الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشيخ: وإسقاط الحمل حرام بإجماع المسلمين ولو عاندت فأسقطت جنينها وجب عليها غرة لورثتها غير أمه.
باب القسامة
بفتح القاف وتخفيف السين، وهي لغة: اسم القسم أقيم مقام المصدر من قولهم أقسم إقسامًا وقسامة، وأيضًا عند أهل اللغة اسم للحالفين، وشرعًا أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم، ودلت السنة على مشروعيتها وأنها أصل مستقل، وهو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين، وقال الوزير: اتفقوا على أن القسامة مشروعة في الوقت إذا وجدوا القتيل ولم يعلم قاتله.
(روى مسلم) في صحيحه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرَّ القسامة على ما كانت عليه) يعني القسامة (في الجاهلية) قال ابن عباس: أول قسامة كانت فينا بني هاشم رجل منا قتله رجل من قريش فقال أبو طالب: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل أو يحلف خمسون من قومك، وإلا قتلناك به، فحلفوا إلخ، (وقضى) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بها) أي بالقسامة (بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود) وهذا على معين وهو قول الجمهور. فلا قسامة على مبهم، ولا في دعوى قطع طرف أو جرح ونحوهما، وللبيهقي عن أناس من الصحابة أن القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية
وقضى بها بين ناس من الأنصار من بني حارثة في قتيل ادعوه على اليهود.
(ولهما) أي البخاري ومسلم (عن سهل بن أبي حثمة) بن عامر بن ساعدة الأوسي الأنصاري، وفي رواية عن رجال من كبراء قومه (أن عبد الله بن سهل) بن زيد الأنصاري (ومحيصة بن مسعود) بن زيد بن كعب بن عامر الأوسي (خرجا إلى خيبر) وهو يومئذ صلح بعد فتحها في أصحاب لهما يمتارون تمرًا، وفي رواية هو وابن عم له، فتفرقا في خيبر (فأتى محيصة) بن مسعود بن زيد (إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه) أي يضطرب فيه "قتيلاً فدفنه ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا أحد ألفاظ الحديث (فأتى) محيصة (يهود فقال: أنتم قتلتموه) يعني عبد الله بن سهل (فقالوا: لا، فأقبل هو وأخوه حويصة) بن مسعود بن زيد (وعبد الرحمن بن سهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وتكلموا في أمر صاحبهم.
(فقال): (أتحلفون وتستحقون قاتلكم) أو صاحبكم في لفظ "دم صاحبكم" أمرهم أن يستوجبوا الحق الذي يدعونه على اليهود بأيمانهم، لأن اللوث وخمسين يمينًا بمنزلة الشهادة أو أقوى، وامتازت القسامة بكون الأيمان فيها خمسين تغليظًا لشأن الدم (وفي رواية: تأتون بالبينة) على من قتله (قالوا: ما لنا بينة) ولأبي داود "شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم" والجمع بين
الروايتين أن هذه الرواية مشتملة على زيادة وهي طلب البينة أولاً ثم اليمين ثانيًا (فقال: أتحلفون) وذلك أن قاعدة الشرع أن تكون اليمين في جانب أقوى المتداعيين (فقالوا: وكيف نحلف) أي على قاتله (ولم نشهد ولم نر) وفي رواية ما شهدنا ولا حضرنا قدمهم لتقوية جانبهم باللوث.
(قال: فتبرئكم يهود) وفي رواية قال: فيحلفون يعني اليهود (بخمسين يمينًا) أي يخلصونكم عن الأيمان بأن يحلفوا خمسين يمينًا، لا قتلت ولا شاركت في قتله، ولا كنت سببًا في موته، ولا معينًا على موته، فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء (فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار) وفي رواية ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يحلفون.
(فوداه بمائة من الإبل) وفي رواية فكره أن يبطل دمه، وفي رواية: أن يطل دمه أي يهدر فوداه بمائة من الإبل أي من إبل الصدقة، وفي رواية فعقله أي أعطى ديته، وفي رواية: من عنده، أي من بيت المال المرصد للمصالح (متفق عليه) من وجوه بألفاظ، ورواه أهل السنن وغيرهم، وفي رواية متفق عليها "يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته" فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال: "فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم" الحديث، في الصحيحين "إما أن يدوا أو يأذنوا بحرب" وهو لا يعرض إلا ما كان شرعًا.
فدلت هذه الأحاديث على مشروعية القسامة، وأنها أصل
من أصول الشرع مستقل بنفسه، ولا نزاع في ذلك فتخصص به الأدلة العامة، وقال البيهقي: أصح ما روي بعد حديث سهل حديث خارجة بن زيد أنه قتل رجل من الأنصار وهو سكران رجلاً آخر من الأنصار من بني النجار في عهد معاوية ولم يكن شهادة إلا لطيخ وشبهة، فاجتمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلونه، قال فركبنا إلى معاوية فكتب إلى سعيد بن العاص، فقال: أنا منفذ كتاب أمير المؤمنين فأعدوا على بركة الله، فأسلمه بعد أن حلفنا عليه خمسين يمينًا وفي الناس يومئذ من الصحابة والفقهاء ما لا يحصى، فما اختلف اثنان منهم، وللبيهقي وغيره عن عمر في قتيل وجد بين وادعة وشاكر، فأمرهم أن يقيسوا ما بينهما فوجدوه إلى وادعة أقرب وقال: قضيت لكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وسلم ونحوه في رجل من
جهينة.
ودل قوله صلى الله عليه وسلم "فيدفع برمته" مع قوله "تستحقون" على وجوب القصاص بالقسامة، وهو قول الجمهور مالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه، وأنها تكون على معين، قال الحافظ اتفقوا على أنها لا تجب بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترن بها شبهة يغلب على الظن الحكم بها، وقال أحمد: أذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ، وإذا كان ثم سبب بين، وإذا كان ثم عداوة وإذا كان مثل المدعي عليه يفعل هذا قال الشيخ: فذكر أربعة أمور اللطخ وهو التكلم في عرضه كالشهادة المردودة
والسبب البين كالتعرف عن قتيل، والعداوة وكون المطلوب من المعروفين بالقتل، وهذا هو الصواب.
فإذا كان ثم لوث يغلب على الظن أنه قتل من اتهم بقتله جاز لأولياء المقتول أن يحلفوا خمسين يمينًا ويستحقوا دمه، وقال ابن القيم: وهو من أحسن الاستشهاد فإنه اعتماد على ظاهر الإمارات المغلبة على الظن بصدق المدعي فيجوز له أن يحلف بناء على ذلك، ويجوز للحاكم بل يجب عليه أن يثبت حق القصاص. قال: وليس إعطاء بمجرد الدعوى، وإنما هو بالدليل الظاهر الذي يغلب على الظن صدقه، فوق تغليب الشاهدين وهو اللوث والعداوة والقرينة الظاهرة من وجود العدو مقتولاً في بيت عدوه، فقوى الشارع هذا السبب باستحلاف خمسين يمينًا من أولياء المقتول الذين يستحيل اتفاقهم كلهم على رمي البريء بدم ليس منه.
وإن نكلوا أو كانوا نساء حلف المدعي عليه خمسين يمينًا وبرئ إن رضي الورثة وإلا فداه الإمام اهـ، وإن نكل المدعي عليه القتل خطأ أو شبه عمد قضي عليه بالنكول، وكذا عمدًا لكن بالدية، وإذا ثبت اللوث فيشترط تكليف مدعى عليه القتل، وإمكان القتل منه، ووصف القتل في الدعوى، وطلب جميع الورثة، واتفاقهم على الدعوى، وعلى عين القاتل، وكون فيهم ذكور مكلفون، وكون الدعوى على واحد معين، ويقاد فيها إذا تمت هذه الشروط وشروط القود لما تقدم.