المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الجمع - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب الاستنجاء

- ‌باب السواك

- ‌باب فروض الوضوء وصفته

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغسل:

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌فصل في ستر العورة

- ‌فصل في اجتناب النجاسة

- ‌فصل في استقبال القبلة

- ‌فصل في النية

- ‌باب آداب المشي إلى الصلاة

- ‌فصل في الصفوف

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل في الذكر بعدها

- ‌فصل فيما يكره فيها

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌فصل في الوتر

- ‌فصل في قيام الليل

- ‌فصل في صلاة الضحى وغيرها

- ‌فصل في سجود التلاوة والشكر

- ‌فصل في أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌فصل الإمامة

- ‌فصل في الموقف

- ‌فصل في الاقتداء

- ‌فصل في الأعذار

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصل في القصر

- ‌فصل في الجمع

- ‌فصل في صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌فصل في شروطها

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌فصل في الجمع

‌فصل في الجمع

أي في أحكام الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت أحدهما. قال الشيخ وهو رخصة عارضة للحاجة إليه فإن النبي – صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا مرات قليلة فلذلك فقهاء الحديث كأحمد وغيره يستحبون تركه إلا عند الحاجة إليه اقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير. وفي الصحيح وغيره عن ابن مسعود قال "ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين" وأوسع المذاهب في الجمع مذهب أحمد فإنه نص على أنه يجوز دفعًا للحرج ويجوز للشغل.

وذكر ابن القيم أحاديث. وقال كل هذه سنن في غاية الصحة والصراحة ولا معارض لها. وأوقات المعذورين ثلاثة وقتان مشتركان ووقت مختص والوقتان المشتركان لأرباب الأعذار أربعة لأرباب الرفاهية. ولهذا جاءت الأوقات في كتاب الله نوعين خمسة وثلاثة في نحو عشر آيات وجاءت السنة بتفصيل ذلك وبيانه فتوافقت دلالة الكتاب والسنة والاعتبار الصحيح الذي هو مقتضى حكمة الشريعة وما اشتملت عليه من المصالح.

(وعن أنس) رضي الله عنه قال: (كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل) في سفره (قبل أن تزيغ الشمس) أي قبل الزوال

(أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما) يعني في

وقت العصر. ولمسلم "إذا عجل به السير يؤخر الظهر

ص: 416

إلى وقت العصر فيجمع بينهما" وفي لفظ "كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل وقت العصر ثم يجمع بينهما" وعن معاذ "كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعًا.

فدلت هذه الأحاديث على جواز تأخير الظهر إلى وقت العصر لمن جد به السير وهو قول عامة أهل العلم إلا أبا حنيفة فلم ير سوى جمعي عرفة ومزدلفة وهو محجوج بهذه السنن الصحيحة الصريحة في جواز هذا الجمع وبالقياس على الجمع بمزدلفة، وكذا حكى عن الحسن والنخعي ولا التفات لقول مخالف للنصوص (فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر) أي وحده ولا يضم إليه العصر (ثم ركب متفق عليه) قال شيخ الإسلام لأن المسافر إذا ارتحل بعد زيغ الشمس ينزل وقت العصر. فهذا مما لا يحتاج إلى الجمع بل يصلي العصر في وقتها ولأحمد من حديث ابن عباس ومعاذ أنه يصلي الظهر والعصر وتكلم فيهما غير واحد. وقال الشيخ وقد يتصل سيره إلى الغروب فهذا يحتاج إلى الجمع بمنزلة جمع عرفة وبه تتفق الأحاديث.

(ولهما عن ابن عمر كان) رسول الله (صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء) يعني تأخيرًا. ولفظ الترمذي وصححه "أنه استغيث على بعض أهله فجد به السير فأخر المغرب حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما. ثم أخبر أن

ص: 417

رسول الله – صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك" وعن ابن عباس "وإذا حانت له المغرب في منزله نزل فجمع بينهما" رواه أحمد وغيره. وله من حديث معاذ "وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء. وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب"

فيستحب عند الحاجة كما كان يصلي صلى الله عليه وسلم في سفره إذا جد به السير وهذا مذهب جمهور العلماء. قال البيهقي والنووي وغيرهما الجمع بين الصلاتين في وقت الأولى أو الثانية بعذر السفر هو قول جمهور العلماء من السلف والخلف وهو من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين مع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع الناس بعرفة ومزدلفة، وهو موجود في كل الأسفار.

وقال شيخ الإسلام والجمع جائز في الوقت المشترك فتارة يجمع في أول الوقت كما جمع بعرفة وتارة يجمع في وقت الثانية كما جمع بمزدلفة. وفي بعض أسفاره. وتارةً يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين. وقد يقعان معًا في آخر وقت الأولى وقد يقعان معًا في أول وقت الثانية وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا، وكل هذا جائز لأن أصل هذه المسألة أن الوقت عند الحاجة مشترك. والتقديم والتوسط بحسب الحاجة والمصلحة، اهـ.

فلا يستحب إلا عند الحاجة إليه للاختلاف فيه غير جمعي عرفة ومزدلفة فسن بشرطه إجماعًا قال شيخ الإسلام الجمع

ص: 418

بعرفة ومزدلفة متفق عليه وهو منقول بالتواتر فلم يتنازعوا فيه وفعل كل صلاة في وقتها أفضل إذ لم يكن حاجة عند الأئمة كلهم. والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يجمع في حجته إلا بعرفة ومزدلفة ولم يجمع بمنى ولا في ذهابه وإيابه. ولكن جمع في غزوة تبوك إذا جد به السير. والذي جمع هناك يشرع أن يفعل نظيره اهـ.

وما ورد في حديث معاذ وابن عباس من تقديم العصر ففيه مقال. وقال شيخ الإسلام هذا إذا كان لا ينزل إلا وقت الغروب كما كان بعرفة لا يفيض حتى تغرب الشمس أما إذا كان ينزل وقت العصر فإنه يصليها في وقتها وقال وإذا كان نازلاً في وقتهما جميعًا نزولاً مستمرًا فما علمت روي ما يستدل به عليه إلا حديث معاذ وغزوة تبوك وحجه – صلى الله عليه وسلم لم ينقل إنه جمع فيه إلا بعرفة ومزدلفة. وحديث معاذ ليس في المشهور.

وقال ابن القيم لم يكن صلى الله عليه وسلم يجمع راتبًا في سفره كما يفعله كثيرًا من الناس. ولا الجمع حال نزوله أيضًا وإنما كان يجمع إذا جد به السير. وإذا سار عقيب الصلاة كما في أحاديث تبوك. وأما جمعه وهو نازل غير مسافر فلم ينقل ذلك عنه

إلا بعرفة ومزدلفة لأجل اتصال الوقوف كما قال الشافعي وشيخنا. (ولمسلم عن ابن عباس جمع النبي – صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء) بالمدينة (من غير خوف ولا مطر وفي لفظ "من غير خوف ولا سفر" وقيل لابن عباس

ما أراد بذلك. قال أراد أن لا يحرج أمته. أي لئلا يشق عليهم

ص: 419

فقصد إلى التخفيف عنهم. ولهما عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء" وفي لفظ "صلى لنا الظهر والعصر جميعًا من غير خوف ولا سفر" ودل الحديث بفحواه على الجمع للمرض والمطر والخوف. وإنما خولف ظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر للإجماع وإخبار المواقيت فتبقى فحواه على مقتضاه قال ابن المنذر يجوز من غير خوف ولا مطر. قال الخطابي وهو قول جماعة من أصحاب الحديث لظاهر الحديث. ومنعه الجمهور لغير حاجة وفي الترمذي "الجمع من غير عذر من الكبائر" قال والعمل عليه عند أهل العلم. قال النووي وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع للحاجة لم لا يتخذه عادة.

وقال شيخ الإسلام في الجمع لمطر أو غيره: وبهذا الحديث استدل أحمد على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى وهذا من باب التنبيه بالفعل فإنه إذا جمع ليرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر، فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع والجمع لها أولى من الجمع لغيرها وما يبين أن ابن عباس لم يرد الجمع للمطر وإن كان أولى بالجواز ما رواه مسلم عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء" قال ابن شقيق فحاق في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته

ص: 420

فصدق مقالته. ولمسلم عنه لما قال له رجل الصلاة قال أتعلمنا بالصلاة "وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم " وقد استدل على فعله وهو يخطب بالبصرة بما رواه لما رأى أنه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته وكانت عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع وكان يرى أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة.

وقال شيخ الإسلام: وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن الأمة. فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا والأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة. وقال أيوب ولعله في ليلة مطيرة. وكان أهل المدينة يجمعون في الليلة المطيرة. وروي ذلك مرفوعًا وهو قول جمهور أهل العلم وذكر الشيخ أثارًا عن الصحابة.

ثم قال فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين. مع أنه لم ينقل أن أحدًا منهم أنكر ذلك فعلم أنه منقول عنهم بالتواتر جواز ذلك. وقول ابن عباس جمع النبي – صلى الله عليه وسلم ليس نفيًا منه للجمع لتلك الأسباب بل إثبات منه لأنه جمع بدونها وإن كان قد جمع بها أيضًا ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى.

ص: 421

وقال يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك وإن لم يكن المطر نازلاً في أصح قولي العلماء. وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم. بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة إذ السنة أن تصلي الصلوات الخمس في المسجد جماعة وذلك أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع كمالك والشافعي وأحمد.

والحديث يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى. وقال النووي وغيره يجوز الجمع من أجل المرض وفاقًا لمالك وقواه. وقال يستدل له بحديث ابن عباس "من غير خوف ولا مطر"؛ لأنه إما أن يكون بالمطر وإما بغيره مما في معناه أو دونه ولأن حاجة المريض آكد من الممطور. وقال الشيخ يجوز للمرض كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين.

وقال: ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقت إلا بحرج كالمستحاضة وأمثال ذلك من الصور. وفي الاختيارات يجوز للمرضع الجمع إذا كان يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة والجمهور على خلاف ذلك. قال ويجوز الجمع للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله أو مال غيره بترك الجمع وللصلاة في الحمام مع جوازها فيه خوف فوات الوقت ولخوف تحرج في تركه وذكر ما في الصحيحين من حديث ابن

ص: 422

عباس أنه سئل لم فعل ذلك قال أرد أن لا يحرج أحدًا من أمته. فلم يعلله بمرض ولا غيره وجاء عن عمر أن من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا من عذر.

قال فدل على جواز إباحة الجمع للعذر ولم يخص عمر عذرًا دون عذر.

وإذا استوى التأخير والتقديم في الأرفق بهم فالتأخير أفضل في الجملة. وقال الشيخ في جمع المطر السنة أن يجمع للمطر في وقت المغرب حتى اختلف مذهب أحمد هل يجوز أن يجمع للمطر في وقت الثانية وقيل إن ظاهر كلامه أنه لا يجمع وفيه وجه ثالث أن الأفضل التأخير وهو غلط مخالف للسنة والإجماع القديم. وصاحب هذا القول ظن أن التأخير أفضل مطلقًا وهذا غلط فليس جمع التأخير أولى من التقديم بل ذلك بحسب الحاجة والمصلحة فقد يكون هذا أفضل. وهذا مذهب جمهور العلماء وهو ظاهر مذهب أحمد المنصوص عنه وغيره. ويأتي الكلام في جمعي عرفة ومزدلفة إن شاء الله. ويشترط الترتيب وقيل والموالاة. ورجح الموقف وغيره أنه راجع إلى العرف.

وذكر الشيخ أن كلام أحمد يدل على أن الجمع عنده هو الجمع في الوقت وإن لم يصل إحداهما بالأخرى كالجمع في وقت الثانية على المشهور في مذهبه ومذهب غيره. وإنه إذا صلى المغرب في أول وقتها والعشاء في آخر وقت المغرب حيث يجوز له

ص: 423