المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌54 - باب طهارة طين المطر - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٤

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌53 - بابُ تَطْهِيرِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الكَلْبِ

- ‌54 - بَابُ طَهَارَةِ طِينِ الْمَطَرِ

- ‌55 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الْإِنْسَانِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ

- ‌56 - بَابُ طَهَارَةِ البُزَاقِ وَالْمُخَاطِ وَالنُّخَامَةِ وَنَحْوِهَا

- ‌57 - بَابٌ: فِيمَا صُبِغَ بِالنَّجَاسَةِ

- ‌58 - بَابُ طَهَارَةِ عَرَقِ الدَّوَابِ وَلُعَابِهَا

- ‌أبواب الْجُلُودِ

- ‌59 - بَابٌ فِي الانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ

- ‌60 - بَابُ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ

- ‌61 - بَابُ: مَا يُدبَغُ بِهِ جُلُودُ الْمَيْتَةِ

- ‌62 - بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ الْمَيْتَةِ وَصُوفِهَا وَعَظْمِهَا

- ‌63 - بَابُ التَّوَضُّؤِ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ

- ‌64 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّهْي عَنِ الانْتِفَاعِ بِشَيءٍ مِنَ الْمَيْتَةِ

- ‌65 - بابُ النَّهْيِّ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ والنُّمُورِ

- ‌66 - بَابُ طَهَارَةِ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِذَا كَانَ ذَكِيًّا

الفصل: ‌54 - باب طهارة طين المطر

‌54 - بَابُ طَهَارَةِ طِينِ الْمَطَرِ

322 -

حديثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:

◼ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه [وَكَانَ لِي صَدِيقًا] 1؛ فَقُلْتُ: أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ نَتَحَدَّثُ! فَخَرَجَ، فَقَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ القَدْرِ.

قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ:((إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ))، فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، [فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ] 2، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ:((إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ))، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ:((مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلْيَرْجِعْ [إِلَى مُعْتَكَفِهِ] 3؛ فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ [صَبِيحَتَهَا] 4 فِي طِينٍ وَمَاءٍ؛ [فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ] 5)[فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ] 6 - وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ-، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ (سَحَابَةٌ) 1، فَأُمْطِرْنَا [تِلْكَ اللَّيْلَةَ][حَتَّى سَالَ سَقْفُ المَسْجِدِ][فَأَبْصَرْتُ الطِّينَ وَالْمَاءَ][وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ] 10؛ فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم [فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ] 11 حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

ص: 76

وَأَرْنَبَتِهِ (وَرَوْثَةِ أَنْفِهِ) 2؛ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ، [وَإِذَا هِيَ لَيلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ] 12)).

[الحكم]:

متفقٌ عليه (خ، م)، دون بعض الزيادات والروايات فللبخاري وحده، وبعضها لمسلم.

[التخريج]:

[خ 813 ((واللفظ له))، 2016 ((والرواية الأولى، والزيادة الأولى والثامنة والعاشرة له))، 2027 ((والزيادة الخامسة والسابعة له))، 2036 ((والزيادة الثانية والسادسة له))، 2040 ((والزيادة الثالثة له)) / م (1167/ 215)((والرواية الثانية، والزيادة الرابعة والتاسعة والحادية عشر والثانية عشر له)) / د 1375/ ن 1107/ كن 770، 3533، 3572، 3573/ جه 1752/ طا 890/ حم 11034، 11580، 11704/ خز 2244، 2287، 2305، 2309/ حب 3677، 3681، 3688، 3689/ عه 3287 - 3288/ طي 2301 ((والزيادة عشر له)) / عب 7820 - 7821/ ش 9632/ عل 1158/ حمد 756/ مسن 2664 - 6667/ ثو 356/ مزنش (8/ 156) / طح (3/ 89) / طحق 1104، 1105/ غحر (1/ 171 - 172) / قيار (ص 256) / لي (رواية ابن مهدي 105) / بشن 873/ ثعلب 3569، 3570 / مطغ 839/ عط (سليم 15)، (خطيب 9)، (حاجب 64) / أصبهان (1/ 334) / هق 2691، 3572، 8610، 8642، 8663، 8665/ هقع 3513، 3514، 9066/ هقف 88/ شعب 3673، 3400/ استذ (10/ 321 - 322) / تمهيد (23/ 53) / غيب 1814/ بغ 1825/ بغت (8/ 488) / تحقيق 1179/ كر (5/ 32 - 33) / معكر 1151/ عمدة 19/ مشط 45/ مشب 740/ علائي

ص: 77

(مالك ص 125 - 126) / مخلص 599/ لحظ (ص 188) / مقدض 62/ كرغي (ص 382 - 384) / وسيط (4/ 534) / يمن (رمضان 14) / فحيم 18/ زاهر (العبدي 43) / ضياء (مرو 830) / ضياء (بلغة 45) / بحير (49)].

[السند]:

قال البخاري (813): حدثنا موسى، قال: حدثنا همام، عن يحيى، عن أبي سلمة، به.

أبو سلمة هو: ابن عبد الرحمن، ويحيى هو: ابن أبي كثير، وهمام هو: ابن يحيى، وموسى هو: ابن إسماعيل التبوذكي.

ورواه مسلم، قال: حدثني محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر، حدثنا عمارة بن غزية الأنصاري، قال: سمعت محمد بن إبراهيم، يحدث، عن أبي سلمة، به.

ص: 78

رِوَايةٌ مُخْتَصَرَةٌ:

• وَفِي رِوَايةٍ مُخْتَصَرَةٍ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدُرِيَّ، فَقَالَ:((جَاءَتْ سَحَابَةٌ، فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ - وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ -، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ: ((فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثرَ [الْمَاءِ وَ] 1 الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ [وَأَرْنَبَتِهِ (وَأَنْفِهِ)] 2، [مِنْ صُبْحِ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ] 3)).

[الحكم]:

متفقٌ عليه (خ - م)، عدا الزيادة الثانية فلمسلم، والرواية والزيادة الأولى والثالثة فللنسائي، وإسناده صحيحٌ.

[التخريج]:

[خ 669 ((واللفظ له))، 836/ م (1167/ 216) ((والزيادة الثانية له)) / ن 1107 ((والرواية والزيادة الأولى والثالثة له)) / ش 5001/ تطبر (مسند ابن عباس 303) / نبغ 419].

[السند]:

قال البخاري في الموضعين: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، به.

ورواه مسلم، قال: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، (ح) وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي كلاهما: عن يحيى بن أبي كثير، به.

تحقيق الرواية، والزيادة الأولى، والثالثة:

أخرجهم النسائي في (المجتبى 1107)، قال: أخبرنا محمد بن سلمة،

ص: 79

والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، واللفظ له، عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، به.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا الحارث بن مسكين، وهو ثقةٌ، كما في (التقريب 1049)، وأيضًا هو متابع من محمد بن سلمة المرادي، وهو ثقةٌ ثبتٌ من رجال مسلم، (التقريب 5921).

وقد تقدمت أيضًا في الأحاديث المطولة عند البخاري (2040)، (2027).

ص: 80

روايةٌ مفصلةٌ:

• وَفِي رِوَايةٍ: قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمضِي، وَيَستَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ، وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ أَقَامَ فِي شَهْرٍ جَاوَرَ فِيهِ [تِلْكَ] الْلَّيْلَةَ الَّتِي كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَمَرَهُمْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: ((كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَليَثبُتْ (فَلْيَبِتْ) فِي مُعْتَكَفِهِ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ الْلَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، فَابْتَغُوهَا (فَالْتَمِسُوهَا) فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ))، [قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ:] فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ فِي تِلْكَ الْلَّيْلَةِ فَأَمْطَرَتْ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ إِحْدَى وَعشرينَ، فَبَصُرَتْ عَيْنِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ انْصَرَفَ مِنْ [صَلَاةِ] الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ مُمْتَلئٌ (مُبْتَلٌّ) طِينًا وَمَاءً)).

[الحكم]:

متفقٌ عليه (خ - م)، دون الزيادات والروايات فلمسلم.

[الفوائد]:

قال ابن حجر: ((وفي حديث أبي سعيد من الفوائد: ترك مسح جبهة المصلِّي، والسجود على الحائل، وحمله الجمهور على الأثر الخفيف، لكن يعكر عليه قوله في بعض طرقه: ((وَوَجهُهُ مُمتَلئٌ طينًا وَمَاءً))، وأجاب النووي: بأن الامتلاء المذكور لا يستلزم ستر جميع الجبهة)) (فتح الباري 4/ 258 - 259).

[التخريج]:

[خ 2018 ((واللفظ له)) / م (1167/ 213) ((والروايات له والزيادات

ص: 81

له ولغيره)) / ن 1372/ كن 1372، 3527/ حب 3682/ ثو 360/ طحق 1106، 1107/ رشيق 53/ مسن 2662، 2663/ هق 8663/ هقع 9103/ تمهيد (23/ 65 - 66) / مقدض 63].

[السند]:

قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن حمزة، قال: حدثني ابن أبي حازم، والدراوردي، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، به.

ورواه مسلم، والنسائي، عن قتيبة بن سعيد، عن بكر بن مضر، عن ابن الهاد، به.

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ ليسَ فيها تعيين الليلة:

• وَفِي رِوَايةٍ مُخْتَصَرَةٍ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رُئِيَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَعَلَى أَرنَبَتِهِ أَثَرُ طِينٍ [مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ] مِنْ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالنَّاسِ، [وَكَانُوا مُطِرُوا مِنَ الْلَّيْلِ])).

[الحكم]:

صحيحٌ، صححه الألباني، وأصله في (الصحيحين)، كما سبق.

[التخريج]:

[د 886 ((واللفظ له))، 887، 904/ حم 11895 والزيادتان له ولغيره/ عب 3012/ علحم 5532/ منذ 1450].

ص: 82

[السند]:

أخرجه عبد الرزاق - ومن طريقه أحمد، وأبو داود (887) -، عن مَعْمَر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، به.

ورواه أبو داود (886): عن محمد بن المثنى، عن صفوان بن عيسى، عن مَعْمَر، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه كلُّهم ثقاتٌ، وصححه الألباني في (صحيح أبي داود 833).

[تنبيه]:

رواه أبو داود في (السنن 904)، عن مؤمل بن الفضل، عن عيسى بن يونس، عن مَعْمَر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، به.

قال أبو علي اللؤلؤي

(1)

- راوي (السنن) عن أبي داود - عقب هذه الرواية: ((هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة)).

قلنا: أعرض أبو داود عن هذه الرواية؛ لوجود خطأ في إسنادها؛ وذلك لأَنَّ المحفوظ من رواية عيسى بن يونس، هو بذكر الزُّهري، عن

(1)

هو أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي البصري، وهو راوي (سنن أبي داود)، وروايته من أصح الروايات؛ لأنها من آخر ما أملى أبو داود، وعليها مات. وكان قد قرأ كتاب (السنن) على أبي داود عشرين سنة، وكان يُدعَى ورّاق أبي داود، يعني: القارئ للناس، انظر:(سير أعلام النبلاء 15/ 307)، و (عون المعبود 14/ 135).

ص: 83

أبي سلمة، وليس يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة؛ ويدل على هذا الخطأ أمران:

أولًا: رواه جماعة، عن عيسى بن يونس، عن مَعْمَر، عن الزُّهري، عن أبي سلمة، به.

وسيأتي تخريج روايتهم والكلام عليهم في الرواية التالية.

ثانيًا: ذكر الإمام أحمد، والدارقطني: أن عيسى بن يونس تفرَّد بذكر الزُّهري في هذه الرواية، كما سيأتي.

فلعله من أجل ذلك أعرض أبو داود عن هذه الرواية، وكان يضرب على ما يرتاب في إسناده

(1)

؛ فقد ذكر أبو عمر الهاشمي - وهو راوي السنن عن اللؤلؤي -: ((أن الزيادات التي في رواية ابن داسة

(2)

قد حذفها أبو داود آخرًا لأمرٍ رَابَهُ في الإسناد)) انظر: (التقييد لابن نقطة 1/ 33)، و (سير أعلام النبلاء 15/ 307).

ومما يدل على ذلك: أن بدر الدين العيني لم يذكر هذه الرواية في أصل شرحه على أبي داود، بل ذكرها في ثنايا الشرح، وذكر أنه وجدها في بعض

(1)

ومثال ذلك مما أعرض عنه أبو داود: أنه أخرج في (السنن 3030) عن علي بن أبي طالب، قال: ((لَئِنْ بَقِيتُ لِنَصَارَى بَنِى تَغْلِبَ لأَقْتُلَنَّ الْمُقَاتِلَةَ،

الحديث))، قال أبو داود (عقبه):((هذا حديثٌ منكرٌ، بلغني عن أحمد أنه كان ينكر هذا الحديث إنكارًا شديدًا))، قال أبو علي:((ولم يقرأه أبو داود في العرضة الثانية)).

(2)

وهو أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق بن داسة البصري، التمار، راوي (السنن) عن أبي داود، وروايته هي أكمل الروايات، ففيها زيادات عن غيرها، وانظر:(سير أعلام النبلاء 15/ 538)، (عون المعبود 14/ 135).

ص: 84

النسخ، انظر:(شرح أبي داود 4/ 132).

فلعل اعتماد العيني في الشرح كان على رواية اللؤلؤي؛ لأنها من أصح الروايات وهي المروجة في بلاد الهند، والحجاز، وبلاد المشرق من العرب، بل أكثر البلاد، وهي المفهومة من (السنن) لأبي داود عند الإطلاق، وعليها اعتمد أكثر المحدثين، انظر:(عون المعبود 14/ 135).

ص: 85

روايةُ ((فَرُئِيَ أَثَرُ جَبِينِهِ وَتَرْقُوَتِهِ فِي مَاءٍ وَطِينٍ)):

• وَفِي رِوَايةٍ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي طِينٍ، فَرُئِيَ أَثَرُ جَبِينِهِ وَتَرْقُوَتِهِ فِي مَاءٍ وَطِينٍ)).

[الحكم]:

صحيحٌ، دون قوله:((وَتَرْقُوَتِهِ))، والمحفوظ كما تقدم في (الصحيحين) بلفظ:((جَبِينِهِ وَرَوْثَةِ أَنْفِهِ))، وفي رواية:((أَرنَبَتِهِ وَجَبْهَتِهِ)).

[اللغة]:

(((الترقوة): هي العظم المشرف في أَعلَى الصدر، وهما ترقوتان وَالجمع تراقي)) (غريب الحديث لابن الجوزي 1/ 106).

[التخريج]:

[تطبر (مسند ابن عباس 302)].

[السند]:

قال الطبري: حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا عيسى بن يونس، عن مَعْمَر، عن الزُّهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ عدا إسماعيل بن موسى الفزاري؛ فهو وإن كان صدوقًا، إِلَّا أنه يخطئ، كما قال الحافظ في (التقريب 492)، وذكر له الذهبي بعض الأوهام في (الميزان 1/ 251 - 252).

وقد تفرَّد إسماعيل بلفظ: ((تَرْقُوَتِهِ))، وقد خالفه أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي، كما في (العلل لعبد الله بن أحمد 5532).

و (الهروي): وثَّقه ابن معين، وغيره، وأثنى عليه أحمد، (لسان الميزان

ص: 86

2/ 31).

وأيضًا قد رواه عبد الرزاق، وصفوان بن عيسى- كما تقدم في الرواية السابقة -، كلاهما: عن معمر، بدون هذا اللفظة، وهذا مما يؤكد نكارتها، إلأ أنهما قالا في سنده:(عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، به)، وخالفهم عيسى بن يونس؛ فرواه (عن معمر، عن الزُّهري، عن أبي سلمة)، وذِكْرُ الزُّهري فيه خطأٌ؛ فعبد الرزاق من أثبت الناس في مَعْمَرٍ، وتابعه صفوان بن عيسى وهو (ثقةٌ)، وهذا هو المحفوظ، فقد رواه هشام الدستوائي، وهمام بن يحيى، والأوزاعي، وعلي بن المبارك -جميعهم-: عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، به. كما في (الصحيحين).

لذا قال الإمام أحمد: ((أخطأ فيه عيسى، إنما رواه مَعْمَرٌ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سعيدٍ قصة طويلة، وليس هو عن الزُّهري، إنما هو عن يحيى بن أبي كثير)) (العلل رواية عبد الله: 5532).

وقال الدارقطني: ((غريبٌ من حديث الزُّهري عن أبي سلمة، تفرَّد به عيسى بن يونس، عن معمر، عنه، والمحفوظ: عن يحيى بن أبي كثير، عنه)) (أطراف الغرائب والأفراد 2/ 331).

وقال في (العلل 11/ 339): ((وَرُوِي عن عيسى بن يونس، عن معمر، عن الزُّهري، عن أبي سلمة، وليس هذا من حديث الزُّهري، والصواب حديث يحيى بن أبي كثير)).

ص: 87

روايةُ: ((وَهَاجَتْ عَلَيْنَا السَّمَاءُ آخِرَ تِلْكَ الْعَشِيَّةِ)):

• وَفِي رِوَايةٍ: ((

وَهَاجَتْ عَلَيْنَا السَّمَاءُ آخِرَ تِلْكَ الْعَشِيَّةِ، وَكَانَ نِصْفُ الْمَسْجِدِ عَرِيشًا مِنْ جَرِيدٍ فَوَكَفَ، فَوَالَّذِي هُوَ أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ لَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي بِنَا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَإِنَّ جَبْهَتَهُ (جَبِينَهُ) وَأَرْنَبَةَ أَنْفِهِ لَفِي الْمَاءِ وَالطِّينِ)).

[الحكم]:

صحيحٌ دون قوله: ((صَلَاةَ الْمَغْرِبِ))، والمحفوظ بلفظ:((صَلَاةَ الصُّبْحِ))، كما في (الصحيحين)، وغيرهما.

[التخريج]:

[حم 11186 ((واللفظ له)) / جا 203 ((والرواية له)) / جع 210/ معر 2158/ عل 1280/ مبسوط (2/ 292)].

[السند]:

قال أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، به.

ورواه إسماعيل بن جعفر - ومن طريقه ابن الأعرابي -، عن محمد بن عمرو، به.

ورواه الباقون من طريق محمد بن عمرو، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، عدا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي؛ فهو:((صدوقٌ له أوهام))، كما في (التقريب 6188).

وقد تفرَّد بلفظ: ((صَلَاةَ الْمَغْرِبِ))، وقد خالفه الجماعة عن أبي سلمة بن

ص: 88

عبد الرحمن: كمحمد بن إبراهيم التيمي، وسليمان بن أبي سلمة الأحول، ويحيى بن أبي كثير؛ فرووه جميعًا عن أبي سلمة، بلفظ:((فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطِّينُ والْمَاءُ))، وَفِي رِوَايةٍ:((انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ مُمتَلئٌ طِينًا وَمَاءً))، وفي رواية:((وَإِنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِي طِينٍ وَمَاءٍ))، وَفِي رِوَايةٍ:((وَقَدْ قَامَ إِلَى الصُّبْحِ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ)).

إِلَّا رواية يحيى بن أبي كثير؛ فقد جاءت مطلقة بلفظ: ((فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَتِهِ))، وَفِي رِوَايةٍ:((وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ)).

[تنبيه]:

ورد هذا الحديث في المطبوع من (أحاديث إسماعيل بن جعفر) بلفظ: ((صَلَاةَ الْفَجْرِ))، وقد ذكر محققه أنه وجده في نسختي المخطوط بلفظ:((صَلَاةَ الْمَغْرِبِ))، ثم قام بتحريفه إلى ((صَلَاةَ الْفَجْرِ))؛ واعتذر لذلك بوجوده على هامش المخطوط هكذا، وبأن رواية الصحيح هكذا ((الفجر))؛ فظن أنه الصواب، وليس بصواب؛ وذلك لأمور:

أولًا: كل من أخرج الحديث - فيما وقفنا عليه - من طريق محمد بن عمرو؛ فقد رواه بلفظ: ((صَلَاةَ الْمَغْرِبِ))، إِلَّا الحميدي في (مسنده 773) فقد ذكر إسناد محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ولم يذكر متنه، ثم أتبعه برواية سليمان الأحول، عن أبي سلمة، ثم ذكر لفظ الأحول، وكذلك صنع البخاري في إحدى رواياته في (الصحيح 2040).

ثانيًا: أخرج ابن الأعرابي في (معجمه) هذا الحديث من طريق إسماعيل

ص: 89

ابن جعفر - نفسه -، عن محمد بن عمرو بلفظ:((صَلَاةَ الْمَغْرِبِ)).

* وسيأتي - إِنْ شاء الله تعالى - حديث أبي سعيد الخدري هذا برواياته وشواهده الأخرى الخاصة بالاعتكاف، وليلة القدر، في (موسوعة الصلاة)، وفي (كتاب الاعتكاف).

ص: 90

323 -

حديثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ:

◼ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:((أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ))، قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ. قَالَ: وَكَانَ عَبدُ الله بنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ: ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ)).

[الحكم]:

صحيح (م).

[التخريج]:

[م 1168 ((واللفظ له)) / حم 16045/ طب (13/ 140/ 346)، (13/ 143 - 144/ 353 - 355)، (14/ 294 - 300/ 14929، 14936 - 14938) / قيار (ص 254) / طح (2/ 87) / صحا 4000/ مسن 2669/ هق 8611/ شعب 3401/ هقف 89/ تمهيد (21/ 210)].

[السند]:

قال مسلم: وحدثنا سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، وعلي بن خشرم، قالا: حدثنا أبو ضمرة، حدثني الضحاك بن عثمان - وقال ابن خشرم: عن الضحاك بن عثمان -، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن بسر بن سعيد، عن عبد الله بن أنيس، به.

ورواه أحمد: عن أبي ضمرة، به.

وسيأتي هذا الحديث برواياته في (موسوعة الصلاة)، وفي (كتاب الاعتكاف)، إِن شاء الله.

ص: 91

324 -

حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:((سَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ طِينٍ، حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ أَثَرَ ذَلِكَ فِي جَبْهَتِهِ، وَأَرْنَبَتِهِ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن؛ صحَّ من حديث أبي سعيد كما تقدم، وإسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[طس 95].

[السند]:

قال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد، قال: حدثنا زهير بن عباد الرؤاسي، قال: حدثنا سويد بن عبد العزيز، عن الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.

ثم قال: ((لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن الأوزاعيِّ إِلَّا سويدُ، تفرَّد به زهير بن عباد)).

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعف سويد بن عبد العزيز، كما في (التقريب 2692)، والحديث محفوظ عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، كما سبق.

ص: 92

325 -

حديثُ ابْنِ مَسْعُودٍ:

◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ:((كُنَّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ، وَلَا نَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا [فِي الصَّلَاةِ])).

[الحكم]:

صحيحٌ - إِنْ شاء الله -، وصححه الحاكم، والألباني.

[اللغة]:

قوله: ((مِنْ مَوْطِئٍ))، أي: ما يُوطَأُ من الأَذَى في الطريق، أراد: لا نعيد الوضوء منه، لا أنهم كانوا لا يغسلونه، كذا فسره غير واحد، انظر:(معالم السنن 1/ 73)، (النهاية لابن الأثير 5/ 201)، (لسان العرب 1/ 199)، (تاج العروس 1/ 257).

وقال المباركفوري: ((قال العراقي: يُحتَمَلُ أَنْ يُحمَلَ الوُضُوءُ على اللغوي وهو: التنظيف، فيكون المعنى: أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم من الطين ونحوها، ويمشون عليه، بناءً على أن الأصل فيه الطهارة. اهـ. وحمله الترمذي، والبيهقي، وغيرهما: على النجاسة اليابسة، وأنهم كانوا لا يغسلون الرِّجْلَ من وطءِ النجاسة اليابسة)) (تحفة الأحوذي 1/ 374).

وقد اختُلف في ضبط كلمة (الْمَوْطَإِ)، والمذكور (بفتح الميم، وسكون الواو، وفتح الطاء، وكسر الهمزة) هو ما صوبه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على (جامع الترمذي 1/ 264 - 266).

[التخريج]:

[د 203 ((واللفظ له)) / خز عقب رقم 38 ((والزيادة له ولغيره)) / ك 489، 490، 620/ عب 101/ ش 625، 8136/ بز 1774/ منذ 733

ص: 93

/ علحم 2155/ هق 966/ عد (2/ 144) أعمش (إمام 3/ 459)].

[السند]:

رواه عبد الرزاق - ومن طريقه ابن المنذر -: عن ابنِ عُيَينَةَ، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، به.

ومداره عند الجميع على الأعمش، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين - غير أنه منقطع كما سيأتي -، وقد تابع ابنَ عُيَينَةَ عليه جماعةٌ من أصحاب الأعمش منهم:

أبو معاوية الضرير، وعبد الله بن إدريس، وشَريك، وهُشيم، وجرير، والثوري، وحفص بن غياث، وأبو خالد الأحمر.

وقد اختُلف فيه على أبي معاوية:

فرواه ابن أبي شيبة، وابن منيع، وغيرهما، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، به. كرواية الجماعة عن الأعمش.

ورواه أبو داود: عن إبراهيم بن أبي معاوية، عن أبيه، به، وقال فيه:((عن شقيق، عن مسروق، أو حُدِّثَهُ عنه، قال: قال عبد الله)).

فزاد إبراهيم بن أبي معاوية فيه: ((مسروقًا)) بين شقيق، وابن مسعود، وهذا وَهْمٌ منه بلا شك؛ لمخالفته رواية أصحاب الأعمش الثقات، وكذلك المحفوظ عن أبي معاوية.

ورواه أبو داود: عن هناد بن السري، ورواه البيهقي: من طريق محمد بن

ص: 94

حماد.

كلاهما: عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق - أو حُدِّثَهُ عنه -، عن عبد الله)).

وقول هناد، وحماد:((أو حَدَّثَهُ عنه)) يقرأ بوجهين؛ الأول: على صيغة المعلوم، والمعنى هنا ظاهر، والثاني: على صيغة المجهول ((أو حُدِّثَهُ)) ويكون الضمير المنصوب في حُدِّثَهُ راجعًا إلى الأعمش، والمعنى: حدَّثه محدِّث عن شقيق، وانظر:(شرح العيني على أبي داود 1/ 470).

ويشهد لهذا المعنى الثاني ما رواه ابن خزيمة، عن زياد بن أيوب، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، حدثني شقيق - أو حُدِّثْتُ عنه -، عن عبد الله، به.

وسُئِلَ ابنُ مَعين: عن هذا الحديث؟ فقال: ((حدث به أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق أو حُدِّثَ به عنه، هكذا قال أبو معاوية)) (تاريخ ابن معين - رواية الدوري 2194).

وعلى هذا ففي السند انقطاعٌ محتملٌ بين الأعمش، وأبي وائل

(1)

، بل جزم الإمام أحمد في (العلل - رواية عبد الله 2155)، وابن خزيمة في (صحيحه 1/ 25): بأن الأعمش لم يسمع هذا الخبر من أبي وائل.

وقال ابن دقيق العيد: ((فهذا التردد بين أن يكون شقيق حدَّث الأعمش، أو حُدِّثَه عنه - مع جهالة مَنْ حدَّثَه - ينبغي أن يقع عليه النظر)) (الإمام

(1)

وقد فهم صاحب (عون المعبود 1/ 242) خلاف ما ذكر من تعيين مكان الشك؛ فجعله بين أبي معاوية، والأعمش. وقد تعقبه الألباني في (صحيح أبي داود 1/ 370).

ص: 95

لابن دقيق العيد 3/ 459).

لكنَّ الدارقطني مرَّضَ هذا القول، فقال - بعد أن ذكر رواية الجماعة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله -:((وهو أشبه بالصواب، ويقال: إِنَّ الأعمش أخذ هذا الحديث عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي وائل)) (العلل 5/ 111).

وهذا القائل هو الإمام أحمد، فقد نقل عنه العلائي أنه قال:((كان الأعمش يدلس هذا الحديث لم يسمعه من أبي وائل، قال مهنا: قلت له: وعمّن هو؟ قال: كان الأعمش يرويه عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي وائل، فطرح الحسن بن عمرو، وجعله عن أبي وائل، ولم يسمعه منه)) (جامع التحصيل 258)

(1)

.

وعلى قول الإمام أحمد فالسندُ صحيحٌ؛ لأَنَّ الواسطة بينهما الحسن بن عمرو الفقيمي، وهو ((ثقةٌ ثبتٌ من رجال البخاري)) كما في (التقريب 1267).

والحديثُ صحَّحه الحاكم على شرط الشيخين، والألباني في (الإرواء 183)، و (صحيح أبي داود 1/ 369).

وقال الهيثمي: ((رواه الطبراني في (الكبير)، ورجالُه ثقاتٌ)) (مجمع الزوائد 1/ 285).

(1)

ورواية الفقيمي عن أبي وائل، أخرجها ابن عدي في (الكامل 5/ 147) من غير طريق الأعمش، فرواها من طريق عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله، قال:((لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَا أَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا وَلَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ))، وعمرو بن عبد الغفار: متروكٌ، واتُّهِم بوضع الحديث، انظر:(اللسان 5819). فالعمدة على رواية الأعمش.

ص: 96

[تنبيهان]:

الأول: قال الإمام أحمد في (العلل رواية عبد الله 2155) -عقب الحديث-: ((هذا لم يسمعه هُشَيْمٌ من الأعمش، ولا الأعمش سمعه من أبي وائل)).

قلنا: قوله: ((لم يسمعه هُشَيْمٌ من الأعمش)) لا يضر؛ لأَنَّ هُشيمًا تُوبع من جماعة، وهم: ابنُ عُيَينَةَ وابن إدريس، وأبو معاوية، وحفص بن غياث، وغيرهم، انظر:(علل الدارقطني 758).

وأما قوله في عدم سماع الأعمش من أبي وائل؛ فقد تقدَّم بيانه.

الثاني: عزاه صاحب (كنز العمال 27176) لـ (سنن سعيد بن منصور) و (مصنف ابن أبي شيبة)، عن ابن عباس، عن ابن مسعود، قال:((كُنَّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ)).

ولم نقف على رواية ابن عباس هذه في (مصنف ابن أبي شيبة)، وقد ذكره ابن أبي شيبة في أكثر من موضع كلها من طريق الأعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود، فالله أعلم.

ص: 97

روايةُ: ((مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم):

• وَفِي رِوَايةٍ: ((كُنَّا نُصَلِّي (نَتَوَضَّأُ)(نَمْشِي) مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ)).

[الحكم]:

رجاله ثقات، ولكن قوله ((مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) غير محفوظ.

[التخريج]:

[خز 38 ((واللفظ والرواية الأولى له)) / ك 489/ طب (10/ 200/ 10458) / هق 668/ مدونة (1/ 127) ((والرواية الثانية له))].

[السند]:

قال ابن خزيمة: حدثنا عبد الجبار بن العلاء، وعبد الله بن محمد الزُّهري، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قالوا: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، به.

ورواه الطبراني، من طريق إبراهيم بن محمد الشافعي، عن ابنِ عُيَينَةَ، به.

ورواه الحاكم - وعنه البيهقي -: من طريق محمد بن عباد المكي، وابن أبي عمر، كلاهما: عن ابنِ عُيَينَةَ، به.

ورواه سحنون في (المدونة)، عن وكيع، عن ابن عيينة، به.

فمداره عندهم على سفيان بن عيينة، عن الأعمش، به.

[التحقيق]:

هذا حديثٌ صحيحٌ على ما سبق تقريره من أن الأعمش أخذه عن الحسن الفقيمي، عن أبي وائل، به، فصحَّ الحديثُ بهذا الاعتبار.

ص: 98

أما هذه الرواية بزيادة: (مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقد تفرَّد بها ابنُ عُيَينَةَ، وخالفه كل أصحاب الأعمش فلم يذكروها، كأبي معاوية، والثوري، وعبد الله بن إدريس، وشَريك، وهُشيم، وجرير، وحفص بن غياث، وغيرهم.

فالظاهر أنها غير محفوظة، والله أعلم. وإن كانت الرواية الأولى تحتمل معناها أيضًا، فقد ذهب فريق من العلماء إلى أن قول الصحابي:(كنا نفعل كذا أو لا نفعل كذا)، وإن لم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ حكم الرفع أيضًا، لاسيما إذا كان مثله لا يخفى وقد أورده الصحابي في معرض الحجة، كما هاهنا.

قال النووي -بعد حكاية الخلاف-: "وظاهر استعمال كثيرين من المحدثين وأصحابنا في كتب الفقه أنه مرفوع مطلقًا سواء أضافه أو لم يضفه، وهذا قوي؛ فإن الظاهر من قوله (كنا نفعل أو كانوا يفعلون) الاحتجاج به، وأنه فعلٌ على وجه يُحتج به، ولا يكون ذلك إلا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغه"(المجموع 1/ 60).

وقال الحافظ ابن حجر: "وهو الذي اعتمده الشيخان في صحيحيهما وأكثر منه البخاري"(النكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 515 وما بعدها)، وانظر (فتح الباري 1/ 385، 1/ 493، 2/ 27، 2/ 285، 5/ 165، 9/ 307).

وانظر لمزيد تفصيل في المسألة: (علوم الحديث لابن الصلاح ص 48)، و (النكت على ابن الصلاح للزركشي 1/ 421 - 424)، و (التقييد والإيضاح للعراقي ص 66 - 67)، و (اختصار علوم الحديث لابن كثير ص 46)، وغيرها من كتب المصطلح.

ص: 99

[تنبيه]:

تصحَّف قوله: (نَتَوَضَّأُ) في مطبوع (المدونة ط. دار الكتب العلمية) إلى (يَتَوضَّأُ) فنسب الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خطأ؛ فإنه خلاف المحفوظ عن ابن عيينة، وكذا خلاف المحفوظ عن الأعمش كما في الرواية الأولى.

وقد جاءت هذه الكلمة على الصواب في (ط. دار صادر صـ 20)، وكذا نقله من (المدونة) على الصواب ابنُ عطية في (تفسيره 3/ 96) بلفظٍ صريحٍ لا يحتمل، حيث قال:((في المدونة: ((كُنَّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ)) من قول ابن مسعود)) اهـ.

ص: 100

روايةُ: ((أُمِرْنَا)):

• وَفِي رِوَايةٍ: ((أُمِرْنَا أَلَّا نَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا، وَلَا نَتَوَضَّأَ مِنْ مَوْطَئٍ)).

[الحكم]:

شاذٌ بلفظ الأمر، والنهي عن كفِّ الثَّوب والشَّعْر، له شاهد في (الصحيحين) من حديث ابن عباس.

[التخريج]:

[جه 1008].

[السند]:

رواه ابن ماجه: عن محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، إِلَّا أَنَّ ابن نمير تفرَّد بلفظ الأمر في هذا الحديث، وخالفه الثقات الحفاظ من أصحاب ابن إدريس؛ فرواه أبو بكر بن أبي شيبة، وهناد بن السري، وأحمد بن منيع، وزياد بن أيوب، وغيرهم، عن ابن إدريس، به، بلفظ الفعل من غير أمر، كما تقدم.

وكذا رواه الثقات من أصحاب الأعمش؛ كابن عيينة، وأبي معاوية، وجرير، وغيرهم.

وعليه فالحديث بهذا اللفظ شاذٌ.

ولم يتنبه لهذه العلة المباركفوري في (تحفة الأحوذي 2/ 325)، والألباني في (الإرواء 1/ 198) فصححاه جريًا على ظاهره.

على أن النهي عن كف الثَّوب والشعر، له شاهد في (الصحيحين) من

ص: 101

حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أُمِرْنَا أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا نَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا)). وهذا لفظ البخاري (810).

روايةُ: ((نَهَانَا أَنْ نَكْشِفَ سِتْرًا)):

• وَفِي رِوَايةٍ: ((نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَكْشِفَ سِتْرًا، أَوْ نَكُفَّ شَعْرًا، أَوْ نُحْدِثَ وُضُوءًا)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياق، وضعَّفه عبد الحق الإشبيلي، وابن القطان.

[التخريج]:

[عب 103].

[السند]:

رواه عبد الرزاق: عن بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، به. قال: قلت ليحيى: قوله: ((أَوْ نُحْدِثَ وُضُوءًا)). قال: ((إذا وطئ نتنًا وكان متوضئًا)). قال: وقوله: ((((وَلَا نَكْشِفُ سِتْرًا)) يقول: لا يكشف الثَّوبَ عن يده إذا سجد)).

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاث علل:

الأولى: بشر بن رافع الحارثي، قال فيه الحافظ:((ضعيف الحديث)) (التقريب 685).

ص: 102

الثانية: يحيى بن أبي كثير: ((ثقةٌ ثبتٌ ولكنه يدلس ويرسل)) (التقريب 7632)، وقد عنعن.

الثالثة: الانقطاع؛ فأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، الجمهور على أنه لم يسمع من أبيه، انظر:(جامع التحصيل 324)، و (طبقات المدلسين 116).

واقتصر على هذه العلة عبد الحق الإشبيلي، فقال:((أبو عبيدة لم يسمع من أبيه)) (الأحكام الوسطى 1/ 403).

وأقرَّه على هذه العلة ابن القطان، فقال:((وهو كما قال))، ثم قال:((ومع ذلك فالأكمل أن ننبَّه على ضعف بشر بن رافع، فإنه عندهم ضعيف الحديث منكرهُ)) (بيان الوهم والإيهام 3/ 15).

روايةُ: ((وَلَا نَكْشِفُ سِتْرًا)):

• وَفِي رِوَايةٍ: ((كُنَّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ، وَلَا نَكْشِفُ سِتْرًا، وَلَا نَكُفُّ شَعْرًا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتن، دون قوله:((وَلَا نَكْشِفُ سِتْرًا)) فإسنادُهُ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[عب 102].

[السند]:

رواه عبد الرزاق: عن ابنِ جُرَيجٍ، قال: أُخْبِرتُ، عن مسلم بن أبي عمران؛ أن ابن مسعود فذكره.

ص: 103

وقال بإثره: قال: ((قوله: ((وَلَا نَكْشِفُ سِتْرًا)): يده إذا كان عليها الثَّوب في الصلاة)).

لعل القائل أحد رجلين: إما ابن جُرَيجٍ، وإما عبد الرزاق، والله أعلم.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: الانقطاع بين مسلم بن أبي عمران، وهو: أبو عبد الله البطين، وابن مسعود، فإن مسلمًا من الطبقة السادسة، كما في (التقريب 6638)، وهذه الطبقة لم تدرك أحدًا من الصحابة، وفي (جامع التحصيل 765)، قال أبو حاتم:((لم يدرك ابن عباس)). فكيف بابن مسعود؟ ! .

الثانية: إبهام شيخ ابنِ جُرَيجٍ، فإنه قال:(أُخْبِرتُ عن مسلم) ولم يذكر الواسطة.

ص: 104

روايةُ: ((إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَطِبًا)):

• وَفِي رِوَايةٍ: ((لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَطِبًا فَنَغْسِلَ أَثَرَهُ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ بهذا الاستثناء.

[التخريج]:

[وكيع (رجب 3/ 119)].

[السند]:

رواه وكيع في (مصنفه) - كما في (فتح الباري لابن رجب) - قال: حدثنا أصحابنا، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإبهام مَنْ حدَّثَ وكيعًا، وقد سبق الحديث من طرقٍ عن الأعمش، بدون هذا الاستثناء.

ص: 105

326 -

حديثُ ابْنِ عُمَرَ:

◼ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ:((أُمِرْنَا بِالاغْتِسَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَنْ لَا نَتَوَضَّأَ مِنْ مَوْطَئٍ)).

[الحكم]:

معلولٌ، وأشار إلى إعلاله الدارقطني.

[التخريج]:

[جم 29/ علقط 3144].

[السند]:

قال أحمد المروزي في (الجمعة): حدثنا قاسم بن يزيد الوزان، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين، عن يحيى بن وثاب، عن ابن عمر، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، غير قاسم الوزان وهو شيخُ صدقٍ من الأخيار، كما في (تاريخ بغداد 14/ 420)، فهو حسن الحديث - إِنْ شاء الله -، وقد توبع:

فرواه الدارقطني في (العلل 13/ 248) من طريقين، عن محمد بن إسماعيل الحساني، قال: حدثنا وكيع، به.

والحساني ((صدوقٌ)) أيضًا، كما في (التقريب 5729).

وقد توبع عليه وكيع أيضًا:

تابعه أبو إسحاق الفزاري، كما قال الدارقطني في (العلل 12/ 442).

وأبو إسحاق الفزاري هو: إبراهيم بن محمد بن الحارث إمامٌ ثقةٌ حافظٌ

ص: 106

(التقريب 230).

لكن سئل عنه الدارقطني فقال: ((يرويه الثوري، عن حصين، عن يحيى بن وثاب، واختلف عنه؛

فقال: وكيع، وأبو إسحاق الفزاري، عن الثوري:((أُمِرْنَا أَلَّا نَتَوَضَّأَ مِنْ وَطْءٍ))، وغيره

(1)

يرويه عن الثوري، من فعل ابن عمر)) (العلل 12/ 442).

ولم نقف على رواية ابن عمر هذه، من هذا الوجه، إنما وقفنا عليها من طريق آخر:

فأخرجه عبد الرزاق في (المصنف 95) - ومن طريقه ابن المنذر في (الأوسط 737) - عن المعتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه، عن بكر بن عبد الله المزني، قال:((رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ بِمنًى يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَخْرُجُ وَهُوَ حَافٍ فَيَطَأُ مَا يَطَأُ، ثُمَّ يَدخُلُ الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ)).

وأما طريق الثوري، عن حصين، عن يحيى بن وثاب:

فقد رواه عبد الرزاق في (المصنف 100).

ورواه ابن المنذر في (الأوسط 736) عن علي (وهو ابن الحسن المروزي الحافظ)، عن عبد الله (وهو ابن المبارك).

كلاهما (عبد الرزاق، وابن المبارك): عن سفيان، عن حصين بن عبد الرحمن، عن يحيى بن وثاب، عن ابن عباس، قال:((لَا يُتَوَضَّأُ مِنْ مَوطِئٍ)).

(1)

- كذا في المطبوع، وفي النسخ الخطية، كما قال محققه، ولعل الصواب:((وغيرهما)).

ص: 107

وهذا أصح من رواية وكيع وحده، فابن المبارك أثبت من وكيع ومقدم عليه، كيف وقد توبع، لا سيما وقد تفرَّد عن وكيع مثل: قاسم الوزان، والحساني، دون أصحابه الحفاظ.

ثم إِنَّ رواية ابن عباس هذه هي الموافقة للمحفوظ عن ابن مسعود، ولعل (ابن عباس) هو مراد في قول الدارقطني السابق بدل (ابن عمر) فسبقه لسانه، أو حرَّفه النُّسَّاخُ.

لا سيما ولم يأتِ الأمر في عدم الوضوء من الموطإ، سوى في رواية شاذة من حديث ابن مسعود - وسبق بيانها -، وحديث ابن عمر هذا، وفيه ما ذكرنا، والله أعلم.

أما الأمر بالغسل يوم الجمعة ثابت في (الصحيحين) من حديث ابن عمر، وسيأتي في كتاب الجمعة.

ص: 108

327 -

حديثُ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ:

◼ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ:((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ مَوطَأٍ))

[الحكم]:

إسنادُهُ تالفٌ جدًّا، وضعَّفه الهيثمي، والسيوطي، والمناوي، وقال الألباني:((موضوعٌ)).

[التخريج]:

[طب (8/ 120/ 7549)].

[السند]:

قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن الصباح الأصبهاني، ثنا الوليد بن شجاع، ثنا أبو معاوية، ثنا أبو قيس، عن يحيى بن أبي صالح، عن أبي سلام الحبشي، عن أبي أمامة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ تالفٌ جدًّا؛ فيه: أبو قيس وهو محمد بن سعيد بن حسان بن قيس المصلوب، قال الحافظ عنه:((كذَّبوه)) (التقريب 5907).

وبه أعلَّه الهيثمي فقال: ((رواه الطبراني في (الكبير)، وفيه: أبو قيس محمد بن سعيد المصلوب، وهو ضعيفٌ [جدًّا]

(1)

)) (المجمع 1578).

ورمز لضعفه السيوطي في (الجامع الصغير 6878)، وتبعه المناوي في (التيسير 2/ 264).

وقال الألباني: ((موضوعٌ)) (ضعيف الجامع الصغير 4494).

(1)

سقطت من المطبوع، واستدركناها من (فيض القدير 5/ 182)، وقد اتهمه الهيثمي بالكذب والوضع في مواضع أخرى، انظر على سبيل المثال الأحاديث (1323، 1415، 13070، 17816).

ص: 109

328 -

حَديثُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ:

◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا كُنْتُمْ فِي الْقَصَبِ أَوْ الثَّلْجِ أَوْ الرَّدَاغِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَوْمِئُوا إِيْمَاءً)).

[الحكم]:

ضعيفٌ، وضعَّفه ابن رجب الحنبلي، والهيثمي، والألباني.

[اللغة]:

((القَصَب)) المراد به هنا: مجاري الماء من العيون (لسان العرب 1/ 674).

((الرَّدَاغ)) من الردغة بسكون الدال وفتحها: طينٌ ووحلٌ كثير، وتجمع على ردغ ورداغ (النهاية 2/ 215).

[التخريج]:

[طب (14/ 423/ 15057) / طس 7913].

[التحقيق]:

انظر الكلام عليه فيما يأتي.

ص: 110

رواية بلفظ: "الرَّدَاغِ":

• وَفِي رِوَايةٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الرَّدَاغِ، وَالْقَصْبَاءِ، فَقَالَ: ((إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ فَلْيُومِئْ إِيمَاءً)).

[الحكم]:

ضعيفٌ.

[التخريج]:

[صحا 4369].

[السند]:

رواه الطبراني عن محمود بن الفرج الأصبهاني، قال: حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، قال: حدثنا محمد بن فضاء، عن أبيه، عن علقمة بن عبد الله المزني، عن أبيه

، فذكره بلفظ الرواية الأولى.

ورواه أبو نعيم عن الطبراني، به، بلفظ الرواية الثانية.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ مسلسل بالعلل:

العلة الأولى: فضاء والد محمد؛ وهو ابن خالد الجهضمي، وهو مجهولٌ، كما في (التقريب 5393).

الثانية: محمد بن فضاء، ضعيفٌ، كما في (التقريب 6223) أيضًا.

وبه ضعَّفه ابن رجب الحنبلي في (فتح الباري 2/ 451)، والهيثمي في (مجمع الزوائد 2980)

(1)

.

(1)

تصحف ((محمد بن فضاء)) في المطبوع من (مجمع الزوائد) إلى ((محمد بن قضاء))، وهذا الأخير متأخر الطبقة؛ فهو من شيوخ الطبراني، والإسماعيلي، وانظر:(تلخيص المتشابه 1/ 284).

ص: 111

الثالثة: إسماعيل بن عمرو البجلي، ضعَّفه: أبو حاتم، والدارقطني، والعقيلي، وغيرهم، انظر:(تهذيب التهذيب 1/ 320 - 321).

وبهذه العلل ضعَّفه الألباني في (السلسلة الضعيفة 6/ 193).

[تنبيه]:

ذكر الطبراني متابعًا لإسماعيل بن عمرو البجلي؛ فقال: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن محمد بن فضاء إلا إسماعيل، ومعدي بن سنان)) اهـ.

كذا في الأصل ((معدي بن سنان))، كما قال محققاه، ثم قالا:((ولعل الصواب ((صغدي))

أو يكون ((معدي بن سليمان)) .. )).

وهذا الأخير هو الذي صوَّبه الألباني وقال: ((وهو متفقٌ على ضَعْفِه)) (الضعيفة 6/ 193).

وفيه نظر، بل الصواب:((صغدي بن سنان))؛ كما في كتب التراجم، وقد أخرجه ابن عدي، والبغوي، وغيرهما، من طريقه، كما في الرواية التالية.

ص: 112

روايةُ: ((إِذَا لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْأَرْضِ)):

• وَفِي رِوَايةٍ: ((إِذَا لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْأَرْضِ إِذَا كُنْتُمْ فِي مَاءٍ أَوْ طِينٍ أَوْ فِي قَصَبٍ أَوْ ثَلْجٍ فَأَوْمِئُوا إِيمَاءً)).

[الحكم]:

ضعيفٌ، وضعَّفه عبد الحق الإشبيلي، ووافقه ابن القطان الفاسي.

[التخريج]:

[صبغ 2315 ((واللفظ له)) / قا (2/ 138) / عد (6/ 284)، (9/ 172)].

[السند]:

رواه البغوي في (معرفة الصحابة) - وعنه ابن قانع -، عن أحمد بن إبراهيم الموصلي، عن صغدي

(1)

بن سنان، قال: حدثني محمد بن فضاء، عن أبيه، عن علقمة بن عبد الله المزني، عن أبيه، به.

ورواه ابن عدي من طريقين: عن صغدي

(2)

بن سنان، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ مسلسلٌ بالضعفاء؛ ففيه: محمد بن فضاء ضعيفٌ، وأبوه مجهولٌ، وقد تقدم الكلام عليهما في الرواية السابقة.

وفيه أيضًا: صغدي بن سنان، ضعَّفه أبو حاتم، وغيره، وقال ابن معين:

(1)

تحرف في المطبوع من (معجم الصحابة لابن قانع) إلى ((معدي))، وهو على الصواب في الصحابة للبغوي.

(2)

تصحف في الموضع الثاني من (ط. دار الفكر)، إلى:((صفدي))، وجاء على الصواب في (طبعة الرشد 9/ 172).

ص: 113

((ليس بشيء))، وقال الدارقطني:((متروك))، وانظر:(لسان الميزان 4/ 320).

ولذا قال عبد الحق الإشبيلي: ((هذا الإسناد من أضعف الأسانيد)) (الأحكام الوسطى 2/ 41).

وأقرَّه ابن القطان، فقال:((هكذا قال، وهو صحيحٌ من القول)) (بيان الوهم والإيهام 3/ 382).

ص: 114

329 -

حديثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:

◼ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((أَنَّهُ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ فِي رَدْغَةٍ

(1)

عَلَى حِمَارٍ)).

[الحكم]:

معلولٌ، والصحيحُ أنه موقوفٌ على أنس من فعله، وبذلك أعله الدارقطني، وأقرَّه عبد الحق الإشبيلي، وابن القطان الفاسي.

[اللغة]:

(الردغة) - بالغين المعجمة -: طين ووحل كثير، كما تقدم قريبًا.

وقد تصحفت الكلمة في (العلل) و (تاريخ دمشق) إلى: ((ردعة)) بالعين المهملة؛ وقال محقق (العلل): ((ولعل الصواب بردعة، وهي الحلس الذي يلقى تحت الرحل))! ، وقال محقق (تاريخ دمشق):((الردعة: قميص مصبوغ بالزعفران))! ، وكل ذلك وَهْمٌ، والصواب ما ذكرناه، وقد نقله ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام 2/ 506) من (علل الدارقطني) على الصواب.

ومما يؤكد ما ذكرناه: أن الدارقطني سُئِلَ عن هذا المعنى بعينه، وهذا نصه من العلل:((سُئِلَ عن حديث أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الْمَكْتُوبَةَ عَلَى دَابَتِهِ، وَالْأَرْضُ طِينٌ وَمَاءٌ)))).

[التخريج]:

[معقر 510 ((واللفظ له)) / علقط 2339/ كر (55/ 389)].

(1)

في مطبوع (معجم ابن المقرئ): ((ردغه)) بالهاء، وهو تصحيف، وانظر اللغة.

ص: 115

[السند]:

رواه ابن المقرئ في (معجمه) - ومن طريقه ابن عساكر -، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد - وكان تاج أهل القرآن في زمانه -، ثنا محمد بن مسلم بن وارة، ثنا أبو هاشم بن أبي خداش، ثنا المعافى بن عمران، عن سفيان، عن هشام بن حسان، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، به.

ورواه الدارقطني في (العلل)، عن أبي عبيد المحاملي، وأبي بكر بن مجاهد أيضًا، وابن مخلد، وجماعة، عن محمد بن مسلم بن وارة، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ ظاهره الصحة، إِلَّا أنه معلول بالوقف؛ فقد تفرَّد برفعه المعافى بن عمران، عن الثوري، وخولف فيه، فرواه غيره عن الثوري به موقوفًا، كما قال الدارقطني في (العلل 2339

وكذا رواه جماعة، عن هشام بن حسان، موقوفًا:

فرواه عبد الرزاق في (المصنف 4511)، وأبو أسامة، كما عند ابن أبي شيبة في (مصنفه 5002)، وشريك كما قال الدارقطني في (العلل 2339: ثلاثتهم: عن هشام بن حسان، به، موقوفًا.

وتُوبع أيضًا هشام بن حسان على الوقف:

فأخرجه الطبراني في (الكبير 1/ 243 / 680) من طرقٍ، عن حماد بن سلمة.

وأخرجه ابن عبد البر في (التمهيد 23/ 60) من طريقِ أبان بن يزيد.

ص: 116

كلاهما: عن أنس بن سيرين، به، موقوفًا.

وتُوبع كذلك أنس بن سيرين على الوقف:

فأخرجه عبد الرزاق (4512) عن مَعْمَرٍ، عن عاصم.

وأخرجه أيضًا (4523) عن مالك بن أنس، عن يحيى الأنصاري.

كلاهما: عن أنس بن مالك، به.

ولذا قال الدارقطني: ((والمحفوظ: عن أنس بن سيرين، عن أنسٍ: فعله، غير مرفوع

، رواه غير المعافي، عن الثوري، عن هشام موقوفًا، وكذلك رواه شريك، وعبد الرزاق، عن هشام موقوفًا؛ وهو الصحيح)) (العلل 2339).

وأقرَّه عبد الحق الإشبيلي في (الأحكام الوسطى 2/ 41)، وابن القطان الفاسي في (بيان الوهم والإيهام 2/ 505 - 506).

ص: 117

330 -

حَدِيثُ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ:

◼ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:((أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ (سَفَرٍ)، قَالَ: فَانْتَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ إِلَى مَضِيقٍ [وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ] 1، وَأَخَذَتْهُمُ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُؤَذنَ (بِلَالًا)، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَتَقَدَّمَ [رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم] 2 بِهِمْ عَلَى رَاحِلَتِهِ، [وَالْقَوْمُ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ] 3، فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إِيمَاءً، يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ، وضعَّفه: البيهقي، وابن عبد البر، وابن العربي المالكي، وابن القطان الفاسي، والغساني، والألباني.

[التخريج]:

[حم 17573 ((والزيادة الأولى والثانية له)) / طب

(1)

(22/ 256 - 257/ 663)((الروايتان له ولغيره، والزيادة الثالثة له ولغيره)) / لا 453، 454 ((واللفظ له)) / قط 1429/ مقط (2/ 1099 - 1100) / هق 2255/ تمهيد (23/ 59) / حا (4/ 1055) / طوسي 396/ خط (13/ 7) / كما (19/ 509 - 510) / مع (قاري 5/ 107) / عدني (قاري 5/ 107) / ابن أمية (قاري 5/ 107) / شاهين (الأفراد صـ 197 - 199) / عارضة (2/ 201 - 202) / تاريخ الأثرم (قاري 5/ 107)، (الكافي 1/ 315) / كك (ق 248/ أ)].

(1)

وعزاه بدر الدين العيني في (عمدة القاري 5/ 107) إلى (المعجم الأوسط) أيضًا، ولم نقف عليه في المطبوع، وقد عزاه الهيثمي في (المجمع 2/ 161) لـ (لمعجم الكبير) فقط.

ص: 118

[السند]:

قال أحمد: حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا عمر بن ميمون بن الرماح، عن أبي سهل كثير بن زياد البصري، عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مُرَّة، عن أبيه، عن جده، به.

ومداره عند الجميع على عمر بن ميمون بن الرماح، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ غير عمرو بن عثمان بن يعلى، وأبيه؛ فهما مجهولان.

فأما عمرو بن عثمان؛ فقد ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 6/ 357)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 6/ 248 - 249) برواية اثنين عنه، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 220)، على قاعدته، وأشار الذهبي إلى تضعيف توثيق ابن حبان بقوله:((وثق)) (الكاشف 2/ 84)، وانظر:(الضعيفة 13/ 976).

ولخص الحافظ حاله في (التقريب 4529) فقال: ((مستورٌ)).

وأما عثمان بن يعلى؛ فلم يَرْوِ عنه غير ابنه، كما قال الذهبي في (الميزان 3/ 59)، ولم نقف على مُوَثِّقٍ له، لذلك قال فيه الحافظ:((مجهولٌ)) (التقريب 5079).

ولذا أعلَّ البيهقيُّ الحديثَ؛ فقال: ((وفي إسناده ضعفٌ، ولم يثبت من عدالة بعض رواته ما يوجب قبول خبره)).

وقال ابن عبد البر: ((ليس إسناده بشيء)) (التمهيد 23/ 61).

وقال ابن القطان: ((وعمرو بن عثمان، لا تعرف حاله، وكذلك أبوه عثمانُ))

ص: 119

(الوهم والإيهام 4/ 178 - 179).

وقال ابن العربي: ((وأما حديث يعلى؛ فضعيف السند)) (عارضة الأحوذي 2/ 201 - 202).

وقال الغساني: ((إسناده فيه لينٌ)) (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني صـ 139).

ورغم ذلك فقد ذهب بعض العلماء إلى تقوية الحديث:

فقال ابن شاهين: ((وهذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ)) (الخامس من الأفراد 5).

وقال عبد الحق الإشبيلي: ((إسناده صحيحٌ)) (التلخيص الحبير 1/ 380).

قلنا: كذا في (التلخيص)، ولم نجد ذلك في (الأحكام الوسطى له 2/ 41) فقد ذكر الحديث، ثم أتبعه قول الترمذي: ((حديثٌ غريبٌ، تفرَّد به عمر بن الرماح

)).

وقد تعقبه ابن القطان؛ فقال: ((إِنَّ قوله: ((غريبٌ)) لا يُقضى له بصحة، ولا ضعف، ولا حسن؛ فإن الغرابة تكون في الأنواع الثلاثة، والحديث المذكور يرويه

عمرو بن عثمان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، عن جده، وعمرو بن عثمان لا تعرف حاله، وكذلك أبوه عثمان)) (الوهم والإيهام 4/ 178 - 179).

وقال النووي: ((رواه الترمذي بإسناد جيد)) (المجموع 3/ 106)، و (الخلاصة 1/ 288 - 289).

وقال الهيثمي: ((رجاله موثقون)) (مجمع الزوائد 2979).

وحسَّنه أيضًا ابن حجر في (الإصابة) فقال: ((إسناده لا بأس به))، مع أنه بَيَّنَ

ص: 120

علته في (التلخيص 1/ 380).

وقال الزرقاني: ((رواه الترمذي بإسناد حسن، عن يعلى بن مُرَّة الثقفي)) (شرح الموطأ 1/ 263).

وقد تعقب الألبانيُّ بعضَ من قَوَّى الحديث كالإشبيلي والنووي؛ فقال بعد بيان علله: ((وعلى هذا فمن التساهل البين أو الخطأ الظاهر؛ تقوية مثل هذا الإسناد من بعضهم)) (السلسلة الضعيفة 13/ 966 - 968)، (الإرواء 2/ 347).

رواية: فَأَذَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

• وَفِي رِوَايةٍ: ((

فَأَذَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَقَامَ،

)).

[الحكم]:

ضعيفٌ معلولٌ، وضعَّفه ابن العربي المالكي.

[التخريج]:

[ت 412 ((واللفظ له)) / أسد (1/ 283)].

[السند]:

أخرجه الترمذي - ومن طريقه ابن الأثير - قال: حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا شبابة بن سوار، قال: حدثنا عمر بن الرماح، عن كثير بن زياد، عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مُرَّة، عن أبيه، عن جده، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالة عمرو بن عثمان بن يعلى، وأبيه، كما تقدم.

ص: 121

وقد تفرد شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ بذكر: (مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم للأذان، والإقامة)، مخالفًا بذلك جمعًا من الثقات، عن عمر بن ميمون الرماح، عن أبي سهل، به، بلفظ:((فَأَمَرَ المُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ)) وَفِي رِوَايةٍ: ((أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ))، كما تقدم في الرواية السابقة.

رواه بهذا اللفظ عن عمر بن الرماح:

1 -

سريج بن النعمان اللؤلؤي، كما أخرجه أحمد في (المسند).

2 -

وداود بن عمرو بن زهير الضبي، كما أخرجه الطبراني في (الكبير)، وغيره.

3 -

ويحيى بن أبي بكير الكرماني، كما أخرجه الطوسي في (مستخرجه).

4 -

ويونس بن محمد المؤدب، والهيثم بن جميل، كما أخرجه الدولابي في (الكنى).

5 -

والحسن بن موسى الأشيب، كما أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد).

6 -

ويحيى بن يحيى بن بكر النيسابوري، كما أخرجه البيهقي في (الكبرى).

7 -

وزيد بن الحباب التميمي الكوفي، كما أخرجه ابن أبي حاتم في (التفسير).

8 -

ومحمد بن عبد الرحمن بن غزوان، كما أخرجه الدارقطني في (السنن).

ص: 122

وهذا مما يدل على خطأ رواية شبابة؛ فهو وإِنْ كَانَ ثقةً إِلَّا أَنَّ له بعض الأوهام، كما في (التهذيب 4/ 300 - 302).

لذلك قال ابن العربي: ((وأما حديث يعلى فضعيف السند صحيح المعنى، وفيه أذان النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصح عنه)) (عارضة الأحوذي 2/ 201 - 202).

وقال ابن حجر: ((جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر، وعزاه للترمذي وقوَّاه، ولكن وجدناه في (مسند أحمد) من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه: ((فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ)) فَعُرِف أن في رواية الترمذي اختصارًا، وأن معنى قوله (أَذَّنَ):(أَمَرَ بِلَالًا بِهِ)، كما يقال: أعطى الخليفةُ العالمَ الفلاني ألفًا، وإنما باشر العطاءَ غيرُه ونُسب للخليفة لكونه آمرًا)) (فتح الباري 2/ 79)، وانظر:(التلخيص الحبير 1/ 380)، و (الروض الأُنف للسهيلي 4/ 388 - 389) و (الجواهر والدُّرر للسخاوي 2/ 933).

وقال الزرقاني: ((بعض الناس تعلق بقوله: ((فَأَذَّنَ)) على أنه صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ بنفسه، وأن الحافظ تبعًا للسهيلي ردَّهُ بأن أحمد رواه من الوجه الذي رواه منه الترمذي، فقال:((فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ))، فَعُلِمَ أن في رواية الترمذي اختصارًا، وأن قوله:((أَذَّنَ)) معناه: ((أَمَرَ))؛ لأَنَّ المفصل يقضي على المجمل، لا سيَّما والمخرج متحد)) (شرح الزرقاني على المواهب اللدنية 11/ 173)، (شرح الزرقاني على الموطأ 1/ 263).

[تنبيهات]:

الأول: ذكر الطبراني هذا الحديث في مسند ((يعلى بن أمية بن أبي عبيدة التميمي))، وهو غير ((يعلى بن مُرَّة بن وهب الثقفي)) - صاحب حديثنا -، وكذا أخرجه الدارقطني - أي: عن يعلى بن أمية - ومن طريقه ابن العربي

ص: 123

المالكي، وقد نَبَّهَ على هذا الخلاف.

قال ابن حجر: ((رواه - أي: الطبراني - في (معجمه) فقال: عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، عن جدِّه، وهو وَهْمٌ في ذكر أمية، بل صوابه: مُرَّة)) (الإصابة 1/ 477 رقم 558).

وقال أيضًا: ((وأخرجه الدارقطني من طريق محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، عن ابن الرماح بهذا السند، فقال: يعلى بن أمية، ورجَّح شيخنا في (شرح الترمذي) رواية شبابة)) اهـ. (الإصابة 11/ 507)، (إتحاف المهرة 13/ 720)، يعني: رجَّح رواية شبابة بذكر: ((يعلى بن مُرَّة)).

الثاني: ذكر ابن عبد البر هذا الحديث في ترجمة ((أمية، جَدُّ عمرو بن عثمان الثقفي)) من (الاستيعاب صـ 49)، وقد تعقبه ابن الأثير، وابن حجر.

فقال ابن الأثير - بعد إخراجه للحديث من طريق الترمذي بسنده، عن يعلى بن مُرَّة -:((سمَّاه أبو عيسى، كما ذكرناه، فعلى قوله الحديثُ ليعلى، لا لأمية)) (أسد الغابة 1/ 283).

وقال ابن حجر: ((هكذا أخرجه ابن عبد البر، وهو وَهْمٌ

، وصحابيه يعلى بن مُرَّة، لا أمية)) (الإصابة 1/ 254).

الثالث: ذكر السهيلي في (الروض الأُنف 4/ 388 - 389) الحديث عن أبي هريرة، فقال: ((رَوَى الترمذي من طريق يدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أَذَّنَ فِي سَفَرٍ

)) الحديث)).

وتعقبه صاحب (التلويح على شرح البخاري)، فقال: ((هذا الحديث لم يخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة، كما ذكره السهيلي، وإنما هو عنده من حديث

عمرو بن عثمان بن يعلى بن مُرَّة الثقفي، عن أبيه، عن جده))

ص: 124

(عمدة القاري 5/ 107).

وقال ابن حجر: ((وليس هو من حديث أبي هريرة، وإنما هو من حديث يعلى بن مُرَّة)) (فتح الباري 2/ 79).

الرابع: قال الهيثمي عقب الحديث: ((رواه أبو داود من حديث يعلى بن مُرَّة)) (مجمع الزوائد 2/ 161).

كذا قال، وهو وَهْمٌ، فلم يخرجه أبو داود.

الخامس: عزا الصنعاني في (سبل السلام 1/ 202)، والشوكاني في (نيل الأوطار 2/ 166)، وغيرهما الحديث للنسائي، ولم نقف عليه في شيء من مصنفاته.

ص: 125

331 -

حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:

◼ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:((كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَضِيقٍ فَأَخَذَتْنَا السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِنَا، وَالْبِلَّةُ مِنْ تَحْتِنَا، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرٍ يُومِئُ إِيمَاءً، وَنَحْنُ مِنْ خَلْفِهِ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ كما تقدم، وإسناده غريب.

[التخريج]:

[مث 2749].

[السند]:

قال ابن أبي عاصم: حدثنا عيسى بن يونس الطرسوسي، نا إسحاق بن عيسى بن الطباع، عن كثير بن أبي سهل، عن عمرو بن يعلى، عن طلق، عن أبيه، عن جده، به.

[التحقيق]:

هكذا وجدنا هذا الحديث بهذا الإسناد في مطبوع (الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم) تحت ترجمة: ((جَدِّ طلق بن علي))، وهذا الحديث معروف من رواية عمر بن ميمون الرماح، عن أبي سهل كثير بن زياد، عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مُرَّة، عن أبيه، عن جده، به. كما تقدم.

هكذا رواه جمع غفير من الرواة، عن عمرو بن ميمون، حتى قال الترمذي - عقب حديث يعلى بن مُرَّة -:((هذا حديثٌ غريبٌ، تفرَّد به عمر بن الرماح البلخي لا يعرف إِلَّا من حديثه)) (السنن 1/ 515).

فنخشى أن يكون دخل لابن أبي عاصم حديثٌ في حديثٍ، أو شيئًا من

ص: 126

هذا القبيل، فكثير بن أبي سهل هذا لم نجده في غير هذا الموضع، فالأظهر أنه: كثير أبو سهل.

وكذا عمرو بن يعلى، فالأظهر أنه: عمرو بن عثمان بن يعلى.

وعلى كلٍّ فهو ضعيفٌ أيضًا، فعمرو بن عثمان هذا مجهولٌ، كما سبق، ثم إنه من أتباع التابعين، وطلق بن علي صحابي، ففيه انقطاع أيضًا، هذا والله أعلم.

ص: 127