المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الاستسقاء - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب الاستنجاء

- ‌باب السواك

- ‌باب فروض الوضوء وصفته

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغسل:

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌فصل في ستر العورة

- ‌فصل في اجتناب النجاسة

- ‌فصل في استقبال القبلة

- ‌فصل في النية

- ‌باب آداب المشي إلى الصلاة

- ‌فصل في الصفوف

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل في الذكر بعدها

- ‌فصل فيما يكره فيها

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌فصل في الوتر

- ‌فصل في قيام الليل

- ‌فصل في صلاة الضحى وغيرها

- ‌فصل في سجود التلاوة والشكر

- ‌فصل في أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌فصل الإمامة

- ‌فصل في الموقف

- ‌فصل في الاقتداء

- ‌فصل في الأعذار

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصل في القصر

- ‌فصل في الجمع

- ‌فصل في صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌فصل في شروطها

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌باب صلاة الاستسقاء

وإن صلى أحدهم في بيته ركعتين توبة إلى الله تعالى فحسن لأن صلاة التوبة مشروعة ومذهب مالك والشافعي وأحمد لا يصلي لغير الزلزلة إن دامت لعدم نقله عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه فكما أن فعله صل الله عليه وسلم هو وأصحابه من بعده سنة فكذلك ما تركه مع وجوده في زمنه فتركه هو السنة. وقد وجد في زمنه انشقاق القمر وهبوب الرياح الصواعق وغير ذلك كما هو مستفيض وأما الزلزلة فلفعل ابن عباس رواه سعيد والبيهقي وابن جرير وروى الشافعي عن علي نحوه وقال هو ثابت عن ابن عباس وقال ابن القيم التحقيق إنما يكون بما هو سبب للشر المخوف كالزلزلة. والريح العاصف وإلا فما وجوده متكرر لا يحصل به تخويف.

‌باب صلاة الاستسقاء

أي صفتها وأحكامها والاستسقاء استفعال من السقي بضم السين وهو الدعاء بطلب السقي على صفة مخصوصة. وأجمع المسلمون على مشروعيته عند المحل وكان في الأمم الماضية النفوس مجبولة على الطلب ممن يغيثها ونزول الغيث لا تلتفت القلوب في سؤاله إلا من خالقها الذي بيده خزائن السموات والأرض. ويأتي قول الأعرابي الجاهلي للنبي صلى الله عليه وسلم استسق لنا ربك.

والاستسقاء على ثلاثة أضرب أحدها صلاتهم جماعة أو

ص: 504

فرادى على ما يأتي تفصيله وهو أكملها. وصلاته صلى الله عليه وسلم مستفيضة في الصحاح وغيرها. واتفق فقهاء الأمصار عليه والثاني استسقاء الإمام يوم الجمعة في خطبتها كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم واستفاض عنه من غير وجه وهذا الضرب مستحب اتفاقًا واستمر عمل المسلمين عليه والثالث دعاؤهم عقب صلواتهم وفي خلواتهم ولا نزاع في جواز الاستسقاء بالدعاء بلا

صلاة.

(قال تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى} بن عمران كليم الرحمن ولد قبل عيسى بألف وخمسمائة وإحدى وسبعين سنة وعاش مائة وعشرين {لِقَوْمِهِ} بني إسرائيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام وذلك حين عطشوا في التيه فسألوا موسى أن يستسقي لهم ففعل فأمره الله أن يضرب الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا حتى شربوا ورووا.

ولأحمد وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة: خرج سليمان عليه السلام يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء تقول اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك. فقال "ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم" فدل على أن الاستسقاء شرع لمن قبلنا والخروج له كذلك. وشرعهم شرع لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه.

(وعن عائشة قالت وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يومًا

ص: 505

يخرجون فيه رواه أبو داود) بسند جيد والمراد يتهيئوا للخروج على الصفة المسنونة وينبغي أن يعظ الناس بما يلين قلوبهم ويسوقها إلى التوبة وإصلاح السيرة والسريرة ويأمرهم بالتوبة من المعاصي. ويدخل فيها المحرمات لحق الله وحق الآدميين وهي واجبة مطلقًا إلا أنها مع حصول الشدة وطلب تفريجها من الله تتأكد وتطلب المسارعة فيها.

ويأمرهم برد المظالم ونحوها إلى أهلها وبترك التشاحن وبالصدقة المفضية إلى رحمتهم بنزول الغيث ويخرج أهل الدين والصلاح والشيوخ لأنه أسرع للإجابة ويخرج الصبيان والمميزون لأنهم لا ذنوب لهم فترجى إجابتهم. قال في الفصول نحن لخروج الصبيان أشد استحبابًا وإن خرجت الأطفال والعجائز جاز واستحب خروجهن أبو حنيفة لا ذوات الهيئات اتفاقًا خوف الفتنة والتفات القلوب عن الخضوع لله والتضرع بين يديه.

ويجوز التوسل بدعاء الصالحين كما كان الصحابة يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وتوسل عمر بالعباس وقال اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا وقام العباس فدعا الله. وتوسل معاوية بيزيد وذلك لأن دعوة الصالحين مستجابة. وإن خرج أهل الذمة منفردين عن المسلمين بمكان لم يمنعوا إلا بيوم لئلا يتفق نزول غيث فيفتتن بهم ضعفاء العوام

ص: 506

(وعن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من المدينة إلى الصحراء لصلاة الاستسقاء. قال ابن عباس في رمضان سنة ست من الهجرة فيسن أن يجتمعوا خارج البلد في صحراء قريبة عرفا ليبرزوا لربهم ويتضرعوا بين يديه ولم يكن يصليها صلى الله عليه وسلم إلا في الصحراء (متواضعًا) لأن التواضع من أسباب الإجابة والتواضع: التذلل والخشوع ضد الكبر (متبذلاً) أي لابسًا ثياب البذلة. والمراد ترك الزينة وحسن الهيئة تواضعًا وإظهارًا

للحاجة.

(متخشعًا) أي خاضعًا بقلبه وعينه ومشيه وجلوسه وغير ذلك. والخشوع سكون القلب على المقصود ومن غير التفات إلى غيره وسكون الجوارح في غير المفعول وقريب منه الخضوع إلا أن الخشوع أكثر استعمالاً في الصوت والبدن والخضوع في الأعناق (متضرعًا) أي مستكينًا بلسانه مبتهلاً إليه مع حضور القلب وامتلائه بالهيبة والخوف من الله متصاغرًا ومتعرضًا في جلب الحاجة ولا يتطيب اتفاقًا لأنه يوم استكانة وخضوع (فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه رواه الخمسة وصححه الترمذي) وأبو عوانه وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وغيرهم.

ولمسلم من حديث عبد الله بن زيد "خرج يستسقي

بالناس فصلى ركعتين ثم استسقى وعن أبي هريرة قال خرج

ص: 507

رسول الله صلى الله عليه وسلم "يومًا يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله عز وجل" رواه ابن ماجه وأحمد. وله من حديث عبد الله بن زيد "بدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم استقبل القبلة فدعا" وله عن أنس نحوه ولأبي داود عن عائشة بدأ بالصلاة قبل الخطبة.

وقد دلت هذه الأحاديث وغيرها على تأكد سنية صلاة الاستسقاء وهو قول جمهور العلماء من السلف والخلف ولم يخالف إلا أبو حنيفة مستدلاً بأحاديث ليس فيها ذكر الصلاة وإنما هي نوع آخر كما تقدم وخالفه جمهور أصحابه. وقال زكريا وغيره ورده أئمتنا بورودها في الأخبار الصحيحة ولا ريب أنها ثبتت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من غير وجه ولا معارض لها ولا مخصص.

وأجمع المثبتون للصلاة أنها ركعتان كصلاة العيد صرح به الحافظ وغيره، وقال ظاهره أنه صلاها في وقت صلاة العيد لحديث عائشة وجابر "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس" رواه أبو داود وغيره. ولأنها في معناها إلا أنه لا وقت لصلاتها لكنها لا تفعل وقت النهي بلا خلاف. ونقل الموفق الإجماع عليه ولا تقيد بزوال الشمس فيجوز فعلها بعده كسائر النوافل.

فيصليها ركعتين كصلاة العيد بلا أذان ولا إقامة

إجماعًا.

ص: 508

قال ابن القيم ولا نداء ألبتة. قال الشيخ والقياس على الكسوف فاسد الاعتبار اهـ. يكبر في الأولى سبعًا وفي الثانية خمسًا يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سبح وبالغاشية في الثانية ويرفع يديه مع كل تكبيرة كما تقدم في صلاة العيد لشبهها بها وهو مذهب جمهور أهل العلم. وروى الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون الاستسقاء يكبرون فيها سبعًا وخمسًا. وعن ابن عباس نحوه رواه الدارقطني وفيه أنه قرأ بسبح والغاشية.

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد جهر فيهما بالقراءة وذكر الإجماع على استحبابه النووي وابن بطال وقال الترمذي العمل عليه عند أهل العلم ولم يصرح في حديث عبد الله بن زيد بالخطبة. وجاء في سنن أبي داود وغيره من حديث ابن عباس وعائشة تقديم الخطبة، وقال القرطبي وغيره: يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة بمشابهتها للعيد. وما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة. قال الحافظ ويمكن الجمع بين الروايات في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب فاقتصر بعض الرواة على شيء وعبر بعضهم بالدعاء عن الخطبة فلذلك وقع الاختلاف والمرجح عند الشافعية والمالكية والحنبلية الشروع بالصلاة. قال النووي وبه قال الجماهير وكان مالك يقول بعد الخطبة ثم رجع إلى قول الجماهير وذلك أن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها.

ص: 509

وقال البغوي السنة في الاستسقاء أن يخرج إلى المصلى فيبدأ بالصلاة فيصلي ركعتين مثل صلاة العيد ثم يخطب روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعلي وهو قول الشافعي وأحمد وهو المرجح عند المالكية. وقال ابن عبد البر وغيره هو مذهب العلماء كافة وليس بإجماع فقد ذهب قوم إلى جواز البداءة بالخطبة. وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز التقديم. إلا أن تقديم الصلاة على الخطبة أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم وعمل أكثر المسلمين عليه.

وقوله في حديث ابن عباس لم يخطب خطبكم هذه أي كما يفعل في الجمعة ولكن خطبة واحدة ولم ينف مطلق الخطبة كما تدل عليه الرواية الثانية أنه صلى الله عليه وسلم رقي المنبر ومذهب مالك وغيره يخطب خطبتين واختاره بعض الأصحاب. وقال الزيلعي وغيره لم يرو أنه صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين.

(وعن أبي هريرة ثم خطبنا صلى الله عليه وسلم ودعا الله عز وجل ولأحمد من حديث عبد الله بن زيد قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة. وعن عائشة أمر بمنبر فوضع له في المصلى ثم قال "الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. لا إله إلا الله يفعل ما يريد. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت. أنت الغني ونحن الفقراء. أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوة وبلاغًا إلى حين" رواه أبو داود.

ص: 510

وذلك أنهم شكوا إليه قحوط المطر فقال "إنكم شكوتم جدب دياركم فقد أمركم أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم" يشير إلى قوله تعالى {ادعوني أستجب لكم} وقوله: {استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا} وغير ذلك من الآيات التي فيها الأمر به فيكثر فيها الاستغفار؛ لأنه سبب لنزول الغيث، وخرج عمر يستقي فلم يزد على الاستغفار؛ فقالوا ما رأيناك استسقيت قال لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر ثم قرأ هذه الآية. وعن علي نحوه.

والثناء على الله عز وجل والاستغفار والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر أسباب استجابة الدعاء لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء) وقال "ثم ليسأل حاجته" قال أبو هريرة رضي الله عنه (وحول) صلى الله عليه وسلم (وجهه نحو القبلة رافعًا يديه) وفي الصحيح من حديث عبد الله بن زيد "فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو" ولأبي داود عن عائشة ثم "رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدأ بياض إبطيه".

وفي الصحيحين من حديث أنس "كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه" أي مبالغًا في الرفع "إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه" وقد صار أكفهما نحو

ص: 511

السماء من شدة الرفع وهو إنما كان متوجهًا ببطونهما مع القصد ويدعو قائمًا ويرفعون أيديهم ويؤمنون جلوسًا. ويكثر من الدعاء ويلح فيه فإن الله يحب الملحين في الدعاء. ومنه ما يأتي قال (ثم قلب رداءه) وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد "وحول رداءه" وروي ليتحول القحط. ولمسلم "حول رداءه حين استقبل القبلة" زاد البخاري "جعل اليمين على الشمال" ولأبي داود من حديث عائشة "وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه".

وفسره أبو هريرة رضي الله عنه بقوله (فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن رواه أحمد) ورواه ابن ماجه وغيرهما وقال في الخلافيات رواته ثقات وله شواهد كثيرة. ولأحمد من حديث عبد الله بن زيد "ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهرًا لبطن وحول الناس معه" ولأبي داود "فحول رداءه وجعل عاطفه الأيمن على عاتقه الأيسر وجعل عاطفه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله عز وجل".

وفي هذه الأحاديث استحباب تحويل الرداء حال استقبال القبلة بعد الفراغ من الخطبة وإرادة الدعاء وهو مذهب الجمهور حكاه الحافظ وغيره. ويدعو الإمام والمأموم سرًا مستقبلي القبلة باتفاق أهل العلم لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبلغ في الخشوع وأسرع في الإجابة. ومنه اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا إنك لا

ص: 512

تخلف الميعاد. لأن فيه استنجازًا لما وعد من فضله.

وقال بعض أهل العلم وإذا فرغ من الدعاء استقبلهم ثم حثهم على الصدقة والخير ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ثم يقول أستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله وسألوه المزيد من فضله.

(وعن أنس أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال) يعم المواشي وغيرها.

وللبخاري هلكت الماشية وهلكت العيال وهلك الناس وانقطعت السبل عبارة عن عدم السفر لضعف الإبل بسبب عدم المراعي والأقوات أو لأنه لما نفد ما عند الناس من الطعام لم يجدوا ما يحملونه إلى الأسواق (فادع الله يغثنا) بضم الياء وفتحها.

(فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه) وللبخاري ورفع الناس أيديهم وفي لفظ "فرفع يديه يدعو ورفع الناس أيديهم يدعون" زاد مسلم "حذاء وجهه" ولابن خزيمة "حتى رأيت بياض إبطيه" وللبخاري في الأدب فنظر إلى السماء (ثم قال اللهم أغثنا) زاد البخاري "واسقنا"(اللهم أغثنا) قال انس ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت

ص: 513

السماء انتشرت ثم أمطرت قال فلا والله ما رأينا الشمس

سبتًا".

ولابن ماجه وأبي عوانة ورجاله ثقات عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله "لقد جئتك من قوم ما يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل "فصعد المنبر فحمد الله ثم قال اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا طبقًا غدقًا عاجلاً غير رائث" وبعضه في أحاديث مستفيضة. وعن ابن عمر بلفظ "اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا مجللا سحا عاما طبقا دائما نافعا غير ضار اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين" رواه الشافعي وغيره.

ولأبي عوانة عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في الاستسقاء "اللهم جللنا سحابا كثيفا قصيفا دلوقا ضحوكا تمطرنا منه رذاذا قطقطًا سجلاً يا ذا الجلال والإكرام" ولأبي داود كان إذا استسقى قال "اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق" رواه الشافعي مرسلاً وبعضه في الصحيح "اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأرد لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعرى واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك" وتقدم حديث أبي هريرة.

ويدعو بما أحب مما ورد وغيره مما يليق بالحال وهذه الأدعية

ص: 514

ونحوها تقال في سائر الأنواع وعدها ابن القيم ستة الأول الصلاة والخطبة، والثاني يوم الجمعة على المنبر وتقدما، والثالث استسقاؤه على منبر المدينة مجردا في غير الجمعة، والرابع وهو جالس في المسجد، والخامس عند أحجار الزيت، والسادس في بعض غزواته لما سبق إلى الماء وأغيث فيها. وهذه الأربعة يشملها الضرب الثالث المتقدم في الترجمة.

قال أنس (ثم دخل رجل) من ذلك الباب (في الجمعة المقبلة) ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا (فقال يا رسول الله) هلكت الأموال وانقطعت السبل فـ (ادع الله يمسكها عنا) قال (فرفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يديه ثم قال اللهم حوالينا) أي اجعله في الأودية والمراعي التي تحيط بنا ولا يضرها وحوالي جمع حوال ولمسلم حولنا (ولا علينا) أي لا على الأبنية والطرق وهو بيان للمراد الذي قبله.

(اللهم على الظراب) أي الروابي الصغار (والآكام) على وزن آصال قال مالك الجبال الصغار (وبطون الأودية) الأمكنة المنخفضة لينتفع به (ومنابت الشجر) أي أصولها قال فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس (متفق عليه) وفيه علم من أعلام النبوة وللشافعي من حديث المطلب أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند المطر "اللهم سقيا اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق اللهم على الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا".

ص: 515

فدل على مشروعية هذا الدعاء ونحوه عند زيادة الأمطار وخوف الضرر منها. وفيه تعليمنا الأدب حيث لم يدع برفعه مطلقًا لأنه قد يحتاج باستمراره بالنسبة لبعض الأدوية والمزارع فطلب منع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر سالك وابن سبيل وسأل بقاء نفعه لمن ينتفع به وينبغي لمن وصلت إليه نعمة أن لا يتسخط لعارض قارنها بل يسأل الله رفعه وبقاءها وإن الدعاء برفع المضر لا ينافي التوكل. وينبغي أن يقول "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" إلى آخر الآية (ولهما عن عائشة كان يقول) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رأى المطر اللهم صيبًا نافعًا والصيب من صاب المطر إذا وقع. وقيد بالكثير ونافعا صفة مقيدة احترازا عن الصيب الضار.

(و) لهما (من حديث زيد بن خالد) الجهني (مطرنا بفضل الله ورحمته) وذلك أنه صلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال "هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب).

وذلك أن العرب كانت تزعم أن مع سقوط نجم وطلوع نظيره يكون مطر فينسبونه إليها. وإضافة المطر إلى النوء دون الله كفر إجماعا، ومحرم نسبته إلى النجم وإن قصد نسبة الفعل

ص: 516

إلى الله. ويباح مطرنا في نوء كذا كما لو قال مطرنا في شهر كذا ودل الحديثان على استحباب هذا الدعاء عند نزول المطر. ويستحب أن يقف في أول المطر وخرج رحله وثيابه ليصيبها لفعله صلى الله عليه وسلم وقوله "إنه حديث عهد بربه" ويتوضأ أو يغتسل منه لما روي أنه قال "اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر به".

وإذا رأى سحابا أو هبت ريح سأل الله من خيره وتعوذ من شره. وإذا سمع صوت الرعد قال سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. وإذا سمع الصواعق قال. "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك".

وقال الماوردي كان السلف يقولون عند الرعد والبرق لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبوح قدوس. وإذا انقض كوكب قال. ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

آخر المجلد الأول من شرح أصول الأحكام ويليه المجلد الثاني: أوله كتاب الجنائز.

ص: 517