المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الوتر - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب الاستنجاء

- ‌باب السواك

- ‌باب فروض الوضوء وصفته

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغسل:

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌فصل في ستر العورة

- ‌فصل في اجتناب النجاسة

- ‌فصل في استقبال القبلة

- ‌فصل في النية

- ‌باب آداب المشي إلى الصلاة

- ‌فصل في الصفوف

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل في الذكر بعدها

- ‌فصل فيما يكره فيها

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌فصل في الوتر

- ‌فصل في قيام الليل

- ‌فصل في صلاة الضحى وغيرها

- ‌فصل في سجود التلاوة والشكر

- ‌فصل في أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌فصل الإمامة

- ‌فصل في الموقف

- ‌فصل في الاقتداء

- ‌فصل في الأعذار

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصل في القصر

- ‌فصل في الجمع

- ‌فصل في صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌فصل في شروطها

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌فصل في الوتر

العصر وللترمذي من حديث عائشة أنه قضى الأربع اللواتي قبل الظهر بعده.

(و) قضاء (ركعتي الفجر رواه مسلم) وأحمد والنسائي وغيرهم من حديث أبي قتادة في قصة نومهم عن صلاة الفجر وتقدم وفيه "فصلى ركعتين ثم صلى الغداة"وقد دلت هذه الأحاديث وغيرها على مشروعية قضاء النوافل الراتبة. قال الشيخ وصح أنه قال"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وهذا يعم السنن الراتبة وغيرها.

‌فصل في الوتر

أي في أحكام الوتر وصفته. والوتر الفرد. والمراد هنا الوتر المعروف الذي هو ختم صلاة آخر الليل وهو آكد التطوعات لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم حضراً ولا سفراً حتى قال بعض أهل العلم بوجوبه. وتظاهرت الأحاديث في فضله والحث عليه (وعن خارجة) بن حذافة العدوي قيل كان يعدل بألف فارس وقضى بمصر واستشهد سنة أربعين قتله الخارجي ظناً منه أنه عمرو بن العاص (1)(قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمدكم) وفي لفظ "زادكم (بصلاة هي خير لكم من حمر النعم) أي الإبل الحمر.

(1) وقال أردت عمرًا وأراد الله خارجًا فكانت مثلاً.

ص: 287

خصها لأنها كانت أنفس أموال العرب إذ ذاك وكان يضرب بها المثل. والمراد خير من الدنيا وما عليها وتشبيه أمور الآخرة بأمور الدنيا للتقريب إلى الأفهام وإلا فذرة من ذرات الآخرة خير من الدنيا بأسرها ومثلها معها ويأتي ذكر فضل قيام الليل والوتر آكده (قلنا وما هي قال الوتر) ضد الشفع وهو أسم للركعة المنفصلة عما قبلها. وللخمس والسبع والتسع والإحدى ٍعشرة. كما أن المغرب وتر النهار اسم للثلاث المتصلة.

فإن فصلت الثلاث فأكثر بسلامين كان الوتر اسماً للركعة المفصولة وحدها ثم عين وقته فقال (ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر) فجمعيه وقت للوتر. وفيه أحاديث كثيرة مستفيضة تدل على أن جميع الليل وقت للوتر إلا ما قبل صلاة العشاء إجماعاً. وفي لفظ "فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر"(رواه الخمسة إلا النسائي)

وصححه الحاكم وغيره وضعفه البخاري لاشتراطه اللقي. ولأحمد من حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده نحوه وله شواهد كثيرة تثبت أن له أصلاً.

(ولهم) أي للخمسة وصححه الحاكم أيضاً وغيره (عن علي مرفوعاً "أوتروا يا أهل القرآن) فيه تأكد الوتر في حق أهل القرآن أي حفظته العاملين به وهم أهل الله وخاصته

وأولياءه المختصون به اختصاص أهل الإنسان به (فإن الله

ص: 288

وتر) واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لا مثل له ولا شريك له ولا معين له جل وعلا وتقدس (يحب الوتر) فيثيب عليه قال القاضي عياض كلما ناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه.

(ولأبي داود عن بريدة مرفوعاً "من لم يوتر فليس منا) تبرأ منه صلى الله عليه وسلم وهذا وعيد شديد. ومذهب أهل السنة إجراء أحاديث الوعيد على ظاهرها مع اعتقاد ما دلت عليه. وقال أحمد من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة.

وللبيهقي "فأوتروا يا أهل القرآن " قال الحافظ سنده لين لأن فيه العتكي ضعفه بعضهم. ولأحمد عن أبي هريرة نحوه بسند ضعيف.

قال شيخ الإسلام وغيره الوتر سنة مؤكدة باتفاق المسلمين ولا ينبغي لأحد تركه. ومن أصر على تركه ردت شهادته. وليس بواجب عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم مع إجماعهم أنه ليس بفرض لحديث الأعرابي. وحديث عباده وغيرهما وعن علي قال: الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكن سنة سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أوجبه أبو حنيفة وطائفة من أصحاب أحمد. واختار الشيخ وجوبه على من يتهجد بالليل.

وقال هو أفضل من جميع تطوعات النهار. بل أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل وأوكد ذلك الوتر. وركعتا الفجر.

(وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر حق) أي

ص: 289

لا ينبغي لأحد تركه. ولأبي داود "حق على كل مسلم " زاد ابن المنذر "وليس بواجب"(فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل) أي بخمس ركعات لا يفصل بينهن بتسليم وفي لفظ "بسبع"(ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل) وهن أدنى الكمال (ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل رواه الخمسة إلا

الترمذي).

وله شواهد كثيرة تدل دلالة ظاهرة على الوتر بخمس وثلاث وأن أقل الوتر ركعة وأنها صلاة صحيحة لا يكره الوتر بها. وهو مفهوم لفظ الوتر. وثبت عن عشرة من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وهو مذهب جمهور أهل العلم مالك والشافعي وأحمد وغيرهم.

(وعن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل) وفي لفظ "صلاة العشاء إلى الفجر (إحدى عشرة ركعة ويوتر بواحدة"متفق عليه) وفي لفظ "يصلي عشر ركعات من الليل ويوتر بسجدة" أي ركعة "ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة ركعة وفي رواية "ثلاث عشرة ركعة. ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيفتين" ويأتي قولها ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.

والجمع بينها أنها أضافت إلى الإحدى عشرة ما كان يفتح به صلاته من الركعتين الخفيفتين. وفسرت بركعتين بعد الوتر

ص: 290

تجري مجرى السنة وتكميل الوتر. وإن شاء افتتح صلاته بافتتاح المكتوبة وإن شاء بغيره مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم روايات مختلفة محمولة على أوقات متعددة وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز والخبر يحتمل أن العشر متصلات وأنهن مفصولات. وفي لفظ "إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة" وهو أفضل لأمره صلى الله عليه وسلم واستمرار فعله ولأنه أكثر

عملاً.

(ولمسلم يصلي تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة) فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم" (ثم) يقوم فـ (يصلي التاسعة) ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعناه" وفيه فلما أسن وأخذه اللحم "أوتر بسبع" ولأحمد "لم يجلس إلا في السادسة ولم يسلم إلا في السابعة" وللنسائي "ولا يقعد إلا في آخرهن"

(وله: عن أم سلمة كان يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام) وله: عن ابن عباس "ثم صلى سبعاً أو خمساً أوتر بهن لم يجلس إلا في آخرهن" وفي أحاديث أخر تدل على الوتر بسبع وخمس قال أحمد ولكن أكثر الحديث وأقواه ركعة مفصولة.

(وعن عائشة كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) ثم فصلتها بقولها (يصلي أربعاً)

ص: 291

يحتمل أنهن متصلات (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) لشهرته فلا يسأل عنهن أو لأنها لا تقدر أن تصف ذلك. قال شيخ الإسلام وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم معتدلة قريبة من السواء. والأفضل في حق كل أحد الأنفع له (ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً) قالت فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال يا عائشة "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي"(متفق عليه) وجاء من غير وجه أنه كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث.

(وللبخاري عن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم بين الركعتين والركعة حتى أنه كان يأمر ببعض حاجته) ولأحمد من حديث عائشة لا يفصل بينهن وضعفه. وسئل أحمد تسلم في الركعتين من الوتر قال نعم قلت لأي شيء قال لأن الأحاديث فيه أقوى وأكثر عنه صلى الله عليه وسلم. وقال وإن لم يسلم رجوت أن لا يضره إلا أن التسليم أثبت وأقوى.

قال شيخ الإسلام يخير بين فصله ووصله وصحح أن كليهما جائز وقال الوتر ركعة وإن كان قبلها شفع هذا أصح من قول من يقول لا وتر إلا كالمغرب مع أن تجويز كليهما أصح لكن الفصل أفضل من الوصل. وقال إن كان المأموم يرى أحدهما فوافقهم تأليفاً لقلوبهم كان قد أحسن. اهـ. وقال غير واحد من أهل العلم جاءت الأحاديث بمثنى ثم يوتر بواحدة وبإحدى عشرة وما بين ذلك فليس الوتر مختصاً بركعة ولا بإحدى عشرة بل يجوز ذلك وما بينه ويجوز وصله وفصله ويجوز كالمغرب

ص: 292

وكل ذلك جاءت به السنة.

(وعن عائشة قالت من كل الليل قد أوتر) صلى الله عليه وسلم "من أوله وأوسطه وآخره (وانتهى وتره إلى السحر متفق عليه) ولأحمد من حديث ابن مسعود "كان يوتر من أول الليل وأوسطه وآخره" ولابن ماجه نحوه عن علي وقال "وانتهى وتره إلى السحر" وجاء نحوه من غير وجه قال عتبة بن عمرو ليكون ذلك سعة للمسلمين أي ذلك أخذوا به كان صواباً.

(ولمسلم عن جابر مرفوعاً أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله) لئلا يفوته فعله (ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة) تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار وهو وقت التنزل الإلهي ومواطأة القلب اللسان (وذلك أفضل) آي الوتر آخر الليل لمن وثق بقيامه. وفي الصحيحين وغيرهما أحاديث من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل كانت وتراً وفيهما وغيرهما أيضاً أحاديث كثيرة بالأمر بجعل صلاة آخر الليل وتراً.

وقال غير واحد من أهل العلم هو قول كافة أهل العلم.

(وعن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر) أي في صلاة الوتر في الركعة الأولى بعد الفاتحة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) لما تضمنته من أمور الدنيا والآخرة (و) في الثانية (قل يا أيها الكافرون) وهي تعدل ربع القرآن (و) في

ص: 293

الثالثة (فل هو الله أحد) وهي تعدل ثلث القرآن (رواه الخمسة) ولهم الخمسة) ولهم إلا الترمذي من حديث أبي نحوه ولأحمد وغيره من حديث ابن ابزى نحوه أيضًا. وقال إسحاق هو أصح شيء في القراءة في الوتر. وهذه الأحاديث وغيرها تدل على مشروعية قراءة هذه السور في الوتر ولا ينبغي المداومة على ذلك فإنه قد يفضي إلى اعتقاد أنه واجب.

(وكان عمر يقول في قنوت الوتر اللهم إنا نستعينك) أي نستعين بك نطلب منك المعونة وحدك (ونستهديك) أي نسألك الهداية فيمن هديت (ونستغفرك) أي نطلب منك المغفرة (ونتوب إليك) أي نفعل التوبة. والتوبة الرجوع عن الذنب وفي الشرع الندم على ما فات والعزيمة أن لا يعود والإقلاع عن الذنب وإن كان حقًا لآدمي فلا بد من رده أو تحلله (ونؤمن بك ونتوكل عليك) أي نعتمد عليك في أمورنا والإيمان اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

(ونثني عليك الخير كله) أي نمدحك ونصفك بالخير كله (ونشكرك) ببذل مجهودنا في خدمتك (ولا نكفرك) ما أنعمت به علينا وأصل الكفر الجحود لأن الكافر جاحد.

ولعل المراد هنا كفر النعمة لاقترانه بشكرها (اللهم إياك نعبد) لا نعبد سواك وتقديم المعمول يفيد الحصر. والعبادة التذلل والخضوع (ولك نصلي ونسجد) لا لغيرك وهذا من عطف الخاص على العام فإن السجود بعض أفراد الصلاة (وإليك

ص: 294

نسعى ونحفد) بكسر الفاء نسارع إلى طاعتك ونبادر وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع في العمل والخدمة.

(نرجوا رحمتك) نؤمل رحمتك وسعة عطائك (ونخشى عذابك) أي نخاف ونحاذر من عقوبتك وأليم عذابك (إن عذابك الجد) بالكسر أي العظيم الحق لا اللعب (بالكفار ملحق) بكسر الحاء أي من نزل به عذابك ألحقه بالكفار أو بمعنى لاحق أي يلحق بالكفار ويصابون به رواه الشافعي وغيره و (صححه البيهقي) الحافظ أحمد بن الحسين بن علي المتوفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. ورواه الطبراني عن الغافقي أن عليًا علمه هاتين السورتين. وقال ابن سيرين هاتان السورتان كتبهما أبي في مصحفه وقال أحمد يستحب بالسورتين وقال شيخ الإسلام لم ينقل مسلم دعاء في قنوت غير هذه الأدعية المأثورة في الوتر قنوت الحسن وسورتي أبي. وقال غير واحد من الحنفية وغيرهم لا يوقت في دعاء القنوت غير اللهم إنا نستعينك لأن الصحابة اتفقوا عليه والأولى بعده قنوت الحسن، وقال الإمام أحمد يدعو بدعاء عمر اللهم إنا نستعينك وبدعاء الحسن اللهم اهدني إلخ.

(وعن الحسن) بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته ولد سنة ثلاث من الهجرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منها هذا الحديث وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا سيد وتوفي سنة تسع وأربعين (قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات

ص: 295

أقولهن في قنوت الوتر) أي دعائه قال العراقي وغيره جاء قنوت الوتر من طرق تدل على مشروعيته. منها ما هو حسن. ومنها ما هو صحيح. ولابن حبان إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود.

وجاءت السنة بالقنوت بعد الركوع وقبله وأكثر الصحابة والتابعين وفقهاء الحديث كأحمد وغيره يختارون القنوت بعد الركوع. قال الشيخ لأنه أكثر وأقيس. وقال الخطيب التي فيها القنوت قبله كلها معلولة.

واستحب الجمهور رفع اليدين حال الدعاء. وفي الحديث "إن الله يستحي أن يبسط العبد يديه يسأله فيهما خيرًا فيردهما خائبتين" والأحاديث فيه كثيرة.

وبين الحسن –رضي الله عنه الكلمات المقولة له بقوله (اللهم اهدني فيمن هديت) وأصل الهداية الدلالة وهي من الله: التوفيق والإرشاد إلى ما يوصل إلى المطلوب. (وعافني فيمن عافيت) أي عافني من الإسقام والبلايا مع من عافيته أو في جملة من عافيته من الأسقام (وتولني فيمن توليت) أي تول أمري ولا تكلني إلى نفسي وتفضل علي في جملة من تفضلت عليهم (وبارك لي فيما أعطيت) البركة النماء والزيادة أي وضع لي البركة فيما وهبت لي من العمر والمال والعلوم والأعمال.

(وقني شر ما قضيت) لي من قضاء وقدرته لي من قدر فسلم لي ما أنعمت به علي (إنك

ص: 296

تقضي) فتحكم بما أردت (ولا يقضي عليك) سبحانك وبحمدك لا راد لأمرك ولا معقب لحكمك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد (إنه لا يذل) بكسر الذال أي لا يصير ذليلاً حقيقة (من واليت) أو لا يحصل له ذلة. والموالاة ضد المعادات (تباركت ربنا وتعاليت) أي تعاظمت والأول دال على كمال بركته وعظمته والثاني على كمال علوه ونهايته (رواه الخمسة) وحسنه الترمذي وقال النووي وغيره صحيح أو حسن زاد أبو داود والبيهقي بعد قوله بعد قوله إنه لا يذل من واليت "ولا يعز من عاديت" أي لا تقوم عزة لمن عاديته وأبعدته. قال الشيخ بالفتح إذا قوي وصلب. وبالكسر إذا امتنع، وبالضم إذا غلب. وزاد النسائي في آخره "وصلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم " لكن قال الحافظ لا تثبت.

(ولهم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك) أي استجير برضاك من سخطك والرضى والسخط صفتان للباري تبارك وتعالى على ما يليق بجلاله وعظمته لا يشبهان رضى المخلوق وسخطه (وبعفوك من عقوبتك) أي واستجير بعفوك ودفعك السوء والبلاء من عقوبتك أن تصيبني (وبك منك) أي واستجير بك من عذابك.

قال الخطابي وغيره في هذا معنى لطيف وذلك أنه سأل الله أن يجيره برضاه من سخطه. وبمعافاته من عقوبته والرضى

ص: 297

والسخط ضدان متقابلان. وكذا المعافاة والمؤاخذة فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله تعالى أظهر العجز والانقطاع وفزع منه إليه واستعاذ به منه لا غير (لا نحصي) أي لا نطيق ولا نبلغ ولا ننهي (ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك).

فهو سبحانه يثني بنفسه على نفسه والخلق لا يحصون ثناءًا عليه بل هو كما أثنى على نفسه قال ذلك اعترافًا بالعجز عن الثناء وردًا إلى المحيط علمه بكل شيء جملة وتفصيلاً وكما أنه سبحانه لا نهاية لسلطانه وعظمته فلا نهاية للثناء عليه إذ كل شيء أثنى به عليه وإن بولغ فيه فقدر الله أعظم وسلطانه أعز وصفاته أكبر وفضله وإحسانه أوسع. قال الترمذي لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئًا أحسن من هذا وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدعاء. ومن لا يحسن القنوت يقول. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أو يسأل المغفرة ونحو ذلك.

قال شيخ الإسلام يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه.

وقال إذا صلى قيام رمضان فإن قنت جميع الشهر أو نصفه الأخير أو لم يقنت بحال فقد أحسن. وله رحمه الله نبذة في دعاء القنوت مشهورة واقتصر بعض أهل العلم على قول اللهم أهدنا بضمير الجمع. قال الشيخ وظاهره أنه يستحب له إن لم يتعين واختاره أحمد وغيره.

وأما إذا تعين فقال الشيخ إن كان المأموم مؤمنًا على دعاء

ص: 298

الإمام فيدعو بصيغة الجمع كما في دعاء الفاتحة في قوله (إهدنا الصراط المستقيم) فإن المأموم إنما أمن لاعتقاد أن الإمام يدعو لهما جميعًا فإن لم يفعل فقد خان الإمام المأموم، ولهذا جاء دعاء القنوت بصيغة الجمع اللهم إنا نستعينك إلخ. ففي مثل هذا يأتي بصيغة الجمع ويتبع السنة. اهـ. وينبغي أن يختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم ولما روي الترمذي عن عمر الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك وروى عن علي نحوه مرفوعًا وفيه ضعيف وشرعت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أول الدعاء وأوسطه وآخره. وقال بعضهم ينبغي أن يمسح وجهه بيديه إذا فرغ منه. قال شيخ الإسلام وفيه أحاديث لا تقوم بها حجة.

(وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على أحياء من أحياء العرب) أي قبائل من قبائلهم وسماهم في لفظ آخر رعل وذكوان وعصية. ودعا لقوم بالنجاة وقال "اللهم اشدد وطأتك على مضر" وعن ابن عمر يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام وكلهم أسلموا رضي الله عنهم (ثم تركه متفق عليه) وعنه "كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم" صححه ابن خزيمة وغيره.

(و) ثبت في الصحيح وغيره (عن ابن عمر) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع (في الركعة الأخيرة من (الفجر) اللهم العن فلانًا وفلانًا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" قال ابن القيم ولم

ص: 299

يكن يخص القنوت في النوازل بالفجر بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من الطول ولاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة.

قال شيخ الإسلام ولا يقنت في غير الوتر إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة فيقنت كل مصل في جميع الصلوات لكنه في الفجر والمغرب آكد بما يناسب تلك النازلة كما أنه إذا دعا في الاستسقاء دعا بما يناسب تلك النازلة كما أنه إذا دعا في الاستسقاء دعا بما يناسب المقصود. فكذا إذا دعا في الاستنصار دعا بما يناسب المقصود. كما جاءت به السنة ولا يدعو بما خطر له.

وقال: أما القنوت في صلاة الفجر فقد ثبت في الصحيح أنه كان يقنت في النوازل قنت مرة شهرًا يدعو على قوم من الكفار قتلوا طائفة من أصحابه ثم ترك. وقنت مرة يدعو لأقوام من أصحابه كانوا مأسورين عند قوم يمنعونهم من الهجرة إليه. وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده كانوا يقنتون نحو هذا القنوت فما كان داوم عليه وما كان بدعة بالكلية.

وللعلماء فيه ثلاثة أقوال أصحها أنه يسن عند الحاجة كما قنت الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وهو الذي عليه أهل الحديث وكيف يكون يقنت دائمًا في الفجر أو غيرها ويدعو بدعاء راتب ولم ينقل عنه لا في خبر صحيح ولا ضعيف بل أصحابه الذين هم أعلم الناس بسنته وأرغب الناس في إتباعها كابن عمر وغيره أنكروا ذلك حتى قال ابن عمر ما رأينا ولا سمعنا، وكذلك غيره من الصحابة عدوا ذلك من الأحداث المبتدعة.

ص: 300

ومن تدبر السنة علم علمًا قطعيًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت دائمًا في شيء من الصلوات وقال. وإذا فعل الإمام ما يسوغ فيه الاجتهاد تبعه المأموم فيه وإن كان هو لا يراه مثل القنوت في الفجر ووصل الوتر. اهـ. ولأبي داود والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد وتره "سبحان الملك القدوس" ثلاثًا ويمد بها صوته.

وقال ابن القيم وغيره ويقول رب الملائكة والروح. ويقول " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك" الحديث.

(وعن أبي سعيد مرفوعًا من نام عن وتره أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر) لف ونشر مرتب قال حيث أصبح إذا كان نائمًا "أو ذكر" إذا كان ناسيًا (رواه الخمسة إلا النسائي) والحديث يدل على مشروعية قضاء الوتر إذا فات. وهو مذهب جماعة من الصحابة والأئمة الأربعة وغيرهم حكاه العراقي، وغيره وجزم به الشيخ وغيره وقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}

وظاهر الخبر أي وقت. وثبت من حديث عائشة أنه عليه الصلاة والسلام إذا فاته حزبه من الليل قضاه من النهار اثنتي عشرة ركعة. وتقدم حديث "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها، قال الشيخ وهذا يعم الفرض وقيام الليل والوتر وقال الصحيح إنه يقضي شفعه معه للخبر.

ص: 301