المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صفة الصلاة - الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب الاستنجاء

- ‌باب السواك

- ‌باب فروض الوضوء وصفته

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغسل:

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌فصل في ستر العورة

- ‌فصل في اجتناب النجاسة

- ‌فصل في استقبال القبلة

- ‌فصل في النية

- ‌باب آداب المشي إلى الصلاة

- ‌فصل في الصفوف

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌فصل في الذكر بعدها

- ‌فصل فيما يكره فيها

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌فصل في الوتر

- ‌فصل في قيام الليل

- ‌فصل في صلاة الضحى وغيرها

- ‌فصل في سجود التلاوة والشكر

- ‌فصل في أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌فصل الإمامة

- ‌فصل في الموقف

- ‌فصل في الاقتداء

- ‌فصل في الأعذار

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصل في القصر

- ‌فصل في الجمع

- ‌فصل في صلاة الخوف

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌فصل في شروطها

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌فصل في صفتها

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌باب صفة الصلاة

صفوف النساء آخرها. وشرها أولها" وله من حديث أبي سعيد أنه – صلى الله عليه وسلم "رأى في أصحابه تأخرًا فقال له تقدموا وأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله" فالتقدم مشروع. وتستحب المحافظة على إدراك تكبيرة الإحرام بأن يتقدم إلى المسجد قبل وقت الإقامة وقد جاء في فضل الصف الأول فالأول وإدراك تكبيرة الإحرام أحاديث كثيرة وأما النساء فالأفضل بعدهن عن الرجال لما تقدم ولأمن الفتنة وأما إذا أمتهن امرأة فصفوفهن كصفوف الرجال أفضلها أولها.

‌باب صفة الصلاة

أي كيفيتها وهي الهيئة الحاصلة للصلاة وبيان ما يكره فيها وأركانها وواجباتها وسننها وما يتعلق بذلك وهذا شروع في المقصود بعد الفراغ من مقدماته.

(قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} لما ذكر تعالى أنه اصطفى رسلاً من البشر إلى الخلق أمرهم بإقامة ما جاءت به الرسل من العبادات الشرعية وهو الصلاة قيل كان الناس أول ما أسلموا يسجدون بلا ركوع ويركعون بلا سجود فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود. وأجمع المسلمون أنها لا تصح بدون ركوع وسجود.

{وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} وحدوه بالعبادة {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}

صلة الرحم ومكارم الأخلاق {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} تسعدون

ص: 198

وتفوزون بالجنة والآيات في الأمر بها كثيرة. وبينت السنة ما جاء مجملاً في القرآن العزيز أتم بيان. وصح عنه – صلى الله عليه وسلم أنه قال "صلوا كما رأيتموني أصلي" فقوله وفعله بيان للواجب وبيان الواجب واجب كما تقرر في الأصول.

(وعن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال) أي للمسيء في صلاته وهو خلاد بن رافع (إذا قمت إلى الصلاة) أي إذا أردت القيام إلى الصلاة وأنت على غير طهر (فأسبغ الوضوء" أي أتمه كما تقدم "ثم استقبل القبلة" وتقدم أن وجوب استقبالها إجماع في الجملة (فكبر) أي تكبيرة الإحرام وفي حديث رفاعة عند أحمد وغيره (ثم يقول الله أكبر)، ومن حديث أبي حميد عند ابن ماجه وغيره وصححه ابن خزيمة وغيره "إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه ثم قال الله أكبر" ونحوه لأحمد وغيره من النصوص الصحيحة الصريحة في تعيين التكبير للدخول في الصلاة. ونقل الخلف عن السلف.

فتكبيرة الإحرام ركن لا تنعقد إلا به مع القيام في الفرض للقادر. ولأحمد وغيره "تحريمها التكبير" وحديث يقتتح الصلاة بالتكبير". وعلى هذا عوام أهل العلم لنقلهم ذلك عنه – صلى الله عليه وسلم نقلاً متواترًا. وتكبيره تعالى جامع لإثبات كل كمال له وتنزيهه عن كل نقص وعيب. وحكمته ليستحضر عظمة من يقف بين يديه وأنه أكبر من كل شيء وأعظم وأجل فيخشع ويذل له تبارك وتعالى متخليًا عن الشواغل متهيئًا للدخول عليه دخول العبد

ص: 199

على الملك بالتعظيم والإجلال لما في هذا اللفظ من التعظيم والتخصيص وغيره لا يقوم مقامه كما قال ابن القيم وغيره. بل لا يؤدي معناه فلا تنعقد الصلاة إلا به ويستحيي أن يشتغل بغيره من استحضر كبرياءه وعظمته ولهذا أجمع العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها وحضر قلبه.

(ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وللنسائي وأبي داود من حديث رفاعة" فإن كان معك قرآن فاقرأ" وله في رواية "بأم القرآن وبما شاء الله" فدلت مع غيرها على وجوب القراءة في الصلاة بالفاتحة أو ما تيسر. قال الشيخ ويلزمه قراءة قدرها من أي سورة شاء. فإن لم يعرف إلا آية كررها بقدرها.

فإن عجز لزمه قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. لحديث إن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وهلله وكبره فإن لم يعرف شيئًا وقف بقدر الفاتحة اتفاقًا.

ويحرم أن يترجم عنه بلغة أخرى لقوله قرآنًا عربيًا وقوله بلسان عربي ولأنه معجزة باللفظ والمعنى. وقال لا يقرأ القرآن بغير العربية سواء قدر عليها أو لم يقدر عند الجمهور وهو الصواب الذي لا ريب فيه. ولا يدعى الله ويذكر بغير العربية. واللسان العربي شعار الإسلام وأهله. واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون.

(ثم اركع حتى تطمئن راكعًا) ولأحمد وغيره "وإذا ركعت

ص: 200

فاجعل راحتيك على ركبتيك وأمدد ظهرك ومكن ركوعك" وفي رواية "ثم تكبر وتركع حتى تطمئن مفاصلك وتسترخي" ففيه إيجاب الركوع والاطمئنان فيه. وهما ركنان. وأجمعوا على مشروعية الانحناء حتى تبلغ كفاه ركبتيه. وقال الشيخ الركوع في لغة العرب لا يكون إلا إذا سكن حين انحنائه. وأما مجرد الخفض فلا يسمى ركوعًا. ومن سماه ركوعًا فقد غلط على اللغة والشرع. قال وهذا مما لا سبيل إليه ولا دليل عليه. وإن حصل الشك لم يكن ممتثلاً بالاتفاق وعن عقبة بن عمرو "أنه ركع فجافى يديه ووضع يديه على ركبتيه وقال هكذا رأيت رسول الله يصلي" رواه أحمد وأبو داود.

(ثم ارفع) أي من الركوع (حتى تعتدل قائمًا) ولابن ماجه بسند جيد "حتى تطمئن قائمًا" ولأحمد "فأقم صلبك حتى ترجع العظام" أي التي انخفضت حال الركوع تعود "إلى ما كانت عليه" حال القيام للقراءة. وذلك بكمال الاعتدال ونحوه أيضًا على شرط الشيخين فالاعتدال والطمأنينة ركنان في كل ركعة إجماعًا. وفي السنن وصححه الترمذي "لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم صلبه في الركوع والسجود" أي عند رفعه منهما وقال لمن تركها "صل فإنك لم تصل".

فنفى أجزاء الصلاة بدون الطمأنينة ونفى مسماها الشرعي بدونها وأمر بالإتيان بها وهذا شرع محكم صحيح

ص: 201

صريح لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا قال الشيخ وهو صريح في أنه لا تجزئ الصلاة حتى يعتدل الرجل من الركوع وينصب من السجود. وفي الصحيح أن حذيفة رأى رجلاً لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فقال "لو مت لمت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا – صلى الله عليه وسلم " وفي لفظ "على غير سنة محمد – صلى الله عليه وسلم " وكان – صلى الله عليه وسلم يطيل الرفع بقدر الركوع وفي صحيح مسلم "حتى نقول قد أوهم"

(ثم اسجد) أي على سبعة أعضاء (حتى تطمئن ساجدًا) وللنسائي "ثم يكبر ويسجد حتى يمكن وجهه وجبهته حتى تطمئن مفاصله وتسترخي" ولأبي داود من حديث رفاعة تكبيرات النقل وذهب أحمد وأهل الحديث وغيرهم إلى وجوبها واستقر عمل الأمة عليه. وثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم من غير وجه واتفقت الأمة على ذلك (ثم ارفع) من السجود (حتى تطمئن جالسًا) وهو ركن بلا نزاع. وفي الصحيحين عن عائشة "إذا رفع من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعدًا". ولحديث أبي حميد وغيره. وفي رواية "فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى".

(ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا) كالأولى فهذه الأركان مجمع عليها (ثم افعل ذلك) أي جميع ما ذكرت من الأفعال والأقوال (في صلاتك) أي ركعات صلاتك (كلها) إلا تكبيرة الإحرام فإنها مخصوصة بالركعة الأولى لما علم شرعًا من

ص: 202

عدم تكرارها (متفق عليه) وهو في السنن وغيرها بألفاظ متقاربة.

واعلم أن هذا الحديث حديث جليل تلقته الأئمة بالقبول واستدلوا به على وجوب ما ذكر فيه وأنها لا تسقط بحال لأنها لو سقط على أحد لسقطت عن هذا الأعرابي الجاهل. ولا ريب أن هناك أركانًا أخر يأتي الكلام فيها.

(وعن أبي حميد) عبد الرحمن بن سعد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) نسبة إلى ساعدة وهو أبو الخزرج المدني غلب عليه كنيته توفي في آخر ولاية معاوية (قال) وهو في عشرة من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بصلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم قالوا فاعرض فقال: (رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم إذا كبر) يعني للإحرام (جعل يديه) أي كفيه (حذو) أي مقابل (منكبيه) من حذوته احذوه وحاذيته محاذاة وازنته ولفظ أهل السنن وغيرهم وصححه الترمذي "إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه حتى يحاذي منكبيه ثم يكبر".

قال ابن عمر رفعهما زينة الصلاة. وقال الشافعي وغيره تعظيم واستسلام وخضوع لله تعالى واتباع لسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم وقيل رفعهما إشارة إلى رفع الحجاب بين العبد وبين ربه. وقيل ليستقبل بجميع بدنه. ورفعهما معًا في فرض أو نقل ندب بلا نزاع رواه عنه – صلى الله عليه وسلم خمسون صحابيًا منهم العشرة حتى قيل بوجوبه.

ص: 203

(وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه) كما في حديث المسيء (ثم هصر ظهره) أي ثناه في استواء من غير تقويس وفي رواية "حنى" وهو بمعناه. وفي رواية "غير مقنع رأسه ولا مصوبه" وفي رواية "ثم فرج بين أصابعه". ولابن ماجه عن وابصة "وكان إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر" أي سكن على ظهره في قعر عظم الصلب. وسوى الشيء تسوية جعله سويًا.

(قإذا رفع رأسه) أي من الركوع (استوى) زاد أبو داود فقال "سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد. ورفع يديه" وفي رواية "حتى يحاذي بهما منكبيه" معتدلاً " (حتى يعود) أي يرجع (كل فقار) أي من عظام الظهر (مكانه) والمراد منه كمال الاعتدال ففي رواية "ثم مكث قائمًا حتى يقع كل عضو موضعه" وهو معنى ما تقدم من قوله "حتى ترجع العظام".

ولمسلم عن عائشة "وإذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا" وتقدم أن هذا الاعتدال ركن.

(فإذا سجد وضع يديه) أي على الأرض (غير مفترش) أي لهما وعند ابن حبان "غير مفترش ذراعيه"(ولا قابضهما) أي وغير قابض يديه بأن يضمهما إليه. ولفظ الترمذي وغيره "كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه ووضع يديه حذو منكبيه وفرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه" وله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال السجود لقوله "استعينوا بالركب" رواه أبو داود (واستقبل بأطراف أصابع

ص: 204

رجليه القبلة) قال الشيخ وإذا رفع قدميه في السجود فإنه مع رفعهما بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والإجلال ولو لم يضعهما لم يصح السجود.

(وإذا جلس في الركعتين) جلوس التشهد الأول (جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى) ولفظ السنن وغيرهما "ثم ثنى رجله وقعد عليها واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضع" وفي الصحيحين عن عائشة "وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى" وعن عبد الله بن زيد قال "كنا نعلم إذا جلسنا في الصلاة أن يفرش الرجل منا قدمه اليسرى وينصب قدمه اليمنى. وإن كانت إبهام أحدنا لتنثني فيدخل يده حتى يعدلها" ولم يحفظ عنه – صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غيرها.

(وإذا جلس في الركعة الأخيرة) من ثلاثية أو رباعية للتشهد الأخير جلس متوركًا بلا نزاع فـ (قدم رجله اليسرى) ففرشها وفي لفظ "أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض"(ونصب الأخرى) يعني اليمنى ولأبي داود "وأخرج قدميه من ناحية واحدة"(وقعد على مقعدته) أي جلس على عجيزته وكيفما جلس في التشهدين وبين السجدتين جاز إجماعًا وهاتان الهيئتان قارقتان بين ما يسن تخفيفه فيكون الجالس فيه متهيئًا للقيام أو مستقرًا وكل منهما مذكرة للمصلي حاله فيهما (رواه البخاري) وأهل السنن وغيرهم قولاً وفعلاً وفيها قالوا صدقت.

ص: 205

(وعن ابن عمر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو) أي مقابل (منكبيه) وفي رواية "حتى يكونا حذو منكبيه"(إذا افتتح الصلاة) وتقدم أنه متواتر عن النبي – صلى الله عليه وسلم (وإذا كبر للركوع) رفعهما كذلك (وإذا رفع رأسه) أي اراد أن يرفعه (من الركوع) رفعهما كذلك وكان لا يفعل ذلك في السجود (متفق عليه) ولمسلم عن مالك بن الحويرث نحو حديث ابن عمر لكن قال "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه".

ويمكن الجمع بأن يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين كما في حديث وائل وهذا مذهب الجمهور. أو هذا مرة وذاك أخرى وفي حديث أبي حميد عند أبي داود نحو حديث ابن عمر ونقل البخاري عن الحسن أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال علي بن المديني حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه لهذا الخبر.

(وفي رواية "وإذا قام من الركعتين) رفعهما كذلك" وفي حديث أبي حميد "ثم إذا قام من الركعتين رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه" كما صح عند افتتاح الصلاة رواه مسلم وصححه الترمذي من حديث علي وصححه البخاري في جزء رفع اليدين وقال ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة صحيح. وقال ابن بطال هذه زيادة يجب قبولها. وقال الشيخ مندوب إليه عند محققي العلماء العاملين بالسنة. وقد ثبت في الصحاح والسنن ولا معارض لها ولا مقاوم اهـ.

ص: 206

وينبغي أن يبتدئ رفع يديه مع ابتداء التكبير وينهيه معه لأن الرفع للتكبير فكان معه وهذا مذهب الجمهور. ولأحمد وأبي داود من حديث وائل "كان يرفع يديه مع التكبير". وفي الصحيح عن ابن عمر "حين يكبر" ولا استصحاب في انتهائه وصححه النووي وغيره وإن فرغ قبله حطهما ولم يستدم الرفع وإن كان ثبت تقديم التكبير على الرفع فقد قال الحافظ وغيره لم أر قائلاً به.

(ولمسلم عن وائل) يعني ابن حجر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم (وضع يده اليمنى على اليسرى) ولفظ أحمد وأبي داود بسند صحيح "وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ على الساعد" ونحوه عن ابن مسعود. وفي الصحيح من حديث سهل "كانوا يؤمرون" ووضع اليدين إحداهما على الأخرى متواتر عن النبي – صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم وهو أقرب للخشوع وأمنع من العبث.

قال الوزير أجمعوا على أنه يسن وضع اليمين على الشمال في الصلاة إلا في إحدى الروايتين عن مالك فقال يباح والأخرى مسنون. وقال ابن عبد البر لم يأت عن النبي – صلى الله عليه وسلم فيه خلاف ولم يحك عن مالك ولا غيره. ولأبي داود وغيره عن ابن مسعود أنه "وضع اليسرى على اليمنى فرآه النبي – صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى" ولا خلاف في ذلك (زاد ابن خزيمة) وغيره (على صدره) وصححه ولأحمد عن هلب رأيته يضع هذه على صدره

ص: 207

قال النووي رواتهما كلهم ثقات.

وصح عن علي من فعله فوق السرة. وعنه مرفوعًا تحت السرة وسنده ضعيف. وقال ابن القيم لما ساق حاله صلى الله عليه وسلم في صلاته ثم كان يمسك شماله بيمينه فيضعهما عليها فوق المفصل ثم يضعهما على صدره. وقال في موضع لم يصح موضع وضعهما. وعن أحمد وغيره هو مخير والأمر فيه واسع.

(وعن عمر رضي الله عنه أنه كان) يجهر بهؤلاء الكلمات يعني بعد تكبيرة الإحرام يعلمهن الناس في مسجد رسول الله بحضرة الأكابر من الصحابة –رضي الله عنهم. وقال الحافظ وابن القيم هو بهذا الوجه في حكم الرفع (يقول سبحانك اللهم) أي أنزهك التنزيه اللائق بجلالك وأصل التسبيح التنزيه والتقديس ثم استعمل في مواضع تقرب منه اتساعًا.

(وبحمدك) أي وبكل ما يليق تسبيحك به وبحمدك سبحتك وبنعمك التي توجب علي حمدًا سبحتك لا بحولي ولا بقوتي. فيشاهد بقلبه ربًا منزهًا عن كل عيب محمودًا بكل حمد.

وحمده يتضمن وصفه بكل كمال (وتبارك) أي كمل وتقدس (اسمك) من باب مجد والمجد كثرة صفات الجلال ولا يقال تبارك إلا له سبحانه وتعالى (وتعالى جدك) أي تعاظم شأنك وارتفع قدرك جاء على بناء السعة فدل على كمال العلو ونهايته والجد العظمة.

ص: 208

(ولا إله غيرك) أي لا معبود بحق سواك بل أنت المستحق للعبادة وحدك لا شريك لك بما اتصفت به الصفات التي تستلزم أن تكون المحبوب غاية المحبة المخضوع له غاية الخضوع (رواه مسلم) ورواه أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي سعيد مرفوعًا وقال العمل عليه عند أكثر أهل العلم.

ولأبي داود والحاكم نحوه عن عائشة قال أحمد وأنا أذهب إليه ولولا أن النبي – صلى الله عليه وسلم كان يقوله في الفريضة ما فعل ذلك عمر وأقره المسلمون. وروي عن أبي بكر وابن مسعود.

قال المجد وغيره واختيار هؤلاء. وجهر عمر به يدل على أنه الأفضل وأنه الذي كان النبي – صلى الله عليه وسلم يداوم عليه غالبًا. وقال الضحاك والربيع في قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم} أي إلى الصلاة تقول سبحانك اللهم إلخ. ولاشتماله على أفضل الكلام بعد كتاب الله. ولأنه خاص في الثناء على الله وغيره من الاستفتاحات وإن كانت أصح منه فإنما هي متضمنة للدعاء والثناء على الله أفضل من جنس الدعاء عند الافتتاح وعامتها في قيام الليل. وقال أحمد إنما هي في التطوع ولأنه إنشاء للثناء على الرب متضمن للأخبار عن صفات كماله ونعوت جلاله وغير ذلك مما يرجح الأخذ به.

ويجوز الاستفتاح بكل ما ورد. قال الشيخ الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة باتفاق المسلمين ولم يكن – صلى الله عليه وسلم

يداوم على استفتاح واحد قطعًا. والأفضل أن يأتي بالعبادات

ص: 209

المتنوعة على وجوه متنوعة كل نوع منها على حدته ولا يستحب الجمع.

(وقال ابن المنذر) محمد بن إبراهيم النيسابوري الإمام المشهور صاحب التصانيف المتوفى سنة ثلاثمائة وتسع عشرة (جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم) وكذا قال أبو حيان عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وجبير ابن مطعم (أنه كان يقول) صلى الله عليه وسلم يعني في صلاته (قبل القراءة) وكذا خارج الصلاة (أعوذ بالله) أي ألجأ إلي الله واعتصم به (من الشيطان الرجيم) المطرود المبعد عن رحمة الله لا يضرني في ديني ولا في دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به 0أويحثني علي فعل ما نهيت عنه فإنه لا يكفه إلا الله 0

والشيطان اسم لكل متمرد عات من الجن والإنس من شطن أي بعد لبعده عن الخير أو من شاط إذا هلك. والرجيم بمعني المرجوم أي المطرود المبعد أو بمعني راجم أي يرجم غيره بالإغواء. والتعوذ بهذا اللفظ مجمع عليه.

لقوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} أي إذا أردت قراءة القرآن {فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} فإنك إذا استعذت بالله منه فقد أويت إلى ركنه الشديد واعتصمت بحوله وقوته من عدوك الذي يريد أن يقطعك عن ربك ويباعدك منه.

وكيف ما تعوذ به من الوارد فحسن. ومنه ما رواه الترمذي وغيره من حديث أبي سعيد "كان إذا قام إلى الصلاة

ص: 210

استفتح ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. من همزه ونفخه ونفثه" ونفثه الشعر. ونفخه الكبر. وهمزه الموتة خنق يشبه الجنون. وحكى ابن جرير وغيره الإجماع على استحباب التعوذ قبل القراءة وأوجبه عطاء والثوري للآية والأخبار ولدرء الشيطان. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وعامة السلف أنه سنة واختار الشيخ التعوذ عند أول قراءة.

(وعن أنس أن النبي – صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين) أي القراءة في الصلاة بهذا اللفظ (متفق عليه) ولمسلم "صليت خلف النبي – صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" (زاد أحمد "لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم) وإسناده على شرط الصحيح وفيه دليل على أنهم كانوا لا يسمعون من خلفهم لفظ البسملة عند قراءة الفاتحة في الصلاة جهرًا فلا يسن الجهر بها فيها. قال الترمذي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.

وقال الشيخ المداومة على الجهر بها بدعة مخالفة للسنة الصحيحة الصريحة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم والسلف. والأحاديث الصريحة في الجهر بها كلها موضوعة. وذكر الطحاوي أن ترك الجهر بالبسملة في الصلاة تواتر عن النبي – صلى الله عليه وسلم وخلفائه وذكر الشيخ أنه يستحب الجهر بها للتأليف. وأنه يستحب الجهر بها

ص: 211

وبالتعوذ والفاتحة في الجنازة ونحوها تعليمًا للسنة اهـ. وأما التعوذ والاستفتاح فيسر بهما إجماعًا وليست البسملة من الفاتحة ذكره القاضي إجماعًا سابقًا.

وقال الشيخ البسملة آية من كتاب الله في أول كل سورة سوى براءة وليست من السور على المنصوص. وهو أوسط الأقوال وأعدلها وبه تجتمع الأدلة. وتستحب البسملة في ابتداء جميع الأفعال المهمة وهي تطرد الشيطان. ومستحبة تبعًا لا استتقلالاً. وتكتب أوائل الكتب كما كتبها سليمان ونبينا عليهما الصلاة والسلام.

وذكر بعض أهل العلم أربعة أقسام: قسم تجب فيه وهو الوضوء والغسل والتيمم. وعند الصيد. والتزكية. وقسم تسن فيه: قراءة القرآن. والأكل والشرب والجماع وعند دخول الخلاء ونحو ذلك. وقسم لا تسن فيه كالصلاة والأذان والحج والأذكار والدعوات. وقسم تكره فيه وهو المحرم. والمكروه. لأن المقصود بها البركة. والزيادة. وهذان لا تطلب فيهما. وقيل تحرم عند أكل الحرام.

وفي البزازية اختلف في كفره.

(وعن عبادة) بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري السلمي أحد النقباء شهد العقية والمشاهد واستقضاه عمر على

ص: 212

الشام ومات بالرملة سنة أربع وثلاثين وله اثنتان وسبعون (أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة) أي مجزئة (لمن لم يقرأ بأم القرآن، متفق عليه) ولابن حبان "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" ففيه دلالة على نفي إجزاء الصلاة الشرعية إذا لم يقرأ فيها المصلي بفاتحة الكتاب لأن الصلاة فرضت مركبة من أقوال وأفعال لا تصح بدونها. والمركب ينتفي بانتفاء جميع أجزائه وبانتفاء البعض. وتقدم أمره – صلى الله عليه وسلم المسيء بقراءة الفاتحة. وسمي كل ركعة صلاة. وفي بعض ألفاظه قال الراوي فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ ثم قال "لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك" ولغير ذلك من الأخبار وجمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد وغيرهم أنها ركن في كل ركعة.

ولمسلم من حديث أبي هريرة "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج" وسمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين} قال الله حمدني عبدي فإذا قال {الرَّحْمنِ الرَّحِيم} قال أثنى علي عبدي وإذا قال {مَلِكِ يَوْمِ الدِّين} قال مجدني عبدي، وإذا قال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين}، قال هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين}، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".

وهي أفضل سورة في القرآن لما في الصحيح "أعظم سورة

ص: 213

في القرآن وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه" وهي أم القرآن لأن فيها تقرير الإلهيات والمعاد والنبوات، قال الحسن أودع فيها معاني القرآن كما أودع فيه معاني الكتب السابقة. وقال ابن كثير وغيره. قد اشتملت على حمد الله. وتمجيده والثناء عليه، وعلى المعاد والنبوات وإثبات القدر، والإرشاد إلى سؤال الله، والتضرع إليه، وتوحيده بالألوهية، وتنزيهه عن أن يكون له شريك، أو مماثل، وإلى سؤاله الهداية إلى الصراط المستقيم، والتثبيت عليه، والترغيب في الأعمال الصالحة، والتحذير من مسالك أهل الغضب والضلال.

وجمعت معانيها في إياك نعبد وإياك نستعين. ففيها سر الخلق وأمر الدنيا والآخرة ويستحب أن يقرأها مرتلة لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} محسنة لقوله عليه الصلاة والسلام "زينوا القرآن بأصواتكم" قال شيخ الإسلام هو التحسين والترنم بخشوع وحضور قلب وتفكر وتفهم ينفذ اللفظ إلى الأسماع. والمعاني إلى القلوب لا صرف الهمة إلى ما حجب به أكثر الناس بالوسوسة في خروج الحروف وترقيقها وتفخيمها وإمالتها والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وشغله بالفصل والوصل والإضجاع والإرجاع والتطريب وغير ذلك مما هو مفض إلى تغيير كتاب الله والتلاعب به حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه.

ص: 214

ويستحب أن يقف عند كل آية، وإن كانت متعلقة بما بعدها.

قالت أم سلمة "كان يقطع قراءته آية آية" وقال الشيخ وقوف القاري على رؤوس الآي سنة وإن كانت الآية الثانية متعلقة بالأولى تعلق الصفة بالموصوف، وتصح الصلاة بقراءة وافقت مصحف عثمان. وصح سندها اتفاقًا، وبما خالفه.

وصح سنده لصلاة الصحابة بعضهم خلف بعض. قال شيخ في أصح القولين وقال الذي عليه السلف أن كل قراءة وافقت العربية أو أحد المصاحف العثمانية وصح إسنادها فهي قراءة وافقت العربية أو أحد المصاحف العثمانية وصح إسنادها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها وهي من الأحرف السبعة.

(ولهما) أي البخاري ومسلم (عن أبي هريرة مرفوعًا إذا أمن الإمام فأمنوا) يعني إذا شرع في التأمين فأمنوا أنتم حتى يقع تأمينكم وتأمينه معًا. أو إذا أراد التأمين لكي يتوافق تأمينكم وتأمينه ويكون بعد سكتة لطيفة ليعلم أنها ليست من الفاتحة. ولهما أيضًا "إذا قال (ولا الضالين) فقولوا آمين" ففيها مشروعية تأمين الإمام والمأموم معًا جهرًا. ولأحمد وغيره من حديث وائل "كان يقول آمين يمد بها صوته" صححه الحافظ.

ولأبي داود قال "آمين يرفع بها صوته ويأمر بذلك" وللحاكم والبيهقي وصححاه من حديث أبي هريرة "حتى يسمع أهل الصف الأول فيرتج المسجد".

وفي رواية "إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين وإن الإمام يقول آمين (فإنه من وافق تأمينه

ص: 215

تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، وفي لفظ:«إذا قال أحدكم آمين، وقالت الملائكة: أمين فوافق أحدكم الآخر غفر له ما تقدم من ذنبه» ، وجمهور أهل العلم علي المقارنة وسنية التأمين. وحكي وجوبه علي المأمومين. وآمين بفتح الهمزة مع المد ويجوز القصر والإمالة وهي اسم فعل معناه اللهم استجب لنا ما سألناك من الهداية إلي الصراط المستقيم إلخ. وليست من الفاتحة إجماعاً. وإنما هي طابع الدعاء وينبغي أن يؤمن المأموم وإن لم يسمع قراءة الإمام ولا تأمينه لبعد ونحوه لكونه

معلوماً.

(وعن أبي قتادة أن النبي – صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر والعصر في الركعتين الأوليين) تثنية أولى (بفاتحة الكتاب) أي في كل ركعة منهما (وسورتين) أي في كل ركعة سورة وفي رواية سورة سورة. وسميت سورة لارتفاعها وشرفها كسور بلد. أو لكونها قطعة من القرآن. أو لتمامها وكمالها، وفيه دلالة على مشروعية قراءة سورة في كل ركعة بعد الفاتحة من الأوليين. ولا نزاع في ذلك، وعن أبي برزة وخباب وغيرهما نحو ذلك. بل نقل نقلاً متواترًا وأمر به معاذًا وغيره. وليست قراءة السورة بعد الفاتحة واجبة فلو اقتصر على الفاتحة أجزأته اتفاقًا.

و (ويسمعنا الآية أحيانًا) أي تكرر منه ذلك وللنسائي من حديث البراء نسمع منه الآية بعد الآية من سورة

لقمان والذاريات. ولابن خزيمة عن أنس (سبح). و (هل أتى)

ص: 216

وكأنه من هنا علموا مقدار قراءته وفيه دلالة على جواز الجهر في السرية أحيانًا وأنه لا سجود على من فعل ذلك (ويطول الركعة الأولى) أي السورة فيها أطول من الثانية. أو بترتيل القراءة فيها، ويقال بسبب دعاء الاستفتاح والتعوذ وجمع البيهقي وغيره بين هذا وهذا.

وحزر بعض الصحابة بثلاثين ثلاثين في الظهر وأنه إنما يطيل الأولى إن كان منتظرًا لآحد وفي رواية عبد الرزاق قال ظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى. ولمسلم عن أبي سعيد "كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي – صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها (ويقرأ في الأخريين) تثنية أخرى (بفاتحة الكتاب) من غير زيادة عليها (متفق عليه).

وفي لفظ "كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ويسمعنا الآية أحيانًا ويطول، وفي الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية. وهكذا في العصر. وهكذا في الصبح" فدل على أنه هو السنة في جميع الصلوات. وفيه دليل على مشروعية قراءة الفاتحة في الأربع الركعات في كل واحدة كما تقدم. ولهما عن جابر قال عمر لسعد لقد شكوك في كل شيء قال أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الأخريين ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال صدقت ذلك الظن بك. وهذا الخبر يحتمل

ص: 217

ما هو أعم من القراءة كالأذكار والركوع والسجود.

قال شيخ الإسلام ويستحب إطالة الركعة الأولى من كل صلاة على الثانية. ويستحب أن يمد في الأوليين ويحذف في الأخريين لهذا الخبر. وعامة فقهاء الحديث على هذا اهـ. وما روى مسلم عن أبي سعيد "كنا نحزر قيام رسول الله – صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر (ألم تنزيل) السجدة. وفي الأخريين قدر النصف من ذلك. وفي الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر. والأخريين على النصف من ذلك": فحزر وتقدير، وظاهر حديث أبي قتادة أنه لا يزيد في الأخريين من الظهر على أم الكتاب وهو متفق على صحته وخبر مجزوم به فيتعين الأخذ به.

ويحتمل أنه – صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لما أخرجه مالك "أن أبا بكر رضي الله عنه قرأ في ثالثة المغرب {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} الآية" قال الموفق وغيره أكثر أهل العلم يرون أنه لا تسن الزيادة على فاتحة الكتاب في غير الأوليين من كل صلاة. قال ابن سيرين لا أعلم أنهم يختلفون في أنه يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة. وفي الأخريين بفاتحة الكتاب وهو قول مالك وأحمد وأصحاب الرأي واحد قولي الشافعي. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب فإن زاد على الفاتحة لم يكره.

(وعن سليمان بن يسار) مولى ميمونة أم المؤمنين أخي عطاء وأحد الفقهاء السبعة المتوفى سنة مائة من الهجرة (قال

ص: 218

كان فلان) يريد عمرو بن سلمة وكان أميرًا على المدينة (يطيل الأوليين من الظهر ويخفف العصر) ولعله في الغالب وإلا فقد تكون العصر طول الظهر إذا قرأ في الظهر بالليل والغاشية ونحوها. أو تقارب وتقدم الكلام فيهما (ويقرأ في المغرب بقصار المفصل) اسم مفعول من فصلت الشيء جعلته فصولاً متمايزة ومنه سمي حزب المفصل لفصل بعضه من بعض. أو لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة. أو لأحكامه.

وهو الحزب السابع من القرآن لما روى أبو داود عن أوس سألت أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن قالوا ثلاثًا. وخمسًا. وسبعًا. وتسعًا. وإحدى عشرة. وثلاث عشرة وحزب المفصل واحد والأكثر على أن قصار المفصل من الضحى إلى آخره (وفي العشاء بوسطه) أي وسط المفصل من عم إلى الضحى (وفي الصبح بطواله) من ق إلى عم عند الأكثر.

(فقال أبو هريرة ما صليت وراء إمام قط) ظرف مبني على الضم أي ما صليت وراء إمام فيما مضى من عمري (أشبه صلاة) في معظم الصلاة أو أكثر الأحوال لا دائمًا ولا في جميع أجزائها (برسول الله) أي بصلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم (من هذا) أي ما أشبه صلاته بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم و (صححه الحافظ) اشتهر بهذا اللقب واسمه أحمد بن علي الكناني الشافعي المعروف بابن حجر العسقلاني المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة. وقال الشيخ

ص: 219

محمد بن عبد الوهاب في مجموع الحديث رواته ثقات.

وقال غير واحد من أهل العلم. السنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل. ويكون الصبح أطول. وفي العشاء والعصر بأوسطه. وفي المغرب بقصاره. والحكمة في تطويل الصبح لأن الناشئة أشد مواطأة للقلب واللسان ويشهد هذه الصلاة ملائكة الليل وملائكة النهار. ولأنها هي والظهر وقت غفلة بالنوم في آخر الليل والقائلة. فتطويلهما ليدرك المتأخرون لغفلة أو نوم ونحوهما. وتخفيف العصر لكونها وقت العمل.

والمغرب لحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم ووقتها ضيق. والعشاء لغلبة النوم إلا أن وقتها متسع فأشبهت العصر.

وهديه – صلى الله عليه وسلم أن لا يقتصر على قصاره في المغرب والمداومة على ذلك خلاف السنة. ولعل مرادهم في الغالب. وقد أنكر زيد بن ثابت على مروان مواظبته على قصار المفصل ولو كان الأمر كذلك لما سكت مروان. وقال ابن عبد البر وغيره ثبت أنه قرأ في المغرب بالمص وبالصافات والدخان وسبح والتين والمرسلات وكان يقرأ فيها بقصار المفصل. وتقدم أنه كان يطول في الظهر والفجر ويأتي أنه كان يقرأ فيها بـ (ألم) السجدة و (هل أتى على الإنسان).

وفي صحيح مسلم أنه كان يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك. وفي الصبح أطول من ذلك. وقصة معاذ

ص: 220

يكفيك أن تقرأ بـ (الشمس وضحاها) و (الليل إذا يغشى) و (سبح اسم ربك الأعلى) وإن قرأ على خلاف ذلك في بعض الأوقات فحسن لما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله.

(وعن حذيفة قال كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه) أي حال ركوعه في فرض ونفل (سبحان ربي العظيم) الذي لا أعظم منه تبارك وتعالى (و) يقول (في سجوده سبحان ربي الأعلى) ووصفه تعالى بأفعل التفضيل في هذه الحال في غاية المناسبة ولهذا "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" لأنه أذل ما يكون لربه وأخضع له (رواه مسلم) ورواه الخمسة وصححه الترمذي وغيره.

وهذا الحديث مفسر لحديث عقبة أنه لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم "اجعلوها في ركوعكم" ولما نزلت (سبح اسم ربك الأعلى) قال "اجعلوها في سجودكم" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وغيرهم والحديثان يدلان على مشروعية هذا التسبيح في الركوع والسجود. ومذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد وجمهور العلماء أنه سنة وقال أبو حامد هو قول العلماء عامة لحديث المسيء. فلو كان واجبًا لأمره به.

وعن أحمد وجمهور أهل الحديث أنه واجب مرة للأمر به.

ولمسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألا وإني نهيت

ص: 221

أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا" لأن القراءة أشرف الذكر فناسب أشرف الذكر في أشرف الأحوال وهو حالة القيام. قال "فأما الركوع فعظموا فيه الرب. وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أنه يستجاب لكم" فهذه أحاديث صحيحة: صريحة في الأمر به وظاهرها الوجوب وهذا مذهب أحمد وقيل أدنى الكمال ثلاث قال ابن القيم. وحديث تسبيحه في الركوع والسجود ثلاثًا لا يثبت. والأحاديث الصحيحة بخلافه اهـ.

وقال أنس كان عمر بن عبد العزيز أشبه الناس بصلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم وكان مقدار تسبيحه عشرًا وعن عائشة قالت "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي" ولا ينافي التعظيم في الركوع لأنه زيادة على التعظيم ولأن المطلوب أن يكون التعظيم معظمه والدعاء معظم السجود. وإن دعا في ركوعه وسجوده بغير ذلك مما ورد فحسن ومنه "اللهم إني لك سجدت" إلخ و "اللهم إني لك ركعت".

(وله عن ابن عباس كان – صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد) وهو في الصحيحين وغيرهما من غير وجه ومجمع على أنه مشروع في حق كل مصل بعد قول إمام ومنفرد سمع الله لمن حمده. لما في الصحيحين وغيرهما أنه كان – صلى الله عليه وسلم يقول ذلك وقال "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقال لبريدة "إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده ربنا ولك

ص: 222

الحمد أي أجاب تعالى وسمع سمع قبول وإجابة لمن حمده. فاستجب ربنا ولك الحمد علي ذلك والواو عاطفة علي مقدر بعد قول ربنا وهو استجب أو حمدناك فجمع بين الدعاء والاعتراف.

والحديث أيضاً لمسلم. عن أبي سعيد بلفظ ربنا بك الحمد. وفي الصحيح عن أنس وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد جمعاً بين اللهم والواو. ولهما من حديث أبي هريرة فقولوا ربنا لك الحمد. ويجمع بينهما الإمام والمنفرد، والمأموم ربنا ولك الحمد فقط. وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وجمهور أهل العلم 0

ثم أخبر عن هذا الحمد بقوله (ملء السموات وملء الأرض) أي حمداً ملء العالم العلوي والسفلي وما بينهما (وملء ما شئت) أي وملء غير السموات والأرض مما شئت مما لا علم للعباد به (من شئ بعد) بالضم للقطع عن الإضافةٍ ونية المضاف إليه و (أهل) بالنصب على الاختصاص أو النداء أو بالرفع أي أنت أهل (الثناء) يعني الوصف بالجميل والمدح (والمجد) العظمة ونهاية الشرف (أحق) بالرفع خبر مبتدأ محذوف (ما قال العبد) ما مصدرية فما قال في موضع المصدر تقديره هذا أي قول ربنا ولك الحمد أحق قول العبد (وكلنا لك عبد) مملوك خاضع متذلل.

(لا مانع لما أعطيت) أي لا حائل بيننا وبين محض

ص: 223

فضلك (ولا معطي لما منعت) أي لما حرمتنا إياه والمنع ضد الإعطاء (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) أي لا ينفع ذا الحظ منك حظه وغناه. وإنما ينفعه العمل الصالح. وعن رفاعة كنا نصلي وراء النبي – صلى الله عليه وسلم فقال رجل ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه. فلما انصرف قال من المتكلم قال رجل أنا قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم "رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول رواه البخاري" ولمسلم أيضًا أنه – صلى الله عليه وسلم كان يقول "اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينق الثوب الأبيض من الدنس" وكان عليه الصلاة والسلام يقول "لربي الحمد لربي الحمد" يكررها.

(وعن وائل بن حجر قال رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم "إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) وعن أنس قال رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم "انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه" رواه الدارقطني والبيهقي والحاكم وفيه مشروعية وضع الركبتين قبل اليدين.

قال ابن القيم وهذا هو الصحيح ولم يرو من فعله – صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك. ولحديث أبي هريرة "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع ركبتيه قبل يديه" رواه الأثرم وابن أبي شيبة ولفظه "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل".

ورواية "يديه قبل ركبتيه" لعله منقلب على بعض الرواة وأصله. ليضع ركبتيه قبل يديه يدل عليه أول الحديث وآخره من

ص: 224

رواية ابن أبي شيبة وغيره. وروي عن بعض الصحابة ما يوافق ذلك. ولم ينقل عنهم خلافه وهو قول جمهور السلف وحكاه أبو الطيب عن عامة الفقهاء والخطابي عن أكثرهم وابن المنذر عن عمر وغيره وسفيان والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي.

(وإذا نهض) يعني من السجود للإتيان بالركعة الثانية (رفع يديه قبل ركبتيه" رواه الأربعة) ورواه ابن خزيمة وابن السكن في صحيحهما وغيرهم. ولأبي داود "نهي أن يعتمد على يديه إذا نهض في الصلاة" وقال علي "من السنة أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخًا كبيرًا لا يستطيع" وفيها مشروعية رفع اليدين عند النهوض قبل رفع الركبتين. وجاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم أنه ينهض في الصلاة على صدور قدميه. قال الترمذي والعمل عليه عند أهل العلم. وروى ابن أبي شيبة وغيره من غير وجه أن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم. وأخرج عبد الرزاق والبيهقي وغيرهم عن غير واحد من أكابر الصحابة.

وما روي أنه – صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه جلس واعتمد على الأرض ففي حالة الكبر. ولا خلاف في جوازه لكبر أو مرض أو ضعف ونحوه وبه تجتمع الأدلة وأما جلسة الاستراحة فلم يذكرها كل واصف لصلاته – صلى الله عليه وسلم. ومجرد فعلها لا يدل على أنها من سنن الصلاة. قال الترمذي والعمل عليه عند أهل العلم ويحمل.

ص: 225

أيضًا أنه في آخر عمره عند كبره جمعًا بين الأخرا، وهو اختيار شيخ الإسلام وغيره.

(وعن ابن عباس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) سمى كل واحد عظمًا وإن اشتمل على عظام باعتبار الجملة وفي لفظ "أمر النبي – صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء" والعضو كل عظم وافر من الجسد وفسرها بقوله (الجبهة) ما بين الحاجبين إلى الناصية (وأشار بيده إلى أنفه) وللنسائي قال ابن طاوس ووضع يده على جبهته وأمرها على أنفه وقال هذا واحد. قال القرطبي هذا يدل على أن الجبهة الأصل في السجود والأنف تبع لها. ولمسلم "الجبهة والأنف".

وحكى ابن المنذر إجماع الصحابة أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده وذهب أحمد وجمهور الفقهاء إلى أنه يجب أن يجمع بينهما. واحتج أبو حنيفة بأن الإشارة تدل على أنه المراد ولا شك أن الجبهة والأنف حقيقة في المجموع. وقوله عليه الصلاة والسلام "الجبهة والأنف" جعلا لهما كالعضو الواحد.

ولو كان كل واحد منهما عضوًا مستقلاً للزم أن تكون الأعضاء ثمانية. ولأحمد من حديث وائل "رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض واضعًا جبهته وأنفه".

(واليدين) والمراد بهما الكفان ولمسلم من حديث البراء "إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك" وللترمذي "أمر

ص: 226

بوضع اليدين ونصب المرفقين" وقال وهو الذي أجمع عليه أهل العلم واختاروه (والركبتين) موصل ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالي الساق (وأطراف القدمين) أي أن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما وعقباه مرتفعتان فيستقبل بظهور قدميه القبلة (متفق عليه) وتقدم في حديث أبي حميد "واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة".

فيشرع أن يسجد على رجليه ثم ركبتيه يضعهما على الأرض قبل يديه لما تقدم من قوله "ثم يديه" وكان – صلى الله عليه وسلم يضع يديه حذو منكبيه وأذنيه باسطًا كفيه وأصابعه لا يفرج بينهما ولا يقبضهما. ثم يضع الجبهة مع الأنف. قال الترمذي وهو الذي اختاره أهل العلم أن تكون يداه قريبًا من أذنيه قال الموفق والجميع حسن. والخبر يدل على وجوب السجود على الأعضاء السبعة وهو إجماع إلا ما تقدم عن أبي حنيفة في الأنف أو الجبهة.

والسجود على هذه الأعضاء السبعة هو غاية خشوع الظاهر. وأجمع العبودية لسائر الأعضاء وفرض أمر الله به ورسوله وبلغه رسول الله – صلى الله عليه وسلم الأمة بقوله وفعله. ومن كمال هذا السجود مباشرة المصلي بأديم وجهه فيعفره بالتراب استكانة وتواضعًا.

والاعتماد على الأرض بحيث ينالها ثقل رأسه. ومن كماله ارتفاع أسافله على أعاليه تذللاً بين يدي ربه وانكسارًا له.

وتقدم قوله "فيمكن وجهه وجبهته حتى تطمئن مفاصله

ص: 227

ويسترخي" ولذلك إذا رأى الشيطان ابن آدم ساجدًا "اعتزل ناحية يبكي ويقول يا ويله أمر بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" وفي الأثر ما من حالة يكون عليها العبد أحب إلى الله من أن يراه ساجدًا يعفر وجهه بالتراب.

وثبت من طرق "ما سجد العبد من سجدة إلا كتب له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة" وشرع تكرير السجود في كل ركعة لأنه أبلغ ما يكون في التواضع وأفضل أركان الصلاة الفعلية وسرها الذي شرعت لأجله وخاتمتها وغايتها وثمرتها وما قبله مقدمات له فكان تكرره أكثر من تكرر سائر الأركان والأحاديث في فضله والحث عليه وعظيم أجره كثيرة معلومة.

(وفي السنن) أي سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وحسنه النووي وصححه الحاكم (عنه) أي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي – صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين) أي حال اعتداله من السجدة الأولى. وتقدم أنه ركن يجلس فيه على رجله اليسرى وينصب اليمنى لحديث أبي حميد وعائشة وغيرهما فيقول (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني).

قال ابن القيم لما فصل بركن بين السجدتين شرع فيه من الدعاء ما يليق به ويناسبه وهو سؤال المغفرة والرحمة والهداية والعافية والرزق. وفي السنن وغيرها بسند جيد من حديث

ص: 228

حذيفة. كان يقول بين السجدتين "رب اغفر لي رب اغفر لي".

وله أن يدعو بغير ذلك واختار الشيخ الدعاء بما ورد وقال الكمال فيه كالكمال في تسبيح الركوع والسجود وكان عليه الصلاة والسلام يطيل فيه بقدر السجود.

(وعن ابن عمر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد للتشهد)

أي جلس للتشهد جلس فيه كجلوسه بين السجدتين يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى. وإن كان في التشهد الأخير قعد على مقعدته كما تقدم والجلوس للتشهد الذي يعقبه السلام ركن من أركان الصلاة لا تتم إلا به. قال الوزير اتفقوا على أن الجلسة في آخر الصلاة فرض من فروض الصلاة.

(وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى واليسرى على اليسرى) وللخمسة من حديث وائل "وضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى".

والأحاديث بوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى واليسرى على اليسرى مستفيضة وهو مجمع عليه (وعقد ثلاثة وخمسين) في أعداد كانت معروفة عند العرب بأن تكون الثلاثة مضمومة إلى أدنى الكف لا مقبوضة والإبهام مفتوحة تحت المسبحة معطوفة على طرف الراحة. وللخمسة من حديث وائل "ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة". وفي لفظ "وحلق إبهامه مع الوسطى". ولمسلم من حديث ابن الزبير "ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى" وورد غير ذلك.

ص: 229

وقال ابن القيم الروايات المذكورة كلها واحدة فإن من قال قبض أصابعه الثلاث أراد به أن الوسطى كانت مضمومة ولم تكن منشورة كالسبابة. ومن قال قبض اثنتين أراد أن الوسطى لم تكن مقبوضة مع البنصر بل الخنصر والبنصر متساويتان في القبض وقد صرح بذلك من قال وعقد ثلاثة وخمسين. فإن الوسطى في هذا العقد تكونمضمومة ولا تكون مقبوضة مع البنصر (واشار بأصبعه السبابة) لا بغيرها ولو عدمت (رواه مسلم) وأحمد والنسائي وغيرهم.

وسميت سبابة لتحريكها وقت السب. وسباحة لأنه يشير بها للتوحيد، والحكمة في الإشارة بها ليجمع في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد، وفي حديث وائل "ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها" قال ابن القيم كان لا ينصبها نصبًا ولا ينيمها بل يحنيها شيئًا ويحركها. وينبغي أن ينظر إليها لخبر ابن الزبير وأحاديث الإشارة بها في التشهد بلغت حد التواتر. وكذا ينبغي الإشارة بها إذا دعا في صلاة وغيرها للخبر.

(وعن ابن مسعود أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال إذا قعد أحدكم في الصلاة) يعني في التشهد (فليقل) أي سرًا إجماعًا لقول ابن مسعود من السنة إخفاء التشهد رواه الترمذي وغيره وقال العمل عليه عند أهل العلم. وفي لفظ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن، وكذا في حديث ابن عباس وفي لفظ علمه التشهد وأمره أن يعلمه

ص: 230

الناس وفي لفظ كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله من عبادة، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم "لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام.

ولكن قولوا (التحيات) أي جميع التعظيمات (لله) ملكًا واستحقاقًا وكان ملوك الأرض يحيون بتحيات متنوعة فقيل للمسلمين في هذه الجلسة التي تمثل في الخدمة بين يدي الله عز وجل جاثيًا على الركب كهيئة الملقي نفسه بين يدي سيده راغبًا وراهبًا معتذرًا إليه قولوا "التحيات لله" فهو سبحانه أولى بالتعظيمات من كل من سواه، فإن التحيات تتضمن العظمة والحياة والبقاء والدوام وغير ذلك مما لا يستحقه إلا الحي الباقي الذي لا يموت ولا يزول ملكه تبارك وتعالى (والصلوات) أي الخمس أو العبادات كلها التي يراد بها تعظيم الله كلها لله وحده وهو مستحقها ولا تليق بأحد سواه.

(والطيبات) أي الأعمال الصالحة لله أو الطيبات من الكلمات والأفعال والصفات والأسماء ونحو ذلك مما هو ثناء على الله وكل عمل تعمله فهو كله لا حق فيه لغير الله (السلام) اسم من أسماء الله لسلامته تعالى من كل نقص وعيب. وإذا كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعًا لاجتماع معاني الخيرات فيه وكان المقام مقام طلب السلامة أتى في لفظها بصيغة اسم السلام الذي تطلب منه السلامة.

والسلام في الأصل مصدر بمعنى السلامة واسم من التسليم أو

ص: 231

سلام الله (عليك أيها النبي)

دعاء له – صلى الله عليه وسلم بالسلامة وتضمن معنيين ذكر الله وطلب السلام والنبيء بالهمز من النبأ لأنه مخبر عن الله وبلا همز إما تسهيلاً أو من النبوة وهي الرفعة أو الطريق لأنه الطريق إلى الله، وهو من ظهرت المعجزة على يده وقارن ظهورها دعوى النبوة ولم يؤت نبي قبله – صلى الله عليه وسلم ولا رسول معجزة إلا وله مثلها وزيادة. بل دلائل نبوته – صلى الله عليه وسلم لا تحصر (ورحمة الله وبركاته) جمع بركة وهي النماء والزيادة وخصوه أولاً بالسلام عليه لعظم حقه عليهم وقدموه على التسليم على أنفسهم لذلك ثم أتبعوه بالسلام عليهم في قولهم:

(السلام علينا) أي الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة لأن الاهتمام بهم أهم. ثم أردفوه بتعميم السلام في قولهم: (وعلى عباد الله الصالحين) جمع صالح وهو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق عباده وفي رواية "فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض" قال الترمذي من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدًا صالحًا وإلا حرم هذا الفضل العظيم.

(أشهد أن لا إله إلا الله) أي أجزم واقطع أن لا معبود بحق إلا الله وحده فالشهادة خبر قاطع والقطع من فعل القلب واللسان مخبر بذلك. وإن كان ابتداء هذه الكلمة العظيمة نفيًا فالمراد به الإثبات ونهاية التحقيق إثبات الألوهية الحقة لله تعالى

ص: 232

وحده ونفيها عن كل ما سواه فهي كلمة التوحيد والعروة الوثقى وكلمة التقوى والصراط المستقيم ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ولا يصح لعبد دين إلا بها. والمراد معرفة معناها والعمل بمقتضاها لا مجرد قولها باللسان.

(وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) بصدق ويقين وذلك يقتضي متابعته – صلى الله عليه وسلم وأتى بهاتين الصفتين رفعًا للإفراط والتفريط ولفظهما ثبت في جميع الأصول الستة وغيرها وإضافتهما إلى الله إضافة تشريف وتكريم (متفق عليه) وقال البزار والذهبي وغيرهما أصح حديث في التشهد حديث ابن مسعود روي من نيف وعشرين طريقًا. قال الحافظ والبغوي لا خلاف في ذلك. وقال مسلم اتفق الناس عليه. وقال الترمذي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.

وقال أبو حنيفة وأحمد وجمهور الفقهاء وأهل الحديث التشهد به أفضل لمرجحات كثيرة منها الاتفاق على صحته وتواتره وهو أصح التشهدات واشهرها ولأمره – صلى الله عليه وسلم ابن مسعود أن يعلمه الناس وكونه محفوظ الألفاظ لم يختلف في حرف منه.

وكون غالبها يوافق ألفاظه فاقتضى أنه هو الذي يأمر به النبي – صلى الله عليه وسلم غالبًا. واتفق العلماء على جواز التشهدات الثابتة كلها. وقال شيخ الإسلام كلها سائغة باتفاق المسلمين.

وظاهر الأمر به يقتضي وجوبه. وقال عمر لا تجزئ صلاة

ص: 233

إلا بتشهد وصرح بفرضيته راويه. وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما ولا نزاع في مشروعيته لنقل الخلف عن السلف عن النبي – صلى الله عليه وسلم نقلاً متواترًا. والأولى تخفيف التشهد الأول وعدم الزيادة عليه لحديث: "كان يجلس في الأوليين كأنه على الرضف" رواه أبو داود وغيره. ولحديث: "نهض حين فرغ من تشهده" قال الطحاوي: من زاد عليه فقد خالف الإجماع وقال أحمد من زاد عليه فقد أساء. وهو واجب عنده وعند الشافعية يسجد لتركه.

(ولهما عن كعب بن عجرة) بن عدي البلوي ثم القضاعي حليف الأنصار نزل الكوفة وتوفي بالمدينة سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين وله خمس وسبعون (أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم) خرج عليهم فقالوا قد عرفنا كيف نسلم عليك. فكيف نصلي عليك، ولمسلم عن أبي مسعود " أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك" ولأحمد وابن خزيمة "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فـ (قال قولوا اللهم صل على محمد) والصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملإ الأعلى كما حكاه البخاري عن أبي العالية وأمرنا الله أن نصلي عليه – صلى الله عليه وسلم ليجتمع له ثناء أهل السماء والأرض.

(وعلى آل محمد) تقدم أنهم أهل بيته أو أتباعه. وفي لفظ: "اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته" وقيل هم القرابة من غير تخصيص وإليه ذهب جماعة من أهل العلم. ولا شك

ص: 234

أنهم أحق من غيرهم، وتجوز الصلاة على غير النبي – صلى الله عليه وسلم منفردًا إذا لم يكثر ولم يتخذ شعارًا (كما صليت على آل إبراهيم) إسماعيل وإسحاق وأولادهما، وروي "على إبراهيم وآل إبراهيم". واستشكل التشبيه هنا بعض أهل العلم وذكروا فيه أقوالاً ولعل المراد بالتشبيه في الصلاة لا في القدر.

وقال ابن القيم شرعت الصلاة على آل محمد – صلى الله عليه وسلم مع الصلاة عليه تكميلاً لقرة عينه بإكرام آله والصلاة عليهم، وأن يصلي عليه وعلى آله كما صلي على أبيه إبراهيم وآله والأنبياء كلهم بعد إبراهيم من آله. ولذلك كان المطلوب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم صلاة مثل الصلاة على إبراهيم وعلى جميع الأنبياء من بعده وآله المؤمنين فلهذا كانت هذه الصلاة أكمل ما صلي عليه بها وأفضل، فحصل له أعظم مما حصل لإبراهيم وغيره، وإذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به وله نصيب وافر من المشبه ظهر به فضله على كل الأنبياء بما هو اللائق به، وإبراهيم هو الخليل عليه السلام ابن آزر ولد قبل المسيح بألفي عام ومعناه أب رحيم.

(إنك حميد) أي محمود على كل حال مستحق لجميع المحامد (مجيد) أي ماجد والماجد هو المتصف بالمجد وهو كمال الشرف والكرم والصفات المحمودة.

قال ابن عبد البر وغيره الصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم رويت من طرق متواترة بألفاظ متقاربة اهـ. وأوجبه طائفة من أهل العلم من الصحابة

ص: 235

والتابعين والفقهاء وهو مذهب الشافعي في التشهد الذي يعقبه السلام للآية والأخبار، وعند أحمد وجماعة أنه ركن.

وعن فضالة سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته ولم يحمد الله ولم يصل على النبي – صلى الله عليه وسلم فقال عجل هذا ثم دعاه فقال: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء" صححه الترمذي فالدعاء بعده مشروع إجماعًا (وبارك على محمد) البركة الثبوت والدوام أي أثبت له وأدم ما أعطيته من الشرف والكرامة (وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم) وروي إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين (إنك حميد مجيد) محمود على كل حال متصف بالمجد وهو كمال الشرف.

(وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم إذا تشهد أحدكم) ولمسلم "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير"(فليستعذ بالله من أربع) وأجمعوا على سنيته وقيل بوجوبه والتعوذ بالإلتجاء والاعتصام، وفي الصحيحين عن عائشة كان يدعو في صلاته (يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم) لفظة أعجمية وقيل عربية سميت بها لبعد قعرها من الجهومة وهي الغلظ وقدمه لأنه أشد وأبقى وتواترت الأحاديث بالإستعاذة منها، والعذاب في الأصل الضرب والنكال والعقوبة ثم استعمل في كل عقوبة مؤلمة.

ص: 236

(وأعوذ بك من عذاب القبر) وتواترت أيضًا بالاستعاذة من عذاب القبر، والإيمان به وبنعيمه من أصول أهل السنة والجماعة. قال الشيخ ويقع على الأبدان والأرواح إجماعًا وقد ينفرد أحدهما (ومن فتنة المحيا والممات) الحياة والموت ففي الحياة ما يعرض للإنسان من الابتلاء والافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات ونحو ذلك، والممات عند الموت أضيف إليه لقربه منه أو فتنة القبر وما بعده وقد تواترت الأحاديث بالاستعاذة منه. وفي حديث الكسوف "إنكم تفتنون في قبوركم" ومنه سؤال الملكين ولا يكون تكرارًا لعذاب القبر لأن عذاب القبر متفرع على ذلك.

(ومن فتنة المسيح الدجال) بالحاء المهملة على المعروف وقيل بالخاء قال أبو الهيثم وغيره المسيح بالمهملة ضد المسيخ بالمعجمة عيسى مسحه الله إذ خلقه خلقًا حسنًا ومسخ الدجال إذ خلقه خلقًا ملعونًا اهـ. سمي بذلك لمسحه الارض ذهابه فيها أو لأنه ممسوح العين اليمنى أعورها. قال عليه الصلاة والسلام (إنه أعور) وسمي دجالاً لخدعه أو لكذبه أو لتمويهه على الناس وتلبيسه من الدجل وهو التغطية (متفق عليه).

وهذه الأربع هي مجامع الشر كله فإن الشر إما عذاب الآخرة وإما سببه. والعذاب نوعان عذاب في البرزخ وعذاب في الآخرة وأسبابه الفتنة وهي نوعان. كبرى وصغرى.

فالكبرى فتنة الدجال وفتنة الممات. والصغرى فتنة الحياة التي

ص: 237

يمكن تداركها بالتوبة بخلاف فتنة الممات وفتنة الدجال فإن المفتون فيهما لا يتداركهما فأمرنا الله بالتعوذ منها. وفي حديث عائشة " اللهم إني أعوذ بك من المغرب والمأثم" وتقدم أمره – صلى الله عليه وسلم بالدعاء بما أحب وبما شاء. وقال الشيخ الدعاء في آخرها قبل الخروج مشروع مسنون بالسنة المستفيضة وإجماع المسلمين اهـ.

وقد كان غالب دعائه صلى الله عليه وسلم بعد التشهد قبل السلام. وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها، وهو اللائق بحالة المصلي فإنه مقبل على ربه يناجيه ما دام في الصلاة فلا ينبغي للعبد أن يترك سؤال مولاه في حال مناجاته والقرب منه والإقبال عليه. وآكده عند خروجه من هذه العبادة على هذه الهيئة إذ كان منطرحًا فيها بين يدي ربه، وقد شرع له أمام استعطافه كلمات التحيات مقدمة بين يدي سؤاله فكأنه توسل إلى الله بعبوديته وبالثناء عليه والشهادة بالوحدانية ولرسوله – صلى الله عليه وسلم بالرسالة ثم الصلاة على رسوله، ثم قيل له تخير من الدعاء أحبه إليك فهذا الحق الذي عليك وهذا الحق الذي لك.

وفي الصحيحين عن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه أنه قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"

وقال علي كان آخر ما يقول بين التشهد والسلام "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به

ص: 238

مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت" ومنه قوله: "اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره" وغيره ذلك مما ورد.

(وعن ابن مسعود أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره) يقول ملتفتًا عن يمينه: (السلام عليكم ورحمة الله) ويقول ملتفتًا عن يساره (السلام عليكم ورحمة الله) حتى يرى بياض خده (رواه الخمسة) وغيرهم (وصححه الترمذي) وقال العمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وأصله في مسلم وله من حديث عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى النبي – صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده" قال أحمد ثبت عندنا من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده قال العقيلي والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود ولا يصح في تسليمه واحدة شيء. وقال البزار روي عن ابن مسعود من غير وجه.

وفي الباب أحاديث كثيرة وأجمع العلماء على مشروعيتهما وهو فعله الراتب – صلى الله عليه وسلم وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وقال ابن القيم ثبتت بها السنة الصحيحة المحكمة عن خمسة عشر صحابيًا ما بين صحيح وحسن عن النبي – صلى الله عليه وسلم وقال البغوي التسليمة الثانية زيادة من ثقات يجب قبولها والواحدة غير ثابتة عند أهل النقل فيسلم وهو جالس ندبًا إجماعًا يبتدئ السلام

ص: 239

متوجهًا إلى القبلة وينهيه مع تمام التفاته وهو سنة فيهما.

(ولهم) أي للخمسة (إلا النسائي عن علي مرفوعًا تحريمها) أي تحريم الصلاة (التكبير) لا تحريم لها غيره وتقدم (وتحليلها التسليم) أي تحليل ما كان حرامًا فيها حاصل بالتسليم جعل تحليلاً لها يخرج به المصلي كما يخرج بتحليل الحج منه، وليس لها تحليل سواه ولا يخرج من الصلاة بدونه. وهو منها وأحد أركانها.

قال النووي وغيره جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أنه واجب. وقالوا أيضًا إن السلام للتحليل من الصلاة ركن من أركانها وفرض من فروضها لا تصح إلا به هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير السلف والخلف والأحاديث الصحيحة المشهورة مصرحة بذلك. قال في محاسن الشريعة فيه معنى لطيف كأن المصلي مشغول عن الناس ثم أقبل عليهم كغائب حضر. اهـ.

والحكمة أنه ما دام في صلاته فهو في حمى مولاه فإذا انصرف ابتدرته الآفات فإذا انصرف مصحوبًا بالسلام الذي جعل تحليلاً لها لم يزل عليه حافظ من الله إلى وقت الأخرى وجعل هذا التحليل دعاء الإمام لمن وراءه بالسلامة التي هي أصل كل خير وأساسه. وشرع لمن وراءه أن يتحلل بمثل ما تحلل به وذلك دعاء له وللمصلين معه. ثم شرع لكل مصلي

ص: 240