الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشروط في النكاح
تقدم تعريف الشروط. والمراد هنا ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر مما له فيه غرض. والمعتبر منها ما كان في صلب العقد أو اتّفاقًا عليه قبله. والشروط في النكاح منها ما هو صحيح يجب الوفاء به بالاتفاق. وهو ما يقتضيه العقد. كتسليم الزوجة. والاستمتاع بها. وغير ذلك مما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ومنها ما تنتفع به المرأة ولا ينافي مقتضى العقد كأن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى ونحو ذلك. ومنها ما هو فاسد لا يصح على ما سيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.
(وعن عقبة) ابن عامر رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحقَّ الشروط أن يوفى بها) وفي لفظ «أحق ما أوفيتم به من الشروط» وفي لفظ «إن أحق الشروط أن توفوا به» (ما استحللتم به الفروج متفق عليه) أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح، فهي أولى من الشروط في البيوع وغيرها. لأن أمره أحوط. وبابه أضيق والمراد الجائزة لا المنهي عنها. فقد قال علي رضي الله عنه سبق شرط الله شرطها.
(وقال) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) وتقدم وفيه «إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً» فيدخل فيه شرط ما يقتضيه العقد وما تنتفع به المرأة ولا ينافي الشرع، وبطلان ما أحل حرامًا أو حرم حلالاً كشرط طلاق أختها.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (مرفوعًا نهي) أي أنه صلى الله عليه وسلم نهى (أن تشترط المرأة طلاق أختها متفق عليه) وسواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين، وقال ابن عبد البر الأخت هنا الضرة، وفي لفظ لهما «ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صحفتها» وفي لفظ «إنائها فإنما رزقها على الله تعالى» ولأحمد من حديث عبد الله بن عمر «لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى» .
والنهي يقتضي بطلان الشرط. وهو مذهب جماهير العلماء، ولأنها شرطت عليه فسخ عقده وإبطال حقه وحق امرأته فلم يصح الشرط، وهذا التحريم فيما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك لريبة، أو على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر أو غير ذلك من المقاصد المسوغة لطلبها ذلك.
(وقال عمر) رضي الله عنه (فيمن شرطت دارها أي على من تزوجها ثم أراد نقلها) فقضى عليه بلزوم الشرط، قال المشروط عليه إذ يطلقنا فقال عمر (لها شرطها) أي بقاؤها في دارها عملاً بالشرط. ثم قال رضي الله عنه (مقاطع الحقوق عند الشروط) وتقدم أمره صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالشروط، وإن أحق الشروط بالوفاء ما استحلت به الفروج. فدلت الأحاديث
والأثر على الوفاء بالشروط. فإذا شرطت دارها أو بلدها صح الشرط، وكذا لو شرطت أن لا يتزوج عليها أو أن لا يتسرى عليها فيصح الشرط، فإن وفى به وإلا فلها الفسخ، كما هو ظاهر النصوص. وقول عمر. وقال الموفق وغيره هو قول غيره من الصحابة ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم.
وقال ابن القيم يجب الوفاء بهذه الشروط التي هي أحق أن يوفى بها، وهو مقتضى الشرع والعقل، والقياس الصحيح، فإن المرأة لم ترض ببذل بضعها للزوج إلا على هذا الشرط، ولو لم يجب الوفاء به لم يكن العقد عن تراض وكان لزامًا لها بما لم تلتزمه، وبما لم يلزمها الله به ولا رسوله، وكذا لو شرطت أن لا يسافر بها. وقال الشيخ لو خدعها فسافر بها ثم كرهته لم يكن له أن يكرهها بعد ذلك، وقال إذا أراد أن يتزوج عليها أو يتسرى وقد شرط لها عدم ذلك فقد يفهم من إطلاق أصحابنا جوازه بدون إذنها. لكونهم إنما ذكروا أن لها الفسخ، ولم يتعرضوا للمنع، قال وما أظنهم قصدوا ذلك. وظاهر الأثر والقياس يقتضي منعه كسائر الشروط الصحيحة اهـ.
ولو شرطت أن لا يفرق بينها وبين أولادها، وأبويها. أو أن ترضع ولدها الصغير صح الشرط، أو شرطت نقدًا معينا أو زيادة في مهرها، أو نفقة ولدها وكسوته صح، قال الشيخ لو شرطت مقام ولدها عندها ونفقته على الزوج كان مثل اشتراط الزيادة في الصداق، ويرجع إلى العرف كالأجير بطعامه وكسوته وقال إذا شرطت عليه أن لا يخرجها من دارها، ونحوه صح في
مذهب أحمد ومالك ووجه في مذهب الشافعي وكذا إن كان متقدمًا على العقد ولو لم يذكره حين العقد. وقال عامة نصوص أحمد وقدماء أصحابه ومحققي المتأخرين على أن الشروط والمواطأة التي تجري بين المتعاقدين قبل العقد إذا لم يفسخاها حين العقد. فإن العقد يقع مقيدًا بها.
وقال ابن القيم في قصة ابنة أبي جهل يؤخذ منها أن المشروط عرفًا كالمشروط لفظًا، وأنه يملك به فسخ العقد، فقوم لا يخرجون نساءهم من ديارهم عرفًا وعادة، أو امرأة من بيت قد جرت عادتهم أن الرجل لا يتزوج على نسائهم، أو يمنعون الأزواج منه. أو يعلم عادة أن المرأة لا تمكن من إدخال الضرة عليها كان ذلك كالمشروط لفظًا، وهذا عرف مطرد إلى آخر كلامه رحمه الله، وإن شرط أن لا يخرجها من منزل أبويها فمات أحدهما بطل الشروط واستظهره الشيخ وغيره، وقال يحتمل أن لا يخرجها منزل أمها، إلا أن تتزوج الأم، وقال فيمن شرط لامرأته أن يسكنها بمنزل أبيه فسكنت ثم طلبت النقلة عنه وهو عاجز لا يلزمه ما عجز عنه. بل لو كان قادرًا فليس لها عند مالك واحد القولين في مذهب أحمد وغيرهما غير ما شرط لها.
(وعن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار) بكسر الشين سمي شغارًا لخلوه عن العوض، من قولهم شغر المكان إذا خلا، أو من شغر الكلب إذا رفع رجله يبول، ولمسلم عنه «لا شغار في الإسلام» وللترمذي عن
عمران بن حصين نحوه وصححه (والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه" وفي لفظ لهما أن التفسير من كلام نافع، ولأحمد من حديث أبي هريرة "نهى عن الشغار، والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي. أو زوجني أختك وأزوجك أختي.
وللبيهقي عن جابر: "أن تنكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه" قال القرطبي تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة، فإن كان مرفوعًا فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضًا. لأنه أعلم بالمقال، وأقعد بالحال، وقال شيخ الإسلام: حقيقته أنه مبادلة بضع ببضع، كما قال أحمد فرج بفرج. واتفق أهل العلم أن هذه صفته، وقال ابن رشد اتفقوا على أن نكاح الشغار غير جائز لثبوت النهي، والنفي، وهو دال على أن الشغار حرام باطل، ولا نزاع في تحريمه، ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلمًا في الآخر، فصار فساده أنه وقفه على شرط فاسد.
قال الشيخ ولم يقابل كل منهما إلا بمنفعة البضع الآخر، فالنفع للولي، وهو البضع خاصة فهذا إشغار للنكاح من المهر، وإخراج للمرأة عن استحقاق المهر، وهذا هو النكاح الذي نفي فيه المهر، فعلم أن النكاح بشرط نفي المهر باطل، قال وحقيقة الأمر أن كل واحدة قد رضيت ببذل بضعها بلا مهر، لأجل ما تبذله لوليها من بضع الأخرى فكأنها رضيت بمهر يستحقه
الولي، ولا تستحقه هي. ولو جاز هذا لجاز أن المرأة تملك بضع المرأة لتزوجها لرجل، إما بعوض وإما بغير عوض اهـ.
والتحريم غير مختص بالبنات فقد أجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات. كما حكاه النووي وغيره، ولو جعل بضع كل واحدة مع دراهم معلومة مهرًا للأخرى لم يصح. أو سمى مهرًا قليلاً كان أو كثيرًا حيلة لم يصح. وذلك بأن يكون العوض المقصود هو الفرج الآخر، حيث أنه لا يزوج به هذا الرجل قط لولا ابنته معه، ففرج هذه هو المقصود لا المهر، ولأحمد أن العباس بن عبد الله أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وقد كانا جعلا صداقًا، فكتب معاوية إلى مروان بالتفريق بينهما، وقال في كتابه هذا هو الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر الشيخ الأخبار، وأقوال الناس. ثم قال وفصل الخطاب أ، الله حرم نكاح الشغار، لأن الولي يجب عليه أن يزوج موليته إذا خطبها كفوء، ونظره لها نظر مصلحة لا نظر شهوة، والصداق حق لها لا له، قال، وليس للولي ولا للأب أن يزوجها إلا لمصلحتها، وليس له أن يزوجها بالزوج الناقص لغرض له، وإذا زوجها برجل ليزوجه وليته كان قد زوجها لغرضه لا لمصلحتها. وبمثل هذا تسقط ولايته، ومتى كان غرضه أن يعاوض فرجها بفرج الأخرى لم ينظر في مصلحتها وصار كمن زوجها على مال له لا لها، وكلاهما لا يجوز.
وعلى هذا فلو سمي صداقًا حيلة والمقصود المشاغرة لم يجز كما نص عليه أحمد، لأن مقصوده أن يزوجها بتزوجه بالأخرى، والشرع قد بين أنه إذا زوج وليت هو على أن يزوجه الآخر وليته لا يقع هذا إلا لغرض الولي لا لمصلحة المرأة سواء سمي مع ذلك صداقًا أو لم يسمه كما قال معاوية وغيره، وأحمد رحمه الله جوزه مع تسمية الصداق المقصود دون الحيلة. .
مراعاة لمصلحة المرأة في الصداق، وقد يصدق صداق المثل، لكن الولي إنما رغب في الخاطب لغرضه إلا لمصلحتها، وقد يكون هناك خاطب أصلح منه، قال والظاهر أن هذا وإن لم يسم شغارًا فهو في معناه من جهة أن الولي زوجها لغرض يصلح له من الزوج، كما يحصل له إذا زوجه موليته.
وذكر أن لها حقين حقًا في مال الزوج وهو الصداق فإذا أسقط هذا بالشغار كان حرامًا باطلاً وحقًا في بدن الزوج، وهو كفاءته، فلو زوجها الولي بغير كفء لغرض له لم يجز ذلك، وإن أذنت له لجهلها بحقيقة الأمر فوجود هذا الإذن كعدمه.
وقال أيضًا أما إذا سمي لها صداق مثلها فهذا يجوز في الجملة لكن يبقى تخصيصها بهذا الخاطب دون غيره، أما إن كان لغرضه لم يكن له ذلك، وأما إذا كان الخاطب أصلح لها، ولم يبذل للولي شيئًا، بل كل من الزوجين راغب في المرأة المخطوبة، وكل من المرأتين راغبة في خاطبها، فهذا جائز مع الصداق الشرعي.
(وعن ابن مسعود) رضي الله عنه أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل) سمي محللاً لقصده الحل في موضع لا يحصل فيه الحل (والمحلل له) أي ولعن المحلل له (رواه الخمسة وصححه الترمذي) وابن القطان وابن دقيق وغيرهم.
وقال الترمذي العمل عليه عند أهل العلم منهم عمر وعثمان وابن عمر، هو قول الفقهاء من التابعين، ولابن ماجه والحاكم من حديث عقبة:"ألا أخبركم بالتيس المستعار" قالوا بلى يا رسول الله قال: "هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له" وعن علي نحوه.
وهذه الأحاديث دالة على تحريم التحليل، لأنه لا يكون اللعن إلا على فاعل محرم، وكل محرم منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، فإن تزوجها بشرط أنه متى حللها للأول طلقها بطل النكاح في قول عامة أهل العلم.
سواء قال زوجتكها إلى أن تطأها، أو أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما، وكذا إن نوى التحليل بلا شرط، وحكي عن طائفة من الصحابة، ولا مخالف لهم، ولأنه قصد التحليل فلم يصح النكاح كما لو شرطه، قال الشيخ لا يصح نكاح المحلل ونية ذلك كشرطه، وكذا إن اتفقا عليه قبل العقد ولم يرجع عن نيته بطل النكاح ولو لم يذكر في العقد لم يصح العقد.
وقال أجمعوا على تحريم نكاح المحلل، واتفق أئمة الفتوى على أنه إذا شرط التحليل في العقد كان باطلاً والصحابة والتابعون وأئمة الفتوى لا فرق عندهم بين الشرط المتقدم
والعرف وهو قول أهل المدينة وأهل الحديث وقال ولا يحصل به الإحصان، ولا الإباحة للزوج الأول، ويلحق فيه النسب.
ومن عزم على تزويجه بالمطلقة ثلاثا، ووعدها كان أشد تحريمًا من التصريح بخطبته المعتدة إجماعًا، لا سيما إذا اتفق عليها، وأعطاها ما تحلل به اهـ.
وإن لم يكن للزوج نية فقال ابن القيم وغيره إنما تؤثر نيته وشرط الزوج، ولا أثر لنية الزوجة، ولا الولي وإنما التأثير لنية الزوج الثاني فإنه إذا نوى التحليل كان محللاً فيستحق اللعنة، ويستحق الزوج المطلق اللعنة، إذا رجعت إليه، بهذا النكاح الباطل، فأما إذا لم يعلم الزوج الثاني ولا الأول بما في قلب المرأة، أو وليها من التحليل، لم يضر ذلك العقد شيئًا، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم من امرأة رفاعة أنها كانت تريد أن ترجع إليه، ولم يجعل ذلك مانعًا من رجوعها إليه، وإنما جعل المانع عدم وطء الثاني فقال:«حتى تذوق عسيلته» .
(وعن سبرة) بن معبد الجهني رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة، أيها الناس إني كنت أذنت لكم) وفي رواية أمرنا بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة (في الاستمتاع) بالجماع (من النساء) وهو النكاح الموقت.
بأمد معلوم أو مجهول، سميت بذلك لأنه يتزوجها ليتمتع بها إلى أمد. قال صلى الله عليه وسلم «وإن الله قد حرم ذلك» أي نكاح المتعة (إلى يوم القيامة رواه مسلم) وفي رواية فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا" وفي رواية أنه غزا
مع النبي صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة قال فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا في متعة النساء" ثم قال: فلم نخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهما عن ابن مسعود كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معنا نساء، فقلنا أفلا نختصي " فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا بعد أن تنكح المرأة بالثوب إلى أجل" وللترمذي من حديث سهل "إنما رخص في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها بعد ذلك" والمقصود أنه إنما رخص فيها بسبب العزوبة ثم حرمت.
قال الحافظ ولا يصح من روايات الإذن بالمتعة شيء إلا في غزوة الفتح، وحرمت فيها، والإذن الواقع منه منسوخ بالنهي المؤبد، وقال شيخ الإسلام الروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه تعالى حرم المتعة بعد إحلالها، والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل، وأنها لما حرمت عام فتح مكة لم تحل. بعد ذلك، ولم تحرم عام خيبر.
وذكر ابن القيم أن المسلمين لم يكونوا يستمتعون بالكتابيات، يقوي أن النهي فيها لم يقع عام خيبر، وذكر السهيلي وغيره أنه لا يعرف عن أهل السير ورواة الآثار أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة عام خبير، وذكر ابن عيينة وغيره أن النهي زمن خبير عن لحوم الحمر الأهلية.
وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر، وقال القرطبي: الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل، وأنه حرم
ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض، وقال الحازمي وكان تحريمًا
مؤبدًا لم يبق اليوم خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة إلا أشياء ذهب إليها بعض الشيعة.
وما روي عن ابن عباس ثبت رجوعه فيها، وكانت تقرأ {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} حتى نزلت:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى قوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} فتركت المتعة، وكان الإحصان وتحريمها كالإحماع بين المسلمين لم يبقى خلاف إلا من بعض الروافض.
وقال الوزير أجمعوا على أن نكاح المتعة باطل لا خلاف بينهم في ذلك، فإذا تزوج الغريب بنية طلاقها، أو قال الولي زوجتك وإذا جاء غد فطلقها أو وقت كذا فطلقها، أو وقته بمدة، بأن قال زوجتكها شهرًا أو سنة لم يصح النكاح، وإن زوجها إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحاج، أو يقول الزوج أمتعيني نفسك، أو نوى بقلبه فكالشرط، ولا فرق بينه وبين نية التحليل أيضًا وكذا لو شرط الزوج في النكاح طلاقها ولو مجهولاً فكالمتعة لا يصح.
وإن علق النكاح على شرط مستقبل كاذا جاء رأس الشهر، أو إن رضيت أمها ونحوه، فقال ابن رجب رواية الصحة أقوى، وإن قال زوجتك إن كانت بنتي، أو إن انقضت عدتها، وهما يعلمان ذلك، أو إن شئت فقال قد شئت وقبلت ونحوه صح لأنه تقوية، وإن شرط فيها خيارًا صح النكاح عند الجمهور.
وإن شرط أن لا مهر ولا نفقة، أو أن يقسم لها أقل من ضرتها صح النكاح، وبطل الشرط عند الجمهور، واختار الشيخ صحته كترك ما تستحقه، وإن شرطها مسلمة فبانت كتابية فله الفسخ، أو شرطها بكرًا أو جميلة أو نسيبة وبانت بخلافه فله الفسخ، وكذا لو شرط نفي عيب لا ينفسخ به النكاح، لا إن شرط صفة فبانت أعلى منها، وإن ظنها مسلمة أو جميلة ونحو ذلك فقال الشيخ لو قال ظننتها أحسن مما هي أو ما ظننت فيها هذا لم يلتفت إلى قوله.
وكان هو المفرط حيث لم يسأل ولم يرها، ولا أرسل إليها من رآها له، وإذا فرط فله التخلص بالطلاق.
وقال إن شرط وصفًا مقصودًا فبانت بخلافه فإلزامه بما لم يرض به لم يأت به شرع ولا عرف، بل هو مخالف للأصول والعقول، ولا شيء عليه إن فسخ قبل الدخول، وبعده يرجع بالمهر على الغار، وإن شرط أنها حرة فكانت أمة، فإن كان ممن يحل له نكاح الإماء فله الخيار، ولا فرق بينهما وما ولدته قبل العلم حر يفديه بقيمته يوم ولادته بلا خلاف، وإن كان عبدًا فولده حر أيضًأ يفديه إذا عتق عند الجمهور ويرجع على من غره، وكذا إن تزوجت على أنه حر فبان عبدًا فلها الخيار، أو شرطت صفة فبان بخلافها.
(ولهما) أي البخاري ومسلم (عن عائشة أنه) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير بريرة على زوجها حين عتقت) وللبخاري من
حديث ابن عباس أنه كان عبدًا، وروي أنه كان حرًا، وقال الحافظ وغيره رواية كونه عبدًا أثبت وأكثر، ولأبي داود أن زوج بريرة كان عبدًا أسود يسمى مغيثًا فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد.
وفي الصحيح ذاك مغيث عبد بني فلان، وللترمذي لبني مغيرة، ولأبي داود عبد لبني أحمد، وفيها:"إن قربك فلا خيار لك" فدل الحديث على ثبوت الخيار للمعتقة بعد عتقها في زوجها إذا كان عبدًا وهو إجماع.
وإن كان حرًا فالجمهور على أنه لا يثبت لها خيار، لأن العلة في ثبوت الخيار إذا كان عبدًا هو عدم المكافأة من العبد للحرة في كثير من الأحكام. وقال ابن القيم عقد عليها السيد بحكم الملك حيث كان مالكًا لرقبتها، ومنافعها، والعتق يقتضي تمليك الرقبة والمنافع للمعتق، وهذا مقصود العتق وحكمته، فإذا ملكت رقبتها ملكت بضعها ومنافعها، ومن جملتها منافع البضع، فلا تملك عليها إلا باختيارها، فخيرها الشارع بين الأمرين من البقاء تحت الزوج. أو الفسخ منه.
وفي بعض طرق حديثها " ملكت نفسك فاختاري" وهذا إشارة إلى علة التخيير، فيقتضي ثبوت الخيار، وإن كانت تحت حر، وهذا مذهب أصحاب الرأي، واختاره شيخ الإسلام لهذا الخبر، ولأنها ملكت رقبتها وبضعها فلا يملك ذلك عليها إلا باختيارها.
فتقول فسخت نكاحي، واخترت نفسي ولو متراخيًا