الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
59 - بَابٌ فِي الانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ
357 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:((وَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَاةً مَيِّتَةً، أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((هَلَّا انْتَفَعْتُمْ (اسْتَمْتَعْتُم) 1 بِجِلْدِهَا؟ (بِإِهَابِهَا؟ ) 2))، قَالُوا: إنهَا مَيْتَةٌ، قَالَ: ((إِنَّمَا حُرِّمَ
(1)
أَكْلُهَا)).
[الحكم]:
متفقٌ عليه (خ، م).
[التخريج]:
[خ 1492 ((واللفظ له))، 2221، 5531 ((والرواية الأولى له ولمسلم أيضًا لكن من حديث ميمونة، كما سيأتي)) / م (363/ 101)، (365/ 104)((والرواية الثانية له، وللبخاري أيضًا لكن بسياق آخر كما في الرواية التالية)) / د 4073/ ن 4273، 4274، 4277/ كن 4757، 4758، 4761/ طا 1436/ حم 2369، 3051/ مي 2013، 2014/ حب
(1)
قال النووي: ((رويناه على وجهين (حَرُمَ) بفتح الحاء وضم الراء، و (حُرِّمَ) بضم الحاء وكسر الراء المشددة)) (شرح مسلم 4/ 55). قلنا: وكذا ضبطت في أصل (صحيح البخاري) و (موطأ مالك) وغيرهما على الوجهين، ولهذا قال ابن الملقن:((يجوز أن تقرأ: ((حُرِّم)) بضم الحاء، وكسر الراء المشددة، و ((حَرُم)) بفتح الحاء، وضم الراء المخففة، وهما روايتان)) (البدر المنير 1/ 601).
1277، 1279/ عه 618 - 625، 630/ عب 185/ ش 25273 / عل 2419/ طب (23/ 428/ 1038، 1039) / شف 59/ أم 29، 30/ منذ 829/ طح (1/ 472) / قط 98، 99/ فقط (أطراف 2474) / مسن 799، 800
(1)
/ هقع 529/ هق 63، 79/ مشكل 1574 - 1576/ عتب (صـ 54) / معر 2265/ زهر 75، 76/ محلى (1/ 119) / تطبر (مسند ابن عباس 1181) / تحقيق 70، 71/ مبهم (6/ 413) / كر (14/ 447) / مزني 1/ جوزي (ناسخ 15) / طراد 30 / حلب (6/ 2851 - 2852) / إمام (1/ 295 - 296)].
[السند]:
رواه البخاري (1492) قال: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، به.
ورواه أيضًا (2221، 5531): عن زهير بن حرب، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، قال: حدثني ابن شهاب، به.
ورواه مسلم (363/ 101)، قال: حدثني أبو الطاهر، وحرملة قالا: حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، به.
(1)
سقط ((ابن عباس)) من إسناد أبي نعيم في مطبوع (المستخرج)(800)؛ وقد رواه من طريق عباس بن محمد الدوري، عن يعقوب بن إبراهيم، به. والصحيح إثباته في هذا الإسناد؛ فقد رواه أبو عوانة في (مستخرجه 551) من طريق عباس الدوري، عن يعقوب بن إبراهيم به، بإثبات (ابن عباس) فيه. وكذا رواه البخاري (2221)، ومسلم (363) من طريق يعقوب به. وقد عزاه أبو نعيم لمسلم دون إشارة لأيِّ فرق بينهما، فدل على أن السند عنده، كما عند مسلم.
ورواه مالك -ومن طريقه النسائي-، عن ابن شهاب، به.
وقال مسلم (365): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
[تنبيهان]:
الأول: أخرج البخاري ومسلم هذا الحديث من رواية ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه مسلم وغيره من حديث ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه البخاري عن ابن عباس، عن سودة، بنحوه.
قال البخاري: ((هذا كلُّه صحيحٌ؛ يحتمل أن يكون روى عن ميمونة، وعن سودة، ثم روى هو عن النبي صلى الله عليه وسلم)(العلل الكبير للترمذي صـ 282). وسيأتي مزيد تفصيل لذلك في حديث ميمونة -الآتي عقب الانتهاء من روايات حديث ابن عباس-.
الثاني: نسبت الشاة في الحديث مرة لمولاة ميمونة، كما في هذه الرواية، ومرة لميمونة -كما سيأتي-، وكلتا الروايتين صحيحتان، وليس في هذا تعارضًا؛ لأَنَّ مولاتها كانت عندها ومن خدمها، فتارة نسبت الشاة إليها، وتارة إلى سيدتها ميمونة، وانظر مزيد تفصيل لذلك مع أقوال أهل العلم، عقب رواية من نسب الشاة لإحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم، الآتية قريبًا.
روايةُ: ((مَا عَلَى أَهْلِهَا)):
• وَفِي رِوَايَةٍ، مُختصرًا:((مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعَنْزٍ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: ((مَا عَلَى أَهْلِهَا لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا؟!)).
[الحكم]:
صحيح (خ).
[التخريج]:
[خ 5532 ((واللفظ له)) / ن 4299/ كن 4783/ طب (23/ 428/ 1041) / طش 2268/ تخ (1/ 68) / رفا 192/ خط (2/ 163)].
[السند]:
قال البخاري: حدثنا خطاب بن عثمان، حدثنا محمد بن حمير، عن ثابت بن عجلان، قال: سمعت سعيد بن جبير، قال: سمعت ابن عباس يقول:
…
، فذكره.
روايةُ: ((فَدَبَغْتُمُوهُ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟! (مَا عَلَى أَهْلِ هَذِهِ لَوْ أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ وَانْتَفَعُوا به؟!)
…
)).
[الحكم]:
صحيح (م)، دون الرواية، وهي صحيحةٌ.
[التخريج]:
[م 363 ((واللفظ له)) / د 4072/ ت 1825/ ن 4276/ كن 4760/ حم 2003/ عه 618، 620، 626، 628/ حمد 498 ((والرواية له، ولغيره)) / بز 5188، و (نخب 7/ 180) / طب (11/ 167/ 11383)، (11/ 203/ 11501)، (23/ 426/ 1035) / شف 60/ حرملة (هقع 1/ 245) / طح (1/ 469) / مسن 801/ تطبر (مسند ابن عباس 1176، 1177، 1183، 1184) / قط 100، 104/ هق 45، 47، 48/ هقغ 206/ هقع 530، 535، 536/ محلى (1/ 119) / بغ 304/ سراج (نخب 7/ 179) / علائي (الفوائد 231) / شجاعة (صـ 338 - 339) / عساكر (مساواة صـ 197، 198) / مشب 65/ صمند (صـ 969) / صدف (صـ 47) / حداد 382، 383/ خبر (1/ 489 - 491)].
[السند]:
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وابن أبي عمر، جميعًا: عن ابن عُيَينَةَ، قال يحيى: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، به، قال أبو بكر، وابن أبي عمر، في حديثهما: عن ميمونة رضي الله عنها. وقال أيضًا: حدثنا ابن أبي عمر، وعبد الله بن محمد الزُّهري، قالا:
حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
تحقيق الرواية:
أخرجها الشافعي في (مسنده 60) - ومن طريقه: أبو عوانة في (المستخرج 547)، والبيهقي في (المعرفة 530) - عن سفيان بن عيينة، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين.
وأخرجها الحميدي في (مسنده 498) -ومن طريقه الطبراني في (الكبير 11383) -: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ أيضًا على شرط الشيخين.
[تنبيه]:
اختلف أهل العلم في ثبوت الدباغ في حديث الزُّهري؛ وذلك لقول معمر: وكان الزُّهري ينكر (الدباغ)، ويقول:((يُستَمتَعُ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ)). أخرجه عبد الرزاق في (المصنف 185) -ومن طريقه أحمد (3452)، وأبو داود (4074) - عن مَعْمَرٍ، به.
فكيف يكون عنده الحديث في (الدباغ) وينكره، ويفتي بضده؟ !
ولهذا قال الإمام أحمد عن رواية ابن عيينة، عن الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة بذكر (الدباغ):((هو خطأٌ يخالف الناس، ليس فيه دباغه. يونس، ومعمر، ومالك، لا يذكرون دباغه، وليس عندي في دباغ الميتة حديثٌ صحيحٌ، وحديث ابن عكيم هو أصحهما)) (مسائل أحمد
رواية ابنه صالح 1416). وقال أيضًا: ((الله قد حرم الميتة، فالجلد هو من الميتة، وأذهب إلى حديث ابن عكيم أرجو أن يكون صحيحًا: ((لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ)) (مسائل صالح 1417).
وفي (مسائل عبد الله 39) قال: ((وذَكَرَ ابنُ عيينة الدباغَ، ولم يذكره معمر ولا مالك، وأراه وَهْمٌ، قال معمر، وقال الزُّهري: ينتفع بالجلد وإن لم يدبغ، لقوله: ((أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا)))).
قلنا: قد اختلف عن الزُّهري في ذكر الدباغ من عدمه.
فأما الذين لم يذكروا الدباغ: فيونس بن يزيد، وصالح بن كيسان، ومالك، ومعمر، وحفص بن الوليد، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة -في إحدى الروايات عنه-.
كما أخرجه البخاري (1492)، ومسلم (363) من طريق يونس بن يزيد.
وأخرجه البخاري (2221)، وأحمد (2369) من طريق صالح بن كيسان.
وأخرجه أحمد (3016)، والنسائي في (المجتبى 4273) من طريق مالك.
وأخرجه أحمد (3452)، وأبو داود (4073) من طريق معمر.
وأخرجه النسائي في (المجتبى 4236) من طريق حفص بن الوليد.
وأخرجه أحمد (3051)، وابن حبان (1282)، وأبو يعلى في (المسند 2419)، والطبري في (تهذيب الآثار 1181)، وغيرهم من طرقٍ: عن الأوزاعي.
وأخرجه الدارمي (2013) عن يحيى بن حسان، وأخرجه النسائي في (المجتبى 4272) عن قتيبة - ولكن جعله من مسند ميمونة- كلاهما: عن ابن عيينة.
جميعهم: عن الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، بدون ذكر:(الدباغ).
وأما الذين ذكروا (الدباغ): فسفيان بن عيينة -في أكثر الرويات عنه- ومحمد بن الوليد الزبيدي، وسليمان بن كثير العبدي، والأوزاعي -في إحدى الروايات عنه-، وغيرهم، وإليك بيانها:
الطريق الأول: طريق سفيان بن عيينة.
أخرجه مسلم (363) عن يحيى بن يحيى، وعمرو الناقد.
وأبو داود (4072) عن عثمان بن أبي شيبة، وابن أبي خلف.
وأبو عوانة في (مستخرجه 620) عن علي بن المديني.
والطبري في (تهذيب الآثار 1176، 1177) من طرق: عن يحيى بن آدم، وسفيان بن وكيع.
والدارقطني في (سننه 100) من طريق عبد الجبار بن العلاء، ومحمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ.
وأخرجه الشافعي في (مسنده 60) -ومن طريقه أبو عوانة في (المستخرج 547) -.
جميعهم: عن سفيان، عن الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس به، بذكر:(الدباغ).
وتابعهم أيضًا عن سفيان جماعة، ولكن جعلوه من مسند ميمونة.
كما أخرجه مسلم (363) عن أبي بكر بن أبي شيبة، وابن أبي عمر.
والحميدي في (مسنده 317).
وأحمد في (المسند 26795).
وأبو داود (4072) من طريق مسدد، ووهب بن بيان.
وأبو يعلى في (مسنده 7079، 7100) عن أبي خيثمة، وإسحاق.
والطبراني في (الكبير 23/ 427/ 1037) من طريق القعنبي.
جميعهم: عن سفيان، عن الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، بذكر:(الدباغ).
وقد وَهَّمَ الإمام أحمد رواية سفيان بذكر: (الدباغ)، فقال:((حديث ابن عباس قد اختلف فيه: قال الزُّهري: عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، ولم يذكر فيه (الدباغ)، وذكر ابن عيينة (الدباغ)، ولم يذكره معمر ولا مالك، وأراه وَهْمٌ)) (مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله صـ 12).
قلنا: لم يتفرد سفيان بذكر: (الدباغ) في حديث الزُّهري، بل تابعه عليه جماعة، كما أشرنا إلى ذلك -وستأتي بالتفصيل-، ورُوِي عن ابن عباس من طرقٍ كثيرة غير طريق الزُّهري، وأيضًا له شواهد أخرى كثيرة عن غير ابن عباس، كما سيأتي تخريجها والكلام عليها.
قال ابن بطال: ((قال ابن القصار: وإنما اعتمد الزهري في ذلك -أي: في فتواه- على روايته فى حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا عَلَى أَهْلِهَا لَوْ أَخَذُوا إِهَابَهَا فَانْتَفَعُوا بِهِ))، ولم يذكر:((فَدَبَغُوهُ))، قال: فدل أنه يجوز الانتفاع
به قبل الدباغ.
فيُقال: قد روى عنه ابن عيينة، والأوزاعى، وغيرهما الحديثَ، وقالوا فيه:((فَدَبَغُوهُ وَانْتَفَعُوا بِهِ))، فإذا كان الزهري الراوي للحديثين؛ أخذنا بالزائد منهما، ومن أثبت شيئًا حجة على من قصَّر عنه ولم يحفظه. وأيضًا فإن (الدباغ) قد جاء من طرق متواترة عن ابن عباس)) (شرح صحيح البخارى 5/ 442).
وقال ابن عبد البر: ((روى هذا الحديث معمر، ويونس، ومالك، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس في قصة شاة ميمونة لم يذكروا: الدباغ أيضًا، والدباغ موجود في حديث ابن عيينة، والأوزاعي، وعقيل، والزبيدي، وسليمان بن كثير، وزيادة مَنْ حَفِظَ مقبولة، وذكر (الدباغ) أيضًا موجود في هذه القصة من حديث عطاء، عن ابن عباس، روى ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، فجاء ذكر:(الدباغ) في هذا الحديث عن ابن عباس من وجوه صحاح ثابتة
…
والآثار بهذا أيضًا عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين كثيرة جدًّا، فلا وجه لمن قصر عن ذكر (الدباغ))) (التمهيد 4/ 155، 156، 161).
وقد أعلَّ محمد بن يحيى الذهلي رواية سفيان بالاضطراب؛ وذلك لأَنَّ سفيان رواه تارة بدون ذكر (الدباغ)، وتارة ذكر فيه (الدباغ)، كما تقدم، وسيأتي قوله مع الجواب عليه قريبًا.
وعلى كلِّ حال، لم يتفرد ابن عيينة بذكر (الدباغ) كما ذكرنا؛ فقد تابعه الزبيدي، كما في:
الطريق الثاني: طريق محمد بن الوليد الزبيدي:
أخرجه أبو الفضل الزُّهري في (حديثه 74) عن جعفر بن محمد الفريابي،
عن إسحاق بن راهويه.
وأخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 1180)، والدارقطني في (سننه 101)، من طريق أبي عتبة أحمد بن الفرج الحمصي.
كلاهما (ابن راهويه، وابن الفرج): عن بقية بن الوليد
(1)
، عن الزبيدي
(2)
، عن الزُّهري، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجاله كلُّهم ثقاتٌ، عدا أبا عتبة الحمصي؛ فقد ضعَّفه جماعة، ووثَّقه آخرون، ورمَاه بعضُهم بالكذب، وانظر:(لسان الميزان 1/ 59). ولكنه متابع من ابن راهويه.
وبقية بن الوليد، وإن كان يدلس ويسوي، فقد صرَّح بالتحديث بينه وبين شيخه، كما في رواية أبي الفضل الزُّهري، والدارقطني.
وكذا صرَّح بالتحديث بين شيخه وشيخ شيخه، كما أخرجه ابن جوصاء في (حديثه 40) -ومن طريقه ابن البخاري في (مشيخته 63)، وابن جماعة في (مشيخته 106) - عن عمرو بن عثمان، وكثير بن عبيد، قالا: ثنا بقية بن الوليد، قال: حدثني الزبيدي، قال: أخبرني الزُّهري، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى بقية؛ فعمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، صدوقٌ، كما قال الحافظ في (التقريب 5073)، وقد تابعه كثير بن عبيد بن
(1)
سقط ((بقية بن الوليد)) من مطبوع (تهذيب الآثار)، وتم استدراكه من (سنن الدارقطني)، فالراوي عنه عندهما أبو عتبة الحمصي، وأيضًا طريق الزبيدي لا يعرف إِلَّا من رواية بقية بن الوليد عنه، كما أشار إلى ذلك محمد بن يحيى الذهلي، كما سيأتي.
(2)
وقع في مطبوع (تهذيب الآثار): ((الزبيري))، وهو تصحيف واضح.
نمير، وهو ثقةٌ، كما في (التقريب 5618). فانتفت شبهة التدليس والتسوية، ولذا ذكر الدارقطني هذا الإسناد مع جملة من أسانيد هذا الحديث، ثم قال:((هذه أسانيد صحاح)) (السنن عقب رقم 103). وأقرَّه ابن الجوزي في (التحقيق 1/ 86)، والقرطبي في (تفسيره 10/ 156)، وابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 108 - 109).
وقد ضَعَّفَ هذه الرواية ببقية: محمد بن يحيى الذهلي، فقال:((وأما ذكر (الدباغ) فيه، فلا يوجد إِلَّا من رواية يحيى بن أيوب عن عقيل، ومن رواية بقية عن الزبيدي، ويحيى وبقية ليسا بالقويين)) (التمهيد 9/ 50).
فنقول: أما رواية يحيى بن أيوب، عن عقيل، فالأمر كما قال رحمه الله، وكذا ليَّنَها الذهبي، وسيأتي الكلام عليها مفردة، فقد زاد فيها أيضًا:(المَاءُ والقَرَظُ)، وهي زيادة شاذة.
أما بقية بن الوليد، فهو في نفسه ثقة -على الراجح-، وإنما تكلَّم مَن تكلَّم فيه من أجل التدليس، وكثرة رواية المناكير عن المجاهيل، فإذا صرَّح بالتحديث فهو ثقةٌ حجةٌ.
سئل يحيى بن معين عنه، فقال:((إذا حدَّث عن الثقات مثل: صفوان بن عمرو، وغيره، وأما إذا حدَّث عن أولئك المجهولين فلا، وإذا كنى الرجل، ولم يسم اسم الرجل، فليس يساوى شيئًا))، وقال ابن معين أيضًا:((كان يحدِّث عن الضعفاء بمئة حديث، قبل أن يحدث عن أحد من الثقات)). وقال يعقوب بن شيبة: ((هو ثقةٌ حسن الحديث إذا حدَّث عن المعروفين، ويحدِّث عن قوم متروكي الحديث، وعن الضعفاء، ويحيد عن أسمائهم إلى كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم))، وقال محمد بن سعد:((كان ثقةً فى روايته عن الثقات، ضعيفًا فى روايته عن غير الثقات)، وقال العجلي: ((ثقةٌ فيما روى
عن المعروفين، وما روى عن المجهولين فليس بشيء))، وقال أبو زُرْعَةَ:((بقية عجب إذا روى عن الثقات، فهو ثقة، فأما فى المجهولين فيحدث عن قوم لا يُعرفون ولا يَضْبِطُون))، وقال فى موضع آخر:((ما له عيب إِلَّا كثرة روايته عن المجهولين، فأما الصدق فلا يؤتى من الصدق، إذا حدَّث عن الثقات فهو ثقة))، وقال النسائي:((إذا قال: (حدثنا، وأخبرنا) فهو ثقة، وإذا قال:(عن فلان) فلا يؤخذ عنه؛ لأنه لا يُدرى عمَّن أخذه))، وقال ابن خزيمة:((لا أحتجُّ ببقية، حدثني أحمد بن الحسن الترمذي سمعت أحمد بن حنبل يقول: (توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إِلَّا عن المجاهيل، فإذا هو يحدِّث المناكير عن المشاهير، فعلمت من أين أتى). قلت: أتى من التدليس))، وقال ابن حبان: ((لم يسبر أبو عبد الله شأن بقية، وإنما نظر إلى أحاديث موضوعة رويت عنه عن أقوام ثقات، فأنكرها،
…
ولقد دخلت حمص وأكبر همي شأن بقية، فتتبعت أحاديثه، وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو -يعني: بنزول-، فرأيته ثقة مأمونًا، ولكنه كان مدلسًا، دلَّس عن عبيد الله بن عمر، ومالك، وشعبة ما أخذه عن مثل: المجاشع بن عمرو، والسَّري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى، وأشباههم، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم ما سمع من هؤلاء الضعفاء عنهم، فكان يقول:(قال عبيد الله، وقال مالك)، فحملوا عن بقية، عن عبيد الله، وعن بقية، عن مالك، وأسقط الواهِي بينهما، فأُلزقَ الوضعُ ببقية، وتخلص الواضع من الوسط، وامُتحن بقية بتلاميذ له كانوا يسقطون الضعفاء من حديثه، ويسوونه، فالتزق ذلك كله به)). انظر:(تهذيب التهذيب 1/ 474 - 477).
وقال ابن خلفون في كتاب (الثقات): ((لم يُتكلم فيه من قبل حفظه ولا
مذهبه، إنما تُكلم فيه من قبل تدليسه، وروايته عن المجهولين)) (إكمال تهذيب الكمال 3/ 7).
ولذا قال الذهبي: ((وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات)) (الكاشف 1/ 273)، وقال في (ديوان الضعفاء 619):((ثقة في نفسه، لكنه يُدلس عن الكذابين)).
وقال السيوطي: ((والذي استقر عليه الأمر من قول الأئمة: أن بقية ثقة في نفسه، لكنه مكثر من التدليس عن الضعفاء والمتروكين، يسقطهم، ويعنعن الحديث عن شيوخهم، وهو قد سمع من أولئك الشيوخ: كالأوزاعي، وابن جُرَيجٍ، ومالك، وغيره، فلا يحتجُّ بحديثه إِلَّا بما قال فيه: حدثنا، أو أخبرنا، أو سمعت، وجماعة من أئمة أهل الحديث مَشَّوْا حال بقية، وقبلوا ما قال فيه (عن)، لكن الراجح ما تقدم)) (اللآلئ المصنوعة 1/ 238).
وعلى هذا يُحمل قول من أطلق القول في عدم الاحتجاج به، لا سيّما الإجماع الذي نقله البيهقي؛ حيث قال:((أجمعوا على أن بقية ليس بحجة)) (الخلافيات 3/ 141)، أي: إذا عنعن، وإلا فهذه أقوال أئمة الحديث وجهابذته مصرِّحة بتوثيقه إذا صرَّح بالتحديث عن الثقات.
قلنا: وقد صرَّح هنا بالتحديث بينه وبين شيخه، وبين شيخه وشيخ شيخه.
ولكن لقائل أن يقول: إن في روايته عن الزبيدي خاصة، نحتاج منه -فوق التصريح بالتحديث- التصريح باسم الزبيدي، فقد ذكر الحافظ ابن رجب في (شرح العلل 2/ 824) -وكذا أشار لذلك ابن حبان في (الثقات 6/ 344) -: ((أن بقية كان ربما روى عن سعيد بن عبد الجبار الزبيدي، أو عن زُرْعَةَ الزبيدي -وكلاهما ضعيف- فيقول: ((حدثنا
الزبيدي))، فيُظن أنه محمد بن الوليد الزبيدي الثقة صاحب الزُّهري. فيُخشى أن يكون صنع هنا ما ذكره ابن رجب، لا سيَّما ولم يصرح في كل الروايات عنه باسم الزبيدي.
والجواب: أن هذا صحيحٌ، ولكن في غير حديث الزُّهري، فإنه لا يعرف لأحد منهما رواية عن الزُّهري، فتعين أنه محمد بن الوليد الزبيدي صاحب الزُّهري لا غير، والله أعلم.
الطريق الثالث: طريق سليمان بن كثير العبدي.
أخرجه الدارقطني في (السنن 102) عن يحيى بن محمد بن صاعد، نا أحمد بن أبي بكر المقدمي، نا محمد بن كثير العبدي، وأبو سلمة المنقري، قالا: نا سليمان بن كثير، نا الزُّهري، به.
وهذا إسنادٌ رجاله لا بأس بهم، إِلَّا أَنَّ سليمان بن كثير العبدي، متكلم في روايته عن الزُّهري خاصة، قال الحافظ:((لا بأس به فى غير الزهري)) (التقريب 2602). وهذا من روايته عن الزُّهري، لكن مثله لا بأس به في المتابعات، كما هنا.
ولعل لذلك صحح إسناده الدارقطني، مع جملة أسانيد هذا الحديث، وأقرَّه ابن الجوزي، والقرطبي، وابن عبد الهادي، كما تقدم نقله.
الطريق الرابع: طريق الأوزاعي.
أخرجه ابن المنذر في (الأوسط 2/ 399) معلقًا عن الوليد بن الوليد الدمشقي، عن الأوزاعي، عن الزُّهري، به، بلفظ:((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)).
وهذا إسنادٌ -مع تعليقه- ضعيفٌ؛ من أجل الوليد بن الوليد الدمشقي، وقد اختلف فيه جرحًا وتعديلًا:
فقال أبو حاتم: ((صدوقٌ))، وقال الدارقطني، وغيره:((متروكٌ)) وذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال:((يروي عن الأوزاعي مسائل مستقيمة))، وذهل عن ذلك، فذكره في (المجروحين) وقال:((روى عن ابن ثوبان نسخة أكثرها مقلوب))، انظر:(لسان الميزان 8/ 394).
وعلى كلِّ حَالٍ فقد خالف أصحاب الأوزاعي الثقات الأثبات في ذكر: (الدباغ) في حديثه:
فقد رواه: الهقل بن زياد، وشعيب بن إسحاق، والوليد بن مزيد، والوليد بن مسلم، وغيرهم بدون ذكر (الدباغ)، أخرجه أبو يعلى في (مسنده 2419) من طريق هقل بن زياد.
وأخرجه الطبراني في (الكبير 23/ 428/ 1039) من طريق شعيب بن إسحاق.
وأخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 1181) من طريق الوليد بن مزيد.
وأخرجه ابن حبان (1282) من طريق الوليد بن مسلم.
جميعهم: عن الأوزاعي، عن الزُّهري، به، بدون ذكر:(الدباغ).
الطريق الخامس: طريق سعيد بن عبد العزيز، حكاه عنه أبو داود (عقب رقم 4074)، ولم نقف عليه مسندًا.
وذكر أيضًا من الذين ذكروا (الدباغ) عن الزُّهري: حفص بن الوليد، ولم نقف عليه مسندًا أيضًا، ولكن الذي وقفنا عليه له مسندًا ليس فيه (الدباغ)، أخرجه النسائي في (الصغرى 4236)، فالله أعلم.
وقد أعلَّ محمد بن يحيى الذهلي رواية سفيان بن عيينة بالاضطراب؛
لاختلاف الرواة عنه في ذكر: (الدباغ)، وضَعَّفَ أيضًا رواية الزبيدي، وعقيل؛ فقال: ((لست أعتمد في هذا الحديث على ابنِ عُيَينَةَ لاضطرابه فيه
…
، وأما ذكر (الدباغ) فيه فلا يوجد إِلَّا من رواية يحيى بن أيوب، عن عقيل، ومن رواية بقية، عن الزبيدي، ويحيى وبقية ليسا بالقويين، ولم يذكر مالك ولا معمر ولا يونس (الدباغ)، وهو الصحيح في حديث الزُّهري، وبه كان يفتي)) (التمهيد 9/ 50).
قلنا: وفي قوله نظر؛ فأما كلامه على اضطراب سفيان: فجل الروايات عنه بذكر: (الدباغ)، خلا روايتين كما تقدم، فلعله لم ينشط فيهما فلم يذكره.
ومما يدل على أن ذكر: (الدباغ) محفوظ في رواية سفيان؛ ما رواه الحميدي (عقب حديثه الذي فيه الدباغ)، قال:((قيل لسفيان: فإن معمرًا لا يقول فيه: ((فَدَبَغُوهُ))، ويقول: كان الزُّهري ينكر الدباغ، فقال سفيان: لكني قد حفظته)) (مسند الحميدي 1/ 319).
وروى أبو يعلى عن إسحاق، قال: ((سمعت سفيان بمنى يقول: حفظته مِن فِيِ الزُّهري يحدِّث، عن عبيد الله
…
))؛ فذكر حديثه في الدباغ، (مسند أبي يعلى 13/ 16).
وقد قبل كثير من أهل العلم زيادة سفيان في الدباغ، واعتبروها زيادة من ثقة.
قال ابن المنذر: ((فإن قالوا: ليس في رواية مَعْمَرٍ، عن الزُّهري ذكر (الدباغ)، قيل له: قد رَوَى هذا الحديثَ ابنُ عُيَينَةَ، وعقيل، والزبيدي، وهؤلاء من ثقات أصحاب الزُّهري، وقد ذكروا (الدباغ) في حديثهم،
والحافظ إذا زاد في الحديث شيئًا فزيادته مقبولة)) (الأوسط 2/ 400).
وقال البيهقي: ((رواه جماعة، عن الزُّهري؛ مالك بن أنس، ويونس بن يزيد، وصالح بن كيسان وغيرهم، فلم يذكروا فيه: ((فَدَبَغُوهُ))، وقد حفظه سفيان بن عيينة، والزيادة من مثله مقبولة إذا كانت لها شواهد، وقد تابعه على ذلك عقيل بن خالد، وسليمان بن كثير، والزبيدي فيما رُوِيَ عنهم)) (السنن الكبرى 1/ 24)، وأقرَّه ابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 297).
وقد قبلها أيضًا ابن بطال، وابن عبد البر، وقد ذكرنا قولهما في الكلام على طريق سفيان.
وقد تعقب ابن عبد البر قول الذهلي باضطراب سفيان، وجعل الاضطراب من الزُّهري، فقال:((والقول الذي قاله النيسابوري عن ابن عيينة من اضطرابه عن الزُّهري في هذا الحديث = قد قاله غيره عن ابن شهاب، واضطراب ابن شهاب في هذا الحديث، وفي حديث ذي اليدين؛ كثير جدًّا، وهذا الحديث من غير رواية ابن شهاب أصح، وثبوت (الدباغ) في جلود الميتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة صحاح ثابتة)) (التمهيد 9/ 51).
وبعيدًا عن الاختلافات الموجودة في طريق الزُّهري، فقد ثبت ذكر الدباغ من غير طريقه؛
فقد أخرجه مسلم (363/ 102) عن ابن أبي عمر، وعبد الله بن محمد الزُّهري.
وأخرجه الحميدي في (مسنده 498).
وأخرجه النسائي في (المجتبى 4276) عن محمد بن منصور.
وأخرجه أبو عوانة في (المستخرج 628) من طريق علي بن المديني.
خمستهم: عن سفيان بن عُيَينَة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، عدا عبد الله بن محمد الزُّهري، وهو صدوقٌ من رجال مسلم (التقريب 3589)، وكذا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني.
وأما محمد بن منصور: فهو ابن ثابت الجواز، وهو ثقةٌ، كما في (التقريب 6325).
وقد تُوبع سفيان من محمد بن مسلم الطائفي، وابنِ جُرَيجٍ -وإن جعله من مسند ميمونة-.
فأما طريق محمد بن مسلم:
فأخرجه الطبراني في (الكبير 11384)، والخطيب في (الأسماء المبهمة 6/ 412) عن موسى بن هارون، عن داود بن عمرو الضبي، عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، به.
وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، عدا محمد بن مسلم، قال فيه الحافظ:((صدوقٌ يخطئ من حفظه)) (التقريب 6293).
وأما طريق ابن جُرَيجٍ:
فأخرجه النسائي في (المجتبى 4275)، والطحاوي في (معاني الآثار 1/ 469)، وابن حبان (1283)، والطبراني في (الكبير 24/ 16/ 30) من طرق، عن حجاج بن محمد المصيصي.
وأخرجه ابن الجارود (873) من طريق أبي عاصم النبيل.
كلاهما: عن ابنِ جُرَيجٍ، أخبرني عمرو بن دينار، قال: أخبرني عطاء، عن ابن عباس، قال: أخبرتني ميمونة، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، وصححه العيني في (نخب الأفكار 7/ 179).
ورواه ابنُ جُرَيجٍ مرة أخرى -بإسقاط عمرو بن دينار-، عن عطاء، به، كذا رواه عبد الرزاق (188)، عن ابنِ جُرَيجٍ، به. وتابعه جماعة:
فأخرجه ابن راهويه في (مسنده 2028) عن محمد بن بكر.
وأخرجه أحمد (2003)، والدارقطني في (السنن 105) من طريق يحيى بن سعيد القطان.
وأخرجه الدارقطني أيضًا (105) من طريق عبد الرحمن بن بشر، عن يحيى بن سعيد الأموي
(1)
.
أربعتهم (عبد الرزاق، وابن بكر، والقطان، والأموي): عن ابنِ جُرَيجٍ، عن عطاء، عن ابن عباس، به - غير أن القطان، والأُموي جعلاه من مسند ابن عباس -.
وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، وابنُ جُرَيجٍ وإن كان مدلسًا، فقد صرَّح بالسماع عند أحمد.
(1)
هكذا جاء مصرَّحًا به في السند، وهو ما اعتمده الحافظ في (الإتحاف 7/ 401) حيث ذكر رواية الأموي، ثم أتبعها برواية مسدد عن يحيى، وأفصح قائلًا:((هو القطان، كلاهما عن ابنِ جُرَيْجٍ)) اهـ. ولكن نخشى أن تكون كلمة ((الأموي)) مقحمة من النساخ؛ فإن عبد الرحمن بن بشر -وهو أبو محمد النيسابوري- إنما يروي عن القطان لا عن الأموي، والله أعلم.
وكذا رواه يزيد بن أبي حبيب، وأسامة بن زيد الليثي، ويعقوب بن عطاء، وحجاج بن أرطاة، عن عطاء:
فأما طريق يزيد بن أبي حبيب: فأخرجه الترمذي (1825)، والسراج في (مسنده) - كما في (نخب الأفكار 7/ 179) -، والطبري في (تهذيب الآثار 1183، 1184)، وأبو عوانة في (المستخرج 626)، والطحاوي في (المعاني 1/ 469) من طرق: عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، وصححه العيني في (نخب الأفكار 7/ 179).
وأما طريق أسامة بن زيد: فأخرجه الطحاوي في (المعاني 1/ 469)، والدارقطني في (السنن 104)، والبيهقي في (الكبرى 48) من طرق، عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن أسامة بن زيد، عن عطاء، به.
وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال مسلم، عدا أسامة بن زيد الليثي، قال فيه الحافظ:((صدوقٌ يَهِمْ)) (التقريب 317).
وصححه العيني في (نخب الأفكار 7/ 179).
وأما طريق يعقوب بن عطاء: فأخرجه أحمد (3521)، والبزار في (مسنده) - كما في (نخب الأفكار 7/ 180) -، والطبري في (تهذيبه 1186)، والطحاوي في (المعاني 1/ 469)، وغيرهم من طرق: عن شعبة، عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح، عن أبيه، به.
ولكن يعقوب بن عطاء: ((ضعيفٌ)) كما قال الحافظ في (التقريب
7892)، وبه أعلَّه العيني في (نخب الأفكار 7/ 179).
وأما طريق حجاج بن أرطاة: فأخرجه البزار (4788) من طريق حفص بن غياث، عن حجاج، عن عطاء، به.
ولكن حجاج بن أرطاة أيضًا ضعيفٌ، قال الحافظ:((صدوقٌ كثير الخطأ والتدليس)) (التقريب 1119).
وقد تُوبع عطاء على ذكر (الدباغ) من عكرمة مولى ابن عباس، لكنه جعله من مسند سودة، ومن عبد الرحمن بن وعلة، لكن بسياق مختلف، وستأتي رواياتهم قريبًا.
وكل هذا مما يؤكد حفظ سفيان لهذه اللفظة، قال البيهقي:((وحديث عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس شاهد لصحة حفظ سفيان بن عيينة ومن تابعه)) (السنن الكبرى 1/ 25).
ولو سلمنا بخطأ ذكر (الدباغ) في حديث الزُّهري، ونَحَّيْنا طريقه بالكلية، فتكفي هذه الطرق في إثبات الدباغ، مع شواهده الكثيرة.
ولذا قال الذهلي -بعد أن ضعَّف رواية (الدباغ) في حديث الزُّهري-: ((وأما من غير رواية الزُّهري فذلك محفوظ صحيحٌ، عن ابن عباس)) (التمهيد 4/ 50)
وقال ابن المنذر: ((ولو لم يرو عن الزُّهري هذا الحديث، لكان في رواية عمرو بن دينار، وابن جُرَيجٍ، عن عطاء، عن ابن عباس، عن ميمونة، وحديثه عن عكرمة، عن ابن عباس؛ كفاية، ومقنع)) (الأوسط 2/ 401).
وقال ابن بطال: ((وذكر (الدباغ) في حديث ابن عباس من رواية ابن وعلة، وعطاء، عن ابن عباس ثابت محفوظ)). وقال أيضًا:((فإن (الدباغ) قد جاء من
طرق متواترة عن ابن عباس)) (شرح صحيح البخاري 5/ 440 - 442).
وقال ابن عبد البر: ((وذكر (الدباغ) أيضًا موجود في هذه القصة من حديث عطاء، عن ابن عباس، روى ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس؛ فجاء ذكر (الدباغ) في هذا الحديث عن ابن عباس من وجوه صحاح ثابتة
…
والآثار بهذا أيضًا عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين كثيرة جدًّا فلا وجه لمن قصر عن ذكر (الدباغ))) (التمهيد 4/ 155 - 156، 161).
وقال ابن حجر: ((وقد ثبت ذكر (الدباغ) في غير حديث الزُّهري، فأخرجه مسلم، والنسائي من رواية ابنِ جُرَيجٍ، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس: أن ميمونة أخبرته
…
، فذكر الحديث بمعناه، وليس فيه ذكر (الدباغ)، وأخرجه مسلم أيضًا من رواية ابن عيينة عن عمرو بن دينار، فذكر فيه (الدباغ))) (موافقة الخبر 1/ 490 - 491).
وقال أيضًا -بعد حديث الزُّهري غير المقيد بالدباغ-: ((واستدل به الزُّهري بجواز الانتفاع بجلد الميتة مطلقًا سواء أدبغ أم لم يدبغ، لكن صحَّ التقييد من طرق أخرى (بالدباغ) وهي حجة الجمهور)) (فتح الباري 9/ 658).
وقال العيني: ((قد جاءت أحاديث كثيرة عن رسول الله عليه السلام صحيحة الأسانيد، ظاهرة المعاني، تخبر أن جلد الميتة يطهر (بالدباغ))) (نخب الأفكار 7/ 178).
روايةُ: ((شَاةٍ لِإحْدَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم):
• وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَتْ شَاةٌ -أَوْ دَاجِنَةٌ- لِإحْدَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَمَاتَتْ، فَقَالَ:
…
الحديث.
[الحكم]:
إسنادُهُ صحيحٌ على شرط الشيخين.
[اللغة]:
الداجنة: هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، وقد تقع على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها، وفي حديث الإفك:((تَدْخُلُ الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُ عَجِينَهَا))، انظر:(النهاية لابن الأثير 2/ 220)، و (لسان العرب 13/ 148).
[التخريج]:
[حم 2504، 3461 ((واللفظ له)) / عب 187/ بز 5190/ طب 11384/ طس 2123/ منذ 830/ تطبر (مسند ابن عباس 1180، 1182) / قط 101/ شجاعة (ص 337 - 338) / مشب (ص 1/ 270 - 271)].
[السند]:
رواه عبد الرزاق -ومن طريقه أحمد (3461)، وابن المنذر-: عن ابن جريج، قال: سمعت عطاء يقول: سمعت ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ، على شرط الشيخين، وابن جريج وإِن كان مدلسًا إِلَّا أنه صرَّح بالسماع.
وقد تُوبع من عمرو بن دينار، بلفظ:((مَاتَتْ شَاةٌ فِي بَعْضِ بُيُوتِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم).
أخرجه أحمد (2504) عن يحيى بن أبي بكير، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن عمرو بن دينار، به.
وهذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، رجال الشيخين.
[تنبيه]:
نُسبت (الشاة) في هذه الرواية لإحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أم المؤمنين (ميمونة) - كما قال الخطيب بعد إخراجه لهذه الرواية في (الأسماء المبهمة 6/ 412 - 413) - وسيأتي التصريح بذلك في الرواية التالية.
وقد نُسبت (الشاة) مرة أخرى لمولاة ميمونة كما تقدم، وهذا ليس فيه تعارضًا؛ فقد جمع الإمام الرافعي بين هاتين الروايتين بأحسن جمع، فقال:((ويمكن أن تكون القصة واحدة، لكن مولاتها كانت عندها، ومن خدمها، فتارة نسبت الشاة إليها، وتارة إلى ميمونة)) (شرح مسند الشافعي 1/ 101). قال ابن الملقن: ((وهذا جمع متين)) (البدر المنير 1/ 582)، وانظر أيضًا (التمهيد 4/ 167، 168).
وسيأتي حديث (سودة) رضي الله عنها عند البخاري أنها قالت: ((مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ
…
الحديث))، فإن لم تكن الواقعة تعددت، فهو محمول على أنها أرادت ((لَنَا)) أي: نحن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهن (ميمونة) رضي الله عنهن جميعًا، ويكون مَنْ نسب الشاة (لسودة) بناء منه على ظاهر قولها:((لَنَا))، والله أعلم.
روايةُ: ((شَاةٍ لِمَيْمُونَةَ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ لِمَيْمُونَةَ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: ((أَلَا اسْتَمْتَعْتُم بِإِهَابِهَا؟)) قَالُوا: وَكَيْفَ وَهِيَ مَيْتَةٌ؟! فَقَالَ: ((إِنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُهَا)).
[الحكم]:
إسنادُهُ صحيحٌ، وصححه: الطحاوي، وابن الملقن، والعيني.
[التخريج]:
[ن 4276/ كن 4760/ حم 2003، 3016، 3452 ((واللفظ له))، 3521/ عه 618، 621، 627، 621، 630/ بز 5189/ حميد 651/ طب (11/ 176/ 11411)، (23/ 426/ 1035) / حق (ط الكتاب العربي 918) / طح (1/ 469) / تطبر (مسند ابن عباس 1176، 1185، 1186) / قط 105/ مسن 803/ صمند (صـ 969) / مطغ 188/ هق 47/ ذهبي (1/ 122 - 123)].
[التحقيق]:
لهذه الرواية طريقان عن ابن عباس:
الطريق الأول:
أخرجه أحمد (3452)، وعبد بن حميد (651)، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، إِلَّا أن معمرًا خالف أصحاب الزُّهري فقال:((إِنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُهَا))، ورواه الجماعة بلفظ:((إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا))، لكن قال ابن عبد البر:((وذلك سواء)) (التمهيد 9/ 50).
وقد تابع معمرًا على نسبة الشاة لميمونة جماعة؛
فأخرجه أحمد (3016)، عن حماد بن خالد، عن مالك، عن الزُّهري، به.
ورواه الطبري، وأبو عوانة: من طريقين، عن سفيان بن عيينة، عن الزُّهري، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله رجال الشيخين، عدا حماد بن خالد الخياط، وهو ثقة من رجال مسلم، كما في (التقريب 1496).
وقد تُوبع عبيد الله بن عبد الله، من عطاء بن أبي رباح، كما في:
الطريق الثاني:
أخرجه النسائي في (المجتبى 4238) من طريق سفيان بن عيينة.
وأخرجه أبو عوانة في (المستخرج 556) من طريق ابنِ جُرَيجٍ.
كلاهما: عن عمرو بن دينار، عن عطاء، قال: سمعت ابن عباس، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ، رجال الشيخين.
وقد رواه ابنُ جُرَيجٍ، تارة أخرى، فقال: حدثنا عطاء، به، كما أخرجه أحمد في (المسند 2003). وهذا إسنادُهُ صحيحٌ على شرط الشيخين.
وقد صحح هذه الرواية؛ الطحاوي فقال: ((وقد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار متواترة صحيحة المجيئ، مفسرة المعنى، تخبر عن طهارة ذلك الدباغ، فمما رُوِيَ في ذلك
…
)) وذكر منها هذا الحديث (شرح معاني الآثار 1/ 469).
وقال ابن الملقن، وبدر الدين العيني:((إسناده صحيحٌ)) (البدر المنير 1/ 580)، و (نخب الأفكار 7/ 178).
روايةُ: إِبْهَامِ صَاحِبِ الشَّاةِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((مَاتَتْ شَاةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَهْلِهَا (لِأَهْلِ الشَّاةِ)
…
)) الحديث.
[الحكم]:
إسنادُهُ صحيحٌ، وصححه الطحاوي، والعيني.
[التخريج]:
[ت 1825 ((واللفظ له ولغيره)) / عه 626 ((والرواية له)) / بز 5188/ طب (11/ 203/ 11501) / تطبر (مسند ابن عباس 1184) / طح (1/ 469/ 2697) / قط 104/ هق 48/ سراج (نخب 7/ 179)].
[السند]:
قال الترمذي: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث -وهو ابن سعد-، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، قال: سمعت ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ، على شرط الشيخين. وصححه العيني في (نخب الأفكار 7/ 179).
وقد رواه غير يزيد عن عطاء كذلك:
فأخرجه الطحاوي، عن يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أنا أسامة -وهو ابن زيد الليثي-، عن عطاء بن أبي رباح، به.
وقد صحح الطحاوي إسناد هذه الرواية في (شرح معاني الآثار 1/ 469)، والعيني في (نخب الأفكار 7/ 179).
روايةُ: شَاةٍ لِسَوْدَةَ، بِسِيَاقٍ مُطَوَّلٍ:
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ مَاتَتْ فُلَانَةُ -تَعْنِي الشَّاةَ- فَقَالَ: ((فَلَوْلَا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا (إِهَابَهَا) 1 [فَدَبَغْتُمُوهُ، ثُمَّ صَنَعْتُمُوهُ سِقَاءً] 1)). فَقَالَتْ: [سُبْحَانَ اللهِ!] 2 نَأْخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ؟! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا قَالَ اللهُ عز وجل: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ [فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ] 3} [الأنعام: 145]، فَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ، [لَا بَأْسَ] 4 أَنْ تَدْبُغُوهُ فَتَنْتَفِعُوا بِهِ))، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا، فَسَلَخَتْ مَسْكَهَا، فَدَبَغَتْهُ، فَأَخَذَتْ مِنْهُ قِرْبَةً، حَتَّى تَخَرقَتْ عِنْدَهَا (ثُمَّ رَأَيْتُهَا بَعْدُ شَنَّةً
(1)
) 2.
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياق.
[اللغة]:
((الْمَسْكُ، بسُكُون السين: الجلد)). (النهاية 4/ 331).
[التخريج]:
[حم 3026 ((واللفظ له)) / حب 1275، 1276 ((والزيادة الرابعة له ولغيره))، 5415/ مش (إصا 14/ 285) / عل 2334، 2364/ طب
(1)
وقع في المطبوع من (صحيح ابن حبان)، و (المعجم الكبير):((بَعْدَ سَنَةٍ)) بالسين المهملة والنون المخففة، والصواب:((بَعْدُ شَنَّةٍ)) بالمعجمة والنون المشددة، أي: رأيتها بعد فترة بالية، كما في رواية أحمد (حَتَّى تَخَرَّقَتْ)، ووقع على الصواب في (تهذيب الطبري 39)، و (تفسير ابن أبي حاتم 8003)، و (ناسخ الحديث) لابن شاهين (161).
(11/ 288 - 289/ 11765، 11766) / مث 3064 ((مختصرًا)) / تطبر (مسند ابن عباس (2/ 798/ 39)((والرواية الثانية والزيادة الثالثة له ولغيره))، (2/ 799/ 40)((والرواية الأولى والزيادة الأولى والثانية له)) / طح (1/ 471) / مشكل 3242/ ناسخ 161/ منذ 833/ غحر (2/ 563)((مختصرًا)) / حا 8003/ هق 56، 57/ مبهم (6/ 413 - 414) / عتب (صـ 55) / حنف (حارثي 410) / مصفار (إمام 1/ 319) / مردويه (در 6/ 234) / ضيا (12/ 94 - 96/ 111، 112، 113)].
[التحقيق]:
انظر الكلام عليه عقب الرواية التالية.
رواية: "إِنَّمَا نَهَيْتُ أَنْ تَطْعَمُوهَا":
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ شَاةً لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ مَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا فَعَلَتْ فُلَانَةُ؟ -لِلشَّاةِ-))، قَالَتْ: مَاتَتْ، قَالَ:((فَمَا صَنَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟)) قُلْنَا: أَلقَينَاهَا، قَالَ:((هَلَّا أَخَذْتُمْ جِلْدَهَا، فَدَبَغْتُمُوهُ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ))، قَالَتْ: يَارَسُولَ الله، أَوَ لَسْتَ قَدْ نَهَيْتَ عَنِ الْمَيْتَةِ؟ فَقَالَ:((إِنَّمَا نَهَيْتُ أَنْ تَطْعَمُوهَا))، فَبَعَثْنَا فَأَخَذْنَا جِلْدَهَا، فَدَبَغْنَاهُ وَاتَّخَذْنَا مِنْهُ قِرْبَةً، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَنَا حَتَّى تَخَرَّقَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياق.
[التخريج]:
[ناسخ 160].
[السند]:
أخرجه أحمد (3026)، قال: حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، به بالسياق الأول.
وأخرجه أبو يعلى -وعنه ابن حبان-، قال: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا أبو عوانة، به.
وأخرجه ابن شاهين في (ناسخ الحديث 160) من طريق خلف بن هشام البزار، قال: حدثنا أبو عوانة، به. بسياق الرواية الثانية.
وأخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 39) عن هناد بن السري، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، به.
وأخرجه ابن حبان من طريق قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو الأحوص،
به.
وأخرجه الطبري أيضًا (40) عن أبي كريب، قال: حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن سماك، به.
ومداره عند الجميع على سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: سماك بن حرب، وهو وإِن كان صدوقًا، إِلَّا أن روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغيَّر بأخرة فكان ربما تلقن. (التقريب 2624).
وهذا الحديث خير شاهد على ذلك؛ فقد اضطرب في سنده على عدة أوجه:
الوجه الأول: عن عكرمة، عن ابن عباس:
كذا رواه أبو عوانة، وأبو الأحوص، وزائدة، وغيرهم، عن سماك، به، كما تقدم في السند.
الوجه الثاني: عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة بنت زمعة:
أخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 1169) عن أبي كريب، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل.
وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 24/ 37/ 100) عن أبي مسلم الكشي، عن أبي عمر الضرير، عن أبي عوانة.
كلاهما (إسرائيل، وأبوعوانة): عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس،
عن سودة، به. فجعله من مسند سودة بنت زمعة.
وهذا الإسناد إلى سماك رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، عدا أبي عمر الضرير حفص بن عمر وهو صدوقٌ عالم، كما قال الحافظ في (التقريب 1421)، وقد تُوبع كما تقدم.
وأبو مسلم الكشي إبراهيم بن عبد الله، وهو ثقة ثبت، وثقه الدارقطني، والخليلي، وغيرهما، انظر:(الثقات لقطلوبغا 2/ 206).
الوجه الثالث: عن عكرمة، عن سودة (بإسقاط ابن عباس):
أخرجه أحمد (3027)، قال: حدثنا أسود -وهو ابن عامر-.
وأخرجه العقيلي (1/ 547) من طريق خلاد بن يحيى.
وأخرجه الطبري في (تهذيبه 1173)، وابن أبي حاتم في (التفسير 8005) من طريق مؤمل
(1)
بن إسماعيل.
ثلاثتهم (أسود، ومؤمل، وخلاد): عن إسرائيل.
وأخرجه ابن أبي خيثمة في (تاريخه/ السفر الثاني 3333).
وأخرجه العقيلي في (الضعفاء 1/ 547)، والطبراني في (المعجم الكبير 24/ 36/ 99) عن علي بن عبد العزيز البغوي.
كلاهما (ابن أبي خيثمة، والبغوي): عن عمرو بن حماد بن طلحة، عن أسباط بن نصر.
(1)
وقع في مطبوع (تهذيب الآثار للطبري): ((يوسف)) بدلًا من ((مؤمل))؛ وهو تحريف ظاهر؛ فلم نقف على ترجمة بهذا الاسم في هذه الطبقة، وأيضًا قد رواه ابن أبي حاتم من نفس طريق الطبري على الصحيح، والله أعلم.
كلاهما (إسرائيل، وأسباط): عن سماك، عن عكرمة، عن سودة بنت زمعة، به.
وقد تُوبع سماك على هذا الوجه من يزيد بن أبي زياد، كما أخرجه إسحاق بن راهويه (2090) عن جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، به.
وهذه متابعةٌ واهيةٌ من أجل يزيد؛ فإنه ضعيفٌ كبر فتغيَّر، وصار يتلقن، كما قال الحافظ في (التقريب 7717)، وأيضًا كان مدلسًا؛ كما في (طبقات المدلسين 112).
فيحتمل أنه أسقط سماكًا من إسناده، فرجع الحديث إلى سماك؛ ويكون إسناد الحديث من هذا الوجه ضعيفٌ؛ ففيه -بالإضافة إلى ما تقدم من الكلام في سماك، واضطرابه- انقطاع بين عكرمة وسودة؛ فإنه لم يسمع منها، قال ابن المديني:((لا أعلمه سمع من أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا)) (جامع التحصيل صـ 239).
قلنا: ومع اضطراب سماك؛ فقد خُولف من جماعةٍ ثقاتٍ حُفَّاظٍ رووا هذا الحديث عن عكرمة مرسلًا، ورواه بعضُهم عن عكرمة موقوفًا على سودة، وهذه هي:
العلة الثانية: المخالفة.
فقد أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 25270) عن هُشَيْمٍ، عن أبي بِشر جعفر بن أبي إياس.
وأخرجه الطبري في (تهذيبه 1174) عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن إسماعيل بن إبراهيم ابن علية، عن عاصم بن سليمان الأحول.
وأخرجه الطبري أيضًا (1175) عن محمد بن بشار، عن معاذ بن هشام الدستوائي، عن أبيه، عن قتادة.
ثلاثتهم (أبو بشر، وعاصم، وقتادة): عن عكرمة -مرسلًا-: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، فَقَالَ: ((أَلَا انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا، فَإِنَّ دَبْغَهَا طَهُورُهَا))، هذا لفظ ابن أبي شيبة، وفي رواية الطبري:((أَنَّ شَاةً لِسَوْدَةَ مَاتَتْ، ((فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْلُخُوهَا فَيَنْتَفِعُوا بِإِهَابِهَا)).
وهؤلاء جميعًا ثقات أثبات من رجال الشيخين، لو انفرد أحدهم لرجح على سماك، فكيف بهم مجتمعين؟ !
ورواه الشعبي عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة -من قولها- قالت:((مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ، فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَازِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا)). أخرجه البخاري في (الصحيح 6686)، والنسائي في (المجتبى 4278)، وأحمد (27418)، وغيرهم من طرق، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة، به.
وهذا الوجه رجَّحه الدارقطني في (العلل 15/ 287).
فالحديث بالسياق المطول ضعيفٌ لاضطراب سماك في سنده، ومخالفته لرواية الثقات في وصله.
ولكن يشهد لمعناه ما تقدم في (الصحيحين)، وغيرهما، والفقرة الأخيرة -وهي صنيع سودة-، يشهد لها ما أخرجه البخاري من حديث سودة، الذي ذكرناه آنفًا، وسيأتي تخريجه قريبًا.
فلعلَّ من أجل ذلك، ونظرًا لظاهر إسناده، صحح هذا الحديث بعض أهل العلم؛ كالطبري في (تهذيبه 2/ 799)، والنووي في (المجموع 1/
275)، والذهبي في (المهذب 1/ 20)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 583)، والعيني في (نخب الأفكار 7/ 191)، والسيوطي في (الحاوي 1/ 14)، والشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 77)، وأحمد شاكر في (تحقيق المسند 3/ 320)، والله أعلم.
[تنبيهان]:
الأول: قد صحح النووي هذا الحديث كما تقدم، لكن قال في (تهذيب الأسماء 4/ 75):((إسناده صحيحٌ على شرط مسلم)). وفيه نظر؛ لأَنَّ مسلمًا لم يخرج لسماك بن حرب، عن عكرمة، وإِن كان أخرج لسماك من غير رواية عكرمة، وأخرج لعكرمة مقرونًا بغيره من غير رواية سماك.
قال الذهبي: ((سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس: نسخة عدة أحاديث، فلا هي على شرط مسلم؛ لإعراضه عن عكرمة، ولا هي على شرط البخاري؛ لإعراضه عن سماك، ولا ينبغي أن تعدَّ صحيحة؛ لأَنَّ سِماكًا إنما تُكلِّم فيه من أجلها)) (سير أعلام النبلاء 5/ 248).
الثاني: جاء عند الطبراني في (المعجم الكبير 11766): ((مَاتَتْ شَاةٌ لِأُمِّ الْأَسْودِ))، فقال الطبراني (عقب الحديث):((قال أبو الأحوص: (أم الأسود)؛ وإنما الصواب سودة)) اهـ، فاعتبر الطبراني ذلك وَهْمًا من أبي الأحوص، وليس كذلك؛ وإنما (أم الأسود) كنية سودة رضي الله عنها، وقد ذكرها بهذه الكنية ابن شاهين في (ناسخه 161)، وابن أبي حاتم في (تفسيره 8003)، وأخرج ابن أبي عاصم الحديث في ترجمتها، وذكرها بكنيتها في رأس الترجمة، وفي الحديث.
وقد أفرد ابن حجر في (الإصابة) ترجمة باسم (أم الأسود)، فقال:
((أم الأسود: أخرج ابن أبي شيبة، عن ابن عباس، قال: ((مَاتَتْ شَاةٌ لِأُمِّ الْأَسْوَدِ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
…
)) الحديث. وفيه: ((أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِمَسْكِهَا))، وهو في البخاري في كتاب الأيمان والنذور، عن ابن عباس، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم نحوه باختصار. وسودة بنت زمعة تقدمت ولا يعرف في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أم الأسود فيحمل على أنها كنية سودة)) (الإصابة 14/ 285).
روايةُ بالتردد: ((بِشَاةٍ لِأُمِّ سَلَمَةَ أَوْ لِسَوْدَة)):
• وَفِي رِوَايَةٍ -بِالشَّكِ- قَالَ: ((مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَيْتَةٍ لِأُمِّ سَلَمَةَ أَوْ لِسَوْدَة
…
)) فَذَكَرَ الحَديثَ.
[الحكم]:
خطأٌ، والصوابُ أن الشاةَ لمولاةٍ لميمونة، كما تقدم.
[التخريج]:
[كت (حبير 1/ 75)].
[السند]:
أخرجه الحاكم في (تاريخ نيسابور) -كما في (التلخيص الحبير) -: من طريق مغيرة، عن الشعبي، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، على ما أبرزه الحافظ من سنده، فمغيرة هو ابن مقسم الضبي:((ثقة متقن من رجال الشيخين)) (التقريب 6851).
ولكن أخرجه النسائي (4277) عن محمد بن قدامة، عن جرير بن
عبد الحميد، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: قال ابن عباس: ((مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَاةٍ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: ((أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا)). ولم ينسبها لأحد. وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى المغيرة.
ورواه البخاري وغيره من طرق، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة من قولها، كما مرَّ الإشارة إليه، وسيأتي تخريجه قريبًا.
والمحفوظ من حديث ابن عباس كما تقدم من طرق عنه: أن الشاة (لمولاةٍ لميمونة)، وبعضُهم يقول:(لميمونة)، أو (لبعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم الجمع بينهم.
فلا بُدَّ من النظر في سند هذه الرواية من الحاكم إلى المغيرة، لنعرف من يتحمل هذا الخطأ.
روايةُ الْمَاءِ وَالْقَرَظِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ فِي آخِرِهِ: ((أَوَلَيْسَ فِي الْمَاءِ وَالقَرَظِ مَا يُطَهِّرُهَا؟)). وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَوَلَيْسَ فِي الْمَاءِ وَالدِّبَاغِ مَا يُطَهِّرُهَا؟)). وَفِي أُخْرَى: ((أَلَيْسَ فِي الْمَاءِ وَالْقَرَظِ مَا يُطَهِّرُهَا، وَالدِّبَاغِ؟)).
[الحكم]:
شاذٌ بذكر: (الْمَاءِ وَالقَرَظِ)، وليَّنَ سنده محمد بن يحيى الذهلي، والذهبي، وأما ((التطهير بالدباغ)) فثابتٌ صحيحٌ كما تقدم، وكما سيأتي من حديث ميمونة وسودة وغيرهما.
[اللغة]:
(القَرَظُ): شجر يُدبَغُ به، وقيل: هو ورَقُ السِّلَم يُدبَغُ به الأَدَمُ ومنه أَديمٌ مَقروظ، قال أَبو حنيفة: القَرَظُ أَجودُ ما تُدبَغُ به الأُهُبُ في أَرض العرب وهي تُدبَغُ بورقه، وثمره، وقال مَرةً: القَرَظُ شجرٌ عظام لها سُوق غلاظ أمثال شجر الجَوز وورقه أصغر من ورق التفاح وله حَب يوضع في المَوازين وهو يَنبُتُ في القيعان واحدَتُه قَرَظةٌ، وبها سُمِّي الرجلُ قَرَظةَ وقُرَيظةَ، وقَرَظَ السِّقاءَ يَقرظُه قَرظًا دَبَغَهُ بالقَرَظ أَوْ صبَغه به، انظر:(لسان العرب 7/ 454)، و (المصباح المنير 2/ 499). وقال الخطابي:((القرظ شجر تدبغ به الأهب، وهو لما فيه من القبض والعفوصة، ينشف البلة، ويذهب الرخاوة، ويحصف الجلد، ويصلحه، ويطيبه؛ فكل شيء عَمِلَ عَمَلَ القرظ؛ كان حكمه في التطهير حكم القرظ)) (معالم السنن 4/ 201 - 202)، وانظر أيضًا (البدر المنير 1/ 606).
[التخريج]:
[مزني 1 ((واللفظ له)) / قط 98 ((والرواية الأولى له))، 99 ((والرواية
الثانية له)) / هق 64، 65/ تحقيق 71].
[السند]:
أخرجه أبو بكر النيسابوري في (الزيادات على كتاب المزني)(1) -وعنه الدارقطني (98)، ومن طريقه البيهقي (64)، وابن الجوزي في (التحقيق 71) - قال: نا إبراهيم بن هانئ، نا عمرو بن الربيع بن طارق، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن يونس وعقيل، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، به، بلفظ رواية (الصحيحين)، وزاد عقيل في حديثه:((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .... )) فذكره.
وأخرجه الدارقطني (98) أيضًا: من طريق محمد بن سهل بن عسكر، عن عمرو بن الربيع بن طارق، به. بلفظ الرواية الأولى.
ثم أخرجه الدارقطني (99) -ومن طريقه البيهقي (65) -: عن يحيى بن صاعد، ثنا محمد بن إسحاق (الصغاني)، نا عمرو بن الربيع بن طارق بهذا الإسناد مثله، وقال: زاد عقيل في حديثه:
…
فذكره بلفظ الرواية الثانية.
فمداره عند الجميع على عمرو بن الربيع بن طارق، عن يحيى بن أيوب، عن عقيل بن خالد، عن الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، عدا يحيى بن أيوب، وهو الغافقي المصري، فقد اختلف فيه، فوثقه البخاري وابن معين -في رواية- والفسوي، ورماه أحمد، وغيره بسوء الحفظ، وقال النسائي:((ليس بالقوي))، وفي رواية قال:((ليس به بأس))، وقال أبو حاتم، والإسماعيلي:((لا يحتج به))، وقال ابن سعد:((منكر الحديث))، وقال الدارقطني: ((في بعض حديثه
اضطراب))، واستشهد به البخاري، واحتج به مسلم، انظر:(تهذيب التهذيب 11/ 187) و (مقدمة الفتح 1/ 451)، ولخص حاله الحافظ فقال:((صدوق ربما أخطأ)) (التقريب 7511).
وقد صحح حديثه هذا جماعة من العلماء، منهم:
الدارقطني، فقد ذكر في الباب عدة أحاديث منها حديث يحيى هذا ثم قال:((هذه أسانيد صحاح)).
وحسَّنه النووي في (المجموع 1/ 222)، وتبعه ابن نجيم الحنفي في (البحر الرائق 1/ 111)، وكذلك حسَّنه ابن الملقن في (البدر المنير 1/ 603)، ونقل عن المنذري أنه قال في ((كلامه على أحاديث المهذب)):((حديث حسن، ورجالُه ثقاتٌ))، ثم نقل تصحيح الدارقطني وأقرَّه، ثم أخذ يتكلم على رجاله واحدًا تلو الآخر (البدر المنير 1/ 604).
وكذلك حسَّنه ابن حجر في (التلخيص 1/ 79)، والسيوطي في (الحاوي للفتاوي 1/ 15)، وقال الألباني:((إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين! )) (الصحيحة 2163).
قلنا: ولكن لهذا الحديث علة -بغض النظر عما قيل في يحيى-:
فقد تفرَّد يحيى بزيادة: (الماء والقرظ) في هذا الحديث، وقد رواه مالك، ويونس بن يزيد، ومعمر، وغيرهم من الثقات الحفاظ من أصحاب الزُّهري، عن الزُّهري، عن عبيد الله، به، ولم يذكروا هذه الزيادة مطلقًا، بل وجزم أبو داود في (السنن عقب رقم 4074) أن عقيلًا لم يذكر (الدباغ) في روايته عن الزُّهري
(1)
.
(1)
ووجدناه كذلك في (حديث أبي الفضل الزُّهْرِيّ 76) من رواية محمد بن عزيز الأيلي، قال: حدثني سلامة بن روح، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال:
…
، فذكره بإسناد مثله. فأحاله على الرواية التي قبله، وليس فيها ذكر (الدباغ). لكن هذا السند ضعيف جدًّا، وهو نسخة مشهورة يغلب عليها المناكير، وقد تقدم الكلام عليه بتوسع أثناء الكلام على حديث عامر بن ربيعة في باب:((حكم الماء المستعمل))، فانظره هناك.
قلنا: وكذا لم يذكرها سفيان بن عيينة، والزبيدي، وسليمان بن كثير، وإِن كان في حديثهم ذكر (الدباغ)، كما تقدم.
وعليه فرواية يحيى هذه شاذة؛ وقال الحافظ محمد بن يحيى الذهلي: ((وأما ذكر (الدباغ) فيه، فلا يوجد إِلَّا من رواية يحيى بن أيوب، عن عقيل، ومن رواية بقية، عن الزبيدي، ويحيى وبقية ليسا بالقويين،
…
)) (التمهيد 9/ 50).
قلنا: وفي كلامه عن رواية ابن عيينة، وبقية، بشأن ذكر (الدباغ) نظر، وقد تقدم بيانه، أما عن هذا اللفظ الذي ذكره الغافقي عن عقيل، فلم يذكره أحد ممن روى الحديث عن ابن عباس؛ كعطاء، وسعيد بن جبير، وابن وعلة، ولذا أعله به الذهبي فقال:((هذا مما انفرد به يحيى وقد لُيِّنَ)) (التنقيح 1/ 29 - 30).
نعم، لهذا اللفظ شاهد من حديث العالية بنت سبيع، عن ميمونة، ولكن إسنادُهُ ضعيفٌ، وآخر من مرسل الزُّهري، وهو ضعيفٌ جدًّا، وسيأتي الكلام عليهما.
[تنبيه]:
الحديث ذكره ابن الأثير في (النهاية 2/ 444) بلفظ: ((أَلَيْسَ فِي الشَّثِّ
وَالقَرَظِ مَا يُطَهَّرُهُ؟)). وقال: ((الشث: شجر طيب الريح مُرُّ الطعم، ينبت في جبال الغور ونجد. والقرظ: ورق السِّلَم، وهما نبتان يدبغ بهما. هكذا يروى هذا الحديث بالثاء المثلثة، وكذا يتداوله الفقهاء في كتبهم وألفاظهم. وقال الأزهري في كتاب (لغة الفقه): إِنَّ الشب -يعني: بالباء الموحدة- هو من الجواهر التي أنبتها الله في الأرض يدبغ به، شبه الزاج. قال: والسماع الشب بالباء، وقد صحفه بعضهم فقال الشث)) اهـ.
قلنا: كذا قال!، ولم نقف على رواية بهذا اللفظ في شيء من كتب الحديث، وقد سبق ابن الأثير في ذكر الحديث بهذا اللفظ: الرافعي في (الشرح الكبير 1/ 293)، والماوردي في (الحاوي 1/ 62) وغيرهم من الفقهاء.
قال النووي: ((واعلم أنه ليس للشب ولا الشث ذكر في حديث (الدباغ)، وإنما هو من كلام الإمام الشافعي رحمه الله فإنه قال: والدباغ بما كانت العرب تدبغ به وهو الشث والقرظ هذا هو الصواب. وقد قال صاحب (الحاوي) وغيره: ((جاء في الحديث النص على الشث والقرظ))، كذا نقله الشيخ أبو حامد عن الأصحاب؛ فإنه قال في تعليقه: الذي وردت به السنة ثم ذكر حديث ميمونة الذي قدمته، وقال: هذا هو الذي أعرفه مرويًّا، قال: وأصحابنا يروون: ((يُطَهِّرُهُ الشَّثُّ وَالْقَرَظُ))، وهذا ليس بشيء)) (المجموع 1/ 223).
وقال النووي في (الخُلَاصَة): ((وقولهم في كتب الفقه: (الشَّثُّ وَالْقَرَظُ)، باطلٌ لا أصل له)) (خلاصة الأحكام 1/ 77).
وقال ابن الملقن: ((هذا الحديث غريب بذكر (الشب) فيه، لا أعلم من خرَّجه به،
…
)) (البدر المنير 1/ 603 - 604). وكذا استغربه الحافظ في (التلخيص 1/ 79).
* * *
روايةُ: ((فَإِنَّهُ ذَكَاتُهُ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟!، أَلَا دَبَغْتُمُوهُ فَإِنَّهُ ذَكَاتُهُ؟!)).
[الحكم]:
إسنادُهُ صحيحٌ.
[التخريج]:
[حم 2003 ((واللفظ له)) / قط 105].
[السند]:
رواه أحمد قال: حدثنا يحيى، حدثنا ابنُ جُرَيجٍ، حدثنا عطاء، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، يحيى هو ابن سعيد القطان الإمام، وابنُ جُرَيجٍ ثقة إمام وكان يدلس، وقد صرَّح هنا بالتحديث، وعطاء هو ابن أبي رباح.
ورواه الدارقطني في (السنن) من طريق عبد الرحمن بن بشر، نا يحيى بن سعيد الأموي، عن ابنِ جُرَيجٍ به، ثم رواه من طريق مسدد، ثنا يحيى، عن ابنِ جُرَيجٍ، به.
وظاهر هذا الإسناد أن يحيى بن سعيد الأموي -وهو ثقة يغرب- قد تابع القطان في روايته عن ابنِ جُرَيجٍ، وهو ما اعتمده الحافظ في (الإتحاف 7/ 401) حيث ذكر رواية الأموي، ثم أتبعها برواية مسدد عن يحيى، وأفصح قائلًا:((هو القطان، كلاهما: عن ابنِ جُرَيجٍ)) اهـ.
ولكن نخشى أن تكون كلمة (الأموي) مقحمة من النساخ؛ فإن
عبد الرحمن بن بشر -وهو أبو محمد النيسابوري- إنما يروي عن القطان لا عن الأموي، وكذلك مسدد، والله أعلم.
روايةُ دِبَاغِهِ ذَكَاتُهُ:
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((إِنَّ دِبَاغَهُ ذَكَاتُهُ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ صحيحٌ، وصححه الدارقطني، وأقرَّه ابن الجوزي، والقرطبي، وابن عبد الهادي.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1180) ((واللفظ له)) / قط 101/ زهر 74/ مشب 63، 64/ تحقيق تحت رقم 71/ جوصا 40/ جماعة (337 - 338)].
[السند]:
أخرجه الطبري في (تهذيب الآثار) قال: حدثني أحمد بن الفرج الحمصي، قال:[نا بقية بن الوليد]
(1)
حدثني (الزبيدي)
(2)
، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، به.
وأخرجه الدارقطني في (السنن) -ومن طريقه ابن الجوزي في
(1)
سقط من المطبوع، واستدركناه من (سنن الدارقطني).
(2)
وقع في المطبوع: ((الزبيري))، وهو تحريف واضح.
(التحقيق) -: من طريق أبي عتبة الحمصي، نا بقية بن الوليد، نا الزبيدي، به.
وأخرجه أبو الفضل الزُّهري في (حديثه 74): عن جعفر بن محمد الفريابي، عن إسحاق بن راهويه، عن بقية، به.
ورواه ابن جوصاء في (حديثه 40) -ومن طريقه ابن البخاري في (مشيخته 63)، وابن جماعة في (مشيخته 106) -: عن عمرو بن عثمان، وكثير بن عبيد، قالا: ثنا بقية بن الوليد، به.
فمداره عند الجميع على بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه ثقاتٌ، غير أن بقية بن الوليد يدلس ويسوي، وقد صرَّح بقية بالسماع بينه وبين شيخه، وكذا بين شيخه وشيخ شيخه، فانتفت شبهة التدليس والتسوية، ولذا صححه الدارقطني، وأقرَّه ابن الجوزي، والقرطبي، وابن عبد الهادي. وقد تقدم الكلام على هذه الرواية بتوسع، مع الجواب عن إعلال الذهلي لها، عند الكلام على رواية ابن عيينة في (الدباغ)، فانظره هناك.
رواية: ((دِبَاغُ إِهَابِهَا طَهُورُهَا)):
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((إِنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُهَا، وَدِبَاغُ إِهَابِهَا طَهُورُهَا)).
[الحكم]:
صحيح المتن بما سبق، وهذا إسنادٌ صححه الدارقطني، وأقرَّه ابن الجوزي، والقرطبي، وابن عبد الهادي.
[التخريج]:
[قط 102 ((واللفظ له)) / تحقيق تحت رقم 71].
[السند]:
أخرجه الدارقطني -ومن طريقه ابن الجوزي- قال: نا ابن صاعد، نا أحمد بن أبي بكر المقدمي، نا محمد بن كثير العبدي، وأبو سلمة المنقري، قالا: نا سليمان بن كثير، نا الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله لا بأس بهم، إلا أن سليمان بن كثير، قال عنه الحافظ:((لا بأس به في غير الزُّهري)) (التقريب 2602). ولكنه متابع، كما تقدم، ولعل لذلك صححه الدارقطني، وأقرَّه ابن الجوزي، والقرطبي، وابن عبد الهادي، وقد تقدم الكلام على هذه الرواية أيضًا، عند الكلام على رواية ابن عيينة في (الدباغ)، فانظره هناك.
روايةُ: ((دِبَاغِ الْأَدِيمِ طَهُورُهُ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((إِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طَهُورُهُ)).
[الحكم]:
صحيح المتن بما تقدم، وهذا إسنادُهُ ضعيفٌ، وضعَّفه: الزيلعي، وابن الملقن، وابن حجر، والعيني.
[التخريج]:
[حم 3521 ((واللفظ له)) / بز 5203/ طب (11/ 176/ 11411)، (23/ 426/ 1035) / طح (1/ 469) / شعبة 64/ تطبر (مسند ابن عباس 1186) / هقخ (بدر 1/ 614)].
[السند]:
أخرجه أحمد -ومن طريقه الطبراني-، قال: حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، به.
ومداره عندهم على شعبة، عن يعقوب بن عطاء، به.
قال البزار -عقب الحديث-: ((وهذا الحديث لا نعلم رواه عن يعقوب بن عطاء عن أبيه؛ إِلَّا شعبة، وقد رُوِيَ عن عطاء عن ابن عباس، من وجوه)).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، رجال الصحيح، عدا يعقوب بن عطاء، وهو ضعيفٌ، كما في (التقريب 7826).
وبه أعلَّه الزيلعي في (نصب الراية 1/ 119)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 614)، وفي (تذكرة المحتاج صـ 35)، والحافظ في (التلخيص 1/
81)، والعيني في (البناية شرح الهداية 1/ 412).
ويشهد له حديث ابن وعلة، عن ابن عباس؛ الذي خرجه مسلم بلفظ:((دِبَاغُهُ طَهُورُهُ))، وسيأتي تخريجه في الباب التالي.
روايةُ: ((وَلَمْ يُحَرِّمْ إِهَابُهَا)):
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا، وَلَمْ يُحَرِّمْ إهَابُهَا)).
[الحكم]:
صحيحٌ، دون قوله:((وَلَمْ يُحَرِّمْ إهَابُهَا))، فسنده ضعيفٌ، وإِنْ كَانَ معناه صحيحًا.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1178)].
[السند]:
قال الطبري: حدثني محمد بن عيسى الدامغاني، قال: حدثني سفيان، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا الدامغاني، قال عنه أبو حاتم:((يكتب حديثه)) (الجرح والتعديل 8/ 39). وقال الحافظ: ((مقبول)) (التقريب 6205)، أي: حيث يتابع وإلا فلين، ولم يُتابع، بل خُولف؛ فقد تفرد بزيادة:((وَلَمْ يُحَرِّمْ إهَابُهَا))، مخالفًا الثقات الحفاظ من أصحاب سفيان بن عيينة، كالشافعي، وعلي بن المديني، والحميدي، وأحمد بن حنبل،
وغيرهم، حيث رووه عن ابن عيينة بدونها.
روايةُ حُرِّمَ .. وَرُخِّصَ .. :
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((إِنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُهَا، وَرُخِّصَ لَكُمْ فِي مَسْكِهَا)).
[الحكم]:
صحيحٌ، دون قوله:((وَرُخِّصَ لَكُمْ فِي مَسْكِهَا)) فشاذٌ، وصحح سنده الدارقطني.
[التخريج]:
[طب (23/ 428/ 1040) ((واللفظ له)) / قط 103/ تحقيق تحت رقم 71].
[السند]:
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن إسحاق الخشاب الرقي، ثنا عبد الله بن جعفر الرقي، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن راشد، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، به.
وأخرجه الدارقطني -ومن طريقه ابن الجوزي-، قال: حدثنا ابن صاعد، نا هلال بن العلاء، نا عبد الله بن جعفر الرقي، به.
فمداره عندهم على عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن راشد، عن الزُّهري، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، عدا إسحاق بن راشد الجزري؛ فمن رجال البخاري، إِلَّا أن في روايته عن الزُّهري بعض الضعف، كما قال الذهلي، وابن معين، والدارقطني، ولخص الحافظ حاله؛ فقال:((ثقة، فى حديثه عن الزهري بعض الوْهَمِ)) (التقريب 350)، وانظر:(تهذيب التهذيب 1/ 231).
وقد صحح سنده الدارقطني مع غيره من أسانيد هذا الحديث، كما تقدم نقله.
قلنا: لكن تفرد إسحاق بزيادة: ((وَرُخِّصَ لَكُمْ فِي مَسْكِهَا)) عن الزُّهري، مخالفًا الثقات الحفاظ من أصحابه، فلم يذكرها أحد منهم، فهي زيادة شاذة.
هذا وإِن كان معناها صحيحًا موافقًا لرواية الثقات في إباحة الانتفاع بجلود الميتة، وإنما كلامنا في ثبوت هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روايةُ: ((اتَّخَذْتُمُوهُ شَنًّا)):
• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ:((مَاتَتْ شَاةٌ عِنْدَ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا دَبَغْتُمْ إِهَابَهَا فَاتَّخَذْتُمُوهُ شَنًّا (سِقَاءً))).
[الحكم]:
صحيحٌ، دون قوله:((اتَّخَذْتُمُوهُ شَنًّا)) فشاذٌ.
[التخريج]:
[طب (11/ 167/ 11384) ((واللفظ له)) / مبهم (6/ 412) ((والرواية له))].
[السند]:
قال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون، ثنا داود بن عمرو الضبي، ثنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وأخرجه الخطيب في (الأسماء المبهمة)، من طريق موسى بن هارون، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله كلهم ثقات، عدا محمد بن مسلم وهو الطائفي، فمختلف فيه: روى له مسلم حديثًا واحدًا متابعة، ووثقه جماعة، وضعَّفه آخرون، وقال عنه الحافظ:((صدوق يخطئ من حفظه)) (التقريب 6293).
وقد تفرد بلفظة: ((اتَّخَذْتُمُوهُ شَنًّا))، وخالفه الثقات الأثبات من أصحاب عمرو بن دينار، كسفيان بن عيينة، وابنِ جُرَيجٍ، حيث رويَاه عنه، ولم يذكروا هذه الزيادة، كما تقدم.
وعليه فهذه الزيادة شاذَّة من هذا الوجه، والله أعلم.
روايةُ ((فَانْتَفِعُوا بِمَسْكِهَا)):
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((إِنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُ الْمَيْتَةِ، فَانْتَفِعُوا بِمَسْكِهَا))، أَوْ قَالَ:((بِجِلْدِهَا)).
[الحكم]:
صحيح المتن بلفظ: ((هَلَّا انْتَفَعْتُمْ)) ونحوه، أما بلفظ الأمر، فإسناده ضعيف.
[التخريج]:
[تطبر 1179].
[السند]:
قال الطبري: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا سفيان شيخ ابن جرير، وهو سفيان بن وكيع، قال عنه الحافظ:((كان صدوقًا، إِلَّا أنه ابتُليَ بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنُصِحَ فلم يقبل؛ فسقط حديثه)) (التقريب 2456).
وقد رواه بلفظ: ((فَانْتَفِعُوا بِمَسْكِهَا))، والمحفوظ في هذا الحديث بلفظ:((هَلَّا انْتَفَعْتُمْ)) ونحوه، من غير أمر، كذا رواه معمر، ومالك، ويونس، وغيرهم من أصحاب الزُّهري، كما تقدم في (الصحيحين)، وغيرهما.
روايةُ: ((فَدَبَغَتْهُ سَوْدَةُ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ شَاةً مَيْتَةً شَاغِرَةً بِرِجْلِهَا، فَقَالَ: ((مَا ضَرَّ أَهْلَ هَذِهِ لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا؟)) فَدَبَغَتْهُ سَوْدَةُ، وَانْتَبَذَتْ فِيهِ.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياق، والمرفوع منه صحيحٌ بما سبق، وأما صنيع سودة فله شاهد عند البخاري سيأتي قريبًا.
[التخريج]:
[بز 4788، 5168].
[السند]:
قال البزار في (الموضعين): حدثنا عبد الله بن سعيد، قال: حدثنا حفص بن غياث، قال: حدثنا الحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا حجاج وهو ابن أرطاة، قال عنه الحافظ:((صدوق كثير الخطأ والتدليس)) (التقريب 1119).
وقال البزار بإثره: ((وإنما ذكرنا هذا الحديث؛ لأنه زاد فيه ما نحب أن نخرجه لعلة الزيادة فيه)) (المسند 5168).
قلنا: وهذه الزيادة التي أشار إليه البزار هي قوله: ((فَدَبَغَتْهُ سَوْدَةُ، وَانْتَبَذَتْ فِيهِ))، وإلا فأصل الحديث محفوظ من غير طريق الحجاج، فقد أخرجه الحميدي في (مسنده 498)، وغيره، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو به، ولكن بدون الزيادة الأخيرة.
وكذا أخرجه البخاري (5532) من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بلفظ:((مَا عَلَى أَهْلِهَا لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا)).
وأما الزيادة الأخيرة وهي: صنيع سودة؛ فلها شاهد عند البخاري (6686)، من حديث سودة، وسيأتي قريبًا.
روايةُ ((فَسَلَخَتْهُ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى شَاةٍ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: ((لِمَنْ هَذِهِ؟)) فَقَالُوا: لِسَوْدَةَ، قَالَ:((أَفَلَا انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا؟))؛ فَسَلَخَتْهُ، فَدُبِغَتْ، وَجُعِلَتْ قِرْبَةً يُسْتَقَى بِهَا.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياق.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1187)].
[السند]:
قال الطبري في (تهذيب الآثار/ مسند ابن عباس): حدثني علي بن داود الأدمي، قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز (الرملي)
(1)
قال: حدثنا هاشم بن سليمان، عن العرزمي، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ فيه: محمد بن عبد العزيز الرملي، قال عنه أبو حاتم:
(1)
تصحف في المطبوع إلى: (الأدمي) والصواب (الرملي)، كما في كتب التراجم، فالظاهر أن نظر الناسخ انتقل منه إلى الراوي عنه (علي بن داود الأدمي).
((أدركته، ولم يقض لي السماع منه، كان عنده غرائب، ولم يكن عندهم بالمحمود، هو إلى الضعف ما هو))، وقال أبو زُرْعَةَ:((ليس بالقوي)) (الجرح والتعديل 8/ 8)، وذكره ابن حبان في (الثقات 9/ 81)، وقال:((ربما خالف))، ووثقه العجلي، وقال يعقوب بن سفيان:((كان حافظًا)) (تهذيب التهذيب 9/ 314). وروى له البخاري في (الصحيح) متابعة، كما في (مقدمة الفتح ص 441). ولخص الحافظ حاله، فقال:((صدوقٌ يَهِمْ وكانت له معرفة)) (التقريب 6093).
* وهاشم بن سليمان، ذكره المزي في شيوخ محمد بن عبد العزيز (تهذيب الكمال 26/ 11)، ولم نقف له على ترجمة.
* والعرزمي، في هذه الطبقة اثنان:
أحدهما: عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، قال فيه الحافظ:((صدوقٌ له أوهام)) (التقريب 4184)، وقد أخرجه مسلم من طريقه، عن عطاء، عن ابن عباس أن الشاةَ لمولاةٍ لميمونةَ، كما تقدم.
والثاني: ابن أخيه محمد بن عبيد بن أبي سليمان العرزمي، وهو متروكٌ، كما في (التقريب 6108). وهو بهذه الرواية أشبه، فهي منكرةٌ لمخالفتها رواية الثقات عن عمرو بن دينار؛ كسفيان بن عيينة، وابنِ جُرَيجٍ، وإبراهيم بن نافع المخزومي؛ حيث رووه جميعًا عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس به، وفيه أن الشاة لميمونة أو لمولاتها، وليس فيه الفقرة الأخيرة (فَسَلَخَتْهُ، .... إلخ).
وأما نسبة الشاة لسودة، وسلخها لإهابها، ثم دبغه وجعله قربة؛ فهو ثابت من حديث ابن عباس، عن سودة، كما عند البخاري (6686)، وسيأتي قريبًا.
358 -
حَدِيثُ مَيْمُونَةَ:
◼ عَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ:((أُهْدِيَ لِمَوْلاةٍ لَنَا شَاةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَمَاتَتْ، فَمَرَّ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((أَلا دَبَغْتُمْ إِهَابَهَا وَاسْتَنْفَعْتُمْ بِهِ؟ )) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ:((إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا)).
[الحكم]:
إسنادهُ صحيحٌ، وهو عند مسلم -ولكن لم يذكر لفظه-، وصححه ابن حبان، والألباني.
[التخريج]:
[م 363/ د 4072 ((واللفظ له)) / ن 4275
(1)
/ جه 3635/ حم
(1)
جاء في المطبوع من (سنن النسائي)((ط. مكتب المطبوعات الإسلامية)) (4237) بلفظ: ((أَلَا دَفَعْتُمْ إِهَابَهَا
…
))، وجاء في ((ط. التأصيل))، بلفظ:((أَلَا دَبَغْتُمْ إِهَابَهَا))، وهو الصحيح؛ فقد رواه النسائي عن عبد الرحمن بن خالد القطان، عن حجاج، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، عن ميمونة.
وقد تُوبع عبد الرحمن بن خالد، من يحيى بن معين -كما عند الطبراني في (الكبير 24/ 16 - 30) -، وأبي بشر الرقي -كما عند الطحاوي في (معاني الآثار 1/ 469) -، ويوسف بن سعيد بن مسلم -كما عند ابن حبان (1278) -؛ جميعهم بلفظ:((الدباغ)).
وأيضًا تُوبع حجاج المصيصي على ذلك -ولكن بإسقاط عمرو بن دينار- من أبي عاصم النبيل -كما عند ابن الجارود (850) -، وعبد الرزاق، ويزيد بن هارون-كما عند أحمد (26852) -، ومحمد بن بكر -كما عند ابن راهويه (2028) -.
ولذا قال السندي: ((قوله: ((أَلَا دَفَعْتُمْ إِهَابَهَا))، هكذا في نسختنا؛ من الدفع بالفاء والعين المهملة، أي: أخذتموه وبعدتموه من اللحم بالنزع عنه، والأقرب:(دَبَغْتُمْ))) (حاشية سنن النسائي 7/ 172 - 173).
26795، 26852/ حب 1278، 1280، 1284/ عه 619/ عب 188/ ش 25268/ عل 7079، 7100/ حمد 317/ طب (23/ 426، 427/ 1034، 1036، 1037)، (24/ 16/ 29، 30) / حق 2028/ منذ 831، 832/ قناع 181/ مسن 798، 802/ طح (1/ 469) / جا 873/ صمند (صـ 969) / صحا 7450/ هق 46/ محلى (1/ 119) / كر (23/ 112) / عساكر (مساواة صـ 193، 194) / مشب 66/ خبر (1/ 489)].
[السند]:
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وابن أبي عمر، جميعًا: عن ابن عيينة -قال يحيى: أخبرنا سفيان بن عيينة-، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، بنحوه. ثم قال: قال أبو بكر، وابن أبي عمر، في حديثهما: عن ميمونة رضي الله عنها.
وقال أبو داود: حدثنا مسدد، ووهب بن بيان، وعثمان بن أبي شيبة، وابن أبي خلف، قالوا: حدثنا سفيان، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس -قال مسدد، ووهب: عن ميمونة-، به.
وأخرجه أحمد، والحميدي: عن سفيان بن عيينة، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، به.
وأخرجه النسائي، قال: أخبرني عبد الرحمن بن خالد القطان الرقي، قال: حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار، قال: أخبرني عطاء منذ حين، عن ابن عباس، أخبرتني ميمونة، به.
ورواه الطبراني، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن
معين، ثنا حجاج، أخبرني ابن جُرَيجٍ، أخبرني عمرو بن دينار، به.
ورواه إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل من طرق، عن ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: أخبرتني ميمونة، به.
[تنبيهان]:
الأول: روى مسلم هذا الحديث من طريق ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم في (الصحيحين) من رواية ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه البخاري من طريق عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة -كما سيأتي قريبًا-، وأخرجه مسلم أيضًا من طريق عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ:((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ))، وسيأتي تخريجه في الباب التالي.
وهذا الاختلاف لا يضرُّ، فكل هذه الأوجه صحيحة ثابتة عن ابن عباس، مع اتساع المخرج عنه.
وقد سئل البخاري عن هذا الخلاف؛ فقال: ((هذا كلُّه صحيحٌ، يحتمل أن يكون روى عن ميمونة، وعن سودة، ثم روى هو عن النبي صلى الله عليه وسلم)(العلل الكبير للترمذي صـ 282).
وقال الترمذي -عقب حديث ابن وعلة، عن ابن عباس ((إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ)) -: ((وقد رُوِيَ من غير وجه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، وروي عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنه عن سودة؛ وسمعت محمدًا يصحح حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث ابن عباس، عن ميمونة، وقال: أحتمل أن يكون روى ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه:
عن ميمونة)) (جامع الترمذي 3/ 123).
وقال ابن المنذر: ((فإن قيل: قد اختلفوا فيه، قيل: ليس الاختلاف مما يوهن الخبر، وليس يخلو ذلك من أحد معنيين: إما أن يكون ابن عباس سمع ذلك من ميمونة وسودة جميعًا؛ لأَنَّ كل من روى ما ذكرناه عن ابن عباس عن ميمونة أو سودة؛ ثقة يجب قبول حديثه، فيحتمل أن يكون ابن عباس سمع الحديث منهما، فإِن كان ذلك فهو ثابت لا يدفع له أن يكون ذلك ثابتًا عن أحدهما، فأيهما كان فهو مقبول لا معنى لرده، وأيهما كان يخبره يجب قبوله
…
، فأما خبر ابن وعلة عن ابن عباس؛ فليس مما يجوز أن يقابل به خبر عبيد الله بن عبد الله، ولا عطاء، ولا عكرمة إذا خالفوه؛ لأَنَّ هؤلاء حفاظ، أصحاب ابن عباس، مع أن رواية ابن وعلة ليست بخلاف لرواية هؤلاء، قد يجوز أن يكون ابن عباس قد سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ)) مختصرًا، ويكون قد سمع من ميمونة وسودة أو إحداهما قصة الشاة، وليس في رواية ابن وعلة قصة الشاة، ولا في حديث هؤلاء اللفظ الذي في رواية ابن وعلة، فيجوز أن يكونا حديثين محفوظين، كل واحد منهما غير صاحبه)) (الأوسط 2/ 400).
وقال ابن عبد البر -حاكيًا عن أحمد بن حنبل، وبعضِ من ذهب مذهبه في تضعيف أحاديث دباغ جلود الميتة-: ((قال: إِنَّ حديث ابن عباس مختلف فيه؛ لأَنَّ قومًا يقولون: عن ابن عباس، عن ميمونة، وقومًا يقولون: عن ابن عباس، عن سودة، ومرة جعلوها لميمونة، ومرة يجعلون الشاة لسودة، ومرة جعلوها لمولاة ميمونة، ومرة قالوا: عن ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. -قال ابن عبد البر-: هذا كلُّه ليس باختلاف يضرُّ؛ لأَنَّ الغرض صحيحٌ والمقصد واضح ثابت، وهو أن الدباغ يطهر إهاب الميتة، سواء
كانت الشاة لميمونة أو لسودة أو لمن شاء الله، وممكن أن يكون ذلك كله أو بعضه، وممكن أن يسمع ابن عباس بعد ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكاه عنه ابن وعلة قوله:((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ))، وذلك ثابت عنه صلى الله عليه وسلم) (التمهيد 4/ 167 - 168).
وقال ضياء الدين المقدسي: ((قد رُوِيَ في (الصحيح) هذا الحديث عن ابن عباس، عن ميمونة، وعن ابن عباس لم يذكر ميمونة، فالذي ذكرناه؛ هكذا رواه ابن عباس، عن سودة، وفي روايتنا هذه لم يذكر سودة، ولهذا الحديث أمثال في (الصحيح))) (الأحاديث المختارة 12/ 97).
وقال ابن دقيق العيد: ((وأراد الأثرم تعليل هذا الحديث -حديث ابن عباس- بالاختلاف؛ فذكر حديث عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ))، وروى الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((هَلَّا انْتَفَعْتُم بِإِهَابِهَا؟ ))، وروى إسماعيل، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة بنت زمعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فهذا حديث ابن عباس قد اضطربوا فيه: مرة يجعلونه سماعًا لابن عباس من النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة عن ميمونة، ومرة عن سودة، فاضطرب الحديث لاختلافه.
قلت (القائل ابن دقيق): أما حديث ابن وعلة، عن ابن عباس، فمختلف اللفظ والسند مع حديث عبيد الله عنه، فلا يجعل مع حديثه الآخر واحدًا حتى يعلل به. وأيضًا ففي حديث ابن وعلة، عن ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث عبيد الله عنه لم يذكر السماع، والذي يثبت فيه: أنه سمعه من ميمونة، فليسا بواحد. وأما الاختلاف في حديث عبيد الله في
كونه تارة: عن ابن عباس، وتارة: عنه عن ميمونة؛ فليس في رواية من اقتصر على ابن عباس ذكر سماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما ذكرناه عن يعقوب بن سفيان ما يقوِّي كونه عن ميمونة، وإن أرسل من جهة ابن عباس لم يناف ذلك سماعه له من ميمونة، والرواية التي ذكر فيها روايته إيَّاه عن ميمونة زيادة فتقبل. وأما رواية إسماعيل عن الشعبي عن عكرمة عن ابن عباس عن سودة، فإما أن يرجح عليها رواية الزُّهري فلا تعارض بها، وإما أن تجعل حديثًا آخر)) (الإمام 1/ 300 - 301).
وقال ابن عساكر: ((وهذا الاختلاف الذي ذكرناه، لا يؤثر في صحة الحديث، فقد أخرجه الأئمة في كتبهم من وجوه)) (الأربعون حديثًا من المساواة صـ 199).
التنبيه الثاني:
اختُلف على سفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث عن الزُّهري، عن عبيد الله؛ فرواه تارة: فجعله من مسند ابن عباس، وتارة: من مسند ميمونة.
رواه عنه على هذا الوجه جمع من ثقات أصحابه، وعلى الوجه الآخر جمع أيضًا من ثقات أصحابه، وقد سبق في حديث ابن عباس الإشارة إلى ذلك.
ولهذا قال ابن عساكر: ((والاضطراب فيه من سفيان، فإنه كان يرويه تارة هكذا، وتارة هكذا، بَيَّن ذلك علي بن المديني)) (الأربعون حديثًا من المساواة صـ 196)
قلنا: وكذا بيَّنَهُ الحميدي -عقب الحديث- فقال: ((وكان سفيان ربما لم
يذكر فيه ميمونة، فإذا وقف عليه قال فيه ميمونة)).
ولهذا رجَّح بعضُهم -في حديث الزُّهري خاصة- رواية ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فيه ميمونة، لاتفاق أصحاب الزُّهري على روايته عنه كذلك؛ كمالك، ويونس، ومعمر، والأوزاعي، وغيرهم، قال ابن حجر:((الراجح عند الحفاظ في حديث الزُّهري ليس فيه ميمونة)) (فتح الباري 9/ 658).
روايةٌ مُخْتَصَرَةٌ لَيْسَ فِيهَا الدَّبَاغُ، وَفِيهَا: لِبَعْضِ نِسَاءِ النَّبِيِّ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ دَاجِنَةً كَانَتْ لِبَعْضِ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَمَاتَتْ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَاسْتَمْتَعتُمْ بِهِ؟)).
[الحكم]:
صحيح (م).
[التخريج]:
[م 364 ((واللفظ له)) / كن 4759/ ش 25274/ هق 79].
[السند]:
قال مسلم: حدثنا أحمد بن عثمان النوفلي، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ابنُ جُرَيجٍ، أخبرني عمرو بن دينار، أخبرني عطاء منذ حين، قال: أخبرني ابن عباس، أن ميمونة، أخبرته
…
الحديث.
وأخرجه النسائي، قال: أخبرني عبد الرحمن بن خالد، قال: حدثني حجاج، قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار، به.
وأخرجه ابن أبي شيبة: عن عبيد الله العمري، عن ابن جريج، عن عطاء، به. بإسقاط عمرو بن دينار.
وقد سبق في حديث ابن عباس أنه محفوظ عن ابن جريج على الوجهين.
روايةُ: ((شَاةٍ لِمَيْمُونَةَ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى شَاةٍ مَيْتَةٍ مُلْقَاةٍ، فَقَالَ:((لِمَنْ هَذِهِ؟))، فَقَالُوا: لِمَيْمُونَةَ، فَقَالَ:((مَا عَلَيْهَا لَوِ انْتَفَعَتْ بِإِهَابِهَا))
…
الحديث.
[الحكم]:
صحيحٌ.
[التخريج]:
[ن 4272 ((واللفظ له)) / كن 4756، 4760/ عه 618/ محلى (1/ 119) / عساكر (مساواة صـ 194)].
[السند]:
أخرجه النسائي -ومن طريقه ابن حزم- قال: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، به.
ورواه أبو عوانة -ومن طريقه ابن عساكر في (المساواة) -، قال: حدثنا شعيب بن عمرو الدمشقي، قال: ثنا سفيان بن عيينة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله كلهم ثقات.
ولهذه الرواية طرق أخرى عن الزُّهري، ولكن من مسند ابن عباس، وقد تقدم الكلام عليها هناك.
359 -
حَدِيثُ الْعَالِيَةِ بِنْتِ سُبَيْعٍ:
◼ عَنِ الْعَالِيَةِ بِنْتِ سُبَيْعٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِي غَنَمٌ بِأُحُدٍ، فَوَقَعَ فِيهَا الْمَوْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ لِي مَيْمُونَةُ: لَوَ أَخَذْتِ جُلُودَهَا فَانْتَفَعْتِ بِهَا، فَقَالَتْ: أَوَ يَحِلُّ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَجُرُّونَ شَاةً لَهُمْ مِثْلَ الْحِمَارِ (الْحِصَانِ)، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا))، قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياق، والانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ؛ ثابت صحيحٌ، كما تقدم.
[التخريج]:
[د 4078 ((واللفظ له)) / ن 4286 ((والرواية له)) / كن 4770/ حم 26833/ حب 1286/ عل 7086 ((والرواية له)) / طب (24/ 14/ 24) / طس 8696/ تطبر (مسند ابن عباس 1204) / منذ 836/ طح (1/ 470/ 2709، 2710) / صمند (صـ 970) / قط 108/ هق 62، 63/ كما (15/ 507)، (35/ 226 - 227) / سكن (بدر 1/ 605 - 606)].
[السند]:
أخرجه أبو داود -ومن طريقه البيهقي (63) - قال: حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث-، عن كثير بن فرقد، عن عبد الله بن مالك بن حذافة، حدَّثه عن أمه العالية بنت سبيع، أنها قالت:
…
، فذكره.
وأخرجه أبو يعلى: من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث بن
سعد، عن كثير بن فرقد، به.
وأخرجه النسائي: عن سليمان بن داود.
وأخرجه الطبري، والطحاوي، والدارقطني: من طريق يونس بن عبد الأعلى، كلاهما: عن ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، والليث بن سعد، عن كثير بن فرقد، به.
ومداره عند الجميع على كثير بن فرقد، عن عبد الله بن مالك بن حذافة، عن أمه العالية بنت سبيع، عن ميمونة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: جهالة عبد الله بن مالك بن حذافة؛ فقد ترجم له البخاري في (التاريخ 5/ 203)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 5/ 171)، برواية كثير بن فرقد عنه، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 17) على قاعدته في توثيق المجاهيل؛ لذلك قال الذهبي:((ما رَوَى عنه سوى كثير بن فرقد؛ ففيه جهالة)) (الميزان 2/ 499).
قلنا: ذكر ابن حبان في ترجمته أنه روى عنه ابنه معقل بن عبد الله.
وقال الحافظ: ((مقبول)) (التقريب 3566)؛ أي: عند المتابعة، وإلا فليِّنٌ.
العلة الثانية: جهالة العالية بنت سبيع؛ فلم يَرْوِ عنها غير ابنها عبد الله بن مالك؛ ولم يوثقها إِلَّا العجلي، كما في (تهذيب الكمال 35/ 226)
(1)
،
(1)
وعلى فروعه اعتمد محقق كتاب العجلي في ذكرها في الكتاب برقم (2340)، وأما الموجود في الأصول لديه ما أثبته برقم (2362) في الكنى:((أم العالية بنت سبيع))، والصواب أنها العالية، كما في كل المصادر عدا البيهقي (62)، فقد أشار إلى أنه وقع في رواية ابن وهب (أم العالية)، والحديث في جل المصادر من طريق ابن وهب على الصواب، فلعل الهاء من قوله (عن أمه العالية) طمست في الأصل الذي نقل منه، والله أعلم.
وذكرها ابن حبان في (الثقات 5/ 289)، وهما معروفان بالتساهل في توثيق المجاهيل، ولذا ليَّنَ الذهبي توثيقها، بقوله:((وثقت)) (الكاشف 2/ 513). وذكرها في فصل المجهولات من (الميزان 4/ 608)، وأما الحافظ فاقتصر في (التقريب 8632) على قوله:((وثقها العجلي)).
وصرَّح الألباني بضعف إسناده؛ لأجل حال العالية وابنها، لكنه صححه بشاهد ابن عباس السابق ذكره من رواية الغافقي، عن عقيل، عن الزُّهري، فقال: ((لكن للحديث شاهد قوي من حديث ابن عباس نحوه،
…
)) (الصحيحة 5/ 195/ ح 2163).
قلنا: وفيه نظر، فقد سبق أن هذه اللفظة شاذة من حديث ابن عباس، والشاذ لا يُقوِّي ولا يتقَوَّى - كما هو مقرر في هذا العلم الشريف-؛ لأنه محضُ خطأ من أحد رواته.
ورويت هذه اللفظة أيضًا من مرسل الزُّهري، ومراسيل الزُّهري واهِيةٌ، كما تقدم بيانه في باب:((الدم يصيب الثَّوب)).
هذا بخصوص ثبوت هذه اللفظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فمضمونه وهو الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ، فثابت لا ريب في ذلك، كما تقدم.
ولعل من أجل ذلك - نعني: صحة معناه - صحح حديث العالية بعض أهل
العلم؛ كابن حبان، وابن السكن، والحاكم، وحسَّنه المنذري كما في (البدر المنير 1/ 606)، والنووي في (الخلاصة 1/ 77)، والزركشي في (شرحه على مختصر الخرقي 1/ 154)، وابن الملقن في (تحفة المحتاج 1/ 220)، والعيني في (نخب الأفكار 7/ 186).
[تنبيه]:
عزاه ابن حجر في (التلخيص الحبير 1/ 79 - 80)، وتبعه الشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 82) لمالك، ولم نقف على رواية مالك هذه لا في (الموطأ)، ولا في غيره. والذي في (الموطأ) في هذا الباب حديث ابن عباس بنحو رواية (الصحيحين)، ورواية ابن وعلة عنه، وحديث آخر لعائشة. فالذي يظهر أنه سَبْقُ قلمٍ من الحافظ، لا سيَّما وهذا العزو غير موجود في أصله كتابه -أعني:(البدر المنير 1/ 605) -، وليس مالك مما يقصر في العزو إليه، والله أعلم.
360 -
حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، أَوْ غَيْرِهَا:
◼ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَوْ زَيْنَبَ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ مَيْمُونَةَ مَاتَتْ لَهَا شَاةٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((أَلَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ )) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَسْتَمْتِعُ بِهَا، وَهِيَ مَيْتَةٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(([إِنَّ] طَهُورَ الأَدِيمِ دِبَاغُهُ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وهذا إسناده حسن.
[التخريج]:
[طس 2652 ((واللفظ له)) / معر 2210 ((والزيادة له)) / قط 119].
[السند]:
رواه الطبراني في (الأوسط)، قال: حدثنا إبراهيم -وهو ابن أحمد الوكيعي-، قال: نا يحيى بن أيوب المقابري، قال: نا عباد بن عباد المهلبي، عن شعبة، عن أبي قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن أم سلمة، أو زينب، أو غيرهما من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، به.
ورواه ابن الأعرابي في (معجمه): عن علي بن سهل (وهو ابن المغيرة).
ورواه الدارقطني: عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز (وهو البغوي الحافظ).
ثلاثتهم: عن يحيى بن أيوب، قال: حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن شعبة، عن أبي قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن أم سلمة، أو زينب، أو غيرهما، به.
قال الطبراني (عقب الحديث): ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن شعبة إِلَّا عباد
تفرَّد به يحيى)).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ حسنٌ، رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، غير أبي قيس الأودي، وهو عبد الرحمن بن ثروان مشهور بكنيته، أخرج له البخاري، ووثقه ابن معين، وابن نمير، والعجلي -وزاد:((ثبتٌ)) - والدارقطني، وذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال النسائي:((ليس به بأس))، وكذا قال أحمد، وقال في موضع آخر:((يخالف في أحاديث)) (العلل رواية عبد الله 870)، وقال مرة:((له أشياء مناكير)) (سؤالات الميموني 417)، وقال مرة أخرى:((لا يحتجُّ بحديثه)) (سنن الدارقطني 1/ 274 ط. الرسالة)، وقال أبو حاتم:((ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ))، قيل له: كيف حديثه؟ قال: ((صالح، هو لين الحديث)) (الجرح والتعديل 5/ 218)، وانظر:(الميزان 2/ 553)، و (تهذيب التهذيب 6/ 152 - 153). ولخص حاله الحافظ؛ فقال:((صدوقٌ ربما خالف)) (التقريب 3823).
وعلى هذا فهو حسن الحديث ما لم يخالف، وحديثه هذا يشهد له ما تقدم من حديث ابن عباس، عن ميمونة.
وقد أشار الدارقطني عقب الحديث إلى أن عبادًا المهلبي قد خولف في بعض سياقه، فقال:((وقال غيره -يعني: غير عباد-: عن شعبة، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: كَانَتْ لَنَا شَاةٌ فَمَاتَتْ)) اهـ.
وهذا الغير الذي أشار إليه الدارقطني هو: بقية بن الوليد؛ فقد أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 24/ 35/ 94) عن واثلة بن الحسن العرقي، ثنا كثير بن عبيد، ثنا بقية، ثنا شعبة، عن أبي قيس قال: سمعت هذيل بن
شرحبيل يحدث، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ((كَانَ لَهَا شَاةٌ مَيْتَةٌ
…
)) الحديث.
ورجالُه ثقاتٌ عدا واثلة، روى عنه الطبراني وابن عدي، ولم نجد من وثقه، انظر ترجمته في (الإكمال 7/ 297)، و (توضيح المشتبه 6/ 235) و (معجم البلدان 4/ 109) و (تاريخ دمشق 7946).
روايةُ: ((لَمْ يُدْرِكُوا ذَكَاتَهَا)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّ شَاةً لَهُمْ مَاتَتْ، فَلَمْ يُدْرِكُوا ذَكَاتَهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((لَوِ [مَا إِذْ فَاتَتْكُمْ ذَكَاتُهَا] انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياق، والانتفاع بإهاب الميتة صحيحٌ ثابتٌ من حديث ابن عباس وغيره، كما سبق.
[التخريج]:
[طب (23/ 316/ 716) ((واللفظ له))، (23/ 329/ 757) ((مختصرًا)) / تطبر (مسند ابن عباس 1203) ((والزيادة له))].
[التحقيق]:
هذا الحديث بهذا السياق له طريقان عن أم سلمة:
الأول:
أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 23/ 316/ 716) قال: حدثنا
أحمد بن رشدين، ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث، عن إسحاق بن أبي فروة، أن مسلم بن سليم
(1)
حَدَّثه عن أم سلمة، به.
وأخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 1203): عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي عبد الله بن وهب، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ إسحاق بن أبي فروة متروك، كما في (التقريب 368).
ومسلم بن سليم ذكره البخاري في (التاريخ 7/ 262)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 8/ 185)، ولم يذكرا فيه جرجًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 445) على قاعدته.
الطريق الثاني:
أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 23/ 329/ 757) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا ابن الأصبهاني، ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب -أو عن أخيه-، عن أم سلمة، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: شَريك، وهو ابن عبد الله النخعي، متكلم في حفظه، وقال الحافظ:((صدوق يخطئ كثيرًا)) (التقريب 2787).
قلنا: وقد أخطأ على أبي إسحاق السبيعي في سنده، وبيان ذلك في:
(1)
- وقع في المطبوع من تهذيب الآثار: ((مسلم بن سليمان))، وهو خطأ والصواب المثبت.
العلة الثانية: مخالفة سفيان الثوري لشريك في إسناده:
فقد أخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 1217) عن محمد بن بشار، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ
…
))، فذكره مرسلًا مختصرًا.
وسفيان أثبت الناس في أبي إسحاق، لا يقارن بشريك.
روايةُ: ((فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا، يَحِلُّ كَمَا يَحِلُّ الْخَلُّ مِنَ الْخَمْرِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتْ لَنَا شَاةٌ نَحْلُبُهَا، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((مَا فَعَلَتْ شَاتُكُمْ؟))، قَالُوا: مَاتَتْ، قَالَ:((مَا فَعَلْتُمْ بِإِهَابِهَا؟))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلْقَيْنَاهُ، قَالَ:((أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِهِ؟))، [قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم] فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا، يَحِلُّ كَمَا يَحِلُّ الْخَلُّ مِنَ الْخَمْرِ (إِنَّ دِبَاغَهَا أَحَلَّهَا، كَمَا أَحَلَّ الْخَمْرَ الْخَلُّ))).
[الحكم]:
منكرٌ بذكر تحليل الخل للخمر، وضعَّفه ابن عدي، والدارقطني -وأقرَّه: الغساني، وابن دقيق العيد، والذهبي، والزيلعي، وابن الملقن، والعيني-، والحاكم، والبيهقي، وعبد الحق الإشبيلي - وأقرَّه ابن القطان-، وابن الجوزي -وأقرَّه ابن عبد الهادي-، وابن القيم، والهيثمي، وابن حجر، والشوكاني، والألباني.
وأما الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ؛ فصحيحٌ، كما تقدم.
[التخريج]:
[عل (مط 25)، (خيرة 491) ((والرواية له)) / طب (23/ 360/ 847) ((واللفظ له)) / طس 417 ((والزيادة له))، 9390/ تطبر (مسند ابن عباس 1202) / عد (8/ 600) / قط 125، 4707/ هق 11313/ خط (16/ 94) / تحقيق 99].
[السند]:
قال أبو يعلى: حدثنا محمد بن بكار، ثنا فرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن أم سلمة، به.
وقال الطبري في (تهذيب الآثار): حدثنا موسى بن سهل الرملي، قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا فرج بن فضالة، به.
ورواه الطبراني في (الكبير): عن طالب بن قُرَّة الأذني، ثنا محمد بن عيسى الطباع، (ح) وحدثنا عبدان بن أحمد، ومحمود بن محمد الواسطي، قالا: ثنا زكريا بن يحيى زحمويه، قالا: ثنا فرج بن فضالة، به.
ومداره عند الجميع على فرج بن فضالة، به.
قال الطبراني: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إِلَّا فرج بن فضالة، ولا يُرْوَى عن أم سلمة إِلَّا بهذا الإسنادٌ)) (الأوسط عقب رقم 9390).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: فرج بن فضالة؛ وهو ضعيفٌ، كما في (التقريب 5383)، لا سيَّما في روايته عن يحيى بن سعيد، فقد حدَّث عنه بمناكير لا يتابع عليها، كما قال أحمد، والبخاري، والساجي، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم، وانظر:(تهذيب التهذيب 8/ 262).
وهذا منها؛ فقد تقدم حديث (الدباغ) من حديث ابن عباس، وميمونة، وسودة، وغيرهم، وليس عند أحد منهم هذه الزيادة، وفي (صحيح مسلم) (1983):((عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا؟ فَقَالَ: ((لَا)).
ولذا ضعَّف الحديثَ كثيرٌ من أهل العلم:
فقال ابن عدي -بعد إخراجه للحديث-: ((وحديث يحيى بن سعيد عن عمرة، لا يرويه عن يحيى غير فرج، وله عن يحيى غيره مناكير)) (الكامل 6/ 29).
وقال الدارقطني: ((تفرَّد به فرج بن فضالة عن يحيى وهو ضعيف، يروي عن يحيى بن سعيد أحاديث لا يتابع عليها)) (السنن عقب رقم 4707). وأقرَّه الغساني في (تخريج الأحاديث الضعاف في سنن الدارقطني صـ 8، 314)، وابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 302)، والذهبي في (التنقيح 1/ 38)، والزيلعي في (نصب الراية 1/ 119، 4/ 311)، وابن الملقن في (البدر المنير 1/ 619)، وبدر الدين العيني في (عمدة القاري 1/ 89)، وفي (شرح الهداية 12/ 394).
وقال الحاكم: ((تفرَّد به الفرج بن فضالة عن يحيى، والفرج ممن لا يحتج بحديثه، ولم يصح تحليل خل الخمر من وجه)) (مختصر خلافيات البيهقي 3/ 372).
وقال البيهقي: ((تفرَّد به الفرج بن فضالة، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدِّث عنه، ويقول: حدَّث عن يحيى بن سعيد الأنصاري أحاديث منكرة مقلوبة، وضعَّفه أيضًا سائر أهل العلم بالحديث)) (معرفة السنن والآثار 8/ 226).
وذكر البيهقي عقبه في (السنن 11313): ((قال فرج: يعني: أن الخمر إذا تغيَّرت فصارت خلًّا حَلَّتْ))، ثم نقل عن الدارقطني تضعيفه للحديث بفرج، ثم قال:((وعلى هذا التفسير يرتفع الخلاف، إِلَّا أن الحديث ضعيفٌ)).
وضعَّفه أيضًا بفرج: عبدُ الحق الإشبيليُّ في (الأحكام الوسطي 4/ 173) - وأقرَّه ابن القطان في (بيان الوهم والإيهام 2/ 201) -، وابن الجوزي في (التحقيق 1/ 111) - وأقرَّه ابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 141 - 142) -، وابن القيم في (إعلام الموقعين 2/ 292)، والهيثمي في (المجمع 1095)، وابن حجر في (التلخيص الحبير 1/ 75، 82)، والشوكاني في (نيل الأوطار
1/ 82)، والألباني في (السلسلة الضعيفة 6/ 572).
ورغم كل هذا، قال البوصيري:((هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ))! (الإتحاف 1/ 295). فلم يصب.
361 -
حَدِيثُ سَوْدَةَ:
◼ عَنْ سَوْدَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ:((مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ، فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا)).
[الحكم]:
صحيح (خ).
[اللغة]:
الشَّنُّ والشَّنَّةُ: الخَلَقُ (أي: القديم البالي) مِنْ كُلِّ آنِيَةٍ صُنِعَتْ مِنْ جِلْدٍ، وَجَمْعُهَا شِنَانٌ، ويقال للسقاء شَنٌّ، وللقربة شَنٌّ، والشنَان أَشَد تبريدًا للماء من الجُدُد، وفي حديث قيام الليل:((فَقَامَ إِلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ)) أَي: قِرْبَة. انظر: (لسان العرب 13/ 241).
[التخريج]:
[خ 6686 ((واللفظ له)) / ن 4278/ كن 4762/ حم 27418/ ش 25269/ طب (24/ 36/ 96، 97) / حق 2091/ علت 514/ عق (1/ 547) / تطبر 1171، 1172/ طح (1/ 470) / لا 753/ صحا 7435/ هق 54/ حداد 384/ بغ 306/ نبغ 1028/ كما (35/ 202)].
[السند]:
قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة، به.
عبد الله هو ابن المبارك، وقد تابعه جماعة:
فأخرجه أحمد: عن ابن نمير.
وأخرجه ابن أبي شيبة: عن هُشَيْمٍ.
وأخرجه ابن راهويه: عن وكيع.
وأخرجه الترمذي: من طريق عَبْدَةَ بن سليمان.
وأخرجه النسائي: من طريق الفضل بن موسى.
وأخرجه الطبري: من طريق أبي أسامة.
كلهم: عن إسماعيل بن أبي خالد، به.
[تنبيهات]:
الأول: تقدم هذا الحديث من رواية ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس عن ميمونة، وهنا ابن عباس عن سودة، وهذا كله صحيحٌ عن ابن عباس، كما تقدم نقله عن الإمام البخاري، وغيره.
الثاني: نسبت الشاة هنا لسودة، وفي الروايات السابقة نسبت الشاة فيها لميمونة، وفي أخرى نسبت لمولاتها، وقد تقدم الكلام على ذلك مفصلًا والجمع بينهم في حديث ابن عباس.
الثالث: هذا الحديث وإِن كان ظاهره أنه موقوفٌ على سودة، ونصَّ على ذلك بدر الدين العيني في (عمدة القاري 9/ 88). إلا أن معناه قد يفيد الرفع؛ فقولها:((حَتَّى صَارَ شَنًّا)) أي: حتى صار باليًا، والجلد لا يصير باليًا إِلَّا بطول الزمان؛ فيكون دبغ الإهاب وقع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وصار شنًّا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر:(الإمام لابن دقيق العيد 1/ 318).
ويدل على الرفع أيضًا الأحاديث المتقدمة، وأن القصة وقعت مع بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيته؛ بدليل قولها:((مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ)) أي: نحن أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهن ميمونة، التي نسبت الشاة لها تارة، ولمولاتها تارة.
الرابع: قال الحافظ ابن حجر -بعد ذكره لحديث سودة-: ((وقد أخرج النسائي من طريق مغيرة بن مقسم، عن الشعبي، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا في (دباغ جلد الشاة الميتة) غير هذا، وأشار المزي في (الأطراف) إلى أن ذلك علة لرواية إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي التي في الباب، وليس كذلك؛ بل هما حديثان متغايران في السياق، وإِن كان كل منهما من رواية الشعبي، عن ابن عباس، ورواية مغيرة هذه توافق لفظ رواية عطاء، عن ابن عباس، عن ميمونة، وهي عند مسلم)) (فتح الباري 11/ 569).
وعبارة المزي التي فهم منها الحافظ أنه يشير إلى إعلاله، قوله -عقب ذكر حديث سودة-:((رواه مغيرة، عن الشعبي، عن ابن عباس، وقد مضى)) (تحفة الأشراف 11/ 334). وكذا فعل في حديث مغيرة، قال عقبه:((رواه إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة بنت زمعة، وسيأتي)) (تحفة الأشراف 5/ 35). فجعلها حديثًا واحدًا.
مع الخلاف على الشعبي في سنده ومتنه؛ فقد أخرجه النسائي في (السنن الكبرى 4761) من طريق مغيرة، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال:((مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَاةٍ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: ((أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ )).
فخالفه إسماعيل في إسناده (فلم يذكر عكرمة)، وفي متنه كما هو ظاهر، والصواب أنهما حديثان، لا يعارض أحدهما بالآخر، كما قال الحافظ في ((الفتح))، وقال في (النكت الظراف 5/ 35): ((قلت: لفظه وسياقه متغاير للفظ هذا وسياقه، فيشبه أن يكونا حديثين، وقد جاء عن عطاء، عن
ابن عباس، عن ميمونة باللفظ الذي هنا)). اهـ.
الخامس: أخرج هذا الحديث ابن أبي شيبة في (المصنف 25269)، وابن حبان (5448)، والطبراني في (المعجم الكبير 24/ 36/ 96)، وغيرهم من طرق، عن هُشَيْمٍ، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس:((أَنَّ شَاةً لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ مَاتَتْ، قَالَتْ: ((فَدَبَغْنَا جِلْدَهَا، فَكُّنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا)).
قال الطبراني -عقب الحديث-: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن إسماعيل إِلَّا هُشَيْمٌ)).
قلنا: ولعله يعني بتفرد هُشَيْمٍ به، جعله أول الحديث من مسند ابن عباس، وقد رواه الجماعة -كما تقدم- عن إسماعيل بن أبي خالد، به، عن ابن عباس، عن سودة قالت: ((مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ
…
)) الحديث.
السادس: ذكر ابن الملقن أن في بعض نسخ البخاري ((عن ميمونة)) بدل ((سودة)) (البدر المنير 1/ 581)، وقال البيهقي:((ورواه عبيد الله بن موسى، عن إسماعيل، فقال: عن ميمونة بدل سودة)). ثم أخرجه في (السنن الكبرى 55) من طريق عباس الدوري، عن عبيد الله بن موسى، عن إسماعيل به، بذكر ميمونة، بدل سودة.
ولكن أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 460) عن إسماعيل بن إسحاق بن سهل، والعقيلي في (الضعفاء 1/ 311) عن محمد بن موسى البلخي، كلاهما: عن عبيد الله بن موسى، به، عن سودة على الصواب مثل رواية الجماعة (ابن المبارك، ووكيع، وابن مسهر، وابن نمير، وعَبْدَة، وغيرهم)، عن إسماعيل، كما تقدم في السند.
روايةٌ مُطَوَّلَةٌ:
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: ((كَانَتْ لَنَا شَاةٌ فَمَاتَتْ فَطَرَحْنَاهَا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((مَا فَعَلَتْ شَاتُكُمْ؟)) فَأَخْبَرْنَاهُ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:{قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟)) فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا، فَسَلَخْنَاهَا، ثُمَّ دَبَغْنَاهُ، فَاتخَذْنَاهُ سِقَاءً، فَشَرِبْنَا فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا.
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياق.
[التخريج]:
[حم 3027 ولم يذكر متنه/ طب (24/ 35/ 95)، (24/ 36/ 99) ((واللفظ له)) / حق 2090/ تطبر (مسند ابن عباس 1169 ((واللفظ له))، 1170 ((مختصرًا))، 1173) / عق (1/ 547) / حا 8005/ تخث (السفر الثاني 3333) ((مختصرًا))].
[السند]:
أخرجه أحمد: عن أسود بن عامر، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن سودة، به.
رواه الطبري في (تهذيب الآثار 1169) قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة، به.
[التحقيق]:
هذا الإسنادُ معلولٌ بعلتين؛ الأولى: اضطراب سماك فيه. والثانية: معلولٌ بالإرسال والوقف، وقد تقدم بيان تلك العلتين في رواية: (مَاتَتْ شَاةٌ
لِسَوْدَةَ
…
) من حديث ابن عباس في أول الباب، وهي إحدى أوجه اضطراب سماك فيه، فانظر الكلام عليه هناك.
روايةُ: ((هَلَّا أَخَذْتُمْ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا مُخْتَصَرَةٍ: ((أَنَّ شَاةً لَهُمْ مَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((هَلَّا أَخَذْتُمْ جِلْدَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ وَانْتَفَعْتُمْ بِهِ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما تقدم، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[طب (24/ 37/ 100)].
[السند]:
أخرجه الطبراني في (الكبير) قال: حدثنا أبو مسلم الكشي، ثنا أبو عمر الضريرُ، ثنا أبو عوانة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة، به.
[التحقيق]:
هذا الإسنادُ معلولٌ؛ لاضطراب سماك فيه، ومخالفته الثقات في وصله، كما تقدم الكلام عليه بالتفصيل.
روايةٌ مُخْتَصَرَةٌ:
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: ((مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَيْتَةٍ فَقَالَ: ((هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[طب (24/ 36/ 98)].
[السند]:
قال الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني، ثنا محمد بن عبيد، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ منكرٌ؛ فالحسين بن أبي السري، قال عنه الحافظ:((ضعيف)) (التقريب 1343).
وقد أخطأ في قوله: ((عن مجالد))؛ فقد رواه جمع من الثقات من أصحاب إسماعيل بن أبي خالد منهم: (ابن المبارك، ووكيع، وابن مسهر، وابن نمير، وعَبْدَة، والفضل بن موسى، وغيرهم): عن إسماعيل، عن الشعبي به، بغير هذا اللفظ -كما سبق-، ولم يذكروا بينهما مجالدًا، ومجالد ليس بالقوي.
وأما متن الحديث فيشهد له حديث ميمونة السابق.
362 -
حَدِيثُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ:((مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ كَانَ أَعْطَاهَا مَولًى لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَيْتَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا مَيْتَةٌ! قَالَ:((إِنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن، وإسناده مرسلٌ، وقد صحَّ موصولًا كما تقدم.
[التخريج]:
[طا (رواية الشيباني 987) ((واللفظ له))، (رواية أبي مصعب الزُّهري 1646)، (رواية سويد الحدثاني 415) / تمهيد (9/ 49) معلقًا].
[السند]:
رواه محمد بن الحسن الشيباني، وأبو مصعب الزُّهري، وسويد الحدثاني، ثلاثتهم: عن مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، به.
وكذا رواه القعنبي، وابن بكير، وجويرية، عن مالك، به، كما في (التمهيد).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، إِلَّا أنه مرسل؛ فعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وهو تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح عنه في هذا الحديث موصولًا عن ابن عباس؛ كما رواه جماعة عن مالك، منهم:
يحيى بن يحيى، كما في (الموطأ/ كتاب الصيد 16).
والشافعي، كما في مسنده 59).
وعبد الله بن وهب، كما أخرجه الطحاوي في (المشكل 1574).
وعبد الرحمن بن القاسم، كما أخرجه النسائي في (المجتبى 4273).
وحماد بن خالد، كما أخرجه أحمد في (مسنده 3016).
جميعهم: عن مالك، عن الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، به.
وكذا رواه يونس، ومعمر، وسفيان، وصالح بن كيسان، وغيرهم، عن الزُّهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، به. كما تقدم في أول الباب.
ولهذا قال ابن عبد البر: ((روى يحيى هذا الحديث فجوَّد إسنادَه أيضًا وأتقنه، وتابعه على ذلك ابن وهب، وابن القاسم، والشافعي. ورواه القعنبي، وابن بكير، وجويرية، ومحمد بن الحسن، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
والصحيح فيه اتصاله وإسناده، وكذلك رواه مَعْمَرٌ، ويونس، والزبيدي، وعقيل، كلُّهم، عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل رواية يحيى ومن تابعه عن مالك سواء)) (التمهيد 9/ 49)، وأقرَّه العيني في (عمدة القاري 9/ 88).
363 -
حَدِيثُ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ عِكْرِمَةَ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ لِسَوْدَةَ (لِآلِ سَوْدَةَ) بِنْتِ زَمْعَةَ، [مَاتَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَا فَعَلَتْ شَاتُكُمْ؟ )) قَالُوا: مَاتَتْ، ] فَقَالَ: ((أَلَا انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا، فَإِنَّ دَبْغَهَا طَهُورُهَا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ لإرساله.
[التخريج]:
[ش 25270 ((واللفظ له)) / تطبر (مسند ابن عباس 1175) ((والزيادة والرواية له))].
[السند]:
قال ابن أبي شيبة: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن عكرمة، به.
وأخرجه الطبري: من طريق هشام الدستوائي، عن قتادة، عن عكرمة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، رجال الصحيح، إِلَّا أنه مرسل، ولكن متنه يشهد له ما سبق من حديث ابن عباس، وميمونة، وسودة.
روايةٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: ((أَنَّ شَاةً لِسَوْدَةَ مَاتَتْ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْلُخُوهَا فَيَنْتَفِعُوا بِإِهَابِهَا)).
[الحكم]:
إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإرساله.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1174].
[السند]:
أخرجه الطبري (1174): عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن إسماعيل ابن علية، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن عكرمة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإرساله، كما تقدم. والمحفوظ من حديث سودة، وميمونة، وابن عباس، بغير لفظ الأمر، كالرواية السابقة.
364 -
حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا:
◼ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:((مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَاةٍ مَيْتَةٍ لِسَوْدَةَ قَدْ نَبَذُوهَا، فَقَالَ: ((مَا كَانَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا! ))، فَأَخَذُوهَا فَدَبَغُوهَا، ثُمَّ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا حَتَّى صَارَ شَنًّا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وإسناده مرسلٌ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1218 ((واللفظ له))، 1219 ((مختصرًا))].
[السند]:
أخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 1218)، قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الشعبي، به، مرسلًا.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ وَاهٍ؛ فمع -إرساله- فيه ابن حميد، وهو محمد بن حميد الرازي، وثقه ابن معين وغيره، وكذَّبه بلديُّه أبو زُرْعَةَ الرازيُّ وغيرُه، ولذا قال الذهبي:((وثقه جماعة والأولى تركه)) (الكاشف 4810)، وقال ابن حجر:((حافظ ضعيف، وكان ابن معين حَسَنَ الرأي فيه)) (التقريب 5834).
وقد رواه على وجه آخر: أخرجه الطبري أيضًا (1219) عنه: عن جرير، عن عطاء -بدلًا من منصور-، عن عامر الشعبي، بنحوه مختصرًا.
وقد خُولِف فيه: فرواه إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي -موصولًا-، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة، مقتصرًا على الموقوف، وقد
تقدم.
وقد نصَّ الدارقطني في (العلل) على أن منصورًا، ومعرف بن واصل، روياه عن الشعبي أيضًا مرسلًا. ومع هذا قال:((وحديث إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة، أشبهها بالصواب)) (العلل 15/ 287).
365 -
حَدِيثُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا:
◼ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ:((بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ لِسَوْدَةَ، فَقَالَ: ((لَوْ كَانَ أَهْلُهَا انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وهذا إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لإرساله.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1212)].
[السند]:
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح إِلَّا أنه مرسل؛ الحسن البصري من أئمة التابعين.
وقد صحَّ الحديث عن ابن عباس وغيره، كما سبق.
366 -
حَدِيثُ سَلْمَانَ:
◼ عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رضي الله عنه، قَالَ:((كَانَ لِبَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شَاةٌ، فَمَاتَتْ، فَمَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا، فَقَالَ: ((مَا ضَرَّ أَهْلَ هَذِهِ، لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا؟ ! )) [فَقِيلَ: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: ((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا))].
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وضعفه البوصيري.
[التخريج]:
[جه 3636 ((واللفظ له)) / ش 25267/ مش 459/ تطبر (مسند ابن عباس 1215 ((والزيادة له))، 1216)].
[السند]:
أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف)، و (المسند) -وعنه ابن ماجه- قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن سلمان، به.
وأخرجه الطبري في (تهذيب الآثار 1216): من طريق عبد الرحيم بن سليمان، به.
وأخرجه الطبري أيضًا (1215): من طريق ابن فضيل، عن ليث، به. وذكر الزيادة.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ مداره على ليث، وهو ابن أبي سليم، ضعَّفه أحمد، وابن معين، وغيرُهما، وقال الحافظ:((صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فَتُرِكَ)) (التقريب 5685).
وبه ضعَّفه البوصيري فقال: ((هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعف ليث، وهو ابن أبي سليم، وله شاهد من حديث ميمونة رواه مسلم في (صحيحه))) (مصباح الزجاجة 4/ 90).
وشهر مختلف فيه، أثنى عليه أحمد ووثقه هو وابن معين، والبخاري، وأبو زُرْعَةَ، وابن نُمير، ويعقوب بن شيبة، ويعقوب بن سفيان، وابن القطان الفاسي، وغيرهم، وتكلم فيه آخرون، وستأتي ترجمته موسعة.
367 -
حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ:
◼ عَنْ (أَبِي)
(1)
مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ:((مَرَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: ((مَا ضَرَّ أَهْلَ هَذِهِ لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وهذا إسناده معلولٌ؛ وقد أعلَّه العقيلي، واستغربه الدارقطني.
[التخريج]:
[طب (17/ 212/ 576) ((واللفظ له)) / عق (1/ 546) / فقط (أطراف 4947)].
[السند]:
قال الطبراني: حدثنا محمد بن يوسف التركي، ثنا محمد بن سعيد الخزاعي، (ح)
وحدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا محمد بن يزيد (الرواس)
(2)
، (ح)
(1)
هكذا في (معجم الطبراني) في مسند أبي مسعود البدري، وكذا وضعه ابن طاهر في مسند أبي مسعود البدري، وتحرف اسمه في (المجمع) إلى:((ابن مسعود))، وكذلك تحرف عند العقيلي في (الضعفاء)، وهكذا نقله عنه الذهبي في (الميزان 2/ 360) وتبعه ابن حجر في (اللسان 2/ 347)، وغيرهما، فالله أعلم.
(2)
وقع في مطبوع (المعجم الكبير): ((الرواسي))، والصواب المثبت، كما في النسخة الخطية (9/ ق 48/ أ)، وكذا جاء على الصواب في (الضعفاء) للعقيلي:((شيخ للبزار يعرف بابن الرواس)).
وحدثنا أحمد بن زهير التستري، ثنا أحمد بن بكار الباهلي، قالوا: ثنا حماد بن سعيد البراء، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي مسعود، به.
ورواه العقيلي: من طريق محمد بن يزيد الرواس، به.
فمداره عندهم على حماد بن سعيد البراء، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، عدا حماد بن سعيد البراء؛ فمختلف فيه، فنقل البخاري في (التاريخ الكبير 3/ 19)، عن نصر بن علي الجهضمي أنه قال فيه:((كان من عباد البصرة، ثقة في القول))، وكذا نقله عنه ابن نقطة في (التكملة 1/ 280)، وذكره ابن حبان في (الثقات) كما في (الثقات لابن قطلوبغا 3188)
(1)
، وقال الذهبي:((صدوق)) (تاريخ الإسلام 4/ 840)
(2)
.
ولكن ذكره العقيلي في (الضعفاء) وقال: ((في حديثه وَهْمٌ))، ثم ذكر له هذا الحديث، وقال:((هكذا حدَّث به حماد بن سعيد، وهو خطأ، والصواب فيه ما حدثنا به: محمد بن موسى البلخي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: ((مَاتَتْ شَاةٌ لَنَا فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا فَمَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا)))).
(1)
وسقطت ترجمته من المطبوع.
(2)
وتصحف لقبه في ط. بشار إلى ((البزاز))، وسقطت ترجمته برمتها من ط. تدمري، وحدث خلل كبير في هذا الموضع، فلينتبه له.
وكذلك استغرب الدارقطني إسناده فقال: ((غريب من حديث إسماعيل بن أبي خالد، تفرَّد به حماد بن سعيد البراء عنه)) (أطراف الأفراد 4947).
قلنا: المشهور عن إسماعيل ما رواه عنه الثقات من أصحابه (كابن المبارك، ووكيع، وابن نمير، وعَبْدَةَ، وغيرهم) عنه، عن عامر الشعبي، به، كما ذكره العقيلي، ولذا خَطَّأَ العقيلي حمادًا في سنده، وحكم عليه الدارقطني بالغرابة.
ولكن رواية إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، لها أصل؛ فقد أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 25275) عن هُشَيْمٍ، قال: ((أخبرنا إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم، قال: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ،
…
)) الحديث مثله.
وهشيم ثقةٌ ثبتٌ، وقد رواه عن إسماعيل، عن قيس؛ كما رواه حماد غير أن هُشيمًا أرسله، ووصله حماد بذكر أبي مسعود، فرواية هُشَيْمٍ أولى أن تعلَّ بها رواية حماد، والله أعلم.
[تنبيه]:
نقل الذهبي في ترجمة حماد بن سعيد هذا، عن البخاري أنه قال:((منكر الحديث)) (الميزان 1/ 590)، وتبعه على ذلك ابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه 1/ 399)، وابن حجر في (اللسان 3/ 268)، والهيثمي في (المجمع 1091).
وكلُّ ذلك وَهْمٌ؛ فقد نقل البخاري في ترجمته توثيق نصر بن علي الجهضمي له، ولم يتعقبه، فهو مقرٌّ به، وإنما قال البخاري هذه العبارة التي نقلها الذهبي في رَاوٍ آخر يُسمَّى حماد بن سعيد البصري يروي عن حنظلة بن
أبي سفيان الجمحي، وترجمته قبل ترجمة صاحبنا هذا مباشرة، انظر:(التاريخ 3/ 19/ 78)
(1)
.
(1)
بل وأخطأ البخاري في اسمه، فقيل: إن الصواب ((حماد بن عيسى))، انظر:(بيان خطأ البخاري في تاريخه لابن أبي حاتم 1/ 24).
368 -
حَدِيثُ جَابِرٍ:
◼ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم [بِشَاةٍ مَيْتَةٍ]
(1)
، فَقَالَ:((مَا ضَرَّ أَهْلَهَا لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وهذا إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[تجر (صـ 173)].
[السند]:
قال حمزة السهمي في (تاريخ جرجان): حدثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، حدثنا ثابت بن إبراهيم بن عمرو أبو محمد بجرجان، حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر، حدثنا عفان، حدثنا وهيب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، عدا ثابت بن إبراهيم بن عمرو، فلم نجد له ترجمة إِلَّا في (تاريخ جرجان)، حيث ترجم له حمزة السهمي، وذكر له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
(1)
مكانها بياض بالأصل، كما قال محقق (تاريخ جرجان)، وقال أيضًا:((ولعله ((بِشَاةٍ مَيْتَةٍ)) كما في حديث ابن عباس)). اهـ. قلنا: وهو كما قال، وأثبتناها لحاجة السياق إليها، والله المستعان.
369 -
حَدِيثُ عَطَاءٍ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ عَطَاءٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا دُبِغَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ فَحَسْبُهُ، فَليُنْتَفَعْ بِهِ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ لإرساله، والانتفاع بجلد الميتة بعد الدباغ صحيحٌ، كما تقدم.
[التخريج]:
[عب 186].
[السند]:
رواه عبد الرزاق: عن ابن جريج، عن عطاء، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، غير أنه مرسل؛ فعطاء، هو ابن أبي رباح، وهو تابعي مشهور.
370 -
حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ:((حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: ((مَا ضَرَّ أَهْلَهَا لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وإسناده مرسلٌ.
[التخريج]:
[ش 25275].
[السند]:
قال ابن أبي شيبة: حدثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل، عن قيس بن أبي حازم، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، غير أنه مرسل، فقيس بن أبي حازم، تابعي مخضرم، لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وانظر:(التقريب 5566).
371 -
حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: ((أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وإسناده مرسلٌ.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1217)].
[السند]:
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ، رجال الصحيح؛ إِلَّا أنه مرسلٌ؛ فسعيد بن وهب الهمداني، من كبار التابعين، كما في (التقريب 2411).
372 -
حَدِيثُ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ مُرْسَلًا:
• عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى جَذَعَةٍ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: ((مَا ضَرَّ أَهْلَ هَذِهِ لَوِ انْتَفَعُوا بِمَسْكِهَا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بما سبق، وهذا مرسل ضعيفٌ.
[التخريج]:
[طب (7/ 101/ 6495)].
[السند]:
قال الطبراني: حدثنا الحسن بن علي الفسوي، ثنا محمد بن عباد بن آدمَ، ثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران يحدِّث، عن خالد (الأثبج)
(1)
عن سنان بن سلمة، به.
عمران هو ابن حدير السدوسي.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: الإرسال؛ فسنان بن سلمة، مختلف في صحبته، فذكره ابن حبان في الصحابة، كما في (الثقات 3/ 178)، وكذا ذكره في الصحابة ابن قانع، والبغوي، وأبو نعيم، وابن عبد البر، وغيرهم؛ وذلك لما يروى عنه أنه قال:((وُلِدتُ فِي يَومِ حَربٍ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبَ بِي أَبِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَحَنَّكَنِي، وتَفَلَ فِي فِيَّ، ودَعَا لِي، وَسَمَّاني سِنَانًا)). انظر: (الجرح
(1)
في المطبوع: ((الأشج))، وهو تحريف، والصواب المثبت كما في النسخة الخطية (2/ ق 151/ ب)، وانظر:(تهذيب الكمال 1626).
والتعديل 4/ 250).
ولكن هذا -إِنْ ثبت- إنما يثبت له به شرف الصحبة عند الجمهور، أما الرواية فمرسلة عند المحققين منهم؛ لأنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، ولا يأخذ عندهم حكم مرسل الصحابي، كما سبق تقريره.
ولذا قال أبو حاتم -أو ابنه- عقب قول سنان هذا: ((روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلٌ)) (الجرح والتعديل 4/ 250)، وسئل أبو زرعة: هل له صحبة؟ فقال: ((لا، ولكنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم)(المراسيل لابن أبي حاتم صـ 67)، وجزم العجلي في (كتابه 1/ 438) بأنه تابعي، وقال الذهبي:((روى له النسائي، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا، فهو مرسل)) (تاريخ الإسلام 2/ 938). وقال الحافظ: ((ولد يوم حنين؛ فله رؤية، وقد أرسل أحاديث)) (التقريب 2640).
الثانية: محمد بن عباد بن آدم، ذكره ابن حبان في (الثقات 9/ 114)، وقال:((يغرب))، وقال الحافظ:((مقبول)) (التقريب 5991)، يعني: إذا تُوبع، وإلا فلين، ولم يتابع على إسناده، وإِن كان متنه محفوظًا كما سبق.
وبقية رجال الإسنادٌ ثقات رجال الصحيح، عدا الحسن بن علي الفسوي، قال الدارقطني:((لا بأس به))، وانظر:(تاريخ بغداد 8/ 363).
وخالد هو ابن عبد الله بن محرز، من رجال مسلم، وهو صدوقٌ (التقريب 1648).
ومع هذا قال الهيثمي: ((رواه الطبراني في (الكبير) ورجالُه ثقاتٌ)) (المجمع 1092)، وليس كذلك؛ إذ فيهم الصدوق والضعيف، كما تقدم.
373 -
حَديثُ عَائِشَةَ أَمَرَ أَنْ يُنْتَفَعَ:
◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ (رَخَّصَ) أَنْ يُسْتَمْتَعَ (يُنْتَفَعَ) بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا اللفظ، وضعَّفه الإمام أحمد -وأقرَّه ابن دقيق العيد، وابن عبد الهادي، وابن التركماني-، والأثرم، وابن المنذر، والألباني.
وأما معناه وهو الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ؛ فصحيحٌ كما تقدم. ولعلَّ لذلك صححه ابن حبان، وابن عبد البر، وحسَّنه النووي، والسيوطي، وصححه الألباني في موضع آخر.
[فائدة]:
قال الرافعي: ((وقوله: ((أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ)) يعني: أمر إرشاد وإباحة، لا إيجاب وانتداب)) (شرح مسند الشافعي 1/ 102).
[التخريج]:
[د 4076/ ن 4290/ كن 4774/ جه 3637/ طا 1438 ((واللفظ له)) / حم 24447 ((والرواية الثانية له))، 24730، 25157 ((والرواية الأولى له ولغيره))، 25196/ مي 2012/ حب 1281/ عب 191/ ش 25272/ طي 1673/ شف 61/ أم 33/ حق 1031، 1710/ مب 193/ عبص 107/ منذ 834/ هقع 534/ هق 51/ أصبهان (1/ 237) / حل (6/ 355) / عط (حاكم 216) / تحقيق 77/ بغ 305/ مطغ 837/ تذ (3/ 187) / نبلا (17/ 161)].
[السند]:
أخرجه مالك في (الموطأ) -وعنه (الشافعي، وابن المبارك، وعبد الرزاق، والطيالسي) -: عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أمه، عن عائشة، به.
وأخرجه الباقون جميعًا من طريق مالك به
(1)
.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، عدا أُمِّ محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان؛ فلم يَرْوِ عنها غير ابنها محمد، هذا الحديث الواحد، كما قال الأثرم -وسيأتي نصُّ كلامه-، ولم يوثقها معتبر، إنما ذكرها ابن حبان في (الثقات) كما في (تهذيب التهذيب 12/ 484) على قاعدته في توثيق المجاهيل، ولذا ذكرها الذهبي في فصل النسوة المجهولات من (الميزان 4/ 615)، وقال الحافظ:((مقبولة)) (التقريب 8767).
وبها أعل الإمام أحمد هذا الحديث، فقد سأله ابنه عبد الله: عن هذا الحديث؟ فقال له: ما ترى في هذا الحديث؟ فقال: ((فيه أمه؛ مَنْ أمه؟ كأنه يكرهها في الحديث)) (العلل ومعرفة الرجال 4108)، وفي موضع آخر، قال عبد الله:((كأنه أنكره من أجل أمه)) (العلل 4827). وأقرَّه ابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 302)، وابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 116)، وابن التركماني في (الجوهر النقي 1/ 17).
وعلله الأثرم بها أيضًا، فقال: ((وأما حديث محمد بن عبد الرحمن بن
(1)
وذكر الدارقطني في (العلل 3796) متابعًا لمالك، ولم نقف على روايته.
ثوبان، عن أمه، فإن أمه غير معروفة، ولم نسمع أنه رَوَى عنها غير هذا الحديث)). اهـ. نقله عن الأثرم، وأقرَّه ابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 302)، وابن التركماني في (الجوهر النقي 1/ 17).
وقال ابن المنذر: ((وأم محمد لا نعلم أحدًا روى عنها غير ابنها، ويزيد بن قسيط طعن فيه الذي روى عنه، قال مالك: (صاحبنا -يعني: يزيد بن عبد الله بن قسيط- ليس بذاك))) (الأوسط 2/ 446).
قلنا: وابن قسيط ثقة من رجال الشيخين، بل واحتجَّ به مالك في غير ما حديث، وذهب ابن عبد البر إلى أن مقصود مالك بهذا الكلام رجل آخر غير ابن قسيط، انظر:(تهذيب التهذيب 11/ 342).
والحديث ضعَّفه الألباني في (ضعيف سنن أبي داود/ النسخة المختصرة 4124 ط. المعارف)، و (ضعيف سنن ابن ماجه 3679)، و (ضعيف سنن النسائي 4263).
قلنا: وإِن كان سند هذا الحديث ضعيفًا لجهالة أم محمد بن عبد الرحمن؛ فإن المتن يشهد لمعناه الأحاديث الصحاح المتقدمة في الباب، الدالة على مشروعية الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت.
ولفظ الأمر هنا محمول على الرخصة والإذن؛ لأنه جاء بعد الحظر، وكذا رواه ابن مهدي وغيره عن مالك به، بلفظ الرخصة، فتأكد ما ذكرنا، والله أعلم
(1)
.
ولعل لذلك أخرج ابن حبان هذا الحديث في (صحيحه) على قاعدة: أن
(1)
وانظر: (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 33/ 46).
المجهول إذا لم يجرح ولم يأتِ بحديث منكر فحديثه صحيحٌ أو حسنٌ.
وكأن ابن عبد البر مشى على هذه القاعدة أيضًا، فقال:((هذا حديث ثابت من جهة الإسناد)) (التمهيد 23/ 76).
وحسَّنه النووي في (المجموع 1/ 218، 220)، و (خلاصة الأحكام 1/ 73 - 74)، والسيوطي في (الحاوي للفتاوي 1/ 15).
وقال الألباني في (التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان 3/ 10): ((صحيحٌ)) وأحال على (غاية المرام 26)، والحديث هناك ذكره من حديث ابن عباس وغيره، ومن حديث عائشة بلفظ:((ذَكَاةُ الْمَيْتَةِ دِبَاغُهَا)) -وسيأتي تخريجه في الباب التالي-. فكأن الشيخ أراد في التعليقات الحسان أنه صحيحٌ لشواهده هذه -كما أشرنا آنفا-، وإِن كان سنده ضعيفًا كما سبق نقله عن الشيخ من (ضعيف أبي داود) وغيره، وليس في ذلك تعارض، والله أعلم.
[تنبيه]:
تحرفت كلمة ((أمه)) في (سنن النسائي الصغرى)(في طبعتي: المطبوعات، والتأصيل، تبعًا للأصول كما أشار محققو طبعة التأصيل 4290)، وكذا في (الكبرى) (في طبعتي: دار الكتب العلمية، والتأصيل)، إلى ((أبيه))؛ وكذلك وقع في (التمهيد 23/ 75 ط. المغربية)، وهو خطأ، وقد جاء على الصواب في (تحفة الأشراف 12/ 444)، وط. هجر للتمهيد (ضمن موسوعة شروح الموطأ 13/ 289)، وبقية المصادر.
ولذا صوبها محققو (السنن الكبرى ط. الرسالة 4564) من (التحفة)، وجاءت على الصواب أيضًا في (الصغرى ط. المكنز 4252) ولعلهم
صوبوها أيضًا من (التحفة)، فقد أشاروا في مقدمة تحقيقهم إلى أنها ستكون المرجع لديهم عند الاختلاف في السند، وإلا فهم لم يعتمدوا في عملهم على نسخ خطية، إنما اعتمدوا على المطبوعات السابقة عليهم، وعلى إجازة لهم بإسنادِ الكتاب!، وهي كما لا يخفى {لا تسمن ولا تغني من جوع} في ضبط الكتاب.
روايةُ: افتَقَدَ عَنَاقًا:
• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم افْتَقَدَ عَنَاقًا كَانَتْ عِنْدَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ:((أَلَا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتن بشواهده، وهذا إسنادُهُ ضعيفٌ معلولٌ.
[التخريج]:
[مب 192 ((واللفظ له)) / تطبر (مسند ابن عباس 1198) / حق 1168/ علقط (8/ 446)].
[السند]:
أخرجه ابن المبارك في (المسند) قال: أنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عائشة، به.
وأخرجه إسحاق في (المسند) عن عثمان بن عمر، وأخرجه الطبري في (تهذيب الآثار)
(1)
من طريق ابن أبي فديك، كلاهما: عن ابن أبي ذئب،
(1)
أثبت الشيخ محمود شاكر رحمه الله في سند الطبري عبارة: ((عن أمه)) بين محمد بن عبد الرحمن وعائشة، مع أنه ذكر أنها ليست في الأصل (2/ 83)، ولكنه ظنَّ أنها ساقطة من الإسناد معتمدًا في ذلك على رواية ابن قسيط السابقة، وما في الأصل هو الصواب، كما في بقية المصادر، ونصَّ عليه الدارقطني، ورواية ابن قسيط إنما هي علة لرواية الحارث، وانظر ما سطرناه في التحقيق.
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الصحيح، عدا الحارث بن عبد الرحمن، وهو القرشي العامري خال ابن أبي ذئب، قال فيه الحافظ:((صدوق)) (التقريب 1031).
وقد خُولِفَ فيه:
فرواه مالك -كما تقدم- عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أمه، عن عائشة، به.
فزاد فيه ابن قسيط أُمَّ محمد بن عبد الرحمن بين محمد وعائشة، وأُمُّ محمد هذه مجهولة، كما تقدم بيانه.
ورجَّح الدارقطني رواية ابن قسيط فقال: ((وقول ابن قسيط أشبه بالصواب))، فقيل له:
(((إِنَّ)
(1)
حديث ابن أبي ذئب غير حديث مالك؛ فإن حديث ابن أبي ذئب، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((افْتَقَدَ عَنَاقًا كَانَتْ عِنْدَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ: ((أَلَا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ))))، فهذا حكم في
(1)
في المطبوع: (من) وما أثبتناه هو الملائم للسياق، وقد استظهر محققه ما أثبتناه، والله أعلم.
عين، وذلك حكم مطلق))، فقال:((إلا أنه في الدباغ، وقد فسَّره)) (العلل 8/ 447).
قلنا: وعلى أية وجه فالإسناد ضعيفٌ؛ إِذ إِنَّ طريق ابن قسيط معلولٌ بجهالة أُمِّ محمد بن عبد الرحمن، وطريق الحارث معلولٌ بالانقطاع؛ فإن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان لا يُعلم له سماع من عائشة رضي الله عنها، والله أعلم.
روايةُ: ((اسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((اسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا هِيَ دُبِغَتْ تُرَابًا كَانَ، أَوْ رَمَادًا، أَوْ مِلْحًا، أَوْ مَا كَانَ، بَعدَ أَنْ يُرَدْ صَلَاحُهُ
(1)
)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياق، واستنكره ابن عدي -وأقرَّه البيهقي، وابن القيسراني، والنووي، وابن الملقن-، وضعَّفه الضياء المقدسي، وابن عبد الهادي، والزيلعي، وابن حجر، والعيني، وابن الهمام.
(1)
اضطربت المصادر في ضبط هذا الكلمة، والمثبت هو الذي اتفقت عليه كل طبعات (الكامل) لابن عدي، وكذا نسخه الخطية كما أفاده محقق ط. الرشد (9/ 497)، وكذا في (ذخيرة الحفاظ 502)، وكذا في (سنن البيهقي) ط. هجر (67)، وقد رواه البيهقي من طريق ابن عدي، إِلَّا أَنَّ البيهقي شكَّ فيه فقال:((أو ((يُرِيدُ)) الشك مني)). وقال محقق ط. هجر: ((كُتِبَ في حاشية الأصل: هكذا بخط ابن الصلاح)) اهـ. ووقع في ط. الهندية والعلمية: ((بَعْدَ أَنْ يُزِيدَ صَلَاحُهُ أَوْ يُزِيلَ الشَّكَّ عَنْهُ)). وفي (اختصار الذهبي 1/ 21): ((بَعْدَ أَنْ يُرِدْ صَلَاحُهُ أَوْ يُزِيدَ))، وأما في (سنن الدارقطني) ط. الرسالة:((بَعْدَ أَنْ يُزِيدَ صَلَاحُهُ))، وكذا عزاه للدارقطني غير واحد، وفي ط. المعرفة:((بَعْدَ أَنْ يُرِيدَ صَلَاحُهُ))، وكذا نقله من (سنن الدارقطني): الضياء في (السنن والأحكام 90)، وابن دقيق العيد في (الإمام 1/ 315). وعزاه ابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 117) للدارقطني بلفظ:((بَعْدَ أَنْ تُرِيدَ .. )). وفي (مرقاة المفاتيح لعلي القاري 2/ 465) بلفظ: ((بَعْدَ أَنْ يَظْهَرَ صَلَاحُهُ))، وقال:((يعني: إذا جفَّ وخرج منه النتن والفساد)).
ولا ريب بعد هذا العرض أن رواية ابن عدي، هي أولاهم بالصواب، لعدم الاختلاف في ضبطها، وكذا هي عند البيهقي في أصح نسخه، وهي الملائمة للسياق، والله أعلم.
وأما الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ؛ فصحيحٌ كما تقدم.
[التخريج]:
[عد (9/ 496) ((واللفظ له)) / قط 126/ هق 65].
[السند]:
رواه الدارقطني، وابن عدي -ومن طريقه البيهقي-، قالا -والسياق للدارقطني-: حدثنا أحمد بن محمد بن المغلس قال: حدثنا أحمد بن الأزهر البلخي، قال: حدثنا معروف بن حسان، قال: حدثنا عمر بن ذر، عن معاذة، عن عائشة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ وَاهٍ؛ فيه: معروف بن حسان؛ قال عنه أبو حاتم: ((مجهول)) (الجرح والتعديل 8/ 322). وقال ابن عدي: ((منكر الحديث)) (الكامل 6/ 325). وأنكر حديثه هذا، فقال:((وهذا منكرٌ بهذا الإسنادٌ، ومعروف هذا؛ قد روى عن عمر بن ذر نسخة طويلة، وكلها غير محفوظة)) (الكامل 6/ 325). وأقرَّه البيهقي في (السنن)، وابن طاهر المقدسي في (ذخيرة الحفاظ 1/ 399)، والنووي في (خلاصة الأحكام 1/ 79)، وابن الملقن كما سيأتي.
وقال عنه الذهبي: ((وَاهٍ))، وقال عن الحديث:((لم يصحَّ هذا)) (المهذب 1/ 21).
وأعلَّه بمعروف أيضًا: الضياء المقدسي في (السنن والأحكام 90)، والزيلعي في (نصب الراية 1/ 118)، وابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 117)، والعيني في (البناية 1/ 421)، وابن الهمام في (فتح القدير 1/ 95).
وقال ابن الملقن: ((رواه الدارقطني وغيره، وضعَّفه ابن عدي، وآخرون، وإن ذكره ابن السكن في (صحاحه)! )) (البدر المنير 1/ 606).
وقال ابن حجر: ((وإسناد هذه ضعيف)) (الدراية 1/ 58).
قلنا: وفي إسناده أيضًا: أحمد بن الأزهر البلخي؛ ذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 44)، وقال:((يخطئ ويخالف))، ولذا ذكره الحافظ في (لسان الميزان 1/ 404).
[تنبيه]:
نقل العيني في (عمدة القاري 9/ 88) عن الدارقطني أنه قال: ((في إسناده معروف بن حسان منكر الحديث)) اهـ.
كذا قال، والمشهور بهذا القول هو ابن عدي -كما تقدم-، والحديث خرَّجه الدارقطني في (السنن) ولم يعلق عليه بشيء، ولا نقل عنه ذلك أحد سوى العيني، فلعله سَبْقُ قَلَمٍ، ثم وجدناه ذكر الحديث في (البناية 1/ 421) ونقل قول ابن عدي فحسب، فتأكد ما ذكرنا، والحمد لله.
374 -
حَديثُ جَابِرٍ:
◼ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ:((لَا بَأْسَ بِجُلُودِ السِّبَاعِ إِذَا دُبِغَتْ، وَيَقُولُ: ((قَدْ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، وأما الانتفاع بجلود الميتة فصحيحٌ كما تقدم.
[التخريج]:
[عب 232].
[السند]:
رواه عبد الرزاق: عن حميد، عن الحجاج بن أرطاة، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، به.
قال عبد الرزاق: وسمعت أنا إبراهيم وغيره، يذكر، عن أبي الزبير، عن جابر، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: حميد، شيخ عبد الرزاق، وهو ابن رويمان، وهو مجهولٌ؛ فقد ترجم له ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3/ 222) برواية عبد الرزاق عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
الثانية: حجاج بن أرطاة، قال فيه الحافظ:((صدوقٌ كثير الخطأ والتدليس)) (التقريب 1119).
وقد تُوبِع من إبراهيم، وهو اثنان في هذه الطبقة ممن روى عنه عبد الرزاق، وروى عن أبي الزبير:
الأول: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وهو الأشهر في رواية عبد الرزاق عنه في (المصنف)، وهو متروك، كما في (التقريب 241)، بل كذَّبه غير واحد كما سبق مرارًا.
الثاني: إبراهيم بن يزيد الخوزى، وهو متروك الحديث أيضًا، كما في (التقريب 272).
375 -
حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا:
◼ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ فِي مَسْكٍ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِهِ وَهِيَ مَيْتَةٌ، وَقَالَ:((أَلَيْسَ فِي الدِّبَاغِ وَالْقَرَظِ وَالْمَاءِ طَهُورٌ؟ ! ))
[الحكم]:
مرسلٌ ضعيفٌ جدًّا بهذا السياق، وأما الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ فصحيحٌ، كما تقدم.
[التخريج]:
[تطبر (مسند ابن عباس 1245)].
[السند]:
قال الطبري في (تهذيب الآثار): حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: حدثنا عمرو، عن سعيد: عن الميتة يستنفع بجلدها؟ ، قال: قال الزُّهري: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ فِي مَسْكٍ
…
الحديث.
وعمرو هو ابن أبي سلمة التنيسي، وسعيد هو ابن عبد العزيز التنوخي.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ لإرساله، بل -على التحقيق- لإعضاله؛ فالزهري تابعي صغير.
ومراسيله وَاهِيَةٌ كما قال يحيى القطان، وابن معين، وغيرهما، وقد تقدم تقرير ذلك في باب:((الدم يصيب الثَّوب)).
وفيه أيضًا: عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وهو مختلف فيه؛ فقد ضعَّفه: ابن معين، وأبو حاتم، والعقيلي، والساجي، ووثقه ابن يونس، وذكره ابن حبان في (الثقات)، وأخرج له الشيخان، انظر: (تهذيب التهذيب 8/
44)، ولخص الحافظ حاله؛ فقال:((صدوقٌ له أوهام)) (التقريب 5043).
والمحفوظ عن الزُّهري في هذا الحديث كما رواه مالك، ويونس، ومعمر، وابن عيينة، وغيرهم، عنه، عن عبيد الله، عن ابن عباس، بدون ذكر:(الماء والقرظ)، وقد رُويت هذه اللفظة عن الزُّهري بالإسناد المتصل، كما تقدم في حديث ابن عباس، لكنها شاذة كما بينَّاه هناك، ورويت أيضًا من حديث ميمونة، ولكن سندها ضعيف، كما تقدم بيانه، والله أعلم.
* * *
روايةُ الزُّهْرِيِّ فِي جُلُودِ النُّمُورِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: عَنْ جُلُودِ النُّمُورِ؟ فَرَخَّصَ فِيهَا (فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ)، وَقَالَ:((قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ)).
[الحكم]:
المرفوع صحيحُ المتن بما تقدم، وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ لإرساله.
[التخريج]:
[عب 231 ((واللفظ له)) / عبص 110 ((والرواية له))].
[السند]:
رواه عبد الرزاق في (المصنف)، و (الأمالي): عن مَعْمَرٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُه ثقاتٌ رجال الشيخين، إِلَّا أنه مرسل، وتقدم أن مراسيل
الزُّهري من أَوْهَى المراسيل.
وفي الباب أحاديث أخرى، انظرها في الأبواب التالية.