الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاف. وإن ادعى الجهل عرف. قال الشيخ نص جمهور العلماء على أنه إذا ضاق الوقت ولم يصل قتل ولو قال أنا أقضيها. وقال ابن رجب ظاهر كلام أحمد وغيره أن من تركها كفر بخروج الوقت عليه ولم يعتبروا أن يستتاب. ولا أن يدعي إليها للأخبار. وحكي الإجماع عليه كالمرتد، وكترك الصلاة ترك ركن أو شرط مجمع عليه اختاره الشيخ وقال إذا ترك الصلاة عمدًا لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه بل يكثر من التطوع وليس في الأدلة ما يخالف هذا بل يوافقه.
باب الأذان
أي والإقامة وما يتعلق بهما من الأحكام لما ذكر الصلاة أعقبها بالأذان مقدمًا له على الوقت لأنه إعلام به. والأذان في الأصل الإعلام {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} أعلمهم به من الأذن وهو الاستماع لأنه يلقي في آذان الناس ما يعلمهم به. وشرعًا إعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة. والإقامة إعلام بالقيام إلى الصلاة وهما مشروعان بالكتاب والسنة والإجماع.
وقال الشيخ وغيره هما فرض كفاية إجماعًا. ليس لأهل قرية ولا مدينة أن يدعوهما، ومن أطلق السنية قال يعاقب التارك فالنزاع لفظي. وفرض الكفاية هو ما يلزم جميع المسلمين إقامته وإذا قام به من يكفي سقطت الفرضية عن الجميع.
قال تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} أيها المسلمون
بالآذان والإقامة كما أمرتم {اتَّخَذُوهَا} يعني اليهود والمنافقون {هُزُوًا} سخرية وهزأ واستهزأ سخر {وَلَعِبًا} ضحكة وباطلاً وذلك أنه إذا نادى منادي رسول الله – صلى الله عليه وسلم وقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود قد قاموا لا قاموا وصلوا ويضحكون على طريق الاستهزاء فأنزل الله هذه الآية.
ويقال إن المنافقين كانوا إذا سمعوا النداء حسدوا المسلمين عليه، فقالوا لقد بدعت شيئًا لم يسمع بمثله من أين لك صياح كصياح العير، فأنزل الله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ} وأنزل {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} ذلك الفعل منهم {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَعْقِلُون} يعني أن هزوهم ولعبهم لمن أشغال السفهاء والجهال الذين لا عقل لهم. ويأتي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} ومن المعلوم بالضرورة أن المراد بالنداء هو الأذان المشروع للصلوات الخمس.
(وعن أنس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم) كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغير بنا حتى يصبح و (ينظر) يعني قبل أن يغير على العدو (فإن سمع أذانًا) يعني لصلاة الصبح ويعم سائر الأوقات (كف عنهم) وقال البخاري: باب ما يحقن بالأذان من الدماء ففيه حقن الدماء عند وجود الأذان (وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم) قال فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذانًا ركب يعني فأغار عليهم (رواه البخاري).
فالأذان شعار دار الإسلام الذي يستحل دماء أهل الدار وأموالهم بتركه فيقاتل أهل بلد تركوهما وحكي إجماعًا حتى يفعلوهما لما يلزم من الإجماع على تركهما من استخفافهم بالدين بخفض أعلامه الظاهرة. وهكذا حكم شعائر الإسلام الظاهرة. وإن كانوا مستقيمين على دين الإسلام فإن موجب القتال أعم من أن يكون لأجل الردة.
(وعن مالك بن الحويرث) هو ابن سليمان الليثي وفد إلى النبي – صلى الله عليه وسلم وسكن البصرة وتوفي سنة أربع وتسعين قال أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي هم بنو ليث بن بكر بن عبد مناف قال فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيمًا رقيقًا فلما رأى شوقنا إلى أهلينا (قال – صلى الله عليه وسلم) ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم و (إذا حضرت الصلاة) أي دخل وقتها (فليؤذن لكم أحدكم متفق عليه) والأمر يقتضي الوجوب والمراد في الفرائض المتعينة وهي الصلوات الخمس كما هو معلوم من الدين بالضرورة لا النوافل فلا أذان لها ولا إقامة. وفي رواية "إذا سافرتما فأذنا وأقيما".
وعن أبي الدرداء مرفوعًا: "ما من ثلاثة لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان" رواه أحمد وغيره. ويؤيده أنه – صلى الله عليه وسلم لم يتركهما حضرًا ولا سفرًا وليس شرطًا فتصح بدونهما لكن يكره واتفقوا على سنيته وفيه أنه لا يجزئ إلا بعد دخول الوقت وهو إجماع إلا الفجر بعد نصف
الليل لما في الصحيحين إن بلالاً يؤذن بليل. وظاهر الخبر يجزئ من مميز لصحة صلاته كالبالغ.
قال الشيخ والأشبه إن الأذان الذي يسقط به الفرض ويعتمد لا يباشره صبي قولاً واحدًا.
وقال المؤذن الراتب لا يكون إلا عدلاً. ولأبي داود "وليؤذن لكم خياركم". وترتيب الفاسق مؤذنًا لا ينبغي قولاً واحدًا. وقال يعمل بقول المؤذن في الوقت مع إمكان العلم بالوقت. وهذا مذهب أحمد والشافعي وسائر العلماء المعتبرين كما شهدت به النصوص خلافًا لقول بعض أصحابنا ولم يزل الناس يعملون بالآذان من غير نكير فكان إجماعًا. وقال ابن القيم أجمع المسلمون على قبول أذان المؤذن الواحد وهو شهادة منه بدخول الوقت.
(وعن جابر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة) في حجة الوادع منصرفة من عرفة (فصلى بها المغرب والعشاء) جمعًا (بآذان واحد وإقامتين رواه مسلم) زاد أبو داود من حديث ابن عمر بعد قوله: "بإقامة واحدة لكل صلاة"، وللترمذي في قصة الخندق أنهم شغلوه عن أربع صلوات "فأذن وأقام لكل صلاة" فدل على مشروعية الأذان والإقامة في نحو تلك المواطن.
(وله عن أبي قتادة) في الحديث الطويل (في نومهم عن الصلاة) أي صلاة الفجر وكان عند قفولهم من غزوة خيبر
(ثم أذن بلال) أي: بأمره – صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود "ثم أمر بلالاً أن ينادي بالصلاة فنادى بها"(فصلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم كما كان يصلي كل يوم) ففيه دلالة على شرعية التأذين للصلاة الفائتة بنوم. ويلحق بها المنسية. وله من حديث أبي هريرة "أنه أمر بلالاً بالإقامة" قال ابن رشد وغيره والأمر بالأذان منقول بالتواتر والعلم به حاصل ضرورة. ولا يرده إلا كافر يستتاب. فإن تاب وإلا قتل.
(وعن معاوية) بن أبي سفيان الأموي أمير المؤمنين صحب النبي – صلى الله عليه وسلم وكتب له وولاه عمر الشام ثم استقل واجتمع عليه الناس عشرين سنة ومات سنة ستين (أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال "إن المؤذنين) أي المنادين للصلوات الخمس (أطول الناس أعناقًا) أي رقابًا لأن الناس في كرب الموقف متطلعون أن يؤذن لهم في دخول الجنة. وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة "يعرفون بطول أعناقهم" وقيل رؤساء سادة (يوم القيامة) وظاهره الطول الحقيقة (رواه مسلم) وغيره وهذا ما لم يكن القصد الدنيا ونحوها فليس من أعمال الآخرة.
وعن ابن عمر مرفوعًا "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون رجل نادى بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة" رواه الترمذي وغيره ولأبي داود "عجب ربك من راعي غنم يؤذن للصلاة" الحديث وفي الصحيح "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا
عليه لاستهموا" ولأحمد بسند صحيح "يغفر له منتهى صوته ويستغفر له كل رطب ويابس" وفي فضله أحاديث كثيرة. وقال بعض أهل العلم الأذان أفضل من الإمامة قال الشيخ هذا أصح الروايتين. وإمامته – صلى الله عليه وسلم وخلفائه متعينة ففي حقهم أفضل لخصوص أحوالهم.
(وعن عثمان بن أبي العاص أنه – صلى الله عليه وسلم قال له) وذكر أنه آخر ما عهد إليه (اتخذ مؤذنًا) ففيه الأمر بالأذان (لا يأخذ على أذانه) أي ندائه للصلاة (أجرًا) أي عوضًا يسمى له، لا رزق من بيت المال لعدم متطوع (رواه الخمسة) وغيرهم (وحسنه الترمذي) وقال العمل عليه عند أهل العلم. وقال ابن عمر لرجل إني لأبغضك في الله لأنك تأخذ على أذانك أجرًا ولا يعرف له مخالف من الصحابة.
وقال مالك يؤجر نفسه في سوق الإبل أحسن من أن يعمل لله بالإجارة وكذا الإقامة لأنهما قربة لفاعلهما. وكذا يحرم دفعها وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد. وقيل يجوز مع الفقر اختاره شيخ الإسلام. قال وكذا كل قربة.
(وعن عبد الله بن زيد) بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي شهد العقبة والمشاهد ومات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين (قال طاف بي) جواب لما اهتم به أي مر بي (وأنا نائم) حال من المفعول قال الجوهري طيف الخيال مجيئه في النوم أي تخيل لي
(رجل) فاعل طاف أي تشبه له في المنام يحمل ناقوسًا خشبة أو حديدة طويلة يضربها النصارى إعلامًا للدخول في صلاتهم فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس قال، وما تصنع به قلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك قلت بلى (قال تقول الله أكبر) فذكر الحديث وله طرق
وألفاظ.
وسببه والله أعلم أنه لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يجمعهم لها. فقالوا لو اتخذ ناقوسًا. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم "ذلك للنصارى"، فقالوا لو اتخذنا بوقًا قال "ذلك لليهود" فقالوا لو رفعنا نارًا قال "ذلك للمجوس" فافترقوا فرأى عبد الله تلك الرؤيا قال الحاكم هذه أمثل الروايات في قصة عبد الله ويقال أصح منه حديث ابن عمر كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد فتكلموا يومًا في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود قال فقال عمر ألا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم "يا بلال قم فناد بالصلاة" وقيل غير ذلك.
(فذكر الأذان) يعني ذكر عبد الله بن زيد رضي الله عنه كلمات الأذان (بتربيع التكبير) أي تقول الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر الله أكبر وتثني ما سواه وهو الشهادتان والحيعلة والتكبير ويفرد كلمة التوحيد. والمراد بالتثنية في الجملة وإلا فقد
انعقد الإجماع على إفراد التهليلة (والإقامة فرادى) لا تكرير في
شيء من ألفاظها (إلا قد قامت الصلاة) فتكرر قال فلما أصبحت أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم فأخبرته، يعني أخبره بتلك الرؤيا التي رأها. ولأبي داود وهو مهتم لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم فأري الأذان فدل على مشروعيته لاهتمامه – صلى الله عليه وسلم في أمر يجمعهم لها.
(فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم إنها لرؤيا حق) أي صادقة مطابقة للوحي. والحكمة التنويه بقدره والرفع لذكره قال فقم (فألقه على بلال) أي ما رأيت "فليؤذن به"(فإنه أندى) أي أرفع وأحسن وللترمذي وأمد (صوتًا منك) يعني فيكون أبلغ في الإعلام المقصود منه. وقال لأبي سعيد الخدري "إذا كنت في غنمك فارفع صوتك بالنداء". ولأبي داود أنه قال لأبي محذورة "ثم ارجع فمد صوتك" ولحديث يغفر له "مدى صوته" قال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به.
قال فسمع ذلك عمر وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم "فلله الحمد" رواه أحمد وأبو داود و (صححه البخاري) والترمذي وابن خزيمة وغيرهم ولأحمد كان بلال يؤذن بذلك فرفع صوته في الفجر الصلاة خير من النوم قال ابن المسيب فأدخلت في التأذين لصلاة الفجر.
(ولأحمد عن أبي محذورة) أوس بن المغيرة الجمحي مؤذن.
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أمره به منصرفة من حنين توفي سنة تسع وخمسين (نحوه) أي نحو حديث عبد الله بن زيد بتربيع التكبير كما هو مذهب الجمهور أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم بغير ترجيع. ولمسلم عنه بترجيع الشهادتين يخفض صوته بهما ثم يعيدهما رافعًا بهما صوته. وهو مذهب طائفة من أهل العلم. والأذان بغير ترجيع هو المشهور من حديث عبد الله بن زيد. وكان بلال يؤذن كذلك إلى أن مات.
والنبي صلى الله عليه وسلم أقره عليه بعد ما رجع من فتح مكة وعليه عمل أهل المدينة وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم.
وقال أحمد هو آخر الأمرين والترجيع مذهب أهل مكة. قال شيخ الإسلام كل منهما أذان صحيح عند جميع سلف الأمة وعامة خلفها وكل واحد منهما أذان صحيح عند جمع سلف الأمة وعامة خلفها وكل واحد منهما سنة. ومن تمام السنة أن يفعل هذا تارة وهذا تارة لأن هجر ما وردت به السنة وملازمة غيره قد يفضي إلى أن تجعل السنة بدعة.
(وفيه) أي في حديث أبي محذورة فإن كان صلاة الصبح قلت (الصلاة خير من النوم) الصلاة خير من النوم، ورواه أهل السنة وغيرهم من غير وجه وصححه ابن خزيمة ويستحب أن يستقبل القبلة فيهما كغيرهما إجماعًا سوى الحيعلتين ويقولهما ولو أذن قبل الفجر لخبر بلال. وقال أنس إنه من السنة وأخرج الترمذي من حديث بلال لا تثويب في شيء من الصلوات إلا
في صلاة الفجر وهو الذي اختاره أهل العلم وعمل المسلمين
عليه قال بلال ونهاني أن أثوب في العشاء
وكذا يكره النداء بعد الأذان في الأسواق وغيرها مثل أن يقول الصلاة والإقامة. قال الشيخ إذا كانوا يسمعون النداء وإلا فلا ينبغي أن يكره. فإن تأخر الإمام أو أماثل الجيران فلا بأس أن يمضي إليه من يقول قد حضرت الصلاة. وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح ونحوه يرفعون أصواتهم به بدعة.
(وعن أنس قال أمر) بضم الهمزة يعني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يأمر في الأصل إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم و (بلال) نائب فاعل وللنسائي "أمر النبي – صلى الله عليه وسلم بلالاً" وسبب ذلك قول أنس. ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى وتقدمت الرواية الثانية عن أنس ورؤيا عبد الله بن زيد فبدأ الأذان كان: عن مشورة أوقعها النبي – صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد فقص، فقال عمر ألا تبعثون مناديًا فأمر بلال (أن يشفع الأذان) أي أن يأتي بكلماته مثنى مثنى أو أربعًا أربعًا كالتكبير في أوله والكل يصدق عليه أنه شفع كما فسره حديث عبد الله بن زيد وأبي محذورة. وهذا بالنظر إلى الأكثر وإلا فكلمة التوحيد في آخره مفردة (ويوتر الإقامة) أي يفرد ألفاظها (متفق
عليه).
وظاهره أنه يفرد التكبير في أولها ولكن الجمهور على أن التكبير في أولها مكرر مرتين. وهو بالنظر إلى تكريره في الأذان
أربعًا كأنه غير مكرر فيها وكذلك يكرر في آخرها. وفي رواية للبخاري وغيره "إلا الإقامة" يعني فيشفعها بقوله. قد قامت الصلاة. قد قامت الصلاة لا يوترها. وعن ابن عمر نحوه قال البغوي وهذا قول أكثر العلماء. وشفع الأذان وإيتار الإقامة مستفيض.
والحكمة في تكرير الأذان لأنه لإعلام الغائبين فاحتيج إلى تكريره كما شرع فيه رفع الصوت والمحل بخلاف الإقامة فإنها لإعلام الحاضرين فتفرد لأنه لا حاجة إلى تكرار ألفاظها.
ولأبي داود "إن بلالاً يؤذن على بيت امرأة من بني النجار من أطول بيت حول المسجد إلى أن بنى رسول الله – صلى الله عليه وسلم مسجده.
فكان يؤذن على ظهر المسجد" وقد رفع له شيء فوق ظهره.
وبنى سلمة المنائر بأمر معاوية. وتقدم شرعية رفع الصوت وكان مؤذنوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم يؤذنون قيامًا. وقال القاضي عياض وغيره مذهب كافة العلماء أنه لا يجوز من قاعد. وميل الشيخ إلى عدم إجزاء أذان القاعد. وقال في الإنصاف لا يصح إلا مرتبًا متواليًا بلا نزاع.
(وعن أبي جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي العامري توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ الحلم ولكنه سمع منه. جعله على بيت المال وتوفي بالكوفة سنة أربع وسبعين (قال رأيت بلالاً يؤذن) ولعله رآه كذلك على الاستمرار لاستمرار عمل.
الناس عليه (واتتبع فاه ههنا وههنا) أي أنظر إلى فيه يمنة ويسرة كما فسره بقوله (يقول يمينًا وشمالاً حي على الصلاة) أي هلم إليها (حي على الفلاح) الفوز والخلود في النعيم المقيم. وحي اسم فعل بمعنى أسرع. والمراد هلموا وعجلوا إلى طلب ذلك (متفق عليه).
ففيه مشروعية الالتفات في الحيعلتين. وإنما اختصتا بذلك لأن غيرهما ذكر. وهما خطاب للآدمي كالسلام في الصلاة يلتفت فيه دون ما عداه. وفائدة التفاته أنه أرفع لصوته.
ويعرفه من يراه على بعد قال الشيخ لم يستثن العلماء إلا الحيعلة. وأما الإقامة فالسنة أن يقولها مستقبل القبلة (زاد أبو داود ولم يستدر) يعني بجملة بدنه. وعن أحمد وغيره لا يدور إلا إذا كان على منارة قصدًا لإسماع أهل الجهتين وفاقًا لكبر البلد (وفي رواية واصبعاه) قال النووي وغيره المسبحتان (في أذنيه) لأنه أرفع لصوته ولا يتعين وضع المسبحتين ولكنهما أولى من الإبهامين وغيرهما (صححه الترمذي) وقال العمل عليه عند أهل العلم يستحبون أن يدخل أصبعيه في أذنيه في الأذان.
(وله عن جابر وضعفه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال لبلال إذا أذنت فترسل) أي: رتل ألفاظ وتمهل ولا تسرع في سردها بل أقطع الكلمات بعضها من بعض لأن المراد منه الإعلام للبعيد وهو مع الترسل أكثر إبلاغًا (وإذا أقمت فاحدر) أي أسرع لأنه إبلاغ للحاضرين فكان الإسراع بها أنسب (واجعل بين
أذانك وإقامتك بقدر ما يفرغ الأكل من أكله) أي تمهل وقتًا بقدر فراغ الآكل من أكله والمتوضيء من وضوئه ليتمكن من الصلاة. وتمامه "والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء الحاجة". وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان رواهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب رواه عبد الله ابن الإمام أحمد وكلها ضعيفة.
لكن المقصود من الأذان نداء الغائب فلا بد من وقت يتسع للذاهب للصلاة وحضورها وإلا لضاعت فائدة الأذان.
قال ابن بطال لا حد لذلك غير تمكن حضور المصلين وبالجملة قد أمر المؤذن أن يفصل بين الأذان والإقامة ليدرك المصلون الجماعة. ومن أذن فهو يقيم ويجوز غيره. قال الوزير اتفقوا في الرجل يؤذن ويقيم غيره أن ذلك جائز. وقال في الجامع ينبغي للمؤذن أن لا يقيم حتى يحضر الإمام ويأذن له في الإقامة لأن وقتها منوط بنظر الإمام.
(وفي الصحيحين) وغيرهما من غير وجه بألفاظ متقاربة فمن حديث أبي سعيد (إذا سمعتم النداء) يعني الأذان للصلوات الخمس (فقولوا مثل ما يقول المؤذن) أي قولاً بمثل ما يقول المؤذن حين تسمعونه على أي حال من طهارة أو غيرها إلا حال الجماع والتخلي. وفي صحيح مسلم من حديث عمر "إذا قال المؤذن الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر" إلى آخر الأذان كلمة كلمة وأجمعوا على سنيته وأوجبه أبو حنيفة وأهل الظاهر.
ويدل على الندبية إجابته عليه الصلاة والسلام المؤذن بـ
"على الفطرة، وخرجت من النار" ويقطع القراءة والذكر ويجيبه لأنه يفوت، وهذه الأذكار لا تفوت فيقدم الإجابة وإن لم يجبه حتى فرغ استحب له التدارك ما لم يطل الفصل. ويجيب ثانيًا وثالثًا اختاره الشيخ ما لم يكن غير مدعو به فلا تتأكد إجابته.
وللبخاري من حديث معاوية ومسلم من حديث عمر نحو حديث أبي سعيد.
(سوى الحيعلتين) يعني حي على الصلاة حي على الفلاح (فيقولوا لا حول ولا قوة إلا بالله) يعني عند كل واحدة منهما والحكمة في إبدال الحوقلة من الحيعلة أن الحيعلة دعاء إلى الصلاة معناها هلموا، وإنما يحصل الأجر فيهما بالإسماع، فأمر السامع بالحوقلة؛ لأن الأجر يحصل لقائلها سواء أعلنها أو أخفاها، ولمناسبتها لقول المؤذن وتكون جوابًا له بأن تبرأ من الحول والقوة على إتيان الصلاة والفلاح إلا بحول الله وقوته.
وعن ابن مسعود: ولا حول عن معصية الله إلا بعصمته ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونته وفي حديث عمر "من قال مثل ما يقول صدقً من قلبه دخل الجنة".
ولأبي داود عن أبي أمامة أن بلالاً أخذ في الإقامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر ألفاظ الإقامة نحو حديث عمر في الأذان فلما أن قال قد قامت الصلاة قال "أقامها الله وأدامها" وسنده ضعيف ورجح بعضهم أن المجيب يقول في الإقامة كما يقول
في الأذان فإنه يستدل به على الإجابة فيها. وكذا الصلاة خير من النوم لإطلاق الأذان عليها وهو مذهب الجمهور وما سواه لا تقوم له حجة.
(ولمسلم) من حديث عبد الله بن عمرو "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول" يعني كلمة كلمة كما تقدم (ثم صلوا علي) أي قولوا اللهم صل على محمد ومعناها الطلب من الله أن يثني عليه ويعلي ذكره والصلاة بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره صلى الله عليه وسلم (فإنه من صلى علي صلاة واحدة) يعني قال اللهم صل على محمد ونحوه مما ثبت عنه (صلى الله عليه) أي أثنى الله عليه (بها عشرًا) الحسنة بعشر أمثالها وجاء "صلت عليه الملائكة بها عشرًا" فله مثل أجر المصلي الذي حصل له ليس المرد أنه يحصل للمصلي أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم (ثم سلوا الله لي الوسيلة) فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه"، وفي لفظ "حلت له الشفاعة" فدل على مشروعية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد إجابة المؤذن. وسؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم.
(وللبخاري عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قال حين يسمع النداء) أي الأذان بالصلاة بعدما يجيبه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم رب هذه الدعوة التامة) بفتح الدال أي دعوة الأذان الكاملة الشاملة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل (والصلاة القائمة) أي الدائمة التي لا يغيرها ملة ولا تنسخها
شريعة (آت) أي اعط نبينا (محمدًا) صلى الله عليه وسلم (الوسيلة) وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش.
وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم.
(والفضيلة) الرتبة الزائدة على سائر الخلق (وابعثه) أي يوم القيامة فأقمه (مقامًا محمودًا) أي الشفاعة العظمى في موقف القيامة الذي يحمده فيه الأولون والآخرون (الذي وعدته) في كتابك الكريم في قولك جل ذكرك (عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا) وعسى من الله واجب إنك لا تخلف الميعاد (حلت له شفاعتي يوم القيامة) أي استحقها ووقعت ووجبت له. وله في القيامة ثلاث شفاعات يختص بها.
وشفاعات له ولسائر النبيين والصالحين. نسأل الله بأسمائه الحسنى أن يشفعه فينا صلى الله عليه وسلم.
(وعن أنس مرفوعًا لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة) رواه الخمسة وغيرهم و (حسنه الترمذي) وصححه ابن القيم وغيره أي فادعوا "قالوا فما نقول قال سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة" وورد اثنتان لا تردان الدعاء عند النداء وعند البأس" رواه أبو داود. وله عن ابن عمر مرفوعًا "قل كما يقول المؤذن فإذا فرغت فسل تعطه".
ودل الحديث على أن هذا من جملة الأوقات التي ترجى فيها الإجابة. ولا يقال لا يجاب في غيرها بل ينبغي توخي الدعاء فيها وإكثاره رجاء الإجابة ويستحب أن يقول رضيت بالله ربًا