الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترحيب بالحجاج
نشرت في العدد (94) من جريدة البصائر سنة 1949.
ــ
حباكم بحج البيت أكرم من حبا
…
*... فأهلا وسهلا بالحجيج ومرحبا
حباكم بحج البيت جاعل ركنه
…
*... قياما لمن بالحج فيه تقريبا
حباكم بحج البيت باسط ظله
…
*... أمانا لمن خاف الردى حين أذنبا
ذهبتم وجئتم ظافرين بمأرب
…
*... شريف وجل الناس ينحط مآربا
طويتم له الابعاد فوق مسخر
…
*... من النار والفولاذ هيئ مركبا
فمن سارب في البحر يدفع لجة
…
*... ومن ضارب في البر يقطع سبسبا
ومن سابح فوق الأثير بركبه
…
*... عن الريش مستغن بسبعين لولبا
أشار إليه الله في الذكر قائلا
…
*... (ويخلق ما لا تعلمون) ليطلبا
ولكن أبينا أن نجيل عقولنا
…
*... لنكشف عما ظل عنا محجبا
ولم نسع سعي الغرب للكشف بالحجى
…
*... عليه فلم نكسب مع الغرب مكسبا
اذا ما رأينا الغرب أبدى بدائعا
…
*... فغاية ما نبديه أن نتعجبا
حياة الورى حرب لهم دون هدنة
…
*... تغلب فيها بالحجى من تغلبا
لذاك أبى التمكين في الأرض وصلنا
…
*... وراوده المستعمرون فما أبا
نقول على الله اتكلنا بزعمنا
…
*... ومن يتكل حقا عليه تسببا
لنا وطن مثل الفراديس بهجة
…
*... فكيف رضينا أن يداس وينهبا
وكيف رضينا أن نعيش أذلة
…
*... ضعافا يرانا الغير أحقر من هبا؟
حيارى كقطعان جفتها رعاتها
…
*... فأغرت بها خصمين ذئبا وثعلبا
ألسنا من الأجناس أفصحهم فما
…
*... وأسمحهم دينا وأصلحهم أبا؟
بنا درت الدنيا عليهم بخيرها
…
*... وأخصب منها كل ما كان أجدبا
ولدنا وأنجبنا ففزنا عليهم
…
*... ومن ولد الصيد المناجيد أنجبا
فهل أنجبوا فيها (عليا) و (خالدا)
…
*... و (عمرا) و (معنا) و (ابن قيس) و (مصعبا)
وهل أنجبوا مثل (الغزالي) باحثا
…
*... ومثل (ابن خلدون) خبيرا مدربا؟
وهل أنجبوا مثل (ابن حيان جابرا)
…
*... وهل جربوا من قبل ما كان جربا
وهل نشروا في الكون عدلا ورحمة
…
*... كأجدادنا أم صيروه مخربا؟
يقاسي من الأرزاء شرا منظما
…
*... ويلقى من الأهواء ظلما مرتبا
اذا لم يكن للعلم دين يقوده
…
*... تحرف عن مهج الهدى وتنكبا
وان لم يكن للمرء دين مسيطر
…
*... عليه تعدى طوره وترببا
فيا معشر الحجاج فزتم برحلة
…
*... مقدسة تجلو عن القلب غيهبا
حججتم بها البيت الحرام وزرتم
…
*... على إثره القبر الشريف المحببا
فطوبى لعبد زار قبر محمد
…
*... وطوبى لعبد من شذاه تطيبا
وطوبى لعبد صادق الدين صادع
…
*... به لا يبالي أن يقال تعصبا
ويا معشر الحجاج لا ريب أنكم
…
*... كشفتم بحج البيت سرا مغيبا
وسرتم فأفضيتم الى باب عالم
…
*... من النور من أفضى اليه تكهربا
عرفتم شعوب المسلمين بمعرض
…
*... عظيم لهم هال النفوس وأرهبا
قضى بولاء المسلمين جميعهم
…
*... ووحدتهم في الأرض شرقا ومغربا
ولو أذعنوا لاسترهبوا الغرب شوكة
…
*... وكان لهم في كل مؤتمر نبا
ولو آثروا الفصحى على لهجاتهم
…
*... لردوا إلى أحضانها من تغربا!
فإن لسان الضاد لم يعز أصله
…
*... (ليعرب) بين اللسن إلا ليعربا
ألا إن حج البيت عنوان وحدة
…
*... من الله خطت للحنيفي مذهبا
ألا ان حج البيت ريعان دوحة
…
*... تضم إلى أفيائها كل مجتبى
أرى غاية الأبرار في الأمر كله
…
*... ثوابا بليه الله في الذكر ثوبا
فيا أيها الإنسان دنياك صعبة
…
*... فكن أنت منها في كفاحك أصعبا
ويا أيها الإنسان إنك كادح
…
*... إلى الله كدحا ما خلقت لتلعبا
فإن طبت سعيا تلقه عنك راضيا
…
*... وان سؤت سعيا تلقه عنك مغضبا
وحولك آفات من الخلق جمة
…
*... تنوشك فاحذر أن تصاب وتعطبا
ومن فر من بعض العباد لبعضهم
…
*... فقد فرمن أفعى ليقرب عقربا
فكن هاربا منهم الى الله وحده
…
*... ولم أر غير الله للمرء مهربا
صدر القصيدة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، بهذه المقدمة فآثرنا نشرها نقلا عن جريدة البصائر التي نشرت القصيدة ومقدمتها قال رحمه الله:
"تلم بشاعر الشمال الإفريقي محمد العيد آل خليفة، في هذا العهد الأخير نوبة نفسية غريبة عن شعراء المادة، وما هو منهم، ولا هم منه، وكان من آثار هذه النوبة في نفسه إيثاره للعزلة عن الناس، وهجره لقول الشعر، وكان من ثمراتها المرة للأمة حرمانها من صوت ذلك الطائر الغريد، وهي تخشى أن تحتد هذه النوبة وتشتد، فتنعكس إلى نزعة صوفية جارفة تقضي على تلك الشاعرية الجياشة بكل شاردة من الحكم، الفياضة بكل بديع من القول- حرام أن تحرم الجزائر من نفثات شاعرها الفذ وحرام أن يبقى شعر ذلك الشعر الفحل غير مدون ولا مطبوع ولكن من المسؤول عن ذلك؟ المسؤول الأول هو الشاعر نفسه فقد أردناه على جمع شعره، وكفيناه مؤنة التصحيح والتعليق والإنفاق، فأبى وتصعب، وتفشى العنر منه وتشعب، وما ذلك في نظرنا إلا أثر من أثار تلك الحالة النفسية التي أشرنا إليها. وهذه القصيدة جديدة مملوءة بالحكم، ترسلها قريحة الشاعر العبقري في الوقت الذي يرجع فيه الحجاج من الحجاز، يهنئ فيها المستحقين بقبول التوبة، وسلامة الأوبة، ويتخلص إلى أفانين من الحكمة والوصف، وليس كل الحجاج يستحقون هذه التهنئة، فمنهم من حج زورا، وعمل منزورا، ورجع موزورا، وأهدى بدنة فكأنما قرب زرزورا. ولكن التجليات التي غمرت الشاعر، ففاضت قريحته بهذه القصيدة هي التجليات الزمنية. فهذا الوقت هو زمن رجوع الحجاج إلى مواطنهم بلا فرق بين الشرق والغرب، ولا فرق بين البار والفاجر، يهنئ الحجاح ولم يهنئ العير، ونوى أصحاب الجنة ولم ينو أصحاب السعير. والدعوات المرسلة تطير إلى أهليها، والصفات المطلقة تتوزع على مستحقيها، ولا جناح على الداعي، ولا على الواصف. وأن عسى أن تنجلى هذه النوبة فيعود محمد العيد إلى عهد استوح شعرك من حنايا الأضلع .. وإلى عهد: (حي حفلا كزخرف الروض عنى
…
*...) فمتى تعود تلك العهود؟