الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القضاء
بالمد الولاية المعروفة، وهو في اللغة مشترك بين إحكام الشيء والفراغ منه، وبمعنى إمضاء الأمر، وبمعنى الحتم، والإلزام وفي الشرع إلزام ذي الولاية بعد الترافع بحكم الشرع في الوقائع الخاصة، لمعين أو جهة قال الشيخ: الواجب اتخاذ ولاية القضاء دينًا وقربة فإنها من أفضل القربات، وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرئاسة والمال بها، واتفقوا على أنه من فروض الكفايات، ويتعين على المجتهد الدخول فيه إذا لم يوجد غيره، والأصل في القضاء الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على وجوب نصب القضاة للفصل بين الناس.
(قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} أي بين اليهود، والآية عامة {بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} إليك من القرآن، وهذه الآية تأكيد للآية التي قبلها في الأمر بالحكم بما أنزل الله، والنهي عن خلافه، وقال تعالى بعد هذه الآية:{وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ} والتي قبلها {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} .
(وقال) تعالى {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} أي بالعدل، يأمر تعالى ولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده، ولا يعدلوا عنه فقال:{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} .
وتوعد من اتبع هواه بالعذاب الشديد، وقال {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} أي العدل {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي العادلين ويأتي في الحديث:"إن المقسطين على منابر من نور" والعدل محبوب باتفاق أهل الأرض، وهو من المعروف، الذي تعرفه القلوب، كما أن الظلم من المنكر الذي تبغضه القلوب وتذمه، قال الشيخ: ومن فعل ما يمكنه لم يلزمه ما يعجز عنه، والعبد إذا خلصت نيته لله، وكان قصده وهمه وعمله لوجه الله، كان الله معه، ومن كان الله معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء.
(وقال) تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} أقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة قسمًا مؤكدًا، أنه لا يؤمن أحد منهم {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} أي حتى يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمًا {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} في جميع الأمور مما اختلفوا فيه، فما حكم به مما اختلفوا فيه فهو الحق الذي يجب اتباعه، والانقياد له باطنًا وظاهرًا ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينفي عنهم الحرج، وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضًا حتى يقابلوه بالرضى والتسليم. فقال:{وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي ينقادوا إلى الأمر انقيادًا وذلك لفرض طاعته على من أرسله إليهم قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} أمره وقدره ومشيئته.
وذكر الشيخ أنه صار لفظ الشرع في هذه الأزمنة ثلاثة
أقسام الشرع المنزل وهو الكتاب والسنة، واتباعه واجب، ومن خرج عنه وجب قتاله، ويدخل فيه أصول الدين وفروعه، وسياسة الأمراء، وولاة المال، وحكم الحاكم، وولاة الحسبة، وغير ذلك، وكلهم يجب عليهم أن يحكموه ولا يخرجوا عنه، والثاني المتأول، وهو مورد النزاع، وهو الاجتهاد بين الأئمة، فمن أخذ بما يسوغ فيه الاجتهاد أقر عليه، ولم يجب على جميع الناس موافقته، إلا بحجة شرعية لا مرد لها من كتاب الله وسنة رسوله؛ والثالث الشرع المبدل مثل ما ثبت بشهادات الزور، ويحكم فيه بالجهل، أو يؤمر فيه بإقرار باطل، مثل تعليم مريض أن يقر لوارث بما ليس له، والأمر به حرام، والشهادة عليه محرمة، والحاكم إذا علم باطن الأمر وأنه غير مطابق للحق، فحكم به كان جائرًا آثمًا.
(وعن عمرو بن العاص) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا اجتهد الحاكم) أي اجتهد قبل الحكم (فأصاب) أي وقع اجتهاده موافقًا لحكم الله (فله أجران) أجر الاجتهاد وأجر إصابة الحكم، (وإذا اجتهد فأخطأ) أي لم يوافق ما هو عند الله من الحكم. (فله أجر) واحد على الاجتهاد في طلب الحق، لأن اجتهاده عبادة، ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط، وهذا فيمن كان جامعًا لأصل الاجتهاد عارفًا بالأصول، عالمًا بوجوه القياس، فأما من لم يكن محلاً للاجتهاد فهو متكلف ولا يعذر بالخطأ بل يخاف عليه الوزر للحديث
الآتي وهذا الحديث (متفق عليه).
وفيه أن الحكم عند الله في كل قضية واحد معين، قد يصيبه من أعمل فكره، وتتبع الأدلة الشرعية، ووفقه الله، وفيه الترغيب في القضاء، ويأتي، وفيه أنه يشترط أن يكون الحاكم مجتهدًا وهو المتمكن من أخذ الأحكام من الأدلة الشرعية، وقال بعض المتأخرين: مجتهدًا ولو في مذهب إمامه، وقال الشيخ: والواجب أن يكون مجتهدًا في الأدلة الشرعية من الكتاب، والسنة وأن تكون هي إمامه، ويكون تتبعها عوضًا عن تتبع نصوص إمامه، فلهي أقرب إلى الأفهام وأدنى إلى إصابة المراد، فإنه أبلغ الكلام بالإجماع، وأعذبه في الأفواه والأسماع، وأقرب إلى الفهم والانتفاع.
وقال: من اعتقد أنه يجب على الناس اتباع أحد بعينه، من هؤلاء الأئمة، دون الإمام الآخر، فإنه يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، قال: وغاية المتعصب لأحدهم أن يكون جاهلاً بقدر العلم والدين، وبقدر الآخرين فيكون جاهلاً ظالمًا، والواجب موالاة المؤمنين والعلماء وقصد الحق واتباعه.
قال ابن رشد: وتولية القضاء شرط في صحة قضائه، لا خلاف أعرفه فيه، ولا خلاف في حكم الإمام الأعظم، قال الشيخ: والوكالة يصح قبولها على الفور والتراخي، بالقول والفعل، والولاية نوع منها اهـ. والحاكم فيه ثلاث صفات
فمن جهة الإثبات هو شاهد، ومن جهة الأمر والنهي هو مفت، ومن جهة الإلزام بذلك هو ذو سلطان، واتفقوا على أنه يحكم في كل شيء من الحقوق، سواء، كان الحق لله أو لآدمي، وأنه نائب عن الإمام الأعظم في هذا المعنى، وحقيق بمن أقيم بهذا المنصب أنه يعد له عدته، وأنه يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به.
وقال ابن القيم: لما كان التبليغ عن الله يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية، والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالمًا بما يبلغ به صادقًا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله اهـ، وأقل ما يشترط فيه صفات الشاهد باتفاق العلماء، لأنه يجب عليه الحكم بالعدل، وذلك يستلزم أن يكون عدلاً في نفسه.
(وفي السنن عن بريدة مرفوعًا: القضاة ثلاثة) أي ينقسم القضاة إلى ثلاثة اقسام (إثنان في النار وواحد في الجنة)
وكأنه قيل: من هم؟ فقال: (رجل عرف الحق فقضى به فهو
في الجنة) فلا بد من العلم والعمل (ورجل عرف الحق فلم
يقض به) وقضى بالظلم (وجار في الحكم) فتعدى الحكم الشرعي عامدًا (فهو في النار) لجوره (ورجل لم يعرف الحق) ليقضي به (فقضى للناس على جهل) وإن وافق الحق (فهو في
النار) لتعمده القضاء على جهل، فالعمدة العمل، فإن من عرف الحق ولم يعمل به، فهو من حكم بجهل سواء في النار، بل العامد أولى، ففيه أنه لا ينجو من النار من القضاة إلا من عرف الحق وعمل به، وفيه أعظم وازع عن الدخول في هذه المنصب، الذي ينتهي بالجاهل والجائر إلى النار، وفيه النهي عن تولية الجاهل القضاء.
ويحرم الدخول فيه على من لا يحسنه، وقال الشيخ: من باشر القضاء مع عدم الأهلية المسوغة للولاية، وأصر على ذلك عاملاً بالجهل والظلم، فهو فاسق، ولا تنفذ أحكامه ولا عقوده كما تنفذ أحكام العالم العادل.
(وعن ابن عمر) رضي الله عنهما (مرفوعًا: إن المقسطين) أي العادلين في أحكامهم (على منابر من نور عن يمين الرحمن) فيه إثبات صفة اليمين لله عز وجل، وعلو مرتبة (الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم) زوجاتهم وعيالهم (وما ولوا) من ولاية عامة وقضاء وغير ذلك (رواه مسلم) ففي الحديث فضل من يحكم بالعدل، وعلو منازلهم عند الله يوم القيامة؛ وفيه وفي حديث عمرو، ونحوهما الترغيب في القضاء لمن عدل في قضائه؛ ولأحمد من حديث عائشة "السابقون إلى ظل الله يوم القيامة، الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سألوه بذلوه، وإذا حكموا بين الناس حكموا كحكمهم لأنفسهم".
قال الشيخ: وليس لأحد أن يقلد في المسألة الواحدة غير مقلده إذا أن مذهب من يقلده، يجعل الحق عليه، بل عليه باتفاق الأئمة أن يعدل بين غيره وبين نفسه في الأقوال والأحكام، فإذا اعتقد وجوب شيء أو تحريمه اعتقد ذلك عليه وعلى من يماثله، وقال: من ألزم نفسه التزامه، فلا بد أن يلتزمه فيما له وعليه، كشفعة الجوار بلا نزاع، ولا يجوز أن يتتبع الرخص اهـ.
وفي البزار من حديث أبي هريرة " من ولي من أمور المسلمين شيئًا وكل الله به ملكًا عن يمينه، وملكًا عن شماله، يوفقانه ويسددانه" وللترمذي وابن ماجه "إن الله مع القاضي ما لم يجر" والمراد القاضي العادل الذي لم يسأل القضاء، ولم يستعن عليه بالشفعاء، ولديه من العلم بكتاب الله وسنة رسوله ما يعرف به الحق من الباطل.
وقال أحمد: لا ينبغي أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال، أن يكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه، وأن يكون له حلم ووقار وسكينة، وأن يكون قويًا على ما هو فيه، وعلى معرفته وكفايته، وإلا احتاج إلى الناس والخامسة معرفة الناس.
(وعن أبي هريرة مرفوعُا من ولي القضاء) بين الناس (فقد ذبح بغير سكين) تحذير من تولي القضاء، لما فيه من الخطر العظيم (رواه الخمسة) وصحيحه ابن خزيمة وابن حبان
وغيرهما، كأنه يقول: من تعرض القضاء فقد تعرض لذبح نفسه، فليحذره وليتوقه، فإنه إن حكم بغير الحق مع علمه به، أو جهله له فهو في النار، والمراد من ذبح نفسه إهلاكها، أي فقد أهلكها بتوليه القضاء، وكونه بغير سكين حيث أنه لم يرد بالذبح فري الأوداج، وإزهاق النفس، وإراحتها بالسكين، وإنما ذبحها بما الألم فيه أكثر، فأشار إليه ليكون أبلغ في التحذير، أو أنه أراد إهلكها بالعذاب الأخروي، أو أنه إن أصاب الحق فقد أتعب نفسه، لإرادته الوقوف عليه، وموقفه مع الخصمين ونحو ذلك، وإن أخطأ لزمه عذاب الآخرة، فلا بد له من التعب والنصب.
(وعن أبي ذر) رضي الله عنه (قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟) أي في ولاية من الولايات (قال: إنك ضعيف) أي فلا تصلح للاستعمال (وإنها أمانة) أي يصعب حملها على من فيه ضعف (وإنها يوم القيامة خزي وندامة) عند المحاسبة لمن أخذها بغير حقها، وتقدم "القضاة ثلاثة" ذكر منهم "اثنان في النار"(إلا من أخذها بحقها) وللطبراني من حديث زيد (نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحملها)(وأدى الذي عليه فيها) بأن عدل فيمن تولى عليه، وقد كان أهلاً فأجره عظيم (رواه مسلم) وفي معناه ما رواه البزار وغيره "أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل" ورواه الطبراني، وله نحوه أيضًا وفيه "نعم الإمارة لمن أخذها بحقها،
وبئس الإمارة لمن أخذها بغير حقها، تكون عليه حسرة يوم القيامة.
وذكر النووي أن حديث أبي ذر أصل عظيم في اجتناب الولاية، ولا سيما لمن كان فيه ضعف، وهو من دخل فيها بغير أهلية، ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط منه، إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان من أهلها، وعدل فيها فأجره عظيم، كما تظاهرت به الأخبار، ولكن الدخول فيها خطر عظيم، ولذلك امتنع الأكابر منها.
(وللبخاري عن أبي هريرة) رضي الله عنه أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعد قوله: «إنكم تحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة» (نعمت المرضعة) أي في الدنيا من حصول الجاه والمال، ونفاذ الكلمة، وتحصيل اللذات الحسية والوهمية، حال حصولها (وبئست الفاطمة) أي بعد الموت، لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون في ذلك هلاكه، أو لما يصيبه عند الانفصال عنها.
(وعن أبي موسى) رضي الله عنه (مرفوعًا) إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنا والله لا نولي هذا العمل) أي مما ولاه عليه من إمارة أو قضاء أو غيرهما (أحدًا سأله) لأنه إذا سأله وكل إلى نفسه (أو أحدًا حرص عليه) أي على تولي العمل من أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أنه لا يعان عليه، والحديث متفق عليه،
كما سيأتي وذلك أن أبا موسى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ورجلان من بني عمه، فقال أحدهما: أمرنا على بعض ما ولاك الله، وقال الآخر مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنا والله» .
فأقسم بالله وهو البار الراشد، أنه لا يولي هذا العمل أحدًا سأله أن يوليه إياه، أو حرص على ذلك، والحكمة والله أعلم أنه لا يولي من سأل الولاية، لأنه يوكل إليها، ولا يكون معه إعانة كما سيأتي، وإذا لم يكن معه إعانة، لا يكون كفؤًا ولا يولي غير الكفء.
(وقال) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة) وفي لفظ "لا تتمن الإمارة" والإمارة عامة لكل إمارة من الإمامة العظمى، وما دونها من كل ولاية، ومنها القضاء (إنك إن أعطيتها من غير مسألة) أي عن غير سؤال (أعنت عليها) ولأبي داود وغيره "ومن لم يطلبه، ولم يستعن عليه، أنزل الله ملكًا يسدده"(وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها) أي صرفت إليها، ولا تكون حينئذ معانًا من عند الله (متفق عليهما).
فمن طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها، من أجل حرصه، فيكره الدخول في القضاء ونحوه عن حرص أو
مسألة لأن من حرص على ذلك لا يعان أن لا يحصل منه
العدل إذا ولي، وإنما يخشى عليه حيث
كان مسلوب الإعانة أن يتورط فيما دخل فيه، فيخسر دنياه وآخرته، وفي السنن:"من طلب القضاء وكل إلى نفسه" وربما كان طلبه لذلك إرادة للظهور على عدو ونحو ذلك، فيكون في توليته مفسدة عظيمة.
وهذا والله أعلم محمول على الأغلب، وإلا فقد قال الله عن يوسف (اجعلني على خزائن الأرض) وقال عن سليمان {هَبْ لِي مُلْكًا} ولأبي داود من حديث أبي هريرة " من طلب قضاء المسلمين حتى يناله، ثم غلب عدله جوره فله الجنة" ويجب على ولي الأمر أن يولي الأفضل، لما روى البيهقي وغيره "من استعمل رجلاً على عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرض لله منه، فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين".
(ولأبي داود، من حديث أبي شريح) قال الحافظ: اسمه هانئ بن يزيد الكندي، وفي الخلاصة خويلد الخزاعي (قال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء) نكرة عامة (أتوني فحكمت بينهم) حيث كان صاحب عدل، يصلح بينهم (فرضي كلا الفريقين) لأن مدار الصلح على الرضى (فقال) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أحسن هذا» أي ما أحسن الصلح الذي يرضى به كلا الفريقين، وفي الحديث قال:«إن الله هو الحكم وإليه الحكم» يحكم بين خلقه في الدنيا بوحيه الذي أنزله، وإليه الحكم في الدنيا والآخرة، فدل على فضيلة الصلح إذا لم يجد
القاضي نصًا يعتمده وأن الاجتهاد من العالم جائز بشرطه.
(وبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيًا (و) بعث عليًا رضي الله عنه قاضيًا وجابيًا في اليمن، رواه أبو داود وغيره (و) بعث (معاذًا) يعني ابن جبل رضي الله عنه قاضيًا في اليمن، وكذا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فكل هؤلاء بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (قضاة) وكذا عتاب من أسيد بعثه قاضيًا في مكة.
(وقال) صلى الله عليه وسلم (لمعاذ) بن جبل (بم تحكم؟) به بين الخصمين (قال: بكتاب الله) فهو أول ما ينظر فيه (قال: فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) فينظر فيها بعد كتاب الله (قال: فإن لم تجد؟ أي فإن لم تجد حكم ما أدلى به إليك في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يمكنه استنباط الحكم منهما (قال اجتهد رأيي) ولا ريب أنه فيما لم يخالفهما، وفيه أن السلف استعملوا الرأي الصحيح، وعملوا به، وأفتوا به، وسوغوا القول به، وذموا الباطل، ومنعوا من العمل والقضاء والفتيا به، وأطلقوا ألسنتهم بذمه، وذم أهله، بل يحرم القضاء والإفتاء في دين الله بالرأي المتضمن لمخالفة النصوص، والرأي هو الذي لم تشهد له النصوص بالقبول، والرأي الحق الذي لا مندوحة عند لأحد من المجتهدين هو ما يراه القلب بعد فكر وتأمل، وطلب لمعرفة وجه الصواب، مما تعارض فيه الأمارات.