الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمع جاز ذلك. وأنه نص على نظير هذا فقال إذا صلى إحدى صلاتي الجمع في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس وهذا نص منه على أن الجمع هو الجمع في الوقت لا تشترط فيه المواصلة.
قال والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال لا في وقت الأولى ولا وقت الثانية فإنه ليس لذلك حد في الشرع. وفي الصحيحين في قصة جمع مزدلفة بعد أن صلى المغرب "أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء" واشترطوا وجود العذر عند افتتاحهما وسلام الأولى. فلو انقطع السفر ونحوه في الأولى بطل.
فصل في صلاة الخوف
أي في بيان صفة صلاة الخوف وهي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسائر الأمة إلا أبا يوسف فقال إنما صلوها معه – صلى الله عليه وسلم – لفضله. قال الطحاوي وهذا القول ليس عندنا بشيء والكتاب والسنة وإجماع الصحابة حجة عليه وقال عليه الصلاة والسلام "صلوا كما رأيتموني أصلي".
(قال تعالى: {وَإِذَا كُنتَ} أي يا محمد {فِيهِمْ} أي مع المؤمنين الخائفين والمراد بيان الحكم لا لوجوده أي بين لهم بفعلك لكونه أوضح من القول {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} أي إذا أردت أن تقيم بهم الصلاة قال ابن عباس لما رأى المشركون
رسول الله – صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر وهو يؤمهم وذلك في غزوة ذات الرقاع ندم العدو على تركهم الإقدام على قتالهم فقال بعضهم دعوهم فإن لهم بعد صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأولادهم وأموالهم يريدون صلاة العصر فإن رأيتموهم قاموا إليها فشدوا عليهم فاقتلوهم، فنزل جبرائيل بهذه الآيات بين الصلاتين
فعلمه كيفية أداء صلاة الخوف وأطلعه الله على قصدهم ومكرهم. قال تعالى: {فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ} أي تقف معك بعد أن جعلتهم طائفتين ولتقف الطائفة الأخرى بإزاء العدو وليحرسوكم منهم {وَلْيَأْخُذُواْ} أي الطائفة القائمة معك وهم المصلون {أَسْلِحَتَهُمْ} أي لا يضعوها ولا يلقوها وإنما عبر عن ذلك بالأخذ للإيذان بالاعتناء باستصحابها كأنهم يأخذونها ابتداء {فَإِذَا سَجَدُواْ} أي القائمون معك وأتموا الصلاة {فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ} أي فلينصرفوا إلى مقابلة العدو للحراسة. {وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ} بعد وهي الطائفة الواقفة تجاه العدو للحراسة {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ} الركعة الباقية ويتموا لأنفسهم كما في حديث سهل {وَلْيَأْخُذُواْ} أي هذه الطائفة القائمة معك وقيل وليأخذ الطائفة الباقية {حِذْرَهُمْ} وهو التحفظ والتيقظ والاحتياط لئلا يهجم عليهم العدو {وَلْيَأْخُذُواْ َأَسْلِحَتَهُمْ} ليدفعوا عن أنفسهم والجمهور لا
يجب ولا يشترط اتفاقًا ويكره ما ينقل كجوشن ويضر غيره كرمح ما لم يكن على جانب.
{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ} فينالون منكم غرة وينتهزون فرصة {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً} فيشدون عليكم شدة واحدة والمراد بالأمتعة ما يتمتع به في الحرب مطلقًا {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ} رخصة لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من المطر أو يضعفهم من مرض.
ومن ذلك قال بعض أهل العلم بوجوب حمل الأسلحة وجمهور الفقهاء على الندب {وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} أمرهم مع ذلك بأخذ الحذر ثم قال {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ} سكنت قلوبكم من الخوف وأمنتم {فَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} بتعديل أركانها ومراعاة شرائعها {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} فلا بد من إقامتها في حالة الخوف والأمن على الوجه المشروع فيهما.
وقال: {فَإنْ خِفْتُمْ} أي اشتد الخوف وتواصل الطعن والضرب والكر والفر ولم يمكن تفريق القوم وصلاتهم على ما تقدم {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} أي فصلوا رجالاً أو ركبانًا والرجال جمع راجل والراجل الكائن على رجليه واقفًا كان أو ماشيًا والركبان جمع راكب وأكثر ما يقال لراكب الإبل بدون إضافة
والأمر للوجوب. قال الزركشي لا تسقط الصلاة حال المسايفة والتحام الحرب بلا نزاع ولا يجوز تأخيرها إن لم تكن الأولى من المجموعتين.
(وعن سهل) بن أبي حثمة بن ساعدة الأوسي الأنصاري ولد سنة ثلاث من الهجرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الصحابة وتوفي بالمدينة في خلافة معاوية (أن طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صفت معه) يوم ذات الرقاع في صلاة الخوف بأرض غطفان.
قال ابن القيم هي قبل الخندق (وطائفة وجاه) بكسر الواو أي: تجاه العدو وهذا فيما كان العدو في غير جهة القبلة.
(فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى) التي كانت قبل وجاه العدو (فصفت معه) صلى الله عليه وسلم (فصلى بهم الركعة التي بقيت) من صلاته صلى الله عليه وسلم (ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم" متفق عليه) واختار الشافعي وأحمد وغيرهما حديث سهل لكونه أشبه بكتاب الله وأحوط للصلاة من حيث أنه لا يكثر فيها العمل وأحوط لأمر الحرب وأنكى للعدو. وقال مالك ذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف.
وهذه القصة واضحة وقد ذهب إليها جماعة من الصحابة ومن بعدهم. وظاهر القرآن مطابق لما دل عليه هذا الحديث
الجليل لقوله تعالى {وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ} وهذه الكيفية أقرب إلى موافقة المعتاد من الصلوات في تقليل الأفعال المنافية للصلاة ولمتابعة الإمام.
(ولهما عن ابن عمر نحوه) ولفظه قال غزوت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففناهم "فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم فصلى بنا فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو وركع بمن معه ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاؤوا فركع بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين".
ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى ويحتمل أنهم أتموا في حالة واحدة. والطائفة تطلق على القليل والكثير حتى على الواحد فلو كانوا ثلاثة جاز للإمام أن يصلي بواحد والثالث يحرس ثم يصلي مع الإمام.
(ولهما عن جابر صلى بكل طائفة ركعتين) ولفظه أقبلنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع قال فنودي بالصلاة "فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخر فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان".
(ولمسلم عنه صففنا صفين خلفه) أي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة "فكبر وكبرنا جميعًا ثم ركع
وركعنا جميعًا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا (ثم
انحدر بالسجود والصف الذي يليه الحديث) أي وانحدر الصف الذي يليه "وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى السجود قام الصف الذي يليه وانحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع وركعنا جميعًا. وذكر نحو ما تقدم ثم سلم النبي – صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعًا" وفي لفظ غزونا قومًا من جهينة وذكر نحوه.
(ولأحمد) وأبي داود والنسائي وغيرهم (عن أبي بكرة صلى) يعني رسول الله – صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف (بكل طائفة صلاة ولفظه "صلى ببعض أصحابه ركعتين ثم سلم ثم تأخروا وجاء الآخرون فكانوا في مقامهم فصلى بهم ركعتين ثم سلم ثم تأخروا وجاء الآخرون فكانوا في مقامهم فصلى بهم ركعتين ثم سلم" وروي أنه " صلى بكل طائفة ركعة بلا قضاء" ومنعه الأكثر. وقال بعض أهل العلم في قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ} هو قصر الكيفية لا الكمية وصوبه ابن كثير واستأنسوا بقول عمر وغيره فرضت الصلاة ركعتين، قالوا ولهذا قال بعدها {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} الآية وقال البغوي وأكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم لا ينقص الخوف من العدو شيئًا. وقيل المراد ركعة مع الإمام وليس فيها نفي الثانية.
وقال أحمد صحت صلاة الخوف عن النبي – صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أو ستة أوجه كلها جائزة. ومن ذهب إليها كلها فحسن.
قال شيخ الإسلام وغيره وهذا قول عامة السلف إتباعًا ولما جاء به الشارع – صلى الله عليه وسلم وأحمد رحمه الله على قاعدته يجوز جميع ما ورد وقال فقهاء الحديث كأحمد وغيره متبعون لعامة الثابت عن النبي – صلى الله عليه وسلم وهذه الأحاديث أصولها وربما اختلف بعض ألفاظها فذكرها بعضهم أكثر.
قال ابن القيم والصحيح هذه الأوجه فصح أنه – صلى الله عليه وسلم صلاها في أربع. ذات الرقاع وبطن نخل. وعسفان. وذي قرد المعروف بغزوة الغابة. وقال أحمد أصولها ست صفات: وأبلغها بعضهم أكثر هؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجهًا فصارت سبعة عشر لكن يمكن أن تتداخل أفعال النبي – صلى الله عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة، قال الحافظ: وهذا هو المعتمد. ومنع ابن الماجشون صلاة الخوف في الحضر. ورد قوله بأن اعتبار السفر وصف طردي ليس بشرط ولا سبب وإلا لزم أن لا يصلي إلا عند الخوف من العدو الكافر.
وأما كونه – صلى الله عليه وسلم لم يصلها يوم الخندق فذلك قبل نزول آية صلاة الخوف. واتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على جوازها سواء كان القتال سفرًا أو حضرًا لأن المبيح الخوف لا السفر. ولا تأثير له في قصر الصلاة. وإنما تأثيره في الصفة. وقال الزركشي ومن شروط صلاة الخوف أن يكون العدو يحل قتاله ويخاف هجومه لأنها رخصة فلا تستباح بالقتال المحرم. ودلت هذه النصوص على عظم شأن صلاة الجماعة.
(وعن ابن عمر قال إذا كان خوف أشد من ذلك) أي مما تقدم (صلوا رجالاً قيامًا على أقدامهم وركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها متفق عليه) زاد البخاري قال نافع لا أرى ابن عمر قال ذلك إلا عن النبي – صلى الله عليه وسلم وتقدمت الآية في ذلك. ولأنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في غير شدة الخوف وأمرهم بالمشي إلى وجاه العدو وهم في الصلاة ثم يعودون لقضاء ما بقي من صلاتهم فمع شدة الخوف أولى. ولا يلزم الإحرام على القبلة ولو أمكن.
وقال أحمد وغيره تجوز صلاة شدة الخوف رجالاً وركبانًا جماعة كما تجوز فرادى وهو مذهب الشافعي. ولم يجوزه مالك وأبو حنيفة: ولا تسقط بحال إجماعًا ويكرون ويفرون ولا يؤخرون الصلاة وهو قول أكثر أهل العلم لما تقدم ويومؤن بقدر طاقتهم لأنهم لو تمموا الركوع والسجود كانوا هدفًا لأسلحة العدو ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم.
وكذا حالة هرب من عدو أو سيل أو سبع أو نار أو غريم ظالم، أو خوف على نفسه أو أهله أو ماله إن صلى صلاة أمن أو ذب عنه أو عن غيره وكل ذلك مبيح للصلاة على هذه الصفة وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه في صلاة المطلوب وإن كان طالبًا نزل فصلى إلا أن ينقطع فيخاف أو يخاف فوت عدو يطلبه لفعل عبد الله بن أنيس لما بعثه النبي – صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي ليقتله صلى بالإيماء نحوه رواه أبو داود وغيره.