الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باخرة الموت
علام يظل دهرك مستريبا؟
…
*... تسائله ويأبى أن يجيبا
ويغضى عن شكاتك مستخفا
…
*... كأنك في شكاتك لن تصيبا
فيا لله من دهر تغافى
…
*... عن البلوي ولم يبصر قريبا
ويا لله من دهر تجافى
…
*... عن الذكرى واكبر أن ينيبا
ألم يوقن بأن الخطب خطب
…
*... تكاد له البصائر أن تغيبا
ألم يوقن بأن الخطب أنجى
…
*... على العمال شبانا وشيبا
قسا البلد الحريج وضاق ذرعا
…
*... بهم فتيمموا البلد الرحيبا
وأدرك ربعهم جدب مشت
…
*... لهم فاستقبلوا الربع الخصيبا
وقالوا إن في باريس عيشا
…
*... يروق غضاضة ويلذ طيبا
وقالوا انها تسلي المعنى
…
*... وقالوا انها تؤوي الغريبا
وإن لها من الحسنى لحظا
…
*... وان لنا من الحسنى نصيبا
ألسنا المخلصين لها حضورا
…
*... السنا المخلصين لها مغيبا
محضناها المحبة واغتدينا
…
*... نطارحها التغزل والنسيبا
ولبينا مهيب الحرب لما
…
*... أهاب بنا فأرضينا المهيبا
فسدت في وجوههم النواحي
…
*... مسالكها ولم ترحم حبيبا
وقامت ضجة في الغرب كبرى
…
*... تصب عليهم النقد مريبا
فكم من قائل أخشى وحوشا
…
*... تدب بأرض باريس دبيبا
وكم من قائل اخشى زنوجا
…
*... تبيح القتل والذام المعيبا
فقل للقائمين على فرنسا
…
*... انيبوا وارتأوا رأيا لبيبا
وقل للقائمين على فرنسا
…
*... تعالوا فاشهدوا الخطب العجيبا
جسوم في "فروش "(1) مجدلات
…
*... تعاني تحته الغاز الرهيبا
وأجساد ممزقة الحشايا
…
*... تكاد لها النواصي أن تشيبا
حديد "فروش" يفريها شظايا
…
*... وعزف "فروش" يبكيها نحيبا
مشائيم أناخ البؤس فيهم
…
*... فمزق ثوب أمنهم القشيبا
وصب عليهم الارهاق سوطا
…
*... من البلوى فكان لهم مذيبا
فريح القر تعصف زمهريرا
…
*... وفيح الحر يلفحهم لهيبا
مصاب نملأ الدنيا احتجاجا
…
*... عليه عسى المناوئ ان ينيبا
فحسبك أيها الخطب المفاجى
…
*... لقد أشهدتنا اليوم العصيبا
فأبكيت الهلال به وطه
…
*... وابكيت ابن مريم والصليبا
وسر في ذمة التاريخ خطبا
…
*... رهيبا في مسامعنا مهيبا
وحسبك ان أثرت شجون نضو
…
*... كئيب يألف النضو الكئيبا
اذا ما صوت الناعي بأرض
…
*... تراه بسفك عبرته مجيبا
يناغي البائسين كما يناغي
…
*... لعمري العندليب العندليبا
ويحيي في رثائهم الليالي
…
*... وينهض في مصارعهم خطيبا
بقلب يلفظ الأنفاس حرى
…
*... وعين تذرف الدمع الصبيبا
فيا ظئر (الجزائر) يا فرنسا
…
*... أيجدر بالجزائر أن تخيبا؟
تناويك الممالك وهي تصبو
…
*... إليك فهل رأيت لها ضريبا؟
(1) فروش: محرف من اسم الباخرة، والعامة تسمى هنا الثغر الذي تحمل الباخرة اسمه هكذا:"سيدي فروش"
ويا ولد الجزائر صن
…
*... حماها وكن برا بساحتها أديبا
ولا تخش الوقاع بها فإني
…
*... رأيت الله مطلعا رقيبا
في الاستعمار الفرنسي عدة صفات من جهنم منها: أن من ابتلى به لا يموت ولا يحيا، كما أن من دخل جهنم لا يموت فيها ولا يحيا. والاستعمار الفرنسي في الجزائر كله دائر على هذه الصفة. فهو بعد أن جرد الجزائريين من أسباب الحياة وتركهم حفاة عراة جياعا، ليسجل عليهم العبودية المؤبدة للسادة الأروبيين، يعملون لهم ليلا ونهارا في سبيل القوت المقتر، فإن زاد فتح لهم طريق في فرنسا للعمل بسواعدهم لا بعقولهم في مصانعها وكان الجزانري الذي يصل إلى فرنسا يعد نفسه سعيدا فيها لارتفاع الأجور نوعا ما، بحيث تكفيه وتكفي أولاده المتخلفين، وكانت كثيرا ما تثور ثائرة المعمرين لنقصان الأيدي العاملة في كرومهم الواسعة وحقول القمع المترامية الأطراف، فتعود الحكومة إلى استرضائهم بتحجير السفر على الجزائريين. وفي ذات مرة ضاقت الحياة بجماعة أولئك العملة ففروا إلى فرنسا متسللين في باخرة اسمها (سيدي فرج) باسم الثغر الذي أنزل منه أول جندي فرنسي من جنود الاحتلال الأول
…
*... وأخفاهم صاحب الباخرة في عنابر سفلية مظلمة مشبعة بالغازات، خالية من الهواء، وأغلق عليهم الأبواب، فما كادوا يصلون مرسى (مرسيليا) وتفتح عنهم الأبواب حتى مات منهم أحد عشر رجلا بالاختناق، وكان الآخرون بمقربة من الموت .. وكانت ضجة عظيمة بعد أن افتضحت هذه الحقيقة الشنيعة، ذلك كله أثر في نفس الشاعر، ففاضت بهذه القصيدة يصف المأساة ويتوجع لها وينعي على فرنسا هذه الجريمة التي تسببت عن تحجير سفر العمال إلى فرنسا.