الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب عشرة النساء
بكسر العين الاجتماع، يقال لكل جماعة عشرة، ومعشر، والمراد هنا ما يكون بين الزوجين من الإلفة والانضمام وما يلزم كلا منهما من العشرة بالمعروف، فلا يمطل أحدهما حق صاحبه ولا يتكره لبذله ولا يتبعه أذى ولا منة.
قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم، وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل ذلك أنت بها مثله، قال ابن زيد تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيكم، وقال صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر.
يداعب أهله ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه حتى أنه يسابق عائشة يتودد إليها بذلك، ويأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، وينام مع إحداهن في شعار واحد قال تعالى:{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا *} أي فعسى أن يكون صبركم في إمساككم لهن مع الكراهة فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة.
ومنه أن يعطف عليها فيرزق منها ولدًا، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الصحيح لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقًا رضي منها آخر" فدلت الآية على أنه ينبغي إمساكها مع كراهته لها، لأنه لا يعلم وجوه الصلاح فربما مكروهًا عاد
محمودًا أو محمودًا عاد مكروهًا مذمومًا، ولا تكاد تجد محبوبا ليس فيه ما تكره فليصبر المرء على ما يكره لما يحب.
(وقال) تعالى (ولهن) أي للنساء على الرجال من المعاشرة بالمعروف {مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} للرجال من المعاشرة والقيام بحق الزوج {بِالْمَعْرُوفِ} وهو ما يعرف بالشرع ويتعارف بين الناس وجماع المعروف بينهما كف المكروه وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه لا بإظهار الكراهية في تأديته فأيهما مطل بتأخيره فمطل الغني ظلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي، وقال ابن العطار يجب على المرأة أن تبدي لزوجها كل ما يدعوه إليها ويزيدها في مودته وتصطاد به قلبه.
ويجب عليها إزالة نحو وسخ ودرن وغسل نجاسة ونحو ذلك، وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره، وكل ما يمنع كمال الاستمتاع كأكل ما له رائحة كريهة، وقال الشيخ تجبر على تمكينه من جميع أنواع الاستمتاع المباحة، ويجب عليها خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} في الفضيلة وطاعة الأمر والإنفاق وغير ذلك، وقال ابن عباس، بما ساق فحق الزوجة أعظم من حقها عليه وفي الحديث " لو كنت أمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها.
رواه أهل السنن وغيرهم ولأحمد وغيره "والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه" وله أيضًا لا تؤدي حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه.
(وقال) تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أي اعتزلوا جماعهن حال جريان حيضهن، فدلت الآية على تحريم وطء الحائض حال جريان دم الحيض ولا نزاع في ذلك.
ويحرم بعده قبل الغسل عند جماهير العلماء لقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} وتقدم حديث «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» أي الجماع فهو مفسر للآية ومبين الاعتزال المنهي عنه وأنه الجماع لا المواكلة والمشاربة والملامسة والمضاجعة.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «استوصوا») أي أوصيكم «بالنساء خيرًا» يعني فاقبلوا وصيتي «فإنهن عوان عندكم» أي أسيرات، فالعاني الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا «أخذتموهن بأمانة الله» أي أن الله ائتمنكم عليهن فيجب حفظ الأمانة وصيانتها بمراعاة حقوقها والقيام بمصالحها وفي لفظ "بأمان الله"«واستحللتم فروجهن بكلمة الله» أي بإباحة الله والكلمة {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية رواه مسلم.
فدل الحديث على الوصية بهن ومراعات حقهن ومعاشرتهن بالمعروف، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصية بهن وبيان حقوقهن والتحذير من التقصير في ذلك.
(ولهما عنه) أي وللبخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعًا: إن المرأة خلقت من ضلع) بكسر الضاد وفتح اللام وإسكانها واحد الأضلاع (أعوج) أي غير مستقيم "وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه" مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن «فإن ذهبت تقيمه» أي الضلع «كسرته» وفي لفظ «وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها» «وإن استمتعت استمتعت بها وفيها عوج» لأنهن خلقن من أصل معوج، والمراد أن حواء خلقت من ضلع آدم قيل الأقصر الأيسر قال تعالى:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} .
ففيه الوصية بهن والاحتمال لهن والصبر على عوج أخلاقهن وأنه لا سبيل إلى إصلاح أخلاقهن بل لا بد من العوج فيها، وأنه من أصل الخلقة، وتقدم «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر» فإنها لا تستقيم أبدًا فمن حاول حملها على الأخلاق المستقيمة أفسدها، ومن تركها على ما فيها من الإعوجاج انتفع بها.
(وعنه مرفوعًا) أي وعن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أكمل المؤمنين إيمانًا» إذ الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فأكملهم «أحسنهم خلقًا» بضم الخاء ففيه أن من ثبت له مزية حسن الخلق كان من أهل الإيمان الكامل، فإن كان أحسن الناس خلقًا كان أكمل الناس إيمانًا لأن كمال الإيمان يوجب حسن
الخلق والإحسان وإن خصلة يختلف حال الإيمان باختلافهم لخلقته بأن ترغب إليها نفوس المؤمنين قال: «وخياركم خياركم لنسائها» وفي لفظ" إن من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله"(صححه الترمذي) ورواه أحمد وغيره، وجاء أيضًا «خيركم خيركم لأهله» .
فدل الحديثان أن أعلى الناس مرتبة في الخير وأحقهم بالأتصاف به هو من كان خير الناس لأهله، فإن الأهل هم الأحق بالبشر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر، فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس، وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر، وكثيرًا ما يقع الناس في هذه الورطة فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقًا وأشحهم نفسًا وأقلهم خيرًا.
وإذا لقي غير الأهل لانت عريكته وانبسطت أخلاقه، وجادت نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه، وقال ابن الجوزي معاشرة المرأة بالتلطف مع إقامة الهيبة، ولا ينبغي أن يعلمها قدر ماله ولا يفشي إليها سرًا يخاف إذاعته، وليكن غيورًا من غير إفراط لئلا ترمى بالشر من أجله.
(وعنه) أي عن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها» قيل كتابة عن الجماع أو أن المراد الفراش المعهود «لعنتها الملائكة حتى ترجع» متفق عليه وفي لفظ للبخاري «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح» أي
وترجع ولمسلم " كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها" فدل الحديث على أنه يجب على المرأة إجابة زوجها إذا دعاها للجماع أو الفراش للعن الملائكة لها إذ لا يلعنون إلا عن أمر الله، ولا يكون إلا عقوبة ولا عقوبة إلا على ترك واجب، ودل على تأكد وجوب طاعة الزوج وتحريم عصيانه ومغاضبته ورواية "حتى تصبح" خرج مخرج الغالب، وإلا فيجب عليها إجابته نهارًا للأخبار.
وفي خبر الثلاثة الذين لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة" المرأة الساخط عليها زوجها، وله الاستمتاع بها، ولو على تنور أو ظهر قتب للخبر رواه أحمد، وليس له شغلها عن فرض، وليس لها تطوع بصوم أو صلاة وهو شاهد إلا بإذنه، ويباشرها ما لم يضر بها، قال الشيخ فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم كالنفقة، فمن زاد عليها في الجماع صولح على شيء لأنه غير مقدر، وجعل ابن الزبير أربعًا في الليل وأربعًا في النهار، وصالح أنس رجلاً على ستة، ويرجع إلى اجتهاد الحاكم.
(ولهما عنه) أي عن أبي هريرة أيضً رضي الله عنه (مرفوعًا ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) لا لقرابة ولا غيرهم لعموم الخبر ما لم تقم قرينة دالة على رضاه، وللترمذي وصححه، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون وإن خاف ضررا من زيارة أبويها فله منعها، ويعرف ذلك بقرائن الأحوال ومنه أن يفسداها عليه، ولا
يمنعها من كلامهما وله منعها من الخروج من منزلة، ويحرم بلا إذنه من غير ضرورة كاضطرارها لمطعم ومشرب لعدم من يأتيها به.
وينبغي استئذانه أن تمرض محرمها وتشهد جنازته لما في ذلك من صلة الرحم، وعدم إذنه يكون حاملاً لها على مخالفته، قال الشيخ له منعها من الخروج فإذا نهاها لم تخرج، وقال ولا تترك المرأة تذهب حيث شاءت بالاتفاق اهـ.
وله منعها من إجارة نفسها ومن إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورة، وله السفر بها مع الأمن وعدم اشتراط ضده،
لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم.
(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما (مرفوعًا) أي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله إلى رجل أتى» رجلا أو «امرأة في دبرها» رواه النسائي وغيره (حسنه الترمذي) ونحوه لأحمد أيضًا وغيره، عن أبي هريرة، وعلي بن أبي طالب وعلي بن طلق وغيرهم مرفوعًا وموقوفًا، ولفظ الخمسة عن أبي هريرة مرفوعًا «ملعون من أتى امرأة في دبرها» والأحاديث قاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهن، وقد حرم الله الوطء في القبل لأجل الأذى فكيف بالحش الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغائية في مشروعية النكاح، وفيه من المفاسد الدينية والدنيوية ما هو معروف.
وقال الشيخ وطء المرأة في الدبر حرام بالكتاب والسنة وقول جماهير السلف والخلف بل هو اللوطية الصغرى، وسيأتي
في حد اللواط ما يكفي ويشفي، وما روي عن الشافعي فمن أصحابه من أنكره عنه، والقول الجديد عنه تحريمه، ولا يرضى أحد بنسبة جوازه إلى أمامه، وقال الربيع والله الذي لا إله إلا هو لقد نص الشافعي على تحريمه في ست كتب.
وقال ابن القيم قال الشافعي لا أرخص فيه بل أنهى عنه، وقال من نقل عن الأئمة إباحته فقد غلط عليهم أفحش الغلط وأقبحه، وإنما الذي أباحوه أن يكون الدبر طريقًا إلى الوطء في القبل، فيطأ من الدبر في القبل لا في الدبر، فإن فعله عزر لإتيانه معصية لا حد فيها ولا كفارة، وإن تطاوعا عليه فرق بينهما، قال الشيخ كما يفرق بين الرجل الفاجر وبين من يفجر به من رقيقه.
(وعن عمر) رضي الله عنه قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل) أي الزوج (عن) زوجته (الحرة) والعزل النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج (إلا بإذنها رواه أحمد) وفيه ابن لهيعة، ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن عباس نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها.
(ولمسلم عن عائشة) رضي الله عنها قالت (قال) رسول
الله صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي العزل (الوأد الخفي) أي دفن البنت
حية، سماه وأدًا لما تعلق من قصد منع الحمل، فدلت هذه الأحاديث على تحريم عزل الزوج عن زوجته الحرة إلا بإذنها، وقال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها. لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس
الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل، ويحرم من زوج أمة إلا بإذن سيدها، وهو مذهب الجمهور، وأما الأمة فلمسلم عن جابر أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال:«اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتي ما قدر لها» فيجوز العزل عن الأمة لهذا الخبر وغيره وهو مذهب الجمهور.
(وقال لعبد الله بن عمرو) بن العاص رضي الله عنه (وإن لزوجك عليك حقًا متفق عليه) وجاء من طرق بعد ذكر صومه التطوع أي لا ينبغي لأحد أن يجهد نفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب، وفيه:"وإن لنفسك عليك حقًا" وفي لفظ "ولجسدك عليك حقًا" مراعاته والرفق به وتقدم " ولنسائكم عليكم حقًا" ثم قال: "وحقها عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" فإذا انقطع في التعبد عن مصالح أهله وضعف عن القيام بحقوقهم كره ما لم يأذنوا به.
ولا وجه لقول بعضهم يبيت عند الحرة ليلة من أربع وينفرد إذا أراد في الباقي، فنص أحمد في الذي يصوم النهار ويقوم الليل على وجوب المبيت في المضجع، وكذا ما في النشوز يدل على وجوب المبيت في المضجع، وجواز التزوج بأربع لا يقتضي أنه إذا تزوج بواحدة يكون حال الانفراد كحال الاجتماع.
وقرر الشيخ وجوب المبيت في المنزل وأنه لا يهجر المضجع واختار وجوب الوطء بقدر كفايتها ما لم ينهك بدنه.
أو يشغله عن معيشة من غير تقدير مدة، فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم كالنفقة وكوطئه إذا زاد، قال وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال سواء كان يقصد من الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة وأولى للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعًا، ثاب أبو محمد المقدسي القول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود بالإجماع.
(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما (مرفوعًا) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم حين يأتي أهله» أي حين يريد أن يأتي أهله وفي لفظ "إذا أراد أن يأتي أهله" كنى به عن الجماع (يقول بسم الله) بركة واستعانة بالله (اللهم جنبنا الشيطان) باعده منا واعصمنا منه (وجنب الشيطان ما زرقتنا) من الولد فلا يكون له نصيبًا فيه (لم يضره الشيطان أبدًا متفق عليه) ورواه أهل السنن وغيرهم أي لم يسلط عليه فيكون من جملة الذين قال الله فيهم (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان).
قال الحسن يرجى إن حملت به أن يكون ولدًا صالحًا. فدل الحديث على استحباب التسمية وبيان بركتها في كل حال، وأن يعتصم بالله وذكره من الشيطان ويتبرك باسمه تعالى والاستعاذة به من جميع الأسواء، ولابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه إذا أنزل يقول اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتنا نصيبًا.
وينبغي أن يلاعبها قبل الجماع وتقدم أنها تجبر على تمكينه من جميع أنواع الاستمتاع المباحة، ويكره الوطء متجردين لما ورى ابن ماجه وغيره من حديث عتبة " فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين" ويكره كثرة الكلام حالة الجماع. لما روي "لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء" ويكره النزع قبل فراغ شهوتها، لما روي "إذا قضي حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها" لما في ذلك من الضرر عليها ومنعها من قضاء شهوتها، ويحرم الوطء بمرأى أحد أو مسمعه.
قال أحمد كانوا يكرهون الوجس يعني الصوت الخفي، ويأتي النهي عن التحدث به فكيف برؤيته.
(ولمسلم عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه مرفوعًا أي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن من شر الناس» ولفظ مسلم «أشر الناس» وجاءت الأحاديث باللفظين وشر الناس ضد خيرهم (عند الله منزلة يوم القيامة تهديد شديد وزجر من أ، (الرجل يفضي إلى المرأة) من أفضى الرجل إلى المرأة جامعها، أو خلا بها جامع أولا. (وتفضي إليه ثم ينشر سرها) أي وتنشر سره فيبدي كل منهما ما يجري بينه وبين صاحبه، ولأحمد وأبي داود من حديث أبي هريرة "هل منكم رجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره ثم يخرج فيحدث فيقول فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا" فسكتوا فأقبل على النساء فقال:«هل منكن من تحدث» فجثت فتاة على إحدى ركبتيها وتطاولت ليراها النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع كلامها فقالت: أي والله إنهم يتحدثون وإنهن
ليتحدثن فقال: «هل تدرون ما مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانه لقي أحدهما صاحبه بالسكة فقضي حاجته منها وللناس ينظرون إليه» .
فدل الحديثان وغيرهما على تحريم إفشاء الزوجين أو أحدهما لما يقع بينهما من أمور الجماع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري فيه بينهما من قول أو فعل ونحوه، وأما مجرد ذكر الجماع فإذا لم يكن لحاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة وللنهي عنه، وإن دعت إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن كان ينكر إعراضه عنها أو تدعي عليها العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم «إني لأفعله أنا وهذه» وقال لجابر "الكيس الكيس" وكما روي عن الرجل الذي ادعت عليه العنة قال: يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم.
فصل في القسم
أي العدل بين الزوجات في المبيت والنفقة والكسوة وغير ذلك مما يأتي تفصيله.
(قال تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا} أي إلى التي تحبونها {كُلَّ الْمَيْلِ} أي لا تتبعوا أهواءكم وأفعالكم في القسم في المبيت والنفقة وغير ذلك {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} أي إذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية فتدعوا الأخرى كالمعلقة لا أيما ولا ذات بعل، قال ابن عباس وغيره لا ذات بعل ولا مطلقة فدلت
الآية وغيرها مما سيأتي على وجوب التسوية في القسم بين من كان تحته امرأتان فأكثر، فإن أبى عصى وعليه القضاء للمظلومة، والتسوية شرط في البيتوتة لا في الجماع، فلا يجب لأنه يدور على النشاط، وليس ذلك إليه، وفي الكسوة والنفقة اختاره الشيخ وغيره، وتمييز إحداهن ميل.
ويكون في القسم ليلة وليلة إلا أن يرضين بأكثر، ولزوج أمة مع حرة ليلة من ثلاث لأنها على النصف منها وعماد القسم الليل لمن معاشه النهار، ومن معيشته بالليل كحارس يقسم بين نسائه بالنهار ويكون النهار في حقه كالليل في حق غيره.
وله أن يأتيهن وأن يدعوهن إلى محله، وأن يأتي بعضًا ويدعو بعضًا إذا كان مسكن مثلها، ولا يدخل على غير ذات ليلة فيها إلا لضرورة كمنزول بها أو ما لا بد منه عرفًا، ولا في نهارها إلا لحاجة كدفع نفقة أو سؤال عن أمر يحتاجه، فإن لبث أو جامع لزمه القضاء لا قضاء قبلة ونحوها.
ويقسم لحائض ونفساء ومجنونة مأمونة وغيرها، وإن سافرت بلا إذن أو أبت السفر معه أو المبيت عنده في فراشه فلا قسم لها ولا نفقة، لأنها عاصية كالناشز، وكذا إن سافرت بإذنه في حاجتها فلا قسم لها أيضًا ولا نفقة لعدم الاستمتاع بها ولحاجته فلا يسقط حقها.
(وقال) تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ} أي خشيتم {أَلَّا تَعْدِلُوا}
بين الأزواج أربع أو ثلاث أو اثنين {فَوَاحِدَةً} أي فانكحوا واحدة لا تزيدوا عليها {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني السراري لأنه لا يلزم فيها من الحقوق ما يلزم في الحرائر بل يطأ من شاء متى شاء، ولا قسم لهن ولا وقف في عددهن، بخلاف الحرائر فيجب القسم بينهن بإجماع المسلمين.
{ذَلِكَ} أي الاقتصار على زوجة واحدة أو ملك يمين {أَدْنَى} أي أقرب {أَلَّا تَعُولُوا} أي أن لا تجوروا يقال عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار، وقال بعضهم أقرب أن لا تجاوزوا ما فرض الله عليكم وأصل العول المجاوزة، والمراد أن لا تميلوا إلى من تحبون منهن دون الأخرى، كما في الآية الأولى فتأثموا بذلك.
(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من له امرأتان» أي مثلا «فمال إلى إحداهما» أي فضل إحداهما فلم يعدل بينهما بل مال إلى إحداهما دون الأخرى «جاء يوم القيامة وشقه مائل» أي أحد جنبيه مفلوج ساقط (رواه الخمسة) وغيرهم، وقال الحافظ سنده صحيح، والحديث دليل على أنه يجب على الزوج التسوية بين الزوجات، وأنه يحرم عليه الميل إلى إحداهن كما تقدم في الآية. والمراد في القسم والإنفاق ونحو ذلك مما يملكه الزوج لا في المحبة ونحوها، لأنها مما لا يملكه، كما قال تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} قال ابن عباس في الحب والجماع، ويستحب أن يسوي بينهن بجميع الاستمتاعات من
الوطء والقبلة والنظر وغير ذلك.
(ولهم) أي للخمسة وصححه ابن حبان وغيره (عن عائشة) رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم (كان يقسم بين نسائه) فيبيت عند كل واحدة ليلة (ويعدل) أي يسوي بين نسائه في البيتوتة، وعماده الليل لأنه الوقت الذي يأوي فيه الإنسان إلى منزله ويسكن إلى أهله وينام على فراشه مع زوجته عادة، والأولى أن يكون لكل واحدة منهن مسكنًا يأتيها فيه لفعله صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه أصون لها وأستر حتى لا يخرجن من بيوتهن، وإن دعاهن إلى محل يسكنه غير مساكن زوجاته جاز، وإن أقام عند واحدة ودعا الباقيات إلى بيتها لم تجب عليها الإجابة، ويقسم المريض كالصحيح، لقوله "أين أنا غدًا" رواه البخاري.
(ويقول اللهم هذا) أي هذا العدل (قسمي فيما أملك) أي فيما أقدر عليه (فلا تلمني) أي تعاتبني أو تؤاخذني (فيما تملك ولا أملك) يعني من زيادة المحبة وميل القلب فإنك مقلب القلوب، وقال الترمذي وغيره يعني به الحب والمودة، والحديث دليل على وجوب القسم فيما يملك الزوج، وأن المحبة وميل القلب أمر غير مقدور للعبد، بل هو من الله تعالى لا يملكه العبد قال تعالى:{وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} .
(وعن أنس) بن مالك رضي الله عنه (قال من السنة) وله حكم الرفع ورواه جماعة عن أنس وقالوا فيه قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (إذا تزوج الرجل البكر على الثيب) وذلك أن تكون عنده امرأة فيتزوج معها بكرًا (أقام عندها سبعًا) أي عند البكر أيام زفافها (ثم قسم) أي بين أزواجه (وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا ثم قسم متفق عليه) وقال ابن عبد البر الأحاديث المرفوعة على ذلك وليس مع من خالف حديث مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة، وللدارقطني عنه مرفوعًا "للبكر سبع وللثيب ثلاث" ويحمل المطلق على المقيد.
ولما تزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها أقام عندها ثلاثًا ثم قال: "ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي" والحديث وما في معناه يدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب بثلاث وتجب الموالاة في السبع والثلاث، وهو في حق من له زوجة قبل الجديدة، وقيل بسبب الزفاف، وقال النووي يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب، والإيثار يكون بالمبيت والقيلولة لا استغراق ساعات الليل والنهار.
(ولهما عن عائشة) رضي الله عنها (أن سودة بنت زمعة) ابن قيس بن عبد شمس بن عبد ود العامرية وكان صلى الله عليه وسلم تزوجها بمكة بعد موت خديجة وتوفيت بالمدينة سنة أربع وخمسين (وهبت يومها لعائشة) وللبخاري تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله يومي لعائشة فقبل منها رواه أبو داود، ولابن
سعد مرسلاً أنه صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له فقالت أنشدك الله لما راجعتني فراجعها قالت: فإني جعلت يومي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان صلى الله عليه وسلم يقسم) أي بين زوجاته لكل زوجة يوم (ولها) أي لعائشة (يومين يومها) أي يوم عائشة (ويوم سودة) الذي وهبته لعائشة وللبخاري وليلتها.
فدل الحديث على جواز هبة المرأة نوبتها لضرتها، ولهما عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج تقول أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وأنت في حل من النفقة علي والقسم، وفي رواية هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرًا أو غيره فيريد فراقها فتقول أمسكني وأقسم لي ما شئت فلا بأس إذا تراضيا فدلت الآية أيضًا على ما دل عليه الحديث من جواز إسقاط نفقة أو قسم أو غير ذلك مما يدخل تحت عموم الآية، والحديث ويعتبر رضي الزوج إذا وهبت نوبتها لضرتها لأن له حقًا في الزوجة فليس لها أن تسقط حقها إلا برضاه ويصح الرجوع لها فيما وهبت من نوبتها لأن الحق يتجدد.
(وعنها) أي عن عائشة رضي الله عنها (قالت كان) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه) لتعين القرعة من يسافر بها لتساويهن في الحق وعدم إمكان الجمع