المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في صفتها - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب الاستنجاء

- ‌باب السواك

- ‌باب فروض الوضوء وصفته

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغسل:

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌فصل في ستر العورة

- ‌فصل في اجتناب النجاسة

- ‌فصل في استقبال القبلة

- ‌فصل في النية

- ‌باب آداب المشي إلى الصلاة

- ‌فصل في الصفوف

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل في الذكر بعدها

- ‌فصل فيما يكره فيها

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌فصل في الوتر

- ‌فصل في قيام الليل

- ‌فصل في صلاة الضحى وغيرها

- ‌فصل في سجود التلاوة والشكر

- ‌فصل في أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌فصل الإمامة

- ‌فصل في الموقف

- ‌فصل في الاقتداء

- ‌فصل في الأعذار

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصل في القصر

- ‌فصل في الجمع

- ‌فصل في صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌فصل في شروطها

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌فصل في صفتها

قال النووي وهو مجمع عليه. قال إمام الحرمين سبب استقبالهم له واستقباله إياهم واستدباره القبلة أن يخاطبهم فلو استدبرهم كان قبيحًا. وإن استقبلوه استدبروا القبلة فاستدبار واحد واستقبال الجميع أولى من عكسه.

‌فصل في صفتها

أي في كيفية صلاة الجمعة وتحريم تعدادها لغير حاجة وذكر مسنوناتها.

(عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح ألم تنزيل) في الركعة الأولى بعد الفاتحة (وهل أتى على الإنسان) في الركعة الثانية بعد الفاتحة ولهما من حديث أبي هريرة مثله ففيهما مشروعية قراءتهما في صلاة الفجر قال شيخ الإسلام إنما كان عليه الصلاة والسلام يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها فإنهما اشتملتا على خلق آدم وذكر الموت وحشر العباد وذلك يكون يوم الجمعة فكان في قراءتهما هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، قال ولا ينبغي المداومة عليهما بحيث يظن الجهال إنهما واجبتان وإن تاركهما مسيء بل ينبغي تركهما أحيانًا لعدم وجوبهما.

قال أحمد لا أحب أن يداوم عليهما لئلا يظن أنها مفضلة بسجدة وقد جاءت السجدة تبعًا ليست مقصودة حتى يقصد

ص: 453

المصلي قراءتها. قال الشيخ ويحرم تحري قراءة سجدة غيرها ولا يستحب أن يقرأ بسورة فيها سجدة أخرى باتفاق الأئمة. ثم ذكر رضي الله عنه ما كان يقرأ في صلاتها فقال (وفي صلاة الجمعة) يعني في الركعة الأولى (سورة الجمعة) بعد الفاتحة (والمنافقين) يعني في الركعة الثانية بعد الفاتحة لما علم من غير هذا الحديث (رواه مسلم) ورواه الخمسة إلا النسائي.

ولهم إلا الترمذي من حديث النعمان "يقرأ في الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالغاشية" ولهم إلا ابن ماجه: بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين وعن أبي جعفر رضي الله عنه قال كان النبي – صلى الله عليه وسلم "يقرأ بالجمعة والمنافقين فأما سورة الجمعة فيبشر بها المؤمنين ويحرضهم. وأما سورة المنافقين فيؤيس بها المنافقون ويوبخهم".

وقال شيخ الإسلام أما القراءة فيها بسورة الجمعة فلما تضمنته من الأمر بهذه الصلاة وإيجاب السعي إليها وترك العمل العائق عنها بإكثار ذكره ليحصل لهم الفلاح في الدارين.

وأما القراءة بسورة المنافقين فلما فيها من التحذير للأمة من النفاق المردي والتحذير لهم أن تشغلهم أموالهم وأولادهم عن صلاة الجمعة وعن ذكره وأنهم إن فعلوا ذلك خسروا ولا بد وحضًا لهم على الإنفاق الذي هو من أكبر سعادتهم وتحذيرًا لهم

ص: 454

من هجوم الموت وهم على حالة يطلبون الرجعة ولا يجابون إليها ويتمون الإقالة وأما سبح والغاشية فيأتي في العيدين.

ففي هذه الأحاديث وغيرها سنة قراءة هذه السور جهرًا وهذا أمر مجمع عليه والجهر فيها وفي العيدين أبلغ في تحصيل المقصود وأنفع للجمع بل فيه من قراءة كلام الله عليهم وتبليغه في المجامع العظام ما هو من أعظم مقاصد الرسالة وفيها أن الجمعة ركعتان وهو إجماع معلوم بالضرورة كما علم عدد ركعات الصلوات الخمس لا ينكره إلا مكابر. وقال عمر صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر.

(وعن أبي هريرة مرفوعًا من أدرك ركعة من الجمعة) يعني مع الإمام (فقد أدرك الصلاة رواه الأثرم) الحافظ أبو بكر أحمد ابن محمد بن هانئ الطائي الإسكافي المتوفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين في كتاب السنن له وروى الحاكم نحوه من ثلاثة طرق قال فيها على شرط الشيخين وأصله في الصحيحين من غير وجه. وللبيهقي نحوه من حديث ابن مسعود وابن عمر ولفظ النسائي وابن ماجه "من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فليضف إليها أخرى. وقد تمت صلاته". قال الحافظ إسناده

صحيح.

وقال شيخ الإسلام مضت السنة أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة أي لا تفته تلك الصلاة ومن لم تفته

ص: 455

الجمعة صلاها ركعتين لقوله "فليصل إليها أخرى" ولا بد من إدراك المسبوق منها مع الإمام ركعة بسجدتيها فإذا أدرك ذلك أتمها جمعة إجماعًا. وإن لم يدرك إلا أقل من ذلك بأن رفع الإمام رأسه من الثانية ثم دخل معه أتمها ظهرًا قيل إن كان نوى الظهر ودخل وقته ولو لم يدرك إلا التشهد دخل معه وتشهد حكاه أبو بكر عن الصحابة إجماعًا وقال ابن مسعود كذلك فعل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم وإلا أتمها نفلاً.

ومن فاتتهم صلوا ظهرًا ولم ينقل تجميع مع أنه لم يخل عصر من نفر تفوتهم الجمعة وقال ابن المنذر لا تجميع إجماعًا.

وتحرم إقامة الجمعة في أكثر من موضع بالبلد لغير حاجة لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يقيموها في أكثر من موضع واحد وقال "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقال "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" وفي تعطيل من حول المدينة مساجدهم واجتماعهم في مسج واحد أبين وأوضح دلالة بأن الجمعة ليست كسائر الصلوات وأنها لا تصلي إلا في مكان واحد ولا نزاع في ذلك إلا ما روي عن عطاء ويحرم إذن إمام فيها إذًا. قال شيخ الإسلام وصرح العلماء ببطلان صلاة من صلى جمعة ثانية بغير إذن الإمام وبغير حاجة داعية وأوجبوا عليه الإعادة. وقواعد الشرع تدل عليه. وأما مع الحاجة فيجوز بحسبها.

وقال إقامة الجمعة في المدينة الكبيرة في أكثر من موضع

ص: 456

يجوز للحاجة عند أكثر العلماء لصلاة علي بضعفة الناس في المسجد. ولما بنيت بغداد ولها جانبان أقاموا فيها جمعة في الجانب الشرقي وجمعة في الجانب الغربي وجوز ذلك علماء العصر.

وذكر الحجة لذلك ولأن في الإلزام باتحاد الموضع حرجًا بينًا لاستدعائه تطويل المسافة على أكثر الحاضرين ولا دليل على عدم جواز التعدد مع الحاجة، وقضية الضرورة عدم اشتراطه كضيق المسجد عن أهله وعداوة بينهم يخشى لاجتماعهم في محل واحد وإثارتها فيجوز التعدد بحسب الحاجة. وقد كانت تفعل في الأمصار العظيمة في مواضع من غير نكير فكان إجماعًا وكونه صلى الله عليه وسلم لم يفلعها في أكثر من موضع هو ولا أصحابه فلعدم الحاجة إليه.

(وعن زيد بن أرقم) ابن زيد الخزرجي استصغر يوم أحد وتوفي سنة ست وستين (قال صلى النبي – صلى الله عليه وسلم العبد أي في يوم الجمعة (ثم رخص في الجمعة) أي في صلاتها (وقال من شاء أن يصلي) أي الجمعة (فليصل) هذا بيان لقوله "رخص" وأعلام بأنه كان الترخيص بهذا اللفظ (رواه الخمسة إلا الترمذي) وصححه ابن خزيمة وابن المديني والحاكم وفيه مقال.

ولأبي داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فيمن شاء أجزأه عن الجمعة وإنا مجمعون".

وللبخاري عن عثمان أنه قال في خطبته "يا أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من أهل العالية أن يصلي معنا

ص: 457

الجمعة فليصل ومن أراد أن ينصرف فلينصرف" وفعله ابن الزبير. وسئل عنه ابن عباس فقال أصاب السنة.

فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد يجوز تركها لمن صلى العيد وهو مذهب جماعة من أهل العلم وذلك في غير حق الإمام. ومن لم يصل العيد ومن لم تنعقد إلا به ولأن يوم الجمعة عيد ويوم الفطر والأضحى عيد ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس أدخل إحداهما بالأخرى ولأن في إيجابهما على الناس تضييقًا وتكديرًا لمقصود عيدهم وما سن لهم فيه من السرور والانبساط فحينئذ تسقط الجمعة سقوط حضور لا وجوب.

قال شيخ الإسلام إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال ثالثها وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها. ومن لم يشهد العيد وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف. وقال وهو المنقول الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه وهو قول من بلغه من الأئمة كأحمد وغيره والذين خالفوه لم يبلغهم ما في ذلك من السنن والآثار اهـ. ومن سقط عنه الحضور وجب عليه أن يصلي ظهرًا.

(وعن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد

الجمعة ركعتين متفق عليه) وفي رواية في بيته. ولمسلم "إذا صلى

ص: 458

أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات" وروي عن ابن عمر لفعله صلى الله عليه وسلم وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم والجمع بين الأخبار أنه إن صلى في بيته صلى ركعتين وإن صلى في المسجد صلى أربعًا واختار ذلك الموفق والشيخ وغيرهما.

وقال الشيخ وغيره أدنى الكمال ست لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل بكلام أو قيام. ويكفي الانتقال من موضعه في الجمعة وغيرها كما تقدم ولا يفعل ما يفعله كثير من الناس، يصل السلام بركعتي السنة وهذا ركوب لنهيه صلى الله عليه وسلم وذريعة إلى تغيير الفرض. وأن يزاد فيه ما ليس منه ولا راتبة للجمعة قبلها فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته ويصعد المنبر ثم يأخذ بلال في الأذان فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل. وأما الأذان الأول فإنما زاده عثمان رضي الله عنه فاستقر الأمر عليه.

وقوله عليه الصلاة والسلام "بين كل أذانين صلاة لمن شاء" لا تتخذ راتبة وليس هو الأذان المعهود على عهده صلى الله عليه وسلم ولما لم يذكر لها راتبة إلا بعدها علم أنه لا راتبة لها قبلها وهذا مما انعقد سبب فعله في عهده صلى الله عليه وسلم. فإذا لم يفعله ولم يشرعه علم أن تركه هو السنة قال شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما لا سنة للجمعة قبلها وهو أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة قال الشيخ وهو مذهب الشافعي وأكثر أصحابه وعليه جماهير الأئمة لأنها وإن كانت ظهرًا مقصورة فتفارقها في بعض الأحكام. وكما أن ترك

ص: 459

المسافر السنة أفضل لكون ظهره مقصورة.

وقال أبو شامة وما وقع من بعض الصحابة أنهم كانوا يصلون قبل الجمعة فمن باب التطوع. ولأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام اهـ. والأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام لما في الصحيح ثم يصلي ما كتب له. قال الشيخ وألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة من غير توقيت وهو المأثور عن الصحابة كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر. فمنهم من يصلي عشر ركعات ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة. ومنهم من يصلي ثماني ركعات ومنهم من يصلي أقل من ذلك ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة موقتة بوقت مقدرة بعدد. قال والصلاة قبل الجمعة حسنة وليست بسنة راتبة إن فعل أو ترك لم ينكر عليه وهذا أعدل الأقوال. وحينئذ فقد يكون الترك أفضل إذا اعتقد الجهال أنها سنة راتبة. واختار أنه لا تكره الصلاة في وقت الزوال لأن من أتى الجمعة يستحب له أن يصلي إلى أن يخرج الإمام.

(وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغتسل رجل يوم الجمعة) إلى قوله "إلا غفر له" ولأحمد "على كل مسلم الغسل يوم الجمعة". ولابي داود عن ابن عباس كان الناس يلبسون الصوف ويعملون والمسجد ضيق. فخرج عليهم صلى الله عليه وسلم في يوم حار وقد عرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم روائح

ص: 460

وآذي بعضهم بعضًا "فأمرهم بالغسل والمس من الطيب" وللبخاري عن عائشة: كانوا ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء فيخرج منهم الريح فقال "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا".

فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على سنية الغسل للجمعة وهو كالإجماع عن الصحابة وفي الصحيحين "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" ووجوبه أقوى من وجوب الوتر وأوجبه الشيخ على من له عرق أو ريح. وقال ابن عبد البر أجمع علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على أن غسل الجمعة ليس بفرض لقوله – صلى الله عليه وسلم "ومن اغتسل فالغسل أفضل" وليس شرطًا إجماعًا.

ومن قال بوجوبه فتصح بدونه وقوله صلى الله عليه وسلم "واجب " محمول على تأكيد الاستحباب كما يقال حقك علي واجب جمعًا بين الأدلة ويرشحه قرنه بالسواك والطيب وهما غير واجبين إجماعًا. وغسل الجمعة آكد الأغسال المستحبة مطلقًا. وأحاديثه مستفيضة ولأنها يجتمع لها الناس ويزدحمون فيعرقون فيؤذي بعضهم بعضًا فسن الغسل لزوال الرائحة الكريهة.

والغسل عن جماع أفضل لقوله "غسل واغتسل" وفي رواية "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة" قال أحمد غير واحد من التابعين يستحبون أن يغسل الرجل أهله يوم الجمعة.

وإذا نواهما أجزأ ولو أحدث بعده أو لم يتصل به المضي غليها. ولو اغتسل بعد الفجر ثم أجنب لم يبطل غسل الجمعة. قال

ص: 461

الماوردي وهو قول العلماء كافة بل هو أبلغ لأن المقصود منه التنظيف وإزالة الروائح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس.

(ويتطهر ما استطاع من طهر) وفي لفظ "من طهره" والمراد المبالغة في التنظيف (ويدهن) ولفظه عن سلمان "ويدهن من دهنه" والمراد به إزالة شعث الشعر به. وفيه إشارة إلى التنزين يوم الجمعة (ويمس من طيب امرأته) وعن سلمان "من طيب بيته" فإن لم يتخذ لنفسه طيبًا فليستعمل من طيب امرأته ولفظ مسلم "ولو من طيب المرأة" ولهما "وأن يستن وأن يمس طيبًا إن وجده" ولفظ أحمد من حديث أبي أيوب "ومس من طيب إن كان عنده. ولبس من أحسن ثيابه".

وفيها وغيرها تأكد سنية التطيب والتنظيف يوم الجمعة. وكل حال تغير فيه رائحة البدن إتفاقًا. ويقطع روائح كريهة بسواك وتقليم وغيره ويغسل الثوب إذا توسخ لقوله "أما يجد أحدكم ماء يغسل به ثوبه" رواه أبو داود. وله عن ابن سلام أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول على المنبر "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته" ولابن ماجه "أحسن ما زرتم الله في مساجدكم البياض".

ولا نزاع في استحباب ذلك وفي الصحيحين قال عمر يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للجمعة والوفد. قال ابن بطال

ص: 462

وغيره كان معهودًا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه وتقدم الحث على أخذ الزينة عند الصلوات ففي الجمعة أولى (ثم يخرج) أي إلى المسجد وله من حديث سلمان "ثم يروح إلى المسجد ولأحمد "ثم يمشي وعليه السكينة حتى يأتي المسجد" وله من حديث أوس "من غسل واغتسل وبكر وابتكر. ومشي ولم يركب. ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة عمل صيامها وقيامها" وله شواهد.

ولهما من حديث أبي هريرة قال "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح" زاد في الموطأ "في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة. ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة. ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن. ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة. ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".

فدلت: على فضيلة التبكير إليها والدنو من الإمام وقرب أهل الجنة يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة. وذكر الساعات للحث على التبكير والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل فضيلة الصف الأول، وفي الصحيحين وغيرهما من غير وجه فضل التهجير والرواح إلى الجمعة والمراد به التبكير

يدل عليه مجموع الروايات واعتناء السلف الصالح قال عبد الله

ص: 463

سارعوا إلى الجمعة فإن الله يبرز إلى أهل الجنة في كل يوم جمعة في كثيب كافور فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم.

قال الشيخ وما ذكر عن أهل المدينة أنهم لا يبكرون فليس بحجة. فقد يكون الرجل يشتغل بمصالحه ومصالح أهله ومعاشه وغير ذلك من أمور دينه ودنياه أفضل من رواحه إلى الجمعة من أول النهار اهـ.

فإذا أتى المسجد (فلا يفرق بين اثنين) إلا بإذنهما ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له "اجلس فقد آذيت" رواه أحمد قال الترمذي والعمل عليه عند أهل العلم كرهوا أن يتخطى الرجل رقاب الناس يوم الجمعة وشددوا في ذلك.

واختار النووي والشيخ وغيرهما تحريمه لأنه من الظلم والتعدي لحدود الله. وظاهر عبارات أهل العلم حرمته ولو في غير الصلاة كما صرح به الشيخ وغيره. والتفريق متناول القعود بينهما وإخراج أحدهما والقعود مكانه. وقد يطلق على مجرد التخطي وفيه زيادة رفع رجليه على رؤوسهما إلا لحاجة كإمام ومن لم يجد طريقًا فلا يكره بلا نزاع لأنه عليه الصلاة والسلام تخلص حتى وقف في الصف.

أما كونه يقيم غيره ويجلس مكانه فيحرم اتفاقًا لما في الصحيحين عن ابن عمر مرفوعًا "نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه" ولمسلم "لا يقيمن أحدكم أخاه ثم يخالف

ص: 464

إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول تفسحوا" ولهما "من سبق إلى مكان فهو أحق به " وللترمذي وصححه "الرجل أحق بمجلسه وإن خرج لحاجة ثم عاد فهو أحق بمجلسه" فمن سبق إلى موضع مباح سواء كان مسجدًا أو غيره في جمعه أو غيرها لصلاة أو غيرها من الطاعات فهو أحق به ويحرم على غيره إقامته منه والقعود فيه.

ومن قام منه لقضاء حاجة ثم رجع إليه فهو أحق به ما لم تطل مفارقته له بحيث يعد راغبًا عنه وإن قعد فيه غيره فله أن يقيمه. وعلى القاعد أن يفارقه. ولا يكره إيثار غيره بمكانه الفاضل.

قال ابن القيم: قولهم لا يجوز الإيثار بالقرب لا يصح وقد طلب أبو بكر من المغيرة أن يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفد ثقيف ففيه جواز طلب الإيثار بالقرب وجواز الإيثار.

وقد آثرت عائشة عمر بدفنه في بيتها بجوار النبي صلى الله عليه وسلم وسألها عمر ولم تكره له السؤال. ولا لها البذل فإذا بذل مكانه أو سأل غيره أن يؤثره بمقامه في الصف الأول لم يكره له السؤال ولا لذلك البذل. ولأن تقدم وتقديم الفاضل مشروع. وأما تحجير المسجد بالفرش قبل الحاجة إليه فمنعه الشيخ وغيره وقال وما يفعله كثير من الناس من تقديم مفارش أو غيرها إلى المسجد يوم الجمعة قبل صلاتهم فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين بل محرم.

ص: 465

وهل تصح صلاته على ذلك المفروش. فيه قولان للعلماء لأنه غصب بقعة من المسجد بفرش ذلك المفروش فيها ومنع غيره من المصلين الذين يسبقونه إلى المسجد. والمأمور به أن يسبق الرجل بنفسه إلى المسجد. فإذا قدم المفروش ونحوه وتأخر هو فقد خالف الشريعة من وجهين من جهة تأخره وهو مأمور بالتقدم ومن جهة غصبه لطائفة من المسجد. ومنعه السابقين له وأن يتموا الصف الأول فالأول. ثم إنه إذا حضر يتخطى رقاب الناس أهـ.

(ثم يصلي) إذا دخل المسجد (ما كتب له) أي قدر له ولفظ أبي هريرة "ما قدر له" من غير توقيت كما تقدم. وفيه دليل على أنه لا راتبة لها قبلها وإنما يصلي الداخل إلى المسجد ما شاء ويشتغل بالذكر والقراءة والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم إلى خروج الإمام للخطبة لما في ذلك من تحصيل الأجر (ثم ينصت إذا تكلم) أي خطب الإمام (إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى رواه البخاري).

وله عن سلمان نحوه وفي "ثم ينصت للإمام إذا تكلم" ولمسلم عن أبي هريرة نحوه وفيه "ثم أنصت حتى يفرغ

الإمام من خطبته ثم يصلي معه إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام" ولأحمد عن أبي أيوب نحوها أيضًا وفيه أنصت إذا خرج إمامه. ولابن ماجه من حديث أبي ذر

"من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله وتطهر فأحسن

ص: 466

طهوره. ولبس من أحسن ثيابه ومس ما كتب الله له من طيب أهله ثم أتى الجمعة ولم يلغ ولم يفرق بين اثنين غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" وللطبراني نحوه من حديث ابن عمر والبزار عن ابن عباس وأبو داود عن عبد الله بن عمرو في أحاديث من طرق كثيرة.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة انصت والإمام يخطب فقد لغوت" أي قلت اللغو.

ولأحمد من حديث علي "من قال صه فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له" وله شواهد كثيرة تدل على تحريم الكلام حال الخطبة وقال الطحاوي تواترت به الروايات وقال تعالى: {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} قال بعض المفسرين إنها نزلت في الخطبة وسميت قرآنًا لاشتمالها عليه والأكثر على أنها القراءة في الصلاة ولا مانع من العموم والاستماع هو شغل القلب بالاستماع والإصغاء والإنصات هو السكوت.

ولأحمد عن ابن عباس هو كالحمار يحمل أسفارًا.

ويجوز للإمام ومن يكلمه لأنه صلى الله عليه وسلم كلم سليكًا وكلمه هو متفق عليه. ويجب لتحذير ضرير وغافل عن هلكة كما يجوز قطع الصلاة لذلك وله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعها من الخطيب لتأكدها ويدعو ويؤمن على الدعاء ويحمد إذا عطس ويرده قال أحمد فعله غير واحد قال الشيخ اتفق المسلمون أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والدعاء كله سرًا أفضل، بل الجهر ورفع

ص: 467

الصوت بالصلاة بدعة. ورفع الصوت بذلك أو بالترضي قدام الخطيب في الجمعة مكروه أو محرم بالاتفاق اهـ.

ويكره العبث حال الخطبة باتفاق أهل العلم لقوله عليه الصلاة والسلام "من مس الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له" وصححه الترمذي ولأن العبث يمنع الخشوع ولا فرق بين العبث بيد أو رجل أو لحية أو ثوب أو غير ذلك.

(وعن أوس) بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال الحافظ وهو غير أوس بن أبي أوس على الصحيح (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكثروا علي من الصلاة) أي أكثروا من قول اللهم صلى على محمد ونحو ذلك مما ورد في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وخص (يوم الجمعة) لأنه أفضل الأيام ولفظه "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي"(رواه الخمسة) فرواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة. وجاء نحوه من حديث أبي الدرداء وأبي أمامة وغيرهما.

وكذا يسن أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلتها لحديث "أكثروا علي من الصلاة في ليلة الجمعة ويوم الجمعة فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا " رواه البيهقي بإسناد جيد. وقال "أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة" رواه الترمذي. والأحاديث المذكورة وغيرها تدل على مشروعية

ص: 468

الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها وأنها تعرض عليه وأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية أعلى من حياة الشهداء وقال "ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء".

(وعن أبي سعيد مرفوعًا من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور) ضد الظلام أي أشرق له (ما بين الجمعتين) أي بينها وبين التي تليها (رواه النسائي) ورواه البيهقي والحاكم بإسناد حسن ولابن مردويه عن ابن عمر مرفوعًا "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين" قال المنذري لا بأس به فدلت هذه الأحاديث على فضل قراءتها يوم الجمعة وهو مذهب جمهور أهل العلم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وغيرهم وذكر الشيخ أنها مطلقة يوم الجمعة. ونقل عن الشافعي أنها نهارًا أكد وأولاه بعد الصبح مسارعة للخير ورجحه الموفق وغيره والحكمة في تخصيصها أن فيها ذكر أحوال يوم القيامة ويوم الجمعة شبيه به لما فيه من اجتماع الناس ولأن الساعة تقوم يوم الجمعة.

(وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في الجمعة

ساعة) أي يستجاب الدعاء فيها هي فيها كليلة القدر

في رمضان (لا يوافقها عبد مسلم) وروي يصلي (يسأل الله

ص: 469

شيئًا) نكرة تعم وفي لفظ "خيرًا"(إلا أعطاه إياه) وأشار بيده يقللها (متفق عليه).

واختلف في تعيينها وعن أبي موسى مرفوعًا "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة" رواه مسلم وعن عمرو بن عوف مرفوعًا "هي حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها" حسنه الترمذي وله عن جابر مرفوعًا "والتمسوها آخر ساعة بعد العصر" ولأحمد نحوه من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وهو قول عبد الله بن سلام وقال أبو سلمة لم يختلف ناس من الصحابة تذاكروها أنها آخر ساعة.

وقال أحمد أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعاء أنها بعد صلاة العصر ورجحه هو وإسحاق وابن القيم وأكثر أهل العلم وكان يعظمها جميع أهل الملل وعند أهل الكتاب هي ساعة الإجابة وينبغي أن يكون متطهرًا مكثرًا من الدعاء منتظرًا صلاة المغرب فإنه في صلاة للخبر. والقول بأنها ساعة الصلاة لأن ساعة الصلاة ساعة إجابة لأن اجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى الله تعالى له تأثير في الإجابة فساعة اجتماعهم ساعة ترجى فيها الإجابة.

وفي حديث أبي هريرة وهو قائم يصلي فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حض أمته على الدعاء والابتهال إلى الله في هاتين الساعتين. فقوله هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة لا ينافي قوله التمسوها آخر ساعة بعد العصر فكلاهما ساعة إجابة

ص: 470

وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر كما هو قول أكثر السلف وعليه أكثر الأحاديث وأبلغها الحافظ وغيره إلى أربعين قولاً وبقية الأقوال غير هذين القولين لا دليل عليها يعتد به بل قال أحمد إنها تنحصر في هذين الوقتين.

(ولهما عن جابر مرفوعًا "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام) ولمسلم "والإمام يخطب"(فليصل ركعتين) ولهما عنه قال دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال "صليت قال لا قال قمت فصل ركعتين" وللخمسة عن أبي سعيد نحوه صححه الترمذي وللستة عن أبي قتادة نحوه أيضًا في أحاديث مستفيضة أو متواترة.

وكلها صريحة في الدلالة على استحباب صلاة ركعتين لداخل المسجد والإمام يخطب وكراهة الجلوس قبل أن يصليهما. ولا خلاف يعتد به وهذه نصوص لا يتطرق إليها تأويل ولا تبلغ عالمًا فيخالفها. ولمسلم "وليتجوز فيهما" وهو مذهب جماهير العلماء. وإن غلب على ظنه أنه إن صلى تحية المسجد فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام لم يصل بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يجلس فيدخل تحت النهي.

ص: 471