الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى أن جاء النعمان فقال: لا يحل، واتفقوا على أنه إن خرج حيًا يعيش مثله لم يبح إلا بالذبح.
(وعن رافع) بن خديج رضي الله عنه (قال: ند بعير) أي نفر من إبل القوم وكانوا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن معهم خيل (فرماه رجل بسهم) السهم النبل) ونبله رماه به (فحبسه) أي أصابه السهم فوقف (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لهذه البهائم أوابد) أي توحشًا (كأوابد الوحش) أي شديد الهرب من حيوان البر (فما فعل منها هذا) أي فما ند منها كما يند أوابد الوحش (فافعلوا به هكذا) متفق عليه.
فدل على جواز أكل ما رمي بالسهم فجرح في أي موضع كان من جسده، بشرط كونه متوحشًا كما نص عليه الشارع، أو كان وحشيًا، وهو مذهب الجمهور، وقالوا فيما إذا وقع بعير أو بقرة أو شاة في بئر، فلم يقدر عليه إلا أن يطعن في سنامه أو عقره، فإنها تنتقل ذكاته من الذبح والنحر إلى العقر، إلا أن مالكًا قال: لا يجوز إلا أن يذكي، وقال أحمد لعله لم يسمع حديث رافع.
باب الصيد
أي هذا باب يذكر فيه أحكام الصيد والصيد هو الحيوان الوحشي الذي يحل أكله، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، وهو لحاجة جائز، وللهو واللعب مكروه، وإن كان
فيه ظلم للناس بالعدوان على زروعهم وأموالهم فحرام، وتقدم أن الله حرم صيد الحرم، ومنع منه، وأن المحرم لا يباح له أن يصيد، ولا يحل له ما صيد لأجله، واشترطوا لإباحة الصيد أربعة شروط، كون الصائد من أهل الذكاة، وكون الآلة محددة، والجارح معلماً وقصد الصيد، والتسمية ويأتي مفصلاً.
(قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}) أي ما يصطاد منه طريًا {وَطَعَامُهُ} أي ما يتزوج منه مليحًا يابسًا، وقال ابن عباس وغيره: صيد البحر ما أخذ منه حيًا وطعامه ما لفظه ميتًا وقال أبو بكر: كل ما فيه {مَتَاعًا لَكُمْ} أي منفعة وقوتًا لكم أيها المخاطبون {وَلِلسَّيَّارَةِ} جمع سيار أي المسافرين، فدلت الآية على حل صيده وطعامه وميتته، وبحديث «الطهور ماؤه، الحل ميتته» وخبر الجيش الذي فيهم أبو عبيدة وهم ثلثمائة «انتهوا إلى البحر فإذا بحوت مثل الظرب، أكلوا منه ثمانية عشرة ليلة، وتزوجوا منه» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو رزق أخرجه الله لكم» .
{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} أي في حال إحرامكم، وتقدم حكمه، ومفهوم الآية حله في غير حرم وإحرام.
(وقال) تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ} أي من إحرامكم {فَاصْطَادُوا} أي إذا فرغتم من إحرامكم وأحللتم منه، فقد أبحنا لكم ما كان محرمًا عليكم في حال الإحرام من الصيد، فرد الحكم إلى ما
كان عليه قبل النهي، فإن كان واجبًا رده واجبًا، وإن كان مستحبًا فمستحب، أو مباحًا فمباح، قال جمع من أهل العلم: الأمر الوارد بعد النهي يرفع النهين فيعود الحكم إلى ما كان عليه في الغالب، وهو هنا إباحة الاصطياد واتفق أهل العلم أن الأمر هنا أمر إباحة لا أمر وجوب.
(وقال) تعالى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} وفي سورة الأعراف {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} قيل: نزلت في عدي وزيد قالا: إنا نصيد بالكلاب والبزاة، فماذا يحل لنا؟ فنزلت {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} أي وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح، وهن الكلاب المعلمة، والبازي وكل طير يعلم للصيد.
والجوارح هي الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها، وعامة العلماء أن المراد من الجوارح الكواسب من سباع البهائم، كالفهد والنمر والكلب، ومن سباع الطير، كالبازي والعقاب والصقر ونحوها مما يقبل التعليم، فيحل صيد جميعها، سميت جارحة لجرحها أربابها أقواتهم من الصيد، أي كسبها، يقال: فلان جارحة أهله أي كاسبهم.
(مكلبين) المكلب هو الذي يغري الكلب على الصيد، أي في حال تكليبكم هذه الجوارح، أي إغرائكم إياها على الصيد، ذكر الكلاب لأنها أكثر وأعم، والمراد جميع جوارح الصيد (تعلمونهن) تؤدبونهن آداب أخذ الصيد {مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ} أي
من العلم الذي علمكم الله، وذلك أنه إذا أرسله استرسل، وإذا أشلاه استشلى، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه، ولا يمسكه لنفسه، فهذه ثلاثة أشياء إذا وجدت فيه كان معلمًا إذا أشلي استشلى، وإذا زجر انزرج، وإذا أخذ الصيد أمسكه ولم يأكل فمتى كان كذلك {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} من الصيد فالجارحة المعلمة إذا خرجت بإرسال صاحبها، فأخذت الصيد وقتلته كان حلالاً.
ثم قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} أي عند إرساله، فيقول: بسم الله، ويسن والله أكبر؛ كما بينته السنة فالتسمية شرط حالة الذبح، وفي الصيد حالة إرساله الجارحة، أو السهم فمتى كان معلمًا وأمسك على صاحبه، وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت إرساله حل الصيد وإن قتل بالإجماع وقال الوزير: اتفقوا على أن من شرط تعليم سباع البهائم أن يكون إذا أرسله استرسل وإذا زجره انزجر.
واشترط الجمهور ترك الأكل ولم يشترط مالك واتفقوا على أن سائر الجوارح سوى الكلب لا يعتبر في تعليمه ترك الأكل مما صاده، وإنما تعليمه هو أن يرجع إلى صاحبه إذا دعاه؛ قال الشيخ والتحقيق أن المرجع في تعليم الفهد إلى أهل الخبرة، فإن قالوا إنه من جنس تعليم الصقر بالأكل لحق به وإن قيل إنه يعلم بترك الأكل كالكلب لحق به، وإذا لحق بالكلب بعد تعلمه، لم يحرم ما أمسك من صيده، ولم يبح ما أكل منه
{وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .
(وعن أبي ثعلبة) الخشني رضي الله عنه (قلت: يا رسول الله إنا بأرض صيد) أي يكثر فيها الصيد فـ (أصيد بقوسي) أي بالنبل (وأصيد بكلبي المعلم) وهو الذي يغرى فيقصد ويزجر فيقعد، وأما غير المعلم فهو الذي لا يمتثل الزجر، ولا يترك أكل ما أمسك، (والذي ليس بمعلم؟ فقال: ما صدت بقوسك) وتقدم صفة القوس، والمراد: بحده لا بعرضه، فمات (وذكرت اسم الله عليه) أي عند غرسال سهمك.
(فكل) ما أمسك عليك بهذه الصفة، فدل على اشتراط التسمية عند إرسال السهم، وكذا عند إرسال الجارحة، وفي حديث عدي "وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله" وظاهر الكتاب والسنة وجوب التسمية، وهو قول الجمهور، وإنما تسقط سهوًا للأخبار. (وما صدت بكلبك المعلم
وذكرت اسم الله عليه فكل) وفي رواية "إذا أرسلت كلبك المعلم" فلا يحل إلا إذا أرسله صاحبه فلو استرسل بنفسه، لم يحل ما يصيده إذا قتل، عند الجمهور، وظاهره إن لم يذكر اسم الله عليه فلا يأكل كما تقدم، وقيل لا تسقط بحال، بخلاف الذكاة فإن التسمية تسقط فيها سهوًا، والفرق بينهما كثرة الوقوع، وتكرره، بخلاف الصيد، ولا يضر إن تقدمت التسمية بيسير،
أو تأخرت بيسير عرفًا، وبكثير في جارح، إذا زجره فانزجر، ولو سمى على صيد فأصاب غيره حل، لا على سهم ألقاه
ورمى بغيره، ثم قال:"والذي ليس بمعلم" أي وما صدت بكلبك غير المعلك "فأدركت ذكاته، متفق عليه" فالاعتماد هنا على التذكية لا على إمساك الكلب.
ودل الحديث على إباحة الصيد بالكلاب المعلمة، وهو مذهب الجمهور، بشرط إرساله إذا أرسله، وانزجاره إذا زجره، وانصرافه بدعائه، وإمساك الصيد عليه، وأن لا يأكل منه، وأن الكلب غير المعلم لا يؤكل ما صاده إلا ما أدرك ذكاته والآية والسنة دلتا على شمول الجوارح الكواسب، ومن سباع البهائم والطير والفهد والنمر والعقاب والبازي والصقر والشاهين ونحوها، لأن العرب إذا ذاك تصيد بالكلاب والطيور، ولأن المكلب هو معلم الجوارح، ومضراها بالصيد لصاحبها، وارائضها لذلك، بما علم من الحيل، وطرق التأديب وحكي أنه قول فقهاء الأمصار.
(ولهما) أي البخاري ومسلم (عن عدي) بن حاتم رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله إنا نرسل الكلب المعلم فيمسك علينا) أي ولا ندركه إلا بعد موت الصيد (قال: كل) أي ما أمسكه عليك، وظاهره ولو أرسله على صيد فصاد غيره (قلت فإن قتل) أي ما صاده لنا (قال: وإن قتل) أي فكل لزهوقه بالجارح المعلم (ما لم يشركه كلب غيره) أي فإن شركه كلب غير كلبك المعلم فلا تأكل وفيه "فإن أخذ الكلب ذكاته" وذلك إذا لم يدركه الصائد إلا بعد الموت، سواء قتله
جرحًا أو خنقًا، وإلا فالتذكية واجبة اتفاقًا لقوله "فإن أدركته حيًا فاذبحه" وإن أدركته وفيه بقية حياة، فإن كان قد قطع حلقومه أو مريئه أو جرح أمعاءه أو أخرج حشوته حل بلا ذكاة قال النووي: بالإجماع.
(فإنك إنما سميت على كلبك) فدل على وجوب التسمية عند الإرسال (ولم تسم على الآخر) نهى عنه لاحتمال تأثير كلب آخر غير المرسل، ترجيحًا لجانب الحظر، وفي رواية وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره. وقد قتل فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله، فدل الحديث على حل أكل ما صاده كلبه المعلم، وإن قتل الصيد، ودل على أنه لا يحل أكل ما يشاركه كلب آخر في اصطياد، ومحله إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة فإن تحقق أنه أرسل من هو من أهل الذكاة، حل، وإن لم يقتل فإباحته متوقفة على التذكية لا على الإمساك.
(قال: وإن قتل) أعاده لما يأتي من قوله (إلا أن يأكل الكلب) أي الذي أرسلت، وفي رواية:"وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله (فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه) يعني الكلب، فدل على أنه يحرم ما أكل منه الكلب ولو كان معلمًا لتعليله بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه وهذا مذهب جمهور العلماء، ومن شرط المعلم أن لا يأكل، فأكله دليل على أنه غير كامل التعليم، وما ورد في خبر ثعلبة "وإن أكل منه" فحديث عدي أصح وأصرح، ومقرون بالتعليل
المناسب للتحريم، وهو خوف الإمساك على نفسه، متأيد بأن الأصل في الميتة التحريم، ويدل عليه ظاهر القرآن، وهو قوله {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} أي صدن لكم.
ولأحمد من حديث ابن عباس: "إذا أرسلت كلبك، فإن أكل الصيد فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، فإذا أرسلته فقتله ولم يأكل، فكل فإنما أمسك على صاحبه" فجعله صلى الله عليه وسلم علامة على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه، وقال ابن القيم: لا تعارض بين الحديثين على تقدير الصحة، ومحمل حديث عدي في المنع على ما إذا أكل منه حال صيده، لأنه إنما صاد لنفسه، ومحمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا أكل منه بعد أن صاده ونهي عنه.
ثم أقبل عليه فأكل منه، فإنه لا يحرم لأنه أمسكه لصاحبه، وأكله منه بعد ذلك: كأكله من شاة ذكاها صاحبها، أو من لحم عنده، فالفرق بين أن يصطاد ليأكل، أو يصطاد ثم يعطف عليه فيأكل منه، فرق واضح، فهذا أحسن ما يجمع به بين الحديثين.
(وسئل) صلى الله عليه وسلم (عن صيد المعراض) قال ابن التين: إنه عصا في طرفه حديدة يرمي به الصائد، فما أصاب بحده ذكي، وما أصاب بعرضه فوقيذ، وقيل: هو السهم الذي لا ريش له، ولا نصل (فقال: ما خزق) أي بحده وقتل (فكل) فتلك ذكاته (وما قتل بعرضه) يعني المعراض (فهو وقيذ) أي موقوذ، والموقوذ ما قتل بعصا أو حجر أو ما لا حد فيه وقتل (فلا تأكل) فدل على أنه لا يحل صيد المثقل، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وبندق
الرصاص أقوى من كل محدد فيحل به الصيد.
(ولهما عنه) أي عدي بن حاتم رضي الله عنه (مرفوعًا: إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين) وفي لفظ "ثلاث ما لم ينتن" أي تخبث رائحته (ليس به إلا أثر سهمك) أي نبلك (فكل) وفي رواية "فكل ما لم يبت" والتعليل بما لم ينتن، وما لم يبت، نص فيحمل ذكر الأوقات على التقييد به، ويترك الأكل على الاحتياط، وترجيح جانب الخطر، وإن وجد به أثر غير سهمه لم يأكل كما تقدم، فيما إذا خالط كلبه كلب آخر.
قال الشيخ: إذا لم يكن فيه إلا سهمه فإنه يحل، على الصحيح من أقوالهم، وبه أفتى النبي صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم، وفي حديث أبي ثعلبة "فغاب عنك ثلاثة أيام، وأدركته فكل ما لم ينتن" فهذان الحديثان أفتى بهما النبي صلى الله عليه وسلم ومن أفتى بغير ذلك فلم يبلغه الحديث، وأما إذا انتن فيكره أكله.
(وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل) وهذا باتفاق العلماء إلا أن يتحقق أن سهمه أصابه فمات، ولم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم، وظاهره، وإن وجد به أثر السهم، لأنه يجوز أنه ما مات إلا بالغرق، ما لم يتحقق موته قبل وقوعه في الماء.
وقال الوزير: اتفقوا على أنه إذا وجده في ماء، أو قد تردى من جبل، فإنه لا يلح أكله، لأنه يجوز أن يكون الماء أو الجبل هما اللذان قتلاه.