا لم يذكر سلمة بن المحبق)). ثم إن العلماء الذين تكلموا في رواية هشيم؛ ذكروا أن الصحيح في روايته الإرسال، وإنما تفرَّد زكريا بن يحيى زحمويه عنه بالوصل، مخالفًا الجماعة عن هشيم كما سيأتي، وأعلُّوا روايته بالشذوذ، وانظر:(تهذيب الكمال 5/ 163 - 164). فلو كانت رواية ابن أبي شيبة موصولة عندهم؛ لذكروه متابعًا لزحمويه، والله أعلم.

ص: 409

وأخرجه الترمذي في (العلل الكبير 519)، والبغوي في (معجم الصحابة 506) عن أحمد بن منيع.

وأخرجه البغوي أيضًا -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخه) - عن شجاع بن مخلد.

وأخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 1210) -ومن طريقه ابن حزم في (المحلى 1/ 120) - عن محمد بن حاتم المؤذن.

وأخرجه ابن قانع في (معجم الصحابة 1/ 158) من طريق الحسن بن عرفة.

وأخرجه ابن منده في (معرفة الصحابة) كما في (الإصابة لابن حجر 2/ 322) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخه) - من طريق يحيى بن أيوب المقابري.

جميعهم (ابن أبي شيبة، وابن منيع، وشجاع، ومحمد بن حاتم، وابن عرفة، والمقابري): عن هشيم بن بشير، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن جون بن قتادة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح عدا جون بن قتادة، وقد سبق بيان حاله، وهكذا حدَّث هُشَيْمٌ بهذا الحديث، لم يجاوز به جون بن قتادة، وليس لجون صحبة، كما قال أبو القاسم البغوي، وأبو نعيم، والمزي، وغيرهم، وانظر:(تاريخ دمشق 11/ 328)، و (تهذيب الكمال 5/ 162).

وهذا الحديث إنما يرويه جون، عن سلمة بن المحبق، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب كما سبق بيانه، والله أعلم.

ص: 410

قال ابن حجر: ((واغترَّ أبو محمد ابن حزم بظاهر إسناد هشيم، فروى من طريق الطبري عن محمد بن حاتم، عن هشيم فذكره، كما رواه أحمد بن منيع ومن تابعه وقال: (هذا حديث صحيحٌ، وجون قد صحت صحبته)

(1)

، وتعقبه أبو بكر بن مفوز؛ فقال:(هذا خطأ؛ فجون رجل تابعي مجهول لا يُعرف رَوى عنه إِلَّا الحسن، وروايته لهذا الحديث إنما هي عن سلمة بن المحبق، أخطأ فيه محمد بن حاتم)، قلت -ابن حجر-: ولم يصب في نسبته للخطأ فيه إلى محمد بن حاتم)) (الإصابة 2/ 323). وذلك لأَنَّ محمد بن حاتم متابع من جماعة من الحفاظ كما في السند.

(1)

الذي في مطبوع (المحلى) قوله عقب الحديث: ((جون وسلمة لهما صحبة))، ولكن منهج ابن حزم معروف أنه لا يحتج إِلَّا بحديث صحيح، كما ذكر في مقدمة كتابه.

ص: 411

385 -

حَدِيثُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ:

◼ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَأُتِيَ بِسِقَاءٍ، قِيلَ: إِنَّهُ مَيْتٌ، وَذَكَرُوا الدِّبَاغَ، قَالَ:((فَشَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ لإرساله.

[التخريج]:

[عب 193].

[السند]:

رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين لكنه مرسل؛ الحسن البصري من أئمة التابعين، لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 412

روايةُ ((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، وَقَالَ:((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن، وإسناده ضعيفٌ لإرساله.

[التخريج]:

[تطبر (مسند ابن عباس 1211)].

[السند]:

قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: حدثني ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، به.

عوف هو ابن أبي جميلة الأعرابي.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح إِلَّا أنه مرسل؛ وصحَّ نحوه عن ابن عباس وغيره، كما سبق.

ص: 413

386 -

حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ:

◼ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ، فَأَتَيْتُ خِبَاءً، فَإِذَا فِيهِ امْرَأَةٌ أَعْرَابِيَّةٌ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يُرِيدُ مَاءً يَتَوَضَّأُ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ مَاءٍ؟ قَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَاللهِ مَا تُظِلُّ السَّمَاءُ، وَلَا تُقِلُّ الْأَرْضُ رُوحًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رُوحِهِ، وَلَا أَعَزَّ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْقِرْبَةَ مَسْكُ مَيْتَةٍ، وَلَا أُحِبُّ أُنَجِّسُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:((ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ دَبَغَتْهَا، فَهِيَ طَهُورُهَا))، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: إِيْ وَاللهِ، لَقَدْ دَبَغْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ مِنْهَا وَعَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ، وَعَلَيْهِ خُفَّانِ، وَخِمَارٌ، قَالَ: فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، قَالَ: مِنْ ضِيقِ كُمَّيْهَا، قَالَ: فَتَوَضَّأَ، فَمَسَحَ عَلَى الْخِمَارِ، وَالْخُفَّيْنِ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيفٌ، وضعَّفه ابن الجوزي -وأقرَّه ابن عبد الهادي، وابن الملقن-، وأما طهارة جلود الميتة بالدباغ فصحيحٌ كما تقدم.

[التخريج]:

[حم 18225].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه فيما يأتي.

ص: 414

روايةُ: ((دِبَاغُهُ طَهُورُهُ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ:((دِبَاغُهُ طَهُورُهُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن بما سبق من شواهد، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[طب (20/ 368/ 859)].

[السند]:

أخرجه أحمد في (المسند) قال: ثنا أبو المغيرة، ثنا معان بن رفاعة، حدثني علي بن يزيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة الباهلي، عن المغيرة بن شعبة، به، مطولًا بلفظ الراوية الأولى.

وأخرجه الطبراني في (الكبير)، عن أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، ثنا أبو المغيرة، عن معان بن رفاعة، به.

[التحقيق]:

هذا سندٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: معان بن رفاعة، وهو السلامي؛ مختلف فيه، ولخص حاله الحافظ فقال:((لين الحديث كثير الإرسال)) (التقريب 6747).

الثانية: علي بن يزيد، وهو الألهاني؛ قال الحافظ:((ضعيف)) (التقريب 4817).

قلنا: ولا سيَّما أحاديثه عن القاسم، عن أبي أمامة، فقد نصَّ على ضعْفها ابن معين، وأبو حاتم، قال ابن معين: ((أحاديث علي بن يزيد، عن

ص: 415

القاسم، عن أبي أمامة؛ مرفوعة ضعيفة)) (تهذيب التهذيب 7/ 346).

ولذا قال ابن الجوزي: ((مطعون فيه)) (التحقيق 1/ 88)، وأقرَّه ابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 117).

وقال ابن الملقن: ((وعلي والقاسم: ضعيفان)) (البدر المنير 1/ 617).

وقال الهيثمي: ((رواه أحمد، والطبراني في (الكبير) ببعضه، وفيه علي بن يزيد، عن القاسم، وفيهما كلام وقد وثقا)) (المجمع 1087).

قلنا: والقاسم، الراجح فيه أنه صدوق، وأما المناكير في رواياته فمن الرواة عنه، كما قال البخاري وأبو حاتم وغيرهما، وقد تقدم بيان ذلك.

ص: 416

387 -

حَدِيثُ أَبِيِ لَيْلَى:

◼ عَنْ ثَابِتِ البُنَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي الْمَسْجِدِ، فَأُتِيَ برَجُلٍ ضَخْمٍ (فَأَتَاهُ رَجُلٌ ذُو ضَفْرَيْنِ ضَخْمٌ)، فَقَالَ: يَا أَبَا عِيسَى، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ فِي الْفِرَاءِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُصَلِّي فِي الْفِرَاءِ؟ قَالَ:((فَأَيْنَ الدِّبَاغُ؟ )).

[قَالَ ثَابتٌ]: فَلَمَّا وَلَّى قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ.

[الحكم]:

ضعيفٌ، وضعَّفه البيهقي، والهيثمي، والبوصيري.

[التخريج]:

[حم 19060 ((واللفظ له)) / ش 25261 ((والرواية له)) / تخ (8/ 420) / عم 19060/ مث 2150/ فة (2/ 225) / تطبر (مسند ابن عباس 1213، 1214) / معر 1294/ هق 86 ((والزيادة له))، 4250/ إمام (1/ 307 - 308)].

[السند]:

أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) -وعنه أحمد في (المسند)، وابن أبي عاصم في (الآحاد) - قال: حدثنا علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن ثابت، به.

ورواه البخاري في (التاريخ الكبير)، قال: قال عبيد الله بن موسى: عن ابن أبي ليلى، به.

ومداره عندهم على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت، عن

ص: 417

عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، به.

[التحقيق]:

هذا إسناده ضعيفٌ؛ رجالُه ثقاتٌ عدا ابن أبي ليلى، وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ قال عنه الحافظ:((صدوق سيئ الحفظ جدًّا)) (التقريب 6081).

وبه أعلَّه البوصيري فقال: ((هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعْفِ محمد بن أبي ليلى)) (الإتحاف 1169).

وقال الهيثمي: ((رواه أحمد، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ تكلم فيه لسوء حفظه، ووثقه أبو حاتم)) (المجمع 1093).

قلنا: لم يوثقه أبو حاتم، سواء قصد به أبا حاتم ابن حبان، أو أبا حاتم الرازي، ولعله أراد العجلي، فسبقه القلم، والله أعلم، وانظر:(تهذيب التهذيب 9/ 302).

وقد اختُلف عليه في سنده أيضًا، فقال البيهقي:((رواه بعض الناس عن عبيد الله بن موسى بإسناده عن ثابت عن أنس، وهو غلط))، ثم ذكره بإسناده وقال:((فالإسناد الأول أولى أن يكون محفوظًا، وابن أبي ليلى هذا كثير الوَهْمِ)) (السنن الكبرى عقب رقم 88).

ص: 418

روايةُ السُّؤَالِ عن الصَّلَاةِ فِي الْفِرَاءِ وَالْمَسَاتِقِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْفِرَاءِ وَالْمَسَاتِقِ، قَالَ:((وَفَى الدِّبَاغُ عَنْكُمْ)).

[الحكم]:

إسناده ساقطٌ.

[التخريج]:

[جصاص (1/ 149)].

[السند]:

قال الجصاص: حدثنا عبد الباقي بن قانع، قال: حدثنا إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا الحسن بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن سلمة، عن ابن أبي ليلى، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثني أبي، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه: عبد الله بن سلمة الأفطس، أبو عبد الرحمن البصري، وهو متروك الحديث، كما قال أحمد، وأبو حاتم، والنسائي، والفلاس، وقال أحمد أيضًا:((وكان خبيث اللسان))، وقال الساجي:((كان يحيى ينسبه إلى الكذب)). انظر: (لسان الميزان 4/ 487 - 488)، و (تاريخ الإسلام 4/ 1139 - 1140).

ص: 419

388 -

حَدِيثُ أَنَسٍ:

◼ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي الصَّلَاةِ فِي الْفِرَاءِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((فَأَيْنَ الدِّبَاغُ؟ ! )).

[الحكم]:

ضعيفٌ معلولٌ، وضعَّفه البيهقي.

[التخريج]:

[هق 87 ((واللفظ له)) / أبو الشيخ (الحاوي للسيوطي 1/ 21)].

[السند]:

قال البيهقي: أخبرنا أبو بكر بن الحارث، أخبرنا أبو محمد بن (حيَّان) يعرف بأبي الشيخ، حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد الثقفي، حدثنا عبد الله بن محمد بن عمرو الأزدي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا ابن أبي ليلى، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ؛ عدا ابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن، فسيئ الحفظ كما تقدم.

والصحيح في إسناد هذا الحديث: أنه من حديث أبي ليلى والد عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ هكذا رواه البخاري في (التاريخ الكبير 8/ 420)، ومحمد بن المثنى، كما في (تهذيب الآثار للطبري 1213)، ومحمد بن إسحاق الصغاني، كما في (السنن الكبرى للبيهقي 87).

ثلاثتهم (البخاري، وابن المثنى، والصاغاني): عن عبيد الله بن موسى،

ص: 420

به، وقد تقدم.

ولذا قال البيهقي -عقب حديث أبي ليلى السابق-: ((رواه بعض الناس، عن عبيد الله بن موسى بإسناده، عن ثابت، عن أنس وهو غلط))، ثم ذكره بإسناده، وقال:((فالإسناد الأول -يعني: من حديث أبي ليلى- أولى أن يكون محفوظًا، وابن أبي ليلى هذا كثير الوَهْمِ)).

ص: 421

389 -

حَدِيثُ سَلْمَانَ:

◼ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ شَاةً لِبَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاتَتْ، فَقَالَ:((أَلَا انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا؟ ))، فَقِيلَ: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ:((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)).

[الحكم]:

صحيح المتن بما سبق، وإسناده ضعيفٌ.

[التخريج]:

[تطبر (مسند ابن عباس 1215)].

[السند]:

قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن شهر، عن سلمان الفارسي، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ، من أجل ليث بن أبي سليم، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب ((الانتفاع بجلود الميتة)).

ص: 422

390 -

حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ:

◼ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن بشواهده كما تقدم، وهذا إسناده ضعيفٌ جدًّا، وضعَّفه ابن الملقن، والمناوي.

[التخريج]:

[قط 122].

[السند]:

أخرجه الدارقطني، قال: حدثنا إسماعيل بن هارون بن مردانشاه ومحمد بن مخلد، قالا: نا إسحاق بن أبي إسحاق الصفار، نا الواقدي، نا معاذ بن محمد الأنصاري، عن عطاء الخراساني، عن سعيد بن المُسَيِّب، عن زيد بن ثابت، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: الواقدي، وهو متروكٌ متهمٌ بالكذب والوضع، كما تقدم مرارًا.

ولهذا قال ابن الملقن: ((رواه الطبراني من طريق الواقدي؛ وهو مكشوف الحال)) (البدر المنير 1/ 617).

وشيخه معاذ الأنصاري: ((مقبول)) كما في (التقريب 6739).

وبهما ضعف المناوي الحديث في (فيض القدير 3/ 516)، وفي (التيسير 2/ 2).

ص: 423

[تنبيه]:

عزاه الزيلعي في (نصب الراية 1/ 119) -وتبعه ابن حجر في (الدراية 1/ 58) - للبيهقي، ولم نجده في المطبوع من كتبه.

وعزاه ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 617) للطبراني، وتبعه ابن حجر في (التلخيص 1/ 81)، والمتقي الهندي في (كنز العمال 26761)، ولم نجده عند الطبراني، ولا عزاه الهيثمي له في (المجمع).

بيد أنه لم يعزه أحد ممن سبق إلى الدارقطني، مما يغلب على الظن أنه وَهْمٌ، أو سبْق قلمٍ، والصواب الدارقطني، والله أعلم.

ولعل لهذا اقتصر السيوطي في (الحاوي للفتاوي 1/ 16)، وكذا في (الجامع الصغير 4168) على عزوه إلى الدارقطني وحده، ورمز لحسنه، وهو تساهل.

وعزاه الحافظ في (التلخيص 1/ 81) لـ (تاريخ نيسابور).

ص: 424

391 -

حَدِيثُ أَبِيِ أُمَامَةَ:

◼ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَمَرَّ بِأَهْلِ أَبْيَاتٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ:((هَلْ مِنْ مَاءٍ لِوُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ )) فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا مَاءٌ إِلَّا فِي إِهَابِ مَيْتَةٍ، دَبَغْنَاهُ بِلَبَنٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ:((أَنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ)) فَأُتِيَ بِهِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى.

[الحكم]:

إسناده ضعيفٌ جدًّا، وضعَّفه الهيثمي، وابن الملقن، وأما طهارة الإهاب بالدباغ، فثابتة كما تقدم.

[التخريج]:

[طب 7711/ طس 1052 ((واللفظ له)) / عد (8/ 545)].

[السند]:

أخرجه الطبراني في (الكبير) و (الأوسط)، وابن عدي في (الكامل) قالا -والسياق للطبراني في (الكبير) -: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثنا أبو جعفر النفيلي، حدثنا عفير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:

الأولى: عفير بن معدان؛ قال عنه أحمد: ((ضعيفٌ، منكر الحديث))، وقال يحيى:((ليس بشيء))، وقال مرة:((ليس بثقة))، وقال:((أحاديث سليم بن عامر تلك من أين وقع عليها؟ ! ))، وشبهه بأبي مهدي سعيد بن سنان، وأبو مهدي هذا متروك رمي بالوضع.

ص: 425

وقال أبوحاتم: ((ضعيف الحديث، يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمناكير ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته)) (تهذيب الكمال 20/ 177)، وقال الحافظ:((ضعيف)) (التقريب 4626).

قلنا: وحديثه هذا من روايته عن سليم بن عامر.

وقد عدَّ ابن عدي هذا الحديث من مناكيره؛ فذكره في ترجمته، ثم قال في آخرها:((وعامة رواياته غير محفوظة)).

الثانية: أحمد بن عبد الرحمن شيخ الطبراني وابن عدي، هو ابن عقال الحراني، قال عنه أبو عروبة:((ليس بمؤتمن على دينه))، وروى له ابن عدي حديثًا خطأه فيه، وقال:((ولم أَرَ له أنكر من هذا وهو ممن يكتب حديثه)) (اللسان 1/ 523).

وضعَّفه الهيثمي بعفير فقط، فقال:((رواه الطبراني في (الأوسط)، و (الكبير)، وفيه عفير بن معدان؛ وقد أجمعوا على ضعْفه)) (المجمع 1089).

وضعَّفه به أيضًا ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 613).

قلنا: ذكر أبو بكر الأثرم ما يدل على أنه قد رُوِيَ أصل الحديث عن أبي أمامة من غير طريق عفير، فقال:((سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر حديثًا عن القاسم الشامي، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في أن الدباغ طهور، فأنكره، وحمل على القاسم، وقال: (يروي علي بن يزيد عنه أعاجيب)، وتكلم فيهما، وقال:(ما أرى هذا إِلَّا من قبل القاسم))) (الجرح والتعديل 7/ 113).

ولم نقف عليه من رواية القاسم، وهو أبو عبد الرحمن الشامي، مختلف

ص: 426

فيه، ولخص حاله الحافظ فقال:((صدوق يغرب كثيرًا)) (التقريب 5470)، والراجح أن المناكير التي في حديثه غالبها ممن روى عنه من الضعفاء، ولم يذكر لنا الأثرم من روى عنه هذا الحديث، ويظهر من سياق كلامه أنه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيفٌ كما في (التقريب 4817).

ص: 427

392 -

حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ:

◼ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ لَنَا شَاةٌ نَحْلُبُهَا، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((مَا فَعَلَتْ شَاتُكُمْ؟ ))، قَالُوا: مَاتَتْ، قَالَ:((مَا فَعَلْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلْقَيْنَاهُ، قَالَ:((أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ ))، [قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم]:((فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا، يَحِلُّ كَمَا يَحِلُّ الْخَلُّ مِنَ الْخَمْرِ)) (إِنَّ دِبَاغَهَا أَحَلَّهَا، كَمَا أَحَلَّ الْخَمْرَ الخَلُّ))).

[الحكم]:

منكرٌ بذكر تحليل الخل للخمر، وضعَّفه: ابن عدي، والدارقطني -وأقرَّه: الغساني، وابن دقيق العيد، والذهبي، والزيلعي، وابن الملقن، والعيني-، والحاكم، والبيهقي، وعبد الحق الإشبيلي - وأقرَّه ابن القطان-، وابن الجوزي -وأقرَّه ابن عبد الهادي-، وابن القيم، والهيثمي، وابن حجر، والشوكاني، والألباني.

وأما الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ؛ فصحيحٌ كما تقدم.

[التخريج]:

[عل (مط 25)، (خيرة 491) ((والرواية له)) / طب (23/ 360/ 847) ((واللفظ له)) / طس 417 ((والزيادة له))، 9390/ ............ ].

سبق تخريجه وتحقيقه في باب ((الانتفاع بجلود الميتة)).

ص: 428

393 -

حَدِيثُ مَكْحُولٍ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ؟ فَقَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ تُسَمَّى: قَمَرٌ، فَفَقَدَهَا يَومًا فَقَالَ:((مَا فَعَلَتْ قَمَرُ؟ )) فَقَالُوا: مَاتَتْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:((فَمَا فَعَلْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ )) قَالُوا: مَيْتَةٌ! ، قَالَ:((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)).

[الحكم]:

ضعيفٌ لإرساله.

[التخريج]:

[سعد (1/ 427)].

[السند]:

قال (ابن سعد): أخبرنا الأسود بن عامر، والهيثم بن خارجة، قالا: أخبرنا يحيى بن حمزة، عن زيد بن واقد، والنعمان، عن مكحول، به.

وقال: ((ولم يذكر الهيثم في حديثه النعمان، وقال في حديثه: عن زيد، عن مكحول)).

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، إِلَّا أنه مرسل؛ فمكحول الشامي، تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم (التقريب 6875).

ص: 429

394 -

حَدِيثُ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ لِسَوْدَة بِنْتِ زَمْعَةَ، فَقَالَ:((أَلَا انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا، فَإِنَّ دَبْغَهَا طَهُورُهَا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن بما سبق، وإسناده ضعيفٌ؛ لإرساله.

[التخريج]:

[ش 25270].

سبق تخريجه وتحقيقه برواياته في باب: ((الانتفاع بجلود الميتة)).

ص: 430

395 -

حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ:

◼ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي غَيْرُ عَطَاءٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَوْهَبَ وَضُوءًا، فَقِيلَ لَهُ: مَا نَجِدُ لَكَ إِلَّا فِي مَسْكِ مَيْتَةٍ، قَالَ:((أَدَبَغْتُمُوهُ؟ )) قَالُوا: نَعَم. قَالَ: ((هَلُمَّ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ طَهُورٌ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن بما سبق، وهذا إسنادٌ مرسلٌ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[عب 189].

[السند]:

قال عبد الرزاق: أخبرنا ابنُ جُرَيجٍ، قال: حدثني غير عطاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم استوهب

الحديث.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: إبهام مَنْ حدَّث ابنَ جُرَيجٍ.

الثانية: الإرسال؛ فابنُ جُرَيجٍ لم يلقَ أحدًا من الصحابة كما قال علي بن المديني (جامع التحصيل صـ 229)؛ فشيخه في هذه الرواية تابعي؛ فيكون مرسلًا أيضًا، مع إبهامه.

هكذا رواه عبد الرزاق، وقد رواه أبو قُرَّة الزبيدي، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن أبي قَزَعَةَ، عن أنس مسندًا كما سبق.

* وفي الباب أحاديث أخرى، انظرها في الأبواب التالية.

ص: 431