الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في شروطها
أي في شروط صحة الجمعة وهي الوقت والجماعة والاستيطان والخطبتان. لا إذن الإمام لأن عليًا صلى بالناس وعثمان محصور فلم ينكره أحد وصوبه عثمان وأبطأ الوليد بن عقبة فصلى ابن مسعود وصلى أبو موسى الأشعري حين أخرها سعيد بن العاص. وقال أحمد وقعت الفتنة في الشام تسع سنين وكانوا يجمعون ولم تنكر هذه الجمع فكان إجماعًا.
(عن سهل) يعني ابن سعد رضي الله عنه (قال ما كنا نقيل) من القيلولة وهي الاستراحة وسط النهار (ولا نتغذى) قال ابن قتيبة لا يسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال أي لا نفعل ذلك (إلا بعد الجمعة متفق عليه) وفي رواية "في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفيه دليل على أنهم كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر.
وللبخاري عن أنس قال: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نرجع إلى القائلة فنقبل" وأصرح منه ما في مسلم عن جابر "كنا نصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنربحها حين تزول الشمس". فدلت هذه الأحاديث لما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من السلف من جواز صلاة الجمعة قبل الزوال لقول عبد الله بن سيدان شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت
خطبته وصلاته قبل نصف النهار. ثم شهدتها مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد زال النهار. فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره احتج به أحمد فصار إجماعًا سكوتيًا.
وعن ابن مسعود كان يصلي الجمعة ضحى ويقول: إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم. رواه أحمد وعن معاوية نحوه رواه سعيد. وفعلها ابن الزبير في وقت العيد وصوبه ابن عباس وأبو هريرة ولأنها صلاة عيد فجازت قبل الزوال.
(وللبخاري عن أنس قال كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم "يصلي الجمعة حين تميل الشمس) ولهما عن سلمة بن الأكوع قال "كنا نجمع مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء" وفي لفظ "وليس للحيطان ظل يستظل به" فدلت هذه الأحاديث على شدة التبكير. والجمهور أنها لا تجوز إلا بعد الزوال. وقال الزركشي والتقديم ثبت رخصة بالسنة والآثار.
وأما وقت الوجوب فبزوال الشمس إجماعًا. وعن أحمد وقتها كالظهر وفاقًا. ولا ينافي ما تقدم لأن سائر المسلمين لا يمنعون ذلك بعد الزوال. وآخر وقتها آخر وقت صلاة الظهر لا نزاع إلحاقًا لها بها لوقوعها موضعها وفعلها بعد الزوال أفضل لهذه الأخبار وخروجًا من الخلاف ولأنه الوقت الذي كان يصلي
فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم في أكثر أوقاته فالأولى فعلها بعد الزوال صيفًا وشتاءً حين تميل الشمس. وإن خرج وقتها قبل التحريمة صلوا ظهرًا بلا خلاف لفوات الشرط ولأنها لا تقضي.
(وعن أبي سعيد قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم" رواه مسلم) وهذا عام وقال شيخ الإسلام تنعقد الجمعة بثلاثة واحد يخطب وإثنان يستمعان وهو إحدى الروايات عن أحمد وقول طائفة من العلماء اهـ. وذهب طائفة من أهل العلم على اشتراط أربعين من أهل وجوبها وهذا المذهب عند أصحاب أحمد والشافعي واستدلوا بقصة مصعب بن عمير لما بعثه النبي – صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين وقالوا لم ينقل إنها صليت بدون ذلك.
وقد ثبت أنه – صلى الله عليه وسلم صلى بهم حين انفضوا ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً وهو أيضًا لا يقتضي أنها لا تصح بدون ذلك. وحكى النووي وغيره إجماع الأمة على اشتراط العدد وأنها لا تصح من منفرد وأن الجماعة شرط لصحتها. والله أعلم أنه لا مستند لاشتراط عدد أوضح وأصح من حديث أبي سعيد ويشهد له عموم الآية وما سواه من الأقوال يحتاج إلى برهان.
قال شيخنا ولا برهان يخرجه من هذا العموم فدل على أنها تنعقد بالجمع وأقله ثلاثة وأما ما روي من قول جابر مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة فلم يصح ولا يقاوم حديث أبي سعيد ولا حديث جابر.
وقال حافظ عصره الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو حديث ساقط لا يحتج به لأنه من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن وهو ضعيف. قال البيهقي هذا حديث لا يحتج به ثم لو صح فليس فيه حجة، ويقال اشتراط الأربعين العقلاء الحاضرين الذكور الأحرار تحكم بالرأي بلا دليل وإسقاط للجمعة عمن دون الأربعين. وقد ثبت وجوب الجمعة بعموم الآية والأحاديث والإجماع على كل أحد فمن أراد إخراج أحد عن وجوبها فعليه الدليل واتفق المسلمون على اشتراط الجماعة لها واختلفوا في العدد المشترط لها وذكر الأقوال ثم قال: ونص أحمد على أنها تنعقد بثلاثة اثنان يستمعان وواحد يخطب اختاره شيخ الإسلام. قال الشيخ سليمان وهذا القول أقوى وهو كما قال شرعًا ولغة وعرفًًا لقوله (فاسعوا) وهذا صيغة جمع وأقل الجمع ثلاثة وفي الحديث "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم".
فأمرهم بالإمامة وهو عام في إمامة الصلوات كلها الجمعة والجماعة. ولأن الأصل وجوب الجمعة على الجماعة المقيمين فالثلاثة جماعة تجب عليهم الجمعة ولا دليل على إسقاطها عنهم. وإسقاطها عنهم تحكم بالرأي الذي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس صحيح اهـ ويقال ولو كانت الأربعون شرطًا لما جز أن يسكت عنه الشارع – صلى الله عليه وسلم ولا يبينه. وقد أبلغ الحافظ وغيره أقوالهم إلى خمسة عشر.
ولا مستند لاشتراط عدد معين أربعين أو خمسين أو ثلاثين أو تسعة أو سبعة أو خمسة كما أنه لا مستند لصحتها من الواحد وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين وقال به طائفة.
واشترط في المأمومين المستمعين للخطبة ومن أسقطها عن هذا العدد فما فوق فعليه البرهان. وقد انعقدت سائر الصلوات بهما بالإجماع والجمعة صلاة فلا تخص بحكم يخالف غيرها إلا بدليل. وقال عبد الحق وغيره لم يثبت في عدد الجمعة شيء.
وعن ابن عباس (أول جمعة جمعت) أي صليت جماعة زاد أبو داود في الإسلام (بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني بالمدينة وهو رواية ووقع في رواية بمكة وقال الحافظ خطأ بلا مرية وإنما أول جمعة وقعت بعد الجمعة بالمدينة جمعة (في مسجد عبد القيس) قبيلة من أسد بن ربيعة وفي رواية من قرى عبد القيس (بجواثي) بضم الجيم ولفظ أبي داود بجواثي قريبة من قرى (البحرين) وهو المعروف الآن بالأحساء فليس من شروطها المصر (رواه البخاري).
وبيوتهم من جريد النخل ونحوه. وكتب عليه الصلاة والسلام إلى قرى عرينة أن يصلوا الجمعة. وأسعد بن زرارة أول من جمع في قرية يقال لها هزم النبيت في حرة بني بياضة على ميل من المدينة، وأقر عمر أهل المنازل التي بين مكة والمدينة على التجميع ومعلوم أنها لم تكن بمدر وهي إما من جريد أو سعف أو قصب. والحديث وما في معناه يدل على وجوب الجمعة على
أهل القرى كالمدن من أي أجزاء البناء وهو قول جماهير العلماء إلا ما روي عن الحنفية.
قال شيخ الإسلام كل قوم كانوا مستوطنين ببناء متقارب لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفًا تقام فيه الجمعة إذا كان مبنيًا بما جرت به عادتهم من مدر أو خشب أو قصب أو جريد أو سعف أو غير ذلك فإن أجزاء البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك إنما الأصل أن يكونوا مستوطنين ليسوا كأهل الخيام والحلل الذين ينتجعون في الغالب مواقع القطر وينتقلون في البقاع وينقلون بيوتهم معهم إذا انتقلوا وهذا مذهب جمهور العلماء والإمام أحمد علل سقوطها عن البادية لأنهم ينتقلون، اهـ.
ولو كان البناء الذي تقام فيه الجمعة متفرقًا فإن المدينة كانت محلات وهي بريد في بريد ولم يجمع فيها في غير المسجد الذي أسسه رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال الشيخ وتجب الجمعة على من حول المصر عند أكثر العلماء وهو يقدر بسماع النداء بفرسخ.
(وعن ابن عمر أن النبي – صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائمًا) واستفاض عنه – صلى الله عليه وسلم من غير وجه وقال تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} وقال جابر "من أنبأك أنه كان يخطب جالسًا فقد كذب" رواه مسلم ولا نزاع في سنيته. وقال ابن المنذر وعليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار. وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائمًا لمن أطاقه. ودخل كعب بن
عجرة وعبد الرحمن بن الجهم يخطب قاعدًا فقال انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدًا وقرأ الآية. ومذهب الشافعي أن القيام شرط مع القدرة. وعند مالك واجب. فدل على تأكد سنيته.
ويعتمد على عصا لفعله عليه الصلاة والسلام رواه أبو داود. وقال ابن القيم لم يحفظ أنه توكأ على سيف وإنما المحفوظ الاتكاء على العصى والقوس اهـ. وفي الحرب يعتمد على قوس. وفي الجمعة على عصا اتفاقًا، ويده الثانية على حرف المنبر إن كان، والغرض أن يكون أثبت لجأشه ولئلا يعبث بهما (ثم يقعد) يعني بين الخطبتين فيسن أن يجلس بينهما جلسة خفيفة وعليه السلف والخلف وخروجًا من خلاف من أوجبه. قال الترمذي وهو الذي رآه أهل العلم أن يفصل بين الخطبتين بجلوس. قال جماعة بقدر سورة الإخلاص (ثم يقوم) أي فيخطب الخطبة الثانية قائمًا (كما تفعلون اليوم) فثبت من فعله – صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة عليه (متفق عليه) ورواه الجماعة من وجوه كثيرة عن ابن عمر وغيره.
وفيه دليل على مشروعية خطبتين قبل صلاة الجمعة والسنة مستفيضة في ذلك ولا نزاع فيه. وأمر تعالى بالسعي إلى ذلك في قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} والذكر هو الخطبة عند كثير من أهل التفسير وسميت ذكرًا لاشتمالها عليه فتجب إذ لا يجب السعي لغير واجب. وواظب عليه – صلى الله عليه وسلم وفعله مبين للآية وقد
قال "صلوا كما رأيتموني أصلي" واستمر عمل المسلمين عليه خلفًا عن سلف.
وهما شرط عند جمهور أهل العلم مالك والشافعي وأحمد. قال الموفق وغيره شرط لا تصح بدونهما ولا نعلم مخالفًا إلا الحسن. وقال في الفروع ومن شرطهما تقديمهما اتفاقًا وهما بدل ركعتين لا من الظهر لأن الجمعة ليست بدلاً عن الظهر بل مستقلة وإنما الظهر بدل عنها إذا فاتت. وعن عمر وعائشة قصرت الصلاة من أجل الخطبة.
(ولمسلم عن جابر كانت خطبته يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه) بما هو أهله وعن أبي هريرة مرفوعًا "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" رواه أبو داود وللترمذي أنه – صلى الله عليه وسلم قال "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" وللبيهقي " وجعلت أمتك لا يجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي".
ولأبي داود عن ابن مسعود كان إذا تشهد قال "الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. ونتوب إليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا. ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) وقال أحمد لم يزل الناس يخطبون بالثناء على الله والصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم لأن كل
عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله – صلى الله عليه وسلم كالأذان وذكره مع ذكر ربه هو الشهادة له بالرسالة. قال ابن القيم وهو الواجب في الخطبة قطعًا.
وأوجب شيخ الإسلام وغيره حمد الله والثناء عليه والشهادتين والموعظة في الخطبة. وقال ابن القيم في خصائص الجمعة الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده بالشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة وتذكير العباد بأيامه وتحذيرهم من بأسه ونقمته ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جناته ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها.
(وله عنه) أي ولمسلم عن جابر (كان) رسول الله – صلى الله عليه وسلم (يقرأ آية) وفي لفظ "يقرأ القرآن" وله عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت "ما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} إلا من لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس" ويحتمل أنها أخذتها آية آية أو آيات لأن قراءتها بتمامها مع غيرها من الحمد والثناء والتشهد والوعظ وغير ذلك يعارض حثه على قصر الخطبة. ولأبي داود "ويقرأ آيات من القرآن" ولهما {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} وروي غير ذلك.
وفيه وغيره دليل على مشروعية قراءة آية أو آيات أو سورة في الخطبة كل جمعة وأجمعوا على ذلك وظاهر كلام أحمد وغيره لا يشترط ويحتمل أن لا يجب سوى حمد الله والموعظة لأنه يسمى
خطبة وما عداه ليس على اشتراطه دليل (ويذكر الناس) آلاء الله ونعمه ويوصيهم بتقوى الله وطاعته قال شيخ الإسلام وغيره لا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت لأنه لا بد من اسم الخطبة عرفًا بما يحرك القلوب ويبعث بها إلى الخير. قال الزركشي وغيره أركان الخطبة حمد الله والثناء عليه والشهادتان والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم والقراءة والموعظة.
(وفي رواية عنه قال كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم (إذا خطب احمرت عيناه) أي اشتد احمرارها اهتمامًا بشأن الموعظة.
(وعلا صوته) أي ارتفع جداً فينبغي رفع الصوت قدر الإمكان ولذلك استحب المنبر لأنه أبلغ في الإسماع (واشتد غضبه) لإنذاره الأمور العظام وتحذيره الخطوب الجسام واحمرت وجنتاه (حتى كأنه منذر جيش) أي معلم ومخوف ومحذر بما قد دهم من العدو (يقول) أي منذر الجيش (صبحكم) يعني الجيش (ومساكم) أي أتاكم العدو وقت الصباح أو وقت المساء ويأتي بجوامع الكلم من الترغيب والترهيب ويجزل كلامه. ويفخم أمر الخطبة لأنه أوقع في النفوس وأبلغ في الوعظ. وينبغي أن يكون متعظاً بما يعظ به ليحصل الانتفاع.
(ويقول أما بعد) والرواية الثانية "يحمد الله ويثني عليهم يقول على أثر ذلك"أي قوله أما بعد وقد علا صوته.
والإتيان بأما بعد رواها نحو من ثلاثين صحابيًّا. وكان يلازمها في جميع خطبة بعد حمد الله والثناء والتشهد (فإن خير الحديث) أي ما يتحدث به (كتاب الله) فيه الهدى والنور (وخير الهدى) بفتح الهاء أي أحسن الطريق (هدي محمد صلى الله عليه وسلم) أي طريقه وعلى رواية الضم معناه الدلالة والإرشاد وهو الذي يضاف إلى الرسل وإلى القرآن.
(وشر الأمور) واحدها أمر أي وشر الشؤون أو الأشياء (محدثاتها) والمحدثات ما لم يكن ثابتاً بشرع من الله ولا من رسوله وذلك هو البدعة (وكل بدعة ضلالة) والبدعة لغة ما عمل على غير مثال سابق والمراد هنا ما عمل من دون أن يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة وهذا كقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فكل بدعة ليست مما أمر الله به ورسوله صغيرة كانت أو كبيرة فهي ضلالة باتفاق أهل العلم بالشرع المطهر وفي رواية "من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له"، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم خطب متنوعة يعلم الناس قواعد الإسلام وشرائعة ويأمرهم وينهاهم ويحثهم على الطاعة وينهاهم عن المعاصي.
وذكر ابن القيم وغيره أن خطبه صلى الله عليه وسلم إنما كانت تقريرًا لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته. وما أعد لأعدائه وأهل معصيته ودعوة إلى الله وتذكيرًا بآلائه التي تحببه
إلى خلقه وأيامه التي تخوفهم من بأسه وأمرًا بذكره وشكره الذي يحببهم إليه فيملأ القلوب من خطبه إيمانًا وتوحيدًا ومعرفة بالله وآياته وآلائه ومحبة لشكره وذكره فينصرف السامعون وقد أحبوا الله فأحبهم. ولمسلم وغيره "إذا دعا رفع السبابة وأشار بها".
(وله عن عمار مرفوعًا أن طول صلاة الرجل) يعني بالنسبة إلى خطبته ليس المراد التطويل المنهي عنه (وقصر) بكسر القاف وفتح الصاد أي تقصير (قطبته مثنة) بفتح الميم وكسر الهمزة أي علامة ودلالة يستدل به على ما خول (من فقهه فأطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة" حتى لا يملوها ويكون قصرها معتدلاً فلا يبالغ بحيث يمحقها. ولمسلم عن جابر وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم قصدًا وخطبته قصدًا".
وكون قصر الخطبة علامة على فقهه. لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة. وقال عليه الصلاة والسلام "إن من البيان لسحرًا"شبه الكلام العامل في القلوب الجاذب للعقول بالسحر لأجل ما اشتمل عليه من الجزالة وتناسق الدلالة وإفادة المعاني الكثيرة ووقوعه من الترغيب والترهيب بالمقام الأوفى ولا يقدر عليه إلا فقيه.
وله عن عثمان أنه خطب وأوجز فقيل له لو تنفست فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه.
فأطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة" ولا نزاع في مشروعية إقصار الخطبة. ولأبي داود "كان لا يطيل الخطبة إنما هي كلمات يسيرات" وينبغي أن تكون الثانية أقصر من الأولى كالإقامة مع الآذان والقراءة في الركعة الثانية أقصر من الأولى. ويدعو للمسلمين لفعله – صلى الله عليه وسلم وقال النووي الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق ونحو ذلك مستحب بالاتفاق. وذكر البغوي وغيره استحباب ختم الخطبة بقوله استغفر الله لي ولكم. وقال ابن القيم كان صلى الله عليه وسلم يختم خطبته بالاستغفار اهـ ويباح أن يخطب من صحيفة.
ومن سنن الخطبة أن يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم بوجهه رواه الضياء وغيره. وأصل التسليم مستفيض في الجملة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وغيرهم أنهم كانوا إذا صعد أحدهم المنبر وأقبل على المأمومين بوجهه سلم عليهم وأن يخطب على منبر لفعله عليه الصلاة والسلام المستفيض عنه أو على موضع عال ولا نزاع في ذلك. وأن يجلس إلى فراغ الأذان وهو إجماع لقول ابن عمر كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن.
ثم يقوم فيخطب. وقد تقرر استقباله الناس وقت الخطبة. واستدارة أصحابه إليه بوجوههم من غير وجه. قال الترمذي والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة وغيرهم ويستحبونه اهـ. ولأنه الذي يقتضيه الأدب وهو أبلغ في الوعظ.